حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"زيرو دارك ثيرتي" الفيلم الذي لا يتّفق عليه أحد

محمد رضا

 

لم يحدث أن شهد فيلم أمريكي تجاذباً سياسياً بين محافظين يمينيين وليبراليين يساريين في الولايات المتحدة في الأعوام العشرة الأخيرة على الأقل، كما يشهد اليوم فيلم كاثرين بيغيلو الجديد “الثانية عشرة والنصف ليلاً” .

المخرج مايكل مور قسّم الولايات المتحدة إلى نصفين حين أخرج فيلمه التسجيلي “باولينغ فور كولمبيا” متّهماً أثرياء الصناعة الأمريكية بالاتجار بأرواح البشر بسبب دفاعهم عن تجارة السلاح . ثم تابع منواله محافظاً على رسالته السياسية دون التباس، فهو انتقل مهاجماً إدارة الرئيس بوش الابن بسبب توظيفها كارثة نيويورك لشن حروب على دول لا تهدد سلامتها بشيء في “فهرنهايت 11/9” سنة ،2004 ثم هاجم النظام الصحي في الولايات المتحدة الذي يفتك بذوي الدخل المحدود في “سيكو” (2007)، وبعده كال لطبقة كبار أصحاب المصالح الاقتصادية والاستثمارية في الولايات المتحدة متّهماً إياها بالتسبب في أزمة 2008 والهروب من المسؤولية في الوقت ذاته، وذلك في “الرأسمالية: قصّة حب” (2009) .

فهم مايكل مور كان سهلاً على مؤيديه ومعارضيه . لم يكن هناك أي غموض في موقفه، لكن قراءة فيلم كاثلين بيغيلو الجديد “زيرو دارك ثيرتي” (وهو تعبير عسكري يعني الساعة الثانية عشرة والنصف ليلاً) صعب جدّاً لأنه فيلم روائي . أيما كان صانعه، يستطيع هذا تلوين الوقائع من دون إغفالها وتطويع الحقائق من دون التقليل من شأنها . لقطة واحدة قد يقرأها مشاهد على نحو، ويقرأها آخر على نحو مختلف .

فيلم كاثلين بيغيلو الجديد قوبل بمقالات ضد ومقالات مع، ولم يحظ بمواقف حيادية كون لا أحد يستطيع أن يكون حيادياً حيال رسالته . المشكلة هي أن هذه الرسالة مكتوبة على صفحتي ورقة واحدة، وما هو مكتوب على الصفحة الأولى قد يتناقض مع ما هو مكتوب على الوجه الآخر من الورقة ذاتها . لكن كمبدأ، آخر ما في غاية المخرجة التي فازت قبل ثلاثة أعوام بأوسكارين رئيسين عن فيلمها “خزنة الألم” (أفضل فيلم وأفضل مخرجة) هو تقديم فيلم يتناول تحليلاً سياسياً . في الواقع لم نعد نرى أفلاماً غربية تحلل أوضاعاً سياسية إلا بقدر محدود جدّاً . المنتشر على نحو واسع هو أفلام تطرح مواقف سياسية أو تنتمي إلى وجهة نظر محددة، وأحياناً بلا تحديد . في “زيرو دارك ثيرتي” كان عليها أن تعود بالأحداث جميعاً إلى العلاقات العربية- الأمريكية حتى من قبل نشوء القاعدة، ووضع القضيّة الفلسطينية كأحد أهم العوامل التي جعلت أمريكا، بموقفها المؤيد ل “إسرائيل”، مكروهة .

هذا ليس وقته ومكانه . الحكاية هنا تنطلق من أحداث محددة: في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر سنة 2001 هوجمت أمريكا بعملية جوّية نتج عنها انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وضياع أرواح عدد يقترب من ثلاثة آلاف ضحية . نقطة على سطر الخلفيات . أمريكا لابد أن تنتقم من القاعدة ورئيسها أسامة بن لادن . جهاز الاستخبارات المركزي الأمريكي (السي آي أيه) هو أداتها الرسمية لذلك، وعلى هذا الجهاز أن يتحرك بكل ما أوتي من قدرات . هذه هي الأرضية الوحيدة للموضوع . لن يدخل الفيلم في السبب السياسي الخلفي ولا في نظريات المؤامرة التي تزداد رسوخاً منذ ذلك الحين. المهمّة الكشف ليس عن الفاعل فهو معروف، بل عن طريقة الوصول إليه لإعدامه . مايا (جسيكا شستين) تقرر أن تكون هي من ينجز هذه المهمّة التي تصبح شاغلها . ليس لمايا حياة اجتماعية ولا صداقات ولا حتى مواقف، كل ما لديها هوس بمهمّة عليها أن تنجح بها من دون أن تكترث لأخلاقيات هذه المهمّة، كما كانت تفعل حين تابعت في مطلع الفيلم تعذيب السجناء العرب .

نصف الساعة الأولى من الفيلم تتداول التعذيب الذي يقوم به رجال الجهاز . لو أرادت المخرجة عدم انتقاده لما صوّرته بحذافير مثيرة للرفض . لكنها في الوقت ذاته نجدها تنتقل من أن التعذيب أمر غير إنساني، إلى أمر أنه ضروري، فما أن تشبّعت بطلتها بالحاجة لصيد ابن لادن بات التعذيب لا يضيرها . هنا ينتقل اللوم أو يتّسع ليشمل امرأة تعمل لصالح هوسها وينحسر عن بحث الجانب غير الأخلاقي وغير الإنساني للتعذيب . مايا حين تتشرّب الوضع وتمنحه تحديها الخاص تتلمّس طريقها لقبول التعذيب .

ينفذ الفيلم إلى عظام مشاهديه محدثاً قشعريرة كافية لتحويلهم إلى مدركين بشاعة ما يدور وبشاعة ما سبق ذلك أيضاً، فأمريكا، الفيلم لم تعتد ولم تنتهك القوانين الدولية إلا بعد أن اعتدي عليها، وسيجد المشاهد المؤيد للسياسة الأمريكية أن الفيلم هنا في مكانه الصحيح، لكن ما سيزعجه هو تأكيد المخرجة أن التعذيب وقع، ولو أن باراك أوباما ينفيه في لقطة مأخوذة من مقابلة أجريت معه .

يخلو الفيلم من “البروباغاندا” مع أو ضد أي فريق، الموقف الوحيد الذي يمكن وصفه بأنه ترويج لدعاية ما هو أنه يقدّم الوضع كما لو أن امرأة واحدة فقط هي التي صاغت عملية قتل ابن لادن . لكن الفيلم في النهاية، وهو يحتاج لبحث لا تتيحه الصفحات هنا، لا يمكن اتخاذه مؤيداً لأي طرف . المرء لا يخرج بشعور يرضيه لا إذا كان مع السياسة الأمريكية ولا إذا كان ضدّها، وفي الحالين يخرج منزعجاً . النهاية السعيدة لا ترتسم في سماء الفيلم والعمل بأسره ليس مغامرة من مغامرات ستالون أو شوارتزنيغر، وككل فيلم يستند إلى “حقائق” تبقى الكثير من الحقائق غائبة .

أسماء في تاريخ الفن السابع

إيفون ديكارلو

حين كانت الكندية إيفون ديكارلو في الرابعة عشرة من عمرها، سافرت بها والدتها إلى هوليوود، فلعل ابنتها تدخل مجال التمثيل . لكن البنت المولودة سنة 1922 والتي توفيت في الثامن من يناير/كانون الثاني عام 2007 عن 84 سنة، لم تحظ بالنجاح وتطلّب الأمر معاودة الكرّة بعد أربع سنوات، قبل أن تفوز ديكارلو بأدوار صغيرة سنة 1941 . وحتى العام 1945 لم تحظ حتى بذكر اسمها على الأفلام التي تمثّلها لكون الأدوار هامشية . لكن منذ أن لعبت بطولة “حيث رقصت سالومي” تغير وضعها وكبرت أدوارها، ثم وجدت نفسها في بطولة عدد كبير من الأفلام من بينها “قصبة” (عن الحي الجزائري الشهير) و”تقاطع” و”فريق من الملائكة” ضمن 122 فيلماً مثّلتها حتى العام 1995 .

شاشة الناقد

من أجل حفنة أنتيكات

* Chinese Zodiac

إخراج: جاكي شان تمثيل: جاكي شان، أوليفر بلات، لورا وايزبيكر .

أكشن كوميدي الولايات المتحدة 2013

بشعر مصبوغ ووجه مشدود ينطلق جاكي شان في محاولة جديدة للبقاء في المهنة التي يجيد: لا التمثيل بل الحضور الخفيف والسريع وبالحركات اللولبية والمشاهد ذات الأسس الكرتونية .

“زودياك صيني” يقدم الممثل الذي بلغ الثامنة والخمسين من العمر في مغامرة جديدة ذات إطار جذّاب، لكن مباشرة من بعد هذا الإطار، وأول ما تصل إلى مضامين الصورة وكيف صٌنعت ورُكّبت، تجد أن الجذب انتهى أو كاد وأن الماثل هو فيلم لا يتقدّم على ما قام به جاكي شان من أدوار وأفكار طوال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي .

لن ينتهي الفيلم قبل ساعتين وثلاث دقائق، لكن الدقائق الثلاث الأولى كافية لتحديد الفيلم كاملاً، فجاكي ليس فناناً كمخرج بل شخصية محبوبة كممثل، وإذا كانت الشخصية المحبوبة لا تكفي لكي تصنع ممثلاً جيّداً، فهي بالتأكيد خالية من مقوّمات المخرج الجيد . على ذلك ينبري شان للمهمّتين ويستطيع الملم أن يدرك أنه ليس وحده في اللعبة، بل فريق التقنيين كلّهم مشاركون في اتخاذ القرارات التفصيلية .

الحكاية هنا تدور حول ست قطع “أنتيكة” من قرون ماضية تشكل نصف دزينة من طاقم كامل كل منها يمثّل حيواناً ترمز إليه الروزنامة الصينية . على جاكي شان، أن يسترد هذه الستّة المسروقة لاستكمال العدد ولهذا فإن المحطّة الأولى هي زيارة قصر فرنسي محروس جيّداً، لكن أنت تعلم وكل مشاهد آخر، أن الحرّاس هم هناك لكي يفشلوا في مهمّتهم . طبعاً في فيلم آخر كنا سنشاهد الحرّاس وهم يُقتلون أيضاً، لكن في فيلم جاكي شان العنف غير وارد، وهذه حسنة تحتاج إلى فيلم جيّد لكي تؤكد صلاحيّتها.

ليست كل القطع المفقودة في مكان واحد، لذلك سيترك شان فرنسا ويتّجه إلى جزيرة في المحيط الهاديء حيث هناك قطعتان ولاحقاً إلى جبل بركاني . وهكذا كل بضع دقائق يضم قطعة حتى يصير لديه خمس قطع، ليكتشف أن الوكالة التي استأجرته خدعته ولديها القطعة السادسة، وعليه فإنه سيجبرها على دفع ثمن باهظ لأنها خدعته . ليست هنا نهاية القصّة أو الفيلم بل بالكاد منتصفه، ما يلي ذلك مزيد من الكر والفر مع ابتسامة جاكي شان الفارقة . لكن كل هذا لا يضخ أي قيمة في حسابه الخاص .

ينطلق الفيلم من نقطة واعدة، لكنه يغادرها سريعاً، وهذا مؤسف . هناك أفكار جيّدة في هذا الفيلم يبددها تنفيذ رخيص لا يريد منح المشاهد أكثر من لمحات منها . الإيقاع المتسارع والمشاهد المنفّذة (بنسبة كبيرة) على الكومبيوتر والدجيتال تطيح بكل ما يلزم الفيلم من رصانة لأجل أن تكون متعة الفيلم التشويقي مبنية على قدر من الدراما .

أوراق ومشاهد

سفينة فيلليني

ELa Nave Va

**** (1983)

 “والسفينة تواصل الإبحار” هو واحد من آخر خمسة أفلام أنجزها المخرج الإيطالي الرائع فديريكو فيلليني وهي بدأت سنة 1980 بفيلم “مدينة النساء” وتتابعت بأربعة أخرى هي “والسفينة تواصل الإبحار” (1983) و”جنجر وفرد” (1986) و”مقابلة فيلليني” (1987) ثم فيلمه الأخير “صوت القمر” (1990).

في مقالة كتبها فيلليني عن فيلمه الثامن عشر قال: “صورت هذا الفيلم في أربعة عشر أسبوعاً، مع 120 ممثلاً ومئات المجاميع، في ثمانية بلاتوهات من مدينة السينما، حيث تم بناء 40 ديكوراً . استخدمت نحو 213 ألف قدم من النيجاتيف ( . . .) الآن الفيلم انتهى . بعض أصدقائي الذين شاهدوا الفيلم قالوا لي إنه مخيف، ربما قالوا ذلك لإرضائي لأنني أعتقد أن المؤلف يسعد حينما يسمع أن فيلمه قد أثار الخوف . لكن الأمر لا يبدو لي على هذا النحو . أعتقد حقيقة أنه فيلم ممتع مملوء بالحياة، ويجعلني راغباً في إنجاز فيلم آخر على التو” .

ربما أهم ما في هذا التصريح الذاتي عبارتيه الأخيرتين: إنه فيلم ممتع مملوء بالحياة وأنه فيلم يجعل فيلليني يريد أن يبدأ بإنجاز فيلم آخر . ذلك أن أفضل أفلام فيلليني كانت دوماً تلك الحيّة على غرابة ما هو حي فيها، وأفضل شعور أفرزته تلك الأفلام هو ذلك الذي كان يدفع بنا دائماً إلى الرغبة في مشاهدة عمل آخر له . “والسفينة تواصل الإبحار” يحقق هذه الرغبة . يجعلنا نريد أن نشاهد لفيلليني فيلماً آخر له على التو . فيلم يبعث على حب السينما من جديد وكأنما نراها لأول مرة .

نحن على ظهر سفينة اسمها غلوريان تبحر في المتوسط (في مطلع القرن الماضي) تجاه منطقة لا يعرفها سوى القبطان . على ظهرها فنانون واقتصاديون وسياسيون ودوق من عائلة حاكمة وحاشيته . كل هؤلاء أرستقراطيون يتولى مهمة تقديمهم إلينا صحافي (فردي جونز) متنقلاً بينهم أحياناً، ومشاركاً عالمهم أحياناً أخرى . يقطع فيلليني مجالاً رحباً من تقديم تلك الشخصيات وأنفتها ومشاعر بعضها حيال البعض الآخر، وهو يستلهم رسماً كوميدياً ساخراً من تصرفاتهم من قبل أن يضعهم جميعاً أمام تجربة مختلفة . فقد اعتلى السفينة مهاجرون من الصرب هاربين من القوات النمساوية . في البداية كانت ردة الفعل بالغة التحفظ بطبيعة الحال، فالفريق الأول لا يشعر بأنه ينتمي إلى تلك الطبقة التي فرضت نفسها، لكن فيلليني يود أن يظهر أن التقارب ممكن، وهو يختار الموسيقا وسيلة لذلك، إذ تعزف مجموعة من الصرب موسيقاها الشعبية، فيثير ذلك حماسة فناني الأوبرا المتواجدين في الطبقة العليا من الباخرة .

م . ر

Merci4404@earthlink.net

الخليج الإماراتية في

10/02/2013

 

العنف في فيلم روبن فلايشر من أجل أهداف نبيلة

«فرقة مكافحة العصابات».. الطريقة الهوليوودية

نديم جرجورة 

في فيلمه الروائي الطويل الثالث، «فرقة مكافحة العصابات» (Gangster Squad)، انتقل المخرج الأميركي روبن صامويل فلايشر (مواليد واشنطن دي. سي.، 31 تشرين الأول 1974) إلى عالم العصابات المتشكّل في بعض الولايات المتحدّة الأميركية غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية. فيلم عصابات جاء بعد فيلمي رعب بعنوان «أرض زومبي» (2009) وكوميديا مشوّقة بعنوان «30 دقيقة أو أقلّ» (2011). جاء بعد سلسة أفلام قصيرة وأشرطة «فيديو كليب» وإعلانات تجارية (ماكدونالدز، بيرغر كينغ، أوروستار، وغيرها). فيلم صراعات بين «خير» مدفوع إلى استخدام العنف المطلق، و«شرّ» يجب أن يخسر في نهاية المطاف أمام «خير» تحوّل» شرّاً» لشدّة عنفه ودمويته.

على الرغم من أن «فرقة مكافحة العصابات» لم يطرح سؤالاً أخلاقياً حول ثنائية الخير والشرّ هذه، وإن ألمح إليها في طيات نصّه السينمائي وبعض حواراته، إلاّ ان البداية معقودة على ما يشي بطرح كهذا. فالشخصية الرئيسة، السيرجنت جون أومارا (جوش برولن)، عادت من الحرب العالمية الثانية مُصابة بالآفة نفسها التي أُصيب بها الناجون من هذه الحرب، ومن مثيلاتها: البطولة. التمزّق الروحي إزاء وحشية الموت والقتل والعنف. سؤال المعنى الخاصّ بالحياة والموت. إلخ.

العودة بداية حقبة جديدة من حياة أرادها أومارا رفقة زوجته كوني (ميراي إينوس) الحامل. حَمَلُ الزوجة ـ المرأة ـ الأم إشارة إلى ولادة عصر جديد بالنسبة إليها وإلى زوجها، رجل الشرطة القويّ العضلات، والإنساني، وغير المتردّد عن تجاوز قوانين وأعراف سائدة في المدينة، بناء على توافق مصالح بين أسياد هذه المدينة والأشرار، كي يُحقّق نوعاً من عدالة مفقودة. العودة مطلوبة في لاوعي جماعي خاص بمدينة لوس أنجلس الخاضعة لسلطة رجل العصابات اليهودي ميكي كوهن (شون بن)، الملاكم السابق الذي أحكم قبضته على الجميع. بدت المدينة كأنها توّاقة إلى خلاص لن يأتي. لكنه أتى على يديّ تحرّ إنساني، وجد نفسه في قلب حرب عنيفة مع كوهن، كان لا بُدّ لها من أن تنتهي بانتصار «الخير»، وإن تلوّث بأصناف الشرور كلّها.

«فيلم عصابات» على الطريقة الهوليوودية المعهودة: الإدارة العامة لأجهزة الأمن والشرطة في لوس أنجلس منعت جون أومارا من خوض «حرب» ضد ميكي كوهن. وحيداً، اخترق أومارا قلعة محصّنة لهذا الأخير، لإنقاذ فتاة ساذجة احتال عليها رجاله في محطة القطار. أنقذها. في طريقه إليها، حطّم وقتل وضرب. ردّة الفعل الوحيدة لكوهن: إحراق القلعة كلّها، بالرجال الثلاثة الذين فشلوا في مهمتهم. الإدارة الأمنية معقودة لكوهن. الرئيس الأعلى بل باركر (نك نولته) مقيّد اليدين. لهذا، كلّف أومارا سرّاً بتشكيل فرقة لمواجهة ميكي كوهن. الشرط الوحيد: لا علاقة للشرطة بهذه الفرقة. لن يعرف أحدٌ بوجودها. هي، أساساً، غير موجودة. الهزيمة؟ أعضاء الفرقة يدفعون ثمنها. الانتصار؟ يحصده بل باركر. مقتل أحد رجالها أو جميعهم؟ لا تعويضات ولا أوسمة ولا إشادة. أعضاء الفرقة قليلو العدد. متخصّصون بأمور شتّى. التقوا إما عند الرغبة في حماية الأبناء من تفشّي المخدّرات والرذيلة والعنف والفوضى، وإما عند القناعة التامة بأن الاختصاص مهنة، وبأن الآخرين محتاجون إليهم.

لم يخرج «فرقة مكافحة العصابات» على الإطار المعروف الخاصّ بهذا النوع السينمائي: المطاردة والعنف من أجل أهداف «نبيلة» و«سامية». بالإضافة إلى شون بن ونك نولته وجوش برولن، هناك راين غوزلينغ في دور السيرجنت جيري ووترز، الصديق الحميم لأومارا، وعاشق غرايس فاراداي (إيما ستون)، «فتاة» كوهن. الممثلون معروفون بأداءاتهم المتنوّعة، التي يغلب عليها إبداع التمثيل.

يُعرض الفيلم في صالات «غراند أ ب ث الأشرفية» و«غراند أ ب ث ضبيه» و«سينما سيتي» (الدورة)ً.

السفير اللبنانية في

10/02/2013

 

فيلم عن تشيلي يرصد نبض الشارع..

السينما حينما تقول لا!

عبدالستار ناجي 

يعتقد مخطئا الكثير من جمهور السينما هنا في الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي ولربما في العالم العربي، ان السينما هي «هوليوود» وقد يكونون مصيبين في بعض الجوانب، ولكن ثمة جوانب أخرى تبدو بعيدة المنال تقدمها السينما هنا وهناك في بقاع المعمورة، عبر لغة ومشهديات سينمائية لا تكتب لها المشاهدة هنا في هذه البقعة من العالم، ولكنها تحصد النجاح والاهتمام والبحث والدراسات في عوالم أخرى. وعلى خلفية المتغيرات التي يشهدها العالم العربي على وجه الخصوص، نتوقف في هذه المحطة مع فيلم من «تشيلي» تحت عنوان «لا» أو (نو) وهي مفردة صريحة واضحة لا تقبل الجدل.. أو الحوار.. أو القسمة.

هذه المفردة، صدحت بها الجماهير في وجه الديكتاتور التشيلي «بيوشيه».

فيلم يعبر عن دور السينما في التعبير عن قضايا الانسان والمجتمع، في بحث احترافي رفيع المستوى على صعيد الكتابة والتمثيل والاخراج بقيادة المخرج التشيلي بابلو لارين، وقد كتب لهذا الفيلم أن يعرض ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الماضية. فيلم يذهب الى أدق التفاصيل للوصول الي تلك (اللا) الخالدة، والتي جمعت تحتها أطياف المجتمع في التشيلي، والتي خرجت عن بكرة أبيها تصدح: لا. فيلم يوثق دور الاعلام والاعلان في سقوط طاغية عبر حملة اعلامية واعلانية تضافرت جهود مجموعة من المبدعين في بلورة مضامينها لتنطلق من مفردة لتشكل عنوانا لمواجهة.. وثورة.. ورفض.. وموقف صريح لشعب رائع رفض الديكتاتورية وذلك في عام 1988، حينما التفت الجماهير حول ذلك العنوان المحوري وراحت تصرخ: لا. قبل الذهاب الى الفيلم نشير الى أن المخرج بابلو لارين قدم للسينما العديد من الأعمال المهمة ومنها «فوغا» 2006 و«بوست مورتم» 2010 و«توني مافيرو» 2008 وهو هنا يذهب الى مرحلة خصبة من تاريخ بلده ولربما تجربته الانسانية والحرفية، حيث يتعاون مع الكاتب التشيلي (المقيم في ألمانيا) انطونيو سكارميتا الذي كتب الفيلم الرائع «ساعي البريد» 1994. والفيلم يعتمد على مسرحية بعنوان «الاستفتاء» كتبها سكارميتا. كما أن بابلو لارين يقود مجموعة من أهم النجوم في أميركا الجنوبية يتقدمهم النجم المكسيكي الرائع يائيل (أو جائيل) غارسيا برينال (نتوقف معه لاحقا). في حكاية ذات بعد ومضمون سياسي، ويجسد برينال شخصية مخرج شاب في مجالات الاعلانات، يتم تكليفه في صياغة حملة اعلانية، مناهضة للديكتاتور «بيونشيه» في دراما تمزج بين العقل الروائي والفعل التوثيقي والتسجيلي، حتى نتساءل: أين هي المشاهد الأصلية.. والمستعادة تمثيلا. وكان المخرج بابلو لارين قد صاغ ثلاثية طويلة عن الديكتاتور بيونشيه، وهنا يتوقف عند عام 1988، وبالذات عند «الاستفتاء» أولى الى أن تذهب تشيلي يومها الى الانتخابات الديموقراطية، بعد أن رزحت لمدة (17) عاما تحت الحكم الديكتاتوري.

ويدهشنا منذ اللحظة الأولى، ذلك النجم الرائع «جائيل غارسيا برينال» الذي يأسرنا وهو يقدم شخصية الاعلامي المنشق، والذي يقود الحملة الاعلامية والاعلانية ضد سيطرة الحكومة والديكتاتور. استعان المخرج لارين بمدير التصوير سيرجيو ارمسترونغ، حيث اضاف الكثير للفيلم باختيار الصيغة الخاصة بايقاع التصوير مع استحضار العصر والحس الجمالي مع دمج بين المشاهد الدرامية واللقطات الارشيفية وايضا اللقطات التلفزيونية.

شخصيا، شاهدت الفيلم في تظاهرة «أسبوع المخرجين» ولمست ردود الافعال في لحظتها من قبل الجمهور الذي وقف طويلا للتصفيق في قاعة فندق «هيلتون» وهو ما يمثل قاعة القصر القديم.

ويومها تعرفت على مبدع تشيلي ترك السينما بشكلها ومضمونها التجاري، ليذهب الى موضوع وطني يرصد ويوثق مفردات ثورة، غيرت وجه السياسة والتاريخ في بلاده.. الى حيث الديموقراطية تشرق من جديد. في الفيلم كما اسلفنا جائيل غارسيا برينال الذي يعتبر أحد أهم نجوم المكسيك واميركا الجنوبية، وهو يمثل بأكثر من خمسة لغات وبطلاقة وهي الإسبانية والانكليزية والايطالية والفرنسية والبرتغالية، وفي مشواره العديد من الأعمال السينمائية المهمة، سواء في المكسيك أو هوليوود ومنها «بابل» و«التعليم السيئ» و«مذكرات دراجة بخارية» وكم آخر من الأعمال السينمائية التي رسخت حضوره ونجوميته. لا نطيل.. سينما من نوع مختلف.. سينما تذهب الى قضايا الانسان.. ونبض الشارع.. وارهاصات الشعوب.. ورائعة هي السينما حينما تقول: لا.

من بطولة براد بيت والفلسطيني أسامة مصري

«الحرب العالمية زد» بمئتي مليون دولار

عبدالستار ناجي

سيكون عشاق السينما العالمية امام حدث سينمائي بالغ الاهمية من خلال احدث اعمال النجم الاميركي براد بيت فبميزانية تتراوح بين 125 - 200 مليون دولار، يصور الممثل الأميركي براد بيت أحدث أفلامه «لحرب العالمية زد» والذي من المقرر ان يعرض في دور السينما الأميركية خــلال يونيو المقبل، وفي الوقت نفسه، كشفت الشركة المنتجة للفيلم عن أول كليب دعائي خاص بهذا الفيلم الذي تدور أحداثه في عالم من الرعب والاثارة، وهو مأخوذ عــن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب ماكــس بروكــس، وتدور فكرتها حول الحرب بين البشر والموتى بعد 10 سنوات من انتشار وباء «الزومبي». ويشارك في بطولة الفيلم الى جانب بيت الممثلة ميرلي آينوس وماثيو فوكس، كما يشارك فيه أيضاً أنتوني ماكي وجيمس بادجي ديل والممثل الفلسطيني أسامة مصري، وابنه ميسم مصري، وهو من اخراج الأميركي مارك فورستر. وسيكون الفيلم مناسبة كبرى للتعرف على الثنائي الفلسطينى الذي يعمل في السينما منذ سنوات طويلة . هذا وتوقعت مصادر مطلعة ان يعرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي في مايو المقبل .

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

10/02/2013

 

"جانغو طليقاً": أكاذيب ودم وتارانتينو

هند هيثم 

فيلم "جانغو طليقاً" يُثير موجات متتالية من الجدل في أمريكا، رغم أن حظوظه في الأوسكار كانت أقل مما يتوقع البعض. الفيلم مالئ الدُنيا وشاغل الناس، ومع ذلك، تشيع عنه خرافة ينبغي نفيها في البداية: هذا الفيلم ليس عن تحرير العبيد. أي شخص يعتقد أن هذا الفيلم يتحدث عن واقع بديل يتحرر فيه العبيد ولو سينمائياً، بحاجة ماسة إلى جرعة تاريخ.

وكوينتن تارانتينو يتجاهل التاريخ، لأنّه كوينتن تارانتينو، طبعاً.

بداية، أعلن المُخرج الأمريكي الأسود سبايك لي أنّه لن يُشاهِد الفيلم لأنّه لا يحترم أسلافه. في الأكاديميا، نُبِذ موقف سبايك لي، لأنّه - كما يقول مايكل إرِك دايسُن، وهو واعظ أسود، أستاذ جامعي، ومُقدم برامج مؤخراً - يُعطي شرعية لمواقف الذين يُحاكمون أعمالاً يُقاطعونها. والأكاديميون - بطبيعة الحال - يكرهون الذين لا يقرأون أعمالهم ويُحاكمونهم على ما فيها.

شاهدت الكثير من هذه البرامج، ومن ضمنها برنامج مايكل إرِك دايسُن هذا، مع أستاذ جامعي آخر، ولم يجدا شيئاً جيداً يقولانه عن الفيلم غير أنّه "يتحدث عن الاستثنائية السوداء"، وأن "الأسود ينال الفتاة في النهاية". طبعاً، الأكاديميا كُلها تعمل بطريقة passive aggressiveأو العداء السلبي، فتكبت الكثير عند تناولها ظواهر شعبية لا تقع ضمن نطاقها، فلا تستطيع أن تذمها بارتياح، أو تمدحها بارتياح. لذلك، يبدو الجميع وكأنهم على جليد رفيع.

بطبيعة الحال، مفهوم الاستثنائية السوداء مفهوم خبيث، والفيلم نفسه يُقدمه بشكلٍ خبيث: من بين عشرة آلاف زنجي مستسلم وجبان، سيظهر زنجي مُقاتل. المقاتل سينجو، والعشرة آلاف، الذين يرزخون تحت وطأة نظامٍ ظالم، هم أقرب إلى الأنعام، ويستحقون ما جرى لهم.

تارانتينو ولِنكِن

ثمة أسطورة شائعة مفادها أن أبراهام لِنكِن هو من حرر العبيد، وأن العبودية في أمريكا قد انتهت مع الحرب الأهلية الأمريكية. تارانتينو يُحدد تاريخ فيلمه بعامين قبل الحرب الأهلية الأمريكية، وهنا مشكلة فيلمه الرئيسية، فلو لم يكن قد حدد تاريخ الأحداث بهذه الدقة، لكان قد نفى عن نفسه تعمد كل ما جاء فيه من مغالطات. المفروض أن الفيلم يدور خلال رئاسة لِنكِن، وأنّه يُقدم تاريخاً بديلاً لتحرير العبيد مباشرة قبل الحرب الأهلية، التي يُفترض أنها كانت حول تحرير العبيد - بينما ما أشعل الحرب كان الصراع بين الفيدرالية والكونفيدرالية، وانفصال الجنوب، أما إلغاء العبودية دستورياً فقد كان بعد مداولات قانونية مُطولة، بعد الحرب، ولم يكن نتيجة مباشرة للحرب.

وإذن، فما الذي يفعله تارانتينو في فيلمه هذا؟ إنّه يتبنى نُسخة خيالية من الجنوب الأمريكي، تخلط الغرب المتوحش بالعبودية، بقصص الكاوبوي. ويأتي ببطل جرماني "مُستنير" إلى الفيلم ليكون مدخله للأحداث. شخصياً، لا أمانع كريستوف فالتز، فهو ممثل موهوب ووجوده على الشاشة أمرٌ جيد، لكن تارانتينو يكتب الدور خصيصاً ليأتي به، ويكتب الدور ليأتي بالمركزية الأوروبية في مواجهة الجلافة الأمريكية التي يمثلها كالفن كاندي (ليوناردو ديكابريو).

كان الفيلم ليكون قصة مُسلية لولا تحديد زمانه بهذه الطريقة المتعسفة المصممة لخداع الجمهور عمداً: في أمريكا 1858، كان هناك الكثير من العبيد المحررين، ولم يكن مرأى زنجي على حصان عجيباً كما يظهر في الفيلم - ولو أنّه مُسلٍ. بل إنّه في 1774، شهدت مسيسيبي نفسها - الولاية التي يتمركز فيها كالفن كاندي - معركة قانونية ودبلوماسية شهيرة لتحرير عبد الرحمن بن سوري، الشهير باسم برِنس، الذي كان يُعتقد بأنّه من رعايا ملك المغرب، وتدخلت حكومة الولايات المتحدة نفسها في عهد جون كوينسي آدمز لتحريره، وطاف الولايات المتحدة ليحكي قصته ويجمع التبرعات لتحرير زوجته وذريته. وقد تلقى دعماً كبيراً من جماعات تحرير العبيد - التي كانت قد كسبت نفوذاً قوياً وقتها - ومن جماعة برينس هال الماسونية، المحفل الماسوني الأسود في شمال أمريكا. قبل ثمانين عاماً من أحداث الفيلم، كان لدى السود الأمريكيين محفلهم الماسوني الخاص بهم، ولديهم تجمعاتهم المعادية للعبودية، وكانوا يقاومون العبودية من محافلهم، وضمن جماعاتهم.

الغرب المتوحش نفسه كان مليئاً بدعاة تحرير العبيد، السود أنفسهم، وبالتالي فإن الحديث عن أن تارانتينو يُقدم تاريخاً بديلاً يُحرر فيه السود أنفسهم غير حقيقي. تارانتينو يُقدم تاريخاً يُعطي فيه الرجل الأبيض بندقية للرجل الأسود، ويعلمه العنف. بينما تاريخ النضال الأسود كان سلمياً في مُعظم الأحيان، وإن كانت قد تخللته أعمال عنفٍ مُنظم قامت بها جماعات مثل النمور السود في القرن العشرين.

أسلوب الفيلم

الفيلم إيماءة إلى أفلام الوِسترِن سباغيتي، لكن على طريقة تارانتينو. استخدام الزوم في الفيلم كثيف ومضحك ليخدم غرضين: تعميق الأثر الفُكاهي للفيلم، ومحاكاة طريقة أفلام الوِسترن سباغيتي. بطبيعة الحال، ثمة الكثير من الدماء واللحم المتناثر والرؤوس المتفجرة، وثمة عبد تأكله الكلاب. العنف تخصص تارانتينو الذي يُقدم مُخرجين عنيفين حين لا ينشغل هو بتقديم أفلام عنيفة، مثل ألِكس رودريغز "ماتشيتي" و"مدينة الخطيئة"، وآر.زي.إيه "الرجل ذو القبضات الحديدية" - الذي يدور في جو تارانتينو ففيه استحضار كليشيهيات أفلام حقبة فنية معينة، وشخصية غريبة تدخل المكان، رجل أسود عنيف، بالمناسبة.

ورغم أن معظم الفيلم يدور في فضاءات مفتوحة، إلا أن تارانتينو يستخدم عدسة محدودة، فيوحي بضيق المكان. هذا الضيق يزداد مع مشاهد مثل جلوس الطبيب كِنغ شولتس (كريستوف فالتز) وجانغو (جيمي فوكس) في تجاويف جبلية للراحة وتناول الطعام. والمشهد الافتتاحي الذي يدور في فرجةٍ في غابة، لكن ضيق مدى الكاميرا يوحي بالحصار.

داخل المنازل، يصير الشعور بالاختناق والحصار أشد وطأة، خصوصاً في نادي كليوباترا، وفي منزل كاندي. وقد يكون هذا التأثير مقصوداً، وتارانتينو يملأ الكادرات بإشارات مقصودة. ثمة رأسٌ لنفرتيتي منحوت بجوار لوحة اسم النادي، وفي داخل النادي نفسه، ثمة منحوتة شهيرة لرأس نفرتيتي على الطاولة. ثمة عدة ملاحظات بشأن رأس نفرتيتي، لعل أولها أن الرأس لم يكن قد اكتشف في وقتها، بل اكتُشِف في تل العمارنة في 1912، وألمانيا تحتفظ به مُنذ ذلك الحين، حتى يومنا هذا. قد يكون الهدف من رأس نفرتيتي إظهار جهل رواد النادي - الذين لم يرى منهم المشاهد غير كاندي فحسب - وولعهم بالغرائبيات، فهم يريدون شيئاً غرائبياً مثل كليوباترا، لكنهم يخلطون بين كليوباترا ونفرتيتي. غير أن هذا لا معنى له، فالرأس لم يكن قد اكتُشِف وقتها، ولم يصل إلى أمريكا أصلاً، وفلاحو مسيسيبي الجهلة الغلاظ ليس لديهم الولع الأوروبي بالغرائبيات الشرقية.

ملابس جانغو الزرقاء المضحكة مأخوذة من لوحة "الصبي لابس الأزرق" لتوماس غاينزبورو، وهذه لوحة تسبق زمن الفيلم فعلاً، وقد تكون إشارة إلى ارتباط الأزرق في ذهن جانغو بالرخاء والثراء، لكنها إشارة "مثقفة" للغاية، قياساً بعبد لم يعرف في حياته غير المزارع، فجانغو عبد حقل، لا عبد بيت.

من ضمن الإشارات الخفية في الفيلم، التحويل الذي يمارسه، فالممثل صامويل ل. جاكسُن مشهور بأداء الكثير من الأدوار السوداء القوية، ومن ضمنها أداؤه لدور ابن أخي جون شافت، المُحقق الأسود الشهير، في إعادة شخصية شافت عام 2000. كذلك، كان صامويل ل. جاكسُن الرجل الأسود الذي يقتل شخصين أبيضين في ميسيسبي انتقاماً لابنته الصغيرة في "وقت للقتل". جاكسُن قد عمل مع تارانتينو من قبل، وقد جلبه من جديد في هذا الفيلم ليؤدي دوراً يجعل العم توم يبدو وكأنّه ثوري.

وثمة إشارة أخرى، يبدو أنها إلى فيلم "فينوس السوداء"، فشولتس يقول إنّه يُريد شراء عبد مقاتل أسود ليقدمه للسيرك في أوروبا باسم "هرقل الأسود"، ويشرب كاندي وجلساؤه نخب "هرقل الأسود"، ثم يلي ذلك مشهد يُحطم فيه كاندي جمجمة رجل أسود ليثبت أنّه يختلف تشريحياً عن الرجل الأبيض، مما يذكر بمشهد تشريح فينوس السوداء، وقياس جمجمتها لإثبات أنها تختلف عن جماجم البيض.

أمّا الجبل، بجوار هذه الأثافي، فمشهد الكوكلكس كلان. ثمة مشاهد في الفيلم تُضحك الجمهور الأبيض، ولا تُضحِك الجمهور الأسود، وقد انفجر الجمهور الأبيض ضحكاً للغاية مع مشهد الكوكلكس كلان، فيما لم يضحك الجمهور الأسود. رد فعل الجمهور مهم لفهم الطريقة التي يؤثر بها الفيلم عليه. والمشهد يوفر للجمهور الأبيض وسيلة للتعامل مع موضوع حساس عرقياً، ومشحون مثل الكوكلكس كلان، بطريقة آمنة، بتحويله إلى موضوع للسخرية والاستهزاء، بوصفه مجموعة من الجنوبيين الحمقى الذين لا يعرفون كيف يلبسون أكياساً بيضاء على رؤوسهم.

تاريخياً، العشيرة الأولى بدأت في 1865، بعد أحداث الفيلم، وكان هدفها - بالفعل - النيل من السود المحررين الذين يعيشون عيشة معقولة - لديهم حقل يزرعونه وأسر يرعونها. غير أن الطريقة التي يُقدمها بها تارانتينو تنكر طقوسية الجماعة، وتنكر المبادئ الأيديولوجية التي ترتكز عليها الجماعة. بالمناسبة، الكوكلكس كلان لديهم حزب ومقر رسمي في أريزونا إلى اليوم، وهم جزء من النظام العقائدي للولايات المتحدة، وليسوا فلاحين أغبياء وأجلاف. تصويرهم بهذا الشكل قد يكون مضحكاً للجمهور الأبيض، لأنّه يلغي أي تشابه بينه وبين الكوكلكس كلان: أنظر إلى هذا الغبي تالف الأسنان الذي يبصق في قناعه. أنا لا أشبهه في شيء. هذه مسافة آمنة جداً، خلافاً لإظهار كوكلكس كلان حقيقي قادر على الحديث بطريقة عقلانية، ويرتدي القناع عن قناعة بأنّه الفارس الأبيض. (يلقب الكوكلكس كلان أنفسهم بالفرسان البيض). هذا الكوكلكس كلان أقرب للجمهور الأبيض الذي يشاهد الفيلم، وبالتأكيد فإنّه غير مريح لهم، لأنّه يحملهم مسؤولية أخلاقية فيما يجري.

أمّا كالفِن كاندي، بالجمجمة التي يهشمها، فرجل مجنون كلية، وهو أيضاً بعيد عن الجمهور بسبب هذا الجنون، وبسبب الأشياء المخيفة التي يفعلها، من تشجيع العبيد على قتل بعضهم البعض، إلى الأمر بأن تأكل الكلاب عبداً، إلى إذلال برومهيلدا على طاولة العشاء، ومن ثم مشهد الهذيان شبه العلمي الذي يهذي فيه حول جمجمة الرجل الأسود وجمجمة الرجل الأبيض.

كذلك، يلجأ تارانتينو في الفيلم إلى حيلٍ مضحكة للارتجاعات في الذاكرة، ويقدم الحدث، ثم يعود إلى الوراء ليخبر المشاهدين بما يجري. ففي مشهد هجوم الكلان، يبدأ الأمر بهجوم الكلان، ثم يعود إلى الوراء إلى اللحظة التي سبقت الهجوم ليوضح للجمهور أنهم عميان في متاهة. خارقاً بذلك قواعد المنطق الأرسطي القاضي بتقديم المشاهد بتسلسلٍ عقلاني، بحيث لا يتوقف المشهد بعد لحظات من بدايته ليعود ويشرح الخلفية. تارانتينو ليس جاهلاً، وإنما يتعمد خرق قواعد الاحتمالية والمنطقية الدرامية.

ثمة أيضاً مشاهد استرجاع جانغو للتعذيب الذي نال زوجته عندما قتل الإخوة بريتل، وهذا ارتجاع لم أرَ له مثيلاً مُنذ زمن، بسبب الطريقة البدائية التي يُقدم بها. وكل هذا جزء من التنكر الأسلوبي الذي يقدمه تارانتينو في هذا الفيلم، على هيئة أفلام الوِسترن سباغيتي.

وثمة مشاهد "كليشيه" عجيبة! مثل المشهد الذي يُلقي فيه جانغو البطانية من على كتفيه علامة على الانعتاق والتحرر، ثم يُلقي بقية العبيد بالبطانيات على مثاله، والمشهد الذي يخلع فيه جانغو المعطف الذي يرتديه للمواجهة ما قبل النهائية. ويفترض أن هذا يرمز للتحرر، لكن المشهد صار ميتاً دلالياً لكثرة ما تكرر، وتارانتينو يُصر عليه من باب ولعه بالكليشيهات والتأثير الكوميدي الذي تخلفه.

ثمة ملاحظة تدعو للإعجاب في عمل تارانتينو، فضوء الشموع في الفيلم حقيقي، بشكلٍ لم يُقدم منذ فيلم "باري ليندون" لستانلي كوبريك، بل إنّه يتفوق على كوبريك فيه. والحصول على ضوء شموعٍ طبيعي يقتضي براعة تقنية شديدة، وصبراً وإصراراً عظيمين، ومجهوداً يفوق بكثير ذلك الذي تتطلبه خدع الانفجارات والدماء والقفز من على قمة شاهقة وتقديم خلفيات مرسومة رقمياً، وغير ذلك من الألاعيب.

تارانتينو يعظ

قبل سنوات، قرأت مقالاً لناقد مصري لا يحضرني اسمه ينتقد فيلم "المصير" ليوسف شاهين بقوله إن شاهين يتحكم كُلية في رسالة الفيلم، بحيث يمنع الجمهور من التفكير بنفسه، وهو يختم فيلمه بعبارة عن الأفكار ليتأكد من أن الجمهور الذي فاته كُل التأكيد البصري واللفظي على هذه الرسالة سيخرج وهي في ذهنه مباشرة.

تارانتينو يفعل شيئاً مشابهاً، فهو يُطعم جمهوره القصة والعبرة الأخلاقية منها بالملعقة، بشكلٍ يبعث على الاستغراب. فبالإضافة إلى قطع المشاهد لتقديم ارتجاعاتٍ تشرح خلفيتها، فإنّه يجعل د. شولتس يشرح قصة برومهيلدا والتنين وسيغفريد لجانغو - وللمشاهدين - لتحقيق العبرة الرمزية للفيلم: جانغو سيذبح التنين ويعبر النيران ويحرر برومهيلدا! "هَم يا كَمَل!" وللمشاهد الذي لا يركز، أو بطئ الفهم، فإنّه يُدخِل الموسيقى عندما يصل إلى عبرة القصة، ليزرع في ذهن المشاهد أن جانغو فهم القصة وسيطبقها الآن، بعد أن علمه الرجل الأبيض أسطورة من أساطير الرجال البيض، وأوحى إليه أن يعيش على مثالها!

ومشكلة الرجل الأبيض في الفيلم، د. كِنغ شولتس، مشكلة عقلانية، يشرحها هو بنفسه، فمن ناحية، هو يُعارض العبودية بوصفه أوروبياً مستنيراً. ومن ناحية أخرى، فإن العبودية مفيدة له، لذلك فإنّه سيستغلها لتحقيق مآربه، ومآربه حميدة، طالما أنّه يريد تدمير الذين قرر النظام تدميرهم.

ألمانيا في ذلك الحين لم تكن طرفاً في حوار العبودية، لكنها لم تكن في فترة تنوير، بل في حروبٍ عنيفة بعد سقوط الرايخ الأول المقدس نهائياً. يبدو منطقياً أن يذهب كِنغ شولتز إلى أمريكا مع ما يجري في ألمانيا، ويبدو معقولاً أن يترك مهنة الطبيب ليعمل في خدمة نظام عدالة يعتمد على المتعاقدين المستقلين لفرض القوة.

وهذا ما يجعل أفعال جانغو غير تحررية. جانغو يقتل البيض ليس لأنهم تجار عبيد، أو سيئون، أو يعاملون السود معاملة سيئة، بل لأن القانون يسمح له بقتلهم وفقاً لنظام العدالة الجنائي المخوصص هذا، حين توكل الحكومة لمتعاقدين خارجيين أمر التخلص من الأفراد السيئين، والأفراد السيئين هم البيض الذين يقتلون بيضاً آخرين، والذين يسرقون من الشركات الكبرى العاملة في الغرب.

حتى أن جانغو وشولتس مستعدان للخروج من منزل كاندي بمجرد أوراق تثبت حرية برومهيلدا، من أجل النظام. حتى عندما يعود جانغو، فإنّه يعود ليستعيد أوراق برومهيلدا. أي تحررٍ هذا يحتاج إلى ورقة يوقعها رجل أبيض في ظل نظامٍ يبرر العبودية؟ وما فائدة بندقية جانغو؟ رسالة الفيلم مضطربة في هذا السياق، فتارانتينو لا يريد للجمهور أن يفهم أن العنف هو الحل، وأن على السود أن يقتلوا البيض، لذلك فإنّه يركز على أهمية تحرير برومهيلدا "قانونياً".

حتى أن من يقتل كالفن كاندي هو كِنغ شولتس. رجلٌ أبيض يقتل رجلاً أبيض آخر. ومن يقتل شولتس هو حارس كاندي الأبيض. شولتس يقتل كاندي لدوافع أخلاقية، فهو لا يريد أن يصافح رجلاً يطعم عبيده للكلاب. وتارانتينو يستعيد المشهد مراراً: لأنّه يستمتع بالعنف، ولأنّه لا يثق في أن المشاهد يعرف أن شولتس قد أصيب بصدمةٍ شديدة من المشهد البشع.

ووقت حدوث المشهد، فإنّه لم يثق في براعة كريستوف فالتز في تجسيد الصدمة، فجعل جيمي فوكس وليوناردو ديكابريو يناقشان صدمته الشديدة، وكيف أنّه، لأنّه أوروبي، غير معتاد على الأساليب الأمريكية العنيفة في التعامل مع العبيد.

كما أنّه يسخر من الأصول الفرنسية لفلاحي الجنوب، فكاندي يُفترض أنّه فرنسي الأصل، وإن كان لا يجيد الفرنسية، فيلجأ إلى أسلوب سوقي لعرض فرنسيته، وكونه من الجنوب. وقد يكون في هذا إشارة إلى بلانش دوبوا في "عربة اسمها الرغبة" لتنيسي ويليامز، ولقبها في النقد الأمريكي: "رمز تفكك الجنوب وانحداره".

وكوينتن تارانتينو لا يُريد من المُشاهِد أن ينسى للحظة أنّه يسخر من الضيافة الجنوبية، فكاندي يرسل برومهيلدا (كيري واشنطن) إلى شولتس لأنّه المضيف، ولأنّه مضيف جنوبي يحرص على راحة ضيفه لغوياً وجسدياً. كما أنّه يُصر في النهاية على أن يصافحه شولتس، لأنّه جنوبي، وفي الجنوب، لا تتم صفقة من دون مصافحة.

ثمة اعتراضات على إصرار كاندي على وصف نفسه بأنّه جنوبي بين جملة وأخرى، وعلى تقديمه لأخته على أنها "جميلة جنوبية" southern belleبالمعنى الحرفي والطبقي للكلمة، على اعتبار إنّه لا شخصيات حقيقية تصر على أنها من مكان ما. في الواقع، هذه حركة محسوبة من تارانتينو، فقبل سنتين من الحرب الأهلية الأمريكية، كان الجنوب مُصراً - بالتأكيد - على أن تكون له هويته المستقلة عن الشمال، ومن الطبيعي أن يؤكد كاندي على هويته في مقابل كُل ما هو غريب عنها. مما يُتيح لتارانتينو أن يهزأ بالجنوب بشدة، ويوضح لجمهوره أن القيم الجنوبية قيم فارغة، تنتج مخلوقات مقززة مثل كاندي.

وبالفعل، الرعب الجنوبي في الولايات المتحدة أمرٌ يفوق التصور. والكوكلكس كلان جزء من هذا الرعب، لكن تارانتينو يلجأ لنماذج يسهل أن تتحول إلى كيس للكمات: كوكلكس كلان أغبياء، كاندي سوقي متخلف. بهذه الطريقة، فإنّه يضحك، والجمهور يضحك، لكن الرعب الجنوبي يبقى من دون أن يتحدث أحدٌ عنه.

والجمهور، بالتأكيد، مُدرب على أن الجنوب يعني الغباء، والشمال يعني التقدم، ومرتبط بنجمة الشمال، منذ بداية الفيلم، فتارانتينو لا يثق في أن جمهوره سيفكر بالشمال لوحده لو لم يذكره له.

كذلك، يُكرر تارانتينو مراراً على لسان جانغو بأن من هم حول كاندي هم زنوج بشرتهم فاتحة اللون، فمحاميه يُربى لأن يكون محاميه، وحراسه البيض يتبعونه كالكلاب. ويظل تارانتينو يُذكر جمهوره بهذا كل حين وآخر، مُغطياً على الحقيقة المحورية: حراس كاندي لا يحتاجون إلى وثائق تحرير لو أرادوا مغادرته. هم ليسوا زنوجاً، وليسوا عبيداً. ولون الجلد مسألة مهمة في أمريكا حتى اليوم. كما أن حُمر الرقاب - الذين يمثلهم كاندي - لديهم نظام قيم ملتوٍ بالفعل، لكنّهم ليسوا على هذه الدرجة من الغباء.

لكن التأكيد على أن هؤلاء زنوج فاتحو البشرة يخدم نظام الفيلم الطبقي، فهؤلاء من يقتلهم جانغو. بالإضافة إلى العبد الكريه ستيفن.

تارانتينو يغدر

يغدر تارانتينو بجمهوره الأبيض قرب النهاية في مشهدين: حين يغدر جانغو بجماعة من البيض الذين كانوا يرافقونه إلى شركة تتعامل بالأشغال الشاقة، عقاباً له على قتل كاندي وجماعته. (والعدالة في الجنوب الأمريكي قائمة بالكامل على المتعاقدين المستقلين: الصيادون الذين يصطادون المجرمين، والشركات الخاصة التي تتولى تنفيذ عقوبات السجن والأشغال الشاقة). يقتل جانغو مرافقيه بعد أن أقنعهم بحل وثاقه وإعطائه مسدساً وحصاناً واقتسام قيمة جائزة معه، ومن ضمنهم كوينتن تارانتينو نفسه، الذي ينفجر على الشاشة فلا يبقى منه شيء.

المشهد الآخر الذي يغدر فيه تارانتينو بالجمهور الأبيض، حين يقتل جانغو سيدة بيضاء. لقد أصيب الجمهور بالذعر الحقيقي، وكان ثمة صرخات من قبيل: "لماذا؟" و"ماذا فعلت؟" مع أن الجمهور كان يضحك بسرور عندما كاد جانغو يتعرض للإخصاء بناء على أوامر هذه السيدة نفسها. ولم يشعر بالاستياء عندما أكلت الكلاب دارتانيان، العبد الهارب.

وإذا فرضنا أن الجمهور تأثر بالعنف ضد النساء، فإن عدم تأثر الجمهور بما حدث لبرومهيلدا التي صورها تارانتينو تتعرض للجلد في فلاش باك، ومن ثم تشويه الوجه، ومن ثم صورها عارية في صندوق حديدي في الشمس.

والطريف في هذا أن الجمهور كان منزعجاً من كاندي وأخته، والقبلات الزائدة - التي تسخر من "فرنسية" كاندي وأخته، وتشير إلى بعض الإهانات التي كانت توجه للجنوب أثناء الحرب الأهلية بوصفه مكاناً ذا تعريف غريبٍ للمحارم. (الجنوب الأمريكي كان يشتهر بزواج أبناء العم، الذي يعتبره التيار العام للمسيحية نوعاً من سفاح القربى).

غير أن قتل الجميلة الجنوبية قد جعل الجمهور يتماهى معها، فكاندي هو الشرير، بينما هي الجميلة الجنوبية المصابة بشيء من العُصاب التي تحل بها كارثة، فبعد ترملها، يُقتَل أخوها، وتنتهي أيامها السعيدة. كما أن هذا يُجسد الكابوس الذي لا تزال أمريكا البيضاء تعيشه: الرجل الأسود يقتل المرأة البيضاء.

الاستعلاء الثقافي

وتارانتينو لا يغدر بالجمهور ليجعله يُغير رأيه في مسلماته، أو ليجعله يفكر في نفسه وفي الطريقة التي يعمل بها وعيه لحفظ الخرافات نفسها التي أنتجت نظام العبودية. تارانتينو يغدر بالجمهور لأنه ينطلق في الفيلم من مكانٍ أعلى منه فكرياً، وبالتالي، فإنّه يرى أن من حقه أن يضغط على الجمهور - أياً كان. فهو يضطهد جمهوره الأسود بمشاهد الكوكلكس كلان، ومشهد الجمجمة، وبتعرية النساء السوداوات وجلدهن، وبمشاهد ستيفن، وبمشهد أكل العبد الأسود، والمشهد الذي كاد جانغو فيه يفقد أعضاء عزيزة عليه. ومن ثم يضغط على الجمهور الأبيض بمشاهد قتل النساء البيض، والغدر بالرجال البيض بدلاً عن التعاون معهم. بالتأكيد، الميزان غير معتدل، وليس لدى تارانتينو أي خطة معينة في هذا، وإنما هو استعلاء ما بعد حداثي، وتعامل مستخف مع مسائل هامة.

ثمة تعبير شهير في أمريكا يقول push the button، بمعنى أن لكل إنسان أو جماعة أو مجتمع زراً يقدح استجابة معينة. ما يفعله تارانتينو هو البحث عن الأزرار الساخنة hot buttonsوضغطها، لا لشيء، وإنما لمجرد ضغطها. كما فعلت حملة إعلانات بنتن - مثلاً - بتصوير إعلانات تظهر فيها طفلة بيضاء على هيئة ملاك وطفلة سوداء على هيئة شيطان. الضغط على الأزرار الساخنة للجمهور، بحيث يضغط عليه، يحاصره، ويستفزه، ليس ليفكر، بل ليهرب، أو ليخرج أسوأ ما فيه، أو ليتجرد من القدرة على التعامل العقلاني مع ما يُقدم له. تارانتينو يأخذ الجمهور رهينة هكذا.

ولأن الجمهور رهينة، فإن تارانتينو يُطعمه بالملعقة كل ما يريد له أن يأخذه من الفيلم. وبطل تارانتينو الذي يُعرِف الفيلم ليس جانغو، بل التنوير الأوروبي، شولتس. شولتس هو من يشرح للجمهور ولجانغو أفكار تارانتينو، والهيئة العقلية التي يجب أن يكون عليها كل شيء. كما أن شولتس هو من يرتكب جرائم قتل عنيفة، ثم يلجأ للغة لينفي عن نفسه المسؤولية الجنائية، ويبرر أفعاله بأنها حماية للنظام الكُلي.

وشولتس هو من يشرح النظام الرأسمالي لجانغو، فجانغو يتردد في قتل رجلٍ يحرث حقله مع ابنته، ويقول إن الرجل يُريد أن يبدأ حياة جديدة شريفة لنفسه، فيتحدث شولتس عن المكافأة على رأس الرجل، وعن كونه لصاً قديماً، وقاتلاً، يقتل رجالاً بيض، ويسرق من شركة. جانغو يجب أن يخدم النظام ليحصل على مكافأة، ولذلك يقتل الرجل، ويسمع الجمهور ابنة الرجل تصيح: "با!"

التنوير الأوروبي يملك سلطة اللغة، ولذلك، فإنّه يستطيع تبرير القتل أو اللا قتل. شولتس يقتل لخدمة النظام، وهو يريد حياة جديدة لجانغو، لكنه مستعد لحرمان الآخرين من هذه الحياة الجديدة لتحقيق مكاسب مادية، ولأنّه يخدم النظام. ومن ذلك مشهد البداية، حين يصر على أن يكون لديه وثيقة بيع خاصة بجانغو، رغم أنّه يقتل أحد تاجري العبيد، ويتسبب في إعاقة للآخر. في البداية، يأخذ الجمهور هذا على أنّه طباع شولتس الغرائبية، فشولتس يعرف بنفسه وبحصانه، ويتحدث بلغة "فانسي" fancyتفرقه طبقياً عن حمران الرقاب الذين يعج الفيلم بهم.

غير أن تارانتينو ليس مثقفاً حقيقياً، وإنما pseudo-intellectual، لذلك فإنّه يختار نموذجه التنويري في هيئة جرماني، في فترة كانت ألمانيا فيها في قاع أوروبا، وكان التصور الثقافي عن ألمانيا في بقية الدول الأوروبية أنها مُنتجة الحيوان الأشقر. (الذي يصفه نيتشه بأنّه الحيوان الأشقر الجميل). لكن كريستوف فالتز ألماني، وتارانتينو يكتب له هذا الدور، غير واثقٍ في أنّه يستطيع أن يلعب دور أوروبي غير ألماني، لا يستخدم أساطير ألمانية.

مع أن تارانتينو كان يستطيع أن يحل مشكلة البطل الأوروبي المستنير بخلق شخصية مثل كرتز - وهو يملأ أفلامه بالشخصيات المستعارة والإشارات الثقافية على كل حال - فكرتز، بطل التنوير الأوروبي في "قلب الظلام"، ذي اسمٍ جرماني، لكنّه خليط من عدة دول أوروبية، ويمثل التنوير الأوروبي، والاستعمار الأوروبي. هربرت هربرت، راوي "لوليتا" المريض، خليط أوروبي أيضاً، يمثل التنوير الأوروبي. تحديد أوروبي بعينه ليكون رمزاً للتنوير يُمثل مشكلة ثقافية، فألمانيا - في حالة الفيلم - كانت في قاع أوروبا ثقافياً، ويقطنها أجلافٌ رعاع. دول أوروبا الأخرى كانت ضليعة في الاستعمار والاستعباد وقتها، ومن ضمنها فرنسا التي ينحدر فلاحو مسيسيبي الرعاع منها.

المشكلة أن بعث الأساطير الجرمانية - الذي فعله فاغنر وغيره - واستلهام روحٍ كُلية تجمع الدويلات الألمانية، كان من ضمن الأساطير المؤسسة للنازية. هذه الفكرة الثقافية عمّا هو جرماني أصيل، تُرجمت إلى اعتقاد بتفوق العرق الآري، وأنتجت الرعب النازي الذي اجتاح أوروبا بعدها، بناء على معتقدات ثقافية في الأساس. الفلاسفة الجرمان هم من اخترعوا مصطلح "معاداة السامية"، وأطلقوه على اليهود، وهم من اخترعوا أساطير التفوق العرقي لشعبهم، وإن كانوا قد اقتبسوا عن الفرنسيين علوم التشريح الاستعمارية.

وإذن، فإن شولتس يُساعد جانغو لأسبابٍ ثقافية، فهو يشعر أن من واجبه تحرير عبدة اسمها برومهيلدا تتكلم الألمانية، لأنها مثال على "الإنسانية الجرمانية" في مقابل الهمجية الفرنكو-أمريكية.

ومنطق الطبيب شولتس أعوج، فمن جهة، هو يعتبر عمله شبيهاً بعمل النخاسة، فهم يتاجرون بالبشر الأحياء، وهو يتاجر بجثث البشر الموتى، لكنّه يعتبر نفسه أرفع منهم أخلاقياً. هو مثل النخاسة يمارس تجارة لا أخلاقية، لكن القانون يُقرها، لكنّه يرى نفسه ينظِف البلاد من الشخصيات التي أعلن النظام تخليه عنها. وهو ينظف البلاد ممن؟ لص تائب يتحول إلى شريف بلدة، وزعيم عصابة يتحول إلى مزارع، وشخصيات على هذا النمط، لكنّه لا يفتقر إلى الكلمات لتبرير تناقضاته، وكل ما يقوله يهدف لخدمة النظام، ولإضفاء صبغة عقلانية وأخلاقية عليه، مع أنّه نظام قائم على العنف والتهميش.

وفي النهاية، ينقلب شولتس إلى رومانتيكي أخلاقي، يُضحي بحياته لكي يتبرأ من البثرة على وجه الحضارة الغربية العقلانية، الرعاعي كاندي، بعد احتجاجٍ كوميدي على عزف بيتهوفن في بيت رعاعي. يحدث القتل في المكتبة، بعد إشارات إلى ألكساندر دوما، وسلسلة الفرسان الثلاثة ودارتانيان، مما يُعيد "ألم" شولتس إلى جذر ثقافي، فلو كان اسم العبد"جو" أو "جوبا جوبا"، لما كان قد وجد مُرتكزاً ثقافياً لاستيائه. وخطيئة كاندي لم تكن أنّه أطعم عبداً للكلاب، بل أنّه أطعم عبداً اسمه "دارتانيان" للكلاب.

حتى اسم جانغو يأتي من عازف الغيتار ذي الأصول الجرمانية جان "جانغو" راينهارت، ومن فيلم الويسترن سباغيتي "جانغو" (1966) الذي أخرجه سيرجيو كورباتشي، ويقوم بدور جانغو فيه ممثل أبيض. وهكذا فإن كل مسألة "جانغو، الدي صامتة" التي يكررها الفيلم، مجرد إشارة نكتة مستمرة مصدرها افتتان تارانتينو اللغوي بهذا الاسم مزدوج الإشارة.

المجمل

كعادة أفلام تارانتينو، يحظى الفيلم بإقبال جماهيري كبير، رغم أنّه يقدم سينما "أفندية" بكل المعاني الطبقية والمعرفية لمصطلح "سينما الأفندية". مع ذلك، فثمة شرخ في التأثير التارانتيني، لأن المقالات التي انتقدت الفيلم أكثر من جرعة الانتقادات التي نالها تارانتينو من قبل، وبعضها وصف الفيلم بأنّه "حمام دم لثلاث ساعات، تتخلله نكات عنصرية من كل نوع، وينتهي بتفجير العبد الشرير مصدر كل الشرور." هذا وصف إجمالي للفيلم يلخصه تقريباً. وثمة إضافة أخرى، فهناك مشهد بعد تترات النهاية يصور ثلاثة عبيد يحدقون بغباء في الغبار الذي أثاره جواد جانغو، بعد أن كان تارانتينو يحاول - في مشاهد الطريق إلى كانديلاند - إظهار أن لديهم شرارة عقلٍ وفهم.

التمثيل في الفيلم كان معقولاً. كريستوف فالتز كان - بطبيعة الحال - أفضل الممثلين في الفيلم، وقد كان دوره مكتوباً خصيصاً له. أداء جيمي فوكس كان معقولاً كذلك، ومعه صامويل ل. جاكسُن في دور ستيفن. فقد أديا المطلوب منهما. المطلوب من جيمي فوكس أن يغضب ويندهش، والمطلوب من صامويل ل. جاكسُن أن يتحدث ببذاءة شديدة يستظرفها كالفن كاندي لأنها تأتي منه. كيري واشنطن لم يكن مطلوباً منها في دور برومهيلدا سوى أن تُهان وتُضرب وتترقرق عيناها بالدموع، ومن ثم تُصفق في فرح عندما يأتي جانغو في النهاية، وقد أدت المطلوب بلا زيادة أو نقصان.

المشكلة كانت في ليوناردو ديكابريو في دور شرير الفيلم الرئيسي، وواحد من أبشع الأشرار الذين صورتهم السينما. شخصية كالفن كاندي كانت باهتة، مع أنّه يفعل أشياء شديدة البشاعة، ويحتجز جانغو وشولتس بمعاونة ستيفن. أداء ديكابريو كان جيداً، وكان واضحاً أن كالفن كاندي ينطلق من إحساس بأنّه "يملك الحق" في فعل ما يفعل، وليس من كونه يرتكب جرائم. مع ذلك، فُقِد التأثير الكُلي للشخصية مع المشهد الهزلي الذي يشرح فيه ستيفن ما يجري له، ولعل ذلك من كتابة تارانتينو الذي يُريد أن يُظهِر أن ستيفن، العبد العجوز، له دالة على سيده الأبله، وهو الملوم الأكبر في العنف الطبقي الذي يُمارَس ضد بني جلدته، مُعيداً بذلك تدوير حجج النخاسة الأوروبيين المعروفة: ثمة نخاسة أفارقة، وهذا يُبرر استعباد العرق الأسود.

مع أن ستيفن مثل جانغو وشولتس، يحفظ النظام الأكبر منه، لكن ستيفن يحافظ على نظام الجنوب في وقت انهيار الجنوب وشيطنته، وبالتالي، فإنّه يُفجَر في النهاية، بينما ينتصر جانغو، مع انتصار الشمال.

تصوير الفيلم كان معقولاً، وكذلك مونتاجه، لكن الحديث عن التصوير والمونتاج صعبٌ في فيلم مُصمم لمحاكاة أسلوبٍ قديم بشكلٍ هزلي. شريط الفيلم مزدحم بالموسيقى، من فيردي وبيتهوفن، إلى أغاني الراب، ولأن تارانتينو لا يثق بالجمهور، فهو يملأ الشريط بالموسيقى ليُذكره بالمقاطع المهمة من الحوار، ويأتي بأغانٍ من قبيل "أنا فيجيلانتي" لتشرح للجمهور أن شولتس وجانغو يُمارسان عمل الفيجيلانتي (مُنفذ القانون الذي لا صفة ضبطية له).

مع ذلك، ثمة تكوين ومشهد بارعان في الفيلم: دخول مسيسيبي، وكتابة اسم الولاية بحروفٍ كبيرة، ثم تمريره على الشاشة كأنّه قطار، فيما العبيد في حلقة في الطين. كان تكويناً بصرياً مثيراً للاهتمام، ويُعِد المُشاهدين لما سيقابلونه في مسيسبي، الولاية طاحنة العبيد. (ومسيسيبي قلب الجنوب القديم العظيم).

التكوين الآخر جاء قبل ذلك، أول قتل لشولتس بعد شراء جانغو، في دويرتي، تكساس. حين يأتي الشريف لطرد شولتس وجانغو من الحانة، وتجتمع البلدة كلها. كمية الشخصيات الطريفة التي يجمعها تارانتينو في الخلفية رائع، الطبيب، السكاى، ربات المنازل، النساء ذوات الطبقة الأرفع، الجنتلمانات، الرعاع، نساء البرلسك، وفتاة برلسك عرجاء. كُلهم في الخلفية، في المرة الوحيدة التي تعمل بها الكاميرا بشكلٍ مفيد في الفيلم.

في المُجمل، حقق تارانتينو غرضه من الفيلم، فهو - بالفعل - أكبر رأس في هوليوود، ويمكنه أن يضغط الكم الذي يُريده من الأزرار الساخنة، العنصرية، النازية واليهود، العبودية وانحطاط الجنوب، وكل ما يمكن تخيله. ليوناردو ديكابريو يُلخِص الأمر بالقول: "لولا أنّه تارانتينو، لما سمح أي إستوديو في هوليوود بإنتاج هذا الفيلم".

عين على السينما في

10/02/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)