حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حوار مع وزير الاتصال المغربي مصطفى الخلفي حول السينما وحرية الإبداع ... وأشياء أخرى

حاوره: أحمد بوغابة / المغرب

 

أثار نص الأسبوع الماضي الذي نُشر في موقع الجزيرة الوثائقية يوم الإثنين 18 فبراير 2013 بعنوان: (إنهم يريدون "اغتيال" مهرجان السينما المغربية) نقاشا واسعا وسط المهتمين والمهنيين والمتتبعين للشأن السينمائي المغربي عن قُرب وخاصة الجدل حول استقرار المهرجان الوطني للفيلم المغربي بمدينة طنجة أو الترحال به في "الأسواق" كالعطار في الأزمنة الغابرة باحثا له، في كل مرة، عن مأوى من ذوي الحسنات إن وُجدوا طبعا!!! 

فقد بادر الكثيرون بإعادة نشره في مواقعهم الاجتماعية والإخبارية ووزعه الكثيرون في ما بينهم محترمين طبعا المصدر المتمثل في موقع الجزيرة الوثائقية.

كما بادر البعض يالاتصال بي شخصيا مقترحين أشكال نضالية متعددة ومختلفة للدفاع عن المهرجان من أجل الحفاظ به في طنجة. ومن بين المتصلين أطر حزبية وأخرى مرتبطة ببعض المؤسسات الرسمية. في هذا السياق نفسه اتصل بي هاتفيا يوم الثلاثاء الماضي، 19 فبراير 2013، السيد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال المغربي، حيث ناقشني في حيثيات النص بحكم الزمالة المهنية التي جمعتنا والصداقة الشخصية المحترمة والمتبادلة بيننا منذ سنوات.

وبما أن الحديث بيننا مس كثير من النقط الواردة في النص وحول السينما المغربية ولم يكن بإمكاننا الحسم فيها هاتفيا فقد اتفقنا حينها أن نلتقي قبل نهاية الأسبوع لإجراء حوار حول الإشكاليات المطروحة في  السينما المغربية لتنوير الرأي العام المحلي والعربي.

ورغم أن يوم الخميس، 21 فبراير 2013، هو من الأيام التي يكون فيها برنامج الوزير مكثف بعدد من المواعيد بعد مجلس الحكومة والندوة الصحفية التي تليها وبعض الطوارئ الاستعجالية تهم وزارة الاتصال باعتبار أن هذه الوزارة هي في الواجهة الإعلامية لكون الوزير هو أيضا الناطق الرسمي باسم الحكومة، ورغم كل هذا وما سبق تمكنا معا، بجُهْدٍ جهيد، من إيجاد فرصة للحوار في ساعة متأخرة من الليل... ولكم الآن ما جرى فيه:

·     الأستاذ مصطفى الخلفي، لقد مرت الآن سنة وشهرين على توليكم منصب وزارة الاتصال. فكيف تقيِّمُون حصيلتكم في هذه الوزارة؟

هذه السنة هي استثنائية في تاريخ الإعلام الوطني بحكم أن قضايا الإعلام كانت في صُلب النقاش العمومي وبحكم أنها كانت محط جدل ونقاش بفضل المشاريع التي طُرحت. مشاريع إصلاحات نوعية وجوهرية تمثلت أولا في اعتماد دفاتر تحملات جديدة للإعلام السمعي – البصري وترتكز على مفهوم الخدمة العمومية وصيانة التعددية وإرساء منظومة جديدة في علاقة مع شركات الإنتاج تقوم على التنافسية وتكافؤ الفرص والعلنية. ودفاتر التحملات هاته هي جزء من مسلسل يقوم أيضا على اعتماد عقد برنامج لوضع استراتيجية لرفع من تنافسية ومهنية وجودة الإعلام السمعي – البصري العمومي في ظرفية تعيش تحولات بفعل الثورة التكنولوجية الرقمية، ووفرة العرض الإعلامي السمعي – البصري الذي تجاوز حدود التوقعات خاصة بعد توالد مآت من القنوات الفضائية. فالثورة التكنولوجية قد أتاحت وفرة العرض ويالتالي فإن إنتظارات المغاربة كبيرة لإعلام وطني يواكب مجموع التحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. في هذا الإطار كانت دفاتر التحملات وما شهدته من نقاش عمومي ثم بعد ذلك تنزيلها في الإعلام والتمكن من إعلان عن طلبات عروض جديدة هو ما يمكننا من القول بأنه إنجاز مُعتبر وهائل. وفي نفس الوقت أيضا كانت سنة استثنائية من حيث إعلان عن مسودة مُدونة الصحافة والنشر وتكوين لجنة علمية استشارية تضم حقوقيين ومهنيين وأكاديميين لدراسة هذه المسودة وتقديم الرأي بصددها.

إنها سنة استثنائية بفتح ورش الصحافة الإلكترونية، هذا قطاع رائد يتنامى من الناحية الكمية لكن لا يتوفر على إطار قانوني يوفر له الاعتراف والحماية ويُوفر له أيضا سُبل التطور، خاصة وأن التحديات الإخبارية على المستوى العالمي هي تحديات اصبحت الآن ترتبط بالشبكات الاجتماعية والمحتوى الإخباري على الأنترنيت. كانت أيضا سنة استثنائية على المستوى السينمائي من خلال مشروعين، المشروع الأول يهم إصلاح شمولي ومتكامل في إطار تشاركي مع الهيئات المهنية السينمائية، تقريبا 11 هيئة مهنية، تتمثل في منظومة الدعم الجديد تخص الأفلام السينمائية والمهرجانات والقاعات. إرساء منظومة جديدة تقوم على ضمان تكافؤ الفرص، وهذه المنظومة تقوم أيضا على الحق في المرافعة والدفاع على المشاريع أمام لجن مستقلة. منظومة جديدة تقوم على تشديد واضح للمعايير وفق دفاتر التحملات تمت المصادقة عليها بحضور المهنيين في إطار المجلس الإداري للمركز السينمائي المغربي. ثم أيضا بإرساء نظام للتتبُع مآل صرف الدعم عبر مؤسسات ذات مصداقية. إذن، هذه المنظومة الجديدة للدعم، وهذا الإصلاح كان مطروحا منذ سنوات، فقد صدر مرسوم المُنظم للدعم في سنة 1987. والآن صدر المرسوم الثاني في سنة 2012. والورش الثاني في هذه السنة الاستثنائية أيضا هو تنظيم المناظرة الوطنية حول السينما...

·     ...قبل الحديث عن المناظرة السيد الوزير أقف عند نقطة مهمة وردت في جوابكم حيث قلتم أنه أصبح بالإمكان لأصحاب المشاريع المرافعة عنها أمام لجن مستقلة. فهل لم تكن اللجن من قبل مستقلة؟ فما هو تحفظكم على اللجن السابقة؟ فلمن كانت تابعة إذا لم تكن مستقلة؟

لا.. لا.. أقصد أن المنظومة القانونية في السابق لم يكن بها نص صريح على أنها لجن مستقلة بمرسوم قانوني. أما في المرسوم الحالي والقرارات المبنية عليه ينص صراحة على  أنها لجن مستقلة. أما ما يخص مسألة المرافعة أمام اللجن فلم يكن موجودا أصلا في السابق إذ أصحاب المشاريع يقدمونها إلى اللجنة وتدرسها في غيابهم، هذا هو النظام القانوني السابق. أما الآن في النظام الجديد، وبالاستفادة من التجارب الدولية الأجنبية، فقد لا حظنا أنه حينما يأتي صاحب المشروع ويُرافع عليه أمام اللجنة ويتفاعل معها فهو يُمَكِّنُها من تشكيل تصور سليم لتقييم ذلك المشروع وغيره من المشاريع وبالتالي تكوين حُكم سليم. وهذا لم يكن في السابق وأصبح حاليا مطروحا وتم تطبيقه الآن.  وعليه فمنظومة جديدة لإصلاح شمولي للدعم بما فيها منظومة دعم المهرجانات التي لم تكن في السابق خاضعة لضرورة التقدم بالمشاريع أمام لجنة مستقلة ووفق دفتر تحملات تقني. إن هذه المسألة كانت مطروحة منذ سنة 2007 إلا أنها كانت مُجمدة، أو لم تكن مُجمدة وإنما لم تُفَعَّل ولم تدخل حيز التطبيق. وسبق لمجلس الأعلى للحسابات أن طرح هذا الأمر المرتبط بدعم المهرجانات وتحديده. أصبحنا الآن أمام منظومة جديدة. نفس الأمر في ما يخص القاعات السينمائية والتي لم نكن نتوفر على إطار قانوني واضح في كيفية صرف الدعم الموجه لها. وأيضا المناظرة الوطنية للسينما والتي حُظيت برسالة ملكية سامية وانبثقت عنها لجنة علمية برئاسة الأستاذ عبد الله ساعف. وهذه اللجنة جرى في تركيبتها تمثيل كافة الهيئات المهنية بممثل فيها. وقد عقدت سلسلة من الاجتماعات وإن شاء الله في هذا الربيع سيتم تقديم أعمالها لتُشكل إطارا لسياسة عمومية متكاملة للانتقال إلى مرحلة ثانية في الصناعة السينمائية تستند على المكتسبات المُحققة وتواجه تحديات الرقمنة وتحديات التكنولوجية والمنافسة القائمة على اعتبار أن السينما عنصر أساسي لإبراز النموذج المغربي المُستند على المرجعية الدستورية.

·     إذا سمحتم السيد الوزير ما هي بالضبط، في إطار هذه التحولات، علاقة وزارتكم بالمركز السينمائي المغربي؟ إذا كانت هذه المؤسسة قد أطرها الدستور على انها هي الساهرة الفعلية على الحقل السينمائي فإن وزارتكم تقوم بنفس المهام فتتقاطع في ما بينكما حيث يرى البعض أنكم تقومون ب"ترييش" مؤسسة سينمائية من أدوارها التاريخية التي سبق أن أنجزتها من قبل؟

إن افتراض وجود التنازع غير قائم. إن مختلف هذه المحطات قد نظمتها الوزارة في إطار شراكة مع المركز السينمائي المغربي. هذا هو المعطى الأول، بل أكثر من ذلك عززت هذه المنظومة الجديدة من صلاحيات المركز السينمائي المغربي سواء على مستوى المصادقة على دفاتر التحملات لدعم الإنتاج والمهرجانات والقاعات. لأن دفاتر التحملات أصبح يخضع لمصادقة المجلس الإداري للمركز السينمائي المغربي وهذا الأمر لم يكن في السابق. ثانيا، عززت موقع المركز من حيث أن اقتراح اللجن يأتي من المركز قبل أن يقع التعيين من قِبَلِ وزارة الاتصال. فالمركز السينمائي المغربي عضو فاعل أساسي. ثالثا، أن التفكير الآن - في إطار المخطط التشريعي - بتطوير القانون المنظم للمركز السينمائي المغربي ليواكب مجموعة هذه المستجدات على اعتبار أن هذا المجال ضروري فينبغي أن نوفر للمركز السينمائي الإمكانيات القانونية اللازمة للنهوض بالسينما الوطنية وتعزيز تنافسيتها.

·     هل يعني هذا أنه حين تُرسخ وزارة الاتصال هذه المنظومة القانونية بهياكلها وجميع محتوياتها المُقررة ستنسحب الوزارة من تحكمها المباشر في المركز السينمائي المغربي ليشتغل فعلا كمؤسسة مستقلة كما جاء في الدستور؟

في الأصل ليس هناك تحكم. لأن هناك قانون ينظم الصناعة السينماتوغرافية يحدد الاختصاصات والصلاحيات بوضوح ولهذا فإن منطق التحكم لا يسمح به القانون وحصيلة السنة الأولى صارت في اتجاه معاكس لها. وهذا قد برز في المناظرة الوطنية للسينما والتي كانت إحدى الورشات قد اختصت فقط في إشكالية تقنين وتنظيم القطاع وانبثقت عنها توصيات ومن هذه التوصيات تعزيز القدرات الذاتية والمؤسساتية للقطاع حتى يستطيع التطور والتقدم ويبقى في تفاعل مع المجتمع ويعكس الحيوية والحراك الثقافي والفني والإبداعي الموجود في المجتمع. وبالتالي، فإن ما تقوله من تحكم يعني بالنسبة لي منطق مخالف لمنطق الدستور ومخالف لما أنتجته  المناظرة الوطنية للسينما من توصيات.

·     لكي أكون صريحا معكم السيد الوزير هو أنه سابقا كان المركز السينمائي هو الذي يدير كل ما له علاقة بالسينما وكانت الوزارة الوصية عليه (الأنباء ثم الإعلام سابقا فالاتصال حاليا) تبارك وتوقع على برامجه؟

أولا، لا يمكن لهذا المنطق الذي يقول بأن الوزارة كانت مجرد مؤسسة للتوقيع، هذا غير صحيح لأن المجلس الأعلى للحسابات عندما جاء في سنة 2007 صدر تقريره وحمَّلَ الوزارة مسؤوليات في أمور عدة. والمقاربة التي نشتغل بها حاليا في إطار الدستور هي القائمة على ربط المسؤولية بالمحاسبة. مقاربة واضحة أن كل مؤسسة تمارس الاختصاصات التي خَوَّلها لها القانون في إطار من التعاون والتكامل بين المؤسسات باعتبار أن الهدف ليس هو فلان أو علة وإنما الهدف هو النهوض بالصناعة السينمائية الوطنية. وهذا المنطق – أي منطق التكامل والتعاون مع المهنيين – هو الذي مَكَّنَ من – وخاصة مع المهنيين – إصلاح شامل لمنظومة الدعم السينمائي. ثانيا، تنظيم المناظرة الوطنية للسينما والتي كانت ناجحة بأزيد من 200 توصية وأزيد من 10 ورشات طيلة ثلاثة أيام. لم يشهد المغرب محطة مثيلها منذ سنوات. وهذا المنطق هو الذي سيمكننا في المستقبل من مواجهة التحديات على أساس أن المجالات المرتبطة بالإبداع والثقافة هي مجالات لا يمكنها أن تتطور إلا في إطار تفاعلي مع المجتمع على أساس أن الدولة تختص بالتقنين وهذا هو النموذج الذي نجح في عدد من الدول سواء في الشرق أو الغرب.

·     إن تشكيل لجنة تَبُثُّ في دعم المهرجانات والنظر فيها وضبطها خطوة جد مهمة لكن هناك خصوصية تمس المهرجان الوطني للفيلم المغربي الذي وجد مكانه، على ما أعتقد، في مدينة طنجة ونجح باستقراره فيها إلا أن هناك من يُطالب بالعودة بالمهرجان إلى الخلف بالتجوال به والترحال عبر المدن ولا يمكن سيادة الوزير أن ينجح مهرجان ما إذا لم يستقر في المكان والزمن؟

أولا، تنظيم المهرجانات أصبح الآن يخضع للجنة مستقلة التي تَبُثُّ في دعم تنظيم المهرجانات. ثانيا - بالتالي – ليس من اختصاص الوزارة أن تقرر مكان هذا المهرجان أو ذاك بل هذا الأمر يبقى مرتبطا بالجهة التي ستتقدم بمشروعها إلى لجنة دعم المهرجانات والتي بمقتضى النظام القانوني الجديد فهي لجنة مستقلة وبالتالي فأنا لا يمكنني خوض في هذا النقاش حول المكان من عدمه لأنه ليس من اختصاصي كوزير الاتصال بأن أتدخل في الموضوع.

·     إذا نزعنا عنكم صفة الوزير فما هو رأيكم الشخصي كمثقف وصحفي ومواطن في الذين ينادون بترحال المهرجان الوطني؟ 

رأيي الشخصي هو أن المغرب يتوفر الآن على أزيد من 50 مهرجانا سنويا يُنظم على المستوى الوطني وأحيانا يتجاوز هذا العدد. فقد أصبح هذا المجال أحد العناصر المرتبطة بالمجال السياحي والمجال الثقافي وموعد للمنافسة بين المدن. إن التوجه المطروح علينا الآن هو النهوض باحترافية ومهنية المهرجانات وأن تتوفر على لجن قوية تعمل على دراسة مهنية على مشاريعها المقدمة. إن المغرب - من الناحية الكمية - عنده وفرة ورصيد من المهرجانات لكن من الناحية الكيفية نواجه التحديات وهذا الأمر برز قبل سنوات ولا يمكن أن نواجهه إلا في إطار مؤسساتي. لقد انطلقت الآن اللجنة الخاصة بالمهرجانات في أشغالها. وكل مدينة حريصة بالضرورة على أن يكون لها مهرجانها القوي ولهذا أتفهم أن الإخوان الذين يدافعون على بقاء المهرجان الوطني للسينما أن يبقى في طنجة وهذه مسألة مشروعة ولكن بالنسبة لي كوزارة الاتصال لست معنيا باتخاذ قرار في نقله من طنجة إلى غيرها من المدن بل الأمر مرتبط بالمؤسسة الحاضنة له والراعية له في علاقتها مع لجنة دعم تنظيم المهرجانات السينمائية.

وهل هذا يسري أيضا على المهرجان الدولي لمراكش؟

·        لا ... (تردد..) ... ماذا تقصد بأنه يسري على مهرجان مراكش؟

بمعنى أن لجنة دعم المهرجانات يمكنها أن تقرر بنقله هو أيضا إلى مدن مغربية أخرى ليستفيد منه المغاربة... (يقاطعني..)

...لا...  هي لا تقرر في المكان. لا تقرر في مكان مهرجان طنجة أو غيره. أنا أقول أن الجهة المنظمة هي التي تقرر في المكان وعندما تتقدم بالمشروع أمام اللجنة فهي تطرح حيثياتها. جدل حول مكان تنظيم المهرجانات لا علاقة له بوزارة الاتصال، فهذا الجدل غير مبني على أساس. ما يجب أن نفكر فيه بكل مسؤولية هو تقوية القدرات المهنية للمهرجانات حتى نقوي من احترافيتها.

الجانب المهني والاحترافي هو التحدي المطروح الآن. وعندنا رصيد مهم. ينبغي التفكير في الجانب المرتبط في العلاقة مع الجمهور، مع المجتمع. أن يجد المجتمع نفسه في هذه المهرجانات وأن يتفاعل معها، وأن يأخذ أيضا تحدٍ آخر وهو النموذج الاقتصادي للمهرجانات من حيث مواردها وإمكانياتها وقدرتها على الاستمرار والاستدامة.

من تحديات المهرجانات علاقتها بمختلف الفعاليات الإبداعية بكل تنوعاتها. هذه القضايا لا يمكن أن نقول بأن وزارة الاتصال هي التي ستتدخل فيها بل هي قضية المبدعين وقضية المثقفين والهيئات المهنية. دورنا في الوزارة هو أن نشجع المهنيين والفعاليات على حل هذه الإشكاليات وأن تكون الدولة إلى جانبهم في هذا المسلسل.

أثير معكم سيادة الوزير هذه النقطة بالذات لأنه وردت توصية في المقررات المناظرة الوطنية الأخيرة للسينما تقول ما يلي: "دراسة إمكانية العودة إلى الصيغة القديمة لتنظيم المهرجان الوطني للفيلم بشكل دوري بين المدن المغربية دون المخاطرة أو المساس بالتراكم الذي تحقق على المستوى التنظيمي والمتعلق أساسا بتوفير البنيات التحتية لضمان شروط نجاحه" بمعنى هناك دعوة صريحة بعودة بالمهرجان إلى التجوال بينما ينبغي التنصيص بوضوح أن المكان الطبيعي للمهرجان هو طنجة.

أنت تتحدث عن توصية أو رأي طُرح في المناظرة من بين الآراء...

·     ...إسمحوا لي بمقاطعتكم السيد الوزير فقد جاء هذا في التقرير النهائي للمناظرة عن ورشة المهرجانات... (يقاطعني...)

...نعم جاء في التقرير، فعلا فهو رأي طُرح في إطار المناظرة. من الصعب لأوانه استباق نتائج المناظرة. الأساسي بالنسبة إلينا هو أن لا نفقد البوصلة. والبوصلة هي تدعيم احترافية وقدرات المهرجانات ودورها الاقتصادي، تطور علاقة المهرجانات مع محيطها المحلي المجتمعي، تطوير علاقة المهرجانات بالمحيط الإبداعي. هذه هي التحديات. وهذه التحديات ومواجهتها هي مسؤولية المجتمع أما الدولة فتشجع فقط لأن ما عدا ذلك سيضعنا في منطق  مرفوض وهو منطق الوصاية والتحكم إلى آخره وهو منطق غير فعَّال وغير منتج.

·     وهنا بالضبط سأنتقل معكم إلى منطق مرفوض وهو الوصاية على الفن بالحديث عن فن نظيف ورفض حوارات الأفلام بمبررات واهية ورفض تصوير الجسد كعنصر أساسي في السينما بالمطالبة بمنعها والهجوم على مخرجيها وكأن لهم وصفة يريدون أن يمشي الجميع عليها؟ 

أنا أُميِّزُ في هذا الأمر بين مستويين. هناك مستوى المعني به هو المجتمع والمهنيين والمبدعين. وأَيُّ مجتمع حي يعيش نقاشا وسجالا فنيا وإبداعيا. أما الدولة فغير معنية بأن تتدخل في هذا المستوى لأن هذا يعكس حركية المجتمع وديناميكيته والتيارات الفنية الموجودة فيه والتي تخترقه والقضايا المطروحة على المستوى الفني بالنسبة للمجتمع. وهنالك مستوى آخر وهو التقنين، ونحن الآن نتوفر على إطار دستوري في فصل 25 ينص على حرية الإبداع. نتوفر على إطار دستوري في ديباجته ينص على الهوية المغربية وعلى المنظومة المرجعية المُؤطرة لها والمنظومة الحضارية والقيمية. إذن بالنسبة إلينا عندما ننظر إلى هذا الأمر ننظر إليه بالأساس من زاوية أننا معنيون باحترام المقتضيات الدستورية في تعاملنا مع هذا المشهد.

فقد نَصَّتْ منظومة الدعم على تشجيع حرية الإبداع. أما من يُقيِّمُ حرية الإبداع هم المهنيون أنفسهم. أنا شخصيا أمتنع وأتحفظ عن إصدار أحكام مفصلة. كل ما أقوله هو أننا نتوفر على إطار دستوري يجمع المغاربة فعلينا أن نشتغل في إطاره.

·     فكيف تُفسر أن الدستور وبعض المؤسسات العليا متقدمة على المجتمع وعلى بعض الهيئات السياسية حيث تعطي مجالا أوسع للحريات في الإبداع بينما يفرض علينا البعض مناقشة البديهيات... (يقاطعني)

...الدستور هو نتاج المجتمع، والمجتمع لا يمكن لأحد أن يُصادر حقه فيه ولا لأي تيار حقه في التعبير. ما هو أساسي هو أن الإطار الدستوري يوفر لنا إطارا لتدبير الاختلاف وتدبير النقاش، ما علينا هو أن نحترم هذا الإطار الدستوري.

·     إسمحوا لي السيد الوزير فلا شك أنكم سمعتم بأصوات ترتفع هنا وهناك تطالب بمنع أفلام وتُصادر حق المبدع لأنهم مختلفون معه... (يقاطعني من جديد)

 ...لا يمكننا إلا أن نشتغل في إطار القانون وعلينا أن نحترم سيادة القانون. لهذا وضع الدستور إطارا علينا أن نحترمه ونشتغل في إطاره، وهذا الكلام موجه لمختلف الآراء المطروحة. علينا أن لا نصادر الآراء النقدية بغض النظر عن مرجعيتها لأن التجارب الدولية التي تقدمت في المجال السينمائي، لم تتقدم إلا لأنها كانت في تفاعل مع حركية مجتمعاتها والتيارات التي تتفاعل داخل هذه المجتمعات. وأقصد هنا طبعا التيارات الفنية بالشكل الذي مَكَّنَ هذه المجتمعات أن تُقدم إنتاجا فنيا تنافسيا، يقدم هذه المجتمعات إلى العالم. والبعض يقول بأن السينما أحسن سفير. يقدمها للعالم ويجعل من تلك السينما قوة دافعة لتلك المجتمعات على المستوى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.

·     وماذا عن المعهد العالي للسينما الذي تأخر به العمل كثيرا حيث تأجل باستمرار سنة بعد أخرى إلى حد أنه أصبح سرابا في نظر الكثيرين؟

المعهد العالي لمهن السمعي والبصري هو مشروع طموح. كان قد انطلق التفكير فيه منذ 10 سنوات وتبلور سنة 2008 في إطار إتفاقية بين المغرب والوكالة الفرنسية للتعاون ثم بعد ذلك مع مجيء الحكومة الجديدة تبلور كمشروع في إطار مؤسسة عمومية مفتوحة لعموم المغاربة. وهذا أعطانا نفسا جديدا. فقد تمت هذه السنة تشكيل لجنة استشارية من المهنيين من أجل تَتَيُّع بلورة المقررات وما يهم التجهيزات فضلا عن تقدم أشغال البناء. نحن الآن نعيش الأشهر الأخيرة من تبلور هذا المشروع بشكل نهائي والذي سيمكن البلد من حل معضلة الموارد البشرية المؤهلة من الناحية التقنية. ويُمَكِّن من حل معضلة مرتبطة بالجودة خاصة في علاقتها بكتابة السيناريو ويَحُلُّ المعضلة المرتبطة بالمهن الحيوية في الصناعة السينماتوغرافية كمهن الصوت والصورة وغيرها. فالمعهد الآن هو مشروع طموح سيمكن من معالجة حلقة أساسية في مشروع النهوض بالسينما الوطنية ألاّ وهي حلقة التكوين.

وما هو تقييمكم لإدارة الأستاذ نور الدين الصايل للمركز السينمائي المغربي.....

·     (... دون أن يتركني أتمم سؤالي يشير بأصبعه ورأسه بصمت وبعلامة على رفضه للسؤال وبأنه لن يجيب...)

...طيب لكم الحق الكامل بعدم الجواب...وسؤالي الأخير يتعلق بموظف في وزارتكم سافر إلى إيران بشكل رسمي وبرخصة مغادرة التراب الوطني وبتعويضات السفر وكان حينها مديرا جهويا لوزارتكم بجهة الدار البيضاء الكبرى علما أن المغرب قطع علاقته الدبلوماسية مع إيران..فلماذا سمحتم له بذلك وهو ليس فردا مستقلا؟

·        (... يبتسم ويمتنع عن الجواب من جديد ويطالبني بإغلاق المُسجلة...)

على الهامش: أوقفت آلة التسجيل احتراما لطلبه ثم أردف بعد ذلك قائلا "إنك تعرفني جيدا من قبل حين كنت صحفيا وقبل أن أصير وزيرا بأنني أتفادى الحديث عن الأشخاص أو شَخْصَنَة بعض الظواهر. إنه مبدأ في حياتي إذ لا أريد الاصطفاف وأمتنع بإدلاء تصريحات أو إبداء أراء شخصية في الأشخاص. ما يهمني هي العلاقة القانونية والواضحة التي تجمعني بالناس ولا أحمل رأيا مسبقا في حق الأشخاص لذا لا أريد الخوض في مثل هذه المواضيع.

الجزيرة الوثائقية في

25/02/2013

دليل السينما العربية، والعالمية للناقد محمد رضا

صلاح سرميني ـ باريس 

حالما وصلتُ إلى الصفحة السادسة من "دليل السينما العربية، والعالمية" لمُؤلفه الناقد السينمائي اللبناني "محمد رُضا"، وبدأتُ بقراءة المقدمة التي كتبها الناشر الإماراتي "عبد الله الشاعر" حتى تقاطعت في ذهني تساؤلاتٍ عديدة :

ـ لماذا تهتمّ جهات حكومية، وخاصة بدعم الأفلام مادياً، وتتجاهل الكتب السينمائية، هل هبط السينمائيّ من السماء، وخرج المؤلف/الناقد من الأرض؟

كما أعرف عن موضوع النشر (وهو ليس مجال اختصاصي)، هناك وسائل محددة لإصدار كتابٍ ما:

ـ التمويل الكامل من طرف مؤسّساتٍ حكومية كما الحالة النادرة في الثقافة السينمائية العربية، وهي إصدارات "المؤسسة العامة للسينما بدمشق"، ويبلغ عددها سنوياً حوالي عشرين كتاباً تُوزعها مجاناً على ضيوف "مهرجان دمشق السينمائي"، وأعتقد بأننا، وبغضّ النظر عن أيّ موقف سياسيّ ـ سوف نترّحم يوماً على توقف هذا النشاط بسبب الحالة المأسوية التي تعيشها سورية.  

ومن المُفيد الإشارة أيضاً إلى تلك المبادرة التي أقدم عليها "المُجمّع الثقافي"(سابقاً) في أبو ظبي بمناسبة انعقاد "مسابقة أفلام من الإمارات" التي كانت تقدم للمكتبة العربية حوالي سبعة كتب في كلّ دورة من دوراتها حتى السادسة منها قبل أن يلتهمها "مهرجان الشرق الأوسط الدولي".

ـ التمويل الذاتي عن طريق المؤلف نفسه

وعلى حدّ علمي، لا تمنح أيّ جهة حكومية دعماً مُسبقاً للكاتب/الناقد بناءً على فكرة كتاب (كما في حالة دعم كتابة السيناريو)، أو منحة كي يتفرغ الكاتب للكتابة، أو مكافأة مالية بعد تقديم مخطوطة أولية (كما حالة الدعم بعد إنجاز الفيلم من أجل إنهاء عملياته الفنية الختامية)، أو جائزة مادية بعد طباعة الكتاب (كما حال "جائزة النوعية" التي يمنحها "المركز الوطني للسينما" في فرنسا لفيلمٍ مُكتمل).

وأعتقد أيضاً، بأنه لا توجد مؤسّسة حكومية عربية واحدة تقدم دعماً سنوياً لمؤسّسات النشر الخاصة من أجل إصدار مجموعة من الكتب يتمّ الاتفاق عليها بناءً على خطة مسبقة، أو دعماً جزئياً من أجل نشر كتاب معين.

وهذا يعني، بأنّ صناعة الإنتاج الثقافي المكتوب، المُتخصص بالسينما تحديداً، يفتقد كلّ آليات الدعم المُتوفرة للأفلام السينمائية بكلّ أنواعها الروائية، والتسجيلية، الطويلة، والقصيرة، تلك المعمول بها في البلدان العربية، أو الأجنبية.

وهذا يجعلنا نتساءل :

ـ لماذا تدعم هذه المؤسّسات الحكومية، والخاصة الإنتاج السينمائي، والتلفزيوني، ولا تهتمّ إطلاقاً بالإنتاج الأدبي، التشكيلي، أو الموسيقي،..؟.

ومن هنا يصبح إصدار "دليل السينما العربية، والعالمية" مغامرة/مجازفة مالية تتوازى في حجمها، وخطورتها مع التمويل الذاتي لأفلام سينمائية قصيرة، أو طويلة (منخفضة الميزانيات).

وبينما يمتلك الفيلم إمكانيات استرجاع التكاليف قبل الإنجاز، أو بعده عن طريق أشكال الدعم، والاستثمار المختلفة (جوائز المهرجانات، العروض التجارية، حقوق البثّ في المحطات التلفزيونية، ...)، تكون الخسارة دائماً من نصيب الكتاب الذي يتمّ إصداره بتمويلٍ ذاتيّ من طرف المؤلف/الناشر، لأنه، وفي أفضل الأحوال، لن يطبع أكثر من 1000 نسخة، ولن يجد من يشتريها، وسوف يضطر إلى توزيع نصفها على الأقلّ مجاناً رغبةً منه بأن يصل كتابه إلى عددٍ "محدود" من القراء.

نعم، ما قيل للناشر "عبد الله الشاعر" صحيحٌ تماماً :

ـ "إن إصدار الكتب السينمائية تحتوي على مخاطر كثيرة، وأنها ليست مهنة يمكن بناء مستقبل عليها، ...".

ـ "قرّاء المادة السينمائية قلة، وقرّاء النقد أقل".

ـ "المسألة لن تكون مجزية تجارياً، وأنّ المسألة في النهاية واضحة: كثير من الكتب تصدر، وقليل منها يُباع".

ومع ذلك، لا يمتلك المُدافعون عن الثقافة السينمائية إلاّ أن يرفعوا قبعاتهم ـ وُفق التعبير الفرنسي ـ تحيةً على مبادرته الاستثنائية، ودوافعه التي يقول بأنه "وجدها أقوى من كلّ التحذيرات"، وأكثر من ذلك، يُطمئننا بأنّ "المخاطر ليست كثيرة كما يُقال".

في مقدمته، يُحدد الناشر/الشاعر شكلين لتلك المخاطرة :

ـ "أن لا يُنجز الكتاب غايته التي وُضع من أجلها".

ـ "أن لا يبيع ما يكفي لسداد كلفته". 

وهنا، أتوقع بأنّ الغاية الأساسية توزيع الكتاب، وإثراء الثقافة السينمائية العربية، وهو أمرّ سوف يحدث تلقائياً، ويجد طريقه إلى 1000 شخص يشتريه، أو يقتنيه مجاناً

وإذا لم يسترجع الناشر تكلفته، ربما تُخفف الإعلانات التي تضمّنها قليلاً من حجم الخسارة.

بروح إيجابية، يُجيب الناشر بنفسه على تلك الإشكاليات، ولحسن حظنا، ينظر إلى المسألة على نحوٍ مختلف

ـ "هل من المُفترض بأن يحقق المرء التغيير المنشود بالتمني ؟

ـ "هل إذا امتنع كلّ منا عن إنتاج الفيلم الجيد، أو عن نشر الكتاب المفيد، أو عن دعم أيّ إبداع ثقافي، أو أدبي، أو فني يدرك أهميته، وجدواه سنحل أزماتنا الحضارية، أو الثقافية ؟

ـ لماذا على الفرد أن ينتظر التغيير إذا ما كان قادراً عليه ؟

تُفسر هذه الأسئلة/الأجوبة العاقلة لماذا احتفظ القليل، أو الكثير من الثرثارين بأموالهم خوفاً عليها من المُجازفة، وقبل أن تتجاوز أقدامهم عتبات المشهد السينمائي في جانبه العملي، أو الثقافي، شيّدوا حولهم أسواراً فصلتهم مسافاتٍ عنه، وهكذا ظلّ هؤلاء يثرثرون، ويندبون حظوظهم، ورُبما يعلقون شماعات خوفهم على الأنظمة الديكتاتورية، هذه الذريعة الثورية التي سوف ترافقنا إلى الأبد

وفي الفقرة الأخيرة من مقدمته، يكشف الناشر عن جوهر هذه المُبادرة، أو بالأحرى "جوهرتها"، والتي تكشف بنزاهة المُعجب عن العلاقة التي تربطه مع المؤلف نفسه "محمد رُضا" الذي تتفق كلّ الآراء بأنه الناقد السينمائيّ الأكثر نشاطاً، عطاءً، ومواظبةً، و"ذاكرته ليست مثقوبة"، ويمتلك تاريخاً نقدياً حقيقياً، وأصيلاً.

يكتب الناشر/الشاعر عنه كلاماً لم يكتبه "أجدع" ناقد سينمائي عربي :

"يبقى القول أن واحداً من أهم دوافع قيامي بنشر الكتاب السينمائي الفريد هو مؤلفه محمد رضا، الناقد السينمائي الذي يعلم الجميع تاريخه الحافل، وموهبته، وإخلاصه لما يقوم به، وهذا كان ضماناً شخصياً كبيراً، وحافزاً أكبر".

السبب هنا، أو الأسباب مجتمعة، لو لم يكن المؤلف "محمد رُضا" رُبما لن يقدم الناشر على هذه المُبادرة/المغامرة/المجازفة الجميلة، النبيلة، والأصيلة.

وفي الحقيقة، فإنها فرصة لنا جميعاً، وليس للمؤلف، والناشر وحدهما ـ كما يختتم الناشر مقدمته ـ بأن نتعاون معاً لنُسدد ديوننا حيال حبنا للفن السابع.

هامش :

ـ عزيزي محمد رُضا.

مُرفق قراءةً أولية عن كتابك "دليل السينما العربية، والعالمية"، أُطلعكَ عليها قبل النشر، كما أقترح بأن تكتب كلمةً أضعها في هامش كي يُدرك القارئ بأنك قرأتها مُسبقاً، ولن تُثير عندكَ أيّ حساسياتٍ نقدية.

ـ محمد رُضا : لقد قرأت ما كتبت يا عزيزي، وليس لي أيّ حقٍ في مصادرة موقف، أو تعبير، أو رأيّ، وبناءً على رغبتكَ - وإذا أردتَ فقط - يمكن أن تُضيف الحاشية التالية :

أصرّ الزميل الناقد "صلاح سرميني" على شراء نسخته، علماً بأنّ نسخته المجانية كانت محفوظة، وأعتقد بأنه رغب أولاً في التشجيع، وثانياً في الحفاظ على رأيه الوارد هنا، أو الذي سيرد لاحقاً إذا ما استكمل، ما يجب أن يكون منهجاً متوافقاً، ومفهوماً بين الجميع، هو أنه، بصرف النظر عن وسيلة الحصول على نسخة، فإنّ للناقد حقّ أن يكتب ما يريد طالماً أنّ رأيه مبنيّ على حقائق، واستنتاجات موضوعية، وليس على مصلحة، أو حسابات خاصّـة، و"صلاح" أبعد ما أن يكون عن مثل هذه المصالح، أو الحسابات، ما كتبه هنا هو أعمق بكثيرٍ من معظم ما كتـبه آخرون حتى الآن، هناك كثيرون حصلوا على نسخ من دون أن يكتبوا، وأنا أعلم أنهم لم يكتبوا، لكن حقّ الزمالة (هذه المرّة على الأقل) هو الذي غلب.

العودة الجديدة لـ "داي هارد"

محمد رُضــا   

بالنظر إلى الكم الكبير من الأفلام التي تشكل أجزاءاً متراكمة مما يتكوّن سريعاً كـ "مسلسل"، يجد المرء أمامه تاريخاً حافلاً من سينما تتـّـكل بشدّة على إنجازات شبابيك التذاكر لكي تمنح نفسها مزيداً من النجاح ذاته.

بكلمات أخرى، فإن ما يودعه المشاهدون من عائدات ضخمة للأفلام التي تضرب السوق ليس فقط المال، بل الثقة بأن مزيداً من النوع ذاته سوف ينجز النجاح نفسه إن لم يكن أعلى من سابقه. وبأن من أعجبه «إسماعيل يس في البحرية» سيعجبه «إسماعيل يس في البوليس الحربي» فلم لا يتم تحقيقه أيضاً وبالعناصر ذاتها من ممثلين رئيسيين ومساندين ومع المخرج نفسه غالباً وإن لم يكن فمخرج يستطيع أن يكمل أسلوب المخرج السابق ولا يشق عنه.

من هنا تنشأ المسلسلات وتتكاثر وهي، بإستثناء قلّـة قليلة للغاية، أفلام جماهيرية القصد وليست بديلة أو مستقلّـة

الموضوع يحتاج لبحث موسع جدّاً وبل لما هو أكثر، لكن ما يستدعيه للتمهيد هنا هو النجاح اللافت هذا الأسبوع لفيلم  «يوم جديد للموت بتشبّث» A Good Day to Die Hard الذي هو الجزء الخامس من مسلسل لم يتم إطلاقه في البداية على هذا النحو لكن نجاحه دفع بهذا الإتجاه

نجاحه كان أيضاً لافتاً بالنسبة لهوليوود ورجال أعمالها من حيث أنه من النوع الرجالي العنيف ذاته الذي ذبل حين قام كل من أرنولد شوارتزنيغر وسلفستر ستالون بالإقدام عليه في الأسابيع الثلاثة الفائتة. ففي حين أن فيلمي «الوقفة الأخيرة» (بطولة شوارتزنيغر) و«رصاصة إلى الرأس» (ستالون) توفّـيا بعد أيام قليلة من بداية عروضهما التجارية التي انطلقت قبل أسابيع قليلة، كسر الفيلم الجديد، بطولة بروس ويليس، التوقّـعات وحقق ما لم يحقق منافسيه.

الرابط بين الأفلام الثلاثة ليس فقط أنها أفلام أكشن، بل أنها أفلام أكشن من بطولة ثلاثة من نجوم الثمانينات والتسعينات. بروس ويليس (57 سنة) هو من يقود بطولة «يوم جيد للموت…» وأرنولد شوارتزنيغر (65 سنة) هو من لعب بطولة «الوقفة الأخيرة» في حين قام سلفستر ستالون (66 سنة) ببطولة «رصاصة إلى الرأس».

المسألة ليست في أن بروس ويليس أصغر سنّـاً فالفوارق ليست كبيرة في نهاية المطاف بالنسبة لجمهور يتألّـف اليوم من غالبية دون الثلاثين. لكنها في أن الواحد من هؤلاء يبدو وحيداً في عمله إذا لم يؤازره تاريخ هذا العمل. بكلمات أخرى، حين قرر شوارتزنيغر بطولة فيلمه، اختار تقديم قصّـة جديدة لا سابق لها، وكذلك فعل ستالون في حين أن بروس ويليس وجد سنداً تجارياً كبيراً في العودة إلى سلسلة «داي هارد» التي إنطلقت سنة 1988 ولو كان إختيار شوارتزنيغر إعادة إنطلاقه عبر جزء جديد من «تيرميناتور» (الذي لا يزال جزأه الأول 1984 من بين أكثر أفلامه نجاحاً إلى اليوم) ربما لحصد «الوقفة الأخيرة» علامات فارقة بين جمهور اليوم.

وهناك شيء آخر مهم في تفاصيل الشخصيات. «داي هارد» الأول [أخرجه جون مكتيرنن الذي يحاول الآن تحاشي الدخول إلى السجن بتهمة الإدلاء بإفادة كاذبة في قضية كان شاهداً فيها] قدّم التحري النيويوركي جون ماكلين الذي حط في لوس أنجيليس ليزور زوجته العاملة في إحدى المؤسسات الكامنة في واحدة من ناطحات السحاب. هذا في الوقت الذي داهمت فيه عصابة قوامها أشرار غربيون المبنى لإحتجاز كل من فيه (بعد ساعات الدوام) دون أن تنتبه إلى وجود ذلك التحري داخل المبنى. العلاقة بين البطل وزوجته (بوني بادليا التي لا تظهر في الفيلم الجديد) لا تطغى على الأحداث ولا تفرض نفسها على المشاهد، لكنها موجودة ولها عنصر عاطفي لا بأس بحجمه ضمن الحكاية ككل.

لكن بطلا «الوقفة الأخيرة» و«رصاصة إلى الرأس» هما "ذئبان وحيدان"، كما القول الشائع الواصف لبطل لا عائلة له أو أقارب يلعبون أي دور في الحكاية. نعم لدى سلفستر ستالون إبنة، لكنها لا تمثّـل الكيان العائلي بحد ذاته، بل إمتداد لا تأثير له على الأحداث.  في الجزء الخامس والجديد من سلسلة بروس ويليس هذا العنصر يعود.  جون ماكلاين ينتقل إلى موسكو ليساعد إبنه من ورطة هو فيها. بذلك يضع الفيلم مشاهديه مرّة أخرى في كيان العلاقة الأسروية. طبعاً على هذه العلاقة، تبعاً للكليشيهات، أن تستند إلى خلفية غير مشجعة، فالعلاقة بين الإثنين عملياً مقطوعة ومضطربة، لكن الذي سيكتشفه جون هو أن إبنه (جاي كورتني) عميل للمخابرات الأميركية تم إرساله في مهمّـة القضاء على خطّـة يقوم بها تجار أسلحة ليبيعوا بلداً ما أسلحة نووية. هنا، وأيضاً، ضمن الكليشيهات المحفوظة، يتم إظهار ذلك التعاون الشديد بين الأب والإبن للدفاع عن المصالح الأميركية.

مثل هذه المواقف لم تكن سابقاً بمثل هذه الحدّة. «داي هارد» تمّت أحداثه في لوس أنجيليس والعصابة الخطرة كانت من أشرار أوروبيين وأميركيين. «داي هارد 2» [إخراج رَنـي هارلن- 1990] تنتقل الأحداث إلى مطار دولز في واشنطن حيث عصابة (غربية أيضاً) تختطف رهائن إحدى الطائرات مهددة إياها بالموت إذا لم يتم الإنصياح لمطالبها. زوجة التحري الصارم كانت من بين الركّـاب. بعد خمس سنوات، تبقى الأحداث داخل أميركا في «مت بتشبّث مع إنتقام» [جون مكتيرنن- 1995] حيث يحاول جون، بمساعدة رجل عادي لعبه سامويل ل. جاكسون، إفشال خطّـة إرهابية مقرها هوليوود. مرّة أخرى، الإرهابيون غربيون (يقودهم جيريمي آيرونز). 

في الجزء الرابع، «عش حرّاً أو مت متشبّثاً» (جمع نحو 384 مليون دولار من أنحاء العالم وأخرجه سنة 2007 لن وايزمن) تحوّلت اللعبة إلى تقنيات الدجيتال والكومبيوتر وكان من ذكاء الإنتاج تقديم ويليس مع ممثل شاب (تيموثي أوليفانت) لجذب الجمهور الشاب إليه.

والعنصر الأجنبي مهم دائماً في مثل هذه الأفلام، وإذا كانت سلسلة «داي هارد» لعبت على منوال أن الأشرار جميعاً أجانب، فإن «الوقفة الأخيرة» لا يبتعد مطلقاً عن هذا المعنى، فحكايته تتركّـز حول تلك العصابة اللاتينية الهاربة من القانون الأميركي التي يعترض طريقها الشريف الأبيض شوارتزنيغر، وبما أن شوارتزنيغر يتحلّـى بلكنة نمساوية إلى اليوم، فإن السيناريو يضع على لسانه عبارة أثارت السخرية هنا وهي "أجانب مثلكم يمنحون مثلنا صيتاً رديئاً".

لكن «رصاصة إلى الرأس» لا يلعب لعبة الأجانب الأشرار. على العكس لجانب سلفستر ستالون الممثل الكوري سونغ كانغ. الأول قاتل محترف "محروق" من المجتمع، يسعى للإنتقام من قاتل أبيض (جاسون مومووا) والثاني تحري رسمي يطلب القاتل بنفسه. بذلك تم للمخرج وولتر هيل استبدال بطليه السابقين في «48 ساعة» الأبيض (نك نولتي) والأسود (أيدي مورفي) بواحد أميركي من أصل إيطالي وآخر أميركي من أصل كوري.

مقوّمات النجاح بالنسبة لفيلم «يوم جيّـد لموت متشبث» استندت أساساً على نجاح أجزاء السلسلة السابقة. جمهور المعلّبات ذاتها مع فوارق ضئيلة. فالفيلم الجديد جمع بين الذين يعودون إلى السلسلة وقد باتوا فوق الثلاثين من العمر، لجانب أولئك الذين يرغبون في التعرّف إليها.

الجزيرة الوثائقية في

26/02/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)