خلال الأيام القليلة الماضية امتلأت مدينة بارك سيتي بنحو خمسين ألف
زائر، معظمهم لن يكون لديه الوقت لممارسة التزلج على ثلوج الجبال الشمالية،
مستفيداً من فرصة وجوده في هذه البلدة التي تسكن أعالي ولاية يوتا .
المناسبة هي انطلاق الدورة الجديدة من مهرجان “سندانس” السينمائي
الدولي، في السابع عشر من الشهر الحالي وتستمر حتى السابع والعشرين منه .
الزوّار متحصّنون بملابسهم الشتوية ومندفعون بحبّهم للسينما المستقلّة التي
بات هذا المهرجان العنوان النموذجي لها، ينتمون إلى الفئات المعتاد وجودها
في كل المهرجانات: نقاد وإعلاميون، مخرجون، ممثلون، منتجون وموزّعون .
والأوراق تختلط كثيراً هنا، فالمخرج قد يكون المنتج والكاتب وحده بالاشتراك
مع الممثل، هذا إذا لم يقم الممثل نفسه بعملية الإخراج أيضاً . النقاد من
ناحية والموزّعون من ناحية أخرى، هم الذين لا يستطيع صانع فيلم مستقل أن
يجسد دورهم، فهو لا يرغب أن يكون ناقداً وإلا لما صنع الفيلم، ولا يستطيع
أن يكون موزّعاً وإلا لما جاء بحثاً عن موزّع .
وغني عن القول إن الأقسام الإثنى عشر حافلة بالأفلام، وأن عدد الأعمال
المشتركة والموزّعة في كل قسم يصل إلى المئات أو أن هذه المجموعات المختلفة
من الأفلام اختيرت من وسط ما يقارب من 1800 فيلم تقدّم راغباً في الإشتراك
. ففي النهاية لا يزال العالم ينتج من الأفلام أكثر مما يستطيع أن يستوعب،
وحين يستوعب في نهاية الأمر، فإن ما ينجح منها هو نسبة لا تزيد عن عشرين في
المئة سواء أكان الفيلم مستقلاً أم تابعاً للمؤسسة الهوليوودية ذاتها .
أقسام هذا المهرجان تتيح للحاضر أن يتابع بعض أفضل ما أنتجته آلة
السينما المستقلة في أمريكا والعالم، يتقدّمها، إذا صح التعبير، قسم
“مسابقة الفيلم الدرامي العالمية” وتحتوي على أربعة عشر فيلماً ويمكن من
الآن، التأكد من أن الهجمة الأكبر للمشاهدين ستنصب على فيلم أفغاني بعنوان
“قصّة حب أفغانية”، وسبب الإقبال في عنوانه على الأقل، كونه يقصّ حكاية
عاطفية بين امرأة اسمها و”جمة” وشاب اسمه “مصطفى”، كتبها وأخرجها سينمائي
أفغاني درس السينما في باريس اسمه برماك أكرم.
في المسابقة الثانية “مسابقة الفيلم الدرامي الأمريكي”، وستّة عشر
فيلماً يستوقفنا منها “لون بارز” لمخرج مستقل هو شاين كاروث كان نال جائزة
لجنة التحكيم في هذا المهرجان سنة 2004 .
كذلك من بين المعروض في هذا القسم فيلم للمخرجة الأمريكية- الأردنية
شيرين دبس التي سبق لها أيضاً أن شاركت في المهرجان ذاته عندما قدّمت في
العام 2007 فيلمها القصير “اختر أمنية” . فيلمها الجديد يدور حول فتاة (دبس
ذاتها) تعود إلى عمّان لكي ترتّب أمر زواجها لتجد أن الوضع العائلي هناك
أقل استقراراً مما كانت تعتقد، وأن عائلتها المسيحية تعارض زواجها من مسلم
.
القسم الثالث الأكثر إثارة لاهتمام معظم المتابعين هو “مسابقة الفيلم
التسجيلي العالمي”، إثنا عشر فيلماً تتيح لنا بانوراما عن العالم اليوم .
وهناك فيلم مصري مشترك في هذا القسم للمخرجة جيهان نجيم التي لها أكثر من
سابقة في المجال التسجيلي بدءاً من فيلمها “غرفة الكونترول” حول محطّة
“الجزيرة” خلال حرب العراق .
الفيلم الجديد بعنوان “الميدان” ويدور حول أحداث ميدان التحرير وما
أسفرت عنه .
إذا ما كانت مسابقة الفيلم التسجيلي العالمي بانوراما لما يحدث في بقع
مختلفة حول العالم، فإن المسابقة الموازية لها “الفيلم التسجيلي الأمريكي”
هي بانوراما لما تعيشه الولايات المتحدة من أحوال مثل الوضع الاقتصادي
“فيلم عن احتلوا وول ستريت” ومثل عمليات الإجهاض التي ما زال اللغط الديني
والسياسي يدور حولها في “بعد تيلر” والرغبة في العودة إلى الجذور بسبب،
جزئي أو كلي، من انهيار الحلم الأمريكي “أخوة دم” أو بحث الشأن السياسي
والأمني الذي فرض على الحملات العسكرية الأمريكية دخول حروب جديدة باسم
التصدي للإرهاب يعبّر عن ذلك فيلم “حروب قذرة” .
باقي الأقسام لا تقل إثارة، ومن المحيّر كيف سيتمكّن المتابع من
مشاهدة كل شيء يرغب في مشاهدته، فلكل منها ما يعرضه من أعمال تتنافس على
سرقة اهتمام الجمهور . ومن هذه الأقسام “بارك سيتي عند منتصف الليل” وقسم
خاص بالأفلام القصيرة وآخر خاص بالأعمال المصوّرة بتقنيات المستقبل، وآخر
لأفلام تسجيلية وروائية لم تدخل المسابقات لكنها تستحق العروض الرسمية .
كل هذا يتم تحت أبصار موزّعين هوليووديين، مهرجان “سندانس” هو المكان
الذي يجمع بين السينما المستقلّة الباحثة عن شركات توزيع غير مستقلّة بغية
بيع منتجها، وبين شركات التوزيع التي تبحث في المقابل، عن أفلام مستقلّة
تجدها مؤهلة للاحتواء لأنها تتضمّن، على نحو أو آخر، عناصر إنتاجية تستطيع
أن تعود بالربح لتلك الشركات .
من هنا ندرك أن السينما المستقلة بغياب نشاط لشركات توزيع مستقلّة
تماماً، ما هي في النهاية سوى وجه من وجوه العلاقة القائمة بين الأطراف
العاملة في السينما ككل، وأن حاجة كل طرف للآخر هي التي تسيّر الإنتاجات
بصرف النظر عن مصادرها .
بالنسبة لأفلام عالمية المنشأ تتوجّه إلى “سندانس”، فإن الغاية هي
أصعب تحقيقاً هذه الأيام: فتح السوق الأمريكية أمام إنتاجات من خارج أمريكا
. أمر صعب على أفلام غير مستقلّة، فما بالنا إذا كانت من الأفلام البديلة
أو المختلفة أو (بالتعبير ذاته) مستقلّة؟
أسماء في تاريخ الفن السابع
فرانكو نيرو
فرانكو نيرو من الممثلين الذين نشأوا تحت مظلّة سينما “الوسترن
السباغتي”، تلك التي وقع في هواها مخرجون إيطاليون كثيرون بينهم سيرجيو
كوربوتشي الذي أسند إلى نيرو بطولة فيلم اسمه “دجانغو”، وهو الاسم الذي
استلهمه المخرج الحالي كونتين تارانتينو، فاتخذه عنواناً لفيلمه الجديد
“تارانتينو طليقاً” مانحاً هذا الممثل دوراً مسانداً من باب الإشادة
بتاريخه .
نيرو (الذي يبلغ حالياً 71 عاماً) استطاع الخروج من سينما “الوسترن
السباغتي” ليمثل في أفلام أفضل مستوى، منها ما هو تحت إدارة مخرجين في
مستوى لوي بونويل وراينر فرنر فاسبيندر . ولديه اليوم أكثر من 130 دوراً
سينمائياً .
شاشة الناقد
عن ألفرد هيتشكوك افتراضاً
**
Hitchcock
هيتشكوك
إخراج: ساشا جرفازي تمثيل: أنطوني هوبكنز، هيلين ميرين، سكارلت
جوهانسن
سيرة الولايات المتحدة 2012
لو صدّقنا هذا الفيلم الدرامي عن واحد من أهم سينمائيي العالم، قديماً
وحديثاً، لخرجنا ونحن أقل ثقة بأن ألفرد هيتشكوك يستحق التصنيف السابق .
السؤال الأمامي هو إذا ما كان هيتشكوك على الصورة التي شاهدناه عليها: رجل
محبط، مهووس، يشرب كثيراً ويفكّر قليلاً، ومسكون بهواجس وكوابيس تقضّ
حياته، السؤال الخلفي هو كيف والحال هذه، لو كان هذا هو الحال فعلاً، تمكّن
هذا المخرج من تحقيق تحفه السينمائية من “سايكو” إلى “فرتيغو” ومن “رجلان
في القطار” و”تخريب” إلى “شمال شمالي غرب” و”طيور” وعشرات الأعمال الأخرى .
قد لا تتوقّف الأسئلة لأن الفيلم يرغب في رسم هالة معتّمة عن رجل لم يكن
معصوماً من الخطأ بالتأكيد، لكنه كان أكثر تماسكاً وقدرة مما يسمح له هذا
الفيلم أن يكون . هل ساشا جرفازي، مخرج هذا الفيلم، لديه انتقام شخصي من
كونه لن يستطع مجاراة ملك السينما التشويقية؟
في البطاقة الرسمية ما يُشير إلى أن “هيتشكوك”- الفيلم، مقتبس عن كتاب
لستيفن ربيللو، وفي الحقيقة وضع ربيللو كتابين عن هيتشكوك، الأول عن
سينماه، والآخر عن حياته الخاصّة . الأول قائم على تحقيقات شملت كل
العاملين في أفلامه وغطّت كل تلك الأفلام (وهو بذلك ليس الكتاب الوحيد من
نوعه) . أما الثاني، فكان عن حياة المخرج العائلية وكيف أنه كان يعاني
الاكتئاب والشرب الزائد . وكيف أن زوجته (هيلين ميرين في الفيلم) تحمّلته
طويلاً، خصوصاً أنه كان يخونها بأفكاره، فهو مهووس بالشقراوات وكان يحبّهن
ولو أنه عاجز في الوقت نفسه عن التواصل معهن بسبب بدانته . على هذه
الافتراضات تم بناء فيلم لا يريد سبر غور عبقرية المخرج، بل تقديم خامة
فضائحية عن الفنان الكبير الذي يعاني مشكلات مع نفسه ومحيطه وزوجته، وعن
تلك الزوجة التي لم تكن أمينة له طوال حياتها، ولم تشاركه أفراحه وأحزانه
دوماً، بل- وحسب الفيلم- هي من كانت تصحح له وجهات نظره عمّا سيقوم
بتصويره، وهي التي كانت تقترح عليه الممثلين والمشاهد الأفضل والتقطيع
الأنسبî
لم ينقص الفيلم إلا أن يقول إنها هي من أخرجت الأفلام بدلاً منه، بل يكاد
يقول ذلك في مشهد خلال تصوير “سايكو” .
الفيلم بأسره يدور على كيفية صنع هذا الفيلم الخاص في حياة مخرجه، وما
تخلله من مشكلات بين هيتشكوك وزوجته . الأول كان يعتقد أنها تخونه (مع كاتب
سيناريو) قبل أن تكشف له كم كانت شريكة فعّالة وصادقة معه على طول الخط .
أنطوني هوبكنز تحت نصف طن من المساحيق، يشبه هيتشكوك قليلاً، لكنه يشبه
أنطوني هوبكنز نفسه أكثر فأكثر .
أوراق ومشاهد
"دي
سيكا" الفانتازي
***
Miracle in Milano (1951)
معظمنا يعرف المخرج الإيطالي فيتوريو دي سيكا على أساس أنه أحد مؤسسي
“السينما الواقعية الجديدة في إيطاليا”، تلك التي نشأت بعد الحرب العالمية
الثانية وتركت التصوير في الاستوديوهات مع الممثلين المحترفين، وأمّت
الشوارع والحارات تصوّر أعمالها المختلفة ومع ممثلين عادة من غير المحترفين
. شهرة دي سيكا الذائعة تعود أساساً، إلى فيلم واقعي وحيد هو “سارق
الدرّاجة”، لكن القلّة هي التي تعلم أن المخرج عمد إلى فيلم فانتازي وإن
كان ليس فانتازي الشكل بل الفكرة وحدها .
“معجزة في ميلانو” هو حكاية شخصية اسمها توتو،
وجدته امرأة في حقل الكرنب فتبنّته . بعد سنوات قليلة ها هو صبي صغير يعيش
في كنف تلك المرأة التي يتعلّم منها أن لكل شيء مظلم جانباً مضيئاً . بعد
سنوات أخرى نرى توتو يمشي وراء نعشها وحده قبل أن يتم إدخاله الميتم . ثم
يخرج في لحظة تختصر نحو خمس عشرة سنة . يمشي في شوارع ميلانو حاملاً
ابتسامة عريضة ومبدأ سمحاً تعلّمه من المرأة الراحلة، وحين يسرق أحدهم
حقيبته الصغيرة يلحقه ويسأله بطلب شديد أن يحتفظ بالحقيبة إذا أراد مقابل
أن يأخذ منها حاجياته البسيطة . فعل الخير يقابله فعل مماثل، إذ يدلّه
السارق على ضاحية عشوائية من التنك يعيش فيها فقراء ومحتاجون لاجئون من
نتائج حرب خلقت مزيداً من الفقر والحاجة . وحين يتم اكتشاف النفط، تتداخل
المصالح ليجد هؤلاء المحتاجون أنفسهم مطرودين من المكان بعدما سعى ثري إلى
شراء المنطقة بأسرها والاستعانة برجال البوليس لطرد من عليها .
إنه فيلم ناقد بلا ريب لكن ليس على نحو سياسي (كنقد بترو جيرمي مثلاً)
. في الأساس هو حكاية فانتازية من مطلعه، تزداد فانتازيّة حينما يُمنح توتو
هبة غير طبيعية نتيجة طيبة قلبه وتفاؤله الدائم . لكن الفيلم لا يستطيع أن
يحمل كلاً من الفانتازيا وأسلوب التصوير الواقعي إلى أبعد مما يفعل .
الإنتاج على كونه مثيراً للاهتمام محصور الأهميّة خصوصاً أن ما ينقض ما
نراه أن المشاهد عليه قبول طيبة ساذجة باسم الفانتازيا . على الناس أن
يتفاءلوا لكي تحقق أحلامهم بالسعادة، لكن ليس هناك في أحداث الفيلم ما يؤيد
هذا المنهج . هذه القراءة تتحمّل الخطأ إذا ما ثبت أن الأمل والتفاؤل هما
بالأهميّة القصوى التي يعتقدها كثير من الناس . بصرياً، الفيلم سلس الجهد
ومشغول بمعرفة التعامل مع ممثلين معظمهم غير محترف مع موسيقا لأليساندرو
كيكوجنيني تخدم المادّة بلا هنات .
م .ر
Merci4404@earthlink.net
الخليج الإماراتية في
20/01/2013
فيلم "على جُّثّتى" والتحليق بأجنحة مكسورة!
بقلم: محمود عبد الشكور
ليس من الصحيح أبداً أن أفلام الفانتازيا معناها غياب المنطق، ولكنها
تعنى القدرة على صناعة منطق مواز، بناء مُتقن من الأحداث والتفاصيل التى
لها قانونها الخاص المستقلّ، الذى يجب أن تلتزم به من البداية حتى النهاية،
من هذه الزاوية، فإن كتابة أفلام من هذا النوع تتطلب جهداً لايقل بأى حال
عن الأفلام التى يطلق عليها صفة "الواقعية"، يحتاج كاتب تلك النوعية خيالاً
خصباً محلّقاً لا يطير إلا بأجنحة من الصنعة المُتقنة كتابةً وتنفيذاً.
وقد بدأ الموسم السينمائى المصرى لعام 2013، بأحد أفلام الفانتازيا
للنجم أحمد حلمى بعنوان "على جثّتى"، من تأليف تامر إبراهيم فى أول أعماله
السينمائية، ومن إخراج محمد بكير فى أول أعماله للشاشة الكبيرة، بعد أن
أخرج للتليفزيون مسلسلين ناضجين وناجحين هما "المواطن إكس" و"طرف تالت".
طرقت السينما المصرية فى العام الماضى أبواب الفانتازيا بصورة مرتبكة
الى حد كبير من خلال فيلمى "بابا عزيز" و"الآنسة مامى"، افتقدت التجربتان
الى تماسك السيناريو، والى الربط السلس بين الواقع والخيال، غلبت أيضاً
المباشرة والقفز الى الفكرة و"المورال"، الحقيقة أن تجربة حلمى الجديدة،
تكاد تكرر نفس الأخطاء والمشكلات بحذافيرها، مضافاً إليها مشكلات التجربة
السينمائية الأولى للمؤلف والمخرج، والأخير بدا أقل امتلاكاً لأدواته وهو
يقدم عملاً أقرب الى الكوميديا.
مغامرات حلمى
لابد من الإشارة قبل كل شئ الى أن أحمد حلمى يحاول أن يقدم ما يمكن
اعتباره مغامرة مختلفة فى كل فترة من الفترات، لو راجعت أفلامه (حوالى 22
فيلماً) ستجد أن نجاحه الجماهيرى الهائل، يشجّعه فى كل مرة على الذهاب مع
جمهوره الى منطقة أقرب الى الكوميديا ذات المواقف الإنسانية، مزيج من الضحك
ومسحة من التأمل الحزين، يحدث ذلك تدريجياً، وبدون طفرات.
المسافة واسعة بين "ميدو مشاكل" بطابعه الهزلى الصاخب، و"آسف على
الإزعاج" بدراسته شبه المأساوية لحالة من الفصام العقلى، والمسافة كبيرة
أيضاً بين أفلام كوميدية خفيفة ومسلّية جيدة الصنع مثل "جعلتنى مجرماً"
و"مطب صناعى" و"ظرف طارق"، وفيلم آخر فائق التسلية ولكنه أكثر تركيباً
وتعقيداً فى بنائه مثل "كده رضا".
تستطيع أن تلمح اكتشاف حلمى لهذه الخطوط الإنسانية المؤثرة ربما منذ
دوره فى "السلم والثعبان" و"سهر الليالى"، ولكن اختياره لبطولة أفلام تمتزج
فيها الضحكات بالدموع تبلور بوضوح كامل منذ "آسف على الإزعاج" و"امتد الى
1000 مبروك"، الفيلم الذى يمتلك فكرة مأساوية وجودية رغم اسمه ومواقفه
الخفيفة، وصولاً الى فيلم "إكس لارج"، الذى حقّق ما يناهز 30 مليوناً من
الجنيهات، والذى ينقل معاناة إنسان تفسد بدانته حياته، بل إنها تكون سبباً
فى وفاه خاله (لعب دوره الممثل الكوميدى إبراهيم نصر).
هذا الوعى واضح تماماً فى مسيرة حلمى، ولكنه لايخلو من العثرات التى
ترجع بالدرجة الأولى الى معالجات السيناروهات لا أفكارها، سواء كانت تلك
الأفكار أصلية أو مقتبسة، فيلم مثل "عسل أسود" يبدو مفككاً ومفتعلا، بينما
عندما تحسّنت الصنعة، أصبح لدينا فيلم أفضل هو "بلبل حيران"، ولكن ظل
لافتاً، فى كل الأحوال، أن المسافة كبيرة حقاً بين "ميدو مشاكل" و"صايع
بحر" من ناحية، و"إكس لارج" و"على جثتى" من ناحية أخرى، هذا ممثل يبحث
ويريد أن يكون مختلفاً، وهو أمر إيجابى يستحق التنويه.
ولكن الأفلام الجيدة ليست بالإرادة وحدهأ، لابد أيضاً من الشغل على
أهم عناصرها وهو السيناريو، مشكلة "على جثتى" ليست فى فكرته سواء كانت
أصيلة أو مقتبسة، المشكلة فى بناء السيناريو بصورة مرتبكة فى مناطق كثيرة،
أحدثت بدورها ارتباكاً لدى المتفرج، لم تأخذ الشخصيات وكثير من المشاهد
حظها من الإحكام، فطار الخيال بأجنحة مكسورة، رغم صدق النوايا، ومشروعية
الطموح.
موت وغيبوبة
يقترب "على جثتى" من "1000 مبروك" فى أن فكرته مأساوية ترتدى ثوباً
كوميدياً مما يتطلب مجهوداً خاصاً فى المعالجة، الفيلمان فى جوهرهما محاولة
للهروب من الموت الذى يسيطر بشبحه على العملين، ولكن "على جثتى" يظل لفترة
طويلة نسبياً متأرجحاً بين الموت والغيبوبة، حتى يستقر على انطلاق مشاهد
الفانتازيا من عقل رجل دخل فى الغيبوبة بسبب حادثة، يلتقى رجلاً آخر يعانى
أيضاً من الغيبوبة، أى أن الشبحين الاثنين بين الحياة والموت وليسا أمواتا
بالفعل، بخلاف صورة شبح الميت العائد الأكثر شيوعاً، كما فى افلام مصرية
وعالمية مثل "عفريته اسماعيل ياسين"، أو فيلم "الشبح" الذى قامت ببطولته
ديمى مور وباتريك سوايزى.
لا بأس في ذلك، ولا جدال فى أن عودة شبح إنسان يضع قدماً فى الحياة،
وأخرى فى العالم الآخر، يمكن أن يصنع خيالاً ثرياً وظريفاً، ولكن خبرة
المؤلف لم تسعفه لا فى رسم شخصياته، ولا فى تعميق خطوطه، ولا فى الإقناع
بالانتقال من الخيال الى الواقع وبالعكس، وإن ظلت لبعض المواقف طزاجتها
وظرفها، خاصة عندما يكون الشبح الأول هو أحمد حلمى، والشبح الثانى هو حسن
حسنى، وبينهما من الكيمياء الفنية ما لايمكن الجدل حوله.
كانت أولى المشاكل فى أننا لم نقتنع من خلال المشاهد الأولى السريعة،
بأن بطلنا رءوف (أحمد حلمى) يستحق كل هذه الكراهية من موظفيه أو من أسرته
الصغيرة بعد دخوله الى الغيبوبة، بالتأكيد الرجل الذى يمتلك معرضاً ضخماً
ليس مثالياً، ولكنه ليس شريراً وليس مؤذياً على الإطلاق، هو يحاول فقط
توفير إدارة صارمة فى عمله، يرفض طلبات موظفيه (منهم إدوارد وآيتن عامر
وعلا رشدى وسامى مغاورى) بناء على معرفته بشخصياتهم غير المسؤولة نراها
بطريقة الفلاش فوروارد، ولكن الرجل يصرّ رغم كل شئ على ظهور موظفيه فى
إعلان عن معرضه العملاق.
أما أسرته المكونة من زوجته سحر (غادة عادل) وابنه رفعت (مروان وجيه)،
فهى تعانى معه بسبب رغبته فى إبعاد الزوجة عن العمل حتى لا تتعرض للغزل من
الآخرين، ورغبته فى ضبط سلوك ابنه لكى يكون متفوقاً مثل والده المهندس
الناجح، مجرد عدم توافق أسرى نراه فى عشرات الأفلام دون أن يكون مدعاة
للكراهية العميقة، بل إن رءوف يقوم بإهداء زوجته فستاناً أنيقاً، ونراه وهو
يرعى كلبه المفضل بحب وسعادة.
لن نعرف أيضاً الكثير عن تفاصيل صراع رءوف فى عالم الأعمال، وستكون
المشكلة الثانية فى غرابة الطريقة التى سينتقل بها رءوف من عالم الحياة الى
عالم الغيبوبة: فجأة نشاهد الكلب غارقاً فى الدم دون أن نعرف السبب، يأخذه
رءوف بسرعة الى المستشفى، فجأة تقفز السيارة، وتغرق فى الماء!
ينتقل رءوف الى عالم آخر مختلف، الناس لاتراه على الإطلاق، مع أنه
يراها أمامه، يصرخ فلا يسمعه أحد، فجأة يعثر على شبح آخر هو المستشار نوح
(حسن حسنى) الذى سيصاحبه فى رحلة لاكتشاف العالم، واكتشاف أسرته أيضاً، لن
نعرف أى شئ عن ماضى المستشار، كان يمكن أن يكون له خط مواز، تنويعة على نفس
النغمة: مراجعة الذات تحت الغيبوبة، ولكن ظل نوح مجرد مرافق، وظيفته الأولى
إلقاء الضوء على رءوف وحياته، ودمتم .
يكتشف رءوف مع نوح أن موظفى الشركة يحتفلون بغيبوبتة، كما أن الزوجة
ترقص والابن سعيد بغياب الأب، تظهر شخصية يجسدها خالد أبو النجا سنعرف بعد
ذلك أنه صاحب شركة منافسة، ثم يتحدث فى نهاية الفيلم عن بيزنس خاص لا نعرف
تفاصيله، ثم يشك رءوف فى وجود علاقة بين الزوجة ورجل الأعمال الشاب، الذى
كان يستحق الإشارة إليه فى المشاهد الأولى السريعة.
المشكلة الثالثة
تظهر المشكلة الثالثة فى اكتشافنا أن الحكاية غيبوبة وليست موتاً،
ننتقل فجأة الى المستشفى فنشاهد رءوف وقد استفاق، وأخذ يُسقط هلاوسه التى
رأيناها على الجميع، يبدو السيناريو مرتبكاًوحائراً بين تهيؤات مريض تحت
الغيبوبة، وبين اكتشافات أشباح لأشياء مجهولة فى حياة زائفة، نظل نتأرجح
بين الحالتين، تختلط الأمور بشدة، وتزيد التناقضات من زوجة تزور زوجها، الى
امرأة تريد أن تتحرر، وتحلم بالسيطرة على شركة الزوج، وتصل التناقضات الى
درجة قيام مريض تحاصره الغيبوبة، بعمل توكيل عام لزوجته التى يشك فيها،
والأغرب أنه سيعود من جديد الى غيبوبته، لمجرد أن يتواصل ظهور الشبحين!
اختلّ التوازن بين المستوى الفانتازى والآخر الواقعى، وامتلأ
المستويان بثغرات هائلة، أخذ المستشار يتحدث الى رءوف بكلمات كبيرة عن
ضرورة الالتزام بالقانون وبروح القانون على حد سواء، وكأن رءوف المسكين
ارتكب جريمة قتل المتظاهرين فى ثورة يناير، المدهش أن رءوف فى غيبوبته
الإفتراضية، شعر بالذنب، فقرر بعد الإفاقة الثانية( اللى ساعة تروح وساعة
تيجى حسبما يريد المؤلف) أن يصحح أوضاع موظفيه رغم شكه بهم، وان يسمح
لزوجته بالعمل، وان يترك ابنه لطفولته، بعد أن كان يطلب منه قراءة مقدمة
ابن خلدون وديوان البحترى.
فجأة يعود رءوف الى الغيبوبة، يتخذ الأطباء قراراً بفصل الأنابيب عنه،
يقرر الشبح رءؤف الاستعانة بالكلب لتنبيه الزوجة بأن زوجها مازالت فيه
الروح، وبصرف النظر عن أن الكلب أصبح بذلك أكثر وعياً بالحالة من الأطباء
أنفسهم، فإن المؤلف، الذى تاهت منه الحكاية، نسى أن الكلب نفسه لا يمكن أن
يراه أحد مثل رءوف والمستشار، لأن الحيوان المسكين إما أنه ميت، او فى
الغيبوبة وفقاً لمنطق الفيلم الساذج.
ما علينا، استفاق رءوف الاستفاقة الأخيرة، وكان أول مافعله الذهاب الى
المستشفى التى يرقد فيها المستشار، التجربة الشبحية مع صديقه ما زالت فى
الذاكرة، وصداقة الأشباح ما تتعوضش، ينتهى الفيلم بالمستشار مع رءوف فوق
أحد الإعلانات الضخمة، يحاول تذكيره برحلتهما الشبحية المضطربة دون جدوى،
فيكتفى بأن يلتقط له صورة بالموبايل!
مأزق "على جثتى" ليس فى فكرته، ولكن فى هذا السيناريو "اللجلج" الذى
يصعد ويهبط ويدور ويلف، الشخصيات حول رءوف كارتونية، لا تعرف مثلاً كيف
تعيش زوجة مرعوبة من زوجها وخانعة أمامه الى هذه الدرجة، ولن تفهم لماذا
تماسكت وهى تترنح من السُكر، ورفضت أن تقيم علاقة مع الشاب رجل الأعمال، من
الصعب أن تفسر طبيعة العلاقة بين رءؤف وكبير موظفيه (سامى مغاورى)، هل هى
حب أم كراهية أم أنها حسب الغيبوبة؟
اجتهاد
اجتهد حلمى وحسن حسنى الى أقصى ما يستطيعان وخصوصاً فى المواقف
الضاحكة، ولكن السيناريو لم يسعفهما بما هو أبعد من بعض الاسكتشات الظريفة
والسريعة، بداية الفيلم باستعراض أبطاله وهم نائمون، ونوم حلمى فى إشارة
المرور، كل ذلك كان استهلالاً جيداً لفيلم فانتازيا، مقدمة تجعلك تتأهب
لحدث غريب أو غير طبيعى قادم، بقية الممثلين فقد كانوا أقرب الى ضيوف
الشرف تماماً مثل أحمد السقا وخالد ابو النجا اللذين ظهرا فى مشاهد قليلة،
أفلت إيقاع الفيلم من مخرجه بكير ومونتيره أحمد حافظ، طالت بعض المشاهد،
وأفلت التأثير الكوميدى لبعض الإفيهات، تميزت صورة أحمد جبر وديكورات رامى
دراج الفخمة، وظهرت الفوارق البصرية بوضوح بين عالم الواقع والفانتازيا،
ولكن ظلت موسيقى أمير هداية حائرة بين خفّة بعض المواقف، وعمق مشاهد أخرى
تقترب من المواعظ المباشرة، عن ذلك الإنسان الذى يظل يجرى حتى يدركه الموت
أو الغيبوبة أو قطار الصعيد .. أيهم أقرب أو أسرع.
"على جثتى" يبدو، فى التحليل الأخير، محاولة غير ناضجة فى مسيرة أحمد
حلمى، الطموح كبير وهائل ولكن طائر الخيال يزحف على الأرض، ذلك أن أجنحة
الصنعة فى حدودها المتواضعة، وليس أدل على ذلك من أن عودة البطل الى الحياة
فى كل مرة، كانت تقتل أفضل مافيه: أشباحه الحرة التى لا يراها أحد.
المصرية في
20/01/2013
تجذب عشرات المخرجين العالميين وتخطط لقفزة عام
2016
ورزازات «هوليوود أفريقيا».. أبناؤها
كومبارس الأفلام العالمية
ورزازات (المغرب): خديجة الرحالي
منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم ومدينة ورزازات المغربية قبلة
المخرجين السينمائيين. تحولت بفعل موقعها الطبيعي الخلاب إلى مركز
لاستوديوهات تصوير هي الأضخم في القارة الأفريقية. يقصدها سنويا عشرات
المخرجين، وفيها صورت أشهر الأفلام التاريخية الكبرى، وإليها شد الرحال
ألفريد هيتشكوك ومارتن سكورسيزي وريدلي سكوت، وآخرين. ماذا يحدث في ورزازات
هذه الأيام، ولماذا خبا وهجهها؟ تحقيق ميداني يلقي الضوء.
غير بعيد عن مدينة مراكش، عاصمة السياحة المغربية، توجد «ورزازات»
مدينة السينما المغربية.. «هوليوود أفريقيا» كما سماها الأميركيون، أو
«بوابة الصحراء» كما يطلق عليها الفرنسيون. مدينة حمراء اللون، جذبت كبار
المخرجين الأميركيين والفرنسيين كما جذبت أوروبيين آخرين وعربا، وهي التي
تنشر الآن «ثقافة السينما» في المغرب.
تقع جنوب البلاد، وتبدو للوهلة الأولى مدينة منعزلة وغافية وسط الجبال
والواحات، لكنها تمور في الواقع بحركة إبداع استثنائية. هنا توجد أضخم
استوديوهات سينمائية في القارة الأفريقية. تستقطب ورزازات كل سنة عشرات
المخرجين الذين يأتون إليها لتصوير مشاهد أفلام ضخمة تبلغ ميزانياتها
ملايين الدولارات، ويعمل الآلاف من أبناء المدينة «كومبارس» في هذه
الأفلام، وتلك خاصية لا توجد في أي مدينة أخرى في العالم. ورزازات مدينة
الديكورات والتمثيل، والمهن الأخرى المرتبطة بالسينما وعالمها. مدينة
سينمائية على الرغم من أنها لا توجد بها دار عرض واحدة، بل هي عبارة عن
استوديو طبيعي، والراغبون في الفرجة يشاهدون الأفلام مباشرة وهي تصور
أمامهم.
شيدت الاستوديوهات داخل وخارج ورزازات، وتحولت مئات الهكتارات إلى
مسرح للتمثيل، في بيئة تكاد تكون مثالية لعمل السينما الهوليودية التي
تعتمد التجسيد الفني. في استوديوهات ورزازات يوجد كل ما يتعلق بالإنتاج
السينمائي: معامل، قاعات مونتاج، متاجر، مطاعم، فنادق، ومركز للتكوين
السينمائي. معظم الاستوديوهات تطل على فضاء شاسع من المناظر الجبلية
الخلابة. هناك أيضا معامل للمهن السينمائية، خياطة ونجارة وصباغة وماكياج
وجبس ونقش، ومواقع للمتفجرات، وإسطبلات لمئات الخيول والجمال التي يتم
تدريبها على التمثيل ومكاتب لإدارة الإنتاج.
في «استوديو أطلس» وجدنا «معبد أبو سنبل»، هناك أيضا تماثيل فرعونية
تقف صامتة. في هذا المكان تحديدا جرى تصور فيلم «كليوباترا» وعدة أفلام
عالمية. أشهر هذه الأفلام صورت في «استوديوهات أطلس» الشاسعة. يجد الزائر
فور دخول هذه الاستوديوهات ساحة كبيرة وضعت فيها طائرة بيضاء، وسيارة «فيراري»
حمراء هي بقايا فيلم «جوهرة النيل» لمايكل دوغلاس الذي صور في ورزازات عام
1984، وكذا فيلم «المصارع» و«كينغ أو هافن» للمخرج ريدلي سكوت.
أمام الساحة باب صغير، ويوجد الباب الخلفي للمبنى، حيث يقتضي الدخول
إليه الانحناء قليلا. هناك وجدنا أنفسا أمام تمثال كبير وخزانات فيها كتب
بلا حصر.. إنه معبد «بوذا» والتمثال الكبير هو «بوذا». كل شيء في هذه
الاستوديوهات مصنوع من جبس وكرتون وقصب، شيء مبهر فعلا. جميع هذه الديكورات
شيدها حرفيون من أبناء ورزازات. أغلب الديكورات في هذا الاستوديو من طين
وجبس. بعض الديكورات انهارت، ولم يتم ترميمها.
هنا كذلك يوجد قصر كليوباترا وبيوت صغيرة وسوق، قال لنا المرشد إنها
شيدت أثناء تصوير فيلم «النبي يوسف». لكن ليس كل التصوير يجري في
الاستوديوهات، بل هناك مناطق صورت فيها أفلام لا توجد بها أبسط المرافق،
ولا حتى الطرق المعبدة، مثل منطقة «فينت»، وينطبق الأمر نفسه على قصبة «آيت
حدو»، التي صورت فيها أفلام عالمية، مثل «غلادياتور»، وتعد من المآثر
المصنفة ضمن التراث الإنساني العالمي.
في نهاية القرن التاسع عشر عام 1897 تم تصوير أول فيلم أجنبي في
ورزازات، بعنوان «راعي الماعز المغربي»، وكان وراء هذا الإنجاز رائد
السينما الفرنسية لوي لوميير. وتوالت بعده أعمال فرنسية أخرى منها «الدم»
للويتس مورا و«إن شاء الله» لفرانز توسان.
في أواخر عشرينات القرن الماضي اكتشف الأميركيون هذا المكان الرائع،
ليصير وجهتهم طوال القرن الماضي. في عام 1930، وصل إليه جوزيف فون
ستيرنبيرغ لتصوير «قلوب محترقة». وستعرف ورزازات التحول الكبير في النصف
الثاني من القرن العشرين، حيث سيتجه نحوها وبكثافة أشهر المخرجين والممثلين
والمنتجين السينمائيين في العالم، منهم ألفريد هيتشكوك، ومارتن سكورسيزي،
وأنتوني كوين، وريدلي سكوت، ومصطفى العقاد، وأوليفر ستون، وسيرجيو ليوني،
وليوناردو دي كابريو، ومايكل دوغلاس، وجان بول بلموندو.
عندما تتجول في ورزازات، المدينة الخلابة التي ترتفع عن سطح البحر
بنحو 1136 مترا، وتعد تلالها وواحاتها الخضراء أكبر استوديو طبيعي في
العالم، ستجد نفسك في هوليوود أخرى. الطبيعة خلابة والقصور والقصبات
والواحات ممتدة على مد البصر، والكنائس والأهرامات والثلوج والصحراء، هنا
كل ما يغري كبار المخرجين.
في المدينة توجد «واحات سكورة» و«قصر آيت حدو» وقصبات «تمغرط» وقصبة «تاوريرت»
ووادي درعة. أمكنة متنوعة تجد نفسك فيها تعيش الماضي مع حروب الرومان، وزمن
الحضارات الكبيرة مثل الحضارة المصرية والرومانية والصينية، كما توجد بها
«الأهرامات المصرية» و«مدينة القدس» القديمة. كل هذا موجود في ورزازات
تجسده الديكورات التي تحتفظ بها المدينة في جميع استوديوهاتها.
قبالة «قصبة تاوريرت» يوجد المتحف السينمائي. يبدو المتحف عاديا من
الخارج. أمامه تمثالان لحصانين وبئر، في جانب المدخل يوجد باب وممر طويل
بعد المدخل الأول، استفسرنا الحارس حول ما إذا كان هناك دليل سيعرفنا على
المكان، أجاب قائلا «لن تحتاجوا لأحد، كل شيء موجود في هذه الورقة». دخلنا
الباب الذي يقود إلى «قاعة عرش الملك سليمان»، هكذا كتب في لوحة وضعت وسط
ساحة بها ديكور استثنائي، يتوسطه كرسي فخم مذهب. كل شيء هنا من جبس وكرتون
وقصب. إذا نقرت الجدار تسمع صدى يتردد في أرجاء الفضاء الخالي.
الأفلام التي صورت هنا معظمها كانت خلال فترة التسعينات، وصورها
إيطاليون. أغلبها أفلام تتحدث عن المسيح والنبي يوسف. يوجد إلى جانب قاعة
«عرش سليمان» على اليمين معبد صغير ومحكمة وبرلمان، بعد ذلك ممر طويل ومظلم
دخلناه فوجدنا سجنا فيه زنازين مظلمة من جبس وقضبان خشبية، وسلاسل صدئة من
حديد. خرجنا من «قاعة العرش» ودخلنا من الممر الثاني الطويل، كانت هناك
بناية ضخمة في بابها توجد مغارة سوداء، سألنا أحد الحراس هل هي للتمثيل،
فقال إنها مجرد ديكور للمكان. دخلنا من باب كبير بجانب المغارة، كان كل شيء
لا يصدق عربات مصففة ومزينة بنقوش وألوان زاهية. إنها العربات التي كانت
تحمل فوقها كليوباترا في فيلم يحمل اسمها.
أكملنا التجول فوجدنا غرفة كبيرة فيها سرير مزين ومغطى بغطاء أحمر
ووسائد من ثوب ذهبي اللون.. إنها غرفة زوجة الفرعون. مشينا في سراديب بعضها
يقود إلى غرف تصوير مجاورة وأخرى إلى طرق مسدودة. «هنا صور فيلم (لابييل)،
وهنا صور فيلم (عيسى)»، قالها حارس كان يقف إلى جانبنا، مشيرا إلى غرف
مظلمة. قادنا الحارس إلى قاعة أخرى فسيحة فيها معدات تصوير قديمة بعضها كان
يعمل بالفحم، تتفرع عن القاعة غرفة ملابس فيها ثياب قديمة استعملت في تصوير
أفلام تاريخية. إلى جانبها نبال ورماح ودروع من جلد وحديد وجبس. كان المشهد
مثيرا.
في ورزازات ومن خلال قوائم الأفلام التي صوّرت، يمكن رصد عشرات
الأفلام التي كان للصحراء فيها دور محوري، منها «جوهرة النيل» عام 1985،
و«الفرقة الأجنبية» عام 1998، و«المومياء» عام 1999، و«المصارع» عام 2000،
و«بابل» عام 2006، وبعض الأفلام المهمة التي استغلت الأراضي المغربية لتجسد
أجواء غير عربية مثل «كويدون» إخراج مارتن سكورسيزي عام 1997، والفيلم
التلفزيوني «كليوباترا» عام 1999، ومسلسل «قدماء المصريين» عام 2003،
و«طروادة» 2004 إخراج فولفغانغ بيترسين، و«ألكسندر» 2004، إخراج أوليفر
ستون.
صورت في ورزازات أفلام تحمل أسماء «الوصايا العشر»، و«إبراهيم»،
و«يعقوب»، و«يوسف»، و«موسى»، و«سليمان وسبأ»، و«داود»، و«يسوع»، و«سليمان»،
و«سارة»، و«شمشون ودليلة». وهناك أفلام أنتجت تصور أحداثا تدور في المغرب،
وتلعب فيها شخصيات مغربية أدوارا محورية مثل «غريب بشع» إنجليزي 1998،
و«الآن سيداتي سادتي» فرنسي 2002، و«لقطات» أميركي 2002، و«بابل» مكسيكي
2006، و«الممر» أميركي 2007، والقائمة تطول. معظم هذه الأفلام تعتمد على
أجواء تتشابك فيها العلاقات بين مغاربة وأجانب، تسيطر عليهم الدهشة، تجاه
مظاهر وتقاليد تعكس البؤس والجهل، وأحيانا طقوس حفلات السحر والشعوذة.
يقول مصطفى أفاقير، أستاذ بمعهد المهن السينمائية والمتخصص في مجال
السينما «في الثمانينات والتسعينات صورت بمدينة ورزازات أفلام حول أنبياء
وأفلام تاريخية مثل (إبراهيم) و(يوسف) و(عيسى)». ويشرح أفاقير أنه «قدم
فريق إنتاج إيطالي إلى ورزازات واكتشف أن مستوى الضوء مناسب للتصوير، وبعد
فيلم (لورنس العرب) الذي تم تصويره عام 1962 لاحظ مخرجون جودة الضوء
الطبيعي للمدينة، كما وجد المخرجون أن لون الجبال مناسب جدا للتصوير خاصة
الأفلام التاريخية».
وروى أفاقير أنه من بين الحكايات التي حدثت في ورزازات أن الممثل
الأميركي «براد بيت» عندما جاء المدينة لتمثيل أحد الأفلام طلب أن تكون له
صالة رياضة، واضطر المعنيون لإحضار صالة للرياضة من الدار البيضاء. وعلى
الرغم من ذلك لم يستعملها إلا أربع مرات، لأنه بدلا من ممارسة الرياضة كان
يجلس مع بسطاء المدينة لشرب الشاي المنعنع.
ويعتقد أفاقير أن المشكلة في ورزازات تكمن في أن بنية الاستوديوهات
ليست في حالة جيدة وعليها أن تتطور أكثر، حيث بدأت الديكورات التاريخية
تتلاشى وتنهار، إضافة إلى مشاكل بيروقراطية. وقال أفاقير إن هناك مشروعا
لتشييد مجمع سينمائي، يضم الديكور فيه إكسسوارات وصالات مونتاج، سيتكفل به
المركز السينمائي المغربي. وحول كيفية تطوير ورزازات لتصبح بالفعل عاصمة
السينما في أفريقيا قال أفاقير في حواره مع «الشرق الأوسط»: «المطلوب بنية
تحتية قوية جدا والمحافظة على الديكورات، وأن يواكب ذلك خطة دعائية
وإعلامية قوية، ونكون حاضرين في جميع الملتقيات لبيع هذا المنتوج السينمائي
وتسويقه». ويعتقد أفاقير أن «استوديو أطلس» هو الأفضل على مستوى أفريقيا من
حيث تحقيق المداخيل، وكان قد شيد عام 1984، عندما تقرر تصوير فيلم «لؤلؤة
النيل» لمخرجه لويس تيك. ويوجد في الاستوديو فندق ومجموعة من المرافق.
مع تراجع الإنتاج السينمائي عام 2008 تحديدا، تشكلت «لجنة الفيلم» في
ورزازات، كما تأسس «معهد ورزازات المتخصص في المهن السينمائية». وتبعا
للتصورات التي وضعت لإنعاش السينما بدأ العمل عام 2009 بإنشاء جهة واحدة،
تتعامل معها شركات الإنتاج، لتفادي البيروقراطية، وفسح المجال أمام
الكفاءات والموارد البشرية وتطوير البنية التحتية، وتقديم التحفيزات
المالية التي من شأنها تشجيع جميع الأطراف على العمل والإبداع. كل ذلك
يندرج ضمن هدف استراتيجي يسعى إلى جعل ورزازات رائدة في استقبال النتاجات
السينمائية في أفريقيا عام 2016.
أبرز المخرجين الذين دأبوا على العمل في ورزازات بميزانيات ضخمة هما
ريدلي سكوت ومارتن سكورسيزي، الأول كلف تصوير فيلمه «غلادياتور» عشرة
ملايين دولار، وشمل ذلك تكاليف إنشاء مواقع التصوير وأجور الكومبارس وامتد
التصوير لستة أشهر. ولإنجاز فيلم «مملكة الجنة» للمخرج نفسه شيدت «مدينة
القدس» التي شارك في إنشائها 300 حرفي ضمنهم مائة إيطالي، وتطلب الأمر عشرة
أشهر، وشارك في التمثيل ألف ممثل كومبارس.
أسهمت ورزازات في نشر ثقافة السينما في المغرب، عن طريق الطلبة الذي
يدرسون بمعهد السينما بورزازات، حيث يكتسبون الثقافة السينمائية وينشرونها
في مختلف الأوساط. ورزازات مدينة هادئة، يمكنك أن تلتقي فيها بأناس بسطاء
شاركوا في أعمال سينمائية ضخمة جلبت الملايين من الدولارات لأصحابها. في
المقاهي الشعبية ستجد من مثلوا في أدوار الكومبارس، وأدوا أدوارهم البسيطة
إلى جانب براد بيت وليوناردو دي كابريو، أو مع أبطال أفلام عالمية كمثل «غلادياتور»
و«مملكة الجنة» و«شاي في الصحراء» و«بابل». قال لنا أحد أبناء مدينة
ورزازات، الذي عمل «كومبارس» في عدد من الأعمال السينمائية العالمية
«مدينتنا تتميز بهدوئها وواحاتها وقصورها وقصباتها، وتنوعها الجغرافي، وكل
هذا يحقق شهرة للمغرب ويجلب عشرات آلاف السياح من مختلف أنحاء العالم، كما
أن صناعة السينما في المدينة تخلق وظائف لنصف سكان المدينة الذين يعملون
كومبارس وفي المهن الأخرى المتعلقة بصناعة السينما».
الشرق الأوسط في
20/01/2013
حياة "باي" الجميلة فوق قارب تتقاذفه أمواج المحيط
خيرية البشلاوي
مجموعة من الأفلام السينمائية الرائعة معروضة حالياً في القاهرة.
لتقدم للمتفرج المصري شهادة لا تقبل النقض عن التطور المذهل الذي وصلت إليه
القدرة التعبيرية لوسيط الفيلم. لا أعني التطور التكنولوجي الذي يظهر من
خلال هذه الأفلام نفسها وإنما أيضا مستويات الإبداع البصري والتألق الفكري
والأصالة الموضوعية التي لن يكن من المتصور بلوغها.
بعض هذه الأعمال يحتل القائمة المرشحة للأوسكار "2013" ومنها
"البؤساء" و"حياة باي".. والعملان يعتمدان علي أعمال أدبية بما يعني
التزاوج الأبدي بين الرواية والفيلم. إنه زواج كاثوليكي. الانفصال فيه حرام
شرعاً. والعملان يستخدمان عناصر الحكي من صورة وصوت وموسيقي ومؤثرات ووسائل
للعرض تجعل المستحيل ممكناً في مجال الحكي القصصي مهما بلغ من التعقيد
والصعوبة عملياً وذهنياً.
هذه الأفلام تجسد أيضا شهادة صادمة لا تكف عن ملاحقتنا عن حجم التخلف
الذي تغرق فيه سينمانا. وحجم الانحطاط في أساليب الترفيه والتعبير الفني
والفكري في بلادنا. أيضا حجم الادعاء لدي بعض من يتصورون أنهم صُناع
للسينما جديرون بالاحترام مثلاً.. ومنذ فترة ونحن كمتفرجين نفاجأ بالتدني
والسوقية والبلادة الفنية والخمول الفكري أتعجب كثيراً عندما تتابع مخرج
عديم المرجعية تجاوز الستين وقائمة أعماله لا تتجاوز أصابع اليد وأفضلها
بائس فنياً إذا ما قورن بأي عمل في صناعة متقدمة. ومع ذلك يحكي عن أمجاده.
وقد أعماه الغرور والنفخة الكدابة وضللت الشهادة التي حصل عليها عن أن يري
مستواه الحقيقي لأنه في حقيقة الأمر لا يشاهد الإنتاج السينمائي. ولم يحاول
أن يطور فنه أو يقيم أعماله ومثل هذا النموذج الأجوف منتشر وسوف يزداد
انتشاراً مع تزايد سيادة الانحطاط الثقافي والفني والذوقي ومع موجات الردة
المروعة والفارق بين هؤلاء المخرجين "الحوف" وبين مخرج آسيوي من نوع آنج لي
الذي التقطته هوليوود ومولت أعماله هو نفسه الفارق بين درجة الانحطاط الفني
عندنا وبين مستوي التقدم عندهم.. التقدم الذي يطول كل شيء. بدءاً من البيئة
الثقافية مروراً بالمناخ الفني فضلاً عن المستوي الحضاري والعلمي فكل بيئة
تنضح بما فيها.. التنمية الثقافية عندما مجرد لافتات بلا مضمون.
الهروب الجميل
فيلم "حياة باي"
Life of pi
عمل فريد الجمال والتميز مأخوذ عن رواية بنفس
الاسم للروائي يان رمارتل ظهرت في سلسلة الروايات الأكثر مبيعاً عام ..2001
قرأها الملايين عبر العالم والآن يشاهد الفيلم ملايين وهم بالقطع متشوقون
لمشاهدة الترجمة البصرية لهذا العمل الروائي الذي يفترض أنه يمثل تحدياً
كبيراً لمن يتصدي لهذه المهنة. وقد نجح آنج لي في اجتياز هذا التحدي وأثبت
مرة أخري أنه صانع مبدع وشديد الرقي. وقادر علي تحقيق قدر وافي من البهجة
لعشاق السينما. سبق أن شاهدنا له فيلم "النمر المتحفز والتنين المتخفي".
يحملك الفيلم وسط مغامرة ساحرة. وخيال روائي جامح ومستوي بصري مذهل
احتاج من المخرج حرفية وإمكانيات تكنولوجية متطورة لتحويل المادة الرديئة
المقروءة إلي مشاهد مرئية بنفس الخيال والثراء الروحي والمتعة الذهنية.
الصراع من أجل البقاء علي الحياة يحتاج إلي الأسلحة الروحية التي
شحذها "باي" في مواجهة مشاعر الخوف والوحدة والجوع وهجوم البحر وغياب أي
أمل لاستمرار الحياة.
وبطل الفيلم شاب هندي يبدأ الفيلم وهو يروي قصة حياته ومغامراته
الفريدة لكاتب فرنسي كندي يسجلها الفيلم.. إذن عودة إلي الوراء "فلاش
باك".. سرد لحياة هذا الشاب وهو مازال طفلاً في الخامسة ثم صبياً وحتي ذروة
الشباب وبلوغه مرحلة النضوج.
المراحل الثلاث لحياة "باي" يؤديها ثلاثة ممثلين علي درجة عالية جداً
من الاتقان والاقناع. المرحلة المتوسطة التي تأتي بعد العاصفة وغرق السفينة
التي كانت تقل أسرة "باي".. إلي كندا. فقدان البطل لأسرته وصراعه مع باقي
الحيوانات التي كتبت لها النجاة وعلاقة الصداقة التي جمعته "باي" مع النمر
العملاق ريتشارد باركر. جميع مشاهد هذا الجزء من الرواية تشكل المناطق
الأكثر روعة والأكثر جمالاً من حيث التصوير والموسيقي وأيضا في كشفها
لأبعاد أكثر عمقاً في شخصية البطل حيث تصل المحنة إلي أقصي ما يمكن أن
تولده من حيرة وألم وبحث عن خلاص وعن ماء صالح للشرب وعن مأكل.. وعن لحوم
للحيوان الذي إذا ما جاع يأكل صديقه.
مشاعر الخوف والترقب والدهشة والتفكير وتأمل سحر البحر وجبروته ولون
المياه وتضاريس الموج المرتفع والعاصفة.. إلخ.. إلخ.. هذه كلها تنتقل
بتأثيرها القوي إلي المتفرج.. مشاهد لم يسبق حضورها علي الشاشة بكل هذا
التجسيد وبالذات مشاهد "الجزيرة".
ومنذ الطفولة تظهر شخصية "باي باتل" كولد نابه حاد الذكاء. متأمل
ومتسامح بالفطرة.. يري أن "الرب" واحد وان تعددت طرق التواصل معه. يصيب
والده غير المتدين بالحيرة عندما يراه يخلط أثناء الصلاة بين شعائر الإسلام
والمسيحية رغم أن الأسرة هندوسية وهو نفسه يؤمن بالإله الهندوسي ويتضرع
إليه أثناء رحلته. وأسرة "باي" هندية ثرية والده يمتلك حديقة للحيوانات في
إحدي المقاطعات وله شقيقه يكبره وأم مودرن.. الجزء الأول من الفيلم يصور
هذه الأجواء ويرسم شخصية بطله بفطنة.
علاقة "باي" بالحيوانات يصورها الفيلم ونستقبلها نحن كإحدي الحواديت
البديعة والجذابة يتكشف من خلالها التفاصيل التي تؤكد براعة التكنولوجيا
التي أنتجت هذه الحيوانات وحركتها وجعلتها تصارع بدورها من أجل البقاء بعد
ارتطام السفينة وغرقها.
وشخصية النمر ريتشارد باركر تبدو حقيقية جداً جذابة ومقنعة فهو حيوان
فعلاً ولكن بروح يمكن التواصل معها. إنه بكلام "باي" لا يمكن استئناسه ولكن
بفضل الله يمكن ترويضه.. وقد حاول بالفعل أن ينجز هذه المهمة.
الرحلة إلي كندا
عندما يقرر والد "باي" الانتقال إلي كندا. ويستأجر سفينة شحن ضخمة
تحمله مع أسرته وحيوانات الحديقة التي يملكها تهب أثناء الرحلة عاصفة
رهيبة. تهلك السفينة والأسرة. وينجو باي والحمار الوحشي والأسد ريتشارد
باركر والقرد والسلعوة.. الجميع يصارع الأنواء. لا يبقي سوي قارب النجاة
فيصبح هو المرفأ الوحيد الباقي وسط المحيط الشاسع والأمواج العالية وعواصف
تدفع بالقارب إلي المجهول.
وبعد أن يموت الحمار والقرد والسلعوة لم يعد من رفيق سوي "النمر" وبطل
الفيلم.. الأول يعيش علي أكل اللحوم والثاني نباتي بينما مصادر الطعام
معدومة والبقاء هكذا من الأمور المستحيلة وكذلك الإفلات من الغرق.
لا يبقي أمام باي وسط هذا كله سوي إيمانه الروحي. صلابته الجثمانية.
ذكائه وقدرته علي خلق علاقة إنسانية مع هذا النمر البنغالي العملاق
فالرسائل المتضمنة في هذا العمل عديدة وإيصالها يتم برهافة وطرافة.
فالأسماك هي اللحوم الوحيدة التي يكن أن يجود بها البحر للنمر ولابد
من وسيلة للإمساك بها.. وحين ينجح "باي" في اصطياد سمكة وقتلها تسيل دموعه
بينما يشكر الإله الذي تجسد في السمكة حتي يمنحه حياة.
في الفيلم يظهر الرب الهندوسي وسط التلال البعيدة وفي أجزاء من الفيلم
كطيف بعيد مما يعني أن البعد الديني كان حاضراً في ذهن المؤلف والمبدع
السينمائي كأحد عناصر الخلاص للإنسان.
تنفيذ بارع
من المشاهد الرائعة التنفيذ. أسراب الأسماك الطائرة فوق مياه المحيط
التي ترتطم بالقارب وتهاجم "باي" ويلتقطها الأسد ريتشارد باركر.. وأيضا
مشاهد الحيوانات الغريبة التي تظهر في جماعات علي الجزيرة التي يرسو أمامها
باي والأسد. والتكوينات الطبيعية ويشاهد الأدغال التي ينجذب لها الأسد
ويقرر الرحيل دون أن يلتفت إلي صديقه. الأمر الذي يعبر عنه "باي" بتأثر حين
يستعيد الحكاية مع الكاتب الذي يزور بأي ويدون قصة حياته.
مشهد البداية والنهاية في فيلم "حياة باي" يتم داخل منزل باي بعد أن
تزوج وأنجب. وهي ليست أقوي أجزاء الفيلم من حيث الجاذبية وإنما تمثل أجزاء
عضوية في بناء السيناريو.
لعب دور باي "الرجل" عرفان خان النجم الهندي المشهور وفي الفيلم يظهر
الممثل الفرنسي الكبير جيرار ديبراديو في دور "الطاهي" علي ظهر السفينة وهو
دور صغير ولكنه رائع أولاً من حيث الأداء ومن حيث الدلالة الفنية. وهنا
أشير إلي الدقة والتدقيق في اختيار طاقم الممثلين بغض النظر عن حجم الدور.
هذه الدقة الفنية تظهر أيضا في اختيار الممثلين اللذين قاما بدور موظفي
شركة التأمين اليابانية اللذين التقيا بـ "باي" بعد نجاته وأثناء علاجه من
تداعيات المغامرة الصعبة التي عاشها.
من العناصر المذهلة أيضا عنصر التصوير "كلاوديو ميراندا" وبراعة
المشاهد ونقاء الألوان. والتدرج
الغريب في درجاته بالنسبة للأمواج وتموجات
البحر. وأيضا عنصر الموسيقي.
فيلم آنج لي يتسم إلي جانب ذلك كله بروح شفافة. ولمسات شاعرية. وعمق
روحي واحتفاء بقيمة الحياة.
إنه بلا شــك من الأعمــــال البديعـــة والمبهجــة التي من الممكن أن
تكتسـح جوائز الأوسكار هذه السنة.
المساء المصرية في
20/01/2013 |