حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

باحثون عن الحقيقة أم مدمنو شهرة؟!

كتب : طارق الشناوي

26 يناير 2013

 

عامان مرا على ثورات الربيع العربى يواكبهما عامان من الشك والملاحقات الأمنية للعديد من الفضائيات العربية التى لعبت ولاشك دورا فى التمهيد والمؤازرة التى يراها البعض الآن تلفيقا  ومؤامرة.

قبل ثورات الربيع كانت القنوات الفضائية أمامها خيار واحد هو أن تظل حبال الود ممدودة بينها والسلطة، بالتأكيد أغلب رجال الأعمال الذين سمح لهم النظام المصرى السابق بفضائية خاصة ارتبطوا بمصالح مع دائرة الحُكم وكان الهدف هو منحهم مساحة بعيداً عن الإعلام الرسمى المقيد  على أن  تظل  مشروطة بأن تصب فى صالح بقاء السلطة، كانوا فقط يريدون منح الشعب فُرصة لتنفيس الغضب بعيدا عن رأس النظام وأتقنت أغلب الفضائيات الخاصة شروط اللعبة، أما مكاتب الفضائيات العربية التى تبث إرسالها من القاهرة فكثيراً ما تعرضت للإغلاق لو أنها تجاوزت المسموح.

مع بدايات الثورة رأينا هامشا يتسع من الحرية لم تستطع الأنظمة التى كانت تدافع عن بقائها أن تتصدى لها حتى الفضائيات الخاصة والتى كانت قبل 52 يناير تتلقى تعليمات مباشرة  من وزير الإعلام أمسكت العصا من المنتصف عين الثورة  التى كانت تتأجج وعين السلطة التى كانت تتهاوى، وبقيت خارج السرب القنوات العربية، وفى عز الثورة وضعت النظم أمامها هدفا أساسيا وهو إسقاط العديد منها مثل قناة الجزيرة.. لقد صَدر الإعلام الرسمى المصرى فى بداية الثورة أن ما يجرى مجرد محاولة من قناة الجزيرة القطرية لزعزعة الاستقرار فى مصر. وضعت الدولة يدها بقسوة لكى تخنق القناة ألغت ترددها على القمر الصناعى.. وفوجئ المسئولون بأن المعتصمين فى التحرير يضعون شاشات كبيرة فى الميدان ويضبطون التردد الجديد للقناة وصارت كل القنوات العربية مثل العربية والحرة والإم بى سى وغيرها تتعرض للكثير من المضايقات وصلت إلى إرسال البلطجية لاقتحام مكاتبها وتهديد مذيعيها.

بعد نجاح الثورة المصرية  تفجرت الليبية ورأينا معمر القذافى يوجه للفضائيات أفظع الألفاظ وبالطبع فإن ليبيا تبدو بعيدة تماماً عن هذا الزخم الفضائى فلا توجد حرية تسمح لأى قناة بالتصوير سوى للتليفزيون الرسمى، ورغم ذلك فإن الموبايل صار هو السلاح الذى لم يستطع الطغاة السيطرة عليه وانطلقت تلك الصور إلى النت ومنها إلى الفضائيات وتكرر الأمر ولا يزال فى سوريا فلم يعد هناك ما يمكن أن نعتبره مستحيلا.

بعد إزاحة مبارك وجدنا قنوات عديدة صنفت باعتبارها من الفلول لأنها تنتقد وتسخر من الرئيس  ورأينا على المقابل  قنوات أخرى إخوانية وسلفية ترفع شعار «بالروح بالدم نفديك يامرسى»، وأصبح السؤال هل هذه الفضائيات حمل وديع أم أنها ذئب شرس؟

القنوات الفضائية كانت هى المتهم الأول فى إحداث البلبة فى الشارع  أثناء الثورة  ولا تزال، والثورة تحتفل بعيدها الثانى هى المتهمة بإثارة الفتن وترويج الشائعات، هل هم باحثون عن الحقيقة أم باحثون عن الشهرة؟!

يجب أن تعترف كل الأنظمة بأن الدنيا قبل الفضائيات لم تعد هى الدنيا بعدها ورغم ذلك فإن الثورات لم تشعلها تلك القنوات ولكن حركها الظلم الذى عاناه الشعوب، كانت الفضائيات شاهد عيان لكى يرى الناس الحقيقة ويشعروا أنه من الممكن للشعوب أن تدافع عن كرامتها وتنتزع حريتها، شاهد المصريون بن على يقول للشعب التونسى «الآن فهمتكم» ثم يسافر إلى السعودية فقرروا أن يتمسكوا برحيل حسنى مبارك ورددوا الشعار التونسى «الشعب يريد إسقاط الرئيس» الذى أصبح فى ليبيا «الشعب يريد إسقاط العقيد»، نجحت الثورات لأن الشعوب أرادت الحياة بينما الفضائيات التى كانت متهمة من السلطات التى أطيح بها بإشعال الثورة صارت الآن المتهم رقم واحد من قبل السلطات المنتخبة بإجهاض الثورة!! 

 

الفنان المصرى هل يرفض التكريم من حكومة الإخوان؟

كتب : طارق الشناوي

12 يناير 2013

الرسام الفرنسى جاك تاردى رفض الحصول على وسام الشرف من الحكومة الفرنسية. قال إنه يقف بعيداً عن الدولة ولا يعنيه الحصول على تكريمات من الحكام.

أتصور أن هذا الأمر سينتهى سريعاً وبدون أن يتعرض الفنان لسؤال لتوضيح الأسباب ولن يعتبره أحد قد اتخذ موقفاً ثورياً ضد النظام الفرنسى، فإذا كان الفنان الأوروبى لم يشعر أن الجائزة التى تمنحها الدولة مبرأة تماماً من الغرض والهوى وأنها ربما تحمل شيئا من القيد على حريته فما هو حال جوائزنا العربية.؟

الحقيقة أن الفنان والمثقف فى عالمنا العربى قبل منحه وساما ينبغى أن يخضع أولا لكشف هيئة وعلى الدولة أن تتأكد من إخلاصه وولائه للحاكم قبل أن توجه إليه الشكر على عطائه الإبداعى. التكريمات هى الجزرة التى تمنحها للفنانين الذين ترضى عنهم وتعتبرهم من أسلحتها الناعمة. وهى على الجانب الآخر لا تتورع عن استخدام العصا ضد من يخرج عن الصف.

مثلاً عندما أرادت الدولة المصرية قبل عشرين عاما توجيه لوم للفنان نور الشريف لأنه قدم فيلما عن حياة فنان الكاريكاتير الفلسطينى الراحل ناجى العلى الذى كان ينتقد أنور السادات، لعبت مؤسسة صحفية قومية كبرى وهى دار أخبار اليوم دور العصا ووضعت اسمه لعدة سنوات فى القائمة السوداء حيث تمتنع عن ذكر اسمه فى كل مطبوعاتها بل وامتد الأمر إلى بوسى لأنها كانت زوجته فى تلك السنوات.

يوسف شاهين وكان واحداً من الأصوات المعارضة فقررت الدولة تحجيم ثورته، ووجدوا أن اقتران اسمه بجائزة تحمل اسم مبارك يحقق ذلك الهدف وكانت قيمتها 400 ألف جنيه مصرى، وقرر يوسف على سبيل المراوغة أن يقبلها ويضعها وديعة يمنح من أرباحها سنويا مكافأة للأوائل فى معهد السينما المصرى ورحل يوسف شاهين قبل ثورة 52 يناير بعامين ونسى الناس أنه حصل على جائزة تحمل اسم الرئيس المخلوع وتذكروا فقط أن له جائزة تحمل اسم يوسف شاهين توجه للمتفوقين فى معهد السينما.

أما الأديب الذى حقق نجاحا لافتا فى مراوغة الدولة فهو صنع الله إبراهيم الذى وافق عام 3002 على جائزة الرواية وبعد أن تأكدت الأجهزة من الموافقة وأخذوا يهنئون أنفسهم بأنهم قد ضمنوا دخوله إلى حظيرة المثقفين التى كان يرعاها وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى ما كان من الأديب الكبير سوى أنه باغتهم بضربة على الملأ وبعد إعلان اسمه قال إنه لا يشرفه أن يحصل على تكريم من نظام فاسد. ووقتها قرروا منع الماء وإطفاء النور عن كل أعماله.

ومن مظاهر سيطرة الدولة طريقة اختيار الأدباء والفنانين لمقابلة الرئيس، ولهذا قبل ثلاثة أشهر من تنحى مبارك كان قد التقى عدداً منهم وروعى أن يكونوا فقط ممن يؤيدونه. كان عادل إمام هو النجم الوحيد الذى اعتذر ليس لموقف وطنى، فهو كان أحد دعائم النظام السابق ولكن لأنه بعد أن التقى مبارك على مدى تجاوز ساعتين مع طلعت زكريا قبل إعلان لقائه بالفنانين ووجد أنه سيلتقى به بين عدد من النجوم فاعتذر لإحساسه أنه يستحق لقاء خاصا إلا أنه حرص يومها على التأكيد بأن السبب هو إصابته بإسهال حاد لتناوله جبنة بالشطة. وعندما تلقى عادل إمام قبل خمسة أشهر الدعوة للقاء الرئيس محمد مرسى مع وفد الفنانين حرص على الذهاب  مبكرا وامتنع بالطبع عن تناول الجبنة وبالشطة وكانت الرسالة واضحة وهى أنه لا يريد إثارة غضب التيار الإخوانى خاصة أن عادل هو أكثر نجم مصرى انتقدهم فى العهد السابق ولا أستبعد لو انحاز إليهم عادل إمام فى أعماله وتصريحاته القادمة أن يمنحوه أوسمة!!.

 

أفلام واجهت سطوة النجوم فى 2012!

كتب : طارق الشناوي

5 يناير 2013

لم يعد أمام السينما المصرية للتواجد بالمهرجانات سوى تلك التى نُطلق عليها السينما المستقلة وهو تعبير فى حقيقة الأمر لا تستطيع أن تجد له توصيفا جامعا مانعا ينطبق على كل الأفلام التى ترفع راية الاستقلال عالية خفاقة.

فى كل الأحوال لن أضيع وقت القراء فى البحث عن تعريف ولكنى أبدأ معكم من آخر فيلم مستقل شارك فى مهرجان «وهران» واقتنص جائزة الوهر كأفضل فيلم وهو «الخروج للنهار» الذى سبق له أن شارك فى أبوظبى وحصل على جائزتى أفضل فيلم عربى من لجنة تحكيم النقاد وأفضل مخرجة عربية ثم فى قرطاج حصل على البرونزية. وقبل أسبوعين كانت نادين خان قد حصلت على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان دبى عن «هرج ومرج» وبين أبوظبى ودبى كان فيلم «عشم» للمخرجة ماجى مورجان قد مثل السينما المصرية فى مهرجان الدوحة ترايبكا.

هل هذه هى فقط السينما التى من الممكن أن نجدها بالمهرجانات السينمائية بعد أن صارت السينما التجارية التقليدية خارج نطاق الخدمة؟ ولكن السينما تُصنع من أجل الجمهور فأين هذه السينما من الجمهور.. الحقيقة هى أن أغلب التجارب التى أتيح لها العرض الجماهيرى فى مصر خاصمها الجمهور بقدر ما صالحتها بالجوائز العديد من المهرجانات.

مهرجان القاهرة افتتح بفيلم «الشتا إللى فات» للمخرج إبراهيم البطوط وبطولة عمرو واكد   وشارك الفيلم فى أكثر من مهرجان عالمى وعربى، ويعتبر البطوط هو رائد السينما المستقلة فى مصر. إنها سينما محدودة التكاليف هذه الأفلام لم نعرفها إلا فقط قبل 5 سنوات وكانت البداية مع المخرج إبراهيم البطوط بفيلمه «إيثاكى».. أغلب هذه الأفلام تصور بكاميرا «ديجيتال» بغرض التوفير وأيضاً لأنها لا تعتمد على نجوم الشباك بل تتم الاستعانة غالباً بوجوه جديدة بعضها يقف لأول مرة أمام الكاميرا ولهذا تعبر هذه الأفلام عن أفكار وومضات مخرجيها وليس شطحات نجومها، وفى العادة هناك درجة ملحوظة من التلقائية يمارسها المشاركون فى هذه الأفلام تتيح لهم ارتجال أجزاء كبيرة من الحوار.. المخرج يقدم أفكاره بدون خوف من اعتراض نجم الفيلم.

عُرض جماهيرياً قبل ثلاثة أعوام فيلما «عين شمس» لإبراهيم بطوط وهليوبوليس لأحمد عبدالله ولم يحققا إيرادات.. وعرض يوم 25 يناير 2011 فى لحظة اندلاع الثورة المصرية فيلم «ميكرفون» ولكن الجمهور من الشباب كان قد ذهب للمشاركة فى الثورة ولم يحقق الفيلم بالطبع أى نجاح تجارى.

ويبقى أنه فى عز الأزمة التى تعيشها ولا تزال السينما المصرية كان ينبغى أن يبرق ضوء أبيض أراه دائماً فى تلك التجارب التى تخرج عن النمط الإنتاجى السائد.. تحاول أن تعثر على بديل لا يفرض شروطاً على صانع العمل الفنى.. السينما المصرية هى ابنة السوق الذى يفرض على المخرجين الانسحاق أمام النجوم لا أتحدث بالضرورة عن النجم عندما ينتج ولكن كل النجوم Super Star يقدمون أفلامهم وليست أفلام المخرجين فهم الذين يتحكمون فى كل التفاصيل.. كان جيل الثمانينيات مثل «خان»، «داود»، «الطيب»، «بشارة» لديه أحلام أخرى ساعده على تحقيقها أن هناك بطلاً مثل «أحمد زكى» مثلما أضافوا له ألقاً ووهجاً أضاف هو لهم وكان أيضاً من بين النجوم «نور الشريف» برغم أنه بدأ مشواره فى نهاية الستينيات لكنه توافق مع أحلام جيل الثمانينيات فلقد كان «أحمد» و«نور» نجمين ملتزمين بأفكار هؤلاء المخرجين وبنسبة كبيرة كانا حريصين على الذوبان الفنى فى تلك الأحلام السينمائية التى تعبر عن مخرجيها.. أما هذا الجيل من المخرجين فكيف يحقق أحلامه وأمامنا النجوم الجدد يسيطرون على مفردات الفيلم السينمائى؟ السينما المصرية التى عانت كثيراً فى السنوات الأخيرة من سيطرة شطحات النجوم الذين كانت تصنع لهم ومن أجلهم الأفلام تشهد بارقة أمل جديدة فى تلك الأفلام التى تنحاز إلى أفكار وومضات مخرجيها سواء أطلقت عليها سينما مستقلة أو مختلفة أو أى تسمية أخرى فإنها فى النهاية سينما قادرة على المنافسة.. ويبقى أن على صُناع هذه الأفلام كما صالحوا المهرجانات أن يصالحوا _ على أفلامهم _ الجمهور!!

 

العذاب ليس دائما امرأة.. الإبداع أيضا!

كتب : طارق الشناوي

22 ديسمبر 2012

أستطيع أن أرى حضور المرأة بقوة فى مهرجان دبى فى الفعاليات وأيضا فى الجوائز التى تم إعلانها مساء الأحد الماضى، حيث وصل نصيب المرأة من الجوائز 70٪.. هل صار الإبداع يساوى امرأة بعد أن نعتها فيلم مصرى قديم بأقسى الصفات عنوانه «العذاب امرأة»؟!.

من بين عشرات الأفلام التى شاهدتها فى مهرجان «دبى» أتوقف مع فيلمين حمل كل منهما جرأة فى التناول، الأول روائى سعودى «واجدة» للمخرجة «هيفاء المنصور»، والثانى تسجيلى طويل «صرخة» للمخرجة اليمنية «خديجة السلامى».

نلتقط الخيط أولا مع «خديجة» التى أمسكت بسلاح الكاميرا وتابعت الثورة اليمنية، الحقيقة أن تعبير «تابعت» ليس دقيقا، الصحيح أن نقول أنها صارت جزءا من تلك الثورة التى لم تكن فقط تدعو لتحرير اليمن من طغيان «على عبد الله صالح»، ولكن لتحرير الإنسان أولاً من الأفكار البالية التى جسمت على عقله وقلبه.

فى الميدان كانت المرأة اليمنية حاضرة ليست باعتبارها امرأة، ولكن إنسان يريد أن يسترد اليمن حقوقه، وأن يحظى بمكانته كدولة شاركت فى صنع تاريخ وحضارة البشرية.

عرفت اليمن فى تاريخها الملكة بلقيس، ولكن هناك من أراد لهذا البلد أن يقهر نساءه، ولهذا عندما فوجئ «عبد الله صالح» بضربات مباغتة من المرأة اليمنية لعب بورقة الفضيلة والشرف، وأراد أن يستميل المجتمع المحافظ إلى جانبه بالهجوم على المرأة التى غادرت بيتها إلى الشارع، ووجد أن الصفعة ترد له بقوة، حيث واصلت المرأة تواجدها فى الشارع تطالب بسقوطه، فاضطر للتراجع والاعتذار.

الفيلم يتوازى فى دفاعه عن حق المرأة وحق الإنسان اليمنى، كما أن الفيلم يجرى حواراً مع السيدة «توكل كرمان» الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، ويشير إلى أن المرأة اليمنية حملت السلاح بالفكر والقلم، والأهم هو أن المجتمع اليمنى لم يعد يستشعر أى حرج فى أن يرى فى الخيمة المجاورة له امرأة تبات مثله فى ميدان الثورة تطالب بحياة أفضل لليمنيين، ولا يندهش عندما يطل بوجهه فى المقهى فيلمحها على المائدة المجاورة تطلب واحد قهوة سكر خفيف.

التحرر الاجتماعى هو وجه آخر للثورة، وهو بالتحديد ما رصدته بألق كاميرا «خديجة السلامى».. نعم لا تزال ثورات الربيع العربى التى أطاحت برؤوس الأنظمة تواجه الكثير من الصعاب فى تونس ومصر واليمن وليبيا.. الثورة لا تنتهى برحيل النظام، ولكنها تبدأ بتحرير المجتمع، ولا يمكن أن نتحدث عن الحرية ولدينا نساء يعتبر البعض أن صوتهن عورة وهذا هو تحديدا ما رصدته خديجة.

وجاءت من المملكة العربية السعودية «هيفاء المنصور» لتضع السينما فى المملكة على الطريق الصحيح، شاهدت قبل سنوات بالطبع أكثر من فيلم سعودى روائى طويل، ولكن هذه المرة نحن نتابع شريطا سينمائيا يملك مقومات إبداعية.. مخرجة تمتلك أدواتها وتنتقل بالفيلم من مهرجان فينسيا إلى دبى، وتناقش قضية حرية المرأة البطولة على الشاشة لصبية تحلم بامتلاك دراجة بينما المجتمع يحرم عليها هذا الحق.

لم يكن الهدف أن نرى الطفلة فى المشهد الأخير تنطلق فى الشارع وابتسامة الانتصار تعلو وجهها، بعد أن امتلكت ما تريده، ولكن نجحت المخرجة فى أن تثير فكر المشاهد بالتأمل، وأن تدعوه أيضاً للانحياز إلى حرية المرأة وكأنه ينطلق أيضا فى دراجة.

فيلمان بأيد سعودية ويمنية أثبتا أن المرأة ليست عذابا، بل من الممكن هذه المرة أن نقول بكل اطمئنان إن الجرأة والإقدام.. والإبداع أيضا امرأة.

 

مهرجان «دبى» و«بوليوود»: فى الهند لا يأكلون الآلهة!!

كتب : طارق الشناوي

15 ديسمبر 2012

فاكهة المهرجانات هى السينما الهندية..لهذه السينما سحرها الخاص وأيضاً سرها الخاص، إنها تركيبة تبدو للوهلة الأولى بسيطة ومباشرة حيث تلعب على التناقضات بين الدموع والابتسامات، الحب والحقد، الغنى الفاحش والفقر المدقع!!

فى مهرجان دبى كانت هناك احتفالية بهذه السينما التى بلغت مائة عام وأيضا عيد ميلاد شاعر الهند وروحها طاغور الذى يحتفل بمضى 150 سنة على ميلاده حالة العشق التى نراها فى العالم لتلك السينما انطلقت من عشق مجنون للسينما فى الهند حتى أنهم يطلقون على النجوم الهنود لقب آلهة بل يحجون إليهم، مثلاً «أميتاب باتشان»، فى كل يوم أحد يهرع إليه الآلاف من المعجبين وذلك على مدى تجاوز 25 عاماً وهم يحرصون على هذا الطقس، بالتأكيد فإن نجومية «باتشان» قد تأثرت مع مرور الزمن بعد أن صعد نجوم شباب صار لديهم حضورهم ومساحتهم لدى الجمهور إلا أن «باتشان» لا يزال له فى قلوب الجمهور الهندى مكانة خاصة.. أتذكر أن إذاعة «بى بى سى» البريطانية أرادت فى مطلع الألفية الثالثة أن تختار نجم القرن العشرين بين كل نجوم العالم وبينما انقسم الأمريكيون والأوربيون فى اختيار نجم القرن فإن الهنود جميعاً تجمعوا حول اختيار «باتشان» فنان القرن العشرين على مستوى العالم وهكذا تم تتويجه نجماً للقرن العشرين متجاوزاً فى عدد الأصوات نجوماً عالميين بحجم «شارلى شابلن» و«أورسون ويلز» و«جريجورى بيك» و«جاك نيكلسون» وغيرهم من أساطير فن الأداء فى العالم أجمع الذين لمعوا منذ ميلاد السينما فى العالم وحتى عام 2000 كان تعقيب «باتشان» وقتها أن الهنود هم السبب فى تلك المكانة التى حظى بها ولم يقل مثلاً إنه الأهم والأروع مستعيناً بالأرقام التى حققها استفتاء الإذاعة البريطانية، وكان «باتشان» واثقاً أن النجاح الذى حظى به هو ما يستحقه ولكن من خلال الجمهور الهندى.. لا شك أن «باتشان» له أيضاً جمهوره فى العالم كله إلا أن الهنود يشكلون القسط الأكبر، وأتذكر بهذه المناسبة تلك المظاهرات التى كانت تصحبه فى مهرجان القاهرة منذ هبوطه إلى المطار ولكن يظل أن الهند حالة أخرى.. السينما فى «بوليوود» وتلك الكلمة مستوحاة من «بومباى» وبالطبع فإنه يتم نطقها فى العالم كله على طريقة هوليود، بومباى فى الهند كمدينة مثل هوليود فى أمريكا فهى مصنع الأحلام فى العالم بينما تنتج الهند فى العام الواحد ثلاثة أضعاف ما تنتجه أمريكا فى العام حيث يتجاوز الرقم ألف فيلم.. تستطيع أن ترى فى تلك السينما حالة الموسيقى الصاخبة والرقص والإيقاع والنساء الجميلات والقصص الميلودرامية.. الفيلم الهندى أتحدث بالطبع عن الوجه المألوف لنا وفى العالم كله يحيل خيال الناس إلى واقع يعيشونه أو يأملون أن يعيشوه هم يصدقون المبالغات لأنها تحيل هزائمهم فى الحياة إلى انتصارات.. الميلودراما من الناحية العلمية تعنى مزجا بين الموسيقى والدراما وتعيش دائماً هذا التوافق فى الفيلم الهندى وتعيش أيضاً تلك المبالغات لأن الحياة نفسها لا تخلو من المبالغة.. فى الهند تجد الفقراء يمثلون واحدة من أكبر الشرائح فى العالم وتجد أيضاً أن الأثرياء يمثلون شريحة من أكثر النسب فى العالم إنها بلد التناقضات.. الهند بلد التسامح الدينى الأغلبية الهندوسية لا تقهر الأقلية المسلمة التى تصل إلى 12٪ من عدد السكان.. الناس تختار نجومها بعيداً عن الديانة ورئيس الهند مسلم برغم أن الرئيس فى النظام الهندى ليست له صلاحيات حيث إن رئيس الوزراء هو الحاكم للبلاد!!

والحقيقة هى أن تلك البساطة التى تعبر عنها المشاعر المباشرة للشعب الهندى فى علاقته بالسينما حيث إنه يحيل النجوم إلى آلهة هى بالتحديد تعبر عن هذا الإحساس الذى كان العربى القديم قبل الأديان يشعر به حيث إنه كان يبحث عن الآلهة ويقوم بصناعتها من التمر وعندما يستبد به الجوع لا يجد أمامه سوى أن يلتهم تلك الآلهة غير آسف عليها ومع مرور الزمن يخلق آلهة جديدة.. كل النجوم فى العالم هم بشكل أو بآخر ترديد لتلك العلاقة إنهم يخلقونهم ثم يعبدونهم وبعد ذلك يلتهمونهم ويبحثون عن آلهة جديدة لتتكرر نفس التجربة!!

أما فى الهند فيبدو أن الأمر مختلف، الأساطير تظل أساطير.. نعم تولد أساطير حديثة لأن لكل عصر مفرداته ونجومه ولكن الشعب الهندى على عكس كل الجماهير فى العالم لا يأكل نجومه!!

 

إيليا وعبداللطيف.. والموهوب عندما يبيع نفسه للسلطة!

كتب : طارق الشناوي

1 ديسمبر 2012

قبل أكثر من عشر سنوات منحت الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون للمخرج إيليا كازان جائزة أوسكار إنجاز العمر تكريما لتاريخه الفنى المرصع بعشرات من الأفلام المهمة ولكن الذى حدث هو أن القاعة فى هوليوود التى شهدت هذا العرس شهدت أيضا تصفيقا مشوبا بالاستهجان، لم ينس له الفنانون أنه كان فى الخمسينيات من القرن الماضى واحدا من عيون النظام التى تشى بالزملاء موجها لهم الاتهام بالشيوعية الذى كان يعد أثناء الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى  - روسيا الآن - اتهاما يصل إلى حدود الخيانة العظمى.

فى كل الأزمنة تحاول السلطة أن تبحث عن الموهوبين ليتحولوا إلى أذرع لها، ومن الممكن أن تجد مثلا فى المخرج السورى الموهوب عبداللطيف عبدالحميد شيئا من ذلك، هو لم يكن يوما عينا على زملائه، ولكنه كان فى السنوات الخمس عشرة الأخيرة هو المخرج السورى الأقرب للنظام وتم إبعاد فيلمه «العاشق» مؤخرا من جداول مهرجانى القاهرة ودبى بعد أن رشح فى البداية للمشاركة فى المهرجانين.

لم يكن الأمر متعلقا بمستوى الفيلم الذى لم أشاهده بالمناسبة حتى الآن، وربما كان مستواه الفنى كما قال بعض الزملاء لا غبار عليه، ولكن الأمر كان متعلقا هذه المرة بموقف سياسى موجه ضد مؤسسة السينما السورية التى أنتجت الفيلم وهى ذراع بشار الأسد فى السيطرة على السينمائيين.

أنا أرى أن إبعاد الفيلم موجها ليس إلى المخرج ولا حتى مؤسسة الإنتاج، ولكن إلى بشار الأسد الذى لا يزال يمتلك فى يديه أسلحة يوجهها إلى صدور شعبه الثائر مستندا إلى دعم من عدد من الدول ترى أن فى بقائه قوة ونفوذا لها فى المنطقة مثل إيران كما أن الصين وروسيا تعتبره حليفا لها، بشار لن يستسلم بسهولة وأمامه شبح يلوح وهو مصير القذافى.

بشار يعلم أن الحرب ليست ذخيرة فقط يطلقها عبر فوهات مدافعه ولا هى صواريخ مدمرة تدك بيوت الشعب السورى الثائر، ولكنه لديه ذخيرة ناعمة يطلقها عبر «الميديا» وهكذا وجدنا محطات فضائية تمولها أجهزة المخابرات ومسلسلات تقف وراءها أجهزة أمنية ليس مهماً أن تقول رأياً مؤيداً لبشار فى البرنامج أو المسلسل، ولكن المطلوب هو أن تصدر للرأى العام أن سوريا تعيش حياة عادية لا ثورة ولا شهداء ولا دماء زكية تراق على الأرض.

آخر الأسلحة التى يشهرها بشار هى الأفلام السينمائية وهكذا حاول أن يخترق عدداً من المهرجانات لا أتصورها صدفة أن يرسل فى نفس الوقت فيلم «العاشق» إنتاج مؤسسة السينما السورية إلى كل من مهرجانى القاهرة ودبى وأن تزداد الجرعة المرسلة إلى مهرجان دبى بفيلمى «مريم» و«صديقى الأخير» من إنتاج شركات خاصة مؤيدة للنظام بحجة أن هذه السينما وأن الثقافة تعلو على السياسة، برغم أن الأمر منذ اندلاع ثورات الربيع أسقط تماماً هذا الخط الفاصل بين الثقافى والسياسى. مهرجان القاهرة كان منوطاً به أن يدرك ذلك من الوهلة الأولى، ولكنهم صمتوا لولا أن البعض أشار وبينهم كاتب هذه السطور إلى أن فيلم «العاشق» إنتاج «المؤسسة العامة للسينما» التى تُنزل أشد عقاب بأى فنان يقف فى صف الجماهير أو حتى يُمسك العصا من المنتصف. المخرج عبداللطيف عبدالحميد واحد من أفضل مخرجى سوريا هذه حقيقة، ولكنه فى نفس الوقت هو الأقرب للنظام.

المهرجانات فى العالم كله ضبطت إيقاعها على موجات ثورات الربيع العربى ولعبتها سياسة «كان» و«برلين» و«فينسيا» عرضت الأفلام التى تنحاز للثورة فى مصر وتونس وليبيا وسورية ولم تسمح بأى فيلم يقف محايدا، فلا يمكن لأحد الآن أن يقف على نفس المسافة بين القاتل والقتيل.

تابعت حالة «الشحتفة» التى انتابت عدداً من الزملاء وهم يعلنون غضبهم لاستبعاد «العاشق» فى اللحظات الأخيرة من فعاليات مهرجان القاهرة رغم أنها عودة للوعى المفقود. لاشك أن مهرجانى القاهرة ودبى برفضهما تلك الأفلام وجها ضربات موجعة لبشار وفى نفس الوقت بعثا رسالة للثوار تقول نحن معكم ؟!

عندما أتذكر المخرج عبداللطيف عبدالحميد وهو يتلقى خبر استبعاد فيلمه من القاهرة ودبى أستعيد موقف إيليا كازان فى الأوسكار وهو يتلقى التصفيق لإنجازه الفنى والاستهجان لأنه كان صوتا للنظام!

 

ماجى وتهانى وحنان.. وجوه مضيئة فى «الدوحة ترايبكا»!

كتب : طارق الشناوي

24 نوفمبر 2012

ثلاث مخرجات مثلن السينما المصرية فى مهرجان «الدوحة ترايبكا» بطبعته الرابعة وهن ماجى مورجان فى مسابقة الفيلم الروائى بـ«عشم»، أما فى مسابقة الفيلم التسجيلى الطويل كل من تهانى راشد «نفس طويل» وحنان عبدالله  «ضل راجل».

صدفة ربما ولكن المؤكد أنها تعبر عن حقيقة وهى أن المخرجات فى السينما المصرية صرن هن الوجه المضىء لها فى المهرجانات السينمائية.

قبل الدوحة بأقل من شهر شاركت هالة لطفى فى مهرجان أبوظبى بفيلم  «الخروج للنهار» وفى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر تمثل مصر فى مهرجان «دبى» نادين خان بفيلم «هرج ومرج» برغم أن الأفلام الثلاثة بها مساحة درامية كبيرة للنساء إلا أننى لا أعتبر أن هذه الأفلام تقع تحت طائلة ما يطلق عليه البعض سينما المرأة فأنا لا أرى فى الإبداع رجلا وامرأة، ولكن هناك فنا له سحر وألق وآخر به ادعاء وزيف.

سبق أن تناولت فيلم هالة لطفى، أما نادين خان فدعونا ننتظرها فى الشهر القادم عند عرض فيلمها فى دبى وتبقى لنا هذه المرة ماجى مورجان و«عشم» فى الدوحة ترايبكا.

عشم فى الثقافة الشعبية المصرية تحمل تناقضين العشم فى معناه الإيجابى هو طاقة أمل وأمنية تبدو بعيدة المنال، لكنها ممكنة التحقق وقد يصبح العشم فى لحظات تعبير ممزوج بالمرارة عن خيبة الأمل.

فى بناء فنى تتعدد لمحاته نتابع حياة ستة أزواج - بعضهم فى طريقهم للزواج - الفيلم ينتقل من حكاية إلى أخرى وننتقل أيضاً معه من حالة إلى أخرى. فى اللقطات الأولى لا تستطيع أن تدرك قانون الفيلم فلا توجد خطوط تواصل بين الأبطال مثل فيلم «سهر الليالى» مثلاً لهانى خليفة الذى كان يجمع أبطاله المتعددين بخيط واحد وهو الصداقة، ولكننا هذه المرة أمام لمحات وحالات مختلفة تكشف طبيعة المجتمع، وفى رؤية بانورامية تُطل على مصر بالعديد من طوائفها.

الفيلم قائم على تلقائية الحوار وهو ما تجده مثلاً فى أفلام المخرج إبراهيم بطوط، ولكن هناك نسبة ما من الانضباط فى فيلم ماجى مورجان، حيث يسبق فى العادة التصوير بروفات ليولد الحوار تلقائياً لأن كل شخصية لها محددات وملامح ينبغى أن يعبر عنها الحوار، الأمر هنا ليس رهناً فقط بالديمقراطية التى تمنحها المخرجة لأبطال الفيلم، ولكن ينبغى أن يلتزم الممثلون بقواعد الحوار الدرامى. هناك فارق بين التلقائية والعشوائية نحن نتابع شريطا سينمائيا تلقائيا يرفض تماما منهج العشوائية.

ماجى كانت تختار الزاوية التى تحدد الرؤية والمعنى الذى تقتنصه لتصنع فيلمها كان المونتاج هو أحد عناصر إبداع هذا الفيلم حتى يُمسك بالقوام والبناء وهو ما تولاه أحمد عبد الله.

هناك أسماء لممثلين خاصموا تماما قواعد التمثيل بمعناه الحرفى وحافظوا على تلقائيتهم مثل نجلاء يونس وسلمى سالم وسيف الأسوانى وأمينة خليل وشادى حبشى ومنى الخولى ومحمود اللوزى وسهام عبدالسلام ومروة ومحمد خان الذى كشف بعد أن احتفل قبل أسبوعين بعيد ميلاده السبعين عن طاقة تمثيلية مخبوءة.

الغريب أن السينما المصرية دونا عن كل صناعات السينما فى العالم بدأت بالمرأة، عزيزة أمير قدمت أول فيلم روائى «ليلى» وبعدها أطلقت شارة البدء لتك الصناعة وعرفت السينما المصرية العديد من النساء الرئدات اللائى كن أكثر جرأة فى اقتحام المجهول مثل أمينة محمد وبهيجة حافظ وآسيا وفاطمة رشدى ومارى كوينى، ولهذا فليس غريبا أن تعود المرأة مرة أخرى فى عز أزمة السينما المصرية لكى تعلن عن تواجدها وبقوة وألق من مهرجان إلى مهرجان، قد تكون صدفة، ولكنها تعبر عن حقيقة وهى أن النساء فى السينما المصرية قادمات قادمات! 

 

الشيعة والسنة وعبده موتة

كتب : طارق الشناوي

10 نوفمبر 2012

الأرقام الاستثنائية التى حققها فيلم «عبده موتة» بطولة محمد رمضان تستحق أن نتناولها بالتحليل، فلقد تفوق حتى على إيرادات الأفلام التى لعب بطولتها فى السنوات الماضية كبار نجوم الشباك فى السينما المصرية مثل حلمى والسقا وكريم وعز.. الفيلم ردىء فنياً ولكن هناك أفلاماً أخرى أكثر رداءة عرضت بجواره فى عيد الأضحى ولم تحقق شيئاً.

حدث انفلات فى عدد من دور العرض حيث تماهى البعض مع البطل واقتحموا السينما وهم يحملون مطاوى وبعضهم بعد أن نفدت التذاكر وأغلقت السينما أبوابها قاموا برشق الدار بالحجارة، العنف الذى مارسه بطل الفيلم انتقل من الشاشة إلى الجمهور وقرر بعضهم أن يصبحوا عبده موتة ويفرضوا قانونهم الخاص.

الأمر يستحق بالفعل أن نعثر على خطوط التواصل بين ما هو نفسى واجتماعى وثقافى فى هذا الفيلم إلا أنه قبل نحو أسبوع تغير المؤشر وتبدلت زاوية الرؤية التى نطل من خلالها وصار الأمر متعلقاً بالدين وذلك بعد أن أقام عدد من الشيعة فى مصر دعوى ضد الرقابة على المصنفات الفنية وتساءلوا فى دعواهم: كيف يصمت الأزهر الشريف ولا يمنع أغنية ترددت داخل أحداث الفيلم باسم «يا طاهرة يا أم الحسن والحسين» ويقصدون الطاهرة السيدة «فاطمة».. وكانت دينا تصاحب الأغنية بالرقص. هذه الأغنية ترددت قبل سنوات كما أن هذا النوع الذى يمزج بين الترديد الدينى والرقص ليس جديداً على الثقافة الشعبية المصرية بل إن عددا من الأغانى العاطفية يتم استبدال كلماتها فى الموالد لتتحول إلى أغنية فى المديح النبوى وهكذا اشتهرت أغنية «رحولوا رحولوا.... رحولوا المدينة» التى تتردد فى الأفراح الشعبية منذ نصف قرن بعد أغنية عبدالحليم حافظ «قولولو قولولو... قولولو الحقيقة» والإذاعة لا تزال تحتفظ بتسجيل نادر بصوت عبدالحليم وهو يغنى روحولوا المدينة.. فى الأفراح نشاهد من يغنى «صلى صلى ع النبى صلى» ثم يبدأ المزمار البلدى والرقص الشعبى فى زفاف العروسين ولدينا مثلا أغنية شهيرة «لا والنبى يا عبده» لو حاكمناها فنيا فلا يمكن أن نسمح بتداولها.

إنه المزاج الشعبى سواء وافقت أو اختلفت عليه فهذه قضية أخرى. ينقل الفيلم لمحات مما يجرى فى الشارع وتعارف وتآلف عليه الناس ولم يعد فى حقيقة الأمر يثير الدهشة.

إنه مزاج خاص.. مفتى الديار المصرية الشيخ د.على جمعة بعد أن وجد أن الأزهر الشريف يتعرض لاتهام بالصمت اتصل بنقيب السينمائيين مسعد فودة وسأله عن الفيلم وكان النقيب يعد لجنة لمتابعة ردود الفعل فطلب المفتى أن ينضم إلى اللجنة التى تشكلت من نقيب السينمائيين ونقـــيب الممــثلين أشــرف عبد الغفور ووكيل نقابة الممثلين سامح الصريطى ووكيل نقابة السينمائيين عمر عبدالعزيز وضموا إليها كاتب هذه السطور.

وقلت فى حضور المفتى إننا لا يمكن أن نُخضع أى عمل فنى لرقابة دينية وأن الفن لا يقيم بتلك المعايير ليس معنى ذلك أن الفن يخاصم الأديان ولكن فقط هو لا يخضع لمعاييرها المباشرة التى لو طبقناها حرفيا على أى عمل فنى فسوف نصادر 90٪ على الأقل منها.. «عبده موتة» أراه فيلماً رديئاً كشريط سينمائى فهو مصنوع وبه كل مشهيات شباك التذاكر من رقص وعنف وجنس وألفاظ ولكنه مثل عشرات من الأفلام الأخرى نرفضه فنياً ولكن لا نصادره دينياً.

الأزهر الشريف يُصبح مرجعية فى حالة واحدة لو كنا بصدد تناول شخصية دينية فى التاريخ الإسلامى ما عدا ذلك تطبق المعايير الفنية ومن حق المتفرج الغاضب أن يرفض الفيلم ولكن ليس من حق أحد أن يصادره.

والغريب أن المفتى أصدر قراره الذى يوصى فيه بحذف الأغنية وذكر فى القرار أن هذا الإجراء قد تم اتخاذه فى حضور عدد من ممثلى النقابات الفنية والنقاد وقلت لفضيلة المفتى: لم يكن هناك ناقد غيرى وأنا أعترض على أن تُصدر دار الإفتاء هذا القرار بحضور ممثلى النقابات الفنية لأن هذا يرسخ قاعدة تمنح المؤسسات الدينية مراقبة الأعمال الاجتماعية ولكن لم يستجب إلى أحد!!

 

فقاقيع سينمائية تذوى سريعا!

كتب : طارق الشناوي

27 اكتوبر 2012

خرج فيلم «المواطن» الذى لعب بطولته خالد النبوى من مهرجان «أبوظبى» وكأنه لم يدخل أصلا.. من شاهد الفيلم كان لديه يقين بأن الفيلم لا يمكن أن يحظى بأى جائزة ماعدا واحد فقط أعتقد أنه يقدم تُحفة فنية لا قبلها ولا بعدها، وسوف يصبح هو المانشيت الرئيسى فى الصحافة العالمية إنه بطل الفيلم خالد النبوى.

وسط ضجة إعلامية سبقت العرض باعتباره وارد هوليوود على سن ورمح وتحفة فى مجال الفن السابع لا قبلها ولا بعدها جاء العرض فى بدايات المهرجان وسط حضور كبير من الجمهور وخيبة أمل أكبر فاضت على الوجوه.

الفيلم تنافس داخل قسم «آفاق جديدة» المخصص للعمل الأول للمخرجين، حيث إنه أول إخراج للمخرج السورى الجذور «سام قاضى».. عندما طلبت المحطات الفضائية إجراء حوار مع خالد عن الفيلم اشترط اللغة الإنجليزية قائلا: إنه فيلم عالمى مُقدم للجمهور كله وليس فقط للعرب، البعض استجاب لهذا الشرط التعسفى والآخرون وجدوا فيه نوعاً من التعالى غير المبرر فقرروا تجاهل الفيلم والنجم.

وتبقى بعض الأسئلة: هل بطولة فيلم لغته إنجليزية ويجرى تصويره فى أمريكا أو حتى هوليوود تعنى أن بطل الفيلم قد صار بين ليلة وضحاها نجماً هوليووديا يقول لتوم كروز وبراد بيت وتوم هانكس: «قوم اقف وأنت بتكلمنى»؟!

يبدو أن «خالد النبوى» يؤرقه هذا الهاجس ويسعى لكى يصدر للجمهور المصرى خاصة والعربى بوجه عام تلك الكذبة.

يؤدى خالد فى «المواطن» دور الشاب اللبنانى الذى يجد نفسه دائماً فى حالة صراع داخلى ومطاردة من دولة عربية إلى أخرى، حيث إن الحرب الأهلية فى لبنان تبعده عنها ويفقد والديه وبعد ذلك يلقى مصيره فى أتون حرب أخرى بين دولتين شقيقتين أثناء الغزو العراقى للكويت ثم يعانى مثل ملايين المواطنيين العرب ويتقدم للهجرة إلى أمريكا ويحصل على الكارت الأخضر الذى يتيح له السفر بلا تعقيدات إدارية.. شاب لديه طموح ويجيد الإنجليزية ويملك خبرة كمهندس سيارات وفى المطار لم يأت ابن عمه لخطأ ما غير مقصود يختلط عليه اسم المطار ويفقد التواصل معه ويذهب إلى فندق متواضع لكى يبيت ليلة تمتد إلى ليال وشهور وسنوات.

أحداث سبتمبر 2001 تلقى بظلال سيئة ويجد نفسه متهماً ورهن التحقيق والتوقيف بسبب تشابه اسمه مع إرهابى فتحاصره الشكوك.

تشعر أن الفيلم مصنوع من أجل هدف واحد فقط وهو التأكيد على أن نجومية خالد النبوى تجاوزت تخوم الحدود العربية فأصبح نجما عالميا ويمنحه المخرج بين الحين والآخر موقفا دراميا ساخنا للتأكيد على قواه الجسدية الخارقة وعلى رجاحة عقله وثقافته الموسوعية الخارقة أيضا، حتى إنه يمهد مع اقتراب نهاية الأحداث لتلك المواجهة بينه وممثل الادعاء الأمريكى ويضع له مشهداً ليدلل على أنه قاهر الأمريكيين.

الحالة السينمائية التى يقدمها المخرج شديدة التواضع، بينما على الصعيد الفكرى يرسخ الفيلم للحلم الأمريكى وكأنه الطريق الوحيد للحياة ويحيل نضال المواطن العربى ليس لتأكيد ذاته وأفكاره وتغيير مجتمعه وواقعه للأفضل، ولكن ينحو الفيلم إلى تعميق لحالة الهوان العربى وخفوت الاعتزاز الوطنى وكأنه يهتف فى النهاية تحيا أمريكا ويعيش العم سام.

خالد دائما لديه هاجس يسيطر عليه ويطير النوم من عينيه وهو أن يؤكد على تفرده بين كل أقرانه المحليين. شارك خالد من قبل فى مشاهد قليلة فى أكثر من فيلم أجنبى مثل «مملكة الجنة» للمخرج ريدلى سكوت و«لعبة عادلة» للمخرج دوج ليمان وكان دورا هامشيا فى الأول وأقل من ثانوى فى الثانى إلا أنه فى الفيلمين صنع لنفسه دعاية صاخبة فى الصحافة المصرية والعربية،ويكفى أن نتذكر كيف تناقلت كل الجرائد والمواقع الإلكترونية صورته مع بطلة فيلم «لعبة عادلة» ناعومى واتس، الذى شارك قبل ثلاث سنوات فى المسابقة الرسمية لمهرجان «كان». كما أن مشاهده فى «مملكة الجنة» كانت قليلة ودوره هامشيا، بينما الفنان السورى غسان مسعود الذى أدى الدور الرئيسى «صلاح الدين الأيوبى» لم يمنحه الإعلام العربى أى مساحة تقارن بخالد لأنه لا يجيد صناعة الدعاية لنفسه.

الفيلمان بالطبع ينتميان للسينما العالمية الهوليوودية ولكنه مع «المواطن» يفتقد كل المقومات العالمية، بل المؤكد أن تسويق الفيلم مصريا وعربيا محفوف بالمخاطر لأن اسم خالد ليس من بين النجوم المحليين الذين لديهم شباك تذاكر.

لماذا يبدد خالد النبوى طاقته فى صناعة وهج إعلامى يشبه فقاقيع الصابون التى لا تمكث سوى لحظات وبعدها تتبدد وكأنها لم تكن؟! فيلم «المواطن» هو تلك الفقاقيع السينمائية التى لن تتجاوز زمن عرضها وبعدها نسأل: هل كان هناك حقيقة فيلم وهل «خالد النبوى» اقتحم هوليوود أم أنه يعيش الحلم الذى صار كابوساً؟!

 

سوسن بدر الأيقونة الفرعونية!!

كتب : طارق الشناوي

20 اكتوبر 2012

عندما وقعت عين المخرج الكبير صاحب تحفة «المومياء» شادى عبدالسلام عليها قبل نحو ثلاثة عقود من الزمان.. كان بصدد الإعداد لفيلمه الروائى الثانى «أخناتون» ملامح سوسن الفرعونية هى ما استوقفت عين شادى، ورحل شادى عن عالمنا ولم يُقدم فيلمه ولكن ظلت تلك الفنانة السمراء تملأ الدنيا إبداعا.

«سوسن» هى بئر فنية معينة لا تنضب ولكنها تترك نفسها لأى عابر سبيل سواء أكان موهوبا أم موهوما يضيف إليها أم فقط يأخذ منها.. إنها نموذج صارخ للفنان عميق الموهبة عندما لا يمتلك ترمومتر الاختيار ويترك رياح الفن تعصف به هنا وهناك بدون أن يُمسك بيديه المجداف، ورغم ذلك فإنك تجد نفسك فى النهاية أمام فنانة نادرة فى موهبتها حتى لو بددت جزءا منها فى أعمال فنية متواضعة فما أنجزته وما ينتظرها يستحق التكريم وقبل ذلك التأمل.

فى ختام مهرجان أبوظبى مُنحت «سوسن» جائزة إنجاز العمر.. ظلال العنوان بالتأكيد لا تجد فيها ملامح «سوسن» تراها واضحة فى الفنانة الإيطالية الكبيرة «كلوديا كاردينالى» شريكتها فى الجائزة لأن مدلولها يعنى أن صفحات الكتاب قد اكتملت أو على أقل تقدير فى طريقها للوصول إلى الغلاف الأخير بينما «سوسن» لا يزال أمامها متسع من الصفحات لم تكتبها بعد.

جاء تكريم سوسن بدر أمس الجمعة لنستعيد معا قراءة   صفحات من تاريخ تلك الفنانة الرائعة الاستثنائية.

القطة لها سبع أرواح.. أما «سوسن بدر» فلها دائما مع كل رمضان ثمانية أرواح أقصد أدوار.. هل من الممكن أن يتحمل المشاهد رؤية ممثل مهما بلغت موهبته فى سبعة مسلسلات مختلفة.. هل يملك أى ممثل مهما بلغت إمكانياته القدرة على التقمص الوجدانى لكل هذا العدد من الشخصيات وفى فترة زمنية محددة جداً.. المؤكد أن «سوسن» كان عليها أن تصور ستة أعمال من بين السبعة المعروضة عليها سنويا فى نفس الوقت، وعلى الأقل عليها أن تخرج من شخصية لتلحق بأخرى.. فهل تستطيع أن تمسك بتفاصيل كل شخصية على المستوى الشكلى والنفسى؟!

الممثل ليس مثل الحرفى النجار أو الحداد أو المكوجى مع كل الاحترام لأصحاب هذه المهن.. البعض يعتقد أن لحظة الوقوف أمام الكاميرا هى فقط زمن التمثيل مثل لحظة الوقوف أمام المكواة ووضعها على القميص هى فقط زمن الكى!!

الممثل ينبغى أن يتعايش مع الدور قبل وبعد لحظات الوقوف أمام الكاميرا.. وقد يحدث بسبب تلك المعايشة نوع من التوحد، هذه الحالة مثلاً كنا نرى «أحمد زكى» عليها إلى درجة أنه مثلاً عانى من مشكلات صحية فى الأمعاء أثناء أدائه لفيلم «زوجة رجل مهم» وقال له الطبيب إنه قد حدث تعايش مع الشخصية أدت إلى معاناته الصحية لتتوافق مع معاناة الشخصية الدرامية.. «سوسن» فنانة حقيقية لا أتصورها من هؤلاء الصنايعية أصحاب «الزراير» تضغط عليها وتتحرك وفقاً لآلية محددة تقدم «الشويتين» اللى تعرفهم وكأنها شخصيات سابقة التجهيز الدرامى.. إنها فنانة تتعايش مع الشخصيات ولكن ينقصها العقل المنظم الذى يضعها فى مكانة تستحقها.. ويبدو لى أن «سوسن بدر» من الفنانين الذين يخشون الزمن القادم.. هى بالتأكيد عايشت عددا من الزملاء، وعندما يمضى بهم قطار العمر يتضاءل تواجدهم عبر الشاشة.. وربما رأت هذا المصير مع بعض كبار الزملاء، ولهذا تعيش اليوم وهى تخاف الغد فتوافق على كل الأدوار التى تعرض عليها.. أرى أن مأزق «سوسن» هو أنها لا تملك فن إدارة الموهبة، مثلاً قدمت دوراً لا ينسى فى فيلمها «الأبواب المغلقة» قبل نحو 10 سنوات والذى يحتفى به أيضا مهرجان أبوظبى فى إطار تكريمه لسوسن بدر.. وهو من المرات القليلة التى طرقت فيها البطولة بابها ولكنها وكالعادة لم تعرف كيف تحافظ عليها ولهذا تجدها تشارك فى أدوار أخرى لمجرد أن تظل على الخريطة.. هل حقاً «سوسن» لها سبع أرواح؟ لا أتصورها كذلك فهى فنانة مبدعة يكفيها دور واحد وروح واحدة تتقمصها لتعيش كأنها تقدم سبعة أدوار أقصد أرواح!!

تكريم مهرجان أبوظبى لتلك الفنانة الاستثنائية هو ما تستحقه تماما، ربما يدعوها لكى تختار من بين الكثير الذى يعرض عليها القليل الذى يعيش مع الزمن.

 

كيف نتعامل دراميا مع صور المخلوع؟!

كتب : طارق الشناوي

13 اكتوبر 2012

أثناء عرض مسلسل «فرقة ناجى عطاالله» احتج الثوار فى سوريا على انتشار صور «بشار الأسد» فى عدد من الحلقات التى تم تصويرها فى أحد فنادق سوريا والغريب أن الفندق تعرض للانفجار ورغم ذلك ظلت صورة «بشار» تبتسم وتتحدى لهيب النيران!!

لا أتصور أن هذا الموقف مقصود من صناع المسلسل و«عادل» تحديداً بينه وبين النظام السورى حالة من البرود ولكن المسلسل مثلما كان محايداً مع صورة مبارك التى شاهدناها فى المسلسل داخل السفارة المصرية فى تل أبيب كان أيضاً محايداً مع «بشار».

فى سوريا تنتشر صور وتماثيل «بشار» ووالده «حافظ الأسد» بل وشقيقه «باسل الأسد» الذى كان يتم إعداده ليرث الحكم قبل رحيله.

سوريا تفوقت فى هذا الشأن على مصر، ولهذا فإن أى تناول لمرحلة «بشار» لا يمكن أن تتجاهل صوره وهو ما حدث فى مصر عندما تساءل السينمائيون: وماذا نفعل فى صورة مبارك فى السينما.. مثلاً كانت صورة مبارك داخل قسم الشرطة فى فيلم «المصلحة» بطولة «أحمد السقا» و«أحمد عز» وحرصت المخرجة «ساندرا نشأت» على الحياد بينما فى فيلم «حظ سعيد» والذى كانت تجرى أجزاء منه داخل قسم الشرطة حرص المخرج «طارق عبد المعطى» على أن كل الصفعات التى يتلقاها بطل الفيلم «أحمد عيد» كانت تحمل إدانة لمبارك ووظف الصورة درامياً.

انتشرت أيضاً العديد من المنتديات - الفيسبوكية - تطالب بحذف صور المخلوع من الأعمال الفنية حتى لا تبقى فى الذاكرة سوى صورته داخل القفص.. أسرفنا فى وضع صورة «مبارك» فى الوزارات والهيئات الحكومية لنفاق الحاكم ولو عقدت مقارنة بعهد «فاروق» لن تجد صوراً للملك مثل تلك التى بدأنا نضعها منذ عهد «جمال عبد الناصر» الكل يحرص على أن يسمى مصر باسمه.. «مبارك» كان يملك مصر 30 عاماً والمنافقون المنتشرون فى كل زمن كانوا يريدون أن يطلقوا على كل شىء اسمه وبعد أن يأخذ وش «مباركى» يضعون وش ثانى «سوزانى» استعداداً لكى تصبح مصر دكانا يرثه «الابن».. صبغوا مصر بهذا اللون المقزز مثل تلك الصبغة السوداء التى لا يزال يحرص على أن تغطى رأسه!

حتى أرفع جائزة أدبية تمنح لعقول مصر أطلقوا عليها اسمه ورغم ذلك فإن كبار موظفى وزارة الثقافة فى العهد البائد الذين ساهموا فى تأليه الحاكم يؤكدون أنهم لم يطلقوا على الجائزة اسمه.. الجميع الآن يقولون لا للمخلوع.. بطولة بأثر رجعى!

هل نحذف صورة «مبارك» من الأعمال الفنية؟ سألت عقلى فأجاب أن المنطق يقضى لو أن عملاً فنياً تجرى أحداثه قبل خلعه ينبغى أن نتحمل رؤية صورته فى قسم الشرطة مثلاً.. قبل 25 عاماً شاهدنا «عادل إمام» وهو ينظر إلى صورة مبارك فى نهاية فيلم «كراكون فى الشارع» يشكو إليه لرفع الظلم عنه.. ورأينا قبل ثلاثة أعوام «طلعت زكريا» وهو يستجير بصورته فى نهاية فيلم «طباخ الرئيس».. كانت كلها محاولات ترمى إلى خلق صورة ذهنية لمبارك باعتباره المنقذ وكنا نرى فيها تملقا للحاكم.. ينبغى أن نفرق بين المطالبة بنزع صوره من الأماكن العامة وحذف اسمه هو وزوجته من المستشفيات والمدارس والمكتبات وبين أن نتناول عملا فنياً تجرى أحداثه فى نفس المرحلة الزمنية ونحذف فيها اسمه أو صورته!!

ليس من المنطق أن نحذف صورة مبارك من الأعمال الفنية التى يجرى تصويرها الآن لأنها تخاصم الواقع، إلا أن الناس على الجانب الآخر، لا تتقبل أن ترى صورة المخلوع وعلى المخرجين أن يجدوا حلاً فى القادم من الأعمال الفنية للابتعاد كلما أمكن عن صور المخلوع.. أما الأفلام والمسلسلات التى سجلت قبل الثورة فإن محاولة التشويش على الصورة بحذفها أو بالتعتيم عليها فإن كل ذلك سوف يؤدى إلى مزيد من الاهتمام مثلما كنا نفعل فى الأفلام القديمة التى نشاهد فيها صورة الملك فاروق.. علينا أن نتعامل مع صورة المخلوع فى هذه الحالة باعتبارها شراً لابد منه ونتذكر لتخفيف الوطأة لقطاته الأخيرة فى القفص وهو يلعب فى أنفه!!

 

هابى بيرث داى تو «سُمعة»!!

كتب : طارق الشناوي

22 سبتمبر 2012

مرت مائة عام على ميلاد أصفى وأصدق ضحكة عرفها المصريون والعرب فى القرن العشرين واستمرت توابع هذه الضحكة محتفظة بطزاجتها على شاشات الفضائيات حتى الآن وهى لا ترتسم فقط على ملامح وجوهنا بل تترك وميضها فى قلوبنا. هذه المرة لن أتناول ضحكاته ولكن أقدم لكم دموع إسماعيل يس التى لم يرها أحد على الشاشة.

ماذا يحدث عندما تنحسر النجومية فى لحظة ما عن فنان كان يسكن قلوب الناس، أستعيد معكم هذه الوثيقة أقصد الرسالة وعمرها 47 عاماً.. إنها خطاب مفتوح كتبه «إسماعيل يس» إلى وزير الثقافة المصرى فى عام 1965 يشكو فيها من تضاؤل أعماله الفنية فى المسرح والسينما وقلة حيلته وهوانه على شركات الإنتاج السينمائية. وهذه الرسالة أغفلها المسلسل الذى كان يتناول حياة «إسماعيل يس» وعرض باسم «أبوضحكة جنان» فى رمضان قبل عامين. كانت الدولة فى تلك السنوات مسئولة عن الإنتاج السينمائى والمسرحى بعد أن سيطر الفكر الاشتراكى على الفن، ورغم ذلك فإن القطاع الخاص كان لايزال قائماً أيضاً، إلا أن «إسماعيل يس» وجد نفسه خارج أجندة منتجى القطاع الخاص وبنفس القدر خارج أجندة الدولة.. أفلام «إسماعيل يس» التى قدمها مع مطلع الستينيات لم تعد تدر أرباحاً على منتجيها، واكب ذلك بزوغ جيل آخر من نجوم الكوميديا كانوا يعبرون فى تلك السنوات عن روح الشباب وأعنى بهم «فؤاد المهندس»، «عبدالمنعم مدبولى»، «محمد عوض»، «أمين الهنيدى»، «أبو بكر عزت» و«محمد رضا».. كانت الناس تضحك أكثر مع ومن هؤلاء بينما كان يبدو أن إسماعيل يس يقدم كوميديا تجاوزها الزمن ولهذا اضطر إلى إغلاق المسرح الذى كان يحمل اسمه لأن شباك التذاكر كان يشير يومياً إلى أن المقاعد خاوية.. إلا أنه عمل بنصيحة أصدقائه، فقرر أن يجمع ما تبقى له من تحويشة العمر ويسافر فى رحلة للعالم العربى مصطحباً معه فرقته المسرحية.. ولم يدرك أن الأفول عدوى سريعة الانتشار انتقلت من مصر للدول العربية وأن خشبة المسرح عندما تخاصم نجم الكوميديا مرة لا تصالحه أبداً وأضاع إسماعيل كل أمواله ولم يعد أمامه سوى أن يعود مرة أخرى الى أرض الوطن مجروحا ومهزوما ولم يجد سوى شارع الهرم يستقبله لتقديم المونولوجات والنكت لجمهور من السكارى جاء لمشاهدة راقصة.

كانت حياته أشبه بالدائرة بدأ مونولوجست ناجحا وانتهى مونولوجست مهزوما وكثيراً ما كان «إسماعيل يسن» يفاجأ وهو يلقى نكتة أن أحد زبائن الملهى يقول له قديمة يا «سُمعة»- والزبون دائماً على حق-

لم يستطع الخطاب المفتوح لوزير الثقافة أن يفعل شيئاً، فلقد انهال «إسماعيل يس» بالهجوم ضد الموظفين الكبار الذين سدوا أمامه أبواب الرزق ولم يعودوا يسندون له أى أعمال فنية جديدة ولم يرق قلب الوزير وانتقم منه الموظفون الذين فضحهم. ولكن ظل الدرس هذا الخطاب أصبح وثيقة تشهد على أن فنانا جماهيريا بحجم «إسماعيل يس» يمر به الزمن ليستجدى العمل.. الحقيقة هى أن «إسماعيل يس» لم يدرك أن إيقاع أدائه بات غير مطلوب، وأن المنتجين الذين أثروا من أفلامه التى درت عليهم الآلاف عندما كانت الآلاف تساوى بمقياس هذه الأيام أكثر من الملايين، هؤلاء المنتجون أصبحوا يبحثون عن نجوم آخرين ولا يتبقى للنجوم الكبار الذين أصبحوا خارج نطاق الخدمة سوى الشكوى، وبرغم أن الدولة الآن نفضت يديها عن الإنتاج، إلا أن خطابات وشكاوى الفنانين الكبار للمسئولين يستجدون بها العمل لم تتوقف وترى فى ثناياها انحناء من أجل لقمة العيش وهى مع الأسف لقمة مغموسة بالذل وبالهوان!!.. ليس فقط الاحتياج المادى هو الذى يدفع الفنان إلى طلب العمل ولكن الرغبة فى التواجد والتنفس هى التى تذل أعناق النجوم عندما تتدركهم لحظات الأفول. عاش إسماعيل فى سنواته الأخيرة بلا ضحكات ولا تصفيق وبعد رحيله عاد إليه الضحك والتصفيق لنقول له فى عيد ميلاده المئوى هابى بيرث داى تو «سُمعة»!!

 

مخرج «الكيت كات» مسلم أم مسيحى؟

كتب : طارق الشناوي

1 سبتمبر 2012

قال لى أحد طلبة كلية الإعلام أثناء تدريسى مادة النقد الفنى هل داود عبدالسيد مسلم أم مسيحى؟

قلت له هل تفرق معك ديانة المبدع فى تقييم عمله الفنى هل أنت موظف فى السجل المدنى؟ لم يجب سوى بكلمة كنت فقط أريد أن أعرف.

يعتقد البعض أن الحب الذى يحمله الناس لفنان أو لاعب كرة تدخل فيه الديانة كعامل مؤثر. فهل أحب العرب لاعب الملاكمة «كلاى» بعد أن أضاف إلى اسمه «محمد على» مشهرا إسلامه أم أحبوه لأنه لاعب ملاكمة استثنائى لم يضاهه أحد حتى الآن.

عندما شاهد الجمهور أنتونى كوين فى فيلمى الرسالة وعمر المختار قالوا إنه أشهر إسلامه وبعد أن تبين أن هذه مجرد شائعات لم يؤثر هذا الأمر على شعبيته عربيا أو إسلاميا.

أتذكر أن «جينا» ابنة نجيب الريحانى أذاعت قبل ثلاثة أعوام فى حوار لها حكاية إسلام أبيها وهو غير صحيح على الإطلاق وهو ما سبق وأن تردد أيضاً عند رحيل «يوسف شاهين»!!

إسلام المشاهير الذين نحبهم صار فى السنوات الأخيرة أحد المظاهر المصرية.. رغم أننا عندما نحب الفنان لا نفتش عن ديانته ومشاعر الحب التى حظى بها مثلا «الريحانى» فى حياته ولا تزال تزداد بعد رحيله لم يدخل الدين طرفاً فيها.. إسلام المشاهير ظاهرة ليست حديثة ولكنها ازدادت فى السنوات الأخيرة والمؤكد لها علاقة بما يجرى الآن من تطرف دينى حيث أصبح الناس يسألون عن الدين أولاً وبعد ذلك يحددون اتجاه بوصلة مشاعرهم.. لقد حدث عند وداع «يوسف شاهين» شىء من هذا عندما طالب البعض تلميذه الأقرب «خالد يوسف» بإظهار وثيقة إسلامه حتى يتسنى لهم إقامة الطقوس الإسلامية فى وداعه بدلاً من الطقوس الكاثوليكية طبقاً لديانته التى نشأ ومات عليها وهكذا كانوا يريدون أن يخرج جثمانه من جامع «عمر مكرم».. لماذا بين الحين والآخر نبحث عن مواقف ونستند إلى وقائع لتأكيد الديانة منها مثلاً أن هذا الفنان كان يقرأ القرآن أو يحتفظ بالمصحف فى بيته وهى بالمناسبة كثيرا منها حقائق إلا أنها لا تعنى بالضرورة إشهار الإسلام.. كان «يوسف شاهين» من عشاق صوت الشيخ «محمد رفعت» بل وطلب عند وداعه أن يخرج جثمانه على صوت «محمد رفعت» وهو يرتل القرآن.. وكان «نجيب الريحانى» يعرف الكثير عن القرآن باعتباره يعيش فى مجتمع مسلم جمهوره أغلبه من المسلمين والأديان تؤثر على عادات وتقاليد الشعوب والضحك باعتباره يستند بالدرجة الأولى على مؤثرات اجتماعية فإن الإلمام بتفاصيل الدين الذى يعتنقه الأغلبية يصبح فى هذه الحالة حتميا.. للأديان فى حياتنا دورا محوريا وهكذا فأنا أتصور مثلاً أن ثقافة «نجيب الريحانى» الإسلامية أحد المحاور المهمة لتفاعله مع الجمهور.. لقد كان «مكرم عبيد» سكرتير عام الوفد الأسبق يستشهد دائماً فى خطبه بآيات من القرآن فهو أحد الكبار الذين امتلكوا ناصية اللغة وله مقولة شهيرة وهى أنه مسيحى الديانة مسلم الوطن.

الملحن اليهودى داود حسنى كان يقول إن الموسيقى والنغم الشرقى باقيان طالما بقى القرآن ولكن لا يعنى ذلك اعتناقه الإسلام.

هل الإيمان بدين هو الطريق للحب لا أتصور أن الناس تتعامل مع مشاعرها بترمومتر دينى والدليل أن المصريين أحبوا «نانسى عجرم» ولم يسألوا عن ديانتها وحقق «جورج قرداحى» نجاحاً جماهيرياً بدون أن نسأل عن الديانة.

لا يمكن أن تحب صوت مطرب لأنه مسلم وترفض آخر لأنه مسيحى.

هل نقيم المخرج بديانته؟ من حقك مثلا أن تحب أفلام داود عبدالسيد أو تكرهها ولكن ليس من حقك أن تعرف قبل أن تحدد إجابتك هل من أخرج «الكيت كات» مسلم أم مسيحى؟.

 

يسألون عن سعاد حسنى فى الهند!

كتب : طارق الشناوي

4 اغسطس 2012

من أجل الحصول على هدنة مؤقتة من مسلسلات وبرامج رمضان سافرت إلى دلهى بالهند ملبيا دعوة مهرجان «أوسيان» فى دورته 12 مشاركا فى لجنة تحكيم «الفيبرسى» النقاد الدوليين وملقيا محاضرة عن السينما وثورات الربيع.

المهرجان يحتفظ بطابعه الهندى، حيث تجد سيطرة السينما الهندية على كل الفعاليات ولهم بالطبع كل الحق فى ذلك حيث إن «بوليوود» حققت للسينما الهندية مكانة خاصة فى العالم كله.

تواجدى فى لجنة التحكيم يمنعنى أدبياً من الإدلاء برأيى قبل إعلان النتائج، ولكن لايحول دون أن أتناول أى فيلم خارج المسابقة. اخترت لكم الفيلم التسجيلى اللبنانى الطويل «اختفاءات سعاد حسنى الثلاثة».

وهو - كما ترى - عنوان خادع كانت المخرجة اللبنانية «رانيا اسطفان» قد حصلت على جائزة أفضل مخرجة وثائقية فى مهرجان «الدوحة» العام الماضى عن هذا الفيلم .. العنوان يدفعك كمشاهد إلى أن تتهيأ لكى ترى فيلماً يتناول ما أثير من أقاويل وحكايات وأضيف أيضاً وافتراءات عن «سعاد حسنى» وعلاقتها بأجهزة المخابرات المصرية من خلال تلك القصص الوهمية التى شغلت الرأى العام ونالت من سعاد حسنى ولاتزال، ومع الأسف فإن العديد من الفضائيات والصحف العربية فتحت ملف «سعاد» الجنائى ولم تغلقه حتى إن أسرتها طالبت أكثر من مرة النائب العام فى مصر بتشريح جثتها على اعتبار أن هناك جريمة متكاملة الأركان وراء انتحارها فهى طبقا لذلك قتلت ولم تنتحر وتلقى هذه الرواية درجة مصداقية عالية لدى الرأى العام وفى نفس الوقت فإنها تحجب الرؤية عن سعاد حسنى الفنانة الكبيرة.

يأتى فيلم المخرجة «رانيا اسطفان» رافعًا الظلم عن الفنانة الكبيرة فهو لم يتعرض للشق الجنائى فى اختفاء سعاد فشاهدنا عملاً فنيًا يتجاوز الـ 70 دقيقة عن سعاد حسنى الفنانة.

المقصود بالاختفاءات الثلاثة هى اختفاء «سعاد حسنى» فى آخر عشر سنوات من عمرها عن الشاشة، حيث إنها بعد فيلم «الراعى والنساء» 1991 لم تقدم أى عمل فنى جديد واختفاء أشرطة الفيديو من الأسواق ومن التداول حتى إن المخرجة اكتشفت أن هناك أكثر من فيلم لسعاد ليس لديه نسخة على الفيديو، كما أن الاختفاء الأهم هو اختفاؤها القسرى بالطبع عن الحياة!

تستطيع أن ترى الفيلم من خلال تلك الرؤية أننا سنشاهد ونحلل «سعاد حسنى» كما هى فى أفلامها وكأننا نراها بعينى «سعاد حسنى» نفسها. المخرجة لجأت إلى عشرات من الأشرطة التى احتفظت بها المكتبة لسعاد من أفلامها الكثيرة التى قدمتها للشاشة وعددها 82 فيلماً روائياً ضاع مع الأسف بعض منها بسبب عدم توافرها على أشرطة فيديو كما أن بعضها لم يتم نقله على «دى فى دى».. المخرجة استعانت بأصوات من أفلام لها مردود نفسى فى بنائها من أجل أن نشاهد «سعاد» وهى تتساءل عن سعاد فى أفلام مثل «أين عقلى» و«الحرمان» و«الاختيار».. استندت المخرجة إلى جمل من الحوار يرددها «محمود المليجى» و«رشدى أباظة» و«يحيى شاهين» فى تلك الأفلام لكى نرى «سعاد حسنى» الشخصية الدرامية وهى تحاول أن تعثر على إجابة من سعاد عبر أفلامها على الشاشة وانتقلت من مشهد إلى آخر وهى تضع أمامها هدف الوصول إلى سر «سعاد حسنى».. لم نر فى الفيلم أى محاولة لإجراء حوار تقليدى مثلما يحدث فى عشرات من الأفلام التسجيلية المماثلة عن «سعاد» باستضافة أحد معاصريها ممن تعاملوا فنيا معها ليلقى الضوء على جانب من إبداعها، كما أن المخرجة اكتفت بأن تترك المشاهد هو الذى يحلل أداء «سعاد» من خلال هذا التراكم بالصور المتتابعة من الشريط. مرئياً ظلت «سعاد» حاضرة طوال زمن الأحداث ونرى كيف أن «سعاد» هى النجمة اللامعة التى تستطيع من خلال أعمالها الفنية أن ترصد مثلا تطور - الجانات - الفتيان الأوائل للسينما المصرية فلقد كانت «سعاد» فى مرحلة متوسطة بين جيلين وشاركها البطولة جيل «رشدى أباظة» و«شكرى سرحان» و«أحمد رمزى»، كما أنها أيضاً كانت واحدة من النجمات التى ساهمت فى تأكيد تواجد الجيل التالى مثل «نور الشريف» و«محمود يس» و«حسين فهمى» وصولاً إلى «أحمد زكى».. كانت سعاد هى الأيقونة التى عاشت عليها السينما المصرية وعن طريق أفلامها حققت المعادلة الصعبة وهى أن تقدم عملاً جماهيرياً وفى نفس الوقت له مردود فنى، كما أنها لم تخضع للشباك فلم تكن «سعاد» مثلاً تقبل أن تشارك فى عمل فنى لمجرد أنه مضمون فى شباك التذاكر.. واجهت «سعاد حسنى» العديد من القيم الاجتماعية البالية بمنطق فنى، حيث صارت هى نموذج الفتاة المصرية والعربية فى الستينيات من القرن الماضى .. بذلت المخرجة جهداً فى المونتاج فهى أيضاً مونتيرة الفيلم إلا أن الجانب السلبى فى هذا العمل الفنى هو أن المخرجة كان ينبغى ألا تترك الأمر بدون جهد توضيحى لكى تقترب من منهج «سعاد حسنى» فى الأداء الدرامى.. لقد تركت المخرجة المشاهد هو الذى يحدد سر الاختفاءات فلم يكن فقط الاختفاء لسعاد، ولكن لمخرجة الفيلم أيضاً!

ميزة هذا الفيلم أنه أعاد لنا الحديث عن سعاد حسنى الفنانة الكبيرة فى وقت امتلأت فيه الفضائيات بالأحاديث الوهمية عن سعاد حسنى والمخابرات!

 

«أسماء».. فيلم مهرجانات صحيح؟

كتب : طارق الشناوي

16 يونيو 2012

بلد شهادات تساوى بالضبط فيلم مهرجانات صحيح إنه الاعتراف الأدبى بقيمة العمل الفنى وهكذا وصل عدد الجوائز التى حصل عليها فيلم «أسماء» إلى 18 جائزة آخرها ثلاث جوائز منحتها للفيلم لجنة تحكيم من المهرجان الكاثوليكى المصرى أعرق مهرجان عربى، حيث إن عمره وصل إلى 60 عاماً.

العديد من الجوائز كانت من نصيب الفيلم منذ أن عرض فى شهر أكتوبر الماضى فى مهرجان «أبوظبى» ومن بعدها لا يخلو أى مهرجان من هذا الفيلم ولا تخلو جوائز أى مهرجان دائما من «أسماء» حيث تتوزع الجوائز بين «عمرو سلامة» كاتب ومخرج الفيلم و«هند صبرى» بطلة الفيلم «وماجد الكدوانى» الذى شاركها البطولة.

سألت منتج الفيلم السينارست «محمد حفظى» هل صحيح أن مثل هذه الأفلام التى تحظى بكل هذه الجوائز فى النهاية تؤدى إلى خسارة المنتج؟

قال لى الفيلم لم يحقق إيرادات مرتفعة عند عرضه تجاريا فى مصر، هذه الحقيقة ولكن على المقابل فإن هذه الجوائز تزيد من سعر بيعه للفضائيات وأستطيع أن أقول لك إن الفيلم وإذا لم يحقق لى مكسبا ملموسا إلا أنه على المقابل لم يحقق خسارة، ومكاسبه الأدبية وترديد اسمه فى العديد من المهرجانات أعتبرها تعويضا مرضيا جدا بالنسبة لى وهى لا تقدر بثمن وتدفعنى لإنتاج المزيد من هذه الأفلام.

الفيلم يحمل ولا شك مغامرة إبداعية وهند صبرى قدمت دورا لا ينسى برغم أنه بالتأكيد يعوزه الحس التجارى.. هل ضبطت نفسك غير قادر على النظر إلى صورة منشورة فى الجريدة تشير إلى وجه تنضح عليه مثلا البثور؟! حزنت وأشفقت نعم ولكنك أيضا على الأقل لا شعوريا كنت تخشى العدوى أن تنتقل إليك برغم أننا نتعامل مع صورة.. أتصور أن تلك هى المعضلة التى واجهت المخرج «عمرو سلامة» فى فيلم «أسماء» لأنه يتناول حياة امرأة فى منتصف العقد الخامس من عمرها مصابة بالإيدز، أى أنه من البداية صنع مساحة من التباعد بين الشاشة والجمهور.. ما هى معاناة مرض الإيدز فى العالم؟ إنها فى تلك النظرة المحملة بالإشفاق والتى ترفع راية للطرفين الناس والمريض مكتوبا عليها ممنوع الاقتراب لا يزال الرعب يسيطر على الجميع عندما نضطر للتعامل مع مريض الإيدز وهو أيضا يتعامل معنا كمنبوذ وربما لهذا السبب شاهدنا فى اللقطة الأخيرة من الفيلم «هند صبرى» وهى تنزع القفاز عن يديها وتسلم على مقدم البرامج التليفزيونية الذى أدى دوره «ماجد الكدوانى» إنها تفصيلة دقيقة ولكنها تعنى أن الطرفين كل منهما عبر إلى الضفة الأخرى للثانى.

المعاناة فى وجهها الأقسى لمريض الإيدز تستطيع أن تلمحها فى المجتمع الشرقى من خلال تلك النظرة التى تحمل اتهاما أخلاقيا لكل من يحمل الفيروس.. الفيلم يتوقف أمام تلك القضية وهى أن الناس يسيطر عليها فى العادة اتهام بالانحلال الخلقى قبل أن تحدد موقفها من المريض هل تمنحه نظرة شفقة أم ازدراء هم يريدون أولا شهادة البراءة.. لو رأيت إنسانا تلتهمه النيران المفروض أنك لا تسأل قبل أن تطفئها عن أسباب اشتعالها ولكنك أولا تطفئها إلا أنك مع مريض الإيدز تترك النيران تلتهمه ونحن ننتظر أولا حكما أخلاقيا!!

ورغم ذلك فإن الفيلم بقدر ما يحمل من مرارة يزرع أملا وهو ما عبر عنه المخرج «عمرو سلامة» بكل المفردات الفنية فى التصوير والديكور والموسيقى ويبقى أن المخرج تقدم كثيرا فى فيلمه الروائى الثانى بعد فيلمه الأول «زى النهاردة»..وستمكث كثيرا فى الذاكرة «هند صبرى» وهى تتقمص دورها بإبداع وألق فى نبرة الصوت وبالإيماءة والحركة والنظرة ولا يزال ماجد الكدوانى قادرا على إدهاشى فى طريقة التقاطه لتفاصيل الشخصية التى يؤديها.

الفيلم فى النهاية كما قال لى منتجه «حفظى» ومخرجه «سلامة» منح ولا يزال قيمة كبيرة لكل من شارك فيه إنها تلك الحفاوة التى يلقاها فى كل المهرجانات.

ربما لم تعد مصر بلد شهادات كما أن المهرجانات وحدها لا تحقق حماية للفيلم إلا أن المؤكد أن «أسماء» بقدر ما يحظى بحماية توفرها له الجوائز التى حصدها فإنه يتوق إلى حماية جماهيرية ربما يحققها له العرض القادم فى الفضائيات!!.

 

«تــــورا بــــورا».. فى مهرجان الخليج!!

كتب : طارق الشناوي

21 ابريل 2012

فى واحدة من المناقشات المسائية التى كانت هى الطابع المميز لمهرجان الخليج حيث تبدأ بعد منتصف الليل وتستمر على مدى يتجاوز الساعتين كان أغلب الحضور من كتاب السيناريو المخرجين والمصورين الشباب الذين يحلمون لكى يعبروا من شاطئ الهواية إلى دنيا الاحتراف حيث إن الناقد «مسعود أمر الله» مدير المهرجان حريص على أن تصبح هناك ورشة تضم هؤلاء الشباب ومن خلال ذلك تبدأ مرحلة تقييم الأفكار ووضع الأسس لبناء السيناريو وشارك فيها من مصر المخرج «محمد خان» ومن لبنان المخرج «ميشيل كمون» ومن البحرين الكاتب «فريد رمضان» وبالطبع كان المحور الرئيسى هو حالة الضعف الشديد فى السيناريو وهو ما يمكن أن ترصده ليس فقط على المستوى الخليجى بل العربى كله ويكفى أن نذكر للتدليل على أهمية هذا العنصر أنك مثلاً لو راجعت تاريخ جوائز الأوسكار لأفضل فيلم سوف تكتشف أنه فى 90٪ من الحالات كان أفضل فيلم هو أيضاً الفيلم الحاصل على أفضل سيناريو وهذا يؤكد المكانة الاستثنائية للسيناريو فهو ليس عنصراً مهماً فقط فى بناء الفيلم ولكنه الأهم.. ملحوظة: هذا العام حدث الاستثناء ولم يحصل فيلم الأوسكار «الفنان» على جائزة السيناريو ولكنه الاستثناء الذى يؤكد القاعدة.

وكان فيلم افتتاح المهرجان «تورا بورا» للكويتى «وليد العوضى» هو أحد الدلائل العملية على أن السيناريو يغتال الفكرة مهما بلغت أهميتها الفيلم يتناول الإرهاب المسلح الذى يقتل المدنيين بادعاء أن هذا هو شرع الله الفيلم تجرى أحداثه فى «بيشاور» على الحدود بين أفغانستان وباكستان وصولاً إلى جبال «تورا بورا» التى كانت معقلاً حصيناً لتنظيم القاعدة.

يستند المخرج الذى شارك فى كتابة السيناريو إلى واقعة حقيقية لا تتناول بلداً محدداً ولكنك تستطيع أن ترى فيه العديد من التنويعات المماثلة التى شاهدنا الكثير منها فى عالمنا العربى والإسلامى حيث يتم الخلط بين الدين ودعوته للجهاد فى سبيل الله وبين القتل والترويع الذى يطول المدنيين على اعتبار أنه أيضاً استشهاد فى سبيل الله بينما هو قتل للنفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق.

استعان المخرج بفنان ديكور عالمى هو «ماركو تورنتينى» وذلك من أجل الوصول إلى أعلى درجات الدقة التعبيرية فى العمل الفنى.

ولكن ظل الفيلم يتمحور فى إطار فكرى ضيق أدى إلى تقييد الفكرة لنجدها وقد خضعت لحالة من التنميط فى رسم الشخصيات.

الرهان الصعب هو كيف تصل الرسالة بمعناها المباشر إلى العالم وليس فقط إلى البلد الذى ينتمى إليه الأبطال.. هناك ولا شك مفهوم خاطئ طال الدين الإسلامى فى الغرب بسبب تلك النظرة التى يرى بها البعض الإسلام مرادفاً للإرهاب ولقد لعب مع الأسف عدد من الفضائيات دوراً فى نشر تلك الصورة الذهنية الخاطئة بكثرة المشاهد التى نرى فيها من يعد نفسه للشهادة وأمير الجماعة يؤكد بأن هذا هو الطريق للجنة.

السيناريو كانت تستهويه على الطريقة الهوليودية خلق ذروة درامية تواجه الأبطال حتى يضمن جذب الجمهور ولكنه أغفل الإحساس الإنسانى خاصة أننا بصدد عائلة ذهب ابنها الصغير إلى «تورا بورا» بعد أن تعرض لغسيل مخ بينما يبدأ الأب والأم رحلة البحث عنه وفى نفس الوقت فإن أخيه الكبير ذهب إلى هناك لإنقاذ كل أفراد الأسرة.. فى «تورا بورا» نرى مجرد رسم تخطيطى هندسى مباشر يحيله إلى شىء أقرب لبناء حجرى خال من المشاعر.. كل ما يقدمه المخرج مجرد لمحات سريعة عن الفندق الذى أقام فيه الأبوان وعن بيع الحشيش علناً فى «بيشاور» على الحدود بين باكستان وأفغانستان وعن المعارك القبلية فى أفغانستان ولا شىء أكثر من ذلك.

الفيلم يتهم القاعدة بأنهم ساهموا فى غسيل المخ للشباب العربى المسلم فى أنحاء العالم ليعتبروا أنفسهم فى مواجهة ضد الكفار الذين ينبغى سحقهم ولكن غابت الرؤية الدرامية والفكرية وتحول الأمر إلى مجرد تمضية حوالى ساعتين فى عمل فنى كان ينبغى اختصاره على أقل تقدير إلى النصف.. شاب أداء الممثلين قدراً كبيراً من النمطية فى التعبير مثل «سعد المفرح» و«أسمهان توفيق» و«ياسين الحاج» وبرغم أن هناك جهداً رائعاً فى الصورة وأيضاً فى التعبير الموسيقى لرعد خلف إلا أن المحصلة النهائية هى أننا بصدد عمل فنى يعوزه الكثير لكى يصل إلى الرسالة وهى فضح التطرف وتبرئة الإسلام فلا نجح فى هذه أو تلك وضاع فى جبال «تورا بورا» ورغم ذلك حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم فى مسابقة الأفلام الخليجية!!

مجلة روز اليوسف في

21/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)