حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مدكور ثابت..

سيسمع اسمَه كلُّ مصري

نديم جرجورة

 

فجأة، يصل خبر رحيل سينمائي وجد في عزلة المرض انكماشاً عن الفعل العام. أو ربما تنبع المفاجأة برحيل سينمائي من عدم متابعة شخصية لأخباره وأحواله. مساء السبت الفائت، توفيّ السينمائي المصري مدكور ثابت. قيل إنه تعرّض لأزمة قلبية. صُورٌ له نُشرت فور شيوع الخبر كشفت ضعفاً في بنيته الجسدية. ضعفاً نابعاً من استفحال مرض ما فيه. أو ربما هو مجرّد تعب. مدكور ثابت لم يدخل سن الشيخوخة. ثمانية وستون عاماً يُمكن أن تكون محطّة غنية بالمفاجآت العملية السارة. يُمكن أن تكون لحظة تفوّق على الذات أحياناً، في ابتكار الجديد. أو في إكمال المسار العمليّ. مدكور ثابت لم يبلغ عمراً يمنعه من قول المزيد. أو من متابعة الجديد. الجديد المصري خصبٌ بمواد حيّة تُغري السينمائي (وغيره) لابتكار عمل أو أكثر. قيل ان مدكور ثابت «كان» بصدد ذلك. قيل إنه هيّأ مواداً عديدة لفيلم وثائقي يتناول ما حصل في مصر منذ 25 كانون الثاني 2011. قيل إنه وضع عنواناً لجديده هذا: «كل مصري هيسمع اسمه». قيل إن القدر لم يُمهله لإنهاء ما بدأه. القدر؟ أم ضعف البنية الجسدية؟ أم القلق الكبير؟

إزاء مواقف كهذه، تنعدم أهمية معرفة أسباب موت سينمائي. الموت، في المحيط العربي، كثيرٌ هذه الأيام. الخراب أيضاً. أحوال مصر لم تستقم بعد. «الثورة» محتاجة إلى وقت طويل. محتاجة إلى غذاء روحيّ وعمل ميدانيّ يتيحان للبلد ولناسه خلاصاً أكيداً من كل الفراعنة. هذه أحوال مثيرة لعمل ميدانيّ يُفترض به أن ينبع من الواقع، وأن يُغذّي الواقع روحياً على الأقلّ. أميل إلى الاعتقاد أن العمل غير المنجز لمدكور ثابت منخرطٌ في هذا. أميل إلى الاعتقاد أن مدكور ثابت ساع إلى فهم الواقع، والاشتغال عليه، والذهاب إلى متاهاته لقول شيء ما عنه وله ومن أجله.

زيارة وحيدة أُتيحت لي، برفقة الصديقين المغربيين مصطفى المسناوي وأحمد حسني. منذ أعوام عديدة، أراد الصديقان زيارته تحضيراً لدورة جديدة من «مهرجان تطوان». التقيته. أعرفه سابقاً بفضل كتب وأفلام. بفضل وظيفة حكومية له (رئيس «المركز القومي للسينما» حينها). لكنها زيارة عابرة. زيارة سريعة. زيارة مهنية. زيارة زوّدتني بكتب سينمائية أهداني إياها قبل مغادرته المكتب لاجتماع ضروري. الرئيس السابق لـ«المركز القومي للسينما» جمع بعض التناقضات في سيرته المهنية: أستاذاً أكاديمياً، وموظّفاً حكومياً، وسينمائياً خاض تجربتي الروائي والوثائقي في صناعة السينما المصرية. هذه أمور تحصل في «برّ مصر». أن يكون المرء رقيباً على المصنّفات الفنية، هو القادم إلى الفن من صناعة «إبداعية». أن يكون «موظّفاً» رسمياً، هو الذي أنجز أحد الأفلام الوثائقية المهمّة: «سحر ما فات.. في كنوز المرئيات» (2006)، تناول فيه «مئة عام من التاريخ السينمائي المصري». التأليف دأبه. ليس إشرافاً على كتب سينمائية فقط ضمن السلسلة المعروفة باسم «ملفات السينما» (منها مثلاً كتاب جُمعت فيه مقالات نقدية لسيد حسن جمعة، وآخر تتضمّن مذكّرات المخرج محمد كريم)، بل اشتغالاً نظرياً أيضاً: «النظرية والإبداع في سيناريو وإخراج الفيلم السينمائي». «ألعاب الدراما السينمائية». «موسوعة نجيب محفوظ والسينما، 1947 ـ 2000». نُقل عن محفوظ قوله كلاماً حسناً في مدكور ثابت، الذي وُصف بأنه أحد المخرجين المبشّرين بما أسماه النقّاد «السينما الجديدة»، وذلك بمناسبة إخراجه فيلمه الأول «حكاية الأصل والصورة» (1972)، المقتبس عن قصّة لمحفوظ نفسه. نُقل عن محفوظ قوله إنه «متقدِّم» على السينما السائدة «بما لا يقلّ عن 30 عاماً». 

درّس مدكور ثابت طلاباً باتوا سينمائيين، هو السينمائيّ الذي وجد في عدسة الكاميرا منفذاً جمالياً للبوح. قبل أيام قليلة، مات من يجب أن يسمع باسمه «كل مصري». 

كلاكيت

«صديق الطغاة»

نديم جرجورة

ليس مفاجئاً موقف الممثل الفرنسي السابق الروسي الحالي جيرار ديبارديو إزاء «سيّده» الجديد فلاديمير بوتين وعصابته. مثقفون وفنانون عديدون اتّخذوا مواقف شبيهة به. انحازوا إلى الطاغية. تقرّبوا من القاتل. دافعوا عن الجريمة. لكل منهم سبب أو أكثر. «المصلحة العليا» للفرد فوق كل اعتبار. «المصلحة العليا» تعني أمناً ذاتياً يؤدّي إلى أرباح مالية. شبكة العلاقات العامة ضرورية. لكن الأهمّ من هذا كلّه: المال. سلطان السلاطين. الطاغية الأقوى. محرّك الجماعات والأفراد. مغيّر الأحوال والانفعالات. الطغاة خاضعون له أيضاً. لكنه ليس وحيداً. الطغيان نابعٌ من رغبات غريبة. من أمراض عصيّة على الشفاء أحياناً. من إيديولوجيات عفنة دائماً

لا تزال «قضية ديبارديو» مثيرة لنقاشات لا تنتهي. له الحقّ في أن يفعل ما يشاء. لديه سلطة منحته إياها السينما أولاً، والأعمال الخاصّة لاحقاً. لديه مال. في داخله ديكتاتور صغير، كالمبدعين جميعهم. يميل إلى طغاة يُشبهونه. له الحقّ في أن يختار الخلاص من بلده. في أن يتهرّب من دفع الضرائب. في أن يستغلّ وفاة ابنه. في أن يرحل من هنا إلى هناك. في أن يبحث عن موطئ قدم. في أن يدّعي أنه «مواطن عالمي». في أن يقول ما يشاء. في أن يتصنّع دور الضحية. أمواله تحميه. سلطته تحميه. مصالحه العليا تحميه. مثقفون وفنانون و«عباقرة» مالوا إلى من هم دونهم مستوى، لأنهم محتاجون إلى متسلّطين قادرين على حماية مصالحهم العليا. ينسى هؤلاء أنهم فوق كل سلطة. أنهم أقوى من كل سلطة. أنهم أهمّ من كل سلطة. ينسون أن تقرّبهم من سياسيين حاكمين طغاة إساءة إليهم، وإن كانوا هم أنفسهم طغاة، لكن من نوع آخر. طغيانهم محصَّن بإبداعاتهم. طغيان سياسيين محصَّن ببطشهم الذي يقودهم إلى الجريمة. فرانك سيناترا تورّط في عالم المافيا. زياد الرحباني ناصر ستالين. هوليووديون عديدون منقسمون بين «ديموقراطيين» و«جمهوريين»، بصرف النظر عن سياسات هؤلاء وأولئك. جيرار ديبارديو وجد في حكم بوتين «ديموقراطية عظيمة». جنون أو غباء أو عشق للفساد؟ ربما. المؤكّد أن سلوكاً كهذا يتلاءم والديكتاتور الصغير في كل واحد منهم. «المحافظون الجدد» في إدارة جورج بوش الابن مثقفون ومفكّرون: انظروا ما الذي فعلوه. يساريون «إنسانيون» إسرائيليون يُبرّرون جرائم سلطاتهم. هذا واقع مبني على حرية الفرد في الاختيار، وإن كان الاختيار خاطئاً بالنسبة إلى آخرين. وإن كان الاختيار غطاءً «إبداعياً» لطاغية. مبدعون كهؤلاء لا تعنيهم «تفاصيل» كهذه، لانشدادهم المذهل إلى الأنا المريضة. لا يكترثون لأفعال طغاة، لأنهم منجذبون إلى «الأسمى». والأسمى، بالنسبة إليهم: «مصالح عليا» خاصّة بهم. المصالح متنوّعة: مال. سياسة. قضايا إلهية. إيديولوجيات عفنة. سلطة. أو مزيد منها.

إنه «صديق الطغاة»: هكذا وصفته «إل موندو» الإسبانية. هذه «مسخرة»، كما قال جاك فيرجيس عن القضية وتفاعلاتها. إنه جيرار ديبارديو باختصار.

السفير اللبنانية في

10/01/2013

كاثرين بيغلو تجنبت فخاخ الإثارة والمنافحة الوطنية

«ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل».. سيناريو لغز اصطياد بن لادن

زياد الخزاعي (لندن) 

لا يساوم فيلم المخرجة الأميركية كاثرين بيغلو «ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل» على قضيته. لا يرتكن إلى تبريرات، أو ضخّ مشاهد توصيفية أو شروحات أو دعوم. جثّة زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن تمثّل الدرّة التي ظلّ نصّ مارك بوال، الصحافي الذي تحوّل إلى الكتابة السينمائية، يلهث طوال 158 دقيقة كي يقتنصها، ويوثّق بالتفصيل الدقيق كيف أفلح الأميركيون في اصطياد أشهر طريد في تاريخ البشرية.

لا يسعى نصّ بيغلو ـ بوال البتّة إلى اصطياد مشاهده. الحكاية كافية ووافية لفضوله. بيد أن الحيلة الفريدة بين أيديهما هي التخمين، أي: «تعالوا معنا لنريكم ما لا تريد الإدارة الأميركية، سياسياً وعسكرياً، اطلاعكم عليه، وإن كان خيالاً هوليووديا بحتاً». حدس التفاصيل، التي يتعيّن على المشاهد عدم التشكيك بها، تُرغمه على الإيمان بأن لا بديل حقيقياً إلاً ما صوّره الفيلم. لا بدّ من أن «بطولة» تصفية بن لادن رُتِّبت ونُظِّمت ونُفِّذت على طريقة بيغلو. وبحسب نصّها، يستحيل أن يكون هناك سيناريو آخر، ما يُفسِّر تحصّنها بالإعلان الاحترازي بأن «الفيلم يستند إلى مشاركات حقيقية في أحداث فعلية».

يقوم فيلم كاترين بيغلو على فكرة أن بطلاً ما مخفياً هو الذي قاد الانتصار. إنها البطلة مايا التي تعرّفنا اليها في المشهد الافتتاحي، وهي تراقب بوجل عملية تعذيب أحد عناصر «القاعدة» عمار (الممثل الفرنسي ـ الجزائري رضا كاتب، حفيد الروائي الشهير كاتب ياسين، الذي رأيناه في نص جاك أوديار «نبي») في قاعدة سرية، لدفعه إلى الاعتراف بالخيط الأول. الهدف الدرامي من وجودها في بيئة شديدة العنف مزدوج: أولاً، تملك مايا الأنثى قلباً ميتاً يثبت على قراره إلى النهاية، وهذا ما يحصل. ثانياً، تتحايل فتنكشف لاحقاً عن أنها نسخة نسائية عن زميلها خبير التعذيب دان (جيسن كلارك)، الذي يقول كلاماً سوقياً لعمار، المرعوب من وحشيته، مثل: «إذا كذبت عليّ، سأوذيك». أو: «أثمن شكيمتك. بيد أن الجميع ينهار في النهاية. إنها البيولوجيا». أو: «هكذا هو شكل الهزيمة يا أخي. جهادك انتهى». لكن مايا تبرع في حقل آخر، أشد تعقيداً في عملياته، وأثمن بمسؤولياته. إنها لا تريد تلويث يديها بجلسات الإيهام بالغرق، أو تسهيد المعتقل، أو سحبه من رقبته ككلب. مهمّتها أكثر نزاهة: الوصول إلى وكر القاتل.

«ثلاثون...» بيغلو فيلمان متتابعان، تجمع بينهما مايا وحيوانيتها الإستخباراتية المتصاعدة. عميلة متواضعة الرتبة، ينقل عنها قائد العمليات في باكستان ما أخبره به كبار واشنطن: «إنها ماحقة». تقف بعناد نادر ضد قيادييها المتشكّكين بحاستها وحدسها. تخسر زملاءها تباعاً، من دون أن تحيد عن مسارها. القدر رسّمها شيطاناً استخباراتياً دولياً، ينطبق عليه تلميح مدير «سي. آي. أيه.» (جيمس غوندولفيني): «نحن جميعنا خارقو الذكاء». تعرف الفرق بين كنية «أبو أحمد» أو «حبيب المصري» وبين اسم علم مثل «إبراهيم السعيد»، الذي يقودها إلى «الساعي» الغامض، ثم إلى الفخّ. المقطع الأول، الذي ينتهي بعد 118 دقيقة، كرّ وفرّ هوليووديا الطابع. بدا قرار بيغلو حكيماً بعدم الانجرار إلى الإثارة التقليدية للفيلم البوليسي. تجنّبت مطبّ أفلام «المنافحة الوطنية»، التي جعلت جون واين مقاتلاً في فرق الجيش الأميركي كلّها. الهدف المعلن هنا هو تحوّلات مايا، وليست الوقائع. فراستها وشجاعتها و«إدمانها» على صورة بن لادن وهو قتيل، تجعلها المواطنة الأميركية التي لا يفلّ عزمها أو يحيد عن التكليف الرباني بالقصاص من العدو الملتحي. إنها «خادم حكومي» بلا ضمير، عليه تنفيذ صرخة مدير العملية: «قوموا بواجبكم. اجلبوا لي بشراً كي أقتلهم».

السفير اللبنانية في

10/01/2013

 

أفلامنا الـ15 المفضلة في الصالات المحلية 

هوفيك حبشيان 

1 ـــ "ميلانكوليا"

 يضعنا فون ترير، فعلياً ومن دون أي نزق فكري، في جوّ من الميلانكوليا والكآبة، من النوع الذي تصاب به الكائنات التي تنتظر نهاية العالم. صفو احتفالية عرس تعكره شائعات عن ان كوكب ميلانكوليا في طريقه الى الاصطدام بالأرض. كل لقطة سيتعامل معها فون ترير، كأنها فعلاً آخر لقطة يصورها. انشودة، لا تغيب عنها البساطة، القشعريرة، السؤال المستفزّ عن معنى الوجود. بباروكية لا مثيل لها، يصور فون ترير عالماً يندثر بروعة وطمأنينة. "ميلانكوليا" آخر عنقود في سلسلة افلام تجسد الفوبيا من المجهول في سجل هذا المخرج.  

2 ـــ "نهاية الخدمة

عبر انزالنا في الجحيم اليومية لشرطيين وما يعانيانه خلال واجبهما المهني، ينفض المخرج الشاب ديفيد اير الغبار عن الفيلم البوليسي، العزيز على قلب هوليوود. اعجابنا بالفيلم شكلي، اخراجي، وسينمائي في المقام الاول، كما انه متصل بكمّ الواقعية الذي يفرزه. هذا عمل استثنائي في اطار عادي جداً، ما يجعل رهان المخرج أكثر جرأة مما لو كان يتعامل مع مواقف تخرج عن الدروب المطروقة. بأدوات تنتمي أكثر الى ما عُرف سابقاً بسينما الحقيقة، يبدأ ديفيد اير مطاردة الروتين من وجهة نظر الشرطيين الزميلين الى حين اقحامنا جميعاً في حلقة عنف لن يكون الخروج منها، كما كان الدخول اليها. هذا فيلم يطرح نسخة قاتمة ولئيمة لعالم الشرطة الذي يتبلور في بيئة تشبه أحياناً مجاهل الغرب الأميركي قبل الزمن الذي يُفترض ان يكون التمدن.  

3 ـــ "الرمادي"

من أروع ما عُرض هذا العام. يمكن ترتيبه في مكان ما بين روبرت ألدريتش وجون بورمان. الكلاسيكية الأميركية الموسومة بخطاب فلسفي عن الخوف والصمود. يحلو لي التفكير ان روبير بروسون كان أعجب بهذه القصيدة المصورة التي تخطف النفس. لم ارَ فيلماً تجري احداثه في طبيعة مفتوحة على هذا القدر من الانغلاق. شكراً جو كرناهان!

4 ـــ "أرغو"

 لنا عودة إليه في موسم الجوائز.

5 ـــ "ج. ادغار

مخرج "غران تورينو" يحدق في مرآة الواقع الأميركي فيرى فيها شبح رجل اسمه ج. ادغار هوفر تدين له الولايات المتحدة بـ"مكتب التحقيقات الفيديرالي"، الأشهر من أن يعرّف. شخصية مثالية تتيح لايستوود التائب سياسياً حتى الانتخابات الأخيرة، مواصلة بحثه عن نقاط الضعف داخل كتل الجبروت. بالنسبة إلينا، انه حوار بين أيقونتين. بعيداً من خياراته الميلودارمية التي نالت من "جدية" سينماه، يغوص ايستوود مجدداً في السواد والغموض.

6 ـــ "سكايفول"

جيمس بوند طعن في السنّ وأول من انتبه الى المسألة وعرف كيف يوظف "شيخوخته" عائلته آل بروكولي. لا شيء أكثر اثارة للمتعة هذا العام من متابعة الجزء الثالث والعشرين من مغامرات الجاسوس الأكثر شهرة في تاريخ السينما، خصوصاً بعد ان نرى ما تتعرض اليه هذه الشخصية من انتقاد لاذع وسخرية يعيدان اليها بعض انسانيتها المفقودة، ويراكمان عليها اعباء الماضي. مع مانديس خلف الكاميرا، يُشرع باب العقدة الأوديبية والتحليل النفسي والدراما الشكسبيرية. مع هذا الفجر الجديد، كانت متوقعةً هذه السوداوية التي تلقي بظلالها على الفيلم.

7 ـــ "انفصال نادر وسيمين

يسلك فرهادي درب الواقعية في نقله الحقيقة الايرانية. اسلوبه مستحدث، بسيط، يتطلب جهداً كبيراً لبلوغه. كاميراه تلتقط الحياة المزدحمة بألف تفصيل. مشاهد من الحياة اليومية، المستشفى، قصر العدل، عجقة السيارات، هذا كله يساهم في بلوغ الفيلم درجة عالية من التماس مع واقع يتشكل من ألوان وطبقات مختلفة، نكاد نلمسها بحواسنا. العائلة ومطرح الفردية في مجتمع بطريركي يشكلان الداعم الاساسي لخطاب الفيلم الأخاذ.

8 ـــ "لوبر"

على رجل أن يقتل أناه الأخرى بعد أن يلتقيها في ماضٍ مفترض، في عمر أكثر شباباً. من فكرة غير قابلة للتصديق، يستقي جونسون نصاً يحمل تفاصيل الفيلم النوار الهوليوودي، اذ فيه حضور طاغٍ للشخصية التراجيدية (جوزف غوردن ليويت) والتعليق الصوتي المرافق للأحداث. "لوبر" يأتي بعدة كاملة من العضل التقني والبراعة السيناريستية غامراً نفسه بوابل من الذكريات والهواجس، فنذهب الى هذا اللقاء بعيون مغمضة!   

9 ـــ "حياة باي"

لنا عودة اليه في موسم الجوائز.

10 ـــ "بوليس"

نزلة يومية الى حجيم البؤس والعقد النفسية التي تنعكس شيئاً فشيئاً في نفسية مطاردي العدالة الاجتماعية. يراهن العمل على هذا التوتر الذي تتيحه الحوادث المتعاقبة والمتسارعة وهي تولد لحظات ملهمة تخطف الانفاس.

11 ـــ "الأحفاد"

يحاول باين النظر في حالات القلق التي تصيب الكائن الأميركي، الذي يحاول مواجهة صعاب الحياة والأقدار الخائبة. انه المقلب الآخر للحلم الأميركي. هنا الطريق هي المكان المثالي لمصارحة الذات والتأمل. لذا، يأخذنا في رحلة يصور بذريعتها، المناظر الطبيعية لهاواي. هذه الطريق هي ايضاً مناسبة للكلام بين الشخصيات، وفي طليعتها مات، الذي يتعامل معه باين حيناً بحنان وحيناً بقسوة

12 ـــ "مملكة صعود القمر"

من حكاية بسيطة تنتقل بالمشاهد من الموقف البدائي الى الكارثة العظمى (وصول عاصفة الى الجزيرة)، يستقي اندرسون مرافعة ظريفة دفاعاً عن فكرة الاختلاف. بأسلوب "أولديز" حيناً، وباروكيّ في أحايين كثيرة، يتعاطى الشريط مع شخصيات قاسية تقف على شفير الهاوية. لكن النصر للحبّ مهما طال الزمن

13 ـــ "طيارة"

عودة مخرج "فوريست غامب" الى سينما رصينة واخراج براغماتي يذهب الى الهدف مباشرة. قبطان طائرة مدمن (دنزل واشنطن) ينقذ غالبية ركاب طائرته التي تسقط نتيجة خلل تقني. الا ان بطولته لن تمنعه من مواجهة تهمة تعاطي المخدرات اثناء القيادة. الصراع الشخصي بين الواجب والاخلاق يطرحه زيميكيس بذكاء كبير.

14 ـــ "كوخ في الغابة"

هذا الفيلم يعطل كل ابجديات أفلام الرعب والزومبي والبنود التي تعمل وفقها: أين يُستفز المشاهد وكيف؟ ضمن أي آلية يجري تنظيم الرعب والخوف لدى عقل يعرف مسبقاً ما ينتظره؟ سيناريست "كلوفرفيلد" يطبق حرفياً مقولة هيتشكوك: الأفضل أن نبدأ بكليشيه من أن ننتهي به. هدية مفخخة للمراهقين!

15 ـــ "كرونيكل"

* تشمل هذه القائمة الأفلام التي عُرضت في الصالات اللبنانية في الفترة ما بين 29 ك1 2011 و 26 ك1 2012. غابت من حساب هذه القائمة بعض الأفلام التي حالت ظروف البرمجة دون ان نشاهدها، وهذه حال افلام قد تكون مهمة مثل "آنا كارنينا" لجو رايت و"سيلفر لاينيغ بلايبوك" لديفيد راسل أو "سبعة أشرار" لمارتن ماكدونا.

عام المفاجآت:

بوند شكسبيريّ وهوليوود بعيدة من الأحادية

هوفيك حبشيان

سيبقى 2012 عالقاً في الذاكرة السينمائية طويلاً. انه احد الأعوام التي فعلت الكثير للسينما واغنت المكتبة السينيفيلية بجواهر من عيارات مختلفة، مصدرها القارات الخمس. لم يبقَ الفيلم الهوليوودي المثال الصارخ للأحادية ولم تكن السينما الأوروبية دائماً مرادفاً للحرية في الخلق. تلاشت الحدود بين الأشياء أكثر فأكثر. تقنيات العمل بدأت تتداخل واحدة في الأخرى، الجنسيات انصهرت في ما بينها، الروائي استعان بالوثائقي، ومَن كان حتى الأمس القريب في عداد المهمّشين احتلّ المتن. آخرون بلعتهم آلة استعادة الزمن المفقود

بين لحظة وصول الكسي فيدورتشنكو الى روما متأبطاً عشراً من جميلات احدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، ولحظة مغادرة ليوس كاراكس كانّ تحت احتجاجات النقاد الصامتة لعدم تكريسه، هناك لحظة ثالثة جاءت لتضيف لوناً مغموراً بالأسى الى موزاييك هذا العام: اعتلاء هانيكه وترانتينيان وريفا خشبة مسرح "لوميير" في كانّ لتسلم "السعفة الذهب" من يد ناني موريتي. ثلاثة تجاوزوا السبعين من العمر ذكّرونا هذا العام بأن السينما فنّ يافع يمكن الرهان عليه وانه لا يزال للاكتشاف واعادة الاكتشاف. هذا فنّ، من خصائصه الأساسية: المفاجأة! وهذه كانت سنة المفاجآت والتخلي عن الأفكار المسبقة، سواء لمَن خلف الشاشة أو قبالتها.

هذا لا يكفي. هناك المزيد: زياد دويري آخذاً تحت جناجه بعضاً من أشرس اعداء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي مادةً للنقاش مع فيلمه "الصدمة"؛ سام مانديس محوّلاً جيمس بوند شخصية شكسبيرية؛ هوليوود رامية في وجهنا تحفتين من السلسلة باء، "نهاية الخدمة" ولوبر"؛ وهالة لطفي محققة شبه اجماع لدى النقاد حول فيلمها "الخروج للنهار" في مهرجان أبو ظبي

ما هي ابرز الصور والحكايات التي باتت الآن في عهدة الذكريات؟ في الآتي، نحاول الغوص في الأيام الـ365 التي شهدت حيواتنا المختلفة على الشاشة، عبر المرور ببعض المحطات التي تشكل منها وعينا السينيفيلي

هذا الوعي هو الآخر بيتٌ نبنيه ككاتدرائية محصنة أمام تردي الذوق العام والانحطاط الثقافي والابتذال الذي يفكك مفاصل المجتمع. ليس هيناً ان نستعيد من منظار تقويمي تلك الصور التي صنعت بهجتنا ومآسينا وآمالنا، لكن هناك دائماً صورة تتقدم أخرى، اسمٌ يسبق آخر، عنوانٌ يبقى صامداً بين طيات الذاكرة، فيما يذهب الباقي أدراج الرياح

hauvick.habechian@annahar.com.lb

أكثر من 3 ملايين  مشاهد ومستثمر سيزاحم العمالقة!

لطالما كان مصير قطاع استثمار الصالات السينمائية في لبنان خاضعا لبُعد نظر بعض العائلات التي تولت هذا القطاع ولقصر نظر بعضها الآخر. وهذا ما يشرح تطور بعض المؤسسات المالكة للصالات عبر الزمن وانقراض بعضها الآخر. في حين، اغلقت صالات كثيرة في لبنان أبوابها رغماً عنها، نتيجة تسليط الأضواء على منطقة على حساب منطقة أخرى، كُتب لصالات معينة الاستمرار والقدرة على تجاوز محن الحرب والأزمات الأمنية والاقتصادية التي انهالت على لبنان مراراً. لنأخذ مثال سلسلة "أمبير" لأصحابها أبناء جورج حداد: الانتقال من مركزها الاول في ساحة البرج الى الحمراء وجونيه كان ضرورياً. أعقب ذلك بعد انتهاء الحرب، افتتاح صالات مستحدثة في بيروت وضواحيها تجاوزت الصالات الأولى تقنياً وجمالياً. اسباب النجاج هذا يتجلى في ان اصحاب الشأن ادركوا مبكراً الوضع الذي آلت اليه الحال لاحقاً. فبدلاً من محاربة منطقة ما ومقاطعتها، مثلما فعل غيرهم، انتقلوا اليها

في لبنان اليوم 12 مجمعاً سينمائياً، 94 شاشة و16499 مقعداً، هذا كله موزع بين ثلاث شركات كبرى هي "أمبير" (34 شاشة) و"غراند" (32 شاشة) و"بلانيت" (15 شاشة) وعدد من الصالات التابعة لمستثمرين صغار. لا يزال "سينماسيتي" أقوى المجمعات السينمائية من حيث الاقبال. لكن ايراداته تراجعت، على الأرجح بسبب افتتاح مجمع "أ ب ث" في ضبية على بضعة كلم منه. فبعدما كان استقطب 967759 مشاهداً طوال عام 2011، نلاحظ ان هذا العدد تراجع بنسبة 17 في المئة، ليكتفي مجمع "سينماسيتي" بـ803694 مشاهد. بعشر صالات ومجموع كراسٍ يبلغ عددها الـ2200، بلغت حصة "سينماسيتي" من السوق اللبنانية الـ25 في المئة. اما "أ ب ث" الأشرفية (7 شاشات)، التي تأتي في المرتبة الثانية في ترتيب أكثر المجمعات تحقيقاً للايرادات في لبنان، فتراجعت أعماله بنسبة 6 في المئة، اذ استقطب 635968 مشاهداً، يليه مجمع "أ ب ث" ضبية (8 شاشات) المولود في 2012: المجموع 238358 مشاهداً

أما أكثر السينمات عرضة للتراجع، فهي "أمبير" سوديكو التي قلّ شغلها بنسبة 31 في المئة مقارنة بـ2011، ولم تجذب الا 120679. خروج "سوديكو" من دائرة السينمات القوية أسبابه عديدة: تضييق "أ ب ث" الأشرفية عليها، عدم مواكبتها لأحدث التقنيات صوتاً وصورة، الخ. لذلك، قررت ادارة السوديكو أجراء اعمال تجديد، وسيعاد افتتاح هذه الصالات (عددها 6) في الخامس عشر من شباط المقبل، وستكون مجهزة VIP (29 كرسيا في كل صالة)، أي مقاعد مريحة وواحدة بعيدة عن الأخرى، وخدمات زبائنية خاصة. سينمات "بلانيت" ابراج، على الرغم من ضعف مردودها في السنوات الأخيرة، تقدمت بنسبة 15 في المئة خلال 2012 في سوق السينما المحلية وسجلت 118282 مشاهداً. على بُعد نحو كيلومتر منها، سينما "أمبير" غالاكسي، حلت ثامنة في الترتيب، لكن سجلت تراجعاً في الاقبال بنسبة 13 في المئة. أما "أمبير" صوفيل، فحلت في المرتبة الأخيرة (15) برغم النشاطات السينمائية التي لم تتوقف فيها طوال العام الماضي

بلغ مجموع المشاهدين في كل الصالات اللبنانية طوال العام الماضي 3 ملايين و246 ألف مشاهد، مقابل 3 ملايين و448 الفاً، لعام 2011، أي تراجع بنسبة 6 في المئة. هذا الرقم هو ما حققته سينمات لبنان مجتمعة عام 1998، في مرحلة كان عدد الصالات فيها أقل وعدد الأفلام المعروضة ايضاً. عام 1998 كان الأفضل من حيث الاقبال على مدار 13 سنة، وفي السنوات اللاحقة لهذا التاريخ تراجع الاقبال حتى وصل الى مليوني مشاهد في الأعوام الثلاثة الصعبة التي مرت على لبنان (2005، 2006، 2007). 

أما عدد الأفلام المعروضة، فانتقل من 221 فيلماً في 2011 الى 224 في 2012. لا يمكن اجراء دراسة ناجحة للسوق السينمائية في لبنان لسبب مهم هو عدم استقرار الحالة الأمنية والسياسية وتأثير عناصر "فوق سينمائية" في المادة التي يتم درسها

اثبتت التجارب عبر التاريخ ان دورة استثمار الصالة السينمائية كانت تستمر 20 سنة لا أكثر. مراعاةً لهذا التقليد الذي ترسخ، تستمر ادارة "أمبير" في افتتاح صالات جديدة، وسيكون عام 2013 موعدا لافتتاح مجمعين سينمائيين: الاول في أسواق بيروت (14 صالة)، إنتاج شراكة "أمبير" مع "برايم"، وسيحمل اسم "سينماسيتي"، وسيُفتتح في الربيع المقبل. المجمع السينمائي الثاني سيكون في برّ الياس، وتحديداً في "كاسكادا مول"، الذي سيشهد ولادة 11 صالة سينمائية كرمى لعيون أهل البقاع. لن يتوقف مشروع "أمبير" الاستثماري في 2013 عند هذا الحدّ، بل سيمتد الى خارج لبنان: 14 صالة في اربيل قريباً، عاصمة اقليم كردستان شمال العراق، المنطقة التي يؤمن اصحاب رأس المال بأنها ستشهد نهوضاً اقتصادياً لا مثيل له في جوارنا

في المقابل، لن تبقى سلسلة "أمبير" و"غراند" مهيمنتين على السوق اللبنانية في الأعوام المقبلة. اذ علمت "النهار" عن افتتاح قريب لـ16 صالة سينما VOX في فرن الشباك، بالقرب من "بلانيت ــ ابراج"، لمستثمر كويتي سبق أن اقتحم السوق الاماراتية، واطاح "غراند". فهل يزاحم عمالقة السوق اللبنانية؟ 

"النهار" سألت 50 ناقداً من القارات الخمس:

ما فيلمكم المفضل في 2012؟

ميشاييل هانيكه أول وليوس كاراكس ثانياً وبول توماس اندرسون ثالثاً

جرت العادة في الصحافة السينمائية أن يسأل المهتمون بالسينما بعضهم بعضاً عن أفلامهم المفضلة. لعبة سادية تقتضي اقصاء عدد هائل من الأفلام رآها المرء على مدار عام كامل، لمصلحة لائحة صغيرة من العناوين ستصمد في العقل والوجدان أكثر من سواها. في الأيام القليلة التي فصلت نهاية العام عن مطلعه، طالعنا معظم النقاد باختياراتهم، عساها تعيد بعضاً من الاعتبار الى أفلام لم تنل فرصتها في الصالات التجارية. "النهار" سألت 50 ناقداً وصحافياً في مجال السينما (من القارات الخمس) عن فيلمهم المفضل، وجاءت النتيجة على النحو الآتي:

1 ــ "حبّ" لميشاييل هانيكه (13 صوتاً). 2 ــ "هولي موترز" لليوس كاراكس (8 أصوات). 3 ــ "المعلم" لبول توماس اندرسون (4 أصوات).  

 -1"حبّ"

زياد الخزاعي

درّة سينمائية تخطف الوجدان. نصّ باسل ضد المهانات التي تتراكم بسبب الشيخوخة وأمراضها، العزلة ومكابداتها. هذان توصيفان من بين أُخرى لا يكفيان لمدح جديد المخرج النمسوي ميشاييل هانيكه "حبّ" الذي نال "السعفة الذهب" في مهرجان كانّ الأخير. شريط لا يماري مشاهده بزّلات التعاطف أو الندب الذاتي، انه يذهب الى فكرة الذود التي تقود شخصاً محباً الى قراره الصعب. يمكن القول ان هانيكه شيّد بنياناً سينمائياً عصياً على التقليد أو المقارنة حول فكرة القتل الرحيم، مفرغاً إياها من جدل الحق أو التجريم. ما يقوم به البطل الهرم في نهاية المطاف هو تحرير الجور الذي ينخر جسد الحبيبة، ويحولها الى عار جسدي، يطارده بين جدران الشقة الباريسية المرفهة. صاغ هانيكه عمله درامياً كـ"استرجاع مستقبلي" (فلاش فورورد) بديلاً مما يعرف بالـ"فلاش باك"، الأمر الذي أضفى ديناميكية عالية الجودة على حكايته وتراتب سرديتها. فما يجده فريق الشرطة بعد اقتحام مكمن العجوزين جورج (جان لوي ترانتينيان) وآن (ايمانويل ريفا) هو أول الغموض: جثة امرأة عجوز محاطة بالورود. مستلقية على فراش عارٍ بأبهى ملابسها. إنها فينوس الفناء التي لن يتجاسر أحد المقتحمين على مسّ المظهر الجليل او تشويه "مسرحه". في حين، يأتي ثاني الغموض عبر اكتشاف مدرّسي الموسيقى المتقاعدين أن هناك مَنْ حاول اقتحام مملكتهما، لتكتمل دورة قدرية تقود جورج لاحقاً الى اكتشاف صاعق عماده ان الوافد الذي يتحصّن في زوايا الشقة إنما هو الموت الذي يعد ثواني عودته مع روح بشرية ما. يركز هانيكه على ان الخارج لا يني يتجاسر على وحدة بطليه. إنه شقاء الدخلاء المتعجلين لتشتيت تطامنهما الثنائي

2 -"هولي موترز

محمد رُضا

سبق لليوس كاراكس أن صوّر تعساء الحياة الباريسية في فيلمه "عشاق الجسر" (1991) عارضاً هناك نماذج لشخصيات تعيش بلا مأوى واخرى تعرج كما حال احد الاجزاء الاولى في هذا الفيلم ايضا. كل تلك الصور متأصلة في عمله الذي يتحدث عن السينما والموت والحياة بينهما. بقدر ما يأخذ "هولي موترز" شكلا سورياليا، هو مدروس في منحى عمله ومن مدارس مختلفة. فيه تحيات يوزعها الفيلم على غودار وبونويل وكوكتو وفوياد وسواهم ويذهب في مقدمة الفيلم الى استخلاص دانتي حين يبدأ الفيلم بنهوض أوسكار من نومه والتوجه الى جدار في الغرفة عليه صورة لغابة. يمد أوسكار يده على سعة الجدار كمن يبحث عن شيء ثم يجده فاذا به ينتقل الى الغاية ذاتها ومنها يلج الى صالة سينما. هذا المشهد شبيه جداً (عن قصد) بمشهد نفّذه جان كوكتو في فيلمه الكلاسيكي "دم الشاعر" (1930) حين يقفز رجل استيقظ من نومه في غرفته الصغيرة الى عالم آخر عبر المرآة المعلقة على جدار غرفته. الحقيقة ان الفيلم مليء بالمراجع السينمائية. هذه لا تتوقف كما لو ان غاية كاراكس من الفيلم رفع القبعة تحية لكل من سبقوه في مضمار السينما ذات الحسّ الطليعي (هذا ينطلي على شخصياته، فأوسكار هو لون تشاني على شابلن كما آخرين من صميم السينما الفرنسية) بل يبني الفيلم صرحه منفصلاً كعمل يختلف عن كل شيء موازٍ له في السينما الفرنسية الحاضرة على الأقل. وحين يلتقي بطله بصديقة قديمة (تؤديها كايلي مينوغ) نرى المخرج قصّ شعرها على طريقة جين سيبرغ كما ظهر في فيلم جان لوك غودار "مقطوع النفس" (1960) وألبسها معطفاً بالطريقة التي ارتدت فيها كاترين دونوف معطفها في "مظلات شيربور" (جاك دومي – 1964). 

3 -"المعلم

هوفيك حبشيان

اربع سنوات بعد "ستكون هناك دماء"، يعود بول توماس أندرسون بحكاية أخرى من تلك الحكايات الأميركية التي يعرف كيف يسردها والى أي مصاف جمالي وفلسفي يرتقي بها. يمتلك "المعلم" ("الأسد الفضة" في مهرجان البندقية الأخير) كل الأدوات والموارد التي تتيح له أن يفرض نظرته: لحنٌ خلاّق، اخراجٌ يتضمن إحالات جذابة على لحظات ملهمة، والأهم من هذا كله، ثمة في تصرف المخرج مجموعة من الممثلين، في مقدمهم فيليب سايمور هوفمان ويواكين فينيكس اللذان نالا جائزة أفضل تمثيل في البندقية.  

خلافاً لفيلمه السابق الذي طرح من خلاله ولادة أميركا الحديثة، بين نهاية زمن اكتشاف الغرب وبدايات الانهيار الاقتصادي، لا يخرج بطله الجديد من جبّ الارض، بل ينزل علينا من السماء. المعلم نقيض بلاينفيو (دانيال داي لويس) الذي يعتبر إنتاج قرن دام ولدت من رحمه الحرب الأهلية الأميركية. لكن المكان حيث يلتقي بلاينفيو والمعلم هو مسيرة البحث عن الحرية التي تفضي الى التسلط والطغيان. ما يميز هذا الفيلم، انه ليس من وجهة نظر حقيقية حيال الواقع الذي يصوره، وهذا ليس بالشيء السيئ في حال مثل حال "المعلم". المسافة بين الطرفين تكاد تنعدم، اذ لا علاقة بين مَن خلف الكاميرا ومَن أمامها. لا يظهر اندرسون أي عاطفة حيال شخصياته، ولا يبدي اهتماماً كبيراً بالسلوك الذي يدين ويحاكم. هذا كله يتيح للمخرج التحليق عالياً في الجانب التشكيلي للفيلم: تقطيع، تعبئة وتفريغ، شغل ممتاز على الشريط الصوتي. في النهاية، نسأل أنفسنا اذا كان المعلم قبالة الكاميرا أم خلفها أم في المكانين!

النهار اللبنانية في

10/01/2013

 

السينما المصرية بين عامين

الكوميديا تصعد من جديد.. لكن الأفضل هي أفلام الواقع 

* منذ أيام وقفت هالة لطفي علي خشبة المسرح الكبير بمدينة وهران الجزائرية لتتسلم الجائزة الذهبية لمسابقة مهرجان وهران السينمائي الدولي عن فيلمها "الخروج للنهار" وقبل اسبوعين وقفت هالة أيضا تتسلم الجائزة البرونزية من مهرجان قرطاج السينمائي الدولي عن نفس الفيلم وقبل هذا وذاك تلقت مخرجة "الخروج للنهار" تحية حارة من جمهور مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي في حفل الختام لحصولها علي جائزة أفضل مخرج عربي في مسابقة "آفاق" الدولية عن نفس الفيلم ومنذ اسبوع وقفت نادين خان وداليا فاروق تتسلمان جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان دبي السينمائي الدولي عن فيلمهما "هرج ومرج" الفيلم من انتاج داليا وإخراج نادين في أول أعمالها الروائية الطويلة كمخرجة وقبلهما بأسبوع وقفت "ماجي مرجان" تحيي جمهور مهرجان الدوحة ترابيكا السينمائي الدولي بعد عرض فيلمها الأول "عشم" في المسابقة الدولية للفيلم العربي إضافة لهذه الأفلام الثلاثة الأولي لهؤلاء المخرجات المصريات الجدد فقد حققت مخرجة رابعة لكنها ليست جديدة وهي ساندرا نشأت نجاحا كبيرا عام 2012 بفيلمها "المصلحة" الذي جمع وحده بين أثناء من سوبرستار السينما المصرية الآن وهما أحمد السقا واحمد عز وهو ما يعني صعوداً ملحوظاً للسينمائيات المصريات المبدعات سواء في السينما المشتعلة الني تنتهي اليها هالة ونادين وماجي أو السينما التجارية التي تنتمي اليها ساندرا نشأت لكنه صعود مكبل بقلة الفرص والانتاج الضئيل للسينما المصرية كلها برغم ما حصلت عليه من تكريمات في العام الراحل غير الأفلام المذكورة مثل اختيار فيلم "بعد الموقعة" ليسري نصرالله في مسابقة مهرجان كان بعد 15 عاما من الغياب واختيار فيلم "الشتا اللي فات" إخراج ابراهيم البطوط في مسابقات فينسيا ثم دبي وحصول بطله عمرو واكد علي جائزة أفضل ممثل نجاحات تخطت الحدود حققتها السينما المصرية دوليا في العام الذي رحل منذ ايام. لكن هذه الأفلام جزء من صورة هذه السينما وبقية الأجزاء تخص نوعيات أخري من السينما كالسينما الوثائقية الطويلة والقصيرة والسينما الروائية القصيرة التي شهدت هذا العام انتاج السينمائي الدولي في يونيو الماضي. 

المصرية للثقافة والإعلام والفنون مع صندوق التنمية الثقافية والذي تعلن جوائزه اليوم الخميس بالهناجر.. ولكن ماذا عن الأفلام الروائية التي يغلب عليها الطابع التجاري والتي عرضت في دور العرض المصرية عام 2012؟ 

علي واحدة ونص 

ثلاثون فيلما بالتقريب عرضت علي الشاشات المصرية وفقاً لاحصاء الزميل الناقد محمود عبدالشكور وهي "عمر وسلمي" الجزء الثالث. جدو حبيبي. بنات العم. ريكلام. علي واحدة ونص. خط سعيد. رد فعل. بنطلون جولييت. المصلحة. حصل خير. حلم عزيز. جيم أوفر. عش الزوجية. الألماني. تيته رهيبة. بابا. مسز أند مستر عويس. البار. بعد الموقعة. ساعة ونص. برتيتات. الآنسة مامي. عبده موته. مهمة في فيلم قديم. جوه اللعبة. 30 فبراير. مصور قتيل. لمح البصر. وهو عدد يزيد عن أفلام عام 2011 فيلمين.

ونلاحظ هنا ارتفاع نسبة الأعمال. الكوميدية في أفلام 2012 مثل "تيته رهيبة" بطولة محمد هنيدي والذي عادت فيه الفنانة الكبيرة سميحة أيوب للسينما مع الفنان عبدالرحمن أبو زهرة. وفيلم "جدو حبيبي". الذي شهد عودة الفنان محمود ياسين مع النجمة الشابة بشري. وأيضاً فيلم "حلم عزيز" و"مسز آند مستر عويس" و"بابا". "30 فبراير". ثم "الآنسة مامي" وهو عدد كبير من الأفلام التي تسعي لرسم البسمة علي وجه المشاهد في هذا الوقت الصعب. لكن الغريب أيضاً أن الأفلام التي تحدثت عن الثورة وما بعدها من أحداث لم تزد عن فيلمين هما "بعد الموقعة". و"حظ سعيد". 

مؤلفون ومخرجون جدد 

في سينما هذا العام تواجدت أجيال من المؤلفين بدءاً من يوسف معاطي "تيته رهيبة" تامر حبيب "واحد صحيح" وزينب عزيز "جدو حبيب". "بابا" وخالد جلال "سارتيتا الآنسة مامي" والثلاثي أحمد فهمي وشيكو وماجد "بنات العم" الي الجديد مثل عمر شامة "بعد الموقعة" وطارق الابياري "بنطلون جولييت" وصلاح الجهيني "30 فبراير" وسما المصري وعادل خميس "علي واحدة ونص". ومن المخرجين ضرب أحمد البدري الرقم القياسي بثلاثة أفلام هي "جيم أوفر مهمة في فيلم قديم عش الزوجية" ثم وائل إحسان بفيلمين "ساعة ونصف. الآنسة مامي" بينما قدم عمرو عرفة "حلم عزيز" ويسري نصر الله "بعد الموقعة" وإسماعيل فاروق "عبده موته". وكريم العدل "مصور قتيل" وشريف مندور "بارتيتا" ومازن الجبلي "البار" وطارق عبدالمعطي "حظ سعيد" ثم مخرجان من عالم الفيديو كليب هما محمد سامي "عمر وسلمي" وهادي الباجوري "واحد صحيح" ومخرجون جدد مثل يوسف هشام "لمح البصر". وعلاء الشريف "الألماني" وجمعة بدران "علي واحدة ونصف". 

نجوم لأول مرة 

في عام 2012 حصل محمد رمضان علي البطولة المطلقة لأول مرة في "الألماني. عبده موته" وقدم محمد أحمد ماهر أول بطولة في "البار" وإياد نصار "مصور قتيل" وسام حسين "30 فبراير" بعد بطولاته في الدراما التليفزيونية. وتقدم محمود عبدالمعز وعمرو يوسف في طريق البطولة. بينما تراجعت يسرا في فيلمها "جيم أوفر" وتوقفت منة شلبي في موقعها في "بعد الموقعة" وكذلك ياسمين عبدالعزيز "الآنسة مامي". ومن النجوم الرجال تقدم أحمد عز في "المصلح" عن "حلم عزيز" وحدث الأمر نفسه مع أحمد السقا في "المصلحة" عن "بابا" وبقي محمد هنيدي في موقعه في "تيته رهيبة" ومن النجوم الكبار عادت كريمة مختار في دورها الرائع في "ساعة ونص" وحسين فهمي في "لمح البصر". وعودة سميحة أيوب وأبو زهرة ومحمود ياسين ولبني عبدالعزيز. بينما اختفي من أفلام عام 2012 كل من أحمد حلمي ومني زكي وعبلة كامل وهند صبري. 

ساعة ونص 

لعل أفضل أفلام عام 2012 فيلمان الأول هو "بعد الموقعة" الذي يوثق موقعة الجمل مع طرحه لحركة العديد من الشخصيات التي تفاعلت مع أحداث الثورة في طبقات متعددة. حيث بذل مخرجه يسري نصر الله الذي كتبه أيضاً مع عمر شامة جهداً كبيراً في محاولة الاقتراب من حدث متفجر تنتهي أطرافه للماضي بقدر انتمائها للحاضر وتأثيره علي أبطاله الرئيسيين وأولهم الخيال وزوجته الذين انقطعت أرزاقهما بعد الثورة. ثم تلك التي حاولت تقديم المعونة لهما. وقد قام باسم سمرة بأحد أفضل الأدوار في السينما المصرية هذا العام ومعه ناهد السباعي في دور "فاطمة" زوجته كما قدم المصور الفنان سمير مران واحداً من أهم أعماله أما الفيلم الثاني فهو "ساعة ونص" للكاتب أحمد عبدالله والمخرج وائل إحسان والذي قدم ملحمة إنسانية عن الناس في مصر في ساعات السفر وفي تحمله من أفكار وهموم وهو ما استطاع الفيلم تقديمها عبر دراما مؤثرة لكل شخصية من شخصيات الفيلم العديدة التي حمل كل منها هما وملمحاً من ملامح الحياة التي تؤرق المواطن العادي. استطاع وائل إحسان هنا أن يصل الي فريق مبدع من الممثلين والممثلات مع مدير التصوير والمونتير شريف عابدين استطاعوا أن يقدموا عملاً راقياً ومؤثراً في تشخيصه كل الممثلين والممثلات من كريمة مختار وسمية الخشاب الي ناهد السباعي الي ماجد كدواني وإياد نصار وأحمد السعدني وأحمد فلوكس وأحمد بدير ومحمد إمام ومحمد رمضان وغيرهم من نجوم هذا الفيلم الرائع. 

أخيراً فقد شهد عام 2012 أيضاً معركة المهرجانات الشهيرة وعودة وزارة الثقافة لإدارة المهرجانات السينمائية بعد أن أعلنت في عهد الوزير السابق عماد أبو غازي إنها ستكون راعية فقط للجمعيات الأهلية. ومع ذلك يتزايد دور الجمعيات السينمائية الأهلية في اقامة المهرجانات. ويبقي دور المركز القومي للسينما ورئيسه الجديد المصور والمخرج كمال عبدالعزيز وخارج الوزارة شهدت القاهرة إضافة مجمعات سينمائية جديدة.. الأول في مصر الجديدة ضرب مطار القاهرة. والثاني في مدينة 6 أكتوبر يضم شاشات تعمل بأحدث تكنولوجيا العرض السينمائي.. أي أن دور العرض زادت.. لكن عدد الجمهور مازال غير معلوم.. وأيضاً الإيرادات وان كان فيلم "عبده موته" قد حقق نجاحاً تجارياً كبيراً لازال سره غامضاً.. فهل تستحق شخصية البلطجي كل هذا الاهتمام الآن؟ 

ليل ونهار

حفلة منتصف الليل!

بقلم :محمد صلاح الدين 

يعجبني في السينما المصرية.. بل وفي كافة أنواع الفنون أنها تقاوم.. وتقاوم بشدة أيضاً.. وفي كل العصور مهما كانت أشكال وألوان الضغط عليها.. إنها بالفعل قوة مصر الناعمة التي لا يستطيع أحد أن يهزمها!! 

وفيلم "حفلة منتصف الليل" للمخرج محمود كامل واحد من الأفلام التي أصرت أن تتحدي الظروف وتعرض حتي في آخر أيام السنة كي ترفع من منسوب عدد ما عرض من أفلام وبالتالي اثبات وجود برغم كل ما يمكن أن يؤخذ علي الفيلم من أنه يعد من الأفلام قليلة التكلفة.. بل ومن الناحية الفنية يعد من الأفلام المسرحية أو التي يحبس موضوعها وحدة المكان أو المسرح الذي تتم فيه أحداث الدراما كلها.. مما يوحي بأن الفيلم عبارة عن "واحد شوط" أو تمثيلية تم تصويرها وتعليبها في استديو واحد فقط.. بل وفي ديكور واحد أيضاً!! 

ولكن كل هذا من المفترض أنه لا يقلل من العمل أبداً إذا ما كان محترفاً ويدرك القصد من وراء ما يصنع.. أما في حالتنا هذه فأنه بدا أنه يحاول تقليد المسلسلات البوليسية الغربية بضعف واضع وتهافت غير مسبوق.. فضلاً عن سذاجة المحتوي أو الموضوع الذي بنيت عليه الحدوتة البوليسية وما أنتهت إليه من حكمة أو رسالة كانت أقرب إلي السخرية منها إلي الجد!! 

إننا نري سيدة الأعمال شهد "رانيا يوسف" التي تجمع كل أصدقائها والعاملين معها في مجموعتها الاقتصادية الضخمة لحفل في فيلتها النائية.. ثم تواجههم بحقيقة أنهم محتجزون تحت تهديد السلاح بعد غلق الأبواب لحين معرفة من السيدة التي خانتها مع زوجها "رامي وحيد" الذي وللسخرية نكتشف أنه يشاركها نفس الفكرة.. كيف؟ لا أعلم ولم يوضح لنا الفيلم ما معني هذا؟! 

ويمر الوقت سخيفاً علي الجميع "درة وعبير صبري وحنان مطاوع وإدوارد وأحمد وفيق" حتي ينقلب السحر علي الساحر.. ويفاجأ أصحاب الحفل أنفسهم ان حراسهم من الفلاحين والاعراب قد انقلبوا عليهم واتخذوهم رهائن حتي يتقاتلوا في النهاية لفك هذا الأسر!! 

وبصرف النظر عن خروج أصحاب اللعبة الخطرة من هذه المعركة سالمين بينما راح معظمهم ضحية لها وهو خطأ درامي إنساني غريب.. فإن محاولة الاسقاط السياسي علي ثورة الجياع من الفلاحين ضد الأسياد الفاسدين بدت وكأنها تجارة غير مقنعة خاصة ونحن نري يفط الحزب الوطني منتشرة علي الفيلا من الخارج.. وهو ما يعني انك تثور بأثر رجعي هروباً من الواقع.. مثل سذاجة الحوار وتخبطه طوال الوقت!!

Salaheldin-g@hotmail.com

مقعد بين الشاشتين

من ثورة الممكن إلي ثورة يناير

بقلم : ماجدة موريس 

كان شاباً حين رأي بعينيه المصانع تبني في مصر وأبواب الرزق والعمل تفتح للجميع بعد سنوات من ثورة يوليو. وكان شاباً متفوقاً وأول دفعته في معهد السينما العالي الذي أنشأته هذه الثورة أيضاً من أكاديمية مخصصة لدراسة الفنون فأخرج فيلمه "ثورة المكن" معبراً عن هذا التغيير الجبار الذي طال الحياة في بلده بالاتجاه للصناعة ودعم الانتاج الوطني. بعدها استمرت رحلة مدكور ثابت مع السينما وكل ما يخصها إدارياً ونظرياً وعملياً وللأسف فإن هذا السينمائي الكبير حقق أغلب أفكاره النظرية بشأن السينما علي حساب أعماله كمخرج لظروف عديدة وهو ما حدث مع آخر أفلامه الذي لم يكمله عن ثورة 25 يناير. لكنه قدم لنا مجموعة لا تنسي من الأفلام منها فيلمه "صورة" عن قصة لنجيب محفوظ وفيلم بعنوان "حكاية الأصل والصورة" كان أول بطولة تجمع بين طالبين واعدين أصبحا فيما بعد شهيرين هما محمود ياسين وشهيرة عام 1972 وفي عام 2010 فاجأنا بفيلمه الكبير "سحر ما فات من كنوز المرئيات" الذي قدم فيه مائة عام من تاريخ مصر وتاريخ السينما كما رآها كسينمائي ومفكر ولكنه أيضاً ترك كنوزاً أخري مثل "ملفات السينما المصرية" التي أشرف عليها حين أصبح رئيساً لأكاديمية الفنون والتي وثقت كل ما يخص السينما في مصر من حقائق وأحداث وأفراد وأصبحت سجلاً علي الحياة السينمائية المصرية للأجيال القادمة في 17 جزءاً تعرضت لأجيال الكتاب والمخرجين والمصورين وحتي النقاد وحللت تاريخ الفيلم الغنائي والفيلم الكوميدي إلي أفلام الحركة وغيرها من الدراسات المهمة ولم يكتف مدكور ثابت بهذه الملفات وإنما أضاف إليها سلسلة أخري أصدرها بأفلام أساتذة الفن السابع الأكاديميين بعنوان "دفاتر الأكاديمية" وكانت تضم أيضاً دراسات في المسرح وفنون الرقص والحركة اضافة إلي ما كتبه هو من دراسات معمقة حول السينما ومنها كتاب هام في كسر الإبهام ولقد جمع الفنان الكبير الراحل بين ثلاثة مواقع صعب أن تجتمع لدي نفس الشخصية أولها عمادته لمعهد السينما والثانية رئاسته لأكاديمية الفنون والثالثة عمله كرقيب علي المصنفات الفنية بعد نهاية مدته في الأكاديمية وفي هذه المرحلة ابتكر ما سمي بمجلس شوري النقاد الذي قصد به توسيع دائرة القرار مع الأفلام المثيرة للجدل والتي رأي وقتها ان عرضها علي عدد من النقاد والصحفيون الذين يكتبون عن السينما يفيد في الوصول لقرار أكثر قيمة من التعامل معها فقط من خلال الرقباء العاملين معه كان يبحث بدأب عن وجهة النظر الأخري ويقدرها ولا يسارع باصدار قرار فيما يخص فيلماً أو قضية فنية مؤمناً بأن كل عمل لابد ان يأخذ حقه والاهتمام والاحترام وهو ما عكسته علي المستوي الشخصي شخصيته الإنسانية الرائعة.. فتحية إليه.. وإلي فيض عطائه الكبير لمصر السينما والثورة والقوة الناعمة. 

التواصل الإنساني فاق الإلكتروني 

للمصريين في التعبير عن آرائهم ومشاعرهم مساحات وطرق صعب ان يسجلها أحد لأنها دائماً ما تتجدد وقد تلقيت في هذا الأسبوع ما لم أتلقاه منذ سنوات طويلة من طرق التحية والمحبة والتآلف الإنساني الجميل من خلال مناسبة عيد الميلاد المجيد الذي حل الاثنين الماضي لكنني وقبل موعده بأيام ظللت أسيرة فيض من الرسائل والمكالمات التي تجاوزت التهنئة بالعيد وتمني السعادة لي وللأسرة إلي الغرق في بحر من المشاعر العميقة التي لا يمكن اختزالها في كلمات بسيطة وإنما الشعور بها تجمل الحياة وتطارد بعض الأفكار الغريبة التي تطارد المرء حين يواجه إساءة مجانية في شكل فتوي تطالب المسلمين بعدم تهنئة المسيحيين بالعيد وهو ما رد عليه رجال دين كبار وعلماء بدحضه لكن الناس سابقوهم في رفض الفتوي وفي الإعلان عما في قلوبهم وعقولهم من محبة لأخوتهم في الوطن ومحبة لكل القيم الدينية والإنسانية ولن أقول سخرية ممن أفتوا بهذا للدرجة التي دفعت صديقة عزيزة إلي القول ضاحكة إنها صممت علي الاتصال بي رغم أن هناك من أعلنها أنها ستذهب إلي النار كل هذا الحب هو الرصيد الحقيقي لنا في هذا البلد الكبير وكل هذا الوضوح والقدرة علي التواصل هي ذخيرتنا للأيام المقبلة التي نسعي فيها إلي تحقيق ما خرج الثائرون من أجله صباح 25 يناير 2011 ودامت محبتنا وتماسكنا وإيماننا بأن مصر لنا جميعاً.. بلا تفرقة.. 

قبل القانون والوثيقة.. أين المرصد 

سوف يسجل تاريخ هذه المرحلة عن الإعلام ان هناك حقاً يراد به باطل وهو الحديث عن ميثاق شرف للعمل الإعلامي وعن مجلس للإعلام الوطني بدون ان يكون هذا مصحوباً بإقامة مرصد وطني لمراقبة الإعلام وإعطائه كل الإمكانيات الملائمة من أجل رصد كل ما تقدمه القنوات المصرية العامة والخاصة الإخبارية والعامة والدينية وبحيث يقف الجميع أمام نفس القاضي ويتعاملون بنفس المعايير وليس كما يحدث الآن حين يتم التعامل مع بعض الفضائيات بقسوة وتترك غيرها بلا أي تعقيب علي ما تبثه من كلمات وبرامج تحض علي الكراهية والفتنة ومن هنا فإن الجهد الذي يقدمه زملاؤنا في جبهة الدفاع عن حريات التعبير والجهد الذي يبذله عدد من أساتذة الإعلام أو الحقوقيين والأخصائيين في جبهة أخري هي جمعية حماية القارئ والمستمع والمشاهد.. هي جهود في محلها وفي وقتها من أجل التعامل مع الإعلام المصري بما يعبر عن طموحات اليوم وغداً وبما يدعم حرياته وحقه في الحصول علي المعلومات والدفاع عن كل ما يحتاج للدفاع عنه من قيم ومبادئ وأحداث وشخصيات. 

magdamaurice1@yahoo.com

الجمهورية المصرية في

10/01/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)