حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سقوط سلالة رومانوف ..

إعادة اكتشاف فيلم تسجيلي

عدنان مدانات

 

عندما ظهرت السينما الناطقة في أواخر عشرينيات القرن الماضي صار يكثر الاعتماد على الحوار بين الممثلين ما أدى إلى أن يعتبر النقاد أن السينما بدأت تثرثر. جرى توجيه هذا الاتهام بخاصة للسينما الروائية التي كانت توصف في عصر ما قبل اكتشاف السينما الناطقة بالصامت العظيم، ومع أن السينما التسجيلية استفادت، كما السينما الروائية، من اكتشاف تسجيل الصوت البشري على شريط الفيلم وسارعت إلى استخدامه، إلا أنه لم ينلها من تهمة الثرثرة ما نالته السينما الروائية، مع أن السينما التسجيلية الصامتة كانت أيضا تستحق أن توصف بالصامت العظيم، بل على العكس من ذلك، بدا أن استخدام الصوت البشري فتح مجالات و آفاقاً جديدة أمام السينما التسجيلية. شرعت السينما التسجيلية بداية في استخدام الصوت البشري على شكل تعليق، ومنذ بداية استخدام الصوت البشري كان التعليق في غالبية الأحيان يرافق الفيلم من بدايته حتى نهايته، وصار التعليق يُعتبر من اللوازم الأساسية في الفيلم التسجيلي، بل وأكثر من ذلك، بدأت تتشكل تقاليد جديدة في طرق إنتاج الفيلم التسجيلي حل فيها نص التعليق محل السيناريو المسبق، أي أن التعليق صار يلعب دور السيناريو ويجري تصوير مواد الفيلم وتوليفها وترتيب تسلسلها وفقا لتسلسل التعليق. كان التعليق يصاغ بطرق مختلفة، فهو إما تعليمي، أو إعلامي، أو دعائي، أو حتى أحيانا أدبي شعري التوجه، كما هو الحال بالنسبة لأفلام المخرج الفرنسي التسجيلي كريس ماركر الذي يُطلق عليه لقب" شاعر السينما"، فأكسبت هذه الطرق المختلفة  استخدام التعليق مشروعية إضافية. ظل هذا الوضع سائدا إلى أن أضاف تطور تقنيات التصوير وتسجيل الصوت للفيلم التسجيلي عنصرا جديدا هو المقابلة الصوتية المصورة مع شخصيات الفيلم فصارت المقابلة تترافق أو تتداخل مع التعليق أو حتى تزاحمه على السيادة، بل وقد تحل محله كليا، وهذا بدوره فتح مجالات وآفاقاً جديدة أمام الفيلم التسجيلي الذي بات بمقدور الشخصيات البشرية فيه التعبير مباشرة، وعرض المشاعر الداخلية الخاصة بها، وهو أمر كان يقتصر في الماضي على الشخصيات في السينما الروائية

هذا التبادل في الأدوار ما بين التعليق والمقابلة والاعتماد عليهما كعناصر مركزية في صياغة الفيلم، مع ميل متزايد لتغليب صيغة المقابلة على صيغة التعليق، هو ما يميز الأفلام التسجيلية المعاصرة وخاصة المنتجة من قبل، أو لصالح، المحطات التلفزيونية

تاريخيا، لعب التعليق والمقابلة دورا هاما في توسيع مجالات التعبير في الفيلم التسجيلي، وهذا هو الأمر الإيجابي الخاص بهما، لكن ثمة لهما بالمقابل جانب سلبي حيث أن تزايد الاعتماد على المقابلات والتعليق في الأفلام التسجيلية أدى في النتيجة إلى أن السينما التسجيلية صار يغلب عليها طابع الثرثرة. هذا ما تسبب في واقع الحال في أن تخف شيئا فشيئا الإنجازات الفنية والدرامية في مجال الأفلام التسجيلية بحيث صار من النادر ظهور أفلام تسجيلية يمكن وصفها بالتحف الفنية التي سيظل يرجع إليها المعنيون بعد مرور عشرات السنين كما هو الحال بالنسبة للعديد من الأفلام التسجيلية التي جرى إنتاجها في عصر السينما الصامتة العظيمة، وهي الأفلام التي يمكن اعتبار أنها تنتمي إلى السينما التسجيلية الصافية، لأنها أفلام، على الرغم من اختلاف أو تنوع أساليبها أو مناهجها، كانت تتشابه في أنها صادقة في إخلاصها لطبيعة وجوهر الفيلم التسجيلي وتنبني وفقا لها

مناسبة هذا الكلام أعلاه هو إعادة اكتشاف فيلم تسجيلي طويل من عصر السينما الصامتة جرى إنتاجه في العام 1927 وهو فيلم"سقوط سلالة رومانوف"(حوالي تسعين دقيقة)، للمخرجة المونتيرة السوفييتية إسفير شوب وهو الفيلم الذي شكل إنجازا ثالثا وأساسيا في تاريخ السينما التسجيلية يضاف إلى إنجاز دزيغا فيرتوف في فيلمه "الرجل والكاميرا" و إنجاز روبرت فلاهرتي في فيلم "نانوك من الشمال"، حيث يمثل كل من هذه الأفلام الثلاثة تيارا مختلفا في السينما التسجيلية.

يتميز فيلم"سقوط سلالة رومانوف" الذي يصور مرحلة في التاريخ الروسي معقدة و حاسمة تبدأ من عام 1912 حتى عام1917 بأنه مبني كليا و حصريا من وثائق أرشيفية أخذت من مصادر مختلفة وجرى تجميعها خلال عملية بحث استمرت زمنا طويلا. يدور الفيلم حول الوضع السياسي والاجتماعي السريع التبدل الذي عاشته الإمبراطورية الروسية بقيادة القيصر نيقولا الثاني والذي اتسم ببداية دخول الرأسمالية إلى المجتمع الروسي الزراعي أصلا، ثم دخول روسيا الحرب العالمية الأولى، وصولا إلى انهيار إمبراطورية سلالة رومانوف بعد انتصار الثورة الاشتراكية. عالجت المخرجة كل هذا بوسائل سينمائية بصرية خالصة معتمدة بشكل أساسي على الطاقات التعبيرية التي يتيحها المونتاج، وتمكنت، و هذا ما يعتبر إنجازا لها، من معالجة موضوعها المتشعب لا باعتباره سردا تاريخيا وحكاية عن وطن، بل باعتباره عملا "دراميا" يعكس مأساة انهيار سلطة سلالة حكمت روسيا لمدة ثلاثمائة عام، وهي أنجزت كل هذا بدون تعليق أو مقابلات.

الجزيرة الوثائقية في

27/01/2013

مالك بن جلول.. فيلمه الوثائقي ينافس على الأوسكار

"البحث عن الرجل السُكَر" أجمل حكاية سمعتها في حياتي

قيس قاسم 

فَتحَ النجاح، الذي حققه فيلمه الوثائقي الطويل "البحث عن الرجل السُكَر" والمتنافس على نيل جائزة أفضل فيلم وثائقي ضمن مسابقات الأوسكار لهذا العام، الأبواب أمام الشاب السويدي المغربي الأصل مالك بي جلول لدخول عالم السينما وهو لم يتجاوز السابعة والعشرين من العمر. موهبة لافتة تجسدت في فيلم آسر ومثير عن مغني الروك الأمريكي سيكستو دياز رودريغز الذي ظهر في بداية سبعينات القرن الماضي، بنمط غير مألوف من الغناء قابله الناس وشركات تسجيل الاسطوانات الموسيقية بالتجاهل والصد لكنه اُستقبل في مكان آخر بعيد، في جنوب أفريقيا كنجم أسطوري وتداول المناهضون لسياسة الأبارثيد والعنصرية أغانية واسطوانته بسرية بعد أن منعتها حكومة الأقلية البيضاء. لم يعرف الأفارقة الجنوبيون أن الرجل الذي يعشقون سماع أغنياته وملهم نضالهم بأنه مجهول في بلاده يعمل في بناء البيوت وترميم المنازل ليوفر لقمة عيشه، ظهر على ضفاف نهر ديترويت فجأة مثل وميض البرق واختفى، وشاعت عنه أنباء أنه وبسبب من الاحباط الذي شعره أشعل النار بجسده فوق أحد المسارح ومات محروقاً

رحلة البحث التي بدأها مالك بن جلولدامت ثلاث سنوات وانتهت بالوصول اليه حياً، فالرجل لم يمُت بل انزوى وترك الموسيقى ليعيش حياة عادية ويشارك في أنشطة سياسية تدعو للعدالة ونبذ العنصرية في بلاده. اكتشاف وجوده ورحلته الأولى الى جنوب أفريقيا، ليقيم على مسارحها حفلات شعبية يغني لجمهوره تلك الأغنيات التي حفوظها عن ظهر قلب، أعادت الحياة اليه والى "أغنياته الميتة" وأشهرها "الرجل السُكًر". 

صنع مالك بن جلول من حكاية "الرجل السكر" رودريغز فيلماً مركباً بين الوثائقي الموسيقي والوثائقي الدرامي من خلال إعادة تشكيله الأجواء التي عاشها المطرب في ديترويت وتسجيل تجربته الموسيقية فيها وفي الجهة الثانية من المحيط أجرى مقابلات مع الذين عرفوه من خلال فنه ونقل مقدار تأثرهم به وحبهم له. تجربة مضنية ورحلة طويلة بدأت بفكرة صغيرة لبرنامج ثقافي تلفزيوني سويدي انتهت الى فيلم يتنافس اليوم على الأوسكار، عنها تحدث مالك بن جلوللصحيفة "سفنسكا داغبلادت" السويدية: "فكرة انجاز فيلم عن مغني الروك المجهول، رودريغز، بدأت كمشروع ريبورتاج تلفزيوني اتفقت مع برنامج "كوبرا" الثقافي على انجازه لهم ويدور حول مطرب أمريكي يُعيل نفسه بالعمل في بناء وترميم المنازل القديمة، وكيف أنه ظل مجهولاً في بلاده في الوقت الذي صار اسطورة شعبية في جنوب أفريقيا، ثم تطور المشروع ودون تخطيط مبسق الى امكانية تحويله فيلماً".

لم يكن العمل عليه سهلاً إذ تعرض الى مصاعب كثيرة هددت بتوقفه بسبب تجاوز سقف انتاجه الزمني وضعف تمويله، ومع هذا أصر مالك على المواصلة لإحساسه بأن قصة حياة رودريغز كانت أفضل قصة سمعها في حياته ومن واجبه تحويلها الى فيلم يعيد بعض الإعتبار للرجل. ظروف العمل كانت صعبة ووتيرته بطيئة، كما أن البحث عن مصادر تمويل أخرى وصلت الى طريق مسدود والميزانية القليلة المخصصة له لم تعد عملياً تتناسب مع توسعه اللاحق ودعم معهد السينما السويدية المالي القليل أصلاً تبخر في أول مراحل انتاجه وفي مراحل أخرى متقدمة انسحب أحد مموليه بحجة عدم قدرته على الاستمرار ووسط كل هذا كان سيكستو روريغز نفسه متردداً. ويعترف مالك "لم يكن يحب الوقوف أمام الكاميرا ولا يريد أن يصور مع أنه كان رجلاً لطيفاً معنا طيلة مدة التصوير". 

"البحث عن الرجل السُكَر" ليس الوثائقي الموسيقي الأول لمالك فقد أنجز قبله أفلاماً تلفزيونية كثيرة وفكرة فيلمه القصير الأول فيها شبه من فيلمه الطويل يتذكرها بتفصيل "بعد انتهاء دراستي للانتاج الاعلامي فكرت بإخراج فيلم وثائقي عن الموسيقى في فترة  التسعينات واخترت البدأ بجاكوب هيلمان الذي لم يُجر أي لقاء صحفي خلال العشر سنوات الاخيرة. حاولت الاتصال به عبر شركة تسجيل اسطواناته ولم أوفق لأنهم فقدوا الاتصال به أيضاَ. بعدها بحثت في دليل التلفونات فحصلت على رقمه واتفقت معه على حوار. سجلت اللقاء وبعته الى التلفزيون السويدي والى كتبت نصه الى صحيفة يومية.

وما إذا كانت هناك مقاربة مدروسة بين مشروعه الأول الذي يدور حول نصف غياب وفي فيلمه الطويل هناك غياب كامل لرودريغز يقول "لم أفكر في هذا ولكن ثمة مقاربة بينهما حتماً. الاثنان عندهم قصة جميلة صالحة لتروى وهذا، مع ايجابياته وجمالياته، بحد ذاته يمثل صعوبة في تنفيذ وثائقي تلفزيوني عنهما، لأن الأفلام الأخرى، التي تدور حول مشاهير الموسيقى يلعب أصحابها دوراً مساعداً في انجاحها وترويجها. تصور انك تصنع فيلما وثائقيا عن رود ستوارت أو ألتون جون هؤلاء مشاهير وعناصر الاحتفالية بهم سيضمنها الوثائقي نفسه بسبب نظرة الإعجاب الجاهزة عند معجبيهم ومحبيهم. بالمناسبة لقد حدث بعض التغيير في نهاية فيلمي واكتسب بعض عناصر "الدرامالوغيا" التي تحدثت عنها حين يصنع المرء فيلماً عن المشاهير، عندما بدأ موقف رودريغز يلين شيئاً فشيئاً من مسألة اكمال العمل وارتفع مستوى تجاوبه معي بعد اقتناعه الكامل بجديتي وبالمراحل الطويلة التي قطتعها في صناعة الفيلم قبل المجيء اليه في بيته المتواضع والتي أخذت مني أكثر من ثلاثة سنوات انتقلت خلالها بين عديد  البلدان في بحث مضني عن "الفنان الغائب".

 المفارقة التي يذكرها مالك في هذا الصدد أن رودريغز ومع كل الحماسة التي اجتاحته أخيراً ورغبته الحقيقية في مساعدتي وكلماته التي كان يكررها "أريد مساعدة هذا الشاب" لم يتصالح مع الكاميرا وظل يخشى الوقوف أمامها". لكنه ولحسن الحظ لم يستمر على هذا الحال لقد تغيَّر سلوكه في لحظة دخول المنتج البريطاني الشهير سيمون شين، صاحب الفيلم الوثائقي الرائع والحائز على جوائز الأوسكار "رجل فوق السلك"، على الخط. "بطريقة سحرية حفزه على التفاعل" يقول مالك "وله الفضل في ترشيح فيلمه فيما بعد للمشاركة في مهرجان "ساندانس" الدولي ثم تبعتها مشاركات عالمية أخرى توجت بترشيح السويد له لنيل جائزة أفضل فيلم وثائقي".

سبق ترشيحه ترحيب اعلامي ونقدي كبيرين في أمريكا لا يريد مالك التعويل عليها كثيرا حتى لا يشعر بالاحباط في حالة ذهاب الجائزة الى فيلم آخر ويبدي استغرابه من الحماسة العالية على حصاد الجائزة "المنافسة على الأوسكار شديدة ويصعب فهم حجم المراهنة التي يراهنها صناع الأفلام والشركات المنتجة للحصول عليها فالشركة الأمريكية التي انتجت فيلمي سبق لها أن حصلت على 33 جائزة من جوائز الأوسكار ومع هذا فهي شديدة الحماسة للفوز بها هذا العام أيضاً". أكثر من الأوسكار يهمه المضي في عمله وانجازه أفلاماً جديدة ولا يجد حرجاً في الاعتراف بقوة اغراء هوليوود ولا يخفي اتصالات يجريها ومنذ الآن للحصول على قبول شركات انتاج كبيرة لمشروعه القادم، ويشعر كما يخبره قلبه بأنه على الطريق الصحيح وما ينقله له وكلاؤه في هوليوود يُبشر بمقدم الخير الذي هَلَ مع "البحث عن الرجل السُكَر".

الجزيرة الوثائقية في

27/01/2013

المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته 14

حين تطرد كرة القدم ... السينما

أحمد بوغابة - المغرب 

سبق لنا أن كتبنا في موقع الجزيرة الوثائقية على أن أهم تظاهرة سينمائية تُقام في المغرب – في نظرنا طبعا – هي المهرجان الوطني الخاص بالأفلام المغربية فقط (يمكن لمن يرغب الاطلاع عليها زيارة موقع الجزيرة الوثائقية لكي يشكل وجهة نظر تاريخية عنها).

المهرجان الوطني للفيلم المغربي هو أكبر بكثير من مجرد تظاهرة فنية أو مهرجان أو لقاء سنوي بين الفاعلين في السينما المغربية بكل ألوانهم وتخصصاتهم. إنه احتفال وفرح بالأفلام المغربية، بما لها وما عليها، خاصة حين ارتفع عدد الأفلام وتنوعت مضامينها  حيث كل الفئات الاجتماعية وجدت وتجد نفسها في نوعية منها فأصبح الحديث والكتابة عنها ممكنا، والاختيار مُتاحا أيضا، والمقارنة والمقاربة قائمة ليس في ما بينها بل في علاقتها بفنون السينما، وإلى أي مدى تطورت أفلامنا شكلا ومضمونا، وفي سوق التوزيع أيضا.

سبق لنا إذن أن عرفنا بهذا المهرجان في دوراته السابقة وتطوره والمكتسبات التي حققها للسينما المغربية، والإشعاع الذي أصبح يتمتع به في عالم المهرجانات الدولية، وكذا في وسائل الإعلام من خارج جغرافية الوطن. وهذا ليس كلاما ننشره اعتباطيا وإنما من منطلق التجربة الشخصية حيث كثير من المهرجانات التي لي بها صلة تطالبني بمعلومات عن أفلام مغربية لبرمجتها في المسابقات الرسمية أو عرض بعضها خارجها. اكتشفت أن كثير من المهرجانات تقول باستحالة عدم برمجة فيلمين مغربيين أو واحد على الأقل.

قليلة هي المهرجانات السينمائية المحلية المعتمدة على الإنتاج المحلي تحظى بما للمهرجان الوطني في طنجة، وذلك راجع لسببين رئيسيين لا ثالث لهما. والمقصود بهما استقراره في المكان والزمان. أصبح له "منزلا" يأويه سنويا ويجمع شمل الأفلام التي وُلدت خلال السنة عوض أن يُقام حسب الأهواء أو وجود أفلام من عدمها كما كان العهد به قبل عقد من الزمن. ففضلا عن تحديد زمنه في نفس الشهر من السنة، يُقام في فضاء نموذجي المتمثل في مدينة طنجة. كل هذه العناصر وغيرها كثير (لا داعي لذكرها الآن) هي التي قَوًّتْ المهرجان الوطني للسينما المغربية وإلا لم يكن بإمكانه أن يخرج من الهواية والعثرات الكثيرة بترحاله.

ورغم الشعبية التي حصل عليها المهرجان إلا أنه كان مضطرا هذه السنة (2013) ليقدم تنازلا كبيرا لصالح كرة القدم. فقد نجحت هذه الرياضة الأكثر شعبية في العالم، بعد الموسيقى الشعبية والشبابية، أن تطرد المهرجان من تاريخه السنوي القار (منتصف شهر يناير) إلى تاريخ آخر هو الأسبوع الأول من شهر فبراير. لقد فرضت مباريات كأس الأمم الإفريقية، التي تجري أطوارها الآن، على المنظمين (المركز السينمائي المغربي) تغيير التاريخ. وللأسف قبلوا عن طواعية لمطلب "كرة القدم" خوفا من غياب الجمهور فغابت الديمقراطية في الاختيار لمن يفضلون القاعات السينمائية والأفلام رغم عشقهم لكرة القدم في الفرق الكبيرة التي تُمْتِعُ حقا كالسينما. وهذا التغيير حرم الكثيرين من متتبعي المهرجان الوطني من الحضور لأنهم كانوا قد برمجوا أسفارهم إلى مهرجانات أخرى أو استعدادا لها منذ زمان لا يمكن تغييره. وهنا أتحدث عن مدراء بعض المهرجانات الدولية. هل لم يكن من الممكن المغامرة والتحدي بالحفاظ على تاريخ المهرجان والالتزام به احتراما للسينما وحينها لكل عاشق طريقه؟

تحية لمن رحلوا... وتكريم الرواد

سيفتتح المهرجان يوم الجمعة فاتح فبراير كعادته السنوية بوقفة قصيرة - لكنها معبرة - يُحَيِّي فيها بعض الأسماء السينمائية التي رحلت خلال السنة (بعد الدورة السابقة) للتذكير بها وبعطاءاتها، وتأكيد على أنها دخلت الذاكرة من بابها الواسع، ولها مكانة محترمة فيها، سواء كانوا ممثلين/ممثلات أو تقنيين/تقنيات/مخرجين وأيضا نقاد السينما وكُتاب السيناريو... وكل من ارتبط ويرتبط بفنون السينما في المغرب. يتم استذكارهم بما يليق بهم في هذا الحدث الفني الوطني. ويؤرخهم المهرجان في الكاتالوغ السنوي (كُتَيِّب المهرجان). أسماء كثيرة خطفها الموت هذه السنة، ومنها على بغتة وبشكل مفاجئ. آخر هذه الأسماء الممثل محمد مجد، يوم 24 يناير الجاري، وقبله السينمائية نعيمة سعودي البوعناني وهي على بلاتوه التصوير. يصادف المهرجان حلول الذكرى الأربعينية على رحيلها وهو يصادف يوم وفاة زوجها السينمائي أحمد البوعناني في سنة 2011، لذا سيتم تقديم مشاهد من فيلم وثائقي في طور الإنجاز -من إخراج الشاب علي الصافي- عن أشهر ثنائي سينمائي في المغرب الذي عاش معا لنصف قرن: أحمد البوعناني/نعيمة سعودي،... ورحل أيضا الطيب لعلج مؤخرا، و.... و.....

في نفس يوم الافتتاح مساءً يتم أيضا تكريم فنانين في الحقل السينمائي اعترافا لهم وبهم وبحضورهم. ففي هذه السنة سيلتفت المنظمون إلى ممثلين من نفس الجيل المؤسس للتشخيص في المغرب ما بعد الاستقلال. وهم الممثلة عائشة مهماه والمُمَثِّلَيْنِ عبد الله العمراني ومحمد بن ابراهيم الذين بصموا أفلاما كثيرة بشخصياتهم المتنوعة التي جسدوها بتقدير كبير، سواء في الأفلام الطويلة أو القصيرة أو التلفزيونية  والمسرحية. والتكريم، أصبح تقليد في المهرجان وأحد فقراته القارة عند كل افتتاح لكل دورة في كل سنة.

الإعلان عن إفتتاح المهرجان إذن يوم فاتح فبراير بالتكريم وعرض فيلم وثائقي ومقتطفات من الأفلام للمكرمين وصورهم. وأيضا كما جرت العادة، في العُرف السينمائي عند كل افتتاح، تقديم للجمهور وللحضور وللمدعوين لجنتيْ التحكيم التي سنذكر أسماءها حين نعرض لائحة الأفلام المشاركة في المسابقة.

يعود مهرجان "فيسباكو"، الذي يُقام كل سنتين في عاصمة بوركينافاسو، إلى طنجة من جديد ليُعلن منها عن برنامج دورته المقبلة وذلك في ندوة صحفية صباح اليوم الثاني من أيام المهرجان الوطني (السبت 2 فبراير). فهذه هي المرة الثانية التي يتخذ هذا المهرجان الإفريقي مدينة طنجة بابا  لولوجه (توجد مدينة طنجة في أقصى نقطة في القارة الإفريقية). ولا بأس من الإشارة إلى أن المغرب ساهم في إنتاجات سينمائية إفريقية منذ سنوات، وفي السنة الماضية شارك في 7 أفلام من خلال العمل بمختبرات المركز السينمائي المغربي في الرباط، وأخرى من الأقطار المغاربية. ويساهم في بعض الأقطار بتأسيس ومساعدتها في إنشاء معاهد سينمائية. إلى آخره...    

تبدأ المسابقة الرسمية للأفلام المغربية ابتداء من ظهر اليوم الثاني من ايام المهرجان (2 فبراير 2013). وقد تقلص عدد الأفلام هذه السنة بسبب التغيير الذي حصل في وزارة الاتصال المغربية (السينما في المغرب تتبع قانونيا وإداريا لوزارة الاتصال مثل القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف وطبعا المركز السينمائي المغربي الذي يدير شؤون السينما بالمغرب). تعطلت كثير من المصالح الحيوية إن لم نقل تجمدت في انتظار الحسم في "السياسة السينمائية الجديدة"!؟!؟! التي لم يأت بها الوزير الجديد بل "عناصر قديمة" في الوزارة التي كانت تتربص باستغلال الفرصة لتصفية حسابات ذاتية قديمة وليس من منطلق مبدئي لتطوير فنون السينما بالمغرب حيث يبدو هذا جليا على أرض الواقع، لأنها لم تفلح في تجاوز القديم بتطويره وكأن مهمتها الجديدة هي العرقلة لكل ما تحقق من مكاسب. استغلت تلك العناصر غياب المعرفة السينمائية عند الوزير الشاب لتشوش عليه. وهكذا وجد كثير من السينمائيين والسينمائيات أنفسهم محتجزين بأفلام غير مكتملة ويمر عليها الزمن وتتضاعف ميزانيتها بحكم التأخير.

أسماء جديدة في الأفلام الطويلة

كان بالإمكان أن يتجاوز العدد هذه السنة 30 فيلما لولا أولئك الذين يحاربونها من داخل الوزارة بادعاءات واهية مع أنه المفروض فيهم العكس. لقد تمكن من الوصول إلى المهرجان هذه السنة 21 فيلما فقط، وما ذكرته من حجز هو ليس من إنتاج خيالي الشخصي بل هو كلام قيل لي إلى حدود الأسبوع الماضي على لسان معنيين بالأمر من السينمائيين والمنتجين المغاربة.

في قراءة سريعة لهذه اللائحة نجد نصفها (11 فيلما) لمخرجين شباب في أول إخراج لهم للفيلم الطويل بعد تجارب في الفيلم القصير والاشتغال في مساعدة الإخراج. ووجود فيلمين بالأمازيغية وهما "تنغير – القدس: أصداء الملاح" لكمال هشكار (وهو فيلم وثائقي) وإلى جانبه فيلم "أغرابو" (الباب) لأحمد بايدو وهو فيلم روائي. يحضر الفيلم الوثائقي بالأفلام التالية: "تنغير – القدس: أصداء الملاح" لكمال هشكار، و"نساء بدون هوية" لمحمد العبودي، و"حدود وحدود" لفريدة بليزيد، و"محاولة فاشلة لتعريف الحب" وهو يجمع بين الوثائقي والروائي. كما تظهر جليا غياب المرأة المخرجة حيث تُشارك اثنتين فقط وهن فريدة بليزيد وبشرى بلواد، علما أن هناك أفلام أخرى لم تتمكن مخرجات من إتمامها للأسباب السالفة الذكر.

ونصف هذه الأفلام (11 فيلما) ستُعرض لأول مرة فيما الأخرى عُرضت في مهرجانات محلية أو جهوية أو دولية ومنها ما عُرضت في القاعات التجارية بالمغرب أو مازالت بها. وتجدر الإشارة أن الفيلمين: "يا خيل الله" لنبيل عيوش، و"تنغير – القدس: أصداء الملاح"، هي من أكثر الأفلام التي جالت العالم، خلال سنة كاملة، وحصلت على جوائز مهمة بقيمتها السينمائية.

ستحكم على هذه الأفلام الطويلة لجنة يترأسها هذه السنة المخرج والمنتج الفرنسي جاك دورمان. نُذَكِّرُ بالمناسبة بأن المهرجان الوطني قد سن في السنين الأخيرة عادة التناوب على رئاسة لجنة التحكيم الأفلام الطويلة بين شخصيات مغربية وأخرى أجنبية، عربية (سمير فريد/ مصر) أو إفريقية (تيميتي باسوري/الكوت ديفوار) أو أوروبية (إدغار موران/فرنسا). 

وتتكون عضوية لجنة الدورة 14 لسنة 2013 فضلا عن رئيسها من:

عبد القادر لقطع (مخرج من المغرب)

ناصر قطاري (مخرج من تونس)

غيثة الخياط (كاتبة وباحثة مغربية)

تانيا خالي (مسؤولة اقتناء البرامج بفرانس تلفزيون)

لالي هوفمان (الصحفية والناقدة السينمائية من الدانمرك)

رشيد بن الزين (كاتب وباحث مغربي)

ويحضر كذلك، كالعادة، الفيلم القصير والذي ستنظر فيه لجنة تحكيم خاصة به تتكون من:

أحمد اخشيشن (رئيسا) وهو وزير سابق للتربية الوطنية ومدير عام سابق للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري 

سالي شافتو (مؤرخة سينمائية وأستاذة السينما وناقدة من الولايات المتحدة الأمريكية)

مريم التوزاني (مخرجة مغربية صاحبة فيلم "الليلة الأخيرة الحائز على مجموعة من الجوائز طيلة سنة 2012)

لطيفة أحرار (ممثلة مغربية)

خالد السلمي (باحث مغربي وأحد مناضلي الأندية السينمائية في بداية تأسيسها)

تراجع الفيلم القصير

وستبت اللجنة الرسمية للأفلام القصيرة هذه السنة في 14 فيلما فقط التي اختارتها من قَبْل لجنة الانتقاء التي يتم تشكيلها سنويا من طرف المركز السينمائي المغربي لمشاهدة ما يُقدم لها من الانتاجات السنوية. تصل أحيانا إلى أكثر من 80 فيلما في بعض السنوات. أما هذه السنة فلم تشاهد لجنة الانتقاء سوى 45 فيلما.

أما الأفلام الطويلة فلها حق المشاركة المباشر في المهرجان (دون إخضاعها للانتقاء) ومنها ما هي ملزمة به خاصة التي تحصل على الدعم من المركز السينمائي المغربي. بينما التي تم إنتاجها بالكامل من طرف أشخاص ذاتيين فلهم حق الاختيار بالقبول من عدمه للمشاركة في المسابقة، منها أفلام لمخرجين مقيمين خارج المغرب من أصول مغربية (مزدوجي الجنسية). لكن في غالب الأحيان يقبلون ويسعدون بالوجود في منافسة مغربية بحكم دلالاتها المعنوية/التاريخية.

جرت العادة في المهرجان الوطني أن يُشارك عدد الأفلام القصيرة بنفس عدد الأفلام الطويلة حيث يتم الانتقاء للقصيرة حسب لائحة الأفلام الطويلة. يسبق عرض كل فيلم طويل أحد الأفلام القصيرة، بمعنى وجود الأفلام الطويلة يوازيه نفس العدد من الأفلام القصيرة إلا أن هذه السنة - كما تلاحظوها من خلال العدد المُشار إليه أعلاه بتقليص عدد الأفلام القصيرة (14 على 21). وفي نقاشات جانبية مع بعض أعضاء لجنة الانتقاء، ويبدو أن اللجنة رصدت هذه السنة تراجعا كبيرا في مستوى الأفلام القصيرة حيث وجدت نفسها في "ورطة" بصعوبة الاختيار. وأنها كادت ان تقلص عدد الأفلام التي اختارتها (14 فيلما) إلى النصف لِما أعلنت عنه بسبب الضعف الكبير للأفلام المُقترحة عليها.

ولنعد إلى المهرجان الوطني حيث كل لجنة على حدة توزع جوائزها في حفل الاختتام، وهي جوائز مادية/مالية/تشجيعية. إذا كانت جوائز لجنة الأفلام القصيرة تقتصر على ثلاثة جوائز فقط: الجائزة الكبرى وجائزة لجنة التحكيم وجائزة السيناريو، فإن للجنة الأفلام الطويلة مساحة كبيرة بشملها لجوائز تقنية كالموسيقى والمونتاج والصوت والتصوير وكذا الأدوار الرئيسية والثانوية للجنسين (الذكور والنساء) إلى جانب جوائز السيناريو والعمل الأول وجائزة لجنة التحكيم فضلا عن الجائزة الكبرى.

كل هذه الأفلام المُبرمجة – الطويلة والقصيرة – يلتقي حولها الجمهور كل صباح لمناقشتها مع أصحابها من المخرجين والممثلين والتقنيين الحاضرين، وهي من العادات الجميلة للمهرجان. كثير من المتتبعين ينتقدون تلك النقاشات، وينتقدون ما يجري بها وبمستواها، وأنها بعيدة عن النقد والاحترافية، وغيرها من التصنيفات. فيما أجدها – شخصيا - في غاية الأهمية بما تتضمنه من عفوية وردود فعل وأشياء أخرى خفية يتم الفصح عنها حينها. ويثيرني أكثر ما ينطق به البعض داخل قاعة النقاش يناقض ما يدلو به خارجها حيث يعكس ذلك مستوى المواجهة بين قول الرأي بصراحة أو التحفظ. كما أن النقاش الذي يكون أحيانا على الهامش جد مهم بين الأفراد. وبالتالي فكل النقاشات سواء في "الداخل" أو "الخارج" أو على "الهامش" أو "مغلقة" أو "مفتوحة" وبكل الصيغ هي من اللحظات المهمة والجميلة في المهرجان الوطني، وأعتبرها حالة صحية حتى ولو أدت أحيانا إلى "الاحتكاك" و"النرفزة" بين البعض. كل هذه الأشكال تعطينا "صورة" واضحة عن معالم السينما التي نريدها أو يريدها غيرنا وكيفية التفاعل مع منتوج فني – وهنا السينمائي - الذي نؤسسه جماعيا. ولا ينبغي أن ننسى المساهمة الفعالة لغير المغاربة الذين يتابعون النقاش عن كثب ويساهمون فيه أيضا. لا يمكن أبدا أن يكون نقاش ما سلبيا على الإطلاق بقدر ما هو مثمر بالضرورة في نهاية المطاف. لا ينبغي الخوف مما يروج في القاعة خلال مناقشة الأفلام. إننا في حاجة ماسة إليه لأنه يخلق ديناميكية وحيوية في شرايين المهرجان.  إنه أكثر من ضروري.

الجزيرة الوثائقية في

28/01/2013

 

أخرج 33 فيلماً ونصفاً خلال رحلته

مايكل وينر مخرج مبتكر وبلا شأن

محمد رضا  

للمخرج البريطاني مايكل وينر الذي مات قبل أيام قليلة، حكاية حياة مثيرة للاهتمام تصلح لأن تكون مادة لفيلم عن طموحات تحققت ثم تلاشت قبل أن تترك أثراً كبيراً . حكاية تبدأ سنة 1985 عندما تقدّم رجل أعمال أردني اسمه معين النابلسي من المخرج البريطاني مايكل وينر وعرض عليه إنقاذه من ورطة وقع فيها . كان رجل الأعمال ولج باب السينما منتجاً وأحب أن يكون عمله الأول إنجليزياً .

المشروع الذي تحمّس إليه ورده من المخرج السوري أنور القوادري، الذي كان أعجب بفيلم المخرج المصري محمد خان “موعد على العشاء” فاشترى حقوقه وكتب سيناريو مستوحى منه سمّاه “قصّة كلوديا” . بدأ التصوير في الموعد المحدد، لكن خلافاً نشب بعد أيام قليلة بين المنتج الأردني والمخرج السوري، نتج عنه قيام المنتج بابعاد المخرج عن العمل بعدما قارب التصوير منتصفه . بحث المنتج عمّن يؤمّن إنهاء العمل فنصحه أحدهم بالاتصال بالمخرج مايكل وينر الذي قبل المهمّة، وقام بتصوير باقي الفيلم . بذلك أنقذ المنتج نفسه من ورطة إفلاس لكنه اكتشف لاحقاً أن الفيلم سوف لن يكون صالحاً للعرض السينمائي، ف”موعد عشاء” (الذي حمل لاحقاً اسم “كلوديا”) بدا مفككاً وبلا أسلوب موحّد ما نتج عنه عروض تلفزيونية فقط .

كان ذلك الفيلم الوحيد للمنتج النابلسي (الذي توفّي في التسعينات) لكنه الفيلم الوحيد أيضاً للمخرج مايكل وينر الذي تعامل فيه مع عربي . وينر، (وُلد سنة 1935 وتوفي في الحادي والعشرين من هذا الشهر عن 77 سنة)، كان مخرجاً نشطاً ومبتكراً في أوقات، لكنه لم يبلغ شأناً فنيّاً كبيراً . المفارقة التي لا تخلو من الغرابة هي أن عدم بلوغه هذا الشأن لم يضعه في خانة الفاشلين . وفي الحقيقة يمكن إطلاق ألقاب كثيرة على هذا المخرج الذي أنجز 34 فيلماً روائياً طويلاً من إخراجه (أو 33 فيلماً ونصف باعتبار أن نصف “كلوديا” من إخراج سواه) لكن الفشل ليس من بينها .

كان همّ المخرج الأول إنجاز أفلام ترضي الجمهور، وهو لم يكترث لا للانضمام إلى أترابه من المخرجين البريطانيين في الستينات من الذين توسّموا المكانة الفنيّة، ولا بالنقاد الذين أسقطوه من اعتبارهم عندما حقق أول أفلامه “أطلق النار لتقتل” سنة ،1960 ذلك الفيلم الهامشي كان بداية بضعة أعمال متسارعة الإيقاع أنجزها وينر في النصف الأول من الستينات وحملت أنواعاً مختلفة، فهو بوليسي في “أطلق النار لتقتل” و”جريمة

في الكليّة”، ثم كوميدي في “البعض يفضلها باردة” ومن مخرجي الأفلام الموسيقية في “وست 11” وخالط بين الجريمة والسخرية في “المضحكون” .

في العام 1967 اختار وينر العمل مع ممثلين مشهود لهم بالمكانة في مقدّمتهم الأمريكي أورسن وَلز والبريطاني أوليفر ريد وذلك في دراما خفيفة عنوانها “سوف لن أنسى ما اسمهî”، ثم عاد بعد عامين للعمل مع أوليفر ريد مرّة أخرى في “هانيبال بروكس” حول موظّف في حديقة الحيوان خلال الحرب العالمية الثانية يهرب وفيل الحديقة عبر الجبال في رحلة تذكّر بتلك التي قام بها المحارب هانيبال . رد الفعل النقدي كان مشجّعاً لكنه لم يعلن ولادة فنيّة له . الطاغي هي الحكاية ومواقف جيّدة الأداء من أوليفر ريد الذي لاحقاً لعب في فيلم مصطفى العقّاد “أسد الصحراء” كما في فيلم محمد شكري جميل “المسألة الكبرى” .

في العام 1971 فتح وينر أبواب هوليوود بفيلم وسترن عنيف عنوانه “رجل القانون” من بطولة بيرت لانكاستر: مارشال معروف عنه عدم تنازله يلاحق مجموعة من القتلة وتضطره الظروف لقتلهم واحداً تلو الآخر . من هذا الفيلم ولج المخرج فيلم رعب أمريكي أيضاً أسند بطولته إلى مارلون براندو لكنه كان من الرداءة بحيث إنه لم يستطع دخول سباق أردأ أفلام عام إنتاجه .

رغم ذلك قرر وينر البقاء في هوليوود الجاذبة وتعرّف على ممثل كان يصارع للبقاء على حافّة الشهرة هو تشارلز برونسون . معاً اشتركا في صنع ستة أفلام انحدرت من مقبول إلى رديء تبعاً لميزانية الإنتاج غالباً .

أول هذه الأفلام كان “أرض تشاتو” (1972)، وسترن نرى فيه برونسون ينتقم من مجموعة من البيض يلاحقونه لقتله . “الميكانيكي” (1972) قدّم برونسون في دور قاتل محترف لا يعلم أن شريكه الشاب مأجور لقتله أيضاً . قبل أن يكمل مسيرته مع برونسون عاد إلى الممثل بيرت لانكاستر في فيلم بوليسي جمعه فيه الجانب الفرنسي ألان ديلون عنوانه “سربيكو”، وهو أيضاً حول قاتل محترف في أعقاب قاتل محترف آخر .

في العام 1973 قدّم “قاتل متحجر” من بطولة برونسون ومارتن بالسام ومن كتابة جيرالد ولسون الذي كتب للمخرج فيلميه السابقين “رجل القانون” و”أرض تشاتو” . العام التالي (1974) شهد ولادة الفيلم الذي اقترن به مايكل وينر أكثر من سواه وهو “رغبة موت”: فيلم يمنح الضحية حق حمل السلاح والأخذ بالثأر . ما كان يهم وينر هو إنجاز نجاح كبير وهو حققه بالفعل معيداً تشارلز برونسون إلى نجومية لامعة في السبعينات . في الفيلم هذا مهندس مسالم يخسر زوجته وابنته عندما تقوم عصابة طرق بإقتحام بيته واغتصابهما فتموت الزوجة من الضرب وتبقى ابنته حاملة وزر . لا يجد المهندس سوى الترصّد للعصابة وقتلها، لكنه يكتشف سريعاً أنه استهوى القتل ومضى به أكثر مما يلزم .

هذا الاكتشاف لم يمنعه من ممارسة الدور نفسه في جزءين لاحقين تميّزا بركاكة واضحة .

مع الثمانينات خفت الوهج وجاءت أفلامه الكبيرة أقل أهمية مما يجب . أحدها كان إعادة صنع لفيلم بوليسي هو “النوم الكبير” بطولة روبرت ميتشوم والثاني كان “موعد مع الموت” عن قصّة أغاثا كريستي. في نهاية ذلك العقد عاد وينر إلى بريطانيا لكنه لم يحقق أفلاماً كثيرة هناك بل تحوّل إلى كاتب عمودي وناقد مطاعم . ومع أنه بقي وجهاً يحتفى به الا أنه غاب مع غياب الفترة التي شهدت نشاطه .

شاشة الناقد

ديكابريو يربح الجولة

*** Django Unchained

دجانغو طليقاً

إخراج: كوينتين تارنتينو، تمثيل: جايمي فوكس، ليوناردو ديكابريو، كريستوف وولتز

وسترن - الولايات المتحدة 2012

الفيلم الجديد المعروض على شاشات الإمارات، والمرتقي إلى المركز الأول في مبيعات العواصم الأوروبية، “دجانغو طليقاً”، هو وسترن منشّى بالدم يبدأ بداية جيّدة: صائد المكافآت كينغ شولتز (كريستوف وولتز الذي استخدمه تارانتينو في “أوغاد غير جديرين”) ينبري لرجلين يقودان قافلة من العبيد السود المقيّدين بسلاسل ويعرض شراء عبد معيّن . حين يحتدم النقاش يسارع بإنهائه بقتل أحد الرجلين وجرح الآخر، ثم البحث عن الأسود الذي يريده ليجده في صف العبيد المكبّلين .

يتبدّى أن شولتز بحاجة إلى هذا العبد، واسمه دجانغو، لكي يساعده في الوصول إلى عصابة أشرار يريد قتلها، وقبض المكافأة المخصصة لها . يطلق شولتز سراح دجانغو ويعتقه ولاحقاً يطلب منه أن يكون شريكاً له في عملياته لقاء ثلث المكافآت، ويتعهد بمساعدته دجانغو (جايمي فوكس) في البحث عن زوجته بروهيلدا (كيري واشنطن) التي تم فصلها عن زوجها وبيعت للعمل في مزرعة كالفين كاندي (ليوناردو ديكابريو) الشاسعة في المسيسيبي .

ينتقل الشريكان أولاً إلى بلدة ترفض استقبال العبد في حانتها لكن كل شيء محسوب عند شولتز، فشريف البلدة كان مجرماً مطلوباً للعدالة من دون علم البلدة وحين يواجهه الشريف مهدداً إياه يقتله . يصل المارشال ويلخص له شولتز الوضع . ليس فقط أنه يقنع المارشال بأن الشريف كان يستحق أن يُقتل بل يطالبه بمئتي دولار كمكافأة .

المهمّة التي من أجلها أراد شولتز مساعدة دجانغو تنقضي والآن على الاثنين التوجّه إلى حيث سينقذ دجانغو زوجته من العبودية بعدما اكتشفا أنها بيعت لصاحب حقول قطن اسمه كالفن . حين وصولهما يعامل كالفين (ليوناردو دي كابريو) دجانغو بلطف لكنه لا يخفي للحظة كونه واحداً من العنصريين المتشبّثين بتجارة الرقيق وبتعريض عبيده للتعذيب (وأحياناً للقتل) إذا هم حاولوا الهرب .

وصول شولتز ودجانغو إلى ضيافة كالفين هو بداية فصل جديد من الفيلم يختلف عما سبقه في أن معظم ما يدور فيه هو داخلي . لكن إذا ما كان شولتز مال في تمثيله إلى براعة مظهرية، وجايمي فوكس بقي متجهّماً غير قادر على فتح بعد في شخصيّته، فإن سارق اللحظات جميعاً هو ليوناردو ديكابريو الذي يقدّم هنا دوراً متماسكاً تكره أن تحبّه بسببه لكنك تفعل . النهاية حمراء قانية والفيلم بأسره مصنوع للتماثل مع سينما الوسترن سباغتي الإيطالية التي لا يخفي المخرج كونتين تارانتينو إعجابه بها . على عكس “لينكولن” الذي تعامل أيضاً مع موضوع العبيد، “دجانغو طليقاً” هو فيلم خيالي يستند فقط إلى أرضية عامّة من الحقائق التاريخية، لكنه يتصرّف كما يحلو له بخياله وينتج عملاً متوسّط المسافة بين الجودة واللاأهمية .

أسماء في تاريخ الفن السابع

لوتي راينر

أول فيلم رسوم متحركة طويل هو “مغامرات الأمير أحمد” الذي حققته المخرجة الألمانية لوتي راينر سنة،1926 وعلى الرغم من أنها عاشت 82 سنة (توفيت سنة 1981) إلا أن التاريخ نسي ما أنجزته في مجال السينما الكرتونية من العام 1921 عندما بدأت الاشتغال على هذا النوع من الأفلام .

ولدت في برلين سنة 1899 وأحبّت فن السيلويت الصيني وسحرها الفرنسي جورج ميلييس بألعابه السينمائية . صنعت قبل “مغامرات الأمريك أحمد” نحو عشرة أفلام رسوم قصيرة وبذلك سبقت جهود وولت ديزني، لكنها سبقت أيضاً الاستوديو الأمريكي بفكرة نقل “الأنيماشن” من إطار السينما القصيرة إلى إطار السينما الروائية الطويلة .

أوراق ومشاهد

انتقام الطبيب

The Abominable

**** Dr Phibes (1971)

معظم ما يأتينا من أفلام رعب هذه الأيام، مسكون بمحاولات مباشرة وفظّة، لاختطاف شهقة خوف سريعة . المؤثرات مبالغ فيها، والتخويف معتمد على مشاهد، من كثرة تكرارها صارت لا تخيف قطّة، فما البال بمشاهد ألف كل تلك الحيل الواردة في هذه السينما .

لكن قبل عقود ليست بعيدة، كانت سينما الرعب لا زالت تثير الخوف، من دون اللجوء إلى المغالاة في اختيار الوحوش، أو المخلوقات أو الشخصيات التي تكتنز أسباب ذلك الخوف . و”د . فايبس المقيت” هو واحد منها بلا ريب .

هذا الفيلم كلاسيكي في نوعه، أنتجته شركة أمريكية مستقلّة، كانت نشطة في السبعينات، أسمها “أمريكان إنترناشنال بيكتشرز”، وأخرجه البريطاني روبرت فيوست، من بطولة ممثلين بريطانيين بجانب ممثل أمريكي واحد . هذا الممثل هو جوزف كوتن الذي ظهر في فيلم “المواطن كاين” لأورسن وَلز سنة 1941 وهو من أفضل كلاسيكيات السينما عموماً .

في “د . فايبس المقيت” يلعب كوتن دور واحد من الأطبّاء الذين سعوا لإنقاذ حياة زوجة طبيب آخر (هو فايبس) لكنهم أخفقوا . الزوج كان في سويسرا آنذاك، وحين سمع بخبر تعرض من يحب لعملية جراحية خطرة، سارع محاولاً العودة، لكن السيارة التي كان يقودها انقلبت واحترقت واعتقد أنه مات . لا نرى شيئاً من هذا كلّه، بل ما نراه ينطلق من د . فايبس (فنسنت برايس)، الذي لا زال حيّاً بقناع يستر التشويه الكبير الذي يحمله . د . فايبس حاقد على الجراحين والأطبّاء التسعة الذين أخفقوا في علاج زوجته، وهو، بعد سنوات من التخطيط الدقيق، أخذ ينفّذ انتقامه معتمداً على ما ورد في التوراة من ألوان العقاب (طوفان، جرذان، جراد، الخ)، منفّذاً اغتيالاً مختلفاً لكل شخصية .

خلال ذلك يحاول التحري تراوت (بيتر جفري) من سكوتلانديارد معرفة الجاني . وسوف يتمكّن منه في النهاية لكن ليس من بعد أن يغتال فايبس ثمانية أطبّاء، ويهدد حياة ابن الطبيب التاسع كوتن .

الفيلم بخامته الفنية، ينقلنا إلى مستوى غير متكرر من أفلام الرعب البريطانية في تلك الفترة . أما الحكاية فلا تبدو مختلفة في الجوهر عن فيلم لاحق، عنوانه “مسرح الدم” تم تحقيقه بعد عامين من هذا الفيلم . لعب فنسنت برايس بطولته، وفيه نراه ممثلاً أخفقه النقاد المسرحيون فغاب عن الأنظار لسنوات حتى إذا ما عاد أخذ ينتقم منهم بقتلهم واحداً تلو الآخر .

م .ر

Merci4404@earthlink.com

الخليج الإماراتية في

27/01/2013

 

سمر سامي.. علامة فارقة في الصورة السورية المعاصرة

سامر محمد إسماعيل 

تسجيلية نادرة تتمتع بها هذه المرأة في وجهها القريب بصياغته من صورة شمسية حميمة، صورة من ذاكرة جمعية سورية على امتداد عشرات الصور السينمائية، تطل سمر سامي كأحد أهم معالم الظاهرة البصرية المحلية، سواء في السينما أو في التلفزيون، إذ تكتسب بطلة فيلم الكومبارس سحراً خاصاً في الوجدان الشعوري العام، كامرأة أنموذج للنساء السوريات وللمرأة العربية عموماً، صوت مشبع بحساسية عالية في التقاط أقل ترددات الشخصية المؤداة، فيذوب الحاجز الأخير بين الممثل والدور، تذوب الأنا الخالقة في الشخصية المبتكَرة، لا كمحاكاة خالصة فحسب، بل كامتثال نهائيٍ للعب حتى آخر اللعب، وكترويضٍ مستمر لنرجسية تزدهر أمام الكاميرا نماذج من نساءٍ أخريات.

سمر سامي ليست علامة فارقة في الصورة السورية المعاصرة فحسب، بل هي أيقونتها التي لن تتكرر، ومع أن هذه المقالة تأتي في عزّ توهجها الفني، فإنني أجد من الضروري أن أبيّن مدى أهمية النمط الرمزي الذي تشكله هذه المرأة في بناء الوعي الفني  السوري المعاصر، ولاسيما في أواسط ونهاية ثمانينيات القرن الفائت، لنجد أن سامي لم تكن مجرد ممثلة بقدر ما كانت نصراً اجتماعياً على كل الأفلام الوثائقية التي حاولت ولا تزال أن تقدم المرأة السورية على أنها تترنح بين صورة تجارية بخسة سوغتها أفلام مصر الخاصة بشباك التذاكر،  وصورة يعلوها قشب البادية وشظف العيش في رؤية اسشراقية قدمت النساء في بلادنا على أنهن كائنات خرافية لنسوةٍ يسكن أطراف المدن، فلا يبارحن أماكنهن من أمام هودج العسف الذكوري الغاشم .

من هنا, ومع وجود الكثيرات على ساحة الفن السينمائي والتلفزيوني سيبدو وجه بطلة فيلم «الترحال» من أكثر الوجوه بسالةً في الدفاع عن حداثة مغايرة في ذهن الجمهور الجديد، فلم تعد الحكاية ومع صعود أسماء كبيرة في عالم السينما السورية بتقديم بطلة الملامح الجاهزة، بل في عكس قيم مدنية تجلت عبر عشرات الأعمال التي قدمتها سامي بصوت الرافض تماماً لأي كليشيه في الأداء، بل لأي أفكار مسبقة يكتنفها النص الرجعي عن امرأة الهودج التي أشرت إليها. ‏

‏هذا الخروج على المألوف وعتهُ الشابة الصغيرة من دون أن تخوض في شرحه أو التنظير عليه، ساندتها في ذلك رغبة حقيقية لدى كتّاب ومخرجين جدد في ملامسة سخونة الشيفرة الاجتماعية، المحافظة منها على وجه الخصوص، ليكون فيلم «الكومبارس» لنبيل المالح مقدمة هذه الملامسات، التي ماكانت لتظهر إلى الضوء لولا توافر خامة الشاعرية الأنثوية التي جسدتها هذه الفنانة بعيداً عن كل إرهاصات مجتمع ما زال وسيبقى يراوح في تآمره على المرأة كإنسان له حق في الحياة وجدير بها قبل كل شيء؟ هذا ما رفضه أنموذج سمر سامي في الشاشة الكبيرة قبل الشاشة الصغيرة، ولئن كنتُ أرى أن رفضه جاء صارخاً في المقترح السينمائي قولاً واحداً، وهذا أيضاً ما يسوغ ذلك الحنق اللطيف الذي يظهر في أداء هذه الفنانة الأصيلة خاصةً في الأدوار التلفزيونية، حيث ورغم الاشتغال على أدوار الدراما، فإنها تبقى أقل بكثير مما تطمح إليه سامي سواء على مستوى الكتابة، أو حتى على مستوى الممثل الشريك أمامها في اللقطة. ‏

لقد وفرت الفسحة السينمائية التي تراجعت للأسف منذ أكثر من عشر سنوات، وفرت لها انتصاراً ساحقاً على الصيغ الفنية الممجوجة، فباتت في الكومبارس نجمة عالمية بكل ما تعني الكلمة من معنى، ولا أبالغ إن قلت إننا حتى اليوم، ورغم وجود الكثيرات من أجيال سابقة وحديثة العهد لم توجد ممثلة سورية بجرأة سمر سامي لا أقصد جرأتها الاجتماعية فحسب، بل جرأتها الفنية، وقدرتها على محق كل الابتذالات التي ازدحمت وتزدحم بها الشاشة السينمائية والتلفزيونية، ومن هنا أيضاً لا أستغرب تجدد شباب هذه المرأة في كل دور تقدمه كما حدث في فيلم «مطر أيلول» مع عبد اللطيف عبد الحميد، معلنةً من جديد وبنزق خالص أنها لم ولن تقبل مقاييس التخلف المقنّع بأقاويل الحداثة، لن تقبل بصياغات المال الجاهل، أو تدخله في كتابتها الخاصة للشخصية، ولا هوادة مع هذا، بل لا هدنة مع كل محاولات تجميل البشاعة، أعني أن سامي الأنموذج المفتقد في نساء الدراما والسينما السورية التي نحب ما زالت على سابق عهدها، ولم تبدل تبديلا..بل سنراها في «ذكريات الزمن القادم» و «زمن العار» و»سحابة صيف» و»تخت شرقي» تجد ضالتها، تتماهى معها على طول السلسلة التلفزيونية، كما كانت في «هجرة القلوب إلى القلوب» و»الطبيبة» و «جريمة في الذاكرة» و «الفصول الأربعة» صاحبة الخيارات الصعبة، على الأقل بالنسبة لما تقدمه الكثيرات من تنويعات مستهلكة في الصوت والوجه، و الحركة، فالمرأة القادمة من حمص إلى استديوهات العاصمة السورية عرفت منذ البداية أن خياراً خاطئاً فقط سيكون كافياً للخروج نهائياً من المخيلة التي تطمح إليها، ولذلك لم تساوم على الجودة، كما لم تراهن على النجاح رغم إصابتها له باكراً، إنما أثبتت بطفولية آسرة ممزوجة بأنوثة راقية أنها قادرة على إيصال أقصى حالات الممثل مصداقيةً ونزاهةً في التعبير. ‏

هذه الموهبة العالية في وعي المراحل وتكوينها فنياً جاءت على الأغلب من فطرة وسليقة شخصية استثنائية في إدارة الموهبة، والدفاع عنها، حتى في مواجهة آباء فنيين لم يمتلكوا وعيهم بعد إزاء ما يقدمونه، أو حتى في فهم هؤلاء البائت عن النجومية وما شابه، فحيث لم تجاهر سمر بدورها الثقافي قبل الفني؛ استمات آخرون في تصديع رأس الجمهور بأحقيتهم وأهليتهم الفنية، وريادتهم في شرق الدنيا العربية وغربها، فيما ظلت هذه المرأة ذات الطعم الخاص في الصوت والوجه ولفتاته نائية عن كل هذه الخطرفة؛ مزدهرةً يوماً بعد يوم بحميمية تكوينات الشخصية وإبداعها على أكثر من مستوى، فسامي تدرك ضرورة الشغل على مستويات تقنية في فن التمثيل، مثلما تدرك جيداً إلحاح مشاعر الشخصية وتنغيمها من الداخل، وتعرف أكثر بكثير من بنات جيلها وغيرهن، أن التمثيل فن التفاصيل، فن برمجة الجوانيات ومعايشتها أيما معايشة، فبرأيي وهذا يعود أولاً وأخيراً لأمرين، أولهما أنها كانت و ستبقى ممثلة سينمائية خاصة، وثانيهما فقر النصوص المكتوبة وعجزها عن توفير مساحات صوتية وعاطفية وشعورية كالتي يمتلكها صوت ووجه وقلب سمر سامي.‏

samerismael@yahoo.com

تشرين السورية في

27/01/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)