حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم "قتل بن لادن":

مفكك، وتبريري وضعيف سينمائيا!

أمير العمري

 

دعاية هائلة صاحبت إنتاج وتصوير وعرض الفيلم الأمريكي "ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل" Zero, Dark, Thirty وهي ترجمة أجدها أكثر قربا من عنوان الفيلم المتحذلق باللغة الإنجليزية فسوف يصبح إسم الفيلم بلا معنى إذا ما ترجمناه حرفيا، كما يفعل البعض خطأ، فالمقصود بالعنوان- حسب التعبيرات العسكرية الأمريكية- "في أي وقت بعد منتصف الليل بنصف ساعة" ولكن خلال الظلام أي قبل أن ينبلج الفجر. وعموما أجد العنوان غير موفق على الإطلاق، وهذا هو الانطباع الأولي عن الفيلم. ولذلك فضلت دائما الإشارة إليه لتقريبه من القاريء العربي باعتباره فيلم "قتل بن لادن".

الدعاية صورت الفيلم أنه إحدى تلك المعجزات السينمائية التي تخرج من هوليوود بين حين وآخر، خاصة على يدي تلك المخرجة الموهوبة بلاشك – كاثرين بيجلو- التي سبق أن أثبتت جدارتها في أن تسند إليها هوليوود مهمة إخراج أفلام من النوع الذي يتوجه للجماهير، وليس من أفلام النخبة، رغم أنها في الحقيقة لا تسند الأدوار الرئيسية في أفلامها عادة – كما هو الحال هنا - إلى أسماء لنجوم كبار في عالم التمثيل السينمائي، بل معظم ممثلي أفلامها من الصف الثاني والثالث.

وكان الفيلم السابق لكاثرين وهو يحمل أيضا عنوانا صعبا وسخيفا هو "خزانة الألم" – ترجمة العنوان بالإنجليزية وهو The Hurt Locker وكثير من الأمريكيين أنفسهم ربما لا يعرفون معنى كلمة "لوكر" في هذا السياق، بل يقتضي الأمر أيضا الكثير من الشروح لأن المقصود هو تلك الخوذة الخاصة والبذلة التي يرتديها جنود نزع الالغام والقنابل في العسكرية الأمريكية. ويبدو أن مؤلف الفيلمين أي كاتب السيناريو مارك بويل، مغرم بهذا اللعب باستخدام المصطلحات العسكرية، وتشاركه في هذه النزوة بيجلو، ولعل هذا أيضا يلقي بعض الضوء مبدئيا على عقلية القائمين على هذا الفيلم، فالاحتفاء بالنزعة العسكرية الأمريكية يبدو جليا عندهما كما رأينا في الفيلم السابق المشار إليه، الذي "أنسن" الغزو الأمريكي للعراق وقدم طبعة محسنة له، كما سنرى في الفيلم الجديد.

اتهامات

هذا الفيلم أثار الكثير من اهتمام الرأي العام منذ ما قبل تصويره، حينما اتهم صناعه بأنهم قرروا استخدامه لخدمة الحملة الدعائية الأمريكية للرئيس أوباما، مما اضطرهم إلى تغيير مواعيد عروضه الأمريكية وتأجيلها إلى يناير 2013 بعد أن كان مقررا لها أكتوبر 2012 أي قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

ثم اتهم أعضاء بارزون في الحزب الجمهوري مؤلف الفيلم ومخرجته، بالحصول على الكثير من وثائق المخابرات المركزية، واتهموا جهاز المخابرات بتسريب معلومات ووثائق تعتبر "شديدة السرية" إلى مؤلف الفيلم ومخرجته، وهي وثائق تتعلق بعملية تعقب زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، لسنوات طويلة ثم تفاصيل عملية قتله في منزل محصن في باكستان في 2 مايو 2011.

وفي إطار الاهتمام غير العادي بالفيلم فقد رشح لأربع من جوائز الجولدن جلوب (الكرة الذهبية) ثم خمس من جوائز الأوسكار منها أحسن فيلم وأحسن ممثلة وأحسن سيناريو.

مشاكل السيناريو

ومما يدعو إلى العجب أن سيناريو الفيلم هو أضعف ما فيه. هذا سيناريو لا يلقي أي ضوء على الجانب الأهم في الفيلم الذي كان الجمهور يرغب في رؤيته ولو بشكل مختصر وموجز، الطرف الآخر، أي أسامة بن لادن نفسه، كيف كان يعيش، ما الذي كان رفاقه على الأقل يقومون به، الشرائط التي كانت تهرب وتبث باسمه، طبيعة الحياة بشكل ما، داخل المجمع الحصين في باكستان الذي كان يعيش فيه مع زوجاته وأطفاله. بطبيعة الحال ليس من الممكن محاسبة صناع الفيلم على ما لم يصوروه، وربما كان هذا متعمدا لأن صناع الفيلم أرادوا تقديم ما حدث على الصعيد الأمريكي فقط، ولكننا نشير إلى نقطة تتعلق بغياب التوازن في الفيلم حتى أنه يخلو من صورة لبن لادن مما يجعلنا نتشكك عند نهايته في أن يكون من قتله الأمريكيون هو بن لادن حقا، وهي نظرية هناك من يروج لها حتى داخل الولايات المتحدة!

يتعين علينا إذن أن نحاسب الفيلم من داخله، أي على ما جاء به فعلا، وهنا يمكن القول إن السياق القصصي للفيلم يبدو كما لو كان معتمدا بالفعل، على وقائع ويوميات عدد من ضباط وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) طيلة أكثر من عقد من الزمان. ويتجه السرد أحيانا ناحية الطابع التسجيلي المصحوب ببعض التوابل المثيرة (انفجار فندق ماريوت في إسلام أباد مثلا، التفجير الانتحاري في قاعدة شابمان العسكرية الأمريكية في أفغانستان، الذي راح ضحيته ستة من ضباط المخابرات الأمريكية).

وينتقل الفيلم طوال الوقت من مكان إلى آخر، ما بين واشنطن وباكستان وأفغانستان وأماكن متعددة ومدن مختلفة ومعسكرات وقواعد عسكرية متعددة في الدولتين الحليفتين للولايات المتحدة، ويصور تطور عملية الحصول على المعلومات عن شخص يعتقد أنه حامل رسائل بن لادن الذي كان ينقل رسائله إلى أعوانه في الخارج، إلى حين القيام بعملية اقتحام المجمع السكني في أبوت اباد على مسافة 150 كم من العاصمة الباكستانية إسلام اباد، وكيف تحطمت إحدى طائرتي الهليكوبتر اللتين كانتا تنقلان جنود الوحدة الخاصة التي ستقوم بالاقتحام، ثم عملية قتل بن لادن داخل المنزل وما اعتراها من عقبات (ولا ندري لماذا لم يقبضون عليه حيا رغم أن هذا – كما نرى- كان ممكنا، فلم تكن هناك أي مقاومة حقيقية هناك!!).

ما أريد قوله أن سياق الفيلم تقليدي الذي يتمثل في الانتقال من مكان إلى آخر، والانتقال في الزمن من عام إلى عام آخر، وتصوير المشاجرات وتبادل الصياح والسباب بين الضباط والمسؤولين الأمريكيين على بعضهم البعض وعلى مستوى رئيس السي آي إيه ورئيس مكتب الأمن القومي..إلخ) يشبه ما تعرضه عادة المسلسلات التليفزيونية الأمريكية البوليسية الشائعة التي لا ابتكار فيها ولا خيال ولا تضيف جديدا، لا على مستوى السرد وطريقة تجسيد الأحداث وابتكار ما يثري الحبكة التي نعرفها جميعا مسبقا، ولا على مستوى تعميق الحس الإنساني لدى الشخصيات، فمعظمها شخصيات "كلبية" سواء من الأمريكيين أو من "الأجانب" الذين يتعاونون معهم!

تبرير التعذيب

ولعل من أكثر الجوانب صدمة في هذا الفيلم هو الجانب التبريري الفاضح والفادح للتعذيب، بل إن النصف الأول من الفيلم كله يبدو وكأنه يتعمد أن يقنع المشاهدين بأنه لولا التعذيب الوحشي بشتى الوسائل البشعة بما فيها الإغراق بالماء وغيرها، لما اعترف أعضاء "القاعدة" وقدموا ما أفاد الأمريكيين وساعدهم في القضاء على أكبر عدو للولايات المتحدة.

في الفيلم يقول ضابط المخابرات الأمريكي "دان" لزميلته "مايا" إنه سيكون هناك تغيير في السياسات أي أن الإدارة الأمريكية الجديدة (بعد انتخاب أوباما) لن تسمح بممارسة التعذيب، وينصحها أن تنتبه جيدا إلى هذه النقطة، يقصد لأن من الممكن أن يقدم ضباط المخابرات الذين يمارسونه للمحاكمة، بل ويفضل هو نفسه الانتقال للعمل في واشنطن تاركا عمله في استجواب وتعقب "الإرهاب" في باكستان وأفغانستان وقيامه- بوجه خاص- بالتعذيب المنهجي بكل قسوة- كما نرى بالفعل- للأسرى ممن يشك في انتمائهم لتنظيم القاعدة!

التبرير واضح في تسلسل أحداث الفيلم، كما أن "مايا" التي تبدو كما لو كانت "عصفورة الفيلم" تتبناه أيضا في مرحلة لاحقة رغم ما كان يبدو على وجهها من نفور في البداية وهي تشاهد ممارسات زميلها ومغالاته أحيانا في تعذيب ضحاياه.

شخصيا وعلى مستوى "الصنعة" السينمائية، لم أجد فيلم "ثلاثون دقيقة بعد منتصف لليل" عملا مثيرا جذابا، يشدنا إليه طيلة ما يقرب من ثلاث ساعات، بل وجدت في الكثير من الأحيان، نوعا من الإطالة والإسهاب والاستطرادات والإغراق في التفاصيل الدقيقة والخناقات التي لا معنى لها والمواجهات الحادة بين العاملين في الأجهزة الأمريكية في ردهات مباني المخابرات في لانجلي بولاية فيرجينيا، وكان من الممكن جدا ضبط إيقاع الفيلم بشكل أفضل، إذا أراد صانعو الفيلم، أن يصبح الفيلم أكثر إتقانا وتماسكا، خاصة وأن هذه المشاهد لم تضف جديدا لا من الناحية الإنسانية، ولا من الناحية السياسية، على مسار الأحداث.

وقد وجدت أيضا أن العثور على هذا النحو الساذج، على شخصية مراسلة بن لادن وهو يقود سيارته في السوق بينما يتحدث عبر هاتفه المحمول، مشهدا ساذجا حتى لو كانت هذه هي الحقيقة التي حدثت في الواقع، كما وجدت استحالة في أن يتجه هو بعد ذلك بمنتهى البساطة إلى حيث يقيم بن لادن في حين يقف أحد عملاء المخابرات الأمريكية وحيدا منفردا، على مقربة من المنزل المحصن، يراقبه عن كثب دون أن ينتبه!

ضعف الصورة

ولعل من أسوأ النقاط الفنية في الفيلم تلك المشاهد التي تملأ النصف ساعة الأخيرة من الفيلم، التي تصور مشاهد اقتحام منزل بن لادن وقتل البعض من سكانه وعلى رأسهم بن لادن نفسه، وما يحدثه الاقتحام من جلبة وفوضى وسط صراخ الأطفال والنساء.

عيب هذه المشاهد أنها مصورة في الظلام الدامس. وهو أمر مفهوم في إطار الرغبة "الثابتة" دائما عند معظم السينمائيين في "محاكاة الواقع" غير أن محاكاة الواقع في السينما، لا تعني ألا أرى أنا الصورة كمشاهد إلا بصعوبة شديدة، أو أن تصبح المشاهدة مرهقة للعين البشرية، وتصبح الرؤية مشوشة، مشوهة تجعلك لا تعرف في الكثير من الأحيان، ماذا يحدث بالضبط، ومن هذا أو ذاك، وما يفعله هنا، وفي أي مكان من المنزل يحدث ما يحدث، وغير ذلك. نعم يجب أن يؤكد المخرج والمصور على الطبيعة الليلية للمشاهد، لكننا في نهاية الأمر، في حاجة إلى رؤية صورة ذات طبيعة فنية، باستخدام نوع من الإضاءة المناسبة، وليس مجرد التطلع ومحاولة فك شفرات حبيبات متناثرة مرهقة للعين، وهو ما كان الفيلم كصورة، يرتد إليه لأن المصور مضطر لتصوير الجنود وما يفعلونه من وجهة نظر محايدة، ولم نكن نشعر بنوع من الراحة البصرية إلا عند تصوير الحدث من وجهة نظر الجنود المقتحمين أنفسهم أي من خلال مناظير الرؤية الليلية التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء التي يستخدمونها.

كانوا هم يرون وكنا نحن نعاني من أجل رؤية ما لم يسمح لنا به صناع الفيلم!

لا أعتقد أيضا أن أداء جيسيكا تشاستان لدور "مايا" يتميز بحضور خاص رغم جودته، مما لا يبرر كل هذه الترشيحات لنيل جوائز التمثيل الأولى، أو التهليل الصحفي لأدائها التمثيلي الذي وجدته تقليديا و"حسب الكتاب" كما يقال. ولم أفهم كيف أنها بعد كل رحلتها في عالم القسوة المفرطة في التعامل مع "الأعداء" تنساب دموعها الأنثوية في نهاية الفيلم، لكي يكون مطلوبا من المشاهدين التعاطف معها بل وربما أن يحتضونها ويقولون لها "لا عليك أيتها الرقيقة.. إنسي الأمر.. فقد نجحت في القضاء على أعدائنا وأعداء الإنسانية ولا تلقين بالا إلى الأساليب، فالغاية تبرر الوسيلة دائما كما تعلمين"!

الجزيرة الوثائقية في

14/02/2013

 

الفيلم المغربي : محاولة فاشلة لتعريف الحب

عندما يفشل العشق وتنجح التجربة

طنجة - رامي عبد الرازق 

شهدت مدينة طنجة المغربية في الفترة من(1-9 فبراير) فعاليات الدورة الرابعة عشرة لمهرجان طنجة الوطني وهو التجمع السنوي لعائلات السينما المغربية بالمصطلح الدارج الذي يتم اثنائه الوقوف على حصيلة الإنتاج السينمائي المغربي عبر عام كامل من خلال مسابقتين رئيسيتين هما مسابقة الأفلام الطويلة(التسجيلية والروائية) ومسابقة الافلام القصيرة.

ضمت مسابقة الأفلام الطويلة هذا العام 20 فيلما تمثل مختلف توجهات الأنتاج السينمائي الاكثر تنوعا بين انتاجات السينما العربية بما فيها السينما المصرية ذاتها التي تأتي على رأس قائمة الدول الأكثر انتاجا في المنطقة العربية والأقل تنوعا من حيث الموضوعات.

وتمثل الأفلام العشرين التي شاركت في الدورة حالة استعراض بانورامية لمختلف اجيال السينما المغربية الحالية بداية من جيل الكبار الذي يمثله المخرج مؤمن سميحي بفيلمه"طنجاوي" وحسن بن جلون في فيلم السيرة الذاتية"القمر الأحمر"يليهم جيل الوسط المتمثل في نبيل عيوش وفيلمه"يا خيل الله"ونور الدين لخماري بلمحمته الجديدة"زيرو"- وهما الفيلمان اللان حصدا حوائز المهرجان هذا العام- ثم فريدة بو اليزيد بفيلمها"حدود وحدود" ثم يلي ذلك عشرة مخرجين جدد يقدمون أعمالهم الاولى لتصبح السينما المغربية السينما الأكثر افرازا لجيل جديد من المخرجين, ويصعد مهرجانها الوطني ليصبح المهرجان رقم واحد بين المهرجانات القومية العربية الذي يحتفي بسينماه المحليه ويمنح صناعها مساحة دولية للتقييم عبر لجان تحكيم متعددة الجنسيات وحضور قوي للصحافة الأجنبية من الوطن العربي وأفريقيا وأوربا.

محاولات سينمائية

المخرج حكيم بلعباس مخرج مغربي من مواليد الستينات قدم من قبل افلاما تحمل روح المغامرة الفنية والتي يمكن أن نطلق عليها"محاولات" سينمائية – استلهاما من أسم فيلمه الجديد-وهي "محاولات"تحاول أن تكسر الحواجز بين الأنواع وتفضل الأسلوب الحر في التعامل مع الموضوع فلا التزام بنوع درامي معين ولا اطار إخراجي محدد ولكن صورة نابضة وصراع مختلف.

وقد سبق للمخرج أن فاز بجائزة المهرجان الوطني في دورته الثانية عشر بمحاولته المميزة"أشلاء"وفي الدورة الجديدة لمهرجان طنجة يعود بلعباس بمحاولته المختلفة"محاولة فاشلة لتعريف الحب" ليمزج كعادته بين الخيالي واللاخيالي أو الذي يقف على الحدود ما بين الخيالي الدرامي والخيالي الواقعي وليتمكن من الحصول على جائزة أحسن مونتاج وهي احد اهم الجوائز الفنية عامة لأنها تجمع في تقييمها ما بين التقني والدرامي والبصري والأيقاعي.

عمد المخرج في البداية إلى تأسيس أسطورته الفيلمية الخاصة والتي تقوم استنادا على اسطورة"حقيقية"عن بحيرتين من بحيرات جبال الأطلس"اسلي وتسليت"اي بحيرات العريس والعروس, وهي البحيرات التي قيل أنها تشكلت من دموع حبيبن فرق بينهما الأهل فبكيا على الفراق حتى صنعت دموع كل منهم بحيرة بأسمه.

عناصر الاسطورة الفيلمية ليست في القصة القديمة والتي تتماثل مع كثير من الحكايات التراثية الشعبية حول علاقة العشاق بالطبيعة سواء الذين جمعت بينهم الحياة او فرقت بينهم الأقدار ولكن عناصر الاسطورة الفيلمية تستلهم من اسطورة اسلي وتسليت موتيفاتها البصرية والدرامية وتقيم عليها فرضيتها, فالأسطورة القديمة تقول بأن دموع العاشقين هي التي كونت البحيرات ومن ثم تتحول الدموع البشرية التي تتدفق من عيون الشخصيات الثلاث الرئيسية في الفيلم أو دموع الطبيعة المتمثلة في المطر احد العناصر الأسطورية في التجربة, والتي تمثل جانبا من السرد البصري والدرامي للأحداث, رغم أنه ليس ثمة أحداث بالمعنى الكلاسيكي للحدث الدرامي(قرار وفعل ورد فعل وصراع)ولكن ثمة "ما يحدث" خلال فترة إقامة كلا الممثلين الأساسيين حمزة وزينب في منطقة البحيرات-بناء على طلب المخرج- للتعايش مع التجربة واستيعابها من اجل تقديم فيلم عن اسطورة البحيرات.

فيلم عن فيلم

يستخدم بلعباس في البداية الأسلوب اللاخيالي في التعامل مع مقدمة موضوعه, فهو يصور لنا بكاميرا ديجيتال محمولة عملية الوصول إلى طريق البحيرات في عمق جبال الأطلس متخذا من شكل الريبورتاج التليفزيوني اطارا له, حتى أنه يتوقف عند بعض سكان المنطقة ليسألهم عن اسطورة البحيرات ومدى حقيقتها ومن منهم لا يزال يصدقها ومن يتعامل معها على أنها حكاية طفولية.

تبدو هنا اسطورة البحيرات التي تشكلت من دموع العشاق اشبه بأسطورة الحب في معناه العاطفي الرومانتيكي اي يبدو البحث عن اصل الأسطورة اقرب لطرح لسؤال عن الحب ووجوده! وهي جزء من الفرضية التي يقوم عليها الفيلم والتي يمكن أن نكملها بسؤال اخر وهو :في حال وجود الحب فهل لنا أن نقف على تعريف او تفسير له؟

بعد هذه المقدمة التسجيلية البحتة يبدأ الفيلم بعملية البحث عن الممثلين القادرين على تجسيد شخصيات اسلي وتسليت ويستمر الأسلوب التسجيلي/الاخيالي خلال عملية الكاتسينج حيث يستخدم المخرج مادة مصورة بكاميرا فيديو منزلية بجودة منخفضة مؤكدا بذلك على حقيقية الشخصيات وكونهم ممثلين"حقيقيين" وليسوا ممثلين في ادوار ممثلين.

عندما يستقر المخرج على زينب وحمزة تبدأ رحلة الذهاب إلى الأطلس حيث يطلب منهم معايشة الاجواء التي تدور فيها قصة الفيلم الذي من المفترض صنعه عن الأسطورة, ولكن لا يستغرق المخرج كثيرا في مسألة صناعة فيلم عن كواليس فيلم أخر, إنما تتحول الكواليس أو عملية المعايشة بين زينب وحمزة إلى الفيلم الأساسي والذي يتماس مع الفيلم الأصلي فيما يخص السؤال عن الحب, ولكنه يبتعد عنه ليصنع تفاصيله ودراماه الخاصة.

يقسم المخرج الفيلم إلى فصول متتالية كل مشهد تقريبا يحتوي على عنوان جديد لأحد الفصول وهي عناوين في اغلبها تحمل لفظ"نكرة"ليس معرفا مثل"روافد"أو"لقاء"وهكذا, ومن المعروف أن العنوان النكرة أكثر تجريدية وتعميما للفظ من الكلمة المعرفة, فالتعريف يحمل يقينا ما أو إجابة, والفيلم بأكلمه هو محاولة للأجابة أو لتعريف الحب, وبالتالي تأتي الصلة بين تنكير عناوين المشاهد وبين الأطار الذهني والشعوري للفيلم لتقوي المعنى وتبرزه.

كما أن مجموع هذه العناوين المشهدية يمكن أن يلخص في النهاية عملية تفتيت أو تحليل محاولة البحث عن اجابة لسؤال(ما هو الحب؟) فالحب ما هو في النهاية سوى"روافد"و"لقاء"و"أمل" و"دموع"و"مطر"أي أنه كل عناوين الفيلم مجمعة, وهي ميزة درامية أن تصبح الأجزاء السردية في اطارها العام تمثل الكل أو المضمون الأشمل لمعنى الفيلم.

ولكن يبدو أن المخرج قد راقته مسألة عنونة كل مشهد حتى صار الأمر يحتوي على مبالغة غير فنية, اي كأن العملية تحولت إلى أن يصبح العنوان هدفا في حد ذاته وليس وسيلة سرد وهي أحد نقاط الضعف في التجربة.

زينب والعاشق وحمزة

تنقلب عملية التعايش المفترض ان يقوم بها زينب وحمزة لواقع العاشقين الاسطوريين من أجل تجسيد قصتهم إلى حالة تعايش مع الذات والذكريات وتجارب الحب السابقة, خاصة عندما يتعرف كلاهما على أحد شباب المنطقة والذي يعاني من نفس الازمة التي عانها من قبله اسلي او العريس في اسطورة البحيرات.

يبدو الخط الدرامي الخاص بزينب اكثر الخطوط وضوحا خاصة في ازمتها العاطفية التي تخص ايضا فقدانها لعذريتها كأنثى على يد الشاب الذي عشقته في مدينتها, يفرد المخرج لزينب مساحة جيدة لمكالمات التليفون سواء مع والدتها او عند تركها لرسائل مطولة وقاسية لحبيبها الذي هجرها والذي يبدو أن وجودها في اجواء الاطلس الخرافية قد فجر في داخلها الشعور بالحنين إليه والألم منه.

وفي مقابل هذا يبدو الخط الدرامي الخاص بشخصية حمزة خافتا بل يصل إلى حد البهتان في الكثير من مشاهده حيث لا ندري حقيقة أزمته او مدى عمقها, وعندما حاول المخرج أن يشرح لنا اسباب ازمته على لسانه في فضفضته المتبادلة مع زينب نكتشف انه قد غرر بفتاة واخذ برائتها ثم تركها, وكأنه المقابل الذكوري لحبيب زينب الذي اسلمته عذريتها, ولكن طبيعة الفضفضة بالأضافة إلى اداء الممثل نفسة(حمزة عبد الرازق)جعل الأزمة اقرب لازمة الضمير منها للازمة العاطفية كما هو الحال مع زينب والعاشق الشاب أبن الجبال.

بل أن المعطيات الأخراجية والدرامية لعملية المعاناة أزمة حمزة تأصل فكرة أزمة الضمير خاصة عندما نشاهده وهو يغطس في احد البحيرات باكيا وكأنه يحاول أن يغسل نفسه من خطيئته او ينهي عذاب ضميره.

اما قصة العاشق الشاب ابن الجبال فهي عبارة عن اعادة تمثيل لقصة اسلي وتسليت من خلال استخدام الظرف الأقتصادي المتعلق بفقر الشاب ورفض والد العروس تزويجهم وذهابه للعمل ثم عودته ليجد العروس قد تزوجت وخلى بيتها.

رغم نمطية القصة ومليودراميتها إلا أنها ضمن خطوط الدراما الخاصة بحالات الحب أو بمحاولات تعريف الحب تعتبر عنصر مهم واساسي خاصة أنها تمثل في جانب منها ديمومة اللوعة الرومانتيكية التي كانت السبب الرئيسي في ارتباط اسطورة العاشقين بتكوين البحيرات. أي كأن القصة تعيد نفسها بعد كل هذه السنوات تماما مثل الحب الذي خلقه الله حين خلق البشر واستمرت محاولات تعريفه ومعاناة عذاباته منذ فجر الخليقة حتى الان وإلى أن يرث الله الأرض.

فقصة اسلي تسليت التي جسدها هذا العاشق الشاب وحبيبته هي مثال درامي واضح على أن الحب مخلوق متجدد لا يفني وان لوعته لا تنتهي وان قصصه رغم تشابهها وتكرارها دائما تبدو وكأنها تحدث للمرة الأولى , كما ان اختيار المخرج لشخص حقيقي من المنطقة هو محاولة للنزول بالفكرة من علياء التجريد والقالب الفني الخيالي إلى ارضية الواقع وقسوته حتى مع كونه يشترك هو الأخر في"التمثيل".

بكاء الطبيعة

استطاع المخرج من خلال الأستخدام الدقيق لأيقاع المونتاج ان يوظف عناصر اسطورته الفيلمية وعلى رأسها المطر فبعد كل ذروة شعورية لاحد الشخصيات الثلاث خاصة الذرى التي تعكس احباطاتهم العاطفية او عذاباتهم الرومانتيكية تأتي مشاهد البكاء من ناحية أو مشاهد المطر من ناحية أخرى الذي هو المعادل الدرامي للدموع, وكأنه بكاء الطبيعة على حال العشاق تماما مثلما بكى اسلي وتسليت وتجمعت من دموعهم مياه البحيرات الأطلسية.

والمونتاج ليس فقط أن يقوم المخرج بالتقطيع بين اللقطات مع كل تغيير للأحجام والزوايا ولكنه على حد قول جابرييل جارثيا ماركيز في ورشته الشهيرة أنه علم النحو السينمائي الذي بدونه لا يستطيع أي سينمائي أن يصيغ جملة فيلمية مفيدة.

وقد تمكن بلعباس من توظيف المونتاج للتعبير إلى جانب الحكي عبر تتابع اللقطات والمشاهد مستفيدا من تقنيات الأظلام التدريجي لأعطاء الشعور بنهاية فصل شعوري وبداية أخر او القطع المباشر دون اظلام أو مزج حين يريد أن يشعرنا بأن الفصول تكمل بعضها او انها تنويعات على نفس الفكرة او في بعض الاحيان تمثل تقابلات درامية بين ما تحكيه زينب وما يشعر به حمزة او يعاني منه العاشق ابن الجبال وهكذا, ومن هنا يمكن أن ندرك لماذا استطاع الفيلم الحصول على جائزة احسن مونتاج ضمن فعاليات المهرجان الوطني في دورته الأخيرة.

محاولة ناجحة

يبقى فقط أن نشير إلى لعبة التضاد التي مارسها المخرج اكثر من مرة سواء على مستوى شكل الفيلم الذي يجمع ما بين الخيالي واللاخيالي كما اسلفنا أو حتى على مستوى عنوان التجربة (محاولة فاشلة لتعريف الحب) لأن الفشل المقصود به هنا ليس فشل المحاولة/ الفيلم- بل على العكس تماما- لكن المقصود هو أن الحب كشعور كلي وفوقي وغير محدد وأثيري وكوني وأسطوري وواقعي في نفس الوقت من الصعب تعريفه أو تفسيره أو الوقوف على اوله وآخره وبالتالي فأي محاولة لذلك هي محاولة فاشلة ولكن نجاحها يكمن في قدرتها على الأقتراب من تخوم هذا الكيان الكبير وتفتيته وتحليله سواء خلصت في النهاية إلى نتائج يقينه أو إلى اسئلة كلية متعددة الأجابات والرؤى.

أنها محاولة"فاشلة"أخرى لتعريف هذا الكائن لكنها"ناجحة"في الأقتراب منه بعدستها وتصويره لنا تاركة أيانا نفتش خلف الصورة لعل عدوى محاولات التعريف تصيبنا فننجح فيما فشلت هي فيه.

الجزيرة الوثائقية في

14/02/2013

 

إنتصار آخر لأرغو في نتائج جوائز البافتا

محمد رضا 

المنافسة القائمة حالياً بين «أرغو» و«دجانغو» و«لينكولن» و«البائسون» تبلورت في لندن قبل أيام عن منتصر ومهزوم في واحدة من أكثر ترشيحات موسم الجوائز حدّة وذلك بإعلان نتائج جوائز الأكاديمية البريطانية (بافتا).

وأول ما يتناهى إلى المتابع قيام بن أفلك بتحقيق نجاح آخر يضيفه فوق حصده جوائز جمعية المنتجين وجمعية مراسلي هوليوود وجائزة التمثيل الجماعي من جمعية الممثلين. فهو حصد جائزة أفضل فيلم، كونه من منتجي هذا الفيلم المتحدّث عن وقائع تدور بعد "الثورة الإسلامية" عندما تم إرسال عميل للسي آي أيه متخفّ بهوية منتج هوليوودي لإنقاذ ستّـة أميركيين هربوا من الأسر إلى السفارة الكندية القريبة من السفارة الأميركية في طهران.

وكما لو كان الأمر رداً على إغفال أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في هوليوود ترشيح بن أفلك كأفضل مخرج، قامت الأكاديمية البريطانية للفيلم والتلفزيون بمنح أفلك جائزتها لأفضل إخراج. وإذ فعلت ذلك تجاوزت كل الأسماء الكبيرة التي كانت رشّـحت لهذه الجائزة لجانب أفلك وهي كاثرين بيغيلو عن «زيرو دارك ثيرتي» وآنغ لي عن «حياة باي» وكونتين تارانتينو عن «دجانغو طليقاً» وكذلك مايكل هنيكه عن «حب».

في جائزة أفضل فيلم فإن «أرغو» خطف الجائزة البريطانية من «البائسون» لتوم هوبر و«لينكولن» لستيفن سبيلبرغ و«زيرو دارك ثيرتي» لكاثرين بيغيلو كما «حياة باي» لآنغ لي، وهي الأفلام ذاتها التي تتنافس على الأوسكار الأميركي هذا العام.

على الرغم من ذلك، نال «البائسون» أربعة جوائز بافتا ففازت آن هاذاواي عن دورها في هذا الفيلم، وجائزة أفضل تصميم شعر (لليزا ويستكوت) وأفضل تصميم إنتاج (إيفا ستيوارت وآنا لينش روبنسون) كما أفضل صوت (مجموعة من ستة فنيين). بذلك ما حققه «البائسون» هو جملة من الجوائز الهامشية بإستثناء تلك الممنوحة لممثلته في دور مساند. أما جائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي فنالتها الفرنسية إيمانويل ريفا عن دورها في «حب» وخسرتها في المقابل منافساتها: الفرنسية الأخرى ماريو كوتيار عن «صدأ وعظام» والأميركية جسيكا شستين عن «زيرو دارك ثيرتي» ومواطنتها جنيفر لورنس عن «كتاب مسطّـر بالفضّـة» والبريطانية هيلين ميرين عن دورها زوجة ألفرد هيتشكوك في «هيتشكوك».

بالنسبة للتمثيل الرجالي دانيال داي-لويس كسبها عن «لينكولن» لكن بن أفلك خسرها عن «أرغو» كذلك فعل برادلي كوبر عن «كتاب مسطّـر بالفضّـة» و»هيو جاكمن عن «البائسون» ويواكين فينكس عن «السيد»، وهم ذاتهم المرشّحون كذلك لأوسكار أفضل ممثلين رئيسيين ما يشي بأن النتائج هنا سوف تكون، على الغالب، مطابقة.

في قسم التمثيل المساند نال البافتا كرستوفر وولتز عن «دجانغو طليقا» وأفلتت من يدي ألان أركن عن «أرغو» جافييه باردم عن «سكايفول» وفيليب سايمور هوفمن عن «السيد» وتومي لي جونز عن «لينكولن».

الأكاديمية البريطانية تخصص السينما البريطانية بمسابقات خاصّـة وفيلم جيمس بوند الأخير «سكايفول» خطف البافتا كأفضل فيلم بريطاني. وهو، فنياً وتقنياً أقلّـها أخطاءاً وهنّات. الأفلام الأخرى «آنا كارنينا» و«البائسون» و«سبع مرضى نفسيين» ثم «أفضل فندق نبتة ماريغولد عجيبة» (أو كما بالإنكليزية The Best Exotic Marigold Hotel).

البافتا البريطانية الثانية هي لأفضل مخرج ونالها كل من بار لايتون ودمتري دوغانيز عن «المنتحل» والثالثة خصصت للمنتجة تيسا روس عن مجمل أعمالها (نحو 40 فيلم ومسلسل) والتي كان آخرها «سبعة مرضى نفسيين».

باقي أفلام الموسم المتنازعة أنجزت نجاحات خفيفة في مسابقة البافتا لهذا العام. «حياة باي» ربح بافتا أفضل تصوير (لكلاوديو ميراندا) وبافتا المؤثرات الخاصّـة (مجموعة) «دجانغو طليقا» عاد لكونتين تارانتينو بجائزة أفضل سيناريو مكتوب خصيصاً تُـضاف لجائزة أفضل ممثل مساند التي حصدها كريستوف وولتز، لكن «لينكولن» هو الذي اكتفى بجائزة واحدة، وهي تلك التي نالها بطله دانيال داي-لويس كما تقدّم.

أما جائزة أفضل سيناريو مقتبس فكانت من نصيب المخرج- الكاتب ديفيد أو راسل عن «كتاب مسطّـر بالفضّـة».

بمثل هذه النتيجة ترتفع إحتمالات نجاح «أرغو» في إستحواذ الأوسكار خصوصاً وأن عدداً كبيراً من أعضاء الأكاديمية يعتقدون أن إغفال بن أفلك من الترشيح لجائزة أفضل مخرج لم يكن منطقياً أو طبيعياً.

من بين كل هذه الأفلام المذكورة أعلاه، هناك فيلم واحد كوميدي النبرة والمعالجة هو «كتاب مسطّـر بالفضّـة» لديفيد أو راسل، وهو أقل هذه الأفلام حظّـاً في الحصول على جائزة فعلية ومن المحتمل جدّاً أن لا نسمع عنه شيئاً عند قيام حفلة الأوسكار بعد أيام.

إنه عن باتريك (برادلي كوبر) الذي خرج من مصحّـة نفسية أمضى فيها ثمانية أشهر. يعود للسكن مع والديه دولوريس (جاكي ويفر) وباتريك الأب (دينيرو) وسرعان ما يبدأ التصرّف على نحو أرعن يهدد بإعادة إرساله إلى المصحّـة على الرغم من أنه بات يردد ضرورة البقاء على الشعور الإيجابي في الحياة ونبذ الشعور السلبي. لا تملك في هذا الحيّز سوى التعاطف معه: رجل بلا عمل وبِـحمل نفسي وعاطفي منذ أن وجد زوجته وأستاذ في الجامعة في حمّـام البيت بعدما عاد مبكراً على غير عادته. ما كان منه بالطبع إلا أن ضرب الأستاذ حتى كاد يقتله (هذا ما نسمعه لكننا لا نراه) فاقداً القدرة على إحتواء غضبه ما أدخله المصحّـة. لكنه الآن لا يزال يحبّ زوجته على الرغم من أنها لا تنوي العودة إليه ومحظور عليه الإقتراب منها. باتريك يريد رؤيتها ويرغب في أن تصفح عنه كمن وُلد من جديد. في أحد الليالي يتعرّف على تيفاني (جنيفر لورنس) التي لديها أيضاً مشاكلها العاطفية الخاصّـة، منذ أن مات زوجها في حادثة سيّارة (أيضاً لا نرى المشهد لكنه مذكور في أحد الحوارات). معاً سيشتركان في مسابقة للرقص بينما والده (دينيرو) يريد حضوره معه لتشجيع فريقه الرياضي المفضّـل.

«كتاب مسطّر بالفضّـة» كوميدي النبرة كما ذكرت لكنه أيضاً جاد في معالجته حال الأسر المتهاوية: هناك أسرة باتريك حيث التباعد كبير بين الإبن وأبيه وهناك أسرة تيفاني المفقودة وأسرة أحد أصدقاء بات التي تقف على حافة التفسّخ. في الوقت ذاته هو فيلم مليء بالقضايا الإجتماعية مثل البيئة التي قد تدفع أي إنسان لحافة الجنون، ومثل البحث المؤلم عن شريك حياة عوض شريك حياة غاب، ومثل دور المؤسسة الصحية في ممارسة نظام متعسّـف كما يوضح لنا الفيلم هذه المسألة عبر شخصية صديق آخر لباتريك هو داني (كريس تـَـكر) الذي يُعاد إلى المصحّة على الرغم من بدء تأقلمه مع الحياة.

للأسف، هناك سلبيات في العمل فليست النهاية المختارة من بينها ولو أنها لا تبدو الأنسب للفيلم، مثل ذلك الإنزلاق صوب تلك النهاية بعدد من المواقف التقليدية والنمطية ككليشيهات سبق لهوليوود أن تداولتها بغية حياكة قصّـة حب تخدم الفيلم كعملية تجارية وليس كعمل يريد الحفاظ على مقوّماته السابقة ورفع حدّتها أو الإبحار بعيداً بها. يتميّز إخراج أوراسل بالحيوية والسيناريو بالأفكار لكن الإنتاج محدود الأماكن ما يجعل الفيلم يكرر مواقعه أكثر بقليل مما يجب.

الجزيرة الوثائقية في

14/02/2013

 

مملكة طلوع القمر..

المتعة في مواجهة السلطة الأبوية

أحمد شوقي 

لماذا نشاهد السينما؟ سؤال لابد للناقد أن يطرحه من حين لآخر على نفسه. وإذا كانت المعادلة شديدة البساطة بالنسبة للشريحة الأعظم من جماهير هذا الفن الخلاب، فهم يشاهدون الأفلام ليستمتعون بحكايات مشوقة وصور جميلة تساعدهم على قضاء ساعتين أكثر بهجة، فإن المعادلة لا تبدو بنفس البساطة للناقد الذي يبحث عن قيمة ما يراه على الشاشة، سواء كانت قيمته الفكرية أو الفنية، وهو بحث مرهق يجعل البعض يتناسون أحيانا قيمة الإمتاع كهدف رئيسي لأي عمل فني موجه للجمهور. بل إن الأزمة تمتد لعدد من كبار صناع السينما الذين يتعاملون بجدية شديدة مع كل أهداف صناعة الفيلم باستثناء هدف الإمتاع.

لاحظ هنا أنني لا أقصد المتعة الذهنية التي يكتسب مشاهد السينما خبرة في كيفية استخلاصها من الأفلام، ولكن المتعة الأولية لمشاهدة مغامرة مبهرة على الشاشة تتوحد مع أبطالها فتخوض الرحلة معهم دون أن تفكر كثيرا في كيفية صناعة هذه الرحلة أو مدى تماسك حبكتها. هذه المتعة التي كانت قديما سببا في وقوعنا في غرام السينما قبل أن نفقد القدرة على الشعور بها مع تراكم الخبرات والمشاهدات هي الهدية التي يقدمها لنا المخرج ويس أندرسون في فيلمه الأخير "مملكة طلوع القمر" أو "Moonrise Kingdom" المرشح لأوسكار أحسن سيناريو كتب مباشرة لشاشة السينما، والذي اختارته إدارة مهرجان كان ليكون فيلم افتتاح دورة 2012.

كان ياما كان

سينما ويس أندرسون تكشف عن تقدير كبير يكنه المخرج والمؤلف الشاب لحواديت الجدات على طريقة "كان ياما كان"، مع رغبة في استخدام هذه القوالب السردية المشحونة دائما بقيمة نوستالجية نابعة من التاريخ الشخصي لكل مشاهد يراها على الشاشة فيسقط عليها جزءا من ذاكرته، مع صبغها بنكهة أندرسون الخاصة التي تضفي على القالب الكلاسيكي شق شديد الحداثة، وتجعل الأحجية التقليدية تخرج في النهاية باستنتاج غير تقليدي على الإطلاق. هذا ما فعله أندرسون في فيلمه السابق "السيد فوكس الرائع" الذي قدمه بتقنية تحريك وتوقيف الصورة البدائية animated stop motionليطرح به أفكارا أعقد بكثير من التصورات المسبقة عن هذه النوعية من الأفلام، وهذا ما عاد ليكرره في "مملكة طلوع القمر" ولكن بشكل أكثر عذوبة وإمتاعا.

ولأن الحكاية تروى على طريقة كان ياما كان فلابد وأن تدور في الماضي، ولكنه ماضي مختلق في جزيرة وهمية تساعدنا على ترك العنان لخيالنا وعدم تقييده بأي إطار مرجعي.

الأزمة شديدة البساطة: طفل وطفلا ضاقا ذرعا بالحياة التي يجبرهما العالم على أن يعيشاها، فقررا أن يهربا سويا إلى شاطئ البحر. الطفل سام يتيم يعيش مع أبوين بديلين لا يجدان أي حرج في إرساله لمعسكر كشفي وهما يعلمان أنهما سينهيان استضافتهما له ليعود فلا يجد له منزلا، والطفلة سوزي تعيش مع والديها المستشارين اللذين يتعاملان معها ومع أشقائها بطريقة عسكرية تصل لمناداتهم عبر مكبر الصوت.

الخيال المفرط هو سر اللعبة، لذلك فالطرافة لدرجة التطرف في رسم الشخصيات والمواقف ركن أساسي من الأركان التي يقوم عليها نجاح الفيلم في تحقيق أهدافه. فكاريكاتورية الشخصيات والأحداث المصاحبة بحس مماثل في الديكور والملابس وطريقة التصوير وقطع اللقطات تساهم في خلق عالم خيالي كامل له مقاييسه الخاصة التي تصل للمشاهد وتقوم تلقائيا بتطويع طريقة تعرضه للفيلم، ليصبح بمثابة طفل كبير يشاهد فيلم كارتون مبهر، ولكنه فيلم كارتون يلعب بطولته بروس ويليز وإدوارد نورتون وبيل موراي وتيلدا سوينتون. وإذا كان جموح الخيال في الكارتون ممتعا، فما بالك بمثل هذا الكارتون الحداثي!

ليست مجرد حدوتة

ككل الحواديت وأفلام الكارتون ينتهي الفيلم نهاية سعيدة بانتصار الحبيبين الصغيرين على العالم المحيط، وإجبارهما للمجتمع على أن يغير من نسقه ليقبل بوجودهما خارج منظومته الجامدة. ولكن هذه هي النهاية التي يستخدمها ويس أندرسون ليكمل الشكل العام للحكاية الطفولية التي يرويها. أما الطرح الفكري الحقيقي الذي يقدمه الفيلم فهو أكثر طليعية بكثير من هذا الإطار التقليدي، وهو يتعلق بفكرة السلطة الأبوية ووصاية النظم الراسخة كالحكومة والأسرة على مصائر الأجيال الجديدة.

فمنذ أول لحظة في الفيلم وحتى نهايته ستجد أن الأطفال هم الأكثر كفاءة ومهارة، وهم الألمع ذكاءا والأقدر على تقييم الأمور واتخاذ ردود الأفعال المناسبة في الوقت المناسب، بما في ذلك قرار أطفال معسكر الكشافة بإسقاط خلافاتهم القديمة والتكاتف من أجل مساعدة صديقهم الذي صار وحبيبته مطاردين من قبل كل المؤسسات السلطوية بالجزيرة.

أما شخصيات الكبار فهي على النقيض تماما تظهر أكبر قدر ممكن من التخبط وسوء التقدير والأولويات الخاطئة. وهنا تكمن المفارقة في أن القواعد الحاكمة للدولة والمجتمع تمنح هؤلاء الفاشلين حق التحكم في مصائر الأطفال الأذكياء، ويتفنن كل منهم في فرض سطوته التي لا يمارسها بغرض الاستعلاء ولكن انطلاقا من خوفه على الأبناء ورغبته في مساعدتهم طبقا لفهمه الخاطئ.

الأمر يمس جوهر فكرة السلطة الأبوية التي تفرض وصايتها لتفسد حياة الأبناء وهي تحسب أنها تحميهم، بينما هي في الحقيقة فاشلة حتى عن حماية نفسها. فالمستشار الذي يطارد ابنته وحبيبها هو زوج فاشل تخونه زوجته، وقائد الكشافة العجوز الذي يطارد سام كشاف فاشل ينقذه شاب من الموت محترقا، ناهيك بالطبع عن مؤسسة الخدمة الاجتماعية الحكومية التي تفترض لوائحها أن حماية ومساعدة صبي متقد الذكاء كبطل الفيلم لن تتم إلا بوضعه في ملجأ للأيتام يفقد فيه أفضل سنوات عمره.

ثلاثة انتصارات

انتصار الصبي والفتاة على مطارديهما إذن ليس مجرد نهاية سعيدة لحدوتة ممتعة، ولكنه قبل ذلك انتصار لقيم التحرر من كل القيود السلطوية، وتأكيد على أن العالم لا يمكن أن يظل محكوما من أعلى لأسفل أو خاضعا لتصورات جامدة. كذلك هو انتصار لقيمة الإمتاع السينمائي على التجهم والقتامة، فكما تمكن الصبي سام من تطويع القواعد القانونية والمجتمعية ليفوز بحبيبته، تمكن الشاب ويس أندرسون من تطويع أدواته السينمائية ليصنع عملا مرتفع القيمة الفنية ومشبع بالإمتاع في نفس الوقت.

عين على السينما في

14/02/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)