حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

كيت بلانشيت لـ«الحياة»:

سكورسيزي خجول حتى المرض لكنه عبقري

باريس - نبيل مسعد

 

بدأ مشوار الممثلة كيت بلانشيت الفني وهي بعد تلميذة في المرحلة الثانوية حيث وقفت فوق خشبة مسرح مدرستها قبل أن تتبع دروساً في معهد الفنون الدرامية في مسقط رأسها سيدني بأستراليا وتحترف التمثيل المسرحي في أعمال كلاسيكية كبيرة وهي بعد مراهقة. ومن أستراليا جاءت بلانشيت إلى لندن عاصمة المسرح لتكمل تدريبها وتتعلم بإشراف أساتذة فرقة شكسبير الملكية. إلا أن السينما خطفتها في نهاية التسعينات من القرن الفائت من طريق فيلم «إليزابيث» المأخوذ عن مسرحية روت حياة الملكة إليزابيث (غير الحالية) العائدة إلى حوالى 300 سنة، من إخراج الهندي المقيم في إنكلترا شيكار كابور ولاقى الفيلم نجاحاً فاتحاً أبواب الفن السابع واسعة أمام بلانشيت، الأمر الذي لم يمنعها من مواصلة العمل المسرحي في لندن ونيويورك وسيدني حيث أصبحت أخيراً مديرة المسرح الأسترالي الوطني بمشاركة زوجها المخرج أندرو أبتون، مؤكدة بذلك حبها الفني الأول للمسرح ورفضها التضحية به من أجل مغريات الشاشة الكبيرة.

وبين أفلام بلانشيت المميزة هناك «زوج مثالي» المأخوذ عن مسرحية معروفة للراحل أوسكار وايلد، و«الرجل الذي بكى» مع جوني ديب، و«مؤشرات»، و«فيرونيكا غيرين» و«الألماني الطيب» مع جورج كلوني، و«الطيار» لمارتن سكورسيزي، و«إنديانا جونز وسر الجمجمة البلورية» مع هاريسون فورد، ثم ثلاثية «سيد الحلقات» للسينمائي بيتر جاكسون والتي عرفت النجاح العالمي العريض محولة بلانشيت من ممثلة معروفة إلى نجمة من الدرجة الأولى تتلقى العروض السينمائية المتنوعة بعقود مادية خيالية في هوليوود.

ولمناسبة ظهور فيلم «هوبيت» لجاكسون نفسه والذي هو الجزء الأول من ثلاثية جديدة تروي سيرة شخصيات «سيد الحلقات» قبل معايشتها مغامرات الثلاثية الأصلية، جاءت بلانشيت إلى باريس فالتقتها «الحياة» وحاورتها.

·     هل تقيمين في سيدني حيث تديرين المسرح الأسترالي الوطني أم في هوليوود من أجل عملك السينمائي الكثيف؟

- لا هنا ولا هناك، فأنا مستقرة في لندن وأسافر إلى الولايات المتحدة من أجل عملي كلما تطلب الأمر ذلك، كما أعود إلى سيدني مرة كل ثلاثة شهور تقريباً لمباشرة برنامج المسرح الوطني، علماً أن زوجي يشاركني هذه المسؤولية ونحن بالتالي نتقاسم المهمة.

·     لمناسبة مشاركتك الحديثة العهد في مسرحية «كبير وصغير» التي عرضت في باريس، حدثينا عن بدايتك المهنية فوق المسرح؟

- تعلمت الفن الدرامي في سيدني بأستراليا وفي لندن بعدها، ثم احترفته وظهرت في أعمال تنتمي كلها تقريباً إلى اللون الكلاسيكي إلى أن لاحظني النقاد في مسرحية «بلينتي» الشهيرة التي عرضت بنجاح كبير في لندن ونيويورك وسيدني وطوكيو فبدأ اسمي ينتشر وأجري يرتفع ودقت السينما بابي إذ حصلت على بطولة الفيلم الجميل «إليزابيث» الذي روى حياة ملكة إنكلترا إليزابيث في القرن الثامن عشر. وبما أن هذا الفيلم من أقرب ما يكون إلى المسرح وهو مأخوذ عن مسرحية معروفة، عملت في السينما وكأن الحكاية مجرد امتداد لنشاطي فوق الخشبة.

·     كثيراً ما تؤدين شخصيات قوية قريبة إلى اللون المسرحي مثل دورك في فيلم «إليزابيث» ثم في «زوج مثالي» و «فيرونيكا غيرين»، فما سبب مثل هذا التخصص؟

- أعتقد بأن انتمائي الأصلي إلى المسرح يبرر اختيار أهل السينما إياي كلما احتاجوا إلى وجه مسرحي. وأقصد أن الممثل الآتي من عالم المسرح لا سيما الكلاسيكي يكتسب مع مرور الوقت «وجه» أو «ملامح» درامية مميزة تجعله يصلح بدهياً لأي شخصية مأسوية قوية.

وأنا بدأت أتخلص مع مرور الزمن من وصمة الأدوار شبه المسرحية في السينما، والفضل في الأمر يرجع بطبيعة الحال إلى ثلاثية «سيد الحلقات» وللنجاح الذي لاقته في العالم. لقد قدمت الدليل من خلال دوري الخيالي في هذا العمل، على قدراتي المتنوعة أمام الكاميرا، الأمر الذي راح يجلب لي بعض العروض المختلفة، مثل «المفقودات» وهو فيلم من نوع رعاة البقر (كاوبوي)، ثم «الطيار» حيث تقمصت شخصية الممثلة الكبيرة الراحلة كاثرين هيبورن، و «إنديانا جونز وسر الجمجمة البلورية» وهو ينتمي إلى لون المغامرات ومثلت فيه دور شريرة سينمائية بحتة لا علاقة لشخصيتها بأية مقومات مسرحية تقليدية.

لم أقع في الفخ

·     هل كان من الصعب تقمص شخصية الفنانة الكبيرة الراحلة كاثرين هيبورن في «الطيار»، فأنت تتكلمين طوال الفيلم بصوت يشبه صوتها إلى حد مدهش وتتحركين مثلما كانت تفعل هي فوق الشاشة؟

- أستطيع التأكيد، بلا أدنى شك، أن دور كاثرين هيبورن هو أصعب ما أديته حتى الآن في إطار السينما، إذ كان عنصر الخيال الذي ألجأ إليه عادة من أجل بناء الشخصية التي أمثلها منعدماً تماماً. وكادت العملية أن تتلخص إذاً في تقليد امرأة عاشت بالفعل، إلا أنني رفضت أن أقع في هذا الفخ ورحت أعيد مشاهدة كل أفلام هيبورن من أجل مراقبة طريقة سيرها وحركاتها الجسمانية كلها، كما استمعت إلى تسجيلات البرامج الإذاعية التي استضافتها حتى أستوعب أسلوبها في التفوه بالكلمات، واستناداً في ما بعد إلى المعلومات التي جمعتها تخلصت من كاثرين هيبورن الحقيقية وبدأت أبني شخصية وهمية مثلما أفعل في شأن أدواري الأخرى. وبهذه الطريقة توصلت إلى نتيجة مطابقة للأصل من دون أن يتدخل فيها التقليد الأعمى.

·        ماذا عن عملك تحت إدارة المخرج الهوليوودي الكبير مارتن سكورسيزي في هذا الفيلم؟

- أعشق أفلام مارتن سكورسيزي، مثل «سائق التاكسي» و«كازينو» و«رجال طيبون» و«برثا بوكسكار» و«عصابات نيويورك»، وأعرفها منذ سن المراهقة، لكنني بصراحة أفضل مشاهدة أعمال سكورسيزي في السينما على أن أمثل فيها، لأن الرجل من النوع الكتوم جداً مع ممثليه إلى درجة الخجل المرضي، فهو لا يضحك ولا يصرخ ولا يعبر عن رأيه في أداء من يعمل تحت إدارته. ومن الصعب علي تحمل مثل هذه المواقف، فأنا امرأة صريحة ومنفتحة أميل إلى الكلام مع الغير وتبادل الآراء وسماع رأي الشخص الذي يدير عملي والذي اسمه المخرج، وهذا ما حرمني منه سكورسيزي، لكنه على صعيد آخر نجح في الدفع بي إلى الأمام وعرف كيف يستخرج مني أفضل ما عندي من طاقة وموهبة، لذا يقال عنه إنه عبقري.

·        وماذا عن المخرج الهندي شيكار كابور الذي أدارك في «إليزابيث»؟

- لا علاقة إطلاقاً بين الرجلين من حيث أسلوب إدارة الممثلين، وكابور يشكل في رأيي المخرج المثالي للممثل الكسول، بمعنى أنه يكتب كل شيء في سيناريو فيلمه إلى درجة أن الممثل عليه أن يلتزم بما هو مدون في النص من دون أن يحلل المواقف أو يرتجل أو يستخدم خياله بهدف التعمق في شخصيته أكثر وأكثر إلى درجة أنني شعرت في بعض الأوقات، عندما عملت تحت إدارته، بأنني لا أفيد في شيء من ناحية الابتكار الفني، وبأنني أكتفي بنقل ما أقرأه وبترجمته إلى أحاسيس وحركات أمام الكاميرا. لكن النتيجة هنا أيضاً جاءت مدهشة فوق الشاشة ما يدل على أن كل واحد منهما، وأقصد سكورسيزي وكابور، على دراية تامة بما يفعله، وحدها الأساليب هي التي تختلف في النهاية.

إيرادات خيالية

·        كلمة عن ثلاثية «سيد الحلقات» التي غيرت حياتك الفنية؟

- إنني أنظر إلى هذه الثلاثية بمثابة تجربة غريبة من أولها وإلى آخرها. وأقول تجربة غريبة لأن تصوير الثلاثية دام ثلاث سنوات كاملة ما يعني أنني شخصياً عملت طوال هذه المدة لكنني كنت أتردد إلى مكان التصوير في الغابات الأسترالية ثم أعود إلى لندن لأعمل في المسرح أو إلى هوليوود من أجل المشاركة في فيلم آخر قبل أن أطير ثانية إلى الغابات لأكمل دوري في الأفلام الثلاثة. وكل ذلك لا يدخل في إطار العمل التقليدي لأي ممثلة، وبعد ذلك جاء نجاح الجزء الأول ثم الثاني بعد عام واحد، ومن بعدهما الجزء الثالث الذي حقق وحده إيرادات خيالية فور نزوله إلى الصالات. ومع كل جزء وجدت وكيل أعمالي يعلن لي عن زيادة ملموسة في أجري بالنسبة إلى أفلامي المقبلة من دون أن أعرف ما الذي فعلته حتى أستحق مثل هذه الزيادة خصوصاً أنني كنت واعية جداً إلى شيء وهو حدوث العكس إذا كان أحد الأفلام قد فشل مثلاً بدلاً من أن ينجح مثلما حدث. إن النجومية شيء نسبي لذا، يجب عدم التشبث بها، وأقول ذلك وفي الوقت نفسه أعترف بأن «سيد الحلقات» غير حياتي.

·        هل تتوقعين أن ينجح الفيلم الجديد «هوبيت» بالطريقة نفسها؟

- نعم، خصوصاً أن النتائج الأولى لافتتاحه في الولايات المتحدة تسمح بمثل هذا التوقع.

·     ماذا كان شعورك بتقمص الدور نفسه مرة جديدة بعد مرور حوالى سبع سنوات على انتهاء تصوير الثلاثية الأصلية؟

- شعرت بأنني ركبت آلة تسمح بالعودة إلى الوراء في الزمن ووجدت نفسي مرة جديدة في وسط الفريق الفني نفسه الذي شارك في تنفيذ الثلاثية. لم أكن قد التقيت هؤلاء الأشخاص خلال سبع سنوات مثلما تذكره أنت، ولكن الطريف يكمن في أننا كلنا تصرفنا مع بعضنا بعضاً وكأننا افترقنا قبل أيام قليلة بصرف النظر عن الفترة الحقيقية التي مضت. والشيء نفسه حدث بالنسبة إلى دور الساحرة الذي أمثله إذ إنني تقمصته وكأنني غادرته في الأمسية السابقة. وأنا الآن مستعدة للعمل في الجزءين التاليين من «هوبيت».

الحياة اللندنية في

04/01/2013

عشرة أفلام من انحاء العالم أكدت حضور السينما في عام انتقالي صعب

إبراهيم العريس 

على رغم مئات ملايين الدولارات التي حققها عدد لا بأس به من الأفلام في عام 2012 المنصرم، وعلى رغم تعدّد المهرجانات السينمائية وتنوعها، يجمع المحللون والمراقبون على ان وضع السينما كان صعباً، وعلى الأقل في مناطق عدة من العالم. صحيح اننا لا نزال بعيدين كثيراً – بل ربما ابعد من اي وقت مضى – من تحقّق تلك التوقعات التي تتحدث عن موت السينما، لكننا نعيش في زمن يتعين فيه على هذه الأخيرة ان تمعن في البحث عن سبل جديدة تحفظ لها حضورها في العالم، وليس فقط كأفلام وإنتاجات ابداعية او طبعاً تجارية وترفيهية، فهذا الحضور من جانبه، مضمون حتى ازمان غير منظورة، وانما ايضاً كصالات ولعبة فرجة تتيحان لهذا الفن الذي خلق جماعياً واجتماعياً بامتياز ألا يفقد قدرته على جمع الناس من حوله. وفي هذا الإطار بالتحديد يصح الحديث عن عام انتقالي – بل حتى اعوام انتقالية صعبة – يعيشها فن القرن العشرين الذي لا يزال واعداً بأن يكون فن العصور التالية... وضمن إطار ذلك البحث المضني عن تلك الأساليب، ها هي السينما تزداد تنوعاً في اساليبها ومواضيعها وتقنياتها في شكل لا يفوته ان يدهش حتى اكثر المتشائمين بمستقبلها تشاؤماً. ففي هذا الإطار، ها هي تقنيات الرقم والتجسّد ماثلة. وها هو ماثل التجديد المدهش في المواضيع والأفكار وما الى ذلك، بحيث يمكننا ان نقول ان ما من مرحلة سابقة من مراحل تاريخ تطوّر الفن السابع عرفت، على صعيد يدمج الشكل بالمضمون، ما يعرفه هذا الفن في ازماننا هذه، وبوتيرة تزداد سرعة. ومن هنا لم يكن صدفة ان يأتي مبدع مثل الإنكليزي سام مندس ليخوض تحدي التجديد في عوالم جيمس بوند، او ان يحاول بيتر جاكسون ان يتجاوز ما كان أنتجه في «سادة الخاتم»، في عمله المسلسل الجديد «ذى هوبيت» البادئ عروضه لتوّه... وفي مقابل اتساع المساحات والآفاق، ليس صدفة ان يطور مخرج من طينة ميكائيل هانيكي تعامله مع المكان الضيق المغلق ليطرح تساؤلات الموت والشيخوخة، ويماثله فعلاً زميل ايطالي مخضرم هو برناردو برتولوتشي طارحاً هو تساؤلات الأخوّة والمراهقة والصداقة في «انا وأنت». وكذلك ليس من الصدفة في مكان ان تصيب تجديدات مبدع كالمكسيكي اينياريتو على صعيد تثوير الشكل السينمائي، بعدواها مبدعين من شتى انحاء العالم باحثين عن حلول جديدة – في كتابة السيناريو وغيره – تعيد الى السينما انفصالها الخلاق عن «عادية» العمل التلفزيوني... والحقيقة ان هذا كله وغيره، يخلق اليوم ذلك الأمل المتجدد لفن سينمائي لا يتوقف عن العثور على حلول خلاقة لكل «مأزق» يقع فيه... فيحوّل الأمل الى قفزة جديدة في تاريخ فن من قدره ان يعيش دائماً على القفزات في لعبة استجابة متواصلة لتحديات دائمة.

انطلاقاً من هذا الواقع، إذاً، آثرنا في جردة هذا العام ان نتوقف عند عشرة أفلام لا نعتبرها، جمالياً ومن ناحية السلّم القيمي، بالضرورة «أفضل» ما حقق هذا العام، بل نعتبرها الأفلام التي كانت طوال العام، الأكثر استجابة الى التحديات المطروحة على الفن الذي تنتمي اليه. اخترنا بعضها من بين الأفضل طبعاً، لكننا اخترنا بعضها الآخر من بين الأكثر تجديداً في الشكل والمضمون أو في واحد منهما كما من بين الأكثر قدرة على الريادة الجديدة في مجال فتح الدروب واسعة امام استمرار الفن السينمائي في التألق والانبعاث المتجدد. وحتى وإن كنا في اختياراتنا هنا لم نتمسك كثيراً بتراتبية تقويمية، فإن الترتيب الذي توخيناه لها لا يفوته على اية حال ان يحمل تفضيلات ما.

داخل الأماكن وخارجها

> في المقام الأول، لدينا فيلم النمسوي مايكل هانيكي الجديد «حب» الذي على رغم غوصه في عالم الشيخوخة والمرض والموت وتفتت الجسد، عرف كيف يكون نشيداً للحب والحياة على رغم سيناريو لم يفارق شقة زوجين عجوزين، عملياً، مركزاً على تعاملهما معاً، ثم تعامل الزوج وحده مع مرض الزوجة واحتضارها. استفاد هذا الفيلم الاستثنائي من أداء رائع لممثلين فرنسيين استثنائيين كان الفيلم نفسه هو من اعادهما الى الشاشة بعد غياب طويل: جان لوي ترنتينيان وإيمانويل ريفا. بدا واضحاً ان المخرج ما كان في إمكانه ان يحقق فيلمه هذا لولا اقناعهما بالعمل معه. بعد عرضه الأول في مهرجان «كان» ربيع هذا العام، نال الفيلم «السعفة الذهبية» وسط تصفيق مهيب. لكن هذا الإجماع لم يكن من نصيبه تماماً حين عرض في الصالات. لقد قسم «حب» الجمهور العريض... لكن هذا كان طبيعياً. ففيلم مثله تبدو الاستجابة العامة له في غاية الصعوبة، انه من الأفلام التي تفرض إجماعاً من حوله على المدى الطويل... لكنه كذلك/ وهذا اهم بالنسبة الينا، من الأفلام التي تفتح آفاقاً واسعة امام تفجّر المواضيع في الفن السابع.

> ربما يمكن قول الشيء نفسه عن فيلم «احتضار» آخر عرض بدوره في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي، لكنه وإن نال اجماعاً نقدياً وجماهيرياً، لم يلق الاستجابة نفسها من محكمي المهرجان، فخرج من دون جوائز... ولكن هل يهمّ هذا كثيراً؟ الفيلم الذي نتحدث عنه هنا هو «كوزموبوليس» الذي حققه دافيد كروننبرغ عن رواية ذائعة الصيت للكاتب النيويوركي دون ديليلو والتي تحمل العنوان نفسه. من ناحية مبدئية نحن هنا كذلك في مكان مغلق لكنه منفتح في انغلاقه على العالم الخارجي، على شوارع نيويورك... فالمكان هو داخل سيارة ليموزين ضخمة وفخمة يجول صاحبها بها في نيويورك سعياً في يوم مزدحم – بسبب زيارة مرتقبة يقوم بها رئيس البلاد الى المدينة وتتخذ فيها احتياطات امنية مذهلة تحسباً لمحاولة اغتياله -، وصاحب السيارة ليس بالطبع رئيس البلاد بل هو واحد من اولئك الفتية الذهبيين الذين حققوا المليارات خلال ازمان قياسية في قصرها، لمجرد إتقانهم اللعبة الرأسمالية ومناورات البورصة وحياة وول ستريت. بالكاد يقترب بطل الفيلم هنا من الثلاثين وهو بالكاد يعرف كيف يعيش. كل ما يفعله خلال يومه هو ان يرصد حركة البورصة وصعود الأسهم وهبوطها وتقلب اسعار العملات الرئيسة. واليوم الذي نرصده خلاله في الفيلم هو يوم «عادي» من حياته حتى وإن كان قد قرر ان يفعل فيه شيئاً غير عادي مثل قص شعره لدى حلاق قديم، حتى وإن كان اليوم سينتهي نهاية غير عادية: بالموت والإفلاس على سبيل المثال. كل شيء يدور هنا داخل السيارة وسط الشراب والمكالمات الهاتفية والعلاقات العابرة. أما بطء حركة السيارة بسبب الازدحام، فإنه يسمح للثري الشاب ان يلتقي زوجته بين الحين والآخر، ويستدعي طبيبه لإجراء فحوص روتينية ويشارك في المزادات ويراقب انهيار ثروته. فيلم شديد القسوة «كوزموبوليس» وشديد الحيوية. وهو تمكن من ان يكون سينمائياً الى ابعد الحدود على رغم انغلاق المكان ومحدودية الزمان فيه.

> سيارة ليموزين ضخمة وفخمة هي الأخرى وتكاد تشبه السيارة السابقة لوناً وأناقة... تلك التي تقوم بالدور الرئيس، أي ايضاً دور المكان المغلق، في الفيلم الفرنسي «عربات مقدسة» للمخرج ليوس كاراس، وهو مخرج نادر الحضور على الشاشة، لكنه معروف منذ اكثر من ربع قرن بأنه يحقق أفلاماً تعرف كيف تثير ضجة وتجدد – في طريقها – في الفن السينمائي، وليس على الصعيد الفرنسي وحده. «عربات مقدسة» يشبه فيلم كروننبرغ بكونه ايضاً يدور في يوم واحد وداخل السيارة. غير ان الشخصية المحورية هنا، إذاً كانت مثل شخصية «كوزموبوليس» تقوم بلقاءات عدة طوال اليوم، فإن لقاءاتها تتم غالباً خارج السيارة. فهذه هنا هي بالأحرى وسيلة نقل وربما ايضاً يمكن اعتبارها «غرفة» يحضّر الممثل فيها ثيابه وزينته. ذلك أن شخصية «عربات مقدسة» هو اقرب الى ان يكون ممثلاً وهو طوال الفيلم وفي مقاطعه المتعددة يعيش حيوات الكثير من الشخصيات التي يبدو بعضها وكأنه استعادة لأدوار لعبها الممثل نفسه في افلام سابقة للمخرج ذاته، ومن هنا يبدو الفيلم الى حد كبير اشبه بأن يكون انطولوجيا لسينما كاراس... غير انه في الحقيقة اكثر من هذا. هو فيلم عن الهوية/الهويات وعن الوجود وجدواه، كما عن «الحقيقة» في المعنى الذي كان يتناوله الكاتب الإيطالي بيرانديللو في مسرحه ورواياته. وهو قبل هذا وبعده كله فيلم عن السينما وفيلم عن الحياة... وهذا كله يجعل منه واحداً من تلك الأفلام التي تعرف كيف تقلب نوعاً فنياً رأساً على عقب فاتحة له آفاقاً غير متوقعة.

الإنسان يواجه الوحش

> لا يمكن طبعاً ان نقول كلاماً مثل هذا عن الفيلم الجديد الذي جعل محوره العميل البريطاني الشهير جيمس بوند، ولكن هذه المرة ومن جديد في سيناريو لم يقتبس عن اي عمل ادبي كتبه مبتدع الشخصية ايان فليمنغ. ومع هذا حقق الفيلم في الذكرى الستين لولادة الشخصية ادبياً وفي الذكرى الخمسين لولادتها سينمائياً. واذا كانت قد جرت العادة على عدم «إقحام» اي فيلم سابق من «بطولة» جيمس بوند في لوائح نقاد العالم حول افضل افلام السنة، اكتفاء بوضع معظم افلامه السابقة في لوائح الأفلام الأكثر ربحاً وإقبالاً، فإن الحال تختلف هذه المرة، لأن «سكايفول» – وهو عنوان الفيلم – حقق «معجزة صغيرة» تمثلت في ادخال العميل الأسطوري الى ملكوت السينما الجادة التي يحتفل بها النقاد، في ما يشبه الإجماع، بل تسمّى منذ الآن لجائزة اوسكار وأكثر. والحال ان أحداً لن يرى غرابة في الأمر إن طالعه اسم المخرج: سام مندس. فمنتجو بوند الجديد هذا اختاروا هذه المرة مخرجاً اوسكارياً ومبدعاً سينمائياً حقيقياً، في رصيده افلام كبيرة مثل «جمال اميركي» و «طريق الضياع» وقد عقدوا العزم على اخراج بطلهم من عالم المغامرات الخالصة والخدع التقنية المبتذلة والانتصارات المزيفة، ليضعوه في مهب سينما حقيقية. وقد ساعدهم في هذا سيناريو كتب بقوة ليضحي اشبه باستعادة لأكثر لحظات البوندات السابقة تألقاً ودراميّة، كما ساعدهم حضور ممثل قدير – دانيال كريغ – ليجسد الدور في شكل لا سابق له، متفوقاً، فنياً على الأقل، على جيمس بوند الأصلي والأسطوري: شون كونري.

> التفوق، ولكن على النفس هذه المرة، ومن الناحية التقنية الخالصة على الأقل، يلوح ايضاً في عودة المخرج بيتر جاكسون الى الكاتب تولكاين. فهو بعد مرور اكثر من عقد على تحقيقة أول ثلاثــــية «سادة الخاتم» متبعاً اياها بجزءين تاليـــين، عن الرواية الأشهر لتولكاين، ها هو يفاجئ محبي هذا الــــنوع من سينما المــــغامرات الأسطورة بالعمل الجديد المقتــبس عن الكـــاتب نفسه... إذ عند نهاية العام بدأت عروض فيلم «ذى هوبيت» وهو الجزء الأول من ثــــلاثية جدية مقتبسة عن الرواية الحاملة الإسم نفسه والتي كان تولكاين اصدرها قبل «سادة الخاتم». من ناحية مبدئية، قد لا يكون ثمة اختلاف كبير في الموضوع وحتى في الشكل بين الثلاثية الجديدة وتلك السابقة، بل إن كثـــراً قد يفضلون أجواء «سادة الخاتم» الأســـطورية والغرائبية، على اجواء «ذى هوبيت» الخرافية التي تبدو اشبه بلعب الأطفال. لكن المسألة ليست هنا، المسألة هـــي في ان السنوات الفاصلة بين تحقيق العملين احدثت في التقدم التقني ومجال الاشتغال الرقمي على الصورة، واشتغال الغرافيك على بناء الديكورات والشخصيات، وتطور فنون الماكياج... الى آخره قفزات نوعية، ما جعلنا في هذا الفيلم الجديد المصوّر والمشاهد بتقنية الأبعاد الثلاثة، ننسى الموضوع تماماً – وهو هنا كذلك بحث خلاصي تقوم به مجموعة من الشخصيات العجيبة – لنغرق في لعبة الإبهار الشكلي ونضيع بين جبال تتصارع ووحوش تطارد وحوشاً وسيوف مدهشة لقلة من البائسين يتغلبون على ألوف الأعداء المفترسين. بالكاد يتمكن المتفرج هنا من التقاط أنفاسه... وبالكاد تتاح له الفرصة ليفكر في ما يشاهد. انه الإبهار البصري في اعظم تجلياته، والسينما إذ تصل الى ابعد بكثير من اية حدود كان سبق الوصول اليها مرفقة بالصوت والموسيقى المدوّختين. في اختصار انه الإبداع الخالص الذي لا يمكن الوصول اليه إلا في الحلم او على شاشة عملاقة. فقط قد يحلو لنا هنا ان نتساءل: ترى، كيف سيبدو «ذى هوبيت» إن هو عرض على شاشة تلفزيونية في عزلة غرفة ما... مهما كان حجم الشاشة او براح الغرفة؟!

> شيء مثل هذا يحدث – ويمكن ان يقال ايضاً – في فيلم آنغ لي الجديد «حياة باي» الذي عرض بدوره بدءاً من اواخر العام... وهذا الفيلم مقتبس كذلك من رواية ذائعة الصيت نالت اقبالاً كبيراً خلال الآونة الأخيرة وتحمل العنوان نفسه. هنا ايضاً لدينا رحلة وهنا ايضاً لدينا مغامرات مدهشة، لكن هذا كله محدود مكانياً بالبحر الشاسع، وبشرياً بشخص واحد هو باي، الفتى الهندي الذي يروي لنا هو الأحداث بعد ان تقدم في العمر ومرت سنوات على مغامرته تلك – تماماً كما حال بيلبو شخصية «ذى هوبيت» المحورية الذي يروي لنا الأحداث الخارقة بدوره -. هنا ايضاً لدينا احداث خارقة وصراع مع الوحش: صراع بين باي والنمر البنغالي... صراع ميدانه البحر الهادئ حيناً والعاصف في احيان كثيرة وقد وجد الإثنان نفسيهما في عبابه على متن مركب انقاذ تمكن باي من الحصول عليه إثر غرق سفينة كانت تنقله وعائلته في رفقة مجموعة كبيرة من حيوانات تخص العائلة التي كانت مصطحبة اياها مهاجرة الى كندا. إذاً يحدث ان السفينة تغرق ويصل باي حياً الى مركب انقاذ ليجد عليه حيواناً مسالماً خائر القوى (حمار مخطط) وآخر اشبه بالضبع شديد الحيوية يريد ان يفترس كل ما يلتقيه. غير ان هذا كله يهون ويبقى الصراع اقرب الى المنطق حتى وصول النمر البنغالي قافزاً بدوره لتبدأ مغامرة باي المدهشة والمرعبة في آن معاً. وهنا مرة اخرى لدينا التصوير المدهش بالأبعاد الثلاثة الذي يعطي الصورة السينمائية أبعاداً فريدة، حتى وإن كان في 0نفسها... ومهما يكن، لا نعتقد ان اوسكارات تقنية ستكون بعيدة من هذا الفيلم كما عن «ذى هوبيت».

سينما الداخل الوديعة

> المخضرم برناردو برتولوتشي لن يتنطح هذه المرة لنيل اوسكار ما، بل يمكن القول ان احداً لم يحتجّ جدياً على عدم حصوله على اية جائزة او تنويه عن فيلم عودته بعد غياب طويل «انا وأنت» حين عرض في دورة «كان «الماضية... بل انه لم يكن في الأصل مرشحاً لأية جائزة. فالفيلم بسيط وحميم، وقد تبدو علاقته بمبدعه اشبه بما كانت عليه علاقة فرانسيس فورد كوبولا قبل سنوات بفيلم عاد به هو الآخر بعد غياب، ونعني بذلك تحفته الصغيرة «تيترو». فإذا كانت الحال كذلك، قد يتساءل القارئ لماذا ترانا ندرج «انا وأنت» في خانة الأفلام التي تعتبر من علامات العام المنصرم؟ بالتحديد لأنه فيلم حميمي وصغير. بسيط الكلفة. خال من النجوم. يدور مثل «حب» في مكان مغلق. وفيه عدد قليل جداً من الشخصيات: مجرد فتى مراهق وأخته الصبية في معظم الأحيان... في ذلك المكان المغلق الذي هو قبو البيت الذي تقيم العائلة فيه. ومع هذا لسنا هنا امام فيلم رعب على طريقة هيتشكوك او داريو ارجنتو، كما اننا لسنا امام فيلم إباحي خارق للأعراف من النوع الذي اعتاد برتولوتشي نفسه تحقيقه. كل ما في الأمر اننا امام فتى يرفض مرافقة فتية صفه في رحلة مدرسية تدوم اسبوعاً ويحبس نفسه، مع كل ما قد يحتاجه في القبو من دون معرفة اهله... وهو كان يتوقع ان يحدث له اي شيء في الكهف إلا انضمام اخته غير الشقيقة والتي تعيش بعيداً، اليه في وحدته وسكينته. هذا كل ما يحدث في الفيلم. لكن الجوهر ليس هنا. الجوهر هو اكتشاف الفتى للحنان والعاطفة الأخوية في عالم بات خالياً منهما...الجوهر هو تمكن السينما الهادئة والتي يحققها هنا سبعيني مخضرم، من نقل هذا الدرس بكل حنانه وتألقه والتسامح المتبادل الذي يخلقه. بهذا بدا «انا وأنت» فيلماً كبيراً لا أكثر ولا أقل..

> في هذا المعنى نفسه قد يكون في امكاننا ان نضم فيلم الفرنسي جيل بوردوس «رينوار» الى هذه اللائحة. فهنا ايضاً لسنا امام فيلم كبير. ولسنا امام انتاج ضخم. ولا مغامرات ولا لغة سينمائية فاقعة في الأمر. فقط لدينا سيرة مزدوجة. او بالأحرى سيرتان في سياق واحد... او بشكل حتى اكثر تعقيداً: سيرة صاعدة وأخرى هابطة. بدلاً من رينوار واحد لدينا هنا اثنان وأصلهما حقيقي في التاريخ الفني الفرنسي: الأول هو الأب بيار اوغوست رينوار، احد اساطين الفن الانطباعي خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر، والثاني هو جان رينوار، أحد كبار المبدعين في تاريخ السينما وصاحب «الوهم الكبير» و «قواعد اللعبة» – بين اعمال اخرى – وهما المعتبران من العلامات الأساسية في تاريخ الفن السابع. وطبعاً لا يحكي لنا الفيلم في ساعتيه سيرة كاملة للإثنين، بل لحظة فاصلة في حياتيهما حين كان الأب الرسام على وشك الرحيل بعد ترمله، فيما الإبن في اول شبابه غير دار انه سيصبح بعد حين ذلك السينمائي الكبير الذي سيصبحه. اما نقطة اللقاء بينهما فامرأة كانت خادمة الأول وموديله وعشيقته، لتصبح بعد عودة الثاني محطماً جريحاً من الحرب، فاتنة هذا الأخير ثم عشيقته فزوجته بالتالي. وفي اثناء ذلك سنعرف ان رينوار الإبن انما قرر ان يصبح سينمائياً لمجرد انه عشق الفتاة وأراد ان يجعل منها ملهمته في الفن الذي كان ولد لتوّه بعدما كانت ملهمة ابيه في الفن الانطباعي... هنا في هذه العلاقة الثلاثية التي رسمت بقوة واحتراف مدهشين، على رغم اننا لسنا هنا على اية حال امام فيلم كبير، في هذا الفيلم السينمائي الذي ينبني بتكتّم من حول التبادل بين الأب والإبن، تكمن قوة عمل يأتي ليقول لنا ان ثمة مواضيع من الصعب على اي فن آخر غير السينما التقاط تفاصيلها...

وإثنان من عندنا

> وهذا في الواقع ما يمكن قوله – وإن في شكل موارب هذه المرة - عن واحد من فيلمين عربيين رأينا ضرورة ضمّهما الى هذه اللائحة، ونعني به اللبناني الروائي الطويل الأول للارا سابا «قصة ثواني». للوهلة الأولى تبدو لارا سابا في هذا الفيلم، آتية من اللامكان... او لنقل من عالم التلفزة. لكننا وبالتدريج ندرك انها آتية من وذاهبة إلى مكان سينمائي بامتياز. مكان يقف على الضد تماماً من المكان التلفزيوني الذي تأتي منه وتذهب اليه معظم الأفلام التي يحققها مخرجون عرب شبان في هذه الأيام. لقد كان من الصعب اول الأمر القول ان موضوع فيلمها نفسه عصيّ على العمل التلفزيوني (إذ ما الذي يمكن ان يكون اكثر تلفزيونية من حكاية حادث سير يجهض امرأة حاملاً، ويقتل زوجين وفي خلاله ثمة مراهق ترميه ظروفه الى رفقة سوء!)... فمثل هذا الموضوع كان يمكن ان يكون مادة اجتماعية شديدة العادية. ولكن لأن الأميركي جيم جاموش والمكسيكي اينياريتو مرّا من هنا... انقلب الوضع تماماً ليرتدي الموضوع لباساً سينمائياً عبر سيناريو متشابك كتب بعناية وقوة وفي تقاطع زمني يرتبط بحداثة سينمائية شديدة التألق... انها السينما الجديدة في اختصار.

> في المقابل، قد لا ينتمي الفيلم العربي الآخر على لائحتنا هذه، ليختتمها، الى السينما الجديدة ذات الطموحات الشكلية. ففيلم نبيل عيوش الجديد «يا جياد الله» عمل كلاسيكيّ سينمائياً، ومبني من ناحية موضوعه على حوادث تاريخية حقيقية تتعلق بعملية إرهابية شهيرة اقترفت في الدار البيضاء قبل نحو عقد. فمع هذا الفيلم الذي يتابع حياة «الإرهابيين الشبان» الذين قاموا بالعملية وأساليب تجنيدهم مقتلعين من بيئتهم الاجتماعية البائسة الخانقة، اوصل عيوش سينما الرصد الاجتماعي في المغرب على الأقل الى مستوى يقف على الحبل المشدود، لكنه تمكن من فرض حضور فيلمه بعيداً من الأفكار المسبقة والمواقف العاطفية. بهذا الفيلم قال عيوش بهدوء وثقة ان السينما لا تزال قادرة على ان تقول كلمتها من دون ان تغرق في التطرف سواء أكان تطرف الـ «مع» او تطرف الـ «ضد». وهو بهذا انضم في عام التبدلات الذهنية الكبيرة الى سينمائيين عرب يحاولون ان يعطوا السينما، سينماهم، أدواراً جديدة لم تكن على مثل هذا الوضوح من قبل...

الحياة اللندنية في

04/01/2013

جمود سينمائي في العراق

قيس قاسم 

ما كنا نخشى حدوثه حدث، وتراجع الإنتاج السينمائي العراقي في العام الحالي إلى أدنى مستوياته خلال السنوات العشر الأخيرة، وبدا المشهد السينمائي في هذا البلد بسبب ذلك، خاوياً وأكثر فقراً حتى من السنة الماضية العجفاء، التي لم يُنتَج فيها سوى فيلم وثائقي طويل واحد. كيف نفسر تراجع المنتَج العراقي، خاصة الأفلام الطويلة، مقارنة بالاندفاعة الأولى التي أعقبت سقوط النظام؟ وهل يجدينا نفعاً ضم ما أنجزه الكورد في إقليمهم إلى بقية العراق حتى نخفف من قتامة الصورة؟ والجميع على علم بسعة الهوة بين الجزءين على كافة المستويات؟

إن أي بحث في أسباب التراجع سيُعيدُنا مجدداً إلى قراءة موجزة في واقع السينما العراقية الحالي، يعيننا على ذلك متابعتنا ما يجري فيه وما يسجله زملاء المهنة من ملاحظات عليه. أولى المؤشرات على بداهة التراجع أو بطء التقدم في إنتاج أفلام عراقية بنوعية جيدة وبديمومة، إنما هو انعدام وجود البنى التحتية، فلا استوديوهات عندنا ولا دور عرض لائقة تمكن مشاهدة الأفلام داخلها، ولا هناك حتى دراسة أكاديمية مؤهلة لتخريج طلبة قادرين على إنتاج أفلام مستوفية شروط إنتاجها، ناهيك عن ضعف دعم الدولة للسينما وتلكؤ عمل المؤسسات المعنية بها. كل نقص من تلك النواقص يحتاج العمل عليه طويلاً لتجاوزه ويتطلب تخصيص مبالغ كبيرة له، فيما يبدو واقعاً أن الدولة غير معنية بها وليس وارداً في بالها الالتفات إليها ومعالجتها. لهذا، لجأ السينمائيون إلى إيجاد حلول «شخصية» لتحقيق رغباتهم في صنع أفلامهم. حلول موقتة وغير مضمونة، تؤرجح نتاجهم وفق ما يحصلون عليه من دعم مالي تقدمه لهم بعض المهرجانات السينمائية أو صناديق الدعم العربية والغربية، والتي لا تؤسس أرضية يُقام عليها نشاط سينمائي مستديم، فهذة ليست مهمتها في مطلق الأحوال، قدر إعانتها أصحاب الأفلام على إكمال مشاريعهم وتسديد جزء من تكاليفها.

تدخّل ما...

وحتى لا نغبط الدولة حقها، لا بد من الاعتراف بأنها تدخلت -ممثَّلة بوزارة الثقافة- هذا العام بقوة، حين أعلنت عن نيتها دعم بعض المشاريع السينمائية لإنتاج أكثر من عشرين فيلماً بمناسبة اختيار بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013. وبتدخل الدولة هذا، فتحت نقاشاً حاداً وانقساماً في الوسط السينمائي، توزّع بين رافضين الطريقة التي تمت بها عملية اختيار المشاريع ودعمها مالياً، وبين موافقين وجدوا فيها فرصة لعودة الحياة ثانية إلى السينما العراقية وتحريك عجلة الإنتاج عبر مؤسسة السينما والمسرح، التي لم تقم بواجباتها كفاية بسبب ضعف ميزانيتها، كما ذهبوا. الموقف المشكك بجدية الدولة في دعم السينما، يستند إلى إهمالها بالأساس النشاط الثقافي عموماً وضعف دور وزارة الثقافة نفسها، وبالتالي يبدو «كرمها» نوعاً من الدعاية السياسية المؤقتة أكثر منه توجهاً ثقافياً ثابتاً. كما أن تبرير الوزارة اختياراتها بـ «التحيز» إلى المحترفين دون الهواة، وتوفيرها فرصاً عادلة لمخرجين لم تسنح لهم الفرص المناسبة من قبل، أفرز انقساماً بين السينمائيين العراقيين، فالناشطون منهم على وجه الخصوص، يرون في أعمالهم المنجزة دليلاً على حيوتهم وقوة إبداعهم، وأن رفض مشاريعهم فيه غبن كبير لهم.

توفير الفرص للسينمائيين لا اعتراض عليه، وينبغي أن يشمل الجميع، فليس معقولاً أن تُبعَد مشاريع أكثر السينمائيين حضوراً خلال العقد الماضي، مثل عدي رشيد ومحمد الدراجي وقاسم عبد وهادي ماهود... وغيرهم. هذا الارتباك والتخبط يحيلنا إلى إعادة فكرة تأسيس «مركز سينمائي» من بين مهماته توزيع ما يخصص للسينمائيين من أموال الدولة على عدد من المشاريع سنوياً بنسب معقولة، على أن يكملوا هم بقية ميزانياتهم من صناديق دعم أخرى، كما هو الحال في المغرب اليوم، وأن فكرة تخصيص أموال للإنتاج السينمائي العراقي من ميزانية دولة الاقتصاد الريعي تجد اليوم ما يبررها أكثر من أي وقت مضى، فليس من المعقول أن تذهب أموال نفط العراق على أوجه متعددة ولا يكون للثقافة والسينما نصيب فيها!

كردستان المختلفة

يجاور هذا المشهد العام مشهد خاص مختلف في كردستان، فالسينما تعيش هناك وضعاً سوياً نجد نتائجه في المستوى الجيد لأفلامها وكمها المعقول. والمقارنة بين المستويين نجد تعبيرها في أفلام منتَجة باسمها وبتمويل من ميزانيتها، كما هو حال فيلم بهمن قبادي الأخير والرائع «مواسم الكركدن»، الذي مثلت فيه الإيطالية مونيكا بيلوتشي، ومنجز حسن علي «شيرين»، المشارك في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي السينمائي، وكيف يتَبيَّن على مستوى المهرجانات التي تنظم فيها ذاك الجِدّي من قرينه المدَّعي المتضخم، فمهرجان دهوك السينمائي يقر أغلبُ من شارك فيه وتابعه، بحسن تنظيمه وتوافره على شروط الفعالية السينمائية الناجحة، على عكس مهرجان آخر أقيم في بغداد مؤخراً وادعى منظموه مشاركة عدد كبير من الأفلام فيه زاد مجموعها على عدد الأفلام المشاركة في أكبر ثلاث مهرجانات خليجية مجتمعة خلال أقل من اسبوع، وفي قاعة واحدة! ويكفي سماع ردود فعل الزملاء المعنيين بالشأن السينمائي ومراسلي وسائل إعلام غير عراقية من الذين تابعوه وحضروا أيامه، لمعرفة مستواه الحقيقي، فالنظر ليس كالسمع. وتظل هناك رغم سوداوية المشهد، بارقةُ أمل يحييها فينا جيل جديد من السينمائيين الذين ولدوا أو عاشوا منذ طفولتهم في الخارج، كلما اسودَّت الصورة السينمائية بأعيننا، فهذا العام يقدم الشاب العراقي النشيط الذي عاش في ايطاليا، حيدر رشيد، فيلماً جديداً بعنوان «مطر وشيك»، وهذا ما يفعله أيضاً قرينه الكوردي المقيم في السويد كرزان قادر، صاحب فيلم «بيكاس». أما ما يفرح إلى جانب هذا وذاك، فإنما هو حصول مشروع المخرجة ميسون الباجة جي «كل شي ماكو» (بالعامية العراقية، ومعناها «لا يوجد أي شيء») على جائزة «IWC» للمخرجين في منطقة الخليج، في مهرجان دبي. ومن دون هذا النزر اليسير، لَصَحَّ توصيفُ المشهد السينمائي العراقي لعام 2012 برمته بـ «كل شي ماكو». 

الحياة اللندنية في

04/01/2013

السينما التونسية...

عام آخر لخيبة قد تستمرّ طويلاً

تونس – صالح سويسي 

يبدو أن السينما التونسية خلال العام الذي انقضى، لم تكن في أوج إبداعها والدليل قلّة الأفلام من ناحية وقلة الجوائز الدولية من ناحية أخرى. ولئن حظيَ شريط شوقي الماجري «مملكة النمل» بإقبال جماهيري كبير وحضور إعلامي لافت واهتمام غير مسبوق من قبل المهتمين بالشأن السينمائي في تونس، فإنّ شريط محمود بن محمود «الممثل» لقيَ هو الآخر إقبالاً طيباً، وتمّ عرضه للمرة الأولى بمدينة الرديف في الجنوب الغربي لتونس، والفيلم من بطولة أحمد الحفيان ولبنى مليكة كما شارك فيه العديد من الوجوه المعروفة كلطفي الدزيري وأحمد السنوسي ورمزي عزيز والعديد من الوجوه الشابة على الساحة الفنية. ويطرح الفيلم عدداً من القضايا السياسية والصراع من أجل السلطة إذ يوثّق الفيلم لمرحلة تاريخية مهمّة في تونس، وهي أواخر سبعينات القرن الماضي، كما طرح العديد من القيم التي فقدت في تلك الفترة مثل المساواة والعدالة والكرامة الاجتماعية.

هذا فضلاً عن فيلم النوري بوزيد «ما نموتش» والذي شهد مشاكل أثناء عرضه في الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية. شريط بوزيد أثار ردود فعل متباينة بين معجب به ومتسائل عن هدف المخرج من الشريط، وكان المخرج التونسي ظفر بجائزة أحسن مخرج عربي خلال الدورة الأخيرة من مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي. وكان بوزيد كشف لإحدى الصحف التونسية أنّ «جل النقاد تسلّحوا بالموضوعية في تحليلهم للشريط، ونوّهوا بتقنياته السينمائية وطرحه الفكري ما عدا ناقديْن من مصر أثارا بعض الجدل خلال الندوات الصحفية الخاصة بعرض الشريط...»، وأكد بوزيد في هذا السياق أن «محاولات بعض النقاد المصرييّن التركيز على صعوبة اللهجة التونسية ودورها في عرقلة تسويق العمل تعلّة واهية وأكد أنّ ردّه على المصرين لقيَ قبولَ وترحيبَ كل الحاضرين من فنانين وإعلاميين ونقاد عرب حين طلب منهم محاولة فهم لهجات بقية البلدان العربية مضيفاً أنّ التونسيين أتقنوا على مرّ السنين فهم كل اللهجات العربية، وهذه نقطة تحسب لهم وبالتالي فهو ليس في حاجة لدرس حول اللهجات أو حول كيفية الترويج للأفلام...».

من الأفلام الجديدة أيضاً شريط أثار الجدل قبل عرضه للمخرجة إيمان بن حسين والذي يحمل عنوان «سرّي للغاية» حيث منعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عرض الفيلم في القدس بل ذهبت لأبعد من ذلك، حيث قالت بن حسين أنّ «التهديدات وصلت حد منع عرض الشريط في أي مدينة أخرى في العالم...»، وتدور أحداث الفيلم في «مجمع سام» وهي شركة يرأسها سام والذي يمثل أميركا ويديرها كل من جاكوب وبلفور اللذين يمثلان اسرائيل وأوروبا. وأثناء أحد الاجتماعات يكتشف هؤلاء أن جاكوب وبلفور يتلاعبان في أمور كثيرة داخل الشركة ومن الضروري إعلامهما كمسؤولين بكل ما يحصل، لكن هذين الأخيرين يصران على أنّ ما يقومان به يصبّ في مصلحة الشركة وموظفيها، ولكن تبريراتهما لا تجدي نفعاً أمام تحالف رؤساء الأقسام وتكاتفهم للمرة الأولى لمعرفة أسماء أشخاص يشتغلون بالشركة ولا يملكون عنهم أية معلومات، وحتى ملفاتهم الشخصية غير موجودة بالإدارة...

ويمكن ذكر شريط رضا الباهي «ديما براندو» الذي أخذ من الزمن في التحضير والتصوير بضع سنوات. ويعود الطيب الوحيشي رغم مرضه للإخراج بشريط «طفل الشمس» الذي ينطلق فيه المخرج من قصة واقعية حدثت له حين زاره شابان وفتاة واستوليا في غفلة منه على بعض أغراض منزله الذي سيكون الفضاء الأهم لتصوير أحداث الفيلم الذي سيحتفي بالحب.

الأفلام التسجيلية والقصيرة

وربما كان السبق خلال السنة الماضية كما يؤكد الكثيرون للأعمال السينمائية القصيرة والوثائقية والتي حققت نجاحات مهمة عربياً ودولياً. حيث قدم عديد المخرجين أعمالاً جيّدة تشي باشتغال كبير على مستوى الصورة مثل شريط «صبّاط العيد» لأنيس الأسود و «نحن هنا» لعبدالله يحيى أو على مستوى الحبكة الحكائية والتصوّر والرؤية الإخراجية من ذلك شريط «ينعن بو الفسفاط» لسامي التليلي و «نساء الثورة» لسنيا الشامخي وغيرها من الأعمال التي شدّت إليها الجمهور والنقاد والمهتمّين بالشأن السينمائي التونسي والعربي.

ومن الأفلام الوثائقيّة التي تابعها جمهور الدورة الأخيرة لأيّام قرطاج السينمائيّة شريط «بحثاً عن محيي الدين» لناصر خمير الذي قال إنّه أنجز هذا الفيلم لتكريم محيي الدين ابن عربي، وأكد خمير أنّ الفيلم استغرق منه أربعة أعوام من العمل وصوّره في تسع بلدان مختلفة.

قرطاج السينمائي 2012: دورة باهتة بلا لون

دورة أيام قرطاج السينمائية لهذا العام المنقضي، كانت باهتة بإجماع كل من تابعها، بل كانت أقل من المستوى المأمول لإحدى أهمّ التظاهرات السينمائية عربياً وأفريقيّاً، حيث شهدت الدورة سوءاً في التنظيم وبخاصة ليلة الافتتاح، كما رافقتها عديد الانتقادات بخاصة على مستوى اختيار الأفلام التونسية المشاركة واعتبر البعض أن «الإقصاء» شمل أعمالاً جيدة وتمّ ترشيح أعمال أخرى أقل جودة، وحاول مدير الدورة محمد المديوني الدفاع عن دورته من دون أن يخفي عديد النقائص التي رافقتها معلّلاً ذلك بنقص الدعم المالي للمهرجان.

هذا وسجل المهرجان الدولي لفيلم البيئة الذي يلتئم سنوياً في مدينة القيروان عودته بعد غيابه العام الماضي بسبب الأوضاع في تونس. ويعتبر المهرجان الأول من نوعه في المنطقة العربية التأم هذا العام بمشاركة 52 فيلماً من 18 بلداً. وكان مؤسس المهرجان ومديره عمر النقازي قد عبّر عن استيائه بعد إعلان أبو ظبي تنظيم مهرجان مماثل، وجاء الاستياء جراء قول المنظمين أن مهرجان أبو ظبي لفيلم البيئة هو الأول في الدول العربية. وقال النقازي إنّ «المهرجان وفكرته كانت تونسية بالأساس» مضيفاً أنّ «جمعية الفنّ السابع هي من تنظمه منذ تأسيسه وكانت آخر دوراته عام 2010 قبل أن يحتجب العام الماضي ليعود هذا العام بداية كانون الأول» وفي سياق آخر التأمت أواخر آذار (مارس) الماضي الدورة التاسعة لمهرجان سوسة الدولي لسينما الطفولة والشباب والذي كان احتجب أيضاً عام 2011 بسبب الأوضاع العامة في البلاد، وشهد المهرجان تغييراً على مستوى إدارته حيث خلف الناقد السينمائي حسن عليلش المنتج نجيب عياد على رأس التظاهرة التي تعتبر واحدة من أهمّ التظاهرات التي تُعنى بسينما الطفولة والشباب على المستوى العالمي.

الحياة اللندنية في

04/01/2013

 

المخرج بيتر ميمي:

«سبوبة» فقير إنتاجياً وأخطاء الأعمال الأولى مسموحة

كتب الخبرهيثم عسران 

«سبوبة» أول أعمال بيتر ميمي الذي قدم من خلاله أوراق اعتماده كمؤلف ومخرج. عن الفيلم وظروف تصويره والعقبات التي واجهته وصعوبات العمل بشكل كامل كان هذا اللقاء.

·        كيف جاءتك فكرة الفيلم؟

القصة مستوحاة من أفلام أجنبية، وركزت على أن تمسّ أحداث الفيلم المجتمع المصري بشكل واضح، خصوصاً ظاهرة البلطجة التي أصبحنا نعانيها بشكل لافت في الفترة الأخيرة، وتعمدت أن أنفذه مستخدماً تقنية سينمائية مختلفة تقترب مما تقدمه السينما الأميركية. آمل أن يفهمه الجمهور بشكل واضح.

·        كيف؟

تقصدت أن أعتمد في طريقة التنفيذ استخدام الـ{فلاش باك»، وأن يبدأ الفيلم بنهاية القصة لا بدايتها، على أن نعود تدريجاً إلى الأحداث كي يفهم الجمهور الأحداث في البداية وصولاً إلى النهاية، في شكل غلب عليه طابع الإثارة. آمل أن يفهمه الجمهور ويتقبله، وأنتظر معرفة إيرادات الأسبوع الأول كي أستطيع الحكم على نجاح الفيلم ومدى تقبل الجمهور له.

·        ثمة أخطاء فنية وقعت خلال الفيلم ظهرت بشكل واضح، لماذا؟

أخطاء بسيطة وقليلة للغاية لا تتجاوز أصابع اليد، لكنها في الوقت نفسه لم تؤثر على الأحداث، وأستطيع أن أسامح نفسي فيها نظراً إلى ظروف العمل وكونها تجربتي الإخراجية الأولى. ولا ننسى أن الفيلم تم تصويره في 11 يوماً فقط، وهو زمن قياسي مقارنة بأي فيلم آخر.

·        لماذا اعتمدت على الوجوه الجديدة في بطولة الفيلم؟

عندما كتبت سيناريو الفيلم كنت قد رشحت فعلاً مجموعة من بينهم شريف سمير، بينما اخترت خالد حمزاوي لدوره بعد انتهائي من الكتابة ورشحت راندا البحيري وأحمد هارون ليكتمل فريق العمل، علماً بأن جزءاً من الأمر مرتبط بالطبع بالأزمة المالية التي تمر بها صناعة السينما، لذا لم يكن ممكنا الاستعانة بنجوم كبار يتقاضون الملايين.

·        لكن الوجوه الجديدة لا تحقق إيرادات جيدة؟

هذا الكلام غير صحيح وأنا لا أؤمن به، فضلاً عن أن أفلاماً كثيرة تضم وجوهاً جديدة حققت نجاحاً كبيراً عند طرحها، وغالبية الأفلام المقدمة الآن تعتمد على الوجوه الجديدة، بعدما اختفى عدد كبير من النجوم بسبب مغالاتهم في أجورهم. أعتقد أن السينما ستكون للوجوه الجديدة خلال الفترة المقبلة، بدليل غياب كثير من نجوم الصف الأول عن السينما في العام الماضي، مقابل وجود من خفضوا أجورهم.

·        وصف البعض الفيلم بالفقير إنتاجياً، فكيف ترى هذا الوصف؟

للأسف هذا الكلام صحيح وأوافق تماماً على أنه كان فقيراً إنتاجياً، فالميزانية كانت ضعيفة للغاية والتصوير تم بين أماكن محدودة نظراً إلى ضعف الميزانية التي تم تحديدها كي أستطيع الخروج بالفيلم إلى النور، إذ لم يكن من الممكن أن أطلب من منتج يخوض التجربة للمرة الأولى أن يرفع الميزانية في ظل الأزمة التي تمر بها الصناعة عموماً، لأنه الأجدر بنا أن نشجعه لكونه غامر بتقديم فيلم في هذه الظروف.

·        لماذا لم تحرص على التنويع في أماكن التصوير؟

بسبب ضيق الوقت وضعف الميزانية، فحاولت توظيف المشاهد المكتوبة في السيناريو وفقاً لما يتوافر من إمكانات مالية لدي كمخرج، كي أتمكن من توظيفها بشكل جيد، خصوصاً  أني كنت مدركاً لحجم الميزانية من البداية وأن المنتج لن يزيدها بسبب الظروف، لذا كنت مقيداً نسبياً في اختيار أماكن التصوير، فضلاً عن أن طبيعة الأحداث كان يمكن احتواؤها في أماكن التصوير التي اخترتها.

·        تردد أن المنتج فرض عليك زوجته لتشارك في بطولة الفيلم؟

كل ما يهمني تقديمها الدور بشكل جيد، مع الأخذ في الاعتبار أن الفيلم هو تجربتها الأولى سينمائياً، وأعتقد أن الدور كان مناسباً لها وقدمته بشكل جيد.

·        ما هي أصعب المشاهد بالنسبة إليك؟

مشاهد الحركة وتبادل إطلاق النار بين العصابة والشرطة، والحمد لله نفذناها بشكل جيد، بالإضافة إلى مشهد اصطدام شريف سمير بسيارة في نهاية الفيلم، فقد أصيب فعلاً نتيجة شدة الاصطدام، وشعرنا بالخوف من أن يُصاب الفنانون لحرصنا على تقديم المشاهد بواقعية شديدة.

·        وهل تشعر بالرضا عن الفيلم؟

طبعاً. أعتقد أني بذلت جهداً كبيراً وجميع فريق العمل كي يخرج الفيلم بصورة جيدة في ظل ميزانية محدودة للغاية والاستعانة بعدد كبير من الفنيين الذين يعملون للمرة الأولى في مجال السينما كي يتقاضوا أجوراً ضعيفة. ولا ننسى أنها تجربتي الأولى في الإخراج. عموماً، ثمة دائماً نسبة خطأ يكون مسموحاً بها في العمل الأول، وأرى أننا لم نتجاوزها مع شعوري بأن الفيلم كان ليخرج بشكل مختلف في حال توافرت ميزانية جيدة له.

ورش التمثيل بين استغلال حلم الشباب وتنمية موهبتهم 

كتب الخبرفايزة هنداوي 

انتشرت في مصر في السنوات الأخيرة ورش التمثيل مثل ورشة خالد جلال التابعة لوزارة الثقافة في الأوبرا، ورشة د. عبد الهادي، ورشة أحمد كمال، استوديو الممثل التابع للفنان محمد صبحي. فإلى أي مدى تضيف هذه الورش للمتدربين فيها وهل تختصر الطريق إلى الشهرة؟

يقول الفنان أحمد كمال إن تدريب الممثل خطوة مهمّة في كل وقت مهما اكتسب من خبرات، لا سيما إذا كان القيّمون على هذه الورش من أصحاب الاختصاص، لأنها تمنحه مزيداً من المهارات لا تكتسب إلا بالخبرة وتشمل تدريبات على الرقص والإلقاء والتعبير، أي لا تقتصر على التمثيل.

تعود علاقة كمال بورش التمثيل إلى السبعينيات عندما انخرط في ورشة تدريب نظمها الدكتور نبيل غنيم (أب الورش التمثيلية الروحي في مصر)، لذا يؤكد على أهميتها في عصر التخصص والمنافسة والظروف الصعبة التي يعمل فيها الممثل، «إذ تسمح بالاحتكاك مع فرق أجنبية ومدارس مختلفة وتتيح للممثل فرصاً بديلة وغير تقليدية، على غرار الأفلام القصيرة أو المنح الدراسية في الخارج والفرق المسرحية والسينما المستقلة وغيرها، ذلك بدل الرضوخ والمشاركة في أفلام سيئة».

يضيف كمال أن هذه الورش لا تقتصر على الممثلين، بل يحضرها كل من يكون أساس عمله التعامل مع الآخر، «لذلك نرى فيها مذيعين ومذيعات وموظفي علاقات عامة وأطباء نفسيين، على أن يكون المتقدّم راغباً في التدرّب والتعلّم وتطوير نفسه، وليس لبلوغ شهرة أو تضييع الوقت، أما إذا كان متقدماً بغرض التمثيل فلا بد من أن تكون لديه موهبة أساسية يمكن تنميتها».

اختبارات وإفادة

يرى المخرج خالد جلال أن المشاركة في ورش التمثيل يتطلب اختبارات عدة يجب اجتيازها، خصوصاً أن الورش الخاصة توفّر التدريب بمقابل مادي، مشيراً إلى أن ورش التمثيل مفيدة للممثل باستمرار، لذا يلتحق نجوم العالم الكبار بها لتنمية مهاراتهم.

أما الفنان عمرو واكد فيوضح أنه تيقّن من أهميّة هذه الورش من خلال  سفراته، كونها تأتي بفائدة على الممثل مهما كان عمره الفني، مشيراً إلى ضرورة أن تكون الورش جادة ولا يكون الهدف من ورائها تحقيق مكاسب مالية كما يفعل بعضها.

بدورها تشير الفنانة رشا مهدي إلى أن ورشة التمثيل التي التحقت بها علّمتها مهارات ساعدتها في مسيرتها التمثيلية، لذا لن تتوقف عن التعلم لقناعتها بأن التمثيل لا يعتمد على الموهبة فحسب كما يعتقد البعض، إنما يحتاج إلى اكتساب مهارات باستمرار وهو ما يتحقق من خلال ورش التمثيل.

وتلفت مهدي إلى ضرورة أن يختار الممثل بعناية الورش التي يلتحق بها، لأن بعضها لا هدف له سوى تحقيق مكسب مادي ولا يضيف إلى الممثل أي جديد فيكتشف في النهاية أنه أضاع وقته وجهده من دون طائل.

يؤكد الفنان أحمد حاتم أنه كان محظوظاً بالتحاقه بالورشة التي يشرف عليها الفنان أحمد كمال، لأنها صقلته وساعدته على تحقيق حلمه والمشاركة في أول عمل سينمائي وهو «أوقات فراغ» الذي كان أبطاله من خريجي الورشة وحقق نجاحاً لافتاً.

ثقافة ورش التمثيل

يبدي الناقد صبحي شفيق سعادته بانتشار ثقافة ورش التمثيل في مصر كونها مهمة ومنتشرة في العالم منذ سنوات، إيماناً من النجوم العالميين بأن اكتساب العلم لا ينتهي.

من جهته، يرى الناقد يعقوب وهبي أن ورش التمثيل مهمة، إلا أنها تحولت إلى وسيلة للمتاجرة بأحلام الشباب الذين يأملون بتحقيق شهرة ونجومية، وعندما يفشلون في الالتحاق بمعهد السينما أو معهد الفنون المسرحية، يبحثون عن هذه الورش كبديل عن المعهد، علهم يحققون حلمهم.

يضيف: «يلتحق بعض خريجي معهد السينما أو معهد الفنون المسرحية بهذه الورش للتعرف إلى مخرجين كبار يساعدونهم على تقديم أعمال سينمائية وتلفزيونية، إلا أن كثيراً من هذه الورش لا تحقق لهم فائدة وتستنزف أموالهم، لذا على هؤلاء الشباب أن يتيقنوا من قيمة ورشة التمثيل التي يلتحقون بها».

الجريدة الكويتية في

04/01/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)