في إطار تشويقي مثير قدم لنا الثنائي' المؤلف وائل عبد الله والمخرج
أحمد علاء الدين' فيلم' الحفلة' في قالب سينمائي مميز استطاع أن
ينتشل المشاهد بجدارة من رحم الأحداث الساخنة التي يحظي بها الشارع السياسي
المصري حاليا,
وعلي حدة تلك الأحداث الساخنة في الميادين والمدن
المختلفة فإن الفيلم قدم لنا وجبة دسمة وطازجة تخلو من أية توابل حارقة, من
خلال قصة أحد الأزواج الذي يفاجأ باختطاف زوجته في ظروف غامضة فيقوم بإبلاغ
الشرطة وعلي أثر ذلك يتم تكليف أحد الضابط محمد رجب' فاروق' بالتحقيق في
القضية والتحري بدقة عن ملابسات حادث يحظي بقدر من الغموض الذي يصعب فك
طلاسمه, خاصة أن الزوج أحمد عز' شريف' يدخلنا في متاهة تتعدد فيها الخيوط
المتشابكة في نسيج درامي محكم تزيد مع تعقيدات المواقف التي يكتنفها نوع من
الإثارة- حسب خيال المؤلف- لكنها جميعا تتسم بالحركة المتواترة والإيقاع
المتزن الذي يتأرجح بين السرعة أحيانا والبطء في أحايين أخري ليبقي المشاهد
طوال الوقت مشدودا بخيوط من حرير تنقله من شخصيات لأخري حائرا بين عدة
شخصيات يمكن أن تتهم بالاختطاف,
ولايستثني في ذلك حتي الزوج' شريف' الذي جسد شخصيته أحمد عز بآداء
يجمع بين النعومة السلسة والخشونة والعصبية الشديدة والحدة في محاولات
حثيثة لإبعاد نفسه عن التورط الذي اتضحت معالمه مع خط النهاية الذي كشف عن
براعة ودقة متناهية الإحكام في ارتكاب جريمته, معتمدا في ذلك علي براعته
التمثيلية وليس ذلك القدر من الوسامة والجاذبية التي عهدها الجمهور في
أعمال سابقة.
ولا شك أن المؤلف وائل عبد الله من أول مشهد حتي مشهد النهاية نجح-
إلا قليلا- في صنع جمل حوارية غاية في الإثارة, والتقطتها المخرج أحمد علاء
ليصوغها بلغة سينمائية تعتمد علي التركيز الشديد والتكثيف المتعمد في بعض
المشاهد عن قرب توضح الانفعال عبر كادرات'Focus'
لإبراز التأثيرات الخاص لقسمات الوجوه والعيون الشاردة ليصنع شريطا مفعما
بالتألق الذي يقترب في لغته السينمائية من أجواء' السينما الهوليودية' خاصة
في هذا النوع من' الأكشن والإثارة' معا, وربما ساعده في ذلك أن القصة
بالأساس مقتبسة من أجواء فيلم أمريكي شاهده من قبل وربما أوحي له بتكنيك
خاص يحرك من خلال الكاميرا بزوايا متعددة تخلق أجواء باردة تناسب أحداث
الفيلم في عديد من المشاهد التي تصنفه واحدا من الأفلام البوليسية الهادئة
التي يتحري فيها المحقق عن الحادث طوال أحداثه مع قليل من مشاهد العنف التي
تكسب الفيلم إثارة تجذب إليها المشاهد الحائر بين جملة من التفاصيل, وذلك
رغم محدودية أماكن التصويرالتي انحصرت في مول العرب أوثلاث أو أربع فيلات
بمدينة6 أكتوبر, ونفق المهندسين القادم من المحور وأحد محطات مترو الأنفاق,
إلا أن المخرج في النهاية تمكن من توظيف السيناريو كبديل لكثرة أماكن
التصوير, وأضفي نوعا من زخم الصورة ساعده في ذلك الإتقان الشديد للمونتاج
والإضاءة التي تجنح نحو رؤية بصرية خاطفة تسلم المشاهد بطريقة منطقية لاتخل
بالسياق العام للسيناريو بقدر ما تقدم لنا بانوراما متكاملة للأحداث دون أن
يتسرب إليك الملل.
ربما تقترب مشاهد الفيلم في شكلها العام من حالة الانفلات الأمني التي
أعقبت ثورة25 يناير تحت وطأة انتشار عمليات الاختطاف واشتراط الحصول علي
فدية مقابل الإفراج عن المختطفين, لكنها علي مستوي المضمون تبعد تماما عن
تلك الأجواء الثورية المليئة بمتناقضات لاتمت لواقعنا المصري بصلة, وعلي
قدر سخونة الأحداث والإثارة في الفيلم بحثا عن الخاطفين, وعناصر التشويق
البوليسي المليء بالغموض والألغاز, جاء شريط' الحفلة' في سياق فني أمكنه
لفت أنظار المشاهدين الذين صفقوا بحرارة مع مشاهد النهاية, وهو مايؤكد أن
صناع الفيلم نجحوا في إحداث نوع من المتعة البصرية لجمهور يتعطش لشريط
سينمائي يقوي علي انتشالهم من براثن الدراما السياسية التي عصفت بأحلامه
وطموحاته علي مدار24 شهرا مضت, وأيضا يشير رد فعل الجمهور بالتصفيق الحاد
إلي أن السينما باقية كفن يخاطب وجدان الناس إذا كان شريطها يتسم بصدق
الأداء وجودة الصنعة.
في قلب' الحفلة' تفوق النجم' محمد رجب' علي نفسه في دور المحقق لدرجة
جعلت المشاهد يشعر بأنه هو بطل الفيلم الأول وليس أحمد عز الذي ظهرت
نجوميته فجأة في نهايات الفيلم بصورة مبهرة, وأيضا شعر المشاهد بأن البطولة
النسائية كانت بامتياز للفنانة المتألقة' جومانا مراد' التي أبدعت في
دور'مدام نانسي' صاحبة الحفل الذي تدور حول الأحداث من خلال حركات وتعبيرات
وإيماءات بلغة العيون التي تبدي سحرا أخاذا يؤكد تلك موهبتها التي تخلو من
هنات في أثناء الانتقال من حالة لأخري في رحلة غواية الرجال ودون أي ابتذال
خادش لحياء امراءة برعت في الإيقاع بفريستها في براثن ذلك الجو المخملي
الذي صنعته حولها, في حين غابت الفنانة روبي عن الظهور كبطلة فعلية للفيلم,
لكن ذلك قابله بروز الفنانة' دينا الشربيني', وأيضا ملكة جمال مصر2004'
سارة شاهين' في تجسيد دوريهما بصدق.
نعود لرجب في هذا الفيلم الذي يبدو فيه ممثلا ناضجا وواعيا بدور
الضابط, ويبدو أنه تعامل مع الشخصية من حيث الشكل الداخلي والخارجي لها,
كما ظهر بحركاته المتقنة جدا من أول مشهد ينظر فيه من أسفل لأعلي وهنا تبدو
براعة المخرج أيضا في نقل الإحساس كاملا, حركة السيجارة التي يلفها بين
أصابع مخفيا نوعا من التوتر الداخلي, وحين شمر عن ساعديه في أول لقاء مع
شريف مصوبا نحوه فيضا من الأسئلة الاستنكارية التي تشبه طلقات الرصاص في
دفعة واحدة علي سبيل إشعاره بهزة نفسية تربك منطقه, فضلا عن مشيته المميزة
في الشارع أو داخل سيارة الشرطة, وأثناء المطاردات التي بدت جميعا كمفردات
خاصة من قاموس ضابط المباحث الجنائية كما يقول الكتاب, وقد أبدع رجب أيضا
في رسم الملامح الصارمة علي وجهه بشاربه الكث وعمل إيماءات وتمتمات ممزوجة
بلون من السخرية اللاذعة التي تضفي لونا من النعومة, والواقع الذي بدا لنا
أن تلك المواقف الضاحكة يمكن أن تضعه في مصاف صناع الكوميديا بنجاح رغم
قتامة الأحداث الدرامية التي يحظي بها الفيلم, ورغم تأكيد كل فريق هذا
العمل بأن الفيلم بطولة جماعية, لكن يبقي الأبطال الفعليون من وجهة نظري هم
بالترتيب: محمد رجب, أحمد عز, جومانا مراد, دينا الشربيني وسارة شاهين
وتأتي بالطبع في ذيل القائمة روبي وذلك ربما لأنها لم تمنح فرصة كاملة نظرا
لقلة مشاهدها.
محمد رجب- بحسب قوله- أكد أن' الحفلة' من الأفلام المميزة بالنسبة له,
ومن حسن الحظ أن جاء علي مستوي الكتابة والتنفيذ بطريقة جيدة, ما دفعه إلي
المشاركة فيه, وأكد أنه لا يهمه إطلاقا أن يكون دوره الأول أو الثاني, قدر
ما يهمه أن يقدمه بشكل راق يليق بتاريخه الفني, ونحن نطمئنه بأنه أجاد في
عمل يليق به, وأن علامات النضج قد ظهرت بوضوح لايقبل الشك في وضعه في مصاف
نجوم السينما الشباب الذين يمكن الرهان عليهم في سباق المنافسة والتحدي.
وأخيرا تأتي الموسيقي التصويرية لعمرو إسماعيل بمثابة جرس إنذار تارة,
وتارة أخري تبدو غاية في النعومة التي توافق الأحداث, ولعلها في كثير من
المشاهد كانت تتسق تماما مع الحركة والإيقاع بحيث تولد شعورا دفينا لدي
المشاهد بالاضطراب في حالات التصاعد الدرامي في بعض المواقف العصيبة التي
يمر بها أبطال الفيلم, وتضفي نوعا من الدفء المصاحب لهدوء اللحظة المصحوبة
بإفيه أو موقف كوميدي عفوي خفيف أو ضحكة رائقة من جانب كل من رجب وعز
وجومانة وغيرهم من المشاركين في هذا الشريط المتميز في موسم' نص السنة'
السينمائي.
السينما الفلسطينية:
رسم خريطة الألم
يقول شاعر فلسطين الواعد تميم البرغوثي في قصيدته: بيان عسكريا'
أيها الموت/ خف انت/ نحن هنا لم نعد خائفين', ربما لايعرف الكثيرون
أن السينما الفلسطينية يبلغ عمرها الآن أكثر من خمسة وسبعين عاما, فأول
فيلم لأخرجه فلسطيني كان عام1935,حيث يعتبر إبراهيم حسن سرحان هو رائد
السينما الفلسطينية.
وكان المخرج والمؤرخ الفلسطيني قاسم حول قد أجري مع سرحان حوارا
عاما1976 تحدث فيه عن أفلامه الأولي وتأسيسه استوديو فلسطين, ويذكر حسان
أبو غنيمة في كتابه' فلسطين والعين السينمائية' رائدا فلسطينيا آخر هو أحمد
حلمي الكيلاني الذي درس في القاهرة الإخراج والتصوير قبل أن يعود لبلاده
ليؤسس' الشركة العربية لإنتاج الأفلام السينمائية' عام1945, لكن يظل أول
فيلم روائي فلسطيني هو حلم ليلة اخراج صلاح الدين بدرخان عام.1946
ومن رواد السينما الفلسطينية أيضا محمد صالح الكيالي الذي درس السينما
بإيطاليا ثم عاد لفلسطين ليقوم بإخراج فيلم عن القضية الفلسطينية عام1947
بعنوان أرض السلام من إنتاج جامعة الدول العربية, ويقول تيسير خلف في كتابه
المهم والاستثنائي' دليل الفيلم الفلسطيني' إن النكبة وضعت حدا لكل
المحاولات التي هدفت إلي إنشاء صناعة سينمائية فلسطينية, وفرضت واقعا جديدا
أفرز نمطا من السينما الصهيونية التي ظهرت بأمريكا وأوروبا منذ بدايات
القرن والتي تظهر فلسطين كأرض بلا شعب, ثم عادت السينما الفلسطينية للظهور
مرة أخري مع بدايات الكفاح المسلح عام1967 عبر' وحدة أفلام فتح' التي أشرف
عليها المخرج مصطفي أبوعلي, فكانت السينما آنذاك إلي جانب البندقية, لذا لم
يكن غريبا أن يكون من بين شهداء' معركة عنيطورة' عام1976 المصور السينمائي'
هاني جوهرية', ولاحقا أستشهد المصوران' عمر مختار ومطيع إبراهيم' أثناء
تصويرهما الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام.1978
وفي عام1973 تأسست' جماعة السينما الفلسطينية وأنتجت فيلما وحيدا هو
مشاهد من الاحتلال في غزة, ثم قام' قاسم حول' بإخراج أول فيلم روائي تنتجه
الثورة الفلسطينية هو'عائد إلي حيفا', ومع بدء اندثار موجة الأفلام الثورية
ذات الطابع المباشر, بدأت تولد من جديد موجة جديدة حفر خطاها الأولي المخرج
الفلسطيني' ميشيل خليفي' بعد دراسته الإخراج السينمائي ببلجيكا, ونقل
الكاميرا من معسكرات الفدائيين إلي داخل البيوت الفلسطينية تحت الاحتلال,
ثم بدأت تتوالي أجيال السينمائيين الفلسطينيين حتي العصر الحالي ومن أهمهم'
مي المصري, ليالي بدر, عزة الحسن, نزار حسن, عمر القطان, علي نصار وصبحي
الزبيدي', لكن يظل الثالوث' رشيد مشهراوي وإليا سليمان وهاني أبوأسعد' هم
الذين جعلوا للسينما الفلسطينية مكانة مميزة في سينما العالم بحضورهم
المميز في كل مهرجانات العالم الكبري, ووصل الأمر بأبوأسعد ليرشح للأوسكار,
ويصبح من مخرجي هوليوود بعد فيلمه الجنة الآن.
لم يترك السينمائيون الفلسطينيون شاردة أو واردة في حياة شعبهم إلا
وقدموها في أفلامهم, من مخيمات اللاجئين للعلاقات بين الرجل والمرأة, البحث
عن الهوية الفلسطينية, وحشية المحتل الإسرائيلي ومذابحه, حماية التراث
والتاريخ الفلسطيني' أكثر من ثلاثمائة فيلم روائي وتسجيلي قدمهما أكثر من65
مخرجا طوال تاريخ السينما الفلسطينية كسلاح مقاومة غير مستهان به في مواجهة
الاحتلال, ولهذا يحارب الاحتلال الصهيوني السينما الفلسطينية بأكثر من
وسيلة, ومنها سرقة الجيش الإسرائيلي أرشيف الثورة الفلسطينية, ومن بينها
الأفلام بعد أن سطت قوات شارون علي مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير
ببيروت, ولهذا ففي الوقت الذي نحيي فيه صمود المقاومة الفلسطينية لابد لنا
ألا ننسي السينمائيين الفلسطينيين الذين يكافحون بأفلامهم وأفكارهم وأيضا
بأرواحهم, إنها سينما المقاومة عن حق, وليس سينما التسلية الفارغة التي
تملأ عالمنا.
رحلة الى غزة قبل ساعات من عملية "عمود السحاب" الاسرائيلية
قضية فنية يقدمها- أحمد عاطف:
لم أكن أتصور وأنا أتلقي دعوة لحضور احتفال سينمائي كبير بغزة
الفلسطينية أنني سأتركها قبيل ساعات قليلة من عملية الجيش الإسرائيلي علي
القطاع في41 نوفمبر الماضي, والتي أطلق عليها الصهاينة اسم "عمود
السحاب"، بينما أطلقت عليها الفصائل الفلسطينية' حجارة السجيل'.
كنت قد تلقيت اتصالا من المخرج' مسعد فودة' نقيب السينمائيين لأكون
جزءا من وفد النقابة الذي سيحضر الاحتفالية.
ورغم انشغالي بمهرجان القاهرة السينمائي الأخير ووجود ظروف شخصية
تمنعني إلا أنني لم أستطع الاعتذار عن الدعوة, فحلم زيارة غزة والتراب
الفلسطيني هو حلم قديم متجدد لم أكن قد حظيت بشرفه بعد, بالإضافة إلي أن
موضوع الزيارة كان حضور عرض خاص ضخم لفيلم روائي طويل عنوانه( عاشق
البندقية) من إنتاج رابطة الفنانين الفلسطينيين صاحبة الدعوة.
انطلقنا من مقر نقابة السينمائيين صباحا وخضنا رحلة رائعة حتي الوصول
لسيناء, رفح المصرية داعبتنا بهوائها الرطب حتي وصلنا للمعبر, وبعد معاناة
عدة ساعات كدنا بسببها أن نعود علي أعقابنا لتأخر الجانب الفلسطيني في
الحصول علي الموافقات اللازمة لدخول المعبر, جاء الحل في ثوان ودخلنا غزة
مع هبوط أولي أستار الليل, كان الاستقبال أكثر من رائع وتفنن الأخوة
الفلسطينيون في إظهار كل صور الترحاب والمودة مما أنسانا عذاب الانتظار,
طوقوا أعناقنا بالتلفيحة الفلسطينية الشهيرة وأمطرونا بوابل من العناق و
كلمات الشكر لحضورنا, رغم أننا الذين ينبغي أن نشكرهم علي اتاحة تلك الفرصة
لنا.
كان قلبي يدق بعنف طوال الطريق وأنا أتذكر أن القدس تبعد عن غزة78
كيلومترا فقط, القدس مدينة كل الأديان وأولي القبلتين وثالث حرم شريف,
وموطن معراج النبي محمد صلي الله عليه وسلم, أما غزة فهي أكبر تجمع
للفلسطينيين بفلسطين ويقدر عدد الذين يعيشون بها2 مليون فلسطيني. ويتردد أن
اسم المدينة يعود لجد النبي محمد, هاشم بن عبد مناف والمدفون هناك, وكذلك
ولد فيها الإمام الشافعي أحد الأئمة الأربعة للسنة, توجهنا سريعا للفندق
الذي فوجئت حقيقة بمستواه الراقي كما فوجئت بأشياء كثيرة جميلة بهذه
الرحلة, طبعا غزة كانت محتلة من إسرائيل بعد نكسة1967 لكن عادت تحت( حكم)
السلطة الفلسطينية عام.1993
لم نقض سوي دقائق قليلة بالفندق ثم انطلقنا سريعا لمركز' رياض الشوا'
الثقافي لحضور الاحتفال الذي دعينا من أجله, كانت القاعة مليئة عن آخرها
بأكثر من ألف من الحضور علي رأسهم د.محمود الزهار وزير الخارجية السابق
بالسلطة الفلسطينية وأحد أهم الرموز الفلسطينيين الأحياء, مرة أخري تكرر
الاستقبال الرائع لنا بدرجة أخجلتنا ومنعتنا من التعليق المناسب بما يليق,
وجدنا في صدر المسرح لوحة ضخمة ترحب بوفد نقابة المهن السينمائية بمصر,
واستمر الإحساس الجارف بالمحبة والود الذي لم يفارقنا حتي تركنا تراب غزة
قبل بدء عرض فيلم' عاشق البندقية', انطلقت الكلمات وكان أكثرها تأثيرا كلمة
الزهار نفسه الذي كتب قصة الفيلم بنفسه متحدثا عن ضرورة تخليد ذكري
الشهداء, وأن دمائهم الطاهرة هي التي ستوصل لتحرير فلسطين, والزهار نفسه
ملقب بـ'أبو الشهداء' ليس فقط لاستشهاد اثنين من أبنائه وزوج ابنته, لكن
لرعايته أهالي الشهداء وأسرهم بكل الصور, تم اختياري لإلقاء كلمة الوفد
المصري, ولا أدري هل لساني الذي كان يتحدث أم خلجات قلبي, ومن ضمن ما قلت(
لا يرتوي المجد إلا بالشهيد, لا ترتوي الأرض إلا بالأمل الوليد. أيتها
الأرض التي تمتلئ بآيات الصمود الكبري في تاريخ الانسانية, ايتها السماء
التي تحتضن الأبطال, جئناك حبا ودعما وتضامنا وطريقا نمشيه معا سويا نحو
انتصار الحقيقة, أخوتنا وما الأخ ينادي الا بالحبيب, أخيرا وطئنا ثراك يا
فلسطين, لبيك يا فلسطين, لبيك غزة).
لم استطع أن أقول كلاما سينمائيا بل حديثا حماسيا من القلب وكأنني
أهتف مذكرا نفسي بكل تقصير ارتكبناه في حق فلسطين, وبكل صرخة واجبة ضد صور
الظلم التي مارسها الصهاينة علينا, وبدأ عرض فيلم' عاشق البندقية' الذي
أشرف علي إنتاجه د. سعد أكريم رئيس رابطة الفنانين الفلسطينيين, وأخرجه عوض
أبو الخير, وقدم الفيلم مقاطع من سيرة الشهيد عوض السلمي أحد الذين ضحوا
بدمائهم في سبيل وطنهم, وتابع الفيلم حياته من الطفولة وكيف زرعت بداخله
بذور التضحية من أجل وطنه حتي أنه لم يهنأ بالاستقرار في زواج أو في حياة
طبيعية لمقاومته المحتل الإسرائيلي منذ صباه حتي استشهاده مع بداية
الانتفاضة الثانية, وقدم الفيلم نماذج من بعض عمليات المقاومة التي قام بها
السلمي, وكيف أنه تسلم القيادة من الشهيد' عماد عقل' أحد أساطير المقاومة
هناك, ورغم عمق العلاقة بين المجاهدين إلا أن الفيلم لم يركز عليها بعمق,
لكن الفيلم عموما يعد بداية جيدة للسينما الفلسطينية الروائية الناشئة
بغزة, فرغم ضعف الإمكانات المادية إلا أنك تستشعر أن غزة بالفعل مليئة
بالمواهب الرائعة خاصة في مجال التمثيل, وتميز من بينهم الممثل' محمد أبو
كويك' الذي قام بدور الشهيد' عوض السلمي' وهو ممثل مسرح بالأساس صاحب تجربة
كبيرة وغيره كثير من الممثلين ممن قاموا بدور الضباط الإسرائيليين, وأيضا
من قام بدور المرحوم' الشيخ أحمد ياسين'.
ومن المؤكد أنه مع تراكم التجارب وتطور القدرات سيصبح للسينما
الفلسطينية بغزة شأن كبير ومساهمة ضخمة في قضية بلادها, كان هذا هو الموضوع
الرئيسي علي العشاء الذي دعينا اليه في منزل د. محمود الزهار وكذلك إبان
دعوة الغداء مع رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية, وتحدث كلاهما طويلا
عن أهمية دور السينما في دعم القضايا الكبري وليس فقط قضية فلسطين, وأضاف
الحاضرين عن وجود مئات الشباب ممن يصنعون الأفلام التسجيلية في فلسطين عن
موضوعات رائعة ومتجددة وعرض جانب كبير منها في' مهرجان غزة للأفلام
التسجيلية' الذي أقيم مؤخرا للعامين الأخيرين علي التوالي.
وفي ختام رحلتنا القصيرة لغزة والتي لاتتعدي اليومين فقط فوجئنا في
مساء نفس يوم عودتنا يوم14 نوفمبر بقصف إسرائيلي غاشم علي القطاع بأكمله,
وتدمير أكثر من مكان بحي الزيتون الذي قضينا فيه وقتا طويلا, فإذا كنا قد
نجونا من موت محتمل, فليس أقل من أن نتذكر طوال الوقت أخوتنا الذين أمطرونا
محبة وودا في تعرضهم للموت كل يوم, فماذا نحن فاعلون من أجلهم؟
الأهرام اليومي في
14/02/2013
مقعد بين الشاشتين
لينكولن.. لا يفوتك مشاهدته
ماجدة موريس
ماذا يعني تحطيم القلب بالنسبة لكل واحد منا؟ حول هذا السؤال وجد
لينكولن نفسه في مواجهة عنيفة مع زوجته ماري تودجين تعلن الأمر برغبة
ابنهما الكبير "روب" في الانضمام للجيش والذهاب للحرب الأهلية بين ولايات
الجنوب والشمال بسبب تحرير العبيد. وحيث انفتح "الحوار الزوجي" إلي آفاق
أوسع بكثير تمتد من الخاص للعام. ومن الغضب لموت الابن الأصغر وتوقع موت
الأكبر إلي غضب أهم وأسمي لأن هناك من يرفض وصايا الله بالمساواة لجميع
البشر أو يعطل هذه المساواة خوفاً علي أشيائه أو مصالحه الخاصة.. فيلم
"لينكولن" أحد تحف السينما العالمية والمعروض الآن والمرشح لعدد من جوائز
الأوسكار التي سوف تعلن مساء 24 فبراير الحالي. وقد رشح بطله الممثل دانيال
داي ليبس لكل جوائز التمثيل هذا العام عن أداء دور الرئيس الأمريكي "ابراهام
لينكولن" وحصل علي جائزة الأكاديمية البريطانية مساء الأحد الماضي بالفعل.
وفي الفيلم يمسك داي لويس بقبضة الشخصية وروحها للدرجة التي يصل بأعماقها
إلي المشاهد ببساطة آسرة تدفعك لتتبع وجوده سواء حضر أو غاب. خاصة حين يصبح
قلب الفيلم والسيناريو هو موقعة التصويت علي تعديل المادة 13 من القانون
الأمريكي وقتها "عام 1865" من أجل الغاء العبودية والرق. والغاء أية
تعاملات تتعلق بتملك البشر بالشراء أو من خلال الاحكام الجنائية.. وحيث
يصبح "البرلمان" أحد مكونات هذا العمل السينمائي الكبير نري في مشاهده ما
يقترب كثيراً مما نراه في حياتنا الآن من تحزبات وصراعات وتربيطات بين
معارضي التعديل الرافضون للمساواة والتمييز بين البشر وبين الذين يؤمنون
بالعدالة يتمتع الفيلم ضمن ما يتمتع به برؤية فنية لمخرجه ستيفن سبيلبرج
أحد كبار المخرجين في العالم الآن والذي اعتمد علي سيناريو توني كوشنر
المأخوذ عن فصل من كتاب عن العبقرية السياسية لابراهام لنيكولن للكاتبة
دوريس جودوين. وتتضح رؤية الفيلم ومخرجه من خلال البداية والمشهد الطويل
الذي يواجه فيه الرئيس محاربين من السود في هدنة من القتال. وحيث يفاجأ
الرئيس بمنطق أحدهما القوي المستقيم الذي يطالبه بالاستمرار برغم الحرب
عليه من ولايات الجنوب. ويؤكد له الجندي الأسود ان هذا القتال المشترك مع
البيض وضحاياه الكثيرين لن يذهب عبثاً. وانما سيكتب للأمة ميلاد جديد "حكم
الشعب من قبل الشعب. ومن أجل الشعب لن يزول علي هذه الأرض" ويبتعد الاسود
تاركاً الرئيس يشعر بايمان عميق بما بدأه. برغم ان الحرب الأهلية وصلت إلي
سنتها الرابعة وخلالها أعيد انتخابه لمرة ثانية ومن هنا يقرر لينكولن
الاسراع بتمرير التعديل من أجل استقامة الدستور وتعزيز الديمقراطية.
ألوان الدراما
وضمن رؤية الفيلم الدرامية ذلك الحس المرهف باللون والظل واستخدام
معادل لوني أو هوية لونية مميزة من البداية للنهاية تراوحت بين الاسود
والأصفر والأزرق في القتال وحيث بدأ التصوير والاضاءة جزءاً أصيلاً في
تعميق الدراما سواء في الشارع أو بيت الرئيس وغيرها من المواقع التي تفنن
مدير التصوير دجنونتسك كافينسكي في تحويلها للوحات درامية أخاذة خاصة مع
الابداع في التعامل مع مفردات ذلك الزمن من ملابس وديكور واكسسوار أضافت
اليها موسيقي جون ويليامز المزيد من التأثير مع ايقاع محكم قاده مونتاج
مايكل كان ليصل بنا سبيلبرج إلي عمق رؤيته عن الشخصية.
والقضية في آن واحد. خاصة بعد التصويت والموافقة علي التعديل بأغلبية
معقولة وحضور ممثلين للسود لهذه الجلسة التاريخية. وحيث جلس ممثلو ولايات
الجنوب مع الرئيس يطالبون بضمانات مكتوبة ومزايا لاعادة الاعمار وهو ما رد
عليه الرئيس بأن عليهم أولاً ان يكونوا مواطنين. وان يؤمنوا بالحقوق
الدستورية التي تحقق المساواة.. وعليهم الاعتراف بأن العبودية انتهت إلي
الأبد.. ويسافر الرئيس المنتصر إلي موقع المعركة التي كانت مشتعلة حتي صدور
التعديل ليرفع القبعة للجنود والأموات الذين دافعوا عن المساواة تحت راية
الوحدة رافضاً قتل بعضهم "الذين هربوا من القتال" قائلاً: تسامحوا. لا أريد
عقاباً لأحد. فعندما يأتي السلام لا يجب ان نتركه معلقاً.. ويعود إلي بيته
مقرراً الذهاب في رحلة تمناها بالقطار بدلاً من العربة التي تجرها الجياد
لكنه يموت برصاصة غادرة محاطا بهؤلاء الذين آمنوا بأفكاره ووثقوا في عدالته.
وفاة ناقد محترم
علي مدي أيام الاسبوع الماضي تابعت عبر الصحف والفضائيات أخبار موت
عدد من الفنانين الكبار مثل وحيد سيف ونبيل الهجرسي. ثم محمد العزبي المغني
الكبير الذي أضاف للغناء الشعبي معاني مختلفة ونغمات مميزة من خلال ألحانه
لأغنيات فرقة رضا بموسيقي علي اسماعيل وغيرهم. لكنني لم أجد نفس الاهتمام
لدي وسائل الاعلام برحيل الناقد السينمائي حسين بيومي أحد كبار النقاد في
مصر والعالم العربي وأحد النقاد المؤثرين علي مدي سنوات غير قليلة. عضو
اتحاد نقاد السينما المصريين الممثل المصري للاتحاد الدولي للصحافة
السينمائية "الفيبريس" رحل حسين بيومي بعد صراع قصير مع مرض السرطان وله
عدد كبير من الدراسات والكتابات المميزة وعدد من الكتب كان آخرها "الرقابة
علي السينما القيود والحدود" من اصدارات مكتبة الأسرة في العام الماضي
وداعا حسين بيومي.
magdamaurice1@yahoo.com
الجمهورية المصرية في
14/02/2013
فيلم "باب شرق" يشارك بسوق مهرجان كان السينمائى الدولى
المقبل..
أحمد عاطف يقدم ثلاثية أفلام عن الثورات المصرية والسورية
والليبية
كتب وليد النبوى
أكد المخرج أحمد عاطف أن فيلمه الجديد "باب شرقى"، والذى يتناول
الثورة السورية، سوف يقام عرضه العالمى الأول بمهرجان فسباكو نهاية شهر
فبراير الجارى، ويعد هذا المهرجان هو أكبر مهرجانات السينما بأفريقيا
وأقدمها، ومنتظر عرض الفيلم أيضا فى أكثر من ٢٠ مهرجانا سينمائيا دوليا
خلال عام ٢٠١٣، وكذلك بسوق مهرجان كان السينمائى الدولى المقبل، وأضافت
المخرج أن فكرة الفيلم جاءت نتيجة مقابلته مع ممثلى المسرح السوريين
المعروفين أحمد ومحمد ملص، اللذين لجآ إلى مصر إثر تعرضهما للسجن والتعذيب
فى سوريا، وشارك الشقيقان التوءمان فى وضع سيناريو باب شرقى مع أحمد عاطف.
وأوضح عاطف أن "باب شرقى" هو أول جزء من ثلاثية أحمد عاطف السينمائية
عن الربيع العربى، حيث أكد أنه عندما جاءت له فكرة فيلم "باب شرقى" وقرر
تنفيذه على الفور، كان قد انتهى من النسخة النهائية من سيناريو فيلم "قبل
الربيع" عن الثورة المصرية، وحصل على منحة لإنتاجه من مسابقة وزارة الثقافة
المصرية للدعم السينمائى.
ووجد أن هذا الفيلم يتحدث أيضا عن أبطال شباب مثل أبطال الفيلم المصرى،
لذلك فكر فى أن يصنع ثلاثية أفلام عن الثورات العربية، ويكون الجزء الثالث
منها عن الثورة الليبية، حيث قابل أصدقاء ليبيين ووجد معهم قصة يريدون
حكايتها.
وتصور قصة "باب شرقى"، وهو أحد أبواب دمشق السبعة، صراعا داخل أسرة
سورية واحدة، منقسمة على نفسها بين موال للسلطة ومن يعارضها، ويتطرق الفيلم
لانهيار تلك الأسرة السورية خلال الثورة نتيجة لذلك، كما يتناول الفيلم
شخصية الشبيح، وهو الاسم الذى يطلق على عناصر الميليشيات المدنية الموالية
للرئيس الأسد والمتورطة فى أعمال العنف وقمع الاحتجاجات، ويصور الفيلم هذه
الشخصية كنموذج للتوحش الإنسانى، فهى تعتبر شخصية فريدة فى التاريخ وفقا
للمخرج.
كما يتناول الفيلم أيضا حياة الناشطين السوريين الذين لجئوا إلى
القاهرة، ومعاناتهم مع التهجير، إضافة إلى تصوير معاناة العائلات السورية
خلال رحلة هروبها من الموت، وينتمى هذا الفيلم إلى نوع السينما المستقلة فى
مصر، التى تعتمد على مصادر تمويل خاصة وذاتية دون الاعتماد على جهات تمويل
معينة.
ويشارك السوريون بالفيلم بأجور رمزية، ومنهم من يشارك بدون أجر تماما،
ويعد أغلب الممثلين بالفيلم من غير المحترفين الذين يمثلون لأول مرة
بحياتهم، وأغلبهم من الناشطين السوريين الذين يعيشون بالقاهرة يناضلون من
أجل نصرة الثورة السورية، ومن ضمنهم الكاتب فرحان مطر والناشطان حسام ملص
وسلمى الجزايرلى والطفلة ناتالى مطر.
ويضم الفيلم مجموعة من أميز المواهب فى السينما المصرية مثل مؤلف
الموسيقى د. خالد داغر الذى قدم من قبل مسلسلات "الحارة ودوران شبرا
والبلطجى".
ياسمين رئيس:
"فتاة المصنع" فيلم نسائى اجتماعى وفخورة بالعمل مع خان
كتبت - شيماء عبدالمنعم
صرحت الممثلة الشابة ياسمين رئيس لـ«اليوم السابع» بأنها أوشكت على
الانتهاء من تصوير مشاهدها فى فيلم «فتاة المصنع»، بطولة روبى، وهانى عادل،
وابتهال الصريطى، من تأليف وسام سليمان، ومن إخراج المخرج الكبير محمد خان.
تجسد ياسمين رئيس فى الفيلم دور فتاة تدعى «هيام» تعمل خياطة بمصنع،
وهى بنت شعبية تعيش بمنطقة «الأباجية» التى تم تصوير مشاهد الفيلم بها.
وأشارت ياسمين إلى أن الفيلم يناقش قضايا مهمة جدا، حيث يناقش نزول
البنت فى سن صغيرة إلى سوق العمل، والضغوط والعادات السيئة التى تمارس
عليها منذ الصغر، وبالتالى تأثر على نفسية الفتاة وتجعلها غير سوية نفسيا.
تضيف ياسمين: «فتاة المصنع» مأخوذ عن قصص حقيقية، وهو فيلم نسائى
اجتماعى يناقش مشاكل الفتاة المصرية، والصراع بين الطبقات فى الحب، وأنا
سعيدة جدا بالتعامل مع المخرج محمد خان، وفخورة به لأنه مخرج يزيد من رصيد
الفنان.
الجدير بالذكر أن آخر أعمال ياسمين رئيس مسلسل "طرف تالت"، وأدت به
دور ممرضة تم الاعتداء عليها بميدان التحرير، وتعرضت لقضية كشف العذرية،
شارك فى بطولة المسلسل أمير كرارة ومحمود عبد المغنى وهنا شيحة وعمرو يوسف
ودينا الشربينى ومحمد فراج، ومن إخراج محمد بكير، وإنتاج دينا كريم.
اليوم السابع المصرية في
14/02/2013
فايزة هنداوي تكتب:
القاهرة ترفض "العاشق" مرتين
للمرة الثانية يتعرض فيلم "العاشق" للمخرج السوري عبد اللطيف عبد
الحميد للظلم والمنع من العرض، رغم تميزه الفكري والفني، فبعد منعه من
المشاركة في مهرجان القاهرة، تم منعه من العرض ايضا في الاوبرا حيث كان
الدكتور رفيق الصبان المشرف علي نادي السينما قد قرر عرض الفيلم يوم
الثلاثاء الماضي، بالمسرح الصغير بدار الأوبرا، الا انه فوجيء قبل العرض
بإدارة الاوبرا تبلغه اعتذارها عن عرض الفيلم بسبب تلقيهم تهديدات من
المعارضة السورية الموجودة في القاهرة، ذلك ان الفيلم من انتاج مؤسسة
السينما السورية التابعة للنظام الحاكم.
وهنا تبرز عدة اسئلة اهمها: ، هل تعجز ادارة الاوبرا عن حماية منشاتها
ضد أي تهديدات؟ وهل يمكن لأي جالية ان تتحكم في فعاليات دار الاوبرا التي
تعد من اعرق الاماكن الثقافية والفنية المصرية.
وهل وصل الحال بمصر الي هذه الدرجة من الضعف والاستكانة، فيما يخص
الامن والارادة؟
اسئلة لا تجد اجابات وافية الا انها تؤكد ان الدولة المصرية في اضعف
حالاتها ، كما تبشر بمستقبل مظلم اذا لم تتغير هذه الاوضاع واذا لم تنجح
الثورة في تحقيق اهدافها التي تأتي في مقدمتها الحرية
ومن سمات الحرية برايي عدم الوصاية علي الجمهور، هذه الوصاية التي
تسببت في تعرض نفس الفيلم لظلم واضح في الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة،
فبعد ان تقرر عرضه في المسابقة الرسمية للمهرجان بإجماع لجنة المشاهدة
وأعضاء المكتب الفني، باعتباره فيلم متميز، قررت ماريان خوري مدير المكتب
الفني فرض رايها علي الجميع واصرت علي استبعاد الفيلم من مهرجان القاهرة،
وكان مبررها لهذا هو ان الفيلم من انتاج مؤسسة السينما السورية التابعة
للنظام السوري، حيث يعتبر عرض الفيلم برايها هو اعلان دعم للنظام السوري ضد
الشعب، وهو ما اختلف فيه معها تماما، لعدة اسباب أولها ان معظم الافلام
السورية من انتاج مؤسسة السينما، وبالتالي لا يعتبر عرض احد افلامها في
المهرجان مساندة للنظام السوري ، الا اذا كان الفيلم مساندا لهذا النظام،
وللحقيقة فان الفيلم معارض بشكل واضح للنظام وفيه اسقاط مباشر علي بشار
الاسد باعتباره ديكتاتورا، وانتقد الفيلم الاوضاع السياسية والاجتماعية في
سوريا بشكل جريء، جاء ذلك من خلال رؤية فنية وشكل مغاير قدمه المخرج عبد
اللطيف عبد الحميد في الفيلم من خلال قصة مخرج شاب يقوم بتصوير فيلم يحكي
فيه سيرته الذاتية ، ومن خلال هذه السيرة يتعرض الفيلم للأوضاع السورية كما
ينتقد حزب البعث الحاكم ويسخر منه بشكل مباشر ، وكأنه يعرض لأسباب الثورة
السورية وجاءت نهاية الفيلم قوية ومبشرة بنهاية النظام الحاكم الذي يعتمد
علي وارهاصات ثورة شعبية.
إذن فالفيلم راق علي المستوي الفني والفكري وكان استبعاده من مهرجان
القاهرة خسارة كبيرة للمهرجان، خاصة ان دورة هذا العام بشهادة الجميع لم
تضم الا عدد قليل من الافلام الجيدة ومع كل تقديري للأستاذة ماريان خوري،
وللمجهود الذي بذلته لإنجاح المهرجان في توقيت صعب ووقت قصير، الا انها
استسلمت للمزايدات وحرمت مهرجان القاهرة من فيلم مهم.
ولم يكن هناك اي سبب منطقي برايي لاستبعاده، الا إذا اعتبرنا ان عرض
اي فيلم مدعوم من الدولة لاحد مخرجينا الكبار في اي مهرجان ببلد ما هو دعم
للنظام الحاكم، مثل المخرج الكبير يوسف شاهين وصلاح ابو سيف وشادي عبد
السلام ، حيث اخرجوا جميعهم افلاما من انتاج الدولة في انظمة مختلفة، كما
يصور المخرج محمد خان حاليا فيلمه "فتاة المصنع" المدعوم من وزارة الثقافة،
و يستعد مخرجنا الكبير داود عبد السيد حاليا لتصوير فيلم "رسايل الحب" وهو
مدعوم ب 2مليون جنيه من وزارة الثقافة التابعة لحكومة الاخوان، كما اخرج من
فبل فيلم " رسايل البحر" المدعوم من وزارة القافة التابعة لنظام مبارك فهل
يمكن اعتبار عرض افلام داود عبد السيد أو محمد خان في أي مهرجان، بمثابة
دعم ومساندة للنظام الحالي ؟
البداية المصرية في
14/02/2013
السينما انتصرت في طنجة برغم الدوغمائية والاتهامات
والأعلام المرفوعة
طنجة ــ سعيد المزواري
اختُتمت الدورة الرابعة عشرة من المهرجان الوطني للفيلم في طنجة عشية
التاسع من شباط الجاري مخلِّفةً في وجدان مَن حضرها صوراً كاليدوسكوبية،
تاركةً في عقولهم نقاشات جانبية برهنت رغماً عن دعاة النقد الرجعي وممتهني
الدوغمائية أن السينما المغربية أضحت اليوم الفعل الفني الأشد حركية. انها
المجال الثقافي الذي يعكس أفضل من غيره ما تمر به الحياة الثقافية
والاجتماعية من أسئلة وتحديات. عشرون فيلماً مغربياً طويلاً عرضت في سينما
"روكسي"، بثلاثة تيارات أساسية: هناك أولاً أفلام جيل الرواد. كلها كانت
مخيبة! على الرغم من توزع أصنافها بين روائي أوتوبيوغرافي كما الحال مع "طنجاوي"
لمومن السميحي؛ أو البيوغرافي كما شاهدنا في "القمر الأحمر" لحسن بنجلون
(عن مسار الملحن المغربي الكبير عبد السلام عامر)؛ او الكوميدي في "البايرة"
لمحمد عبد الرحمن التازي؛ وأخيراً الروائي ـ التسجيلي مع "حدود" لفريدة بن
اليزيد.
هناك ثانياً أفلام المخرجين المتمرسين. الثلاثي نبيل عيوش، حكيم
بلعباس ونور الدين لخماري. هذا الجيل ظهر إبان التسعينات. خلّف عرض "يا خيل
الله" لعيوش مرة أخرى موجة عارمة من التصفيق والإشادة بسينمائي من طينة
المحترفين، لا تفصله في نظرنا سوى تفاصيل صغيرة عن نادي المخرجين الكبار.
يمضي بلعباس من خلال "محاولة فاشلة لتعريف الحبّ" في صوغ أسلوب متفرد يبدو
فيه الفيلم قصيدة شعرية بديعة متحررة من محددات البحور الشعرية وقواعدها،
إذ يمزج بتعقيد بين الأجناس ويخلط أوراق الحكي الذي اشتغل على أسطورة بحيرة
"إميلشيل" (حول عاشقين حالت إرادة عائلة الفتاة دون زواجهما فانزويا للبكاء
فصنعت دموعهما بحيرة) بحبكة تجعل من عملية كاستينغ البطل والبطلة في الفيلم
المزمع تحقيقه حول هذه الأسطورة ذريعة لتصوير ما يوقظه الانتقال إلى ضفاف
البحيرة من هواجس حول تجربتهما الخاصة مع الحب.
أما لخماري فحضر مع "زيرو"، الجزء الثاني من ثلاثيته عن الدار البيضاء
(بعد "كازانيغرا" ــ 2008)، قصة شرطي يرزح تحت مظلة محيط فاسد ومحقّر
للكرامة الإنسانية وتناقضات مجتمع بطريركي النزعة. قوة الفيلم في براعة
تصوير بُعدَي القبح والجمال اللذين يشكلان سحر الدار البيضاء على صفحة
السيليلويد، ومزجهما بشريط صوتي يتشكل من حوارات سليطة في شكلها وبديعة في
عمقها. فضلاً عن موسيقى تصويرية رفيعة لريتشارد هورويتز، تدخلنا في تماهٍ
مع شخصية زيرو وما يعتمل داخلها من أسئلة وصراعات. وإذا كان خط الحكي الذي
يتتبع علاقة الشرطي بأبيه المقعد (اداء مهم للفقيد محمد مجد توّج بجائزة
أفضل ممثل في دور ثانوي، وأكثر من خمس دقائق من التصفيق المتواصل داخل
القاعة عند إعلان الجائزة) قد نجح في صوغ الاستعارة عن بطريركية المجتمع
وما تخلقه من عقد نفسية تكبح الإرادة والرغبة في التغيير نحو الأفضل، فإن
خط العلاقة بين زيرو والطبيبة "البورجوازية" اتسم بالاختلال على مستوى
الحكي وصدقية الحبكة. من دون أن نغفل أن لجوء المخرج إلى التصفية الجسدية
كخيار وحيد ونهائي لختم القصة قد فوّت على الفيلم نقطاً كثيرة على صعيد
اتساق السيناريو.
ثالثاً، كان هناك أفلام مخرجين في تجربتهم الطويلة الأولى، عددها 11
فيلماً، يعني أكثر من نصف الأفلام المشاركة في الدورة. وقد اشار بعضها الى
رؤى إخراجية متميزة وواعدة على غرار "خويا" لكمال الماحوطي (نال جائزة
المجلة السينمائية المتخصصة "سينماك") اتسم بتناسق تام بين مضمون يقتفي
آثار جسد مشتت بين هويتين (فرنسية ومغربية) وشكل يعيد ترتيب هذا الشتات من
خلال مونتاج خلاق واختيارات جمالية تضع الإخراج في قلب المعادلة الجمالية.
لن ننسى فيلم "ملاك" لعبد السلام الكلاعي الذي تطرقنا إليه في مقالنا في
"النهار" عن مهرجان مراكش الأخير. أما "يوميات طفولة" لابرهيم فريطاح، فحمل
وجهة نظر مغرقة في الشخصانية وحساسية نابعة من فنّ التصوير الفوتوغرافي عبر
قصة مستمدة من طفولة مخرجه داخل أسرة من أصل مغربي تعيش في ضواحي باريس
وتسكن داخل مصنع لرافعات البناء حيث يشتغل والده حارساً. لولا بداية الفيلم
المتعثرة التي تأخرت في الإمساك بخيوط السرد، لكنا هنا في صدد جوهرة
سينمائية حقيقية.
وثائقي كمال هشكار "تنغير ــ القدس: أصداء الملاح" تميز بمضمون قوي
ونفس تحقيقي طويل وقصور على مستوى الجمالية التسجيلية. لكن الفيلم الأبرز
تعريته فئة "النقاد الممانعين" (ممن تربّوا على أفلام مرثيات المجد
الإسلامي الغابر وقصائد الحقد والكراهية) الذين نعتوا الفيلم بالصهيوني
واتهموا مخرجه بـ"التطبيع"، على رغم أن جلّهم لم يشاهده! قبل أن يصطفوا مع
أتباعهم في محاذاة القاعة، رافعين الأعلام الفلسطينية ومرددين هتافات
"ممانعة" في مشهد بدا مفعماً بسيميائية عقلية السبعينات والقومجية العربية.
هذا كله حصل بينما كان الجمهور الذي قرر حضور العرض يسافر رفقة الفيلم إلى
تنغير الواقعة جنوب المغرب وما تختزنه وسكانها من ذاكرة اليهود المغاربة
الذين هاجروا إلى إسرائيل في الستينات. قبل أن يسبر المخرج في القسم الثاني
أغوار الحنين الذي يختلج فيهم وما حفظته ذاكرتهم ومعيشهم من طقوس يهودية
وأمازيغية جميلة. ويورد نداء بعضهم من أجل إقامة العدل والسلام بين
الفلسطينيين والإسرائيليين ليتعايشوا في أمان كما تعايش المسلمون واليهود
في فترة سابقة من تاريخ المغرب.
حادثة أخرى شدت الانتباه خلال هذه الدورة حين طرأ عطب تقني في جزء
الشريط المتعلق بالصوت أثناء عرض "القمر الأحمر" لحسن بنجلون، فتحول العرض
مساحة ارتجالية تصخب بالجدال والهتافات، ثم صعد ممثلون على خشبة المسرح
(أمام الشاشة) للمناداة بوقف العرض، ما ذكّرنا بمشهد من "أريزونا دريم"
لأمير كوستوريتسا، قبل أن يتم استدراك الأمر ويستأنف العرض بنسخة "بيتا".
يبدو أن حظ المرحوم عبد السلام عامر العاثر أثناء حياته (حيث عانى بالإضافة
إلى فقدان البصر من التهميش والإقصاء بسبب مواقفه المعارضة للسياسات الفنية
وسوء تفاهم رهيب حول مواقفه السياسية) قد امتد إلى الأفلام المنجزة حول
مساره.
في أمسية الختام، وثائقي "إدغار موران بطنجة" من توقيع الناقد محمد
باكريم يجمع بلمسة إبداعية جميلة بين سحر طنجة وعمق الفلسفة في شخص المفكر
الفرنسي إدغار موران، مقتفياً خطاه في سوق المدينة القديمة على هامش حضوره
لترؤس لجنة تحكيم الدورة الثالثة عشرة من المهرجان الوطني، ومورداً شهادات
بعض الفاعلين السينمائيين حول ما يحمله هذا الحضور من دلالات وإسقاطات على
حاضر السينما المغربية وتحدياتها. واستأثر فيلما "زيرو" و"ملاك" بجلّ جوائز
لجنة التحكيم التي ترأسها المنتج والمخرج الفرنسي جاك دورفمان.
النهار اللبنانية في
14/02/2013 |