حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بطلة فيلم «سبوبة» راندا البحيري:

البطولة المطلقة لا تشغلني

كتب الخبرجمال عبد القادر

 

بدأت النجمة راندا البحيري مشوارها الفني بأدوار صغيرة، لكنها لفتت الأنظار إليها بموهبتها وتلقائيتها. كانت ملامحها المصرية جواز مرورها إلى المشاهد، ومع كل عمل تقدمه تخطو خطوة نحو النجومية، التي لطالما قالت البحيري إنها لا تبحث عنها ولا تهتم بها، حتى جاءتها أول بطولة سينمائية في «سبوبة». عن أحدث أعمالها السينمائية والجديد كان لنا معها هذا اللقاء.

·        حدثينا عن أحدث أعمالك فيلم «سبوبة»؟

ينتمي الفيلم إلى أفلام الحركة، ويدور حول عصابة تخطط لعمليات سرقة. أجسد شخصية الأميرة، ابنة زعيم العصابة ضياء الميرغني وهي المتحكمة في كل شيء، فهي تخطط للسرقات وتقود العصابة المكونة من أحمد هارون وخالد حمزاوي. الفيلم من تأليف بيتر ميمي وإخراجه، وأؤدي فيه دوراً مختلفاً لم أقدمه سابقاً واختلافه هو سر إعجابي به وموافقتي الفورية عليه.

·     تأجل قبل عرضه سابقاً، ما رأيك في توقيت العرض وهل هو مناسب الآن رغم الأحداث السياسية؟

كان عرض الفيلم مقرراً في 5 ديسمبر 2012، لكن تأجل بسبب الأحداث السياسية، وبعد هدوء الأوضاع نسبياً قررنا عرضه، خصوصاً أن الأحداث  لن تهدأ في الوقت الحالي ولا بد للفيلم من أن يعرض للجمهور بدلاً من تأجيله لأجل غير مسمى.

·        «سبوبة» أول بطولة مطلقة لك، فهل جاءت في موعدها أم تأخرت؟

في موعدها وبعدما اكتسبت الخبرة التي تجعلني مؤهلة لها، علماً أني لا أهتم بمساحة الدور بقدر اهتمامي بجودة العمل فالبطولة المطلقة لا تعنيني، لأنني قدمت أدوار بطولة مشتركة وثم أدواراً ثانوية، لأني لا أهتم بهذا الأمر بقدر اهتمامي بتقديم عمل جيد للجمهور ولمشواري الفني.

·     هل مشاركة الفنان في أكثر من عمل سينمائي أو تلفزيوني يضر به ويجعل المشاهد يمل ظهوره؟

على العكس. مع انتشار قنوات الدراما والأفلام وإيقاع الحياة السريع، أصبح مطلوب من الفنان العمل في أكثر من عمل سينمائي وتلفزيوني كي لا ينساه المشاهد. كانت هذه المقولة صحيحة قديماً عندما كانت قنوات التلفزيون قليلة والأعمال الدرامية أيضاً، ولم تكن الفضائيات قد ظهرت بعد، لذا كان ظهور الفنان في أكثر من عمل آنذاك مع قلة الأعمال المنتجة يضر به. أما الآن فكم الأعمال المنتجة أصبح كبيراً وعدد القنوات الفضائية أيضاً، لذا من الصعب على المشاهد متابعة الأعمال كافة. بالتالي، في حال لم يقدم الفنان أكثر من عمل يسقط من ذاكرة المشاهد.

·     الدعاية لمرشح الرئاسة حمدين صباحي ثم الانضمام إلى التيار الشعبي، ألا تخشين من أن يؤثر هذان الموقفان على عملك؟

أنا عضو مؤسس في التيار الشعبي وعضو فاعل في حملة حمدين صباحي. اتخذت هذين الموقفين وفقاً لقناعتي الشخصية، ومن حق أي شخص أن يتخذ ما يريد من مواقف. أما عن رد فعل أي فرد أو جماعة فلا يعنيني لأني شخصية عامة وأي أمر أتعرض له لن يمر بسهولة، فضلاً عن أننا في دولة قانون والدليل ما حدث مع إلهام شاهين وكيف أن القضاء رد اعتبارها. عموماً، لم يتأثر عملي بما اتخذته من مواقف حتى الآن.

·        هل تعتقدين أن الفترة المقبلة ستحمل نوعاً من التقييد والحصار على الفن؟

لست خائفة على الفن والإبداع لأن الفن والفنانين أقوى من أي هجوم وقادران على التصدي له. مع ذلك، ثمة إشاعات كثيرة تظهر من دون مبرر حول التقييد وإلغاء الفن أو ما شابه، في حين يقول الواقع إنه لم يصدر أي قانون أو تشريع من الدولة ضد الفن والإبداع، وهذا فقط ما يعنيني. بالتالي، لا مبرر للخوف وكل ما حدث كان حالات فردية.

·        ماذا عن جديدك؟

في السينما أصور البطولة الثانية لي من خلال فيلم «هيصه»، الذي تدور أحداثه في أحد الأحياء الشعبية حيث يعيش شاب يدعى رضا يعمل في الأفراح ومع كل فرح يتعرض لموقف كوميدي ومشكلة، وتكبر الطموحات في عقله فيترشح لتولي رئاسة إحدى النقابات وتتصاعد الأحداث في إطار كوميدي. بالنسبة إلى دوري، أجسد شخصية فتاة مسترجلة تدعى «هيصه» تقف إلى جانب أخيها بطل الأحداث الذي يقع في مشاكل كثيرة نظراً إلى طموحاته الكبيرة التي تفوق طاقاته. الفيلم من إخراج وائل عبد القادر في أولى تجاربه الإخراجية.

أما في الدراما التلفزيونية فقد أوشكت على الانتهاء من تصوير دوري في مسلسل «سلسال الدم» مع عبلة كامل ورياض الخولي وأحمد عزمي، وهو من تأليف مجدي صابر وإخراج مصطفى الشال. أعتقد أنه أهم عمل في مشواري الفني، أولاً لأن دوري محوري ورئيس في الأحداث حيث أجسد شخصية عاليا ابنة عبلة كامل، وثانياً لأني أقف إلى جانب الممثلة الكبيرة عبلة كامل وهو شرف كبير لي رغم صعوبة اتقان اللهجة الصعيدية التي واجهتني في البداية لأنني أقدمها للمرة الأولى.

فجر يوم جديد: مهرجانات أرذل العمر!

كتب الخبر مجدي الطيب 

«وكم ذا بمصر من المضحكات... ولكنه ضحك كالبكاء»، قالها الشاعر أبو الطيب المتنبي منذ ما يزيد على ألف عام، لكنه لم يدر أن يوماً سيأتي على مصر تحارب فيه الثقافة الحقة، وتحتفي بكل ما هو غث ورخيص!

يحدث هذا الآن على يد وزير الثقافة المصري محمد صابر عرب، الذي فاجأ الجميع، وكأنها خطة محكمة لتخريب الثقافة، عبر الإساءة إلى صورة المثقفين والتشكيك في ذممهم، بالموافقة على رعاية مهرجان يحمل اسم «كام السينمائي الدولي للأفلام القصيرة»، وجند أجهزة وزارته لدعم الدورة الثانية (27-22 ديسمبر 2012)، التي شهد بنفسه حفل افتتاحها، من دون أن يفكر لحظة في التثبت من هوية المهرجان، وتوجهاته الحقيقية أو غرض الجمعية التي تنظمه من إقامته!

لم يفطن الوزير، ولا نعرف إن كان هذا قد تم عن جهل أو تجاهل، إلى أن هذه الجمعية تعثرت كثيراً في إقامة الدورة الثانية نتيجة فقدان مصداقيتها، وغياب ثقة أطراف عدة في القيمين عليها، الأمر الذي تسبب في انسحاب الفنان هشام سليم، الذي اختير رئيساً للدورة، قبل شهر من إطلاقها، كذلك أعلن المدير التنفيذي للمهرجان انسحابه مُرجعاً قراره إلى «سوء الإدارة من رئيس الجمعية المنظمة للمهرجان، والاختيار السيئ للفريق المعاون وقلة الخبرة والكفاءة التي أدت إلى تعطيل المهرجان لأكثر من عام، وإلى انسحاب عدد كبير من المشاركين في لجنة التحكيم، وعدم توافر موارد مالية في الجمعية المنظمة لإقامة المهرجان بشكل لائق»!

تجاهل وزير الثقافة ومستشاروه تلك الاعترافات الفاضحة والتزموا الصمت حيال الإشارات المزعجة التي تنبئ بأن ثمة «كارثة» تدق الأبواب، وعلى رأسها مثلاً البند «الرابع» الذي ليس له مثيل في لوائح المهرجانات السينمائية في العالم أجمع، وينص على: {يمنح المهرجان الجائزة الذهبية وقدرها ثلاثة آلاف دولار، والفضية وقدرها ألفي دولار والبرونزية وقدرها ألف دولار»، وينتهي البند بعبارة «تُمنح هذه الجوائز في حال وجود راعٍ لها»!

بند «عجيب» يمنح إدارة الجمعية المنظمة للمهرجان الحق في «التغرير» بأصحاب الجوائز، ويُخفي أهدافاً مشبوهة مثلما يعكس غياب الشفافية، ويُقر وضعاً لا مثيل له في مهرجانات العالم، التي تُعلن على الملأ ومنذ اللحظة الأولى لتأسيسها إن كانت قادرة على منح جوائز مالية أو تكتفي بجوائز معنوية، أو تكتفي بالعرض فقط كمهرجان «لندن» السينمائي الشهير. ولهذا السبب لم أفاجأ مُطلقاً عندما استنكر المخرج الشاب أدهم الشريف تهرب إدارة المهرجان من منحه مبلغ الثلاثة آلاف دولار التي يستحقها، بعد فوز فيلمه الساحر «أحد سكان المدينة» (كتبنا عنه في هذه الزاوية تحت عنوان «عودة الكلب الضال») بالجائزة الذهبية لمسابقة الفيلم الروائي القصير، وهدد برفع دعوى قضائية ضد الجمعية المنظمة للمهرجان مُطالباً بحقه القانوني في الجائزة!

كنت أتمنى أن يُحرك المخرج الشاب دعوى قضائية مماثلة ضد محمد صابر عرب، باعتباره شريكاً أساسياً في جريمة «التغرير» التي جرت وقائعها على الملأ؛ فالوزير هو الذي أسبغ شرعية على المهرجان بحضوره حفلة افتتاحه، وهو الذي منحه حصانة بموافقته «الغامضة» على تجنيد قطاعات وزارته: صندوق التنمية الثقافية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، المجلس الأعلى للثقافة وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية لخدمة «كيان» يعترف القيمون عليه بأنهم اختاروا اسم «كام» «تيمناً بمهرجان «كان» الأشهر سينمائياً»، وبنوا دعايتهم على عبارة «ليه نفكر في «كان» واحنا عندنا «كام»، وكأننا بصدد الإعلان عن مسحوق غسيل أو مقويات جنسية!

مهرجان «كام»، الذي رعاه وزير الثقافة، هو أيضاً الذي برر اختيار عنوان «كام» بقوله: «الكلمة تعني باللفظ المصري المحلي «العدد»، وبالتالي فهو لا يرفض أي فيلم يتقدم للمشاركة، ويعترف بأنه يلهث وراء الكم ولا يلقى بالاً بالنوعية والكيف والقيمة والسوية!     

المفارقة المدهشة أن محمد صابر عرب هو نفسه الذي أعاد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي إلى «حظيرة وزارته»، وتحدى الرأي العام بقرار تكليف «الحرس القديم» بإدارته، وصدم الجميع بقرار عزل المهرجان، وسجنه خلف قضبان الأوبرا، ولم يكتف بالانقضاض على مهرجان القاهرة السينمائي لكنه لجأ، في محاولة يائسة من جانبه لإحكام قبضته ووزارته على بقية المهرجانات السينمائية المصرية، إلى ملاحقة مهرجاني «الأقصر للسينما الأوروبية» و{الأقصر للسينما الإفريقية»، والتهديد بإيقاف الدعم عنهما، تمهيداً لإغلاقهما نهائياً، في الوقت الذي وهب روحه، ومنح ثقته المُطلقة لمهرجان ليس فوق مستوى الشبهات، وأصر على احتضانه وكأنه طفله الذي أنجبه وهو في أرذل العمر!

هل تنقذ الكوميديا موسم السينما من الضياع؟ 

كتب الخبررولا عسران 

«على جثتي»، «ضغط عالي»، «كلبي دليلي» وغيرها من أفلام كوميديّة يعتبرها صانعو السينما الحصان الأسود الذي يراهنون عليه لإفاقة أي موسم من الغيبوبة، والحل الأمثل والوحيد لتحريك المياه الراكدة وبجرعة مكثفة.

قرر أحمد حلمي عرض فيلمه «على جثتي» (تشاركه في البطولة غادة عادل) في بداية الموسم بعد تأجيله أكثر من مرة، مؤكداً أنه لا يهتم بمواعيد العرض كونها من مهمة الموزّع، بل بأداء دوره بشكل جيد، وهذا ما يشغل باله كممثل ويعتبره مسؤوليته الأولى.

يضيف حلمي: «الكوميديا هي الحصان الرابح على الدوام ويراهن عليها صانعو السينما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالشعب المصري كوميدي بطبعه وخفيف الظل بدليل الإفيهات التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي وتجعل مهمة صانعي الكوميديا في مصر صعبة. أتمنى أن يرضي فيلمي أذواق الجمهور».

حلّ سحري

يوضح نضال شافعي أنه لم يختر بنفسه توقيت عرض فيلمه «ضغط عالي» (ثالث بطولة سينمائية له بعد «الطريق الدائري» و{يانا يا هو»، ويشاركه في البطولة لطفي لبيب)، لأن هذا الأمر من مسؤولية الموزع والمنتج.

يضيف: «ليس للكوميديا وقت معيّن لأن الشعب يقبل عليها في أي وقت، ما يفسر لماذا تعدّ حلا سحرياً لأزمات السينما المتعددة، على عكس نوعيات أخرى من الأفلام مثل الرومانسية والحركة والتراجيديا، فهي تتطلب توقيتاً معيناً لعرضها ليناسب الأجواء العامة».

 أما لطفي لبيب فيشير إلى أن «الأجواء السياسية العامة المحيطة بنا تتطلب أفلاماً كوميدية في محاولة لإخراج الجمهور من الحالة المزرية التي يتخبّط فيها». وترى مي كساب، بطلة «كلبي دليلي» (تأليف سيد السبكي، إخراج اسماعيل فاروق، يشارك في البطولة سامح حسين وسليمان عيد)، أن الفيلم محاولة لإخراج الناس من أجواء السياسة التي تعصف بالبلد، وتقول: «الكوميديا هي الأفضل في هذا التوقيت، من هنا لجأ صانعو السينما من منتجين وموزعين إلى عرض أفلام كوميدية وإن كانت مؤجلة من فترة».

صناعة لكل وقت

زخر الموسم السابق بأفلام كوميدية من بينها: «الآنسة مامي» من بطولة ياسمين عبد العزيز وحسن الرداد، «عبده موتة» لمحمد رمضان الذي تصدّر الإيرادات بعد عرضه مباشرة، «مهمة في فيلم قديم» من بطولة فيفي عبده وإدوارد، «30 فبراير» لسامح حسين وآيتن عامر وإخراج معتز التوني... وقد شكّلت هذه الأفلام موسماً سينمائياً حظي بمعدل جيد من الإيرادات وأنعش الصناعة. من هنا، يتوقع صانعو السينما أن يشهد الموسم الجديد انتعاشة سينمائية بدوره.

يؤكد منتج فيلم «مهمة في فيلم قديم» محمد السبكي أن الكوميديا هي الصنعة الوحيدة التي تصلح للأوقات كافة لا سيما الكئيبة منها، مضيفاً أن الفيلم حقق إيرادات جيدة رغم الإشاعات التي تؤكد فشله، ما يعني أن الجمهور متعطش للكوميديا في ظل الأوضاع التي  تواجه المواطن المصري بعد الثورة.

الجريدة الكويتية في

07/01/2013

 

ليال بلا نوم

عدنان مدانات

قد يبدو عنوان فيلم" ليال بلا نوم" للمخرجة اللبنانية إليان الراهب غريبا عن نوعه كفيلم تسجيلي، حيث أن العنوان يمكن أن يوحي بانتمائه إلى موضوع، أو مادة روائية، إلا أن مشاهدة الفيلم تؤكد على مطابقة العنوان لهذا الفيلم التسجيلي الذي تقوم مادته على تقديم شخصيتين رئيسيتين دراميتين يمكن وصفهما مجازا بأنهما لا تعرفان النوم. الشخصية الأولى تعلق برجل في أواسط الخمسينيات من عمره ضميره مثقل بسبب من الشرور والجرائم التي ارتكبها في شبابه والتي بات الآن يعتذر عنها في شتى المحافل وعبر مختلف الوسائط التي تتاح له. الشخصية الثانية امرأة في خريف عمرها يؤرقها فقدانها لابنها الذي اختفى منذ نحو عقدين من الزمن حين كان وهو في الخامسة عشر من عمره يشارك كمقاتل في صفوف الحزب الشيوعي أثناء الحرب الأهلية في لبنان ولا تزال أمه تأمل في أن تعثر عليه حيا أو ميتا، أو أن تعرف ما حل به.

في حين تبدو شخصية هذه الأم المنكوبة، على ما فيها من عاطفة مؤثرة، شبيهة بشخصية مئات النساء اللواتي فقدن أعزائهن أثناء الحرب ولم يتوقفن عن البحث عنهم ومحاولة معرفة مصيرهم رغم مرور زمن طويل جدا على اختفائهم، فإن شخصية الرجل هي التي لفتت انتباهي أكثر كشخصية  متميزة يصعب أن نجد مثيلا لها.

الرجل هو أسعد الشفتري المسيحي والذي كان مسؤولا مهما في استخبارات القوات اللبنانية أيام كان يقود القوات بشير الجميل. بحكم وظيفته، كان أسعد الشفتري متورطا في عمليات الخطف والقتل سواء عبر الأوامر التي كان يعطيها لمرؤسيه أو ممارسة القتل شخصيا لمخطوفين لديه( يصرح في الفيلم أنه ذبح شخصيا أحد المخطوفين كي يثبت لمرؤوسيه أن يديه ملطختين بالدم مثلهم)، وهو في ذلك الحين كان مقتنعا بما يفعله ويبرره وطنيا ودينيا، بل أنه، كما يصرح في الفيلم، كان يتلقى البركات على أفعاله من رجل دين مسيحي. تغير مصير أسعد الشفتري بعد اغتيال بشير الجميل الذي أصبح رئيسا للجمهورية اللبنانية، مما أدى إلى تناحر القيادات وانقسام القوات إلى فريقين، فريق يتبع إيلي حبيقة، وفريق يتبع سمير جعجع. كان أسعد من ضمن فريق إيلي حبيقة الذي خرج منهزما أمام فريق سمير جعجع، وهكذا وجد أسعد الشفتري نفسه هاربا لاجئا مع عائلته ورفاقه في مدينة زحلة وأصبح حالهم، كما تذكر زوجته، مثل حال اللاجئين الفلسطينيين الذين كان يقاتل ضدهم. خسر أسعد الشفتري الحرب، لكن الأهم من ذلك على المستوى الشخصي كان خيبته من المبادئ والمعتقدات التي كانت تبرر مواقفه وما ارتكبه من شرور

بعد سنوات من عذاب الضمير و إرضاءً لضميره، لا يجد أسعد الشفتري بدا من تدوين اعترافاته ويقرر نشرها في كتاب ويعطي المقابلات لوسائل الإعلام التي يعترف فيها بما ارتكب من شرور

تقرر إليان الراهب صنع فيلم عن أسعد الشفتري. لا يضيف أسعد الشفتري في الفيلم جديدا على ما قاله سابقا من اعترافات وما قدمه من اعتذار في وسائل الإعلام وفي خطبة ألقاها في اجتماع عام، بل أنه يبدو متمنعا عن الإجابة على الكثير من الأسئلة التوضيحية التي تطرحها عليه مبررا ذلك بأنه غير مستعد للإفصاح عن أمور تتعلق بغيره، وهو بذلك لا يروي ظمأ المشاهدين لمعرفة الكثير من أسرار تلك الحقبة،غير أن هذا لا يخفف من اهتمام المشاهدين بهذه الشخصية التي تميل إلى الصمت و تسيطر عليها الكآبة، والتي ينعكس عذاب الضمير على ملامحها وحركاتها والتي تنجح إليان الراهب، وهذا ما يحسب لها، في تقديمها كشخصية درامية بامتياز

من المشاهد الهامة المعبرة عن هذه الشخصية المقابلة التي تجريها إليان مع ابن أسعد الشفتري فيما هو يتناول الطعام مع والدته. يقول الابن في هذه المقابلة أنه لا يعرف شيئا عن ماضي والده. يضيف وهو يضحك بسخرية أن والده قليل الكلام ولا يكثر من الكلام إلا حين يريد أن يعتذر فيظل يكرر الاعتذار دون حاجة لذلك في حين يكفي أن يقول آسف.

من المشاهد الهامة أيضا تصريح أسعد الشفتري بالطريقة التي مارس فيها لأول مرة عملية قتل احد المخطوفين. تسأله إليان الراهب عن اسم الضحية، تسأله عن عمره، عن أوصافه، لكن أسعد يجيب كل مرة فقط بأنه لا يذكر.

إضافة إلى الحس الدرامي المنبثق عن تقديم الشخصيتين تبني إليان الراهب دراما فيلمها من الجمع والمقابلة بين الشخصيتين في مشاهد مشتركة حيث يتوضح أن أسعد الشفتري كان قائدا في المعركة التي شارك فيها ابنها واختفت آثاره إثرها. تصور إليان الراهب الاثنين معا و هما يتأملان عن بعد المبنى الذي جرت فيه المعركة ، وتصور الأم وهي تصرخ بغضب في أسعد الشفتري لعجزه عن تقديم أية معلومات عن ابنها المفقود.

على امتداد ساعتين وربع تقريبا، إضافة إلى عنايتها الواضحة بجماليات التصوير خاصة من خلال العديد من اللقطات  الطبيعة الفنية التشكيلية التي دخلت في المونتاج لتصور الجو المحيط بالشخصيات، تقدم إليان الراهب العديد من الشخصيات الأخرى بما يساهم في الكشف عن الكثير من جوانب الحرب الأهلية في لبنان سواء على مستوى الشخصيات أو التاريخ الوطني، وتتمكن من صنع فيلم غني بأحداثه وشخصياته.

فيلم "الاختطاف " للمخرج الدنماركي ليندهولم

الرأسمالية والقرصنة: حياة الناس في المعايير ذاتها 

علي البزّاز  

السعادة الإنسانية المُصادرة من قبل القراصنة، ومن الرأسمالية عند  المعايير والقيم ذاتها. يشتركان معاً في تهديد الحياة، كلّ بحسب طريقته ومعتقداته ومآربه،  يتقاسمان المكان والزمان. الإنسان ووجوده وأحلامه هي الحكمُ على  نجاعة الأفكار والسلوك، لا الخطابات والشعارات. يبتغي فيلم" الاختطاف"، حائز جائزة( لجنة التحكيم وجائزة أحسن دور رجالي للممثل سورن مالينك في مهرجان مراكش الدولي 2012)،  التنديد بالإرهاب من خلال قرصنة بحرية، والتوحش الرأسمالي الذي يفضل المال على حياة البشر في الوقت ذاته. تتعرّض سفينة الشحن الدنماركية "م.ف روزن" للاختطاف من قبل قراصنة صوماليين في المحيط الهندي، يطالبون بفدية مالية ضخمة.  يُساوم مدير الشركة التنفيذي الممثل  سورن مالينك الخاطفين، محاولاً دفع فدية قليلة، حفاظاً على أموال الشركة، وعدم تشجيع القرصنة مستقبلاً. تستمر المفاوضات أزيد من 130 يوماً. وبعدما تتمّ التسوية بنجاح، يتعرض ربّان السفينة للقتل من قبل أحد الخاطفين. بمعنى، سبّب ربح المال معاناة طاقم السفينة، وقتل أحد أفرادها. فما الجدوى إذاً من إطالة التفاوض؟ أهو الاستخفاف بحياة البشر مقابل المال؟.

تلتجيء شركة الشحن البحري إلى نصائح خبير في عمليات القرصنة، يظهر دوره جلياً في الفيلم من خلال المشاركة الفعلية في التفاوض، يقودها مدير الشركة التنفيذي مع الخاطفين. يطلبُ منه التقيّد بتعلمياته حرفياً، بغية إعطاء صورة حازمة، تساعد على دفع فدية قليلة. مشهد جميل، يكشف عن بشاعة الجشع الذي ينتج لاحقاً  التضحية بكابتن السفينة: يسجلُ خبير التفاوض الأرقام المالية التي يقترحها مدير الشركة على سبورة معلومات، تستمر هذه العملية أزيد من ثلاثة أشهر. المال يدّون بعناية وتراجع تفاصيله، وفي المقابل، حياة الضحايا في  صميم الخطر وتتدهور مشاعرهم. تبدأ عملية القرصنة قبل رسو السفينة، الجميع متلهف لرؤية عائلته. يستجيب مدير الشركة لتعليمات خبير التفاوض بمهارة هي في الضدّ من مشاعره، إذ يبدو شخصاً مرهفاً. يطرد زوجته، لأنها تلومه على النوم في المكتب وإدارة العملية بنفسه. وهكذا، يقع في تناقض بين إنسانيته والمال. يُخبّأ طبّاخ السفينة مايكل سلسلة/ الحب، هدية من زوجته في بداية عملية القرصنة. يتعامل مع الخاطفين مباشرة يومياً ، يطبخ متقرّباً اليهم لعله يفلح بفك الحصارعن سفينته. ولكن، هيهات، لا وجود للمشاعر الإنسانينه  في عالم الإرهاب. المال هو الأهم من الصداقات والود البشري. يُظهر الفيلم الخاطفين كرعاع همج، لا يتورعون عن القتل في أي لحظة. يُشهرون السلاح من دون مبرر، سوى الإرهاب والابتزاز. يهدّد مجلس إدارة الشركة المدير التنفيذي، بتنحيته عن المهمة، إن لم ينه المشكلة. مصالح الشركة وسمعتها في المقام الأول.أخيراً، تدفع الشركة فدية مالية قليلة قياساً إلى المبلغ المطلوب. يلبس مايك  سلسلته ثانية، يحاول أحد الخاطفين أن يأخذها عنوّة ، فيمنعه ربّان السفينة قائلاً: دفعنا الفدية، أترك السلسلة". لكنه يقتل الربّان بسهولة، ثم ترحل المجموعة مع المال والسلسلة/ الحب. ما أدّخرته الشركة من المال، ساعد في قتل أحد موظفيها  . لا يُضبط القتل  في حدود أو في أخلاق التفاوض. هم مستعدون للقتل في أي زمان ومكان. يدور الفيلم في مكانين مغلقين؛ مكتب الشركة والسفينة المختطفة، الاّ أنه ينجو من الرتابة والملل، بفضل السيناريو المكتوب بإثارة وتشويق إضافة إلى إدارة الممثلين الجيدة من قبل المخرج ليندهم( 1977). لديه خبرة في كتابة سيناريوهات عدّة أفلام منها(" سويمارينو 2010، مع توماس فينتنبرك،" الصيد" مع مايكل مايكل نوير، وبعض السيناريوهات لجهة التلفزيون"). استعان الفيلم بمواقع تصوير حقيقية وبخبرة بعض الأشخاص، ممن تعرضوا إلى حالات خطف مماثلة من أجل تقديم دراما تُحاكي الوثائقي بحبكة مثيرة

وهكذا، يجيد الطبّاخ مايكل دوره موازياً الممثل سورن مالينك الذي( منح جائزة أحسن دور رجالي، وذلك، لاجادته طريقة التفاوض مع الخاطفين)، مستعيناً بالصرامة تارة، وطوراً بمشاعر إنسانية تحت القهر الإداري والمالي. يسقط مايكل في نوبة كأبة وتتغير تصرفاته كلّها، عندما يُجبره الخاطفون على نَحر خروف. لا تشفع له مهنة الطبخ، على تحمّل الذبح، ينسى مهمته كطاهٍ وعلاقته بتقطيع اللحم والسكاكين. يتماهي مع مشاعره الإنسانية المغيّبة بسبب الإكراه والتهديد. ثمة فرق بين المهنة عندما تكون مختارة بحرّية وممارسة الشيء قسراً. تظل تصرفات الخاطفين ذاتها منذ بداية العملية ولغاية انتهائها. فهم لا يتمتعون مثلاً بهواء البحر رغم تشجيع طاقم السفينة. يستعمل الخاطفون، شاب صومالي"عمر" للتفاوض" يجيد لغة أجنبية، يدعّي بأنه  وسيط ليس إلا، تصرفاته تتطابق مع جماعته من حيث المشاعر، غايتهم المال فقط. لا يتظامن"عمر" مع طاقم السفينة، ولا يقترح أنسنة معاملتهم. في المقابل، تتغير شخصية المفاوض مدير الشركة التنفيذي، متأرجحة بين عملها المهني، يحتّم عليه تسوية مقبولة بأقل التكاليف ومشاعره:  يطرد زوجته عندما تلومه على حرصه وعدم النوم في المنزل، علامات الحزن والأسف خصوصاً بعد مقتل الربّان. ثمة تفاوت كبيرعاطفياً وشكلياً بين المفاوضَيَن: "عمر"،  مفاوض ينشد المال، غير متعاطف وغير إنساني، لا تتغير ملامح وجهه وتعبيراته. عواطف" عمر" ذات اتجاه واحد نحو المال، بينما مشاعر مدير الشركة في رحله متشعّبة.  

ادفا 25 :

الوثائقي في شكله الأكاديمي

طاهر علوان

ربع قرن هو عمر مهرجان " ادفا " – امستردام الدولي للسينما الوثائقية ، وقد احتفى المهرجان في دورته الخامسة والعشرين مؤخرا بمشاركات ضخمة من العديد من بلدان العالم ليختتم العام يانتقال المهرجان الى دورة جديدة يرسخ فيها مابدأه ومااانجزه . وفضلا عن المسابقات الرسمية للمهرجان التي اشتملت على مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بمشاركة 16 فيلما اغلبها  في عرضه العالمي الأول ثم تأتي مسابقة الأفلام الوثائقية متوسطة الطول  بمشاركة 15 فيما ومسابقة الفيلم الأول للمخرج وشملت 17 فيلما ومسابقة افلام الطلبة وشملت15 فيلما ومسابقة الأفلام الوثائقية الهولندية وشملت 13 فيلما ومسابقة الأفلام الوثائقية الموسيقية وشملت 15 فيلما ومسابقة السينما الوثائقية الرقمية وشملت 15 فيلما بالأضافة الى عشرات الأفلام الوثائقية التي عرضت خارج المسابقات في اقسام متنوعة في دليلين ضخمين زادت صفحات كل منهما على 300 صفحة .واما المساحة العريضة للمشاهدة التي اتيحت للمحترفين والمتخصصين لمشاهدة اكبر عدد من الأفلام فهي قسم " افلام وثائقية للبيع او "Docs for sale “  وهي السوق الضخمة للأفلام الوثائقية التي تتيح للمنتجين ومدراء المهرجانات وممثلي شركات التوزيع ومسؤولي او منسقي القنوات الفضائية امكانية مشاهدة جميع او اغلب افلام المهرجان على شاشات  مخصصة لكل من يحمل واحدة من الصفات آنفة الذكر ليسمح له مشاهدة كامل برامج المهرجان وفي اثناء المشاهدة يمكن مخاطبة منتج او مخرج الفيلم لطلب نسخة د ف د او لغرض طلب  لقاء مباشر وقد اتيح لي شخصيا من خلال هذه النافذة مشاهدة العديد من افلام المهرجان بشكل يومي فضلا عن لقاء مخرجيها او منتجيها من العديد من بلدان العالم .

وعلى امتداد مباني المهرجان حيث تتوزع اقسامه بمحاذات قنوات امستردام المائية ومحلات بيع الزهور المصطفة على الضفة هنالك قسم آخر يشكل لوحده علامة فارقة للمهرجان الا وهو القسم الأكاديمي او مايعرف IDFA Academy international training program وهذا القسم هو الذي يشهد استقطاب المحترفين من انحاء العالم : منتجن ومخرجين ومدراء مهرجانات واساتذة اكاديميون متخصصون بالفيلم الوثائقي وقد اتيح لي حضور كثر من نشاطات هذا البرنامج الخصب والمكثف . فعلى مدار اليوم مثلا يتوزع هؤلاء المحترفون على حلقات بحثية  اعضاؤها هم ايضا اما مخرجين او محترفين او في طريقهم للأحتراف او نقاد او صحافيين او غيرهم لغرض اللقاء مع شخص متمرس او مدير مهرجان او منتج ليعرض تجربته او تجربة شركته او مؤسسته  في ميدان السينما الوثائقية وهنا لابد من عرض بعض اقسام هذه الدورة  من اكاديمية الفيلم التي تميزت بحق بغزارة في الموضوعات واختيار نخبة متميزة من خيرة الخبرات العالمية في صناعة السينما الوثائقية :

القصة في الفيلم الوثائقي 

وقد ادار هذه الحلقة البحثية  " اوفي جينسين " من مؤسسة الفيلم الوثائقي في الدنمارك وقد ناقش فيها العناصر الأساسية في قصص وموضوعات السينما الوثائقية وارتباطها بعنصري الأنتاج والتسويق والجمهور فضلا عن الأطار العام و هو صناعة الفيلم الوثائقي وقد ذهب الباحث بعيدا في قراءته لهذه الثيمة من خلال تجارب متنوعة وابرزها الفيلم " عينة البحث الذي تم اختياره وهو فيلم " الرجل الموسيقي " وهو من انتاج هذا العام للمخرج ستيف جيمس من الولايات المتحدة وقد كان عينة بحث مطابقة لمجمل الآراء التي نوقشت في تلك الحلقة البحثية المهمة .

تمويل الفيلم الوثائقي 

وقد شارك فيها كل من:

-  " اليزابيث هولم " وهي منتجة مستقلة واسعة الخبرات والتجارب انتجت او شاركت في انتاج العديد من الأفلام الوثائقية  وهي فضلا عن ذلك تعمل ضمن فريق مهرجان هامبتون السينمائي الدولي .

- "ستيف جيمس" وهو ايضا منتج ومخرج امريكي مستقل حصد العديد من الجوائز ومن المخرجين المرموقين في مجال السينما الوثائقية وادرج ضمن قائمة افضل عشرة مخرجين وثائقيين لأكثر من مرة

- " مركريت ياغارد " وهي منتجة سويدية متخصصة بالفيلم الوثائقي وتهتم بالأبتكار في اشكال السينما الوثائقية ثم لتنتقل الى مجال الأفلام الأعلامية والدعائية بخبرة تزيد على 20 عاما .

مختبر الفكرة وسيناريو الفيلم الوثائقي 

وهو مختبر متخصص في شكل ورشة عمل ناقش فيها متخصصون العديد من خواص الفيلم الوثائقي من زاوية الفكرة والسيناريو ومن جهة ترويج الأفكار الناضجة الصالحة للتطوير والتي تجتذب اليها  المنتجين ، وهي حصيلة مهمة وحيوية في سوق السينما الوثائقية وتدفع قدما الى مزيد من المناقشات التي تتركز في ماهية الأفكار الصالحة للسينما الوثائقية واكثرها رواجا وهي مقتربات مهمة في هذا الميدان وقد شارك في اضاءتها نخبة من الباحثين وهم كل من :

- "ميكائيل اوبستروب " وهو منتج دنماركي شغل منصب مستشار الأنتاج في معهد الفيلم الدنماركي وقد انتج العديد من الأفلام الوثائقية طيلة 30 عاما وهو حاليا رئيس وحدة الدراسات في مؤسسة الفيلم الوثائقي في كوبنهاجن .وقد القى محاضرة مهمة مع تطبيقات ترتبط بصناعة افكار السينما الوثائقية ومقدار ارتباطها بحاجة سوق الفيلم ذاته واتجاهات الجمهور.

- " جيسبر اوزموند" وهو متخصص بالمونتاج وتمتد خبرته في مونتاج الأفلام الوثائقية لعقدين من الزمن قدم خلالها اكثر من 50 فيلما بصفتة مونتيرا محترفا .وهو سلط الضوء على " الشكل" في الفيلم الوثائقي وعلاقته بمجمل العناصر الفيلمية وسلط الضوء على جوانب من خبراته في هذا الميدان .

- " سابين باز " وهي منتجة وسبق وعملت في محطات " ارت " و " ز . د .ف " الألمانية وعرفت محاضرة متخصصة في العديد من ورش العمل حول العالم في موضوعات مشاريع السينما الوثائقية .وقد ناقشت في ورشة العمل هذه مشروعات السينما الوثائقية كمنظومة متكاملة ومراحل تطوير مشروع الفيلم الوثائقي وتطوير الخبرات في هذا الميدان .

- " ستيفان كلوس" وهو منتج الماني ، انتج من خلال شركته الخاصة اكثر من 40 فيلما وثائقيا نال كثير منها العديد من الجوائز . وهو يركز على الجانب الأحترافي في الأنتقال من الموضوعات والأفكار الى عناصر نجاح الفيلم الوثائقي ومقومات هذا النجاح وايجاد رؤية في تطوير الأفكار والمشروعات الوثائقية .

الفيلم الوثائقي وسبل التوزيع والتسويق

وهي حلقة دراسية وورشة عمل تتداخل في مسارات الفيلم الوثائقي اليوم ومن خلال تجارب ميدانية عملية موثقة لنخبة من المتخصصين كجزء من  متطلبات السوق واشتراطاتها وماذا يراد من الفيلم الوثائقي فضلا عن  جمهوره في اطار عملية صناعة السينما الوثائقية والتوصل الى تلك الشروط والمعطيات التي ترسخ هذه الرؤية المهمة .وقد شارك في هذه الحلقة الدراسية كل من

-   " جيمس فرانكلين" وهو متخصص في التصميم الجرافيكي واسهم في الترويج لأكثر من 100 فيلم وثائقي حتى الآن وهو سلط الضوء على تجربته ورؤياه الخاصة  في هذا الميدان بشكل خاص .

- "" باتريشيا فنيران " وهي منتجة وخبيرة في مجال السينما الوثائقية وضمن فريق عمل مهرجان سندانس ومعهد الفيلم الأمريكي و قدمت خلاصة خبراتها في مجال الترويج للفيلم الوثائقي من خلال المهرجانات المتخصصة فضلا عن ايجاد رؤية مشتركة لدى صانعي السينما الوثائقية في كيفية انتقاء الموضوعات والقضايا الأكثر ملامسة للحياة اليومية في اطار رؤية شاملة وموضوعية .

اشتملت اكاديمية ادفا في نسخة المهرجان الخامسة والعشرين على ندوات اخرى مصاحبة سلطت الضوء بمزيد من الرؤية المعمقة على قضايا الفيلم الوثائقي المختلفة من خلال العديد من التجارب العالمية ودرست واقع توزيعه وانتاجه وسط حشد من جمهور هذا النوع الفيلمي والمتخصصين المحترفين فيه وقد اتيح لي مواكبة اغلب تلك الحلقات الدراسية وورش العمل وخلالها اتيح لي اللقاء بالأستاذ احمد محفوظ مدير الجزيرة الوثائقية في واحد من اقسام المهرجان المكتظة بالنشاطات اليومية المتواصلة منذ الصباح وحتى ساعة متأخرة من الليل بلا انقطاع ...

الجزيرة الوثائقية في

07/01/2013

 

«وجدة» ...

التمرد على الخضوع الأنثوي

دبي - خالد ربيع 

لا تكمن أهمية فيلم «وجدة»، الذي عُرض في الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي، ونال جائزة أفضل فيلم، في القصة البسيطة التي بثتها كاتبته ومخرجته هيفاء المنصور عن طفلة تتمنى امتلاك دراجة هوائية وتسعى إلى اقتناءها، على رغم معارضة والدتها ومعلمتها بوازع تحريمي لدى مجتمع قبلي محافظ، يرفض مثل هذه الأمنيات التي لا تصلح للإناث.

لكن الفيلم يتكامل بعناصره الفيلمية المجودة في سيناريو مشغول باحترافية عالية، وإيقاع زمني متماسك، وزوايا تصوير خارجية وداخلية مختبرة، ومونتاج وأزياء ومؤثرات صوتية متقنة... ، فكل ذلك يأتي في كفة وبما بثه من مواضيع كاشفة لبعض ما تعانيه المرأة السعودية من الفكر الذكوري يأتي في كفة أخرى، ولا سيما الذي تسهم به المرأة بنفسها في تكريسه، وفي تحنيط ذاتها في قوالبه العتيدة التي لا تريد الخروج منها، بل وتستسلم لها بكل خنوع ورضوخ، وتنميها وتربي أجيالها المقبلة عليها.

فالمخرجة المؤلفة «المنصور» عالجت موضوعات عميقة بخفة فنية ضمن أسلوب إخراجي يبتعد عن الميلودراما التضخيمية، ويقترب كثيراً من واقعية عصرية، أو ما يمكن تسميته بالسينما الشخصية، المتخففة من حمولات المباشرة والشعاراتية والتراجيدية، والمتأسسة على دوافع سلمية غير صدامية، محبة للبيئة والحضارة والثقافة الآتية منها، ومع ذلك محققة لرؤية تنهل من الشخصي (غير السِّيرَي أو الذاتي) المتداخلة مع المحيط البيئي العام. وهو ما يمكن تلمس سماته في أسلوبها الإخراجي، بكيفية تشي باستشفاف تأثير مخرجي أفلام الواقعية الإيطالية الجديدة فيها أمثال: «فيتوريو دي سيكا»، «فرانشيسكو روزي» و«روبيرتو روسيليني» المندمجة مع تيار الواقعية الإيرانية الجديدة لعائلة مخملباف وكيارستمي وبناهي وغبادي ومجيد مجيدي..، وهيفاء المنصور إذ تسرد قصة «وجدة» في الزمن الراهن ترجع، كما يبدو، في بعض التفاصيل إلى حياتها الخاصة وذاكرة طفولتها، ففي أحد مشاهد الفيلم يشعر المشاهد وكأن الزمن يعود إلى بدايات التسعينات أو بالأحرى إلى سنوات طفولة المخرجة، إذ كانت تُسمع الأغنيات عن طريق الأشرطة الكاسيت، ويتم تبادل التعبير الشعوري والتهنئات عن طريق البطاقات البريدية والرسائل الورقية، في حين أننا نعيش في زمن التواصل الإلكتروني.

إذنْ من خلال أمنية وجدة (الطفلة وعد محمد) نلتقي بوالدتها (الممثلة ريم عبدالله) الموظفة المجسدة لنموذج متنامٍ للمرأة السعودية المعاصرة الواقعة تحت ضغوطات تدرك سطحها، لأنها تمس حياتها اليومية ولا تدرك عمقها، لأنها منغمسة في خضمها الجارف، لذلك تقف منصاعة لحراكها، من دون أن تفكر في نبذها أم «وجدة» تدرك معاناتها مع السائق الذي يتحكم في وقتها، ولا تفكر لحظة واحدة في أن تقوم هي بسياقة سيارتها إذعاناً منها للواقع، وخضوعاً لما تمليها عليها الأعراف السائدة، وفي اللحظة ذاتها تدرك حالتها الرهابية من أن يتزوج أبو وجدة (الممثل سلطان العساف) عليها، وتعرف أن والدته تبحث له عن عروس، من دون سبب أو نقيصة تستوجب ذلك، سوى الرغبة الأنثوية السادية من أم الزوج والزوج نفسه في سحق وتحطيم نفسية الزوجة، أو لإثبات الفحولة والثراء للتباهي في محيطه.

هي أشياء عميقة تتم في الخفاء لا يدركها سوى أبناء المنطقة، وربما ليس لديهم تفسير لها. أم وجدة لا تتخذ أية تدابير لإيقاف هذا البحث ولا تحاول نزع الفكرة من رأس الزوج، بل تسأل القدر متى سيتم ذلك؟ لأنها تعي أن عادة الزواج المتعدد أصبحت مستشرية يمارسها الذكور بمساعدة الإناث، على رغم حال الحب الهادئة التي يعيشها مع الزوجة، إذ تخضع لحسابات أخرى، تجوس في الثقافة الذكورية التي تتخذ من الإرهاب النفسي الممارس على المرأة طريقاً آخر، لإخضاعها وتذليلها، بدافع يصهر التركيبة السيكيولوجية الأنثوية المعقدة التي لا تخلو من بقايا ثقافة التحكم في الإماء والسبايا، تلك الموغلة في الإرث الخفي لثقافة «الحريم» في الجزيرة العربية. الفيلم لا يقول ذلك بصريح العبارة، لكنه التحليل الأنثبولوجي الذي يشي إليه.

في حين تظل «وجدة» تحث والدتها على اقتناء (الفستان الأحمر) الذي شاهدته وتمنت ارتداءه، ليس لأنه سيعجب والدها - كما ترجو الأم -، بل لأنه جميل عليها، وفي ذلك تحريض رمزي، على التمرد على الخضوع وتحقيق الذات الذي تدركه الطفلة بفطرتها المتطلعة، مثلما تمنت اقتناء «دراجة» لتلحق وتتغلب على صديقها (الذكورية) ابن الجيران عبدالله (الطفل عبدالرحمن الجهني)، في رمزية لمّاحة لشق طريق الحرية بوسيلة (دراجة خضراء) مسالمة، ويدرك عبدالله هذا التوق للحرية ويباركه بفطرته البريئة فيقول لوجدة: «ترى إذا كبرت بتتزوجيني».

في مسار آخر من الفيلم يدخل المشاهد إلى مدرسة البنات ويقف على عينة من الممارسات الضاربة في الرجعية والتجهيل الذي تكرسه المعلمات. فحصة مديرة المدرسة (الممثلة عهد كامل)، نموذجاً لفئة من المعلمات اللاتي يمعّن في ترسيخ الذكورية وتثبيت الخضوعية الأنثوية، ومن دون شك يعاني الأهالي المتفتحون من تعليماتهن بسبب تدخلهن في تربية بناتهم وفق محددات صارمة تستقي عناصرها من التقاليد البالية المجيرة، دائماً باسم القيم المحافظة.

وفي كل الأحوال، تضع هذه المفاهيم جل تركيزها على فداحة الخطر الذكوري المتوهم بما يمكن أن يلحق بالمرأة، جراء التعامل مع الرجل أو حتى الاختلاط به.. هنا نتذكر فيلم «اليوم الذي أصبحت فيه امرأة» للمخرجة الإيرانية مرضية مخملباف، إذ تتشابه - إلى حد ما - فكرة بلوغ الفتاة السن التي ينبغي عليها فيها أن تحتشم وتتوارى وراء العباءة وغطاء الوجه، لأنها أصبحت امرأة ولم تعد طفلة.

نتذكر الفتاة ذاتها وقد انخرطت في سباق بالدراجات، بينما يحاول رجال القبيلة ثنيها على الاستمرار فيه، ثم نتذكر فيلم «حالة تسلل» للمخرج الإيراني جعفر بناهي عن الفتيات اللواتي رغبن في حضور مبارة كرة القدم في الملعب مع الرجال.

على هذا النحو يتعرض الفيلم بالخفة ذاتها الإيحائية للبرغماتية والفكر النفعي الذي بات يهيمن على التعاملات، للوصول إلى الأهداف، فالطفلة «وجدة» أدركت أنها يمكن أن تصل إلى مبتغاها من خلال مشاركتها في مسابقة تحفيظ القرآن والفوز بجائزتها، على رغم أن دافعها ليس دينياً صرفاً، لكنها تكسب تعاطف معلمتها ومديرة مدرستها ووالدتها وتجعلهن يقفون معها، لتحقيق هدفها الظاهر، في حين تفاجئهن بالهدف الباطن عندما أعلنته،غير أن «وجدة» لم تلجأ إلى هذه الطريقة، إلا عندما وبّختها مديرة المرسة على قيامها ببيع الأشرطة الكاسيت والإكسسورات التي تستهوي الفتيات ولفتت نظرها إلى ضرورة تغطية رأسها وتغيير حذائها المشابه لأحذية الأولاد، وهنا تلتمع أسئلة أثناء المشاهدة: هل اتخاذ الوسائل باسم الدين يبرر تحقيق الغايات؟ هل يريد المجتمع أن يبدو ظاهر الأشياء دينياً، لكي يمررها؟ لكن في تفسير آخر يمكن القول بأن ما فعلته ناتج من طبيعة شخصيتها المتمردة والمحبة، فدلالة اسم «وجدة» ترمي إلى حال الوجد والحب والتوق والمحبة. ومع كل تلك المواضيع المطروحة برشاقة في الفيلم والتي سيدركها المشاهد ابن البيئة، وقد تُخفى - ربما - على المشاهد من بيئات أخرى، تظل القصة الرئيسية ولطافة أداء الطفلة وعد محمد الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبي 2012، وأيضاً رقة وواقعية وطبيعية أداء ريم عبدالله (الذي يعد انقلاباً على طريقة تمثيلها في الدراما التلفزيونية التي ظهرت فيها «كمانيكان» متكلفاً بغير أحاسيس تستعرض جمالها الشكلي في شخصيات باهتة بلغة جسد جامد ووجه ثلجي)، تظل هي عوامل الجذب للفيلم.

وأخيراً لا مبالغة فيمن يعتبر أن الفيلم احتل الرقم الثاني في المنجز السينمائي السعودي الروائي الطويل بعد فيلم «ظلال الصمت» للمخرج عبدالله المحيسن، وأنه نتيجة للشراكة والدعم والصداقة التي جمعت هيفاء المنصور بالناشط السينمائي مدير مهرجان دبي السينمائي مسعود أمر الله، في حين كفّرت شركة روتانا عن غلطيتها وتجربتيها المتواضعتين في إنتاج فيلمي «مناحي» و«صباح الليل».

الحياة اللندنية في

08/01/2013

 

بحثاً عن «كوهين» في السينما المصرية

النكبة جعلته متهماً حتى إثبات العكس

صالح ذباح* 

لم يقع التعبير السينمائي المصري في فخ الكراهية العمياء لكل ما هو يهودي. استمر التجانس والتآلف بين مكوّنات المجتمع وبرز ممثلون ومنتجون يهود قدّموا أفلاماً مهمة لغاية تاريخ قيام الدولة العبرية

قد يختلف المؤرخون في تحديد تاريخ دقيق لانطلاق السينما المصرية، لكنّه تزامن مع انطلاق السينما في العالم في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ليس غريباً على مصر في تلك الحقبة التاريخية أن تتولّى مقاليد صناعة فنية هامة وحديثة لما تتمتع به من أهمية جغرافية وتاريخية حتّمت عليها أن تكون مركزاً وملتقى لحضارات مختلفة، وموقعاً منفتحاً بطبيعته على العالم، خصوصاً في مرحلة كانت الدولة المصرية امتداداً لدولة حديثة أسّسها محمد علي باشا تطمح أن تكون عالمية.

وفي جوهرها هي دولة مدنية عصرية احتوت شرائح مجتمعية مختلفة وأصحاب جنسيات وديانات عدة، كان اليهود جزءاً من النسيج المجتمعي المصري، سواء كانوا مصريين أو وافدين تمصروا أو أجانب آثروا أن يبقوا «خواجات». ولعل البحث في الجانب السينمائي قد يرصد مشاركة ومكانة اليهودي في المجتمع المصري آنذاك.

كان توجو مزراحي من أهم وأبرز الشخصيات المصرية التي أسهمت في الانتاج السينمائي وأسس شركة إنتاج تحمل اسمه في عشرينيات القرن الماضي. كان مخرجاً وممثلاً وكاتب سيناريو. أدخل دور اليهودي في أفلام عدة واستعان كثيراً بالممثل شالوم في تلك الأعمال منها: «خمسة آلاف وواحد» (1932)، «الرياضي» (1937)، «شالوم الترجمان» (1935). كان جلياً في أفلامه مدى الاندماج الذي عاشه اليهود في المجتمع المصري. نلمس وجود اليهودي حتى في بعض عناوين الأفلام المصرية مثل «فاطمة وماريكا وراشيل» (1949) و«حسن ومرقس وكوهين» (1954). قد يشعر المشاهد العربي اليوم بدهشة وغرابة لو رأى شريطاً سينمائياً مصرياً شخصياته هي شالوم واستر كفيلم «العز بهدلة» (1937) لتوجو مزراحي. يدور الحوار باللهجة المصرية الصميمة و«تردح» الممثلة اليهودية فيتوريا فرح: «ده شالوم نسيبك اللي بتحبو قوي! آه يا عيني عليكي يا بنتي يا استر!». ظهر ممثلون يهود كثر على الشاشة، بعضهم بأسمائهم اليهودية والبعض بأسمائهم الممصرة كراقية ابراهيم (راشيل ليفي)، نجمة ابراهيم، شالوم، أحمد المشرقي (توجو مزراحي)، منير مراد ومن أهمهم وأشهرهم الفنانة ليلى مراد. استمر هذا التجانس والتآلف حتى قيام الدولة العبرية الذي مهّد لبداية انسحاب اليهود من مصر بالذات بعد ثورة يوليو. تأكد ذلك بعد حرب 1956، وكثيراً ما مسّت قضايا الجاسوسية والتبرعات لصالح الدولة العبرية بعض الفنانين اليهود وشككت في انتمائهم لهويتهم المصرية. أثيرت شائعات نالت من ليلى مراد رغم اعتناقها الاسلام عام 1946، ما أدى الى منع عرض أفلامها في سوريا واضطرها الى نفي تلك الشائعات في الصحف القومية المصرية وتأكيد انتمائها المصري العربي. ولم تسلم الفنانة راقية ابراهيم التي هاجرت الى الولايات المتحدة الأميركية عام 1954 من شائعات تجنيدها لصالح قيام الدولة العبرية ووجهت اليها لاحقاً أصابع اتهام تدينها بضلوعها في مقتل عالمة الذرة المصرية سميرة موسى.

في فترة ما بعد الثورة وما قبل حرب 1967، لم يكن ذكر اليهودي أو الاسرائيلي وارداً بشكل ملحوظ في السينما المصرية، ولم تكن هناك حالة عداء كما وضحت بعد النكسة. بعدها كان واضحاً أنّ مصر تعرضت لعدوان حتى لو لم يذكر اسم الدولة العبرية، وآثر المخرجون انتقاد الأوضاع الداخلية التي أدت الى الهزيمة وإظهار آثار أضرار الحرب على أهالي السويس في بعض الافلام كـ «الخوف» (1972) لسعيد مرزوق، و«ثرثرة فوق النيل» (1971) لحسين كمال.

بعد حرب أكتوبر 1973، باتت الرغبة جامحة وقوية في توثيق العبور من مجتمع مهزوم الى متعاف، فكان فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» (1974) لحسام الدين مصطفى، و«الكرنك» (1976) لعلي بدرخان، وبدأنا نشهد أفلام الجاسوسية وأهمها فيلم «الصعود الى الهاوية» (1976) لكمال الشيخ المستوحاة قصته من وقائع حقيقية تتناول تجنيد طالبة مصرية في باريس من قبل عملاء الموساد. ونشهد تطورات ملحوظة سينمائية تناولت الشخصية الاسرائيلية كشخصية مكارة وخبيثة تغري البطلة بالجنس والمال والرفاهية. لكن يتغلب رجال المخابرات المصرية على عملاء الموساد ويوقعون بالبطلة (مديحة كامل) ويتم اعدامها. تم إدخال الأحرف العبرية على الشاشة أثناء المراسلات السرية للمرة الأولى في أحداث فيلم مصري. رسخ هذا التوجه لانتاج أفلام الجاسوسية على غرار «إعدام ميت» (1985) و«48 ساعة في اسرائيل» (1998) و«مهمة في تل أبيب» (1992) لنادر جلال الذي تم فيه تسطيح مسألة الاختراق لأجهزة الأمن الاسرائيلية، ويتم إظهار الجانب المصري أقدر وأقوى رغم ذكاء وخبث الجانب الاسرائيلي، مستخفاً بعقول الكثير من المشاهدين، فجملة «خالتي بتسلم عليك» تفتح جميع الأبواب الموصدة وتحل المشاكل الأمنية كافة!

ولا يفوتنا أنّ فيلم «حب في طابا» (1992) لأحمد فؤاد يطرح قضية إفساد الشباب المصري في المناطق السياحية المصرية من قبل الاسرائيليين عبر ترويج الدعارة ونشر الايدز، وكذلك «فتاة من اسرائيل» (1999) لايهاب راضي الذي تناول قصة حب تتطور بين فتاة اسرائيلية وشاب مصري يرفض في نهاية الفيلم كل عروض الاغراء التي يقدمها والد الفتاة (يظهر بصورة شيطانية تسير في نفس نسق الصورة النمطية للاسرائيلي) كأنّ شغل اسرائيل الشاغل هو استيعاب الشباب المصري الى داخلها.

ولعلّ أوجه المحاولات التي طرحت قضية معاهدة السلام بين مصر واسرائيل من جهة والرفض الشعبي من جهة أخرى هو فيلم «السفارة في العمارة» (2005) للكاتب يوسف معاطي الذي طرح القضية بشكل أقرب إلى الواقع من غيره عندما يفاجأ البطل شريف خيري (عادل امام) العائد الى مصر بعد غياب 20 عاماً أنّ جاره هو السفير الاسرائيلي الذي يحاول بمختلف الطرق أن «يتواصل» معه في إشارة الى أهمية التطبيع للجانب الاسرائيلي. لكن يبقى نبض شريف خيري معبّراً عن نبض الجماهير رافضاً للتطبيع، متعاطفاً مع القضية الفلسطينية. وتهتف الجموع في أحد مشاهد العمل: «مش هنسلم مش هنبيع مش هنوافق عالتطبيع!».

أما آخر الأفلام المصرية التي تناولت شخصية اليهودي والاسرائيلي، فكان «ولاد العم» (2009) لشريف عرفة الذي اعاد تقديم الشخصية الاسرائيلية النمطية. ركّز على إبراز ملامح الشر والمكر والعنف في شخصيات عدة في الشريط أهمّها شخصية البطل المصري اليهودي الذي عمل كرجل مخابرات يصل به الأمر الى التخلي عن زوجته، ولم يتوان عن محاولة قتلها رغم أنّها أم أطفاله، والجارة اليهودية التي ينقلب حالها من امرأة طيبة الى متآمرة تحمل السلاح في وجه جارتها المصرية الموجودة عنوة في اسرائيل، لكن في نهاية المطاف ينتصر جهاز المخابرات المصري وينقذ البطلة.

لا ينفي ذلك وجود رؤى سينمائية محتضنة لليهودي، مستذكرة ماضيه كجزء من الإجماع المصري العربي حتى لو لم يكن المحور الرئيس في الاحداث. نرى ذلك في فيلم «اسكندرية ليه» (1979) ليوسف شاهين الذي يعرض قصة حب في الأربعينيات من القرن الماضي بين شاب مصري وفتاة يهودية لم تتكلل بالنجاح لقرار والدها الهجرة من مصر في دلالة على بداية هجرة اليهود من مصر، و«هليوبوليس» (2009) لأحمد عبد الله الذي يعرض بين قصصه قصة عجوز يهودية تتكلم عن ذكرياتها الجميلة في مصر مقارنة بحالها اليوم، إذ تفضل أن يعرفها الناس «خواجاية» مخفية يهوديتها أمام المجتمع.

قضية اليهودي في السينما المصرية خير تعبير حي وموثّق لتنوّع وتجانس مجتمع عربي احتضن اليهودي كجزء منه. وفي هذا الشرق، كان اليهودي فناناً ومبدعاً ومشاركاً في صناعة السينما في أيام كان يعاني من ويلات العنصرية والملاحقة والقتل في أوروبا. انقلبت أحوال هذه الألفة والقبول مع قيام الصهيونية باحتكار اليهودية وايجاد المبررات الدينية لاقامة الدولة العبرية على أنقاض مجتمع فلسطيني عربي، مدّعيةً أنّها واحة من الديموقراطية!

قد يكون للتصوّر السينمائي المصري اخفاقات أحياناً، وقد بعد عن رصد واقع المجتمع الاسرائيلي بدقة. أمر من الممكن تطويره لاعطاء صدقية أكبر من خلال الاستعانة بخبراء وإجراء بحث جدي في هذا المضمار. لكن في المجمل، يمكن القول إنّ التعبير السينمائي المصري فصل بين اليهودية والصهيونية، ولم يقع في فخ الكراهية العمياء لكل ما هو يهودي، ويعود ذلك إلى الإرث المشترك. ويبقى مستقبلاً أن نرى هل من تغيرات سياسية مفصلية لها أن تؤثر على التصورات السينمائية المقبلة؟

* كاتب فلسطيني

توم هوبر:

«بؤساء» هوغو شبعوا غناءً

فريد قمر 

السينمائي البريطاني الذي نال جائزة «أوسكار» عن شريطه «خطاب الملك»، يتصدى هنا لرائعة الفرنسي فيكتور هوغو. رواية تاريخية واجتماعية وفلسفية تحكي العدالة والكرامة الانسانية والجوع والفقر والله والدين والقانون والخير والشرّ... والثورة

ليس هناك امتحان أصعب من نقل رواية يعرفها معظم البشر إلى الشاشة العملاقة. امتحان سقط فيه كثيرون أمثال فيرناندو ميريليس في فيلمه «العمى» المقتبس عن رواية ساراماغو، أو ثنائية رون هاورد المقتبسة عن روايتي دان براون «شيفرة دافنشي» و«ملائكة وشياطين»... فكيف إذا كان الفيلم قد شاهده الجمهور بنسخة سابقة كشريط «البؤساء». يبدو أنّ البريطاني توم هوبر الحائز «أوسكار» عن فيلمه «خطاب الملك» نجح في الاختبار ولو من دون درجة امتياز.

يقودنا هوبر إلى التحفة الأدبية التي كتبها فيكتور هوغو عام 1862. رواية تاريخية وفلسفية واجتماعية تعكس المُثل الرومانطيقية المتعلقة بالطبيعة البشرية، لكن تحكي أيضاً غياب العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية وجحيم الفقراء في فرنسا القرن التاسع عشر والخير والشرّ والقانون. أراد هوبر الهرب من المقارنة بالنسخة الشهيرة من الفيلم التي حملت توقيع الدانمركي بيلي اوغست (1998) ونالت إعجاب النقاد. لجأ هوبر الى فيلم موسيقي، طعّمه برؤية خاصة صنعت عملاً جميلاً كان يمكن أن يخرج بشكل أفضل. يتحدث الشريط عن جان فالجان الذي يجد نفسه سجيناً لـ 19عاماً بعدما سرق رغيف خبز ليطعم ابن شقيقته. وكان تحت رحمة السجان جافيير الذي يتخذ على نفسه عهد مطاردة فالجان الذي غيّر هويته بعدما خرق اطلاق سراحه المشروط وبدأ حياة جديدة برفقة كوزيت ابنة المرأة المعدمة. من خلال الصراع بين الشخصيتين، يدخل المشاهد قعر المجتمع الفرنسي بعيد الثورة. مجتمع فقير على هامش البورجوازية الفرنسية، يتخذ ابناؤه الفقر خبزاً والبؤس أسلوب حياة ليكون الحلم بالتغيير مصيراً أبدياً بعد اصطدام تلك الأحلام بحاجز السلطة. أما كوزيت فتقع في حب أحد الثوار الطلبة في حركتهم الفاشلة لإسقاط حكم نابليون، فينتقلون من ارادة التغيير الى اليأس والموت المحتوم.

يقدم هوبر قصته متكئاً الى جانب آمن في مغامرته. ينطلق الفيلم من المسرحية البريطانية الموسيقية (1985) التي أنتجها كل من آلان موبليل وكلود ميشال شونبورغ، وهي النسخة التي نجحت في تقديم رائعة هوغو بأسلوب راق. من الناحيتين الموسيقية والفنية، لا يخلو فيلم هوبر من أي شائبة. طلب السينمائي البريطاني من الممثلين أداء الأغنيات مباشرة ولم يلجأ الى تسجيلها في الاستوديو كما جرت العادة في الأفلام الموسيقية. أما التصوير الرائع وحركة الكاميرات وإطار اللقطات، فكلها تؤهّله حكماً لجائزة «أوسكار»، حتى إنّ المشاهدين أخذوا بحركات تتبع الوجوه والشخصيات، وخصوصاً في تلك اللقطات التي تتحرك فيها الكاميرا من دون الانتقال الى كاميرا أخرى، ما يمثل تحدياً استعرض فيه هوبر عضلاته الإبداعية. لكن التصوير وحده لا يكفي للخروج بعمل جيد. العدسة تصقل القصة، تعطي نكهة مختلفة للشخصيات، لكنها لا تطغى في عمل مماثل. اشتغل هوغو على كل شخصية على حدة، رسم معالمها، صاغ عالمها وخلفياتها الاجتماعية الثقافية في رواية تمعن في تشريح العالم الطبقي السائد آنذاك، الذي أسهم تفتته في تفتت المنظومة السياسية الأوروبية بأسرها. لكنّ بناء الشخصيات في الفيلم كان كارثياً. لم ينجح في إظهار شخصية جان فالجان، التي تمثل محور العمل. بدا الدور الذي أداه هيو جاكمان ضعيفاً كأنّه ممثل ثانوي في عمل اختير لبطولته. بدا ضعيفاً يخلو من القسوة التي عرفناها في القصة وقد نجح بيلي اوغست في تظهيرها في نسخته السينمائية. أما راسل كرو، الذي عهد اليه دور جافيير، فكان أقرب الى الناس كأنه هو البطل لا فالجان. استعان كرو بمهاراته التمثيلية ليخرج من عورة الشخصية الناقصة وفق الشكل الذي قدمه هوبر. لم يدخل في عمق شخصية جافيير التي أدت الى التزامه الصارم بتطبيق القانون وايمانه المطلق بأنّه يفعل الصواب. أما آن هاثوي، التي جسّدت فانتين والدة كوزيت، فكانت مقنعة ولو لم ينجح هوبر في تبرير العلاقة القوية مع جان فالجان بعدما اختزل الكثير من الأحداث التي من شأنها دعم تلك العلاقة. فعل هوبر ذلك ربما خوفاً من الجنوح نحو الملل، وخصوصاً أنّ مدة الفيلم تزيد على ساعتين ونصف ساعة، أي أقل بساعة كاملة عن مدة فيلم سلفه أوغست. وتأتي شخصيتا مربيي كوزيت الثنائي هيلينا كارتر وساشا كوهين لتبدوا أقرب الى الكوميديا الهزلية التي تدفع المشاهد إلى التعاطف معهما، بدلاً من نبذهما، وهي من مغامرة انقسم النقاد حول جدواها. من سيئات الفيلم أيضاً جنوح هوبر نحو التركيز على الثورة رغم فشلها، وختم بكليشيهات الوطنية وبعزف نشيد الحرية، متناسياً الخيبة التي كانت أساس الرواية مع تخاذل الفرنسيين عن اللحاق بركب الثورة وتبرّر عنوانها أيضاً. في المحصلة، نحن أمام فيلم جيد جذب الملايين حول العالم رغم الثغر، لكن السؤال هو: هل في امكان هوبر تقديم فيلم يدخل الموسوعة السينمائية الخالدة لأفلام الأدب؟ نعم كان بامكانه كذلك، وخصوصاً أنّه بنى عالماً فرنسياً كاملاً بمشكلاته وبؤسه (جرى التصوير في مدينة غوردون في جنوب فرنسا مع بناء مدينة بالكامل)، وقدم صورة شاعرية ضرورية في كل فيلم مماثل، لكن سعيه إلى الاختصار وغلوه في تقديم الثورة فوّتا عليه الفرصة وأضاعا هدف الرواية الأصلية.

* «البؤساء»: «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «سينما سيتي» (01/899993)

الأخبار اللبنانية في

08/01/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)