من الأفلام التسجيلية الجيدة التي عرضت للمرة الأولى عالميا في الدورة
الـ42 من مهرجان روتردام السينمائي فيلم "ثورتي المسروقة" للمخرجة ناهد
سرفستاني التي تقدم هنا فيلما تسجيليا ذاتيا، أي تروي خلاله، ذكريات حميمية
لها، عن رفاقها في الثورة من اليساريين، وعن شقيقها الأصغر "رستم" الذي
أقنعته بالانضام للثورة، وقبل ذلك للتنظيم اليساري الذي كان يناضل ضد حكم
الشاه، ولكنه إنتهى بالموت إعداما بالرصاص في معتقلات آيات الله بعد ستة
أشهر من وجوده بالسجن بعد أن رفض تماما تقديم الاعترافات التي كانوا
يطلبونها منه.
من هذا المدخل، من فكرة الإحساس الهائل بالذنب، بعد موت شقيقها
الأصغر، مع تمكنها من الهرب من الاعتقال ثم الهروب خارج البلاد وذهابها إلى
السويد حيث حصلت علىالجنسية السويدية، من هذه الفكرة يأتي هذا الفيلم
البديع (75 دقيقة).
إنها تريد أن تطهر نفسها عنطريق الاستماع إلى تفاصيل ما حدث خلال تلك
الأشهر الستة لرستم الذي لم يكن يتجاوز السابعة عشرة من عمره في تلك الفترة
من أوائل الثمانينيات.
ناهد تستخدم هنا الصور الفوتوغرافية واللقطات التسجيلية النادرة،
ومنها لقطة- تتكرر كثيرا بالحركة البطيئة- لأحد "الملات" أو رجال الدين
الشيعة في إيران، وهو يتفقد زنازين المعتقلين تحت الأرض في إيران في بدايات
حكم الفاشية الدينية هناك والتي اعتقل على إثر تمكنها من حكم البلاد، آلاف
الناشطين السياسيين وأعدم من أعدم ونجا من نجا، سواء بالهرب أو خرج من قضاء
عقوبة طويلة وغادر بعد ذلك البلاد.
فيلم نسائي
لكن هذا الفيلم فيلم نسائي، أي أن بطلته تروي عن رفيقاتها وعن نفسها
ومحنتها وعلاقتها بأسرتها، وكانت وقت نشاطها السياسي طالبة في المدرسة
الثانوية، وبعد إندلاع أعمال الغضب والرفض التي أعقبت الإنتخابات الرئاسية
في إيران عام 2009، وما بثته محطات التليفزيون على نطاق العالم عن القمع
الذي تعرض له النشطاء المحتجون، قررت ناهد أن تروي قصتها وأن تستعيد
ذكرياتها.
ومن هنا بدأت رحلة البحث عن رفيقات النضال في الماضي، فذهبت إلى لندن
وإلى كوبنهاجن وبحثت في ستوكهولم، وعثرت على خمس من هاته المناضلات، وقامت
بزيارتهن واحدة واحدة في بيوتهن، ثم قررت دعوتهن مجتمعين إلى بيتها في
السويد، وصورت تلك الجلسات واللقاءات والزيارات بل صورت بحثها وإتصالاتها
الهاتفية أثناء محاولاتها الوصول إقتفاء أثر هاته الناسء اللاتي إنقطعت
صلتها بهن منذ ثلاثين عاما أو أكثر.
إنها تصور ما دار خلال تلك اللقاءات من حوارات تحمل الكثير من الأسى،،
لكنها أيضا تكشف عن روح صلبة تكشف عن حب الحياة والناس، وان التجربة
القاسية لم تقض أبدا على تمتع هاته النساء بروح المرح والقدرة على الضحك
والصخب، مع لمسة نوستالجية واضحة في الفيلم، بسبب كون كل هذه الشخصيات
مبعدة ومحرومة من زيارة إيران.
ناهد تواجه من كن رفيقاتها في حزب توده الشيوعي، وتستمع إلى قصص مخيفة
عن التعذيب الذي تعرضن له لسنوات في معتقلات النظام، وهن يروين كيف كان
السجانون يرغموهن على إرتداء ملابس طويلة سوداء ويسدلن غمامة على عيونهن
أثناء استجوابهن حتى يكسرن الروح المعنوية عندهن. وفي أوقات أخرى كانوا
يجبروهن على خلع ملابسهن تماما والقيام بضرهن بالسياط، وكيف كان الضرب يجعل
أجسادهن تصل عند لحظة معينة، إلى عدم الإحساس بالضرب.
ناهد تشعر بالذنب فهي تقول إن شقيقها قتل فداء لها هي التي تمكنت من
الفرار، وإنها كان المفروض أن تموت بديلة له. كما تشعر أيضا بالذنب إزاء
زميلاتها التي تستمع إلى ما يروينه من قصص لم تعشها هي، بل وتشعر أن هناك
شيئا ما يربط بينهن جميعا، وهو شيء لا يمكنها أن تشعر به.
فيلم مشاعر
فيلم مليء بالمشاعر الجياشة ولحظات المواجهة والتدفق العاطفي. ومن
أبدع ما فيه أنه صادق في تصويره وتعبيره عن موضوعه دون مبالغة أو إدعاء.
إن الكاميرا تتوقف أحيانا امام هذه الشخصية او تلك ربما بأكثر مما
ينبغي.. ومن اللحظات الغريبة التي تصورها ناهد في فيلمها، عندما تعثر على
إحدى رفيقات الماضي وتقوم بالسفر إليها خصيصا في العاصمة الأوروبية التي
تقيم فيها، وهناك تروي لها المرأة التي أصبحت تتمتع بالعيش الرغد، بعضا من
ذكريات الماضي وتطلعها على رسوماتها البديعة، لكن ناهد تفاجأ بأن المرأة
تصلي وتصورها وهي ترتدي الملابس التي تغطي الجسد كاملا.. ثم تطرح أمام هذه
الصورة تساؤلات عدة، لا يمكنها أن تخفيها عن صديقتها التي تدهشها عندما
تقول لها إنها "تحولت" منذ سنوات عن قناعة في حين أنها تعيش في المهجر
الأوروبي بعيدا عن أية ضغوط.
من العناصر البديعة في هذا الفيلم أيضا، إضافة إلى استخدام الكثير من
لقطات الأرشيف التي تصور الإعدامات الجماعية في إيران بعد الثورة، تلك
الرسوم التي أبدعتها النساء والتي تصور فترة المعتقل من خلال رؤية فنية
تعبيرية تثري الصورة في الفيلم.
شاركت في الثورة الإيرانية إتجاهات عديدة في المجتمع، لكنها إنتهت
باستحواذ حركة الخميني الإسلامية عليها ونفي وإعدام وسجن وتعذيب كل ما
تمكنت السلطات القمعية التي ورثت نظام الشاه. لكن البعض لا يريد ان يتعظ
ويتعلم!
"كتاب
السينما":
مغامرة الكتابة عن السينما مستمرة!
أمير العمري
منذ أن تعرفت على الصديق الناقد السينمائي محمد رضا قبل أكثر من
ثلاثين عاما وهو يفكر ويصر على إصدار "كتاب السينما" الذي يمكن القول إنه
مشروعه النقدي طوال مسيرته العملية. يتوقف الكتاب حينا ثم يعاود الصدور
حينا آخر قبل أن يحتجب مجددا، لكن محمد رضا لا يكف عن الإعداد والاستعداد
له، ومواصلة الجهود للبحث عن ناشر هنا أو هناك يمكنه أن يتحمس لكتاب من هذا
النوع يتوجه للمتخصصين والمهتمين اهتماما خاصا بالسينما وليس للباحثين عن
أخبار وطرائف تتعلق بنجوم السينما. وأحيانا كان محمد يصدر كتابه على نفقته
الشخصية.
هذا الإصرار في حد ذاته، هو أمر مثير للإعجاب دون شك، فهو يعكس رغبة
في جمع حصاد عام من عمل الناقد يود أن يجمعها معا بين دفتي كتاب يقدمها
للقاريء، بعد أن يضيف إليها بعض المواد التي تكتب خصيصا للنشر في الكتاب
الذي كان محمد دائما يأمل أن يصدر سنويا بصفة دورية ودون توقف، على غرار
الكتب المشابهة التي تصدر عن المؤسسات ودور النشر الغربية. لكن شتان بين
الاهتمام بالسينما في الغرب، والاهتمام بهذا الفن في بلادنا. ولعل الصورة
الحالية تشير إلى مصير غامض ينتظره هذا الفن بعد طغيان الموجة العاتية من
التخلف الفكري والعقلي التي تجتاح البلدان العربية اليوم تحت غطاء التدين
والتأسلم!
هذا الوضع الملتبس يشير إليه محمد رضا على نحو ما في تقديمه لكتابه
الجديد الذي يصدر هذه المرة عن ناشر إماراتي خاص متحمس للسينما وللمشروع
النقدي لمحمد رضا، هو عبد الله الشاعر.
يقع الكتاب في أكثر من ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير، وهو مطبوع
طباعة أنيقة تليق بكتاب يأمل صاحبه ان يحتفظ به قارئه كمرجع ومصدر
للمعلومات حول السينما في عام.
يقول محمد رضا في تقديمه لكتاب إنه يحوي نقد أفلام شاهدها المؤلف
"خلال العام 2011 وحتى منتصف أكتوبر" وواضح أن كلمة (2012) سقطت عند
الطباعة لأنه يقصد فعلا أن كتابه يصل إلى أكتوبر 2012 أي ان الكتاب يحوي
حصيلة كتابات الناقد على مدار ما يقرب من عامين، عن الأفلام الأجنبية
والعربية التي شاهدها، كما يتضمن رصدا للمهرجانات السينمائية التي حضرها
وقام يتغطيتها صحفيا.
لكن محمد رضا يضيف ما يرى أنه "مخرج العام" كا يطلق عليه ويخصصه
لدراسة أعمال المخرج الأمريكي تيرنس ماليك، وهو إختيار جيد لاشك في ذلك لأن
هذا المخرج المقل كثيرا في أفلامه عاد ليفرض وجوده بقوة خلال العامين
الأخيرين، رغم أنه لا يشارك بشخصه أبدا في مهرجانات السينما الدولية، ويعزف
عن إعطاء المقابلات الصحفية والتليفزيونية لما يشاع عنه أنه "شخص خجول
ومتواضع كثيرا"!
ويخصص رضا موضوعا ثانيا طويلا عن مسلسل أفلام "هاري بوتر" بمناسبة
وصولها الى نهايتها، كما يخصص موضوعا عن أفلام جيمس بوند بمناسبة مرور
خمسين عاما على تلك الظاهرة السينمائية الفريدة.
لا يغفل محمد رضا تناول أفلام تسجيلية إلى جانب الأفلام الروائية، بل
وبعض الأفلام القصيرة أيضا، وأفلام التحريك (الأنيماشن)، ويضيف في نهاية
الكتاب قسما خاصا للأفلام المتوفرة على أسطوانات الدي في دي الرقمية من
كلاسيكيات السينما العالمية. وينشر قائمة بابرز الشخصيات السينمائية التي
غادروا حياتنا خلال الفترة التي يغطيها الكتاب. بل ويمنح أيضا جوائز
الكتاب، كما يمنح الأفلام التي يعرض لها نقديا نجوما على سبيل التقييم
المختصر.
لاشك أن الجهد المبذول في إختيار المادة وتصنيفها وتبويها جهد كبير،
يعكس دأبا شديدا، وحرصا على جمع كل ما كتبه الناقد خلال الفترة، وتقديمه
بطريقة سهلة وسلسلة، مع نشر المعلومات الأساسية عن كل فيلم يكتب عنه،
وكتابة إسمه بالعربية والإنجليزية، وإن كان حجم تناول الأفلام يتراوح، ما
بين صفحتين أو ربما أكثر، إلى بضعة أسطر.
مشكلة هذا النوع من الكتب أنها فقط لا تشمل كل ما ظهر من أفلام (في
دولة ما يقيم فيها المؤلف مثلا كما نرى في الكتب المشابهة التي تصدر في
بريطانيا أو الولايات المتحدة مثلا) خصوصا وأن محمد رضا لا يقيم في مكان
واحد ثابت طوال الوقت يمكن أن نعتبره أساسا أو ركيزة للعرض والتقويم، بل
يجعل الأساس الذي يقوم عليه الكتاب كما يقول بوضوح في تقديمه له، الأفلام
التي توفرت له فرصة مشاهدتها، وبالتالي ليس من الممكن إعتباره مرجعا
للسينما العربية والعالمية في العام.. ولا أظن ان هناك كتاب يمكنه أن يكون
كذلك في الشرق أو في الغرب، بل عادة ما يغطي الناقد عاما محددا مثلا في
دولة محددة يستعرض نقديا كل ما "عرض" فيها من أفلام. أما في حالة "كتاب
السينما" فهو كما أشرنا، ينحصر في "مشاهدات الناقد" وبالتالي هو يمكن
إعتباره تعبيرا عما أثار انتباه الناقد من أفلام مما شاهده، أما ما لم
يشاهده فعلى القاريء البحث عنه في موضع آخر. لكن استدرك فأقول إن أهم
الأفلام التي ظهرت وعرضت في العام موجودة بين دفتي هذا الكتاب. من يبحث إذن
عن "المهم" من الأفلام سيجدها هنا وسيجد رأي الناقد فيها وتحليله لها.
ينطبق هذا كأفضل ما يكون مثلا على ما يضمه الكتاب من كتابات نقدية حول
ما يسميه "السينما العربية"، فهو يقدم عرضا نقديا "لأهم ما أنجزته السينما
العربية" كما يقول، أي ليس لكل النتاج السينمائي من افلام في العالم
العربي، وهو أمر شاق يقتضي تعاون مجموعة متنوعة من النقاد والباحثين في
تحرير وإعداد نوع آخر مختلف من "الموسوعات"، التي توضع لها عادة أسس محددة
تجعل عدد الكلمات التي تكتب عن كل الأفلام متساوية، وتنص على ذكر معلومات
محددة وليست إنتقائية، في بطاقة التعريف التقنية بالفيلم.. إضافة بالطبع
إلى شمولية المادة التي يجب أن تضم "كل" ما ظهر من افلام في كل الدول
العربية.
لكن ما نقوله هنا لا يقلل على الإطلاق من حجم الجهد، ولا من أهمية
الاحتفاظ بهذا الكتاب كمصدر جيد لمعرفة رأي محمد رضا فيما مر من أفلام
وأحداث سينمائية، وخصوصا ما يتعلق بالسينما العربية والأفلام العربية التي
أرجو أن يخصص لها محمد رضا مستقبلا، كتابا خاصا منفصلا مستقلا يجمع بين
الدراسات واكتابات النقدية أي المتابعات.
ربما يتمكن محمد رضا من إصدار "طبعة شعبية" من كتابه هذا في المستقبل،
على ورق أقل فخامة، وفي قطع أصغر، وبشكل فني أقل بذخا، وبالتالي يصبح
الكتاب "أقل سعرا" لكي يجعل من مهمة إصداره أولا مهمة أسهل على أي ناشر،
كما يجعله متوفرا لمحبي السينما من "فقراء بلادنا" بسعر زهيد!
لكن الكتاب يؤكد أن مغامرة الكتابة في النقد السينمائي مستمرة وهذا
أمر رائع...
عين على السينما في
24/02/2013
بروس ويليس تفوق على شوارزنيغر
وستالون
عودة جديدة لـ "داي هارد"
محمد رضا
كان لافتاً بالنسبة لهوليوود ورجال أعمالها كيف أن فيلم “يوم جيد
للموت بتشبّث
A Good Day To Die Hard
“ نجح جماهيرياً في حين أن فيلمي “الوقفة الأخيرة” و”رصاصة إلى الرأس”
توفّيا بعد أيام قليلة من بداية عروضهما التجارية التي انطلقت قبل أسابيع
قليلة .
الرابط بين الأفلام الثلاثة ليس أنها “أكشن” فقط، بل هي أفلام “أكشن”
من بطولة ثلاثة من نجوم الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي . بروس
ويليس (57 سنة) هو من يقود بطولة “يوم جيد للموت” وأرنولد شوارزنيغر (65
سنة) هو من لعب بطولة “الوقفة الأخيرة” في حين قام سلفستر ستالون (66 سنة)
ببطولة “رصاصة إلى الرأس” .
المسألة ليست في أن بروس ويليس أصغر سنّاً فالفوارق ليست كبيرة في
نهاية المطاف بالنسبة لجمهور يتألّف اليوم من غالبية دون الثلاثين . لكنها
في أن الواحد من هؤلاء يبدو وحيداً في عمله إذا لم يؤازره تاريخ هذا العمل
. بكلمات أخرى، حين قرر شوارزنيغر بطولة فيلمه، اختار تقديم قصّة جديدة لا
سابق لها، وكذلك فعل ستالون في حين أن بروس ويليس وجد سنداً تجارياً كبيراً
في العودة إلى سلسلة “داي هارد” التي انطلقت سنة 1988 ولو كان اختيار
شوارزنيغر إعادة انطلاقه عبر جزء جديد من “تيرميناتور” الذي لا يزال جزؤه
الأول 1984 من بين أكثر أفلامه نجاحاً إلى اليوم، ربما لحصد “الوقفة
الأخيرة” علامات فارقة بين جمهور اليوم .
وهناك شيء آخر مهم في تفاصيل الشخصيات . “داي هارد” الأول أخرجه جون
مكتيرنن الذي يحاول الآن تحاشي الدخول إلى السجن بتهمة الإدلاء بإفادة
كاذبة في قضية كان شاهداً فيها قدّم التحري النيويوركي جون ماكلين الذي حط
في لوس أنجلوس ليزور زوجته العاملة في إحدى المؤسسات الكامنة في واحدة من
ناطحات السحاب . هذا في الوقت الذي دهمت فيه عصابة قوامها أشرار غربيون
المبنى لاحتجاز كل من فيه (بعد ساعات الدوام) دون أن تنتبه إلى وجود ذلك
التحري داخل المبنى . العلاقة بين البطل وزوجته (بوني بادليا التي لا تظهر
في الفيلم الجديد) لا تطغى على الأحداث ولا تفرض نفسها على المشاهد، لكنها
موجودة ولها عنصر عاطفي لا بأس بحجمه ضمن الحكاية بشكل عام .
بطلا “الوقفة الأخيرة” و”رصاصة إلى الرأس” “ذئبان وحيدان”، كما القول
الشائع الواصف لبطل لا عائلة له أو أقارب يلعبون أي دور في الحكاية . نعم
لدى سلفستر ستالون ابنة، لكنها لا تمثّل الكيان العائلي بحد ذاته، بل
امتداد لا تأثير له في الأحداث . في الجزء الخامس والجديد من سلسلة بروس
ويليس هذا العنصر يعود . جون ماكلاين ينتقل إلى موسكو ليساعد ابنه من ورطة
هو فيها . بذلك يضع الفيلم مشاهديه مرّة أخرى في كيان العلاقة الأسروية .
طبعاً على هذه العلاقة، تبعاً للكليشيهات، أن تستند إلى خلفية غير مشجعة،
فالعلاقة بين الاثنين عملياً مقطوعة ومضطربة، لكن الذي سيكتشفه جون هو أن
ابنه (جاي كورتني) عميل للمخابرات الأمريكية تم إرساله في مهمّة القضاء على
خطّة يقوم بها تجار أسلحة ليبيعوا بلداً ما أسلحة نووية . هنا، وأيضاً، ضمن
الكليشيهات المحفوظة، يتم إظهار ذلك التعاون الشديد بين الأب والابن للدفاع
عن المصالح الأمريكية .
مثل هذه المواقف لم تكن سابقاً بمثل هذه الحدّة . “داي هارد” جرت
أحداثه في لوس أنجلوس والعصابة الخطرة كانت من أشرار أوروبيين وأمريكيين .
“داي هارد 2” إخراج رَني هارلن- 1990 تنتقل الأحداث إلى مطار دولز في
واشنطن حيث عصابة (غربية أيضاً) تختطف رهائن إحدى الطائرات مهددة إياها
بالموت إذا لم يتم الانصياع لمطالبها . زوجة التحري الصارم كانت من بين
الركّاب . بعد خمس سنوات، تبقى الأحداث داخل أمريكا في “مت بتشبّث مع
انتقام” جون مكتيرنن- 1995 حيث يحاول جون، بمساعدة رجل عادي لعبه سامويل ل
. جاكسون، إفشال خطّة إرهابية مقرها هوليوود . مرّة أخرى، الإرهابيون
غربيون (يقودهم جيريمي آيرونز) .
في الجزء الرابع، “عش حرّاً أو مت متشبّثاً” جمع نحو 384 مليون دولار
من أنحاء العالم وأخرجه سنة 2007 لن وايزمن) تحوّلت اللعبة إلى تقنيات
الرقمية والكمبيوتر وكان من ذكاء الإنتاج تقديم ويليس مع ممثل شاب (تيموثي
أوليفانت) لجذب الجمهور الشاب إليه .
والعنصر الأجنبي مهم دائماً في مثل هذه الأفلام، وإذا كانت سلسلة “داي
هارد” لعبت على منوال أن الأشرار جميعاً أجانب، فإن “الوقفة الأخيرة” لا
يبتعد مطلقاً عن هذا المعنى، فحكايته تتركّز حول تلك العصابة اللاتينية
الهاربة من القانون الأمريكي التي يعترض طريقها الشريف الأبيض شوارزنيغر،
وبما أن شوارزنيغر يتحلّى بلكنة نمساوية إلى اليوم، فإن السيناريو يضع على
لسانه عبارة أثارت السخرية هنا وهي “أجانب مثلكم يمنحون مثلنا صيتاً
رديئاً” .
“رصاصة إلى الرأس” لا يلعب لعبة الأجانب الأشرار .
على العكس إلى جانب سلفستر ستالون الممثل الكوري سونغ كانغ . الأول قاتل
محترف “محروق” من المجتمع، يسعى للانتقام من قاتل أبيض (جاسون مومووا)
والثاني تحر رسمي يطلب القاتل بنفسه . بذلك تم للمخرج وولتر هيل استبدال
بطليه السابقين في 84 ساعة الأبيض (نك نولتي) والأسود (أيدي مورفي) بواحد
أمريكي من أصل إيطالي وآخر أمريكي من أصل كوري .
مقوّمات النجاح بالنسبة لفيلم “يوم جيّد لموت متشبث” استندت أساساً
على نجاح أجزاء السلسلة السابقة . جمهور المعلّبات ذاتها مع فوارق ضئيلة .
فالفيلم الجديد جمع بين الذين يعودون إلى السلسلة وقد باتوا فوق الثلاثين
من العمر، إلى جانب أولئك الذين يرغبون في التعرّف إليها .
أسماء في تاريخ الفن السابع
نادية لطفي
كيفما نظرت إلى هذه الممثلة تجد نفسك أمام موهبة بديعة . موهبة تتحلّى
بوجه معبّر، رصين ومغامر معاً . سعيد وحزين في الوقت ذاته . في الأفلام هي
امرأة تصلح دوماً لأدوار الغموض . ترتدي، في بعض منها، نظارة سوداء تضع
بينها وبين الممثلين الآخرين حجاباً . وما تفعله أكثر من ذلك أنها تضع
بينها وبين المشاهدين أيضاً ذلك الرادع كما لو أنها تريد أن تتحاشى دوماً
أن يسبر أحد غورها .
في زمن فاتن حمامة وماجدة وهند رستم وسعاد حسني، كان نجاح نادية لطفي
معادلة صعبة، فهي لا تمثّل شخصيات محسوبة ومعروفة أو مفهومة سلفاً، بل
استندت أكثر من مرّة إلى قوّة الفيلم السياسية والقضايا الاجتماعية التي
يثيرها وهذا هو تميّزها الحقيقي .
شاشة الناقد
الرصاصة أخطأت الهدف
***
Bullet to the Head
إخراج: وولتر هيل
التمثيل: سلفستر ستالون، سونغ كانغ، جاسون مومووا .
أكشن- الولايات المتحدة 2013
يشترك المخرج وولتر هيل مع الممثل سلفستر ستالون في انتمائهما إلى جيل
الثمانينات من القرن العشرين في سينما “الأكشن” . آنذاك، كما تذكّرنا أفلام
هيل السابقة “أزمنة صعبة” و”48 ساعة” و”48 ساعة أخرى” و”شوارع النار”
وأفلام عديدة لسلفستر ستالون، خلت السينما من اعتماد الأبطال الرجال على
المؤثرات الخاصّة المنفّذة رقمياً . ونمت في ذلك الحين الرغبة في اعتماد
أبطال من ذوي العضلات النافذة والشخصيات المتوحّدة التي لا تفهم قوانين
كثيرة . يسيّرها في الواقع قانونان: حل المشاكل حين وقوعها وحلّها بالسلاح
فقط .
ستالون في هذا الفيلم آتٍ من تلك الخلفية . إنه قاتل محترف لكنه ليس
بالضرورة شريراً، اسمه جيمي بوبو الذي يفاجأ بمقتل رفيق له بطريقة بشعة
ويلتقي بتحر أمريكي من أصل كوري اسمه تايلور كوون (سونغ كانغ) وصل نيو
أورليانز في أعقاب القاتل ذاته (جاسون مومووا) . وهذه تقريباً كل عناصر
العجينة الروائية التي يتألّف منها الفيلم بالإضافة إلى ما سيتم التفرّع
عنه من مواقف مثل دفع ابنة جيمي (سارا ساشي) إلى الضوء قليلاً، ثم تقديم
عناصر فاسدة في سلك البوليس تقف وراء تلك الجريمة على نحو أو آخر .
الحكاية مقتبسة عن رواية فرنسية مصوّرة ولا علم لنا إذا ما كانت في
الأصل خاوية كما تبدو على الشاشة، أو أن كاتب السيناريو أليساندر كامون
فرّغها من قيم كانت مبثوثة فيها . المؤكد أن المخرج هيل لا يستطيع شحن
حبكته بأي جديد مادام السيناريو يخلو من التجديد ويعتمد على توابل
وكليشيهات معهودة .
ما يؤذي أكثر من سواه هو أن الرغبة في تقديم شخصيّتين متناقضتين
تتعاونان معاً، جعلت صانعي الفيلم يتجاوزون الحدود ويحوّلون التناقض الذي
لابد منه لتوفير جوانب شخصية في تركيبة الكتابة، إلى تنافر شديد بين
الشخصيّتين . هذا التنافر لا جدوى منه لأنه ليس كالتناقض بين شخصيتي بطلي
“48 ساعة” نك نولتي وإيدي مورفي ولا بين شخصيّتي ميل غيبسون وداني غلوفر في
“سلاح مميت” في هذين المثلين تناقض مثمر يؤدي إلى تعاون ناجح وإبراز
اختلافات مقبولة، لكن “رصاصة إلى الرأس” يقوم على أن ستالون ليس معجباً
مطلقاً لا بالثقافة التي ورد منها الكوري ولا بطريقته بالعمل ولا بشخصيّته
من كل الوجوه . هذا من دون أن يتعلّم شيئاً أو يتعلّم الفيلم نفسه أن سياسة
“طريقتي العنيفة في حل المشاكل هي الأفضل” . الحوار بينهما سيئ، والممثل
الكوري يبدو جامداً كما لو أنه أدرك لاحقاً أنه وقع في مصيدة . لعبة ملاكمة
مرتّبة بحيث يخرج ستالون رابحاً كل جولاتها .
ما يخسره الفيلم في نطاق السيناريو البليد، يربحه في نطاق الإخراج .
وولتر هيل من أفضل مخرجي عصره وأحد أفضل مخرجي سينما الأكشن . مع مادّة
صحيحة كان يمكن لهذا الفيلم أن تكون عودته المناسبة بعد عشر سنوات غياب عن
السينما .
أوراق ومشاهد
الرائعون السبعة
The Magnificent Seven
*** (1960)
بعد ست سنوات من تقديم المخرج الياباني أكيرا كوروساوا فيلم
“الساموراي السبعة” (1954) حققت هوليوود هذا الاقتباس وكان من الطبيعي أن
تنتجه كفيلم “وسترن”، إذ تتشابه الفترة الزمنية بين الفيلمين . كذلك فإن
القصّة التي تدور حول سبعة ساموراي (وفي الفيلم الأمريكي: سبعة مقاتلين
أمريكيين) يوافقون على الدفاع عن قرية فقيرة بائسة ضد عصابة تريد الاستيلاء
على المحاصيل الزراعية، يمكن تطبيعها على عناصر فيلم الوسترن بسهولة .
الاختلاف الكبير الوحيد هو أن فيلم كوروساوا يتحدّث عن محاربي ساموراي
يابانيين ينجدون مزارعين مكسيكيين، في حين كان لابد، لأغراض تجارية واضحة،
جعل أبطال الفيلم اللاحق أمريكيين والمزارعين مكسيكيين .
جزء من الفيلم يمهّد بمتابعة بحث كريس (يول براينر) عن ستّة مقاتلين
يوافقون على العمل بلا أجر في سبيل هذه المهمّة بعدما لجأ أحد المكسيكيين
طالباً العون منه . وهؤلاء الستّة، إضافة إلى كريس ينتقلون إلى تلك القرية
ويدرّبون أبناءها على القتال، في الوقت الذي تصل فيه العصابة المكسيكية .
المواجهة الأولى تؤدي إلى انسحاب العصابة لكن الثانية تتحوّل إلى معركة
طاحنة يسقط فيها بعض أبطال الفيلم ومعظم أفراد العصابة .
أخرج هذه النسخة جون ستيرجز الذي حقق عدداً ملحوظاً من أفلام
“الوسترن” من أشهرها “معركة عند أوكاي كورال” (1957) وكان معروفاً عنه حسن
التنفيذ . يول براينر كانت لديه سطوة على من يريدهم الاشتراك معه في
البطولة وهو الذي اختار ستيف ماكوين ثم ندم على ذلك، بعدما ارتفعت بينهما
حدّة الخلاف . بقية الممثلين تألّفوا من جيمس كوبرن وتشارلز برونسون وروبرت
فون وهورست بوخولز وبراد دكستر ورئيس العصابة لعبه إيلاي والاك الذي اختاره
سيرجيو ليوني ليقوم بدور الشرير في “الطيّب، الشرير والبشع” بناءً على دوره
هنا .
الفيلم لا يزال لعبة توزيع أدوار لا بأس بها جمعت بضع رجال كان معظمهم
ينشد الظهور ووجدوا في هذا الفيلم فرصة كبيرة . لكن في الفيلم رسالة تنعكس
تلقائياً حول دور الأمريكي في الوقوف ضد القوى المعادية للشعوب . هناك أكثر
من مشهد جيّد لكن العمل مع هذا العدد الكبير من “الأبطال” يعني أنه كان على
المخرج تقسيم المشاهد بالتساوي بين سبعة ممثلين . مسألة لم يعان منها
الفيلم الياباني، بل تمت على نحو طبيعي، وعانى منها الفيلم الأمريكي .
م .ر
Merci4404@earthlink.net
الخليج الإماراتية في
24/02/2013
محمد بكري وقطرات في عيون إسرائيلية
غزة - أسماء الغول
محمد بكري يقول أنه لا يتعلم من تجربته بل سيبقى فلسطيني وساذج، فهو على
الدوام آمن بالإنسان الذي يستطيع أن ينقذ الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي من
مزيد من تورط في الصراع وفي الدم إلا أن الاخر الاسرائيلي لم يؤمن لحظة
بهذا الانسان وبقي على عنفه وعناده، ورغم ذلك استمر بكري مع عائلته التي
تمثل وتخرج وتحمل كثيرا من موهبته في تصدير هذا الانسان في أفلامه، وآخرها
فيلم "قطرة".
الفيلم الذي تبلغ مدته 24 دقيقة بسيط لكنه يضرب في العمق الانساني فهو
يتحدث عن عائلة من أب وابن يعملان في مسرحية اسمها "سمير ويوناثان في
المريخ" وفيها يطرح فكرة التعايش بين الفلسطيني والإسرائيلي بعد ان تعرف
ابنه وشاب اسرائيلي على بعضهما في المستشفى ويقرران لصعوبة العيش في الواقع
ان يعيشا في المريخ، صالح ابنه ليس مقتنعا بتمثيل هذا الدور، ولكنه يهاب من
مواجهة والده ولا يجد سوى شقيقه زياد الذي يعمل في احد البارات ليشتكي إليه
تردده وهنا تظهر سطوة الأب الضمنية.
صالح ووالده يحلان ضيفان على ابنهما البارمان زياد الذي يسكن شارع
هفعوداه في تل أبيب، الفيلم يتحدث عن العلاقة بين أفراد عائلة واحدة بشكل
طبيعي وعادي، وكذلك علاقتهما بجارتهما العجوز سارة التي تطلب ممن تجده أمام
الباب او يستعد للخروج أن يقطر لها في عينيها الدواء فهي تعيش وحيدة.
ما ليس عاديا أن هذه الجارة هي اسرائيلية وناجية من المحرقة النازية
وتعتقد أن زياد وصالح ووالدهما شخصا واحدا وتطلق عليهم جميعا اسم "سالي"
فكأن أي كلمة عربية تتحول في عقلها تلقائيا لأخرى أجنبية، وهكذا تخاطب
الثلاثة حين تريد ان يقطروا لها في عينيها:
-هل ممكن يا سالي ان تقطر لي عيني
-شكرا سالي
-أين تذهب سالي؟
ويصر صالح في احد المرات ان تنطق اسمه صحيحا فتردد وراءه : صالخ..
وهنا يضحك صالح وكأنه تأكد من صحة عدم موافقته على الدور الذي يلعبه
في مسرحية والده فجارتهم بعدم رؤيتها لهم كعرب تختصر عدم رؤية دولتها للحق
الفلسطيني.
وفي مصارحة اخيرة من صالح لوالده معلنا رفضه
لتمثيل المسرحية عقب انتهاء المهرجان: "انا ما احتليت ارض حدا ولا طردت حدا
من بيته علشان ابتدي اعمل سلام" في رد على استفسار والده عن بديل التعايش:
"وشو البديل؟ ننتحر.."، من هنا تشعر ان هناك سيرة ذاتية ما او كما يقول
محمد بكري في أول مشهد بالفيلم "هاي القصة صارت معي، كل الشخصيات ممثلين بس
اغلب الممثلين هم الشخصيات الحقيقية".
قد تكون عيني السيدة العجوز سارة ذات الأصول الأوربية تمثل رؤية
اسرائيل للشعب الفلسطيني بشكل هائم يملأه الغَبش، فكله بالنسبة إليه يمثل
موقف واحد هو "سالي".
سارة التي تُدَرّس الموسيقى حين يدخل "سالي" والدهم ليقطر في عينيها
تفتح له ألبوم صور عائلتها وتقول: "فقدت بصري بسبب هتلر فقد نشفت دموعي على
أهلي"، الصمت هو رد الفعل الوحيد عند العائلة ولكنه صمت غارق بالفعل
الانساني الذي يشبه ما قد يحدث بين جميع الجيران لولا كون الجار الاول يفصل
بينه وبين الاخر تاريخ واحتلال.
صالح بكري الذي مثل في الفيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" دور الشاب
اللعوب نجده في فيلم والده أكثر نضجا في تقمص الدور، أو ربما لأنه لا يحتاج
هنا الى تقمص للدور فهو مع والده بيد أن هناك مسحة الطيش تلك لا تزال تميز
اداءه على عكس شقيقه زياد الذي يبدو قوياً حتى في محاولته ألا ينجر وراء
استفزاز احد الزبائن له لجعله يتحداه في الشرب، فيرجع في نهاية اليوم إلى
المنزل مستندا إلى صالح، ووالدهما يسمعهما ولكن كما يليق بأب عربي يتجاهل
ان ابنه يشرب من ورائه فلا يظهر لهما.
الفيلم الذي عرض في مهرجان شورتات في غزة انساني يشبه الجميع، وحتى
الذي من الصعب أن تشبهه كأن يكون جار في شارع بتل ابيب، ولكن احيانا في
بلدك الواحد لا تجد من يقطر للآخر، فتتحول القطرة هنا لمعادل موضوعي للسلم
المجتمعي وهو الذي لا يصدقه صالح حين يمثل تلك المسرحية إلا أنه لو أمعن في
واقعه لوجد أنه يعيشه مع جارته الإسرائيلية وقطرتها.
"انا بقطرلها وانت تقطرها وابوي كمان بقطرلها"، هذا
ما يكتشفه الثلاثة حين يعلقون في ازمة عند احد الحواجز الاسرائيلية ويضحكون
ويسأل صالح والده ساخرا :"كمان عليك بتنادي سالي؟".
مهرجان السينما الآسيوية في فزول
خلاصة الفن السينمائي الآسيوي
ندى الأزهري- فزول(فرنسا)
تعطي متابعة مهرجان فزول الدولي للسينما الآسيوية الذي ينظم في فبراير
سنويا منذ تسعة عشر عاما، انطباعا بأن هذا النوع من المهرجانات" الصغيرة"
هو ما يتيح التعرف على خلاصة الفن السينمائي، وهنا الآسيوي تحديدا القديم
منه والمعاصر. إنه انصراف حقيقي نحو السينما فلا سجادة حمراء ولا مدعوون
"نجوم" ينشغل الجمهور بوجودهم عن مشاهدة الأفلام، ولا انتظار لفيلم هذا أو
ذاك من المكرسين، بل السينما الخالصة والاكتشاف المؤكد واللقاء العفوي
بعيدا عن المظاهر مع فنانين كبار وجمهور محب للسينما.
مهرجانات تقدم برنامجا "إنسانيا" تمكن متابعته دون هذا الإحساس
المستمر بالإحباط الذي لا بد يصاحب محب السينما من عدم القدرة على الإحاطة
بكل ما يعرض, هنا تفوته بالطبع أشياء وكثيرة ولكنها تبقى في حدها المعقول.
الأفلام هي غالبا من المنتمية لسينما المؤلف، بعض مخرجيها شباب يلتقي للمرة
الأولى بجمهور" غربي" ما يعطي اللقاء حيوية وغنى.
"معك، بدونك" للسريلانكي براسانا فيتاناج ، كان أحد أفلام
المسابقة الرسمية مشاركا ثمانية منها الصيني" كل الاعتذار" لأيميلي تانغ،
والإيراني" استقبال متواضع" لماني حقيقي، والطاجيكستاني" التلغرام" لاسكندر
أسمونوف، والتركي "ليلة صامتة" لرئيس شليك...أفلام تعكس التيارات الجديدة
في آسيا تم اختيارها من بين 400 تمت مشاهدتها من قبل مسؤولي المهرجان. كما
كان هناك مسابقة للأفلام الوثائقية وتظاهرات أخرى كنظرة على السينما
الاندونيسية ومائة عام من السينما الهندية.. السينما العربية حضرت فقط في
تظاهرة" على طريق آسيا" حيث اختيرت أفلام تجري معظم أحدائها على الطرق،
وبعض تلك اسطوري. حضر فيلما اللبناني فيليب عرقتيني" بوسطة" و"تحت القصف"
وفيلم الفلسطيني رشيد مشهراوي" عيد ميلاد ليلى".
معك، بدونك...
"معكِ، بدونكِ" المستوحى من رواية دوستويفسكي"
إمرأة رقيقة" نال الجائزة الأولى مشاركة مع " جيزيل" للكوري أو مويل، كما
نال جائزة نيتاباك للسينما الآسيوية. ليست الجوائز ما استدعى الكتابة عنه،
بل قيمة الفيلم الجمالية والمشاعر التي يثيرها لدى مشاهده بعمقه الإنساني.
سعى فيتاناج لملاءمة رواية دستويفسكي على الواقع المعاصر و تداعيات الحرب
الأهلية في سريلانكا، فغدت قصة حب بين شخصين ينتميان لمجموعتين مختلفتين
عرقيا ودينيا، ضابط سابق من السنغالي (شيام فرناندو) و فتاة من التامول
هاربة من المذابح التي تعرضت لها عائلتها( قامت بدورها الممثلة الهندية
"أنجل باتيل").. رغم الحب الذي جمعهما، كان شائقا عليهما وعلى الفتاة خاصة
مواجهة ظلال الماضي وتجاوزها...حين تكتشف الفتاة ان زوجها وحبيبها كان
ضابطا سابقا تكون الصدمة قاضية. كانت تنطفئ أمام عينيه يوما بعد يوم
ولايستطيع لها شيئا رغم رغبته الصادقه لفعل المستحيل لها. لجأ المخرج إلى
تعابير الوجه بدلا من الكلام فجاء هذا موجزا. كما اتكأ على المكان والألوان
والصوت للايحاء بنفسيات شخصياته، فاعتمد اللون الأزرق لخلق جو العزلة
الداخلية التي تعيشها الشخصيات وليوحي بالبرودة العاطفية التي كانت تفرضها
أحيانا معاناة الماضي، وأجاد استخدام هذا اللون الذي طغى على ديكور كثير من
المشاهد واستخدمه بدراية وذكاء. كما عمد إلى توظيف الصوت بقوته أم بضعفه
كوسيلة لإظهار مشاعر شخصياته. وقال لنا أنه قضى شهرين في مزج الأصوات، وعاد
لمكان التصوير وسجل ليل نهار للحصول على كل التنوعات الصوتية للمكان، لأنه
يعتبرها جد مهمة في أفلامه لقدرتها على عكس وحدة الكائن وعواطف الشخصية في
تدرجاتها المتنوعة، إنه يتخذ من قول المخرج الفرنسي الكبير روبير بريسون "
الصوت هو البعد الثالث للسينما" أمثولة..
الفيلم لوحة شاعرية مؤثرة لحياة زوجين آذتهما الخلافات العرقية والحرب
الأهلية.
الهند- سينما المؤلف
في احتفاله بمئوية السينما الهندية عرض المهرجان عشرة أفلام لمخرجين
طواهم النسيان أو لمكرسين مثل ساتيا جيت راي وغوتام غوس.
لقد ظهر أول فيلم في الهند عام 1913 سبعة عشر سنة بعد ظهور الأخوين
لوميير، كان هذا في بومباي وكانت الهند تحت الانتداب البريطاني. تحول
الإنتاج السينمائي إلى صناعة منذ العشرينات بعد أن بنيت استديوهات في
بومباي وكلكوتا ومدراس، وكانت حكايا الأفلام اسطورية بشخصيات تاريخية ثم
اجتماعية. و في الأربعينات ازدهرت السينما الشعبية، وكان العصر الذهبي لها
بعد الاستقلال في الخمسينات والستينات حيث عرفت ب"سينما هندي" بنجومها
ومغنيها البلاي باك مع أفلام راج كابور ومحبوب خان...عقد بعدها، بات
الإنتاج السينمائي في الهند أكبر إنتاج عالمي، اطلق عليه اسم بوليوود في
بداية التسعينات.
أما سينما المؤلف فكانت ولادتها منتصف الخمسينات مع أول فيلم لساتيا
جيت راي" بازر بانشالي"الذي لقي اعترافا دوليا و تبعته أجيال موهوبة من
السينمائيين في كل مكان من الهند مثل ميرينال سن وريتويك غاتاك.
سينما المؤلف هي سينما مقاطعات في الهند، فالفيلم في ديكوره الحقيقي
في المناطق وينطق بلغتها. هذه السينما الملتزمة تعكس الواقع الثقافي
والاجتماعي والسياسي وهي ذات خصوصية واقعية وشاعرية، وأحيانا ملحمية. وهي
سينما تحلل برهافة ودقة حياة الناس وصعوبات عيشهم والظلم الاجتماعي
والسياسي الواقع عليهم، وهذا على عكس السينما الشعبية التي تستخدم هذه
العناصر كخلفية لتغذية دراماتيكية الحدث والسيناريو القائم أساسا على إثارة
العواطف والابهار بالرقص والغناء.
وتبدو سينما المؤلف أقل بروزا، لكن ليس حضورا في المهرجانات خاصة،
ويعاني توزيعها صعوبات فائقة في الهند.
وقد عرض المهرجان ثمانية أفلام منها تعكس الوجه الهام لهذه السينما في
الثلاثين سنة الأخيرة.
وكان أحد أكبر المدافعين عن سينما المؤلف "غوتام غوز" موجودا في لجنة
التحكيم، كما عرض " العبور" في التظاهرة. يجسد" العبور" القدرة الإنسانية
على التحمل ويعكس الصراعات والخلافات بين الطبقات. تدور أحداثه في قرية في
منطقة بيهار حيث الطبقة المعدومة من المزراعين(المنبوذون) ، أدنى الطبقات
في الهند و التي لا تدخل في التصنيف التراتبي للطبقات في الهند. يحاول معلم
مساعدتهم ولكنه يقتل من قبل شقيق الإقطاعي الكبير، فتقوم مجموعة من هذه
الطبقة بقتله ما يكون سببا لانتقام أخيه وحرق أراضيهم وقتلهم بوحشية. يهرب
المزراع مع زوجته الحامل إلى كلكوتا، وهناك يبحث عن عمل وينتهي بهما الأمر
إلى قبول عبور نهر الغانغ مع قطيع من الخنازير، عبور محفوف بالمخاطر وخاصة
للمرأة الحامل.
فيلم صالح لكل العصور وسينما مؤلف ذات واقعية شديدة التاثير لأحد أكبر
اسماء السينما البنغالية، مع ممثلين أيقونات لهذه السينما: شابانا عزمي
وناصر الدين شاه.
تبقى السينما الهندية بوجوهها المتعددة شديدة الغنى، سواء أكانت شعبية
أم تنتمي لسينما المؤلف، مع غناء أو رقص أم بدونهما، سينما تميزها ضخامة
التنوع في التعبير الفني واللغوي والثقافي.
شباك التمويل الأجنبي والسينما
رانيه حداد - عمّان
الصناعة، التجارة، والفن، لا يمكننا تجاوز هذه الركائز الثلاث عندما
نتحدث عن السينما والتمويل، وغالبا في هذا المقام يَنصَّب الاهتمام على
تناول ركيزة الفن المتعلقة بمضامين الأفلام، والكيفية التي يؤثر التمويل
الأجنبي في صياغة هذه المضامين، لتؤثر بدورها على المتلقي، وتعيد معه صياغة
عقله وميوله وتوجهاته، إذا، من هذا البعد الثقافي للسينما ينشأ قدر كبير من
خطر التمويل الأجنبي على السينما في الوطن العربي، وأقول هنا قدر لأن ثمة
جوانب أخرى لا تقل أهمية في الخطر، وغالبا ما يتم إغفالها في الحديث، والتي
سأحاول هنا أن القي عليها الضوء بما يتيحه الوقت.
ماذا عن ركيزتي الصناعة والتجارة؟
باستثناء مصر وربما المغرب، لا يمكننا الحديث عن صناعة سينمائية في
الوطن العربي، إنما هناك أفلام سينمائية تُنتج بين حين وآخر، لأننا عندما
نتحدث عن الصناعة نتحدث عن البنية التحتية اللازمة؛ من استديوهات، معدات،
وحدات مونتاج، أفلام خام ومعامل تحميض، وعدد كافٍ من الفنيين المؤهلين...،
وعندما نتحدث عن التجارة نتحدث عن الدورة الإنتاجية للأفلام السينمائية،
التي تمكن الفيلم من استعادة تكاليفه مع أرباح تمكن من إنتاج أفلام أخرى،
وعن سوق الفيلم، وشبكات توزيع الأفلام، ودور عرض مجهزة بشكل ملائم...
غياب كل هذه المقومات، وصعوبة العثور على تمويل للأفلام، يجعل الساحة
خالية ومهيأة لاستقبال التمويل الأجنبي، ويدفع عددا كبيرا من صناع الأفلام
العرب إلى حضن هذا التمويل، الذي يتراءى لهم كحل لمشاكلهم السينمائية فيما
يكون وهما، إذ يفتح أبوابَه على سعتها، إنما ليُحسن إغلاق مصيدته عليهم
فيما بعد، فيقدم خدماته في التمويل والتوزيع، ويجعل الأفلام تتحرر من
معادلة الربح والخسارة، كما يفتح الأبواب للحديث عن مواضيع قد لا توافق
عليها الرقابة، ويمنح للأفلام القدرة على الخروج من الإطار المحلي من خلال
المشاركة في أهم المهرجانات العالمية وما إلى ذلك...، بينما يقوم على
التوازي بالتغلغل وإحكام السيطرة على مختلف الخيوط المتعلقة بالصناعة
والثقافة السينمائية العربية والتي يعمل على نسجها على مهل من خلال اذرعه
المحلية المتمثلة بصناديق التمويل والمؤسسات غير الربحية المتناسخة والتي
تمسك بزمام الشؤون الثقافية.
تجليات التمويل الأجنبي
1 –
عبر شركات، أو مؤسسات أو هيئات أو صناديق أجنبية (حكومية
وغير حكومية) قائمة خارج المنطقة العربية.
مثل؛ (صندوق صن دانس الوثائقي) التابع لمهرجان صن دانس الأمريكي
السينمائي، وقناة (ارتيه) الفرنسية الألمانية...، وصناديق تمويلية موجهة
بشكل حصري للأفلام القادمة من الدول النامية، أو من منطقة الشرق الأوسط
مثل: (صندوق سينما العالم) التابع لمهرجان برلين السينمائي، و(صندوق أفلام
الجنوب) التابع لمهرجان أفلام الجنوب النرويجي، و(صندوق هوبيرت بالز)
التابع لمهرجان روتردام الهولندي السينمائي...
2-عبر برامج أو مبادرات أو مؤسسات أو هيئات أو صناديق عربية (حكومية
وغير حكومية) قائمة داخل المنطقة العربية لكن تمويلها بشكل رئيسي أجنبي.
في منطقتنا العربية ثمة قوتان كبيرتان ناشطتان بشكل كبير في تمويل
هكذا برامج ومشاريع وهما: الـولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي،
فمنذ مطلع القرن الحالي، بدأ ضخ الأموال الأجنبية عبر برامج وصناديق –لا
حصر لها- لتمويل المشاريع والأفلام السينمائية في الحيز العربي، لتصبح هذه
الصناديق بديلا لصناديق التمويل الأوروبية والأمريكية المباشرة (السالفة
الذكر)، يطلق على بعض هذه الصناديق "الصناديق العربية" تجاوزا، إذ تستمد
تمويلها الرئيسي من جهات أجنبية اغلبها يرتبط بدعم الحركة الصهيونية، مثل؛
شركة فورد ومؤسسة المجتمع المفتوح لـ جورج سوروس، أما عددا آخر من هذه
الصناديق يضطلع المال العربي الخليجي بجزء كبير من تمويلها، وأقول جزءا
كبيرا لان ثمة شراكات قد تنشئها هذه الصناديق مع جهات أجنبية قد لا يتم
الإفصاح عنها، وتكون في خدمة أجندة هنا أو هناك.
بعض أمثلة هذه البرامج والمؤسسات؛ برنامج (الاوروميد السمعي والبصري)،
و(مبادرة مبادلة) المنبثقة من مهرجان دبي السينمائي الدولي، ومؤسسة (المورد
الثقافي)، و(الصندوق العربي للثقافة والفنون-آفاق)، و(ناس – شبكة الشاشات
العربية المستقلة)، و(مؤسسة الدوحة للأفلام – قطر)، (صندوق الأردن للأفلام)
المنبثق من الهيئة الملكية للأفلام، وكذلك مهرجان (كرامة) لحقوق الانسان –
الاردن، المنبثق عن (شبكة الاعلام المجتمعي)...
3-
عبر مؤسسات عربية تمويلها بشكل رئيسي عربي، ولكن أجندتها أجنبية.
مثالها مؤسسة (روتانا)، فقدرة وسائل الإعلام - خصوصا الفضائيات
والسينما- على الوصول إلى شريحة كبيرة من الناس، ومقدار رواج ما تقدمه تلك
الوسائل الإعلامية من أفكار، هو ما يجعل منها سلعة مرغوبة وغالية الثمن،
لأن الثمن هنا يدفع لعدد العقول التي يمكن النفاذ إليها والتأثير عليها،
وصياغة أفكارها وميولها. هذا تماما ما أغرى قبل أكثر من عامين رجل الأعمال
الأمريكي روبرت مردوخ - صاحب أكبر إمبراطورية إعلامية "نيوز كورب"- لشراء
%20 من أسهم شركة روتانا للخدمات الإعلامية التي يملكها الأمير السعودي
الوليد بن طلال، وهي نسبة تمكنه من التدخل في رسم السياسات وامتلاك ناصية
القرارات المهمة فيها، وفق أجندته الخاصة التي لم تعد خافية على احد؛
فروبرت مردوخ بإمبراطوريته الإعلامية المنتشرة حول العالم، هو من اكبر
الداعمين للكيان الصهيوني استثماريا وإعلاميا ولسياستها في فلسطين المحتلة،
وكانت الصفقة تسير وفق تخطيط مسبق ومبرمج، بدأ أولا بشراء الشركة القابضة
التي يمتلكها ويديرها الوليد بن طلال، حصة تقدر بـ 5,7% من أسهم شركة"نيوز
كورب" التي يمتلكها مردوخ، ثم باستضافة روتانا قناة الأفلام فوكس- التي
تعود ملكيتها لمردوخ - على مجموعة قنواتها، وآخر هذه الصفقة شراء مردوخ
لاسهم من شركة روتانا..
كامل المقال على العنوان التالي:
http://doc.aljazeera.net/DocGallery/Media/Documents/2013/2/24/2013224103930239734.pdf
الجزيرة الوثائقية في
24/02/2013 |