حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«عطور الجزائر» دعوة إلى إعادة الاعتبار للحياة

رشيد بن حاج: كفى قتلاً باسم آلهة الأرض

أجرى الحوار: أنور محمد

 

«عطور الجزائر» الفيلم الجزائري الذي فاحت روائح رموزه وأفكاره بقسوة المأساة التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الجزائريين في العشرية السوداء. لم يفز بأيِّ جائزة في «مهرجان وهران للفيلم العربي السادس»، وإن كان مرشَّحاً بحسب ما توقعنا أن ينتزع أكثر من جائزة. في المهرجان التقينا مخرجه رشيد بن حاج الذي أسْطَرَ هذه المأساة، مثلما عرَّى المتطرفين، فنزعَ عنهم قشورهم لنراهم قتلة

·     كتبتَ السيناريو خصيصاً لتخرجه. أهوَ إعلانٌ رأي بأنَّك ضدَّ الإرهاب الذي تعرَّضت له الجزائر في سنوات العشرية؟ 

^ مَنْ منَّا إلى الآن ليس ضدَّ الإرهاب والتطرف والرجعية والظلامية. شاهدْ نشرات الأخبار، كمْ مساحة الدماء فيها وهي تملأ يمين ويسار الشاشة. وكما ذكرت أنت، إنَّ الفيلم هو إعلان رأي، فكتبتُ السيناريو رغبةً في أن أُخرجه بنفسي، لأنَّ أحداثه ومناطق أحداثه كانت تتسلَّلُ إلى خيالي في سنوات العشرية 1990 - 2000 السوداء، وكنت أرى أنَّ أحداً غيري لا يمكنه أن يقدِّمها في فيلم سينمائي. وقد وُلدت فكرة الفيلم عندي سنة 1990 أثناء تصويري لفيلمي «توشية»، فشرعت في كتابة «عطور الجزائر». أما تصويره فكان عام 2011

·     لماذا اخترت مفصلاً زمنياً سنة 1998 لتعود بطلتك (كريمة) إلى الجزائر وتبدأ بعدها أحداث الفيلم؟ 

^ عودة بطلة الفيلم إلى الجزائر في عام 1998 تتطابق مع المسار الاجتماعي والسياسي، حين بدأت «سياسة الرحمة»، ثمَّ «الوئام الوطني» الذي يسمح للبطلة باستعمال هذا القانون لإنقاذ أخيها الإرهابي من السجن

·     لكنك عمَّمت، أو أنّك بالمسطرة العقائدية نفسها صوَّرت القتل المجاني. الشعب يدفع ثمن بقاء الحكَّام في الكراسي؟ 

^ المسطرة العقائدية التي تتحدَّث عنها فتحت الباب ليس فقط لما أسميته بالقتل المجاني، ولكن لتغيير بنية المجتمعات المسلمة، كي تتحوَّل من وسطية الإسلام إلى تطرف لا يمتُّ للدين بصلة. الرسول لم يكن إخوانياً ولا سلفياً. بل كان مسلماً لله حنيفاً، وسبحانه وتعالى يقول: (إنَّ الدين عند الله الإسلام فمن ابتغى غير ذلك فلن يقبل منه). لذلك نحن إن أردنا فنريدُ الإسلام كما جاء به محمد لا كما يفرضه علينا الإخوان المسلمون وسواهم من القوى التي تعتبر نفسها مرجعاً، مع أنَّه ليس في الإسلام كهنوت. وأنا أتفق معك في أنَّ الشعب يدفع ثمن بقاء الحكام في الكراسي، لأنَّ زمن ذلك الحاكم الذي عدلَ فأمنَ فنام، عمر بن الخطاب ولَّى، وإلاَّ ما كنت رأيت كل هذه التراجيديا المليئة بالدماء

·        هل ترى أنك كنت موضوعياً ولم تحمِّل أحداث فيلمك معنىً يتجاوز المعنى الحقيقي له؟ 

^ أظن أنَّه لا يمكن أن يتَّهم مخرجٌ سينمائي نفسه بأنَّه غير موضوعي. قد يكون هناك في السيناريو ما يسمَّى عناصر التشويق أو المفارقة الدرامـية التي يعالجها ويطرحها المخرج. مع ذلك أرى أنَّ الواقع قد يكون أصعب وأقسى بكثـير مهما استخدم المخرج من عناصر فنية وفكرية للتعبير عن هذا الواقع. أنت تعرف أنَّ السينما قطعة من حياة، وفيلمي «عطور الجزائر» هو حقيقةً دعوةٌ إلى إعادة الاعتبار لهذه الحياة، كفى قتلاً باسم آلهة الأرض

السفير اللبنانية في

03/01/2013

التكثيف مانع درامي لثرثرة كان يمكن أن يقع فيها الفيلمان

«أبي يُشبه عبد الناصر» و«خلفي شجر الزيتون».. طيف الأهل

نديم جرجورة 

يُمكن إيجاد تشابهات عديدة بين الفيلمين اللبنانيين القصيرين الجديدين «أبي يُشبه عبد الناصر» لفرح قاسم و«خلفي شجر الزيتون» لباسكال أبو جمرة. تشابه أول يتمثّل بالتكثيف الدرامي الذي جعل المضمون أقوى تعبيراً، وأجمل سرداً. التكثيف مانع درامي لثرثرة يُمكن أن يقع فيها الفيلمان. تشابه ثان يتمثّل بالعلاقة بالأهل، وإن ذهب كل منهما إلى مسار خاصّ بالذات الفردية للمخرجتين. الأب حاضرٌ بشكل مباشر في الفيلم الأول. الأب حاضرٌ بظلّه الضاغط في الفيلم الثاني. الأم حاضرة أيضاً: موَارَبة في «أبي يُشبه عبد الناصر»، وخفية في «خلفي شجر الزيتون». أكاد أقول إن «طيف» الأهل عاملٌ أساسيّ في مقاربة حسّ ذاتيّ راغب في الفهم والمعرفة والاطّلاع والعيش. «طيف» الأهل محرّك مساعد على تفكيك تعقيدات الحالة، أو متاهات الانفعال. هناك حبّ لأب، أو لصورته. حبّ واضح، أو مبطّن. حبّ تمّ التعبير عنه في لقاء حسّي بين الابنة ووالدها (الفيلم الأول)، أو في غضب داخلي ناتج من بؤسِ راهنٍ منبثقٍ من سلوك مارسه الأب في لحظات «مجد» غابر (الفيلم الثاني). هناك حبّ لأم غائبة. يُمكن اعتبار غياب الأم بمثابة تشابه ثالث بين الفيلمين أيضاً. هذا سابقٌ لتشابه رابع برز في التوغّل داخل بؤرة اجتماعية، أولى في الشمال، وتحديداً مدينة طرابلس (أبي يُشبه عبد الناصر)، وثانية في الجنوب، وتحديداً قرية دير ميماس (خلفي شجر الزيتون).

لا ينفي أي تشابه بين الفيلمين ميزة كل واحد منهما في مقاربة موضوعه، وفي تحويل الصورة السينمائية، سواء كانت وثائقية في فيلم فرح قاسم أم روائية في فيلم باسكال أبو جمرة، إلى مرآة ذات طامحة إلى نزع أقنعة، وهادفة إلى انتزاع أجوبة. أسئلة الفيلمين ليست معلّقة أو ملتبسة. الواقع معلّق وملتبس. الواقع غامض. الراهن الآنيّ أيضاً. خصوصاً بالنسبة إلى باسكال أبو جمرة، أو بالأحرى إلى الشخصية الرئيسة فيها، التي وجدت نفسها نموذجاً لمعنى الضياع الوجوديّ، أو لمعنى سؤال الهوية والانتماء. الشخصية الرئيسة في «خلفي شجر الزيتون» انتقلت إلى إسرائيل وهي في الخامسة من عمرها. كان ذلك في العام ألفين. كان الجيش الإسرائيلي يغادر جنوب لبنان، بعد احتلال دام اثنين وعشرين عاماً. الشخصية الرئيسة غادرت برفقة والدها، الضابط في «جيش لبنان الجنوبي» بقيادة أنطوان لحد. هذا كلّه على نقيض الرحلة التي قامت بها فرح قاسم في اتّجاه والدها. أبو جمرة ذهبت في اتّجاه مــعاكس لأبيها. قاسم ذهبت في اتّجاه أبيها. أسئلتها موزّعة على ذاكرة أب. على حكايات وعلاقات حميمة وأشياء مخبّأة في عقل أو انفعال. بدت قاسم كأنها ذاهبة إلى أم راحلة جرّاء مرض ألمّ بها، أكثر من ذهابها إلى أب ظلّ مفتاحاً جوهرياً لذاك الماضي.

لم تستطع مريم (باسكال أبو جمرة) أن تعثر على مكان لها في قريتها. ثقل الماضي لا يُحتمل. شقيقها وُلِد في إسرائيل. والدها سكّير. أمها غائبة. العودة إلى البلد مُكلف. العودة بدت صعبة لوهلة أولى. باتت مستحيلة لاحقاً. الذهاب إلى ذاكرة أب في فيلم فرح قاسم، وحكايات عائلة، وفضاءات مدينة، بدا صعباً لوهلة أولى. بات جميلاً في مراحله اللاحقة، وإن خيّم حزنٌ. بات مفتوحاً على أمكنة الخيال ووقائع العيش، وإن لحظ أوجاعاً

الألم قاس في الفيلمين. في «خلفي شجر الزيتون»، هناك ألم غضب وانكشاف أمام قسوة الواقع وبشاعته. هناك سطوة ماض بدا الخلاص منه مستحيلاً. أو شبه مستحيل. هناك انفصال صنعه آخرون وبات مفروضاً على أناس، ذنبهم الوحيد أنهم رُهِنوا لأفراد راهنوا على خيارات فاشلة. في «أبي يُشبه عبد الناصر»، هناك ألم أيضاً: حزن ووجع ورغبات متفتّحة بفضل حكايات. هناك سطوة ماض أيضاً، بدا الخلاص منها صعباً، لكنه ممكن.

فيلمان جميلان بقدر قسوة الذاكرة والماضي، ووجع الآنيّ. طرحا أسئلة لا تزال أصداؤها مدوّية في الراهن اللبناني.

«الدليل السينمائي» لمحمد رضا.. مخاطرة في ظروف عادية

نديم جرجورة

يُصرّ الزميل محمد رضا على خوض مغامرة خاصّة به، وإن ظلّ وحيداً. يُصرّ على التورّط الجميل فيها، وإن بدا أُفُقُها مغلقاً. لا يتردّد عن «فعل المستحيل» كي يصنع منها لحظته الأقرب إليه. لديه مدوّنة خاصّة به تتيح له قول الأشياء بحرية. هذا عالمه. لكن مغامرة كهذه مختلفة. لها طعم آخر. لها مفرداتها وجنونها أيضاً. مغامرة أطلقها وعاشها منذ نهاية سبعينيات القرن المنصرم، في واحدة من أعنف لحظات الحرب الأهلية اللبنانية. لا يزال مُصرّاً على خوضها لغاية الآن. فعلى الرغم من تبدّل الأحوال كلّها، في السياسة والثقافة والاجتماع والإعلام والكتابة النقدية والإبداع، ومع أن التقنيات الحديثة جداً باتت ركناً من أركان العيش في هذا العالم الضيّق، لم يُغيّر محمد رضا طريقه تلك: إصدار «كتاب السينما»، أو دليلها. آخر جزء حمل عنوان: «دليل السينما العربية والعالمية 2013».

إصدار كتاب سينمائي باللغة العربية هاجسٌ ارتضاه مهتمّون بالكتابة السينمائية في العالم العربي. الحاجة إليه ماسّة. لا يُمكن لكلّ تطور تقني أن يُلغي الحاجة الماسّة هذه. للكتابة نكهة أخرى. للنشر الورقيّ لهذه الكتابة نكهة أخرى أيضاً. لكن، دونها مصاعب مالية وتسويقية معروفة. غالب الظنّ أن محمد رضا، المستخدم البارع للتقنيات الحديثة ولشبكات التواصل، لا يزال يجد في الطباعة الورقية ملاذاً له، حيّزاً حيوياً له، فضاءً خاصاً به. دليله إلى السينما العربية والعالمية تأكيد على «نزوته» الثقافية هذه. يريده توثيقاً للحظة، أو لمرحلة، أو لتاريخ. يجده وثيقة. يتعامل معه على هذا الأساس. يحاول تضمين المعلومة تحليلاً نقدياً. يوسّع دائرة الاشتغال. يختار أفلام العام، مهرجاناته، جوائزه. يكتب عن سينمائي أو أكثر. يضع علامات مأخوذة من تحليله النقدي. يشتغل وحيداً. يبحث عن مموّل. آفة الآفات العربية المتعلّقة بالكتب والسينما كامنة في التمويل، بل في غيابه. لهذا، يتأخّر في إصدار الدليل سنوياً. الدليل محتاج إلى فريق عمل. سبق لمحمد رضا أن تعاون مع زملاء وأصدقاء. لا يتردّد عن مطالبة بعضهم بالكتابة. لكن مآزق الحياة اليومية تحول، أحياناً، دون ذلك

محمد رضا يثابر. يريد لهذا الدليل أن يستمرّ. يريده محطة تأمّل في أحوال سينمائية مضت. في مقاربات نقدية «قد» تفيد قارئها. في متابعات لها طابع كاتبها. الجزء الأخير صدر بتمويل مباشر من عبد الله الشاعر. كتب الشاعر أن هناك من حذّره من الـ«مخاطر» الكثيرة التي تحيط بعملية إصدار كتب سينمائية. أن هناك من قال له عن قلّة قرّاء المادة السينمائية ومادة النقد. هذا واقع. قراءة النقد المطبوع ورقياً تعاني أزمة. العالم العربي غير معتاد قراءة بأنماطها كافة. السينما، عنده، مشاهدة وتسلية. المحاولات النقدية الجادّة قليلة تاريخياً. باتت نادرة في الوقت الحالي. على الرغم من هذا، يُصرّ محمد رضا على إصدار دليله كلما تسنّى له ذلك. كتب في دليله الجديد عن أن إصدار الكتب الثقافية «مخاطرة» في ظروف عادية. تساءل عن إصدارها في ظروف تشبه ما يشهده «أكثر من بلد في العالم العربي». متنبّه هو إلى أن إحدى مشاكل القراءة ناتجة من التحوّل في وسائطها. لكنه مُصرّ: تلك السلسلة، بالنسبة إليه، تعبيرٌ عن «عدم الرغبة في الاستسلام للمتغيرات، بل احتوائها عوض الانجراف معها».

دليل جديد. كتاب جديد. باختصار، يُمكن القول إن هذا الدليل/ الكتاب «مشروع سينمائي» خاص بمحمد رضا. إصداره يعكس رغبة صاحبه في إشراك الآخرين معه بهجة القراءة بالطريقة التقليدية نفسها. بالطريقة المعتادة، التي نشأ عليها محمد رضا وزملاء جيله، التي عرفها جيل لاحق، واختبر نماذجها، وأسّس عليها ومنها نهجاً مختلفاً في الكتابة النقدية.

السفير اللبنانية في

03/01/2013

 

فيديريكو فيلليني في السنة الـ20 لرحيله...

هوفيك حبشيان 

هذه السنة، يكون مر 20 عاماً على رحيل المايسترو، ولا يزال فيديريكو فيلليني وحضوره المتوهج عالقين في بال حتى الأكثر بعداً عن الاهتمام بالسينما ونجومها ومعلميها. انه، مع هيتشكوك، المخرج الذي برز "النجم الأوحد" في أفلامه، حدّ انه ذهبت به هذه النجومية أحياناً الى سحب البساط من تحت أقدام ممثليه، ليصبح بطل أفلام فيلليني هو فيلليني نفسه

كان فيلليني ساحراً كثير الحنان. لكنه "ساحر كذاب" في المقام الأول، كما كان يحلو له التعريف عن نفسه في وثائقي داميان بيتغرو. لا مبالغة أو تجن في الانتصار مجدداً لفكرة أن فيلليني كان كذاباً كبيراً، وهنا يكمن مركز القوة في شغله. فمن خلال أعمال دنت الى السيرة الذاتية، مباشرة ومواربة، منح الانطباع بأنه يستعيد ذكرياته، لكن كل ما فعله هو اختراع تلك الذكريات التي نسبها إلى عالم أوسع من ذلك الذي جاء منه. فالبقعة الجغرافية التي ولد فيها وترعرع (ريميني، الساحل الشرقي لايطاليا، في عشرينات القرن الماضي وثلاثيناته) على ارتباطه العضوي بها وعشقه لها، لم تتسع له ولأحلامه. فمن خلال جعل الذكريات المرتبطة بالعالم أجمع، ذكرياته هو، سكن العالم في أفلامه، فارتفع ورفع معه الدنيا الى الاعالي، حيث الحلم البهي الذي لطالما شكّل مصدر الهام (مصدر الالهام عنده عالم غنيّ بذاته). وما افلامه في خاتمة الأمر سوى تذكير مستمر بأن الحلم هو وطن الانسان الأهم، يعيش فيه ريثما يتحقق: "طفولتي، آمالي، نوستالجيتي، أحلامي، كلها اخترعتها تقريباً، فقط لأنال متعة التمكن من روايتها"، اعترف فيلليني بلا حرج ذات مرة قبل رحيله.   

لم يكن المايسترو صاحب نظريات وخزعبلات سينمائية، على غرار غودار مثلاً، وعلى رغم دخول صفة "الفيللينيّة" ادبيات النقد السينمائي، فلا أحد الى الآن استطاع فعلاً تحديد ذلك العالم الغرائبي الباروكي وتقليده، ولا أحد قبض على ما يحدده ويشير الى عمقه. السرّ ربما كامن في رؤيته للأشياء، وهي رؤية تقوم على اعتبار الفنّ محاولة لاختراع النظام انطلاقاً من الفوضى، فوضى العالم وفوضى المشاعر. لكن حتى هذا النظام كان عند فيلليني، في لحظة انتقاله الى بقعة الشاشة البيضاء، هباء بهباء، وهماً بوهم. وفي هذا الوهم تحديداً وجد العش الدافئ لسينماه المترجحة دائماً بين الخيال والواقع طمعاً في بلوغ حقيقة فيللينية ما. ألم يقل يوماً إن أكثر الأشياء حقيقة هي الأشياء التي أخترعها؟ اليوم، لا يختلف اثنان على ان قدراً من الفصام تغلغل في نهج فيلليني وأمسك بمفاصل عمله منذ نشأته. هذا الفصام هو الذي دفع بفيلليني الى الامام واطلق العنان لمخيلته الجامحة. هذه الازدواجية تغدو اساسية منذ اللحظة التي نستسلم فيها لفرضية أن من أخرج كل هذه الافلام لم يكن فيلليني بل "أناه الاخرى" او صنوه. فكل فيلم له تحدٍّ للمُشاهد لاستخلاص الحقيقة من الخيال. لكن، ماذا لو كان الاثنان سيان عند فيلليني؟

عندما يسأله جيوفاني غرازيني في كتابه المقابلة (ترجمة أمين صالح، "كراسات السينما"، 2007)، كيف ان في مقدوره أن ينأى عن السياسة ولا يبدي أي اهتمام بها، يردّ عليه المعلّم: "لستُ فرداً سياسياً، ولم أكن كذلك. السياسة والرياضة تتسببان لي بحال من الفتور واللامبالاة، وتنعدم مشاركتي في أي حديث يتناول مثل هذه الموضوعات، سواء أثناء سفري بالقطار أو عندما أحلّ ضيفا في بيت صديق. في الواقع، أنا لا أتباهى بهذه اللامبالاة المزمنة تجاه السياسة، بل أن ذلك يتسبب لي بالضيق والانزعاج باستمرار. الأصدقاء، المجتمع الراهن، الفقر الأخلاقي، من المفترض أن يحرضني ذلك على تبني مواقف إيديولوجية حاسمة، وأن أكون راغبا أكثر في إحداث التغيير وقهر القصور الذاتي. الآلة التي توازن بين الخير والشر، والتي ضمنها أعيش وأعمل، يجب أن تدور بسلاسة أكثر وبفاعلية أكثر، وأن توفر العدل والكرامة للجميع. لكن عندما يعني ذلك الدعوة إلى الفعل، النشاط العملي، الانضمام إلى التجمعات والمشاركة في المناقشات والمسيرات والمجابهات وإصدار البيانات، فإن فكرة الانخراط في ذلك العالم المنظم والمنضبط، بما يحويه من مجادلات ومناظرات واجتماعات، تعيدني ثانية إلى المنطقة المحايدة. أرفض نشاط الكشافة ذاك، الذي نصفه يؤدى من باب الإحساس بالواجب، ونصفه كشيء يمكن انجازه بعد الدوام الوظيفي (هو دائما أساس الاهتمام في "الشؤون العامة"). ربما هو فعل طفولي لامسؤول، لكنني مع ذلك أحتفي بهربي من الخطر من طريق الاستغراق الكلي في الشيء الوحيد الذي يثير اهتمامي: تحقيق الأفلام". 

لبناني مُنع في لبنان وسُمح في فرنسا

هـ. ح.

بعدما مُنع في لبنان على يد الرقابة اللبنانية وكان مصيره الاستبعاد في الدورة الأخيرة من مهرجان الفيلم اللبناني، ها ان المخرج اللبناني كريستوف كاراباش يستعد لاطلاق فيلمه "الكثير من الحبّ سيقتلك" في الصالات الفرنسية (23 الجاري)، بعدما اجازت الهيئة المخولة لتصنيف الأفلام في فرنسا شريطه الجدلي هذا لمَن بلغوا السادسة عشرة.  

يعمل كاراباش في الظلّ وعلى الهامش. يخوض منذ نحو عشر سنين غمار الفيلم التجريبي، الذي تعلم أسراره في فرنسا. في بلد جان روش، استاذه في المعهد، يعيش ويشتغل في مجال الصورة ويمارس عشقه للشاشة. لكنه لا يزال شديد الارتباط بالواقع اللبناني رافضاً التحول الى مخرج مغترب. فعلى سبيل المثال، عندما وقعت الحرب بين لبنان واسرائيل عام 2006، حمل الكاميرا وصوّر ما يستطيع تصويره وسط الخراب والدمار. فكان "منطقة حدودية"، واحداً من هذه الأفلام التي يصعب تصنيفها.

عاش كاراباش 21 سنة من أصل 31 في لبنان، قبل ان ينتقل الى فرنسا، حيث يعيش ويعمل الى هذه اللحظة. لم يكن دخوله الى معهد الفنون الجميلة في بيروت موفقاً بسبب عدم انسجامه مع ذلك الجو اللبناني الفرنكوفوني. بدلاً من الفرنسة، اختار المنبع، أي فرنسا، خشية الوقوع في أزمة هوية. هناك، تعلم الجانب النظري في جامعة تابعة للدولة، أما العملي، فتولاّه بنفسه. له نهج فريد في العمل. فهو لا يلجأ الى طريقة الانتاج التقليدية. افلامه لا تكلف الكثير، لذا تراه يستعين بجهات انتاجية تدعمه بكمية قليلة جداً من المال. قبل بضع سنوات، اشترى كاميرا سوبر 8 في المزاد العلني، وهي لا تزال ترافقه منذ ذلك الحين. صار يبتاع شريطاً خاماً، يصوّر، ويحمّض في حمّام بيته. كل ثلاث دقائق تصوير تكلف 15 أورواً. عندما يكون في حوزته بعض المال لصناعة الفيلم، يلجأ الى السوبر 8، وإلا يعود الى الفيديو، الذي يكلفه أقلّ. أحياناً يستعين بالـ16 ملم

"الكثير من الحب سيقتلك" عن فتاة روسية (مارينا كيتاييفا) تترك باريس متوجهة الى بيروت، وطموحها التحول راقصة كاباريه. بيد ان حلمها هذا في الزمن اللبناني الباهت، يتكسر عند لقائها قوّاداً يؤدي دوره كاراباش، مضفياً عليه تصرفات الأزعر اللبناني الذي دخل الموسوعة من بابها العريض. لا يضع كاراباش عائقاً بينه وبين مخيلته الخصبة، بل على العكس، يرمي كل الحواجز جانباً. اسلوبه الذي يحضه على الانتقام من الواقع اللبناني، يجعله يبرع أحياناً كثيرة في رصد خصوصيات معينة واستخدام لعبة المرايا الفضاحة، في حين يخضع لحالات سينمائية نابعة فقط من ينبوع الاستفزاز في أماكن أخرى. انها سينما تذهب الى الهدف، من دون أن تتنازل عن حقها في تعطيل قدسية الاعراف والقفز فوق الموروث الاجتماعي. في نظرة المخرج، الكثير من الألم والحيرة المربكة، نلمس ذلك لحظة بعد لحظة، ويورطنا فيه تدريجاً. ما يصوره هو هذا القاع اللبناني الذي لا يُحتمل. انه بلد الانهيارات المستمرة والمتواصلة.

أوشامٌ على الجسد ندوبٌ على الذاكرة

الدار البيضاء ـــ سعيد المزواري 

المغرب أرضٌ سينمائية حديثة. الأفلام التي تأتينا من هناك نافذة على عالم لا نعرفه جيداً، فجأة يطرح أسراره أمامنا من خلال كمشة أفلام تنقل البيئة المغربية بمرجعيات تعبيرية جذورها في تاريخ الفنّ السابع. "موشومة" لحسن زينون، واحد من هذه الأفلام التي أبصرت النور أخيراً، ورافقت خروجه الى العلن مهاترات وسجالات لتضمنه مشاهد "جريئة"، قرر بعض المتحاملين أنها من خارج السياق المغربي. الناقد الشاب سعيد المزواري يقدم في الآتي مقاربة نقدية لهذا الفيلم، واضعاً النقاط على الحروف.  

يستهل "موشومة" بمشهد داخل طائرة محلقة، آخر لقطاته هبوط هذه الطائرة على المدرج. هذه ربما إشارة ذكية إلى أن الفيلم (على رغم نواقصه) يأتي بين لحظة ارتفاع وارتقاء فكري، لا يمكن الاستئناس بمراميها وأبعادها الجمالية إلا حين ينتهج المتلقي الارتقاء بنفسه ويترفع عن القراءات الرجعية والمتشنجة. لكن ما العمل؟ ثمة من يفضل الركون إلى قارعة مدارج الإقلاع على التحليق بحرية في رحاب الأعالي.   

ما الذاكرة؟ كيف تتشكل وتنتقل على مرّ العصور والأجيال؟ ما هي أوجه ترسخها في تصور الشعوب وتراث الأمم؟ أسالت هذه الأسئلة وغيرها مداد كتّاب وباحثين عديدين في مجال العلوم الاجتماعية، انكبوا على دراسة موضوع الذاكرة بكل تعقيده وغناه، أبرزهم على المستوى المغربي الراحلان الكاتب عبد الكبير الخطيبي والباحث محمد سيجلماسي، اللذان يوجه إليهما لحسن زينون، في نهاية فيلمه الطويل الثاني "موشومة"، إهداء تكريمياً، عرفاناً للخدمات الجليلة التي قدمتها أعمالهما لفهم الذاكرة المغربية بصفة عامة، وكمتن من بين المتون التي اعتمد عليها لكتابة سيناريو الفيلم، رفقة الناقد الفقيد محمد سكري

الفيلم السينمائي مدعو كغيره من الإبداعات الفنية إلى تزود الانتاجات الفكرية والعلمية من أجل صوغ الموضوعات المركبة في معادلة جمالية بمقاربتها على نحو دال، متناسق وجميل، وفقا لمعنى الجمال عند كانط. لكن لا ينبغي للفيلم أن يسقط من حساباته خصوصية الخطاب السينمائي وأساليبه المرجعية، وخصوصا إذا تعلق الأمر بنوع سينمائي شديد الترميز هو الفيلم البوليسي.  

وراء كل وشم حكاية

ينبري "موشومة" لقصة نعيم (إسماعيل أبو القناطر)، باحث انتروبولوجي ومخرج يجد نفسه وسط قصة تقوده إلى إخراج فيلم حول المرأة ـ الأسطورة مريريدة ليقع أثناء البحث في مواخير جبال الأطلس، في حب أدجو (فاطم العياشي)، قبل أن تسقط هذه الأخيرة ضحية جريمة قتل غامضة وتنطلق رحلة التحقيق التي كان معطاها الأساسي أن القاتل شوّه جثة أدجو حتى يخفي وشماً كانت تحمله أسفل بطنها. نشهد مع تقدم الحوادث انتقالاً من البحث عن مغزى هذا الوشم الذي قد يكشف هوية القاتل، إلى التحقيق الميداني في حياة أدجو وعلاقتها بالأشخاص المحيطين بها: نعيم، أيور متعهد الماخور (عبد اللطيف شوقي)، تشيبانت الواشمة (راوية)، فاروق (عمر السيد).

أفلام عدة تناولت الوشم ودور الجسد في التخاطب بين الأرواح، واخرى اهتمت بدلالات الرموز الموشومة وانتقالها بين العصور، وأبرزها فيلم The Pillow Book 1996)) للمخرج البريطاني بيتر غرينواي المقتبس من مخطوطة تحمل الاسم نفسه للكاتب الياباني سي شوناغون. يقدم هذا الفيلم الجسد كمعقل للذاكرة ووسيلة لعبور الزمن وسبر القصص وفق التناقضات التي تنطبع على تضاريس الجسد وتختبئ في خطوطه المعقدة، كما يسائل العلاقة الملتبسة بين الجنس والكتابة

ثمة أفلام أيضاً، لعب فيها الوشم دوراً أساسياً في رسم أبعاد الشخصيات وخلفياتها البسيكولوجية المعقدة، من بينها: "وعود شرقية" لديفيد كروننبرغ، "تنين أحمر" لبريت رتنر و"ممنتو" (معناها باللغة اللاتينية "تذكَّر")، رائعة كريستوفر نولان الذي يدرج الوشم كوسيلة قصوى أمام بطله لاسترجاع ذاكرته المفقودة وتقفّي آثار هويته عبر فكّ شفرة رموز وكتابات يخطها على جسده قبل فقدان الذاكرة.    

الحكاية الكبرى والصغرى

إذا كانت حكاية "موشومة" الكبرى هي ندوب الذاكرة وجروحها المفتوحة على تناقضات مجتمع تتجاذبه رياح التغيير والحداثة من جهة وأشباح بعض التقاليد الرجعية المتوارثة من جهة أخرى، فإن ذلك كله كان الأحرى به أن يتبلور من خلال موشور الحكاية الصغرى التي تقتفي اثر التحقيق في جريمة قتل غامضة. يحضرني هنا فيلم "شاينا تاون" (1974) الذي يحقق هذا المزج الخلاق بين حبكة الفيلم البوليسي بكل عناصرها ورؤية المؤلف رومان بولانسكي الذي يقارب بضربة معلّم تيمة اغتراب المرء حين يجد نفسه وجها لوجه مع الماضي وما يكتنفه من هواجس مكبوتة.

نوع الفيلم البوليسي أو فيلم الجريمة من أعرق الأنواع السينمائية وأكثرها اتساماً برموز وقوانين خاصة. اذ يعتمد في الأساس على التشويق وخلط المسارات والانعراجات الدرامية التي تقلب تصوّر المتلقي رأساً على عقب. هذا كله لم يكن حاضراً إلا باحتشام في سيناريو "موشومة". كأن حبكة الجريمة لم تكن سوى ذريعة لتسويغ خطاب شبه مباشر حول الحكاية الكبرى. مكوّنات أساسية في سرد الفيلم، كالتشريح وأدلة الاتهام والاستنطاق، أُدرِجت بصفة يشوبها الارتباك والارتجال: خاتم اليد كداعم وحيد ومكرر لخلط المسارات، دليل اتهام بسيط ينحصر في شهادة حارس العمارة التي يسكنها نعيم... واعتراف أيور كمنعرج درامي غير مقنع. عدم الاعتناء برموز النوع السينمائي لحكاية الفيلم الصغرى فوّت على مخرج "عود الورد" (2006) فرصة توقيع فيلم متكامل ومتماسك.

جماليات الوشم  

تتخلل "موشومة" مشاهد قوية تم صوغها بإبداع محكم على مستوى الحوار والإخراج. أذكر هنا المشهد الذي تقوم فيه تشيبانت بوشم أسفل بطن أدجو. لعل سر هذه القوة يكمن في الطباق بين رقة فاطم العياشي ورهافتها في كفة، والأداء الخشن والحازم الذي طبعته راوية على دور تشيبانت في كفة ثانية. كما أن عمق الحوار بينهما جاء ليكلل الأداء بطوق الكمال. حوار ينزه الوشم عن مجرد نعت تزييني ويرفعه إلى مرتبة مفتاح لتملك الجسد والانعتاق من السلاسل التي تقيد الإنسان بالتصنيفات والقوالب الجاهزة فتحط منه وتجره إلى قعر الخنوع والذلّ

يتابع لحسن زينون هنا ما قد يصبح عصب مشروعه الفني الذي اتضحت معالمه في فيلمه الروائي الأول، أي لازمة تحرر المرأة من قيودها عبر الفنّ: الموسيقى وعزف العود في "عود الورد" والوشم عند أدجو

في المقابل، اتسمت مشاهد أخرى باختلال واضح في بنائها، فبدا التوتر الدرامي خلالها مفتعلاً ولا يستجيب لتصاعد تدرجي نابع من تطور الأحداث. على غرار مشهد النقاش الذي دار بين فاروق ـ ممثل المرجعية الدينية الرجعية ـ ونعيم، الذي جاء تحت فعل الطرح المباشر والتصادمي الذي تم صوغه من خلاله، مفككا ومتسرعا نحو إعطاء إجابات وأحكام مانوية قد تزعج ذكاء المشاهد وتقتحم عليه حدود الحق في الحكم على الأمور بمعاييره الذاتية

النهار اللبنانية في

03/01/2013

 

سينما 2012 :

"أرجو": بين التاريخ والفيلم

أمير العمري 

لو كان فيلم "أرجو" Argo فيلما خياليا بالكامل، أي مصنوعا من الخيال ولا علاقة له بالواقع، لكان قد أثار الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مدى مصداقيته، وما إذا كان يعكس رغبة الإدارة الأمريكية، التي يتخيل البعض أنها تملك التحكم المباشر في هوليوود وكل ما يصدر عنها من أفلام، في الانتقام من النظام الإيراني وتحقيق نصرا زائفا عليه ولو (على الشاشة)!

أما أن الفيلم يستند في معظم تفاصيله وبنيته على وقائع حقيقية، هنا تثار تساؤلات من نوع آخر ربما يكمن فيها بعض السخرية والطرافة مثل: هل كانت السينما ستكون مخلصة للواقع لو لم يكن الواقع أكثر إخلاصا على هذا النحو، للسينما!

نعم فيلم "أرجو" الذي أخرجه وقام ببطولته بن أفليك، يبدو سينمائيا كما لو كان أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. لكن هذه القصة التي يرويها أصبحت حاليا معروفة على نطاق واسع بعد أن نشرت في الصحف بل وصدر عنها كتاب من تأليف أنطونيو مينديز، ضابط المخابرات الأمريكية الذي كان البطل الرئيسي للقصة، وعن هذه المواد المنشورة كلها وفي مقدمتها أيضا، كتاب "سيد التخفي: حياتي السرية في السي أي إيه"" The Master of Disguise، أعد سيناريو الفيلم.

ليس من الممكن هنا عرض قصة الفيلم بالتفصيل، بل وليس هذا مطلوبا فمتعة الفيلم أن تشاهده لا أن تقرأ قصته، لكن يكفي القول إنه يجسد كيف تمكن ضابط المخابرات الأمريكية "مينديز" من إقناع رؤسائه عام 1979 بخطة غريبة وضعها لإنقاذ ستة من الرهائن الأمريكيين الذين تمكنوا من الفرار من السفارة الأمريكية في طهران بعد ان حاصرها ثم اقتحمها الطلاب الموالون لآية الله الخميني في أعقاب نجاح الثورة الإسلامية على الشاه، واتخذوا 52 موظفا ودبلوماسيا أمريكيا رهائن لمدة 444 يوما. وقد تمكن الأمريكيون الستة من اللجوء إلى استراحة السفير الكندي في طهران الذي رحب بهم وآواهم بل وساهم فيما بعد، في تهريبهم خارج إيران بعد تزويدهم بجوازات سفر كندية. وتلخصت خطة انقاذهم في تخفي مينديز مع مجموعة من الرجال، يحملون جوازات سفر كندية، كفريق كندي يرغب في معاينة أماكن تصوير فيلم خيالي في إيران. ومن أجل جعل الإيرانيين يبتلعون هذه القصة الوهمية والفيلم الوهمي، قام مينديز بكل ما يمكن عمله، من توظيف سينمائيين محترفين في السيناريو والانتاج والماكياج في هوليوود وبما يستلزمه هذا من طبع سيناريو تفصيلي مصور ونشر إعلانات وتقارير إخبارية في مجلة فاريتي الشهيرة المتخصصة في صناعة السينما، وغير ذلك.. حول مشروع الفيلم (الوهمي) المعتزم تصويره في إيران.

نجاح الفيلم

المهم هنا السؤال، ليس عن نجاح العملية، فقد نجحت وأمكن إخراج الأمريكيين الستة وتهريبهم من إيران على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية السويسرية، في حين فشل الإيرانيون في اكتشاف العملية التي لم يكشف الستار عنها بشكل رسمي إلا في عام 2007.

أما الأهم فهو السؤال التالي: ما الذي يجعل فيلم "أرجو" يحقق كل ما حققه من نجاح حتى أصبح أحد أفضل أفلام العام 2012 إن لم يكن أفضلها جميعا؟ وما الذي يجعله- فنيا- يرقى إلى مستوى كلاسيكيات هوليوود من "السينما السياسية" مثل "عام العيش الخطر" The Year of Living dangerously  لبيتر وير، و"مفقود" Missing لكوستا جافراس، و"السلفادور" Salvador لأوليفر ستون، و"تحت النار" Under Fire لروجر سبوتسوود؟ وكلها على ما أتذكر أفلام ظهرت في الثمانينيات.

هنا يعتمد المخرج بن أفليك على سيناريو جيد، كتبه كريس تيريو، يبدأ بعرض نحو عشرة دقائق من اللقطات (الأبيض والأسود) المأخوذة بدقة من الأرشيف، تعرض لتطورات أحداث الثورة الإيرانية في بدايتها من خلال إيقاع سريع لاهث يتناسب تماما مع المشاهد التالية التي تدخلنا مباشرة إلى جوهر موضوع الفيلم، أي تلك المشاهد المتعلقة باقتحام الطلاب الإيرانيين السفارة الأمريكية في طهران بحيث لا تفلت تفصيلة إنسانية واحدة من عين المخرج، ويقوم المونتير وليم جولدبرج ببراعة، بتوليف اللقطات معا لتوليد أكبر شحنة عاطفية ممكنة تجذب انتباه المشاهد وتأسره.

من الممكن بالطبع أن يقول البعض، أن هناك نوعا من "النمطية" في تقديم الإيرانيين. لكن المقارنة بين اللقطات الحقيقية (التسجيلية) التي يبدأ بها الفيلم وبين ما نراه في مشهد اقتحام السفارة واعتقال الرهائن، كفيلة بالرد على هذا الاتهام المسبق. فالإيرانيون من الممثلين الثانويين، يقومون بكل واقعية بإعادة تجسيد ما وقع، بكل ما يتضمنه من عنف وقسوة وجرأة وتصميم .. كان ولايزال هو طابع تلك الحشود الموجهة عقائديا في إيران.

مشاهد المناقشات التي تدور في منزل السفير الكندي فيما بعد، بين السفير والأمريكيين الستة اللاجئين، تجسد أيضا بكل واقعية، أجواء الرعب والقلق والتوتر والشعور بالاختناق، كما تجسد التناقض بين هذه الشخصيات في لهاثها لمحاولة العثور على تفسير لما حدث أو عن أي مخرج ممكن منه.

كل التفاصيل هنا تراعى بدقة من أول دخان السجائر الذي لا ينقطع إلى تلك النظارات الكبيرة التي تغطي معظم وجوه الرجال حسب النمط الذي كان شائعا في تلك الفترة من أواخر السبعينيات.. بل إن المخرج يمزج في تعارض مقصود، بين الصور الفوتوغرافية للشخصيات الحقيقية من الماضي، مع لقطات لوجوه الممثلين الذين يؤدون أدوارهم في الفيلم.

استراتيجية الخداع

بطلنا مينديز ينجح في "سبك" الحبكة التي يبتكرها بعبقرية لإقناع رجال هوليوود أولا بالتعاون عن طريق "خلق الوهم" بإقناع، ثم إقناع الإيرانيين بعد ذلك، بأنه يقود فريقا فنيا للبحث عن مواقع لتصوير الفيلم (داخل الفيلم).

في إيران يتجول فريق الفيلم "المفتعل" الذي يقوم مينديز بتحفيظ أفراده أدوارهم بدقة شديدة ويراجعها معهم يوميا إلى أن يصبح مطمئنا تماما إلى دقة "الأداء". يرافق أفراد الفريق موظفون إيرانيون تابعون للأمن والمخابرات، يراقبون كل صغيرة وكبيرة، في الشوارع كما في البازار الكبير في طهران. لكن الشكوك تظل قائمة حتى اللحظة الأخيرة عندما يذهب رجال الأمن لاستجواب الخادمة "المسلمة" في منزل السفير الكندي التي تتستر على الموجودين (كانت في الحقيقة باكستانية جعلها الفيلم كردية).

ويستمر الفيلم في مساراته المثيرة التي يستخدم فيها بن أفليك أقدم وسيلة عرفت من وسائل مونتاج الإثارة (وليس مونتاج الصدمة) أي المونتاج المتوازي على طريقة جريفيث، ثم طريقة "الإنقاذ في آخر لحظة" الشهيرة في الأفلام الأمريكية منذ ظهور الفيلم الروائي الطويل وحتى يومنا هذا.

من ناحية يقوم مينديز باصطحاب الأمريكيين الستة إلى المطار ويمر بهم عبر الإجراءات المعقدة وينجح في تجاوز الشكوك المخيفة للأمن الإيراني، ومن جهة أخرى ومن وقت مبكر في الفيلم، نرى كيف تعكف مجموعة من الشباب والأطفال داخل مبنى السفارة الأمريكية المحتلة، على لصق الوثائق والصور التي قامت أجهزة "الفرم" بالتخلص منها قبيل اقتحام السفارة وهي لطاقم العاملين في السفارة. وتدريجيا تكتشف صورة وراء أخرى للموظفين "المفقودين" أي الذين لم يقعوا في قبضة الطلاب. إلى أن نصل للحظة "اليقين" عندما يكتشف الإيرانيون أخيرا أنهم خدعوا.

هذا الأسلوب السينمائي الذي يمزج بين أسلوب الفيلم المثير thriller الذي يحوي مشاهد مطاردة عادة، وبين الفيلم السياسي الذي يعرض خلفية الحدث بدقة وأمانة كما يشير إلى الكثير من الأحداث والوقائع السياسية التي شهدتها الفترة، هو ما يميز الفيلم ويقرب موضوعه للجمهور

صحيح أن الجمهور يعلم مقدما كيف انتهت القصة في الواقع، لكن عبقرية بن أفليك وفريقه الفني، تكمن في الإبقاء على شغف الجمهور وتشوقه لمعرفة كيف ستنتهي القصة على الشاشة حتى اللحظة الأخيرة!

من مشاهد التوتر في المطار، إلى مشاهد رجال المخابرات الإيرانية وهم يهرعون إلى منزل السفير الكندي حيث يكتشفون انه غادر وقام بتحطيم أجهزة الاتصال، وأن لا أحد هناك بل وحتى الخادمة تمكنت من الفرار وعبرت الحدود إلى العراق كما نرى في خط ثالث، وصولا إلى تمكن الطائرة السويسرية أخيرا من الإقلاع في آخر لحظة أي قبل ثوان محدودة من وصول فريق المخابرات إلى المطار ومحاولتهم منع الطائرة من الإقلاع. وهذا هو ما ابتكره جريفيث وعرف بـ"طريقة الإنقاذ في آخر لحظة". 

ينتقل الفيلم بنجاح كبير من أجواء هوليوود وحفلات المشاهير التي تضفي نوعا من الاسترخاء على الفيلم كما تضفي بعض الأجواء الكوميدية في بعض المشاهد، إلى زحام وفوضى طهران (التي استعيض عنها بنجاح كبير بمدينة اسطنبول في تركيا) وتوتر الأجواء مع تراكم الزخم السياسي في البلاد، دون أن تنسى العين المدربة لقطات المشانق المنصوبة في الشوارع التي تتدلى منها جثث المعارضين لنظام الخميني، وهذه حقيقة موثقة. وما نقصده هنا أن الفيلم يبدو مخلصا لأدق تفاصيل الفترة كما حدثت في إيران، بل ويراعي مطابقة الأزياء والأشكال والسيارات وكل نواحي الحياة في إيران بعد الثورة مباشرة. إننا نرى على سبيل المثال، وزير الخارجية الإيراني وهو يدين العملية، وكان يرتدي وقتها ربطة عنق، فلم يكن قد أصبح ارتداء ربطات العمق بعد، أمرا محظورا على الإيرانيين، كما أننا نلمح في شوارع طهران خليطا من النساء والفتيات: المحجبات وغير المحجبات، قبل صدور تشريع يجرم عدم ارتدائه!

النصر على الشاشة

كنا عادة نقول عن هذا النوع من الأفلام أنه يحقق النصر "الزائف" للأمريكيين على الشاشة، عندما يكون هناك بطل (شبه أسطوري) يسعى لتخليص رهينة (أو أكثر) من بين فكي نظام فاشي. لكن الحقيقة أن هذا القول لا ينطبق على هذا الفيلم. فكما سبق أن قلنا، يبدو الواقع هنا أكثر سينمائية (أو خيالا) من الفيلم نفسه. هذا العامل يضر عادة بكل من الفيلم والواقع، فهو لا يغير الحقيقة، كما لا يضيف إلى السينما، أما في هذه الحالة فلأن ما يرويه فيلم "أرجو" هو ما حدث في الواقع، مع بعض الابتكارات والإضافات الدرامية الضرورية، فإنه يكفل للفيلم النجاح الكبير الذي يحققه لأنه يروي ما خفي من أحداث هزت أمريكا والعالم ولاتزال تلقي بظلالها على المشهد السياسي في تلك المنطقة من العالم حتى يومنا هذا.

و"أرجو" Argo في النهاية هو الإسم الذي أطلقه رجل المخابرات الأمريكية- مينديز على الفيلم الخيالي الذي لم يتحقق أبدا.. ولم يكن يقدر له أن يتحقق، بل لعل الكلمة أصبحت حاليا مرادفا لـ"الخداع"!

الجزيرة الوثائقية في

03/01/2013

نبيلة رزايق من النقد إلى التسيير

ضـاوية خلـيفة – الجزائر 

من المشاريع الكبرى التي ينتظر أن ترى النور تفعيل وتجسيد عقد الشراكة الذي جمع الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي والمخرج السينمائي الكبير "محمد لخضر حامينة" حيث سترافق الوكالة صاحب السعفة الذهبية في أحدث أعماله السينمائية التي يتمنى الكثير أن تعيد للسينما الجزائرية بريقها، ليضاف هذا التعامل إلى المرافقات التي سجلتها الوكالة في السنوات الأخيرة إما كشريك في الإنتاج أو كمنتج، وما لا يختلف عليه اثنان الجهود التي تبذلها الإعلامية والناقدة "نبيلة رزايق" -متحصلة على ماستر في التسيير الثقافي- منذ توليها إدارة دائرة السينما والسمعي البصري بالوكالة لتطوير عمل هذه الأخيرة و تفعيل النشاط السينمائي داخل و خارج الوطن من خلال جملة اللقاءات و التظاهرات التي قربت المسافات و جمعت بين الفرجة و التكوين السينمائي.

·     يقول الكثير أن التشريف ما هو إلا تكليف ومن خلال توليك لإدارة الشؤون السينمائية بالوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي لمسنا الفرق في نوعية النشاطات، كيف كان الانتقال من الإعلام و النقد إلى الإدارة والتسيير ؟

بالفعل أعتبر هذا التشريف تكليفا ومسؤولية توليتها منذ ديسمبر 2010، السيد مصطفى عريف المدير العام للوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي رأى في شخصي المؤهلات التي تسمح لي بتسيير دائرة السينما والسمعي البصري خاصة بعدما عملت معه كمحافظ لمهرجان

وهران للفيلم العربي سنة 2010، فوضع ثقته فينا كطاقم شاب يشرف على الدائرة التابعة للوكالة التي تسير وفق إستراتيجية واضحة هدفها الترويج للثقافة على كل الأصعدة سواء في الأدب، الموسيقى، أو التراث و بشكل خاص السينما، فالسينما هي جزء من هذا الكل الذي تتميز به الوكالة التي تأسست رسميا سنة 2005 و بعدها سنتين أي 2007 أصبحت مؤسسة ثقافية ذات طابع اقتصادي، انطلقت فعليا في الانجازات الفنية الكبرى اعتبارا من 2007 تزامنا و تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية و بعدها توالت التظاهرات كالمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني وصولا إلى تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، ومن تم أصبحنا نتعامل بالمواسم الثقافية الموسم السينمائي، الموسم الموسيقي، الأدبي وما إلى ذلك، ومن خلال دائرة السينما نحاول دوما أن نوجه طاقة الوكالة للترويج بالسينما الجزائرية من خلال المشاركة في مهرجانات دولية وأيام سينمائية خارج الوطن وكذلك استقبال الثقافات السينمائية لدول عدة وإقامة جملة من اللقاءات السينمائية، أما الشق الثاني لدائرة السينما يتمثل في الإنتاج السينمائي، فالوكالة من خلال وزارة الثقافة ترافق العديد من المخرجين والمنتجين الجزائريين في أعمالهم الجديدة فمنذ سنة 2007 إلى غاية يومنا هذا واكبنا العديد من الأعمال لكبار المخرجين بداية من فيلم "الخارجون عن القانون" لرشيد بوشارب الذي دخل المنافسة الرسمية لمهرجان كان وصولا إلى غاية فيلم "يما" لجميلة صحراوي و"عطور الجزائر" لرشيد بن حاج وأفلام أخرى تعد مفخرة للوكالة ومن تم وزارة الثقافة ولا يزال هناك العديد من الأفلام السينمائية الجيدة، فدائرة السينما تعمل على جانبين الأول من خلال المشاركة في إنتاج الأفلام الجزائرية التي يتم دعمها من قبل وزارة الثقافة وصندوق دعم الإبداع أو كمنتج كما هو الحال بالنسبة لفيلم "عطور الجزائر"، أما الجانب الثاني فيتمثل في النشاطات السينمائية التي ننظمها إما من خلال العروض الأولى للأفلام الجزائرية العملية التي انطلقنا فيها العام الماضي، أو الأيام السينمائية كأيام الفيلم الأردني الذي تم بالتعاون مع الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، أو زووم على المخرج إبراهيم تساكي، أو من خلال المشاركة في  أبرز المهرجانات السينمائية فمثلا الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي شاركت هذا العام في مهرجان كان السينمائي من خلال جناح خاص بها في سابقة هي الأولى من نوعها، و من تم توالت المهرجانات و المواعيد السينمائية أبرزها مشاركة فيلم "زبانة" لسعيد ولد خليفة في مهرجان تورنتو وكذلك فيلم "يما" الذي كان ضمن العروض السينمائية لمهرجان البندقية وللإشارة فقد تحصل هذا الفيلم على العديد من الجوائز جائزة أحسن ممثلة بمهرجان نامور وجائزة أحسن صوت بمهرجان موسكو ومؤخرا جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما بمهرجان دبي السينمائي، كل هذه المعطيات هي التي تعطي للوكالة دفع أكبر لتمثيل أفضل للسينما الجزائرية خارج الوطن.

·        بعد تحقيق كل هذه النتائج في ظرف سنتين ما هي تطلعاتكم ؟

كل مؤسسة ثقافية تابعة لوزارة الثقافة من أبرز أهدافها وتطلعاتها نشر الثقافة الجزائرية وتعريف الآخر بمختلف الفنون سينمائية كانت موسيقية... استراتيجيتنا هي التعريف بالرصيد الثقافي و الفني للجزائر، حان الوقت اليوم لنذهب للآخر للتعريف بمنتوجنا السينمائي الأدبي و الموسيقي، و إبراز هذا التنوع والطاقات التي تمتلكها الجزائر في أكثر من مجال، وهذه من أهم الأهداف التي تسعى الوكالة لتحقيقها من خلال عديد النشاطات التي تتمركز بالداخل أو خارج الحدود الجغرافية.

·     بعد نجاح دورة السينمائيين المكونين ببلجيكا والتي تسعى للرفع من الجانب التكويني للشباب هل ستكون هناك استمرارية لهذا النشاط ؟

نحن أي مشروع سينمائي هادف يصب في هذا المجال سنرافقه وندعمه، إلا أنه وللأسف الشريك الذي كان معنا العام الماضي تغير، لكن هذا لا يعني أننا سنوقف التباحث مع شركاء آخرين بل سنواصل في نفس المسار لبلوغ أهدافنا التي حددناها منذ سنوات و لتجديد الفكرة و تطويرها، يمكن أن تكون الدورة المقبلة مع مخرج آخر غير ابراهيم تساكي، و نعد كل عشاق السينما في الجزائر بأن يكون برنامج الوكالة ثريا سنة 2013 كمًا و نوعية و قريبا سيكشف عن الخطوط العريضة لهذا البرنامج.

·     العام الماضي اطلع الجمهور الجزائري على جديد السينما الأردنية من خلال أيام الفيلم الأردني هل ستتكرر التجربة هذا العام مع السينما المصرية، السورية أو الخليجية مثلا ؟

هي كلها اقتراحات نعمل على تجسيدها ميدانيا، أي نشاط قمنا به و كُلل بالنجاح سنسعى جاهدين لتكراره مع دولة أخرى بأفلام وأفق جديدة، نحن منفتحون على كل الاحتمالات والاقتراحات، هذا العام و بمناسبة الاحتفال بخمسين سنة على استقلال الجزائر أردنا أن نذهب نحن إلى الآخر للتعريف بما أنتجته الجزائر خاصة خلال سنة 2011 – 2012، و لنا أن نفتخر بما أنتج هذه السنة كفيلم زبانة، عطور الجزائر و يما، هي أفلام صارت اليوم مطلوبة في العديد من المهرجانات الدولية التي أصبحت تتصل بالوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي بشكل متواصل بحكم أنها إما الجهة المنتجة أو شريكة في الإنتاج بغرض المشاركة في مهرجاناتها، و لهذا تركز نشاطنا هذه السنة على الخارج أين عرضنا ما أنتج الجزائر سينمائيا.

·     هل للوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي صلاحية لرفض أو قبول أي عمل سينمائي مكتوبا كان أم جاهزا ؟

لا ليست لدينا السلطة للقيام بذلك، فكل المشاريع التي شاركت فيها أو رافقتها الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي هي مشاريع تم الموافقة عليها من قبل لجنة القراءة التابعة لوزارة الثقافة، نحن لا دخل لنا لا بالسيناريو ولا بقبول العمل أو رفضه، فبمجرد أن يتحصل الفيلم على الدعم من الوزارة الوصية تبدأ مهمتنا في مرافقة المنتج من خلال تمثيل الوزارة ومرافقة الإنتاج.

·        تقييمك كإعلامية للأعمال السينمائية المنتجة سنة 2012 ؟

في رأيي الجزائر الآن بحاجة للكمية، فالنوعية ستأتي بعد التكثيف من الأعمال، متأكدة أن كثرة الإنتاج ستزيد من المنافسة بين صناع الفرجة السينمائية وتنمي القدرة على نقد الأفلام، و تعيد الجمهور إلى قاعات العرض، كما أن كل منتج أو مخرج يرى فيلم غيره سيعمل جاهدا لتفادي الأخطاء التي وقع فيها غيره، فلولا وجود الإنتاج لا يمكن أن نقيم أنفسنا وأعمال غيرنا ولا يمكن حتى أن ننتقل فيما بعد للحديث عن جودة هذا العمل من رداءته، فالكمية ستأتي بعد سنوات بالنوعية المهم أن ننتج أفلام، هو الشيء الذي أنجح السينما الجزائرية في فترة السبعينات فقد كنا ننتج 30 فيلما طويلا في السنة الواحدة، صحيح السينما الجزائرية تأثرت كثيرا بحكم الأوضاع التي عشناها والتي قلصت من حجم الإنتاج منهم من هاجر ومنهم من مات ومنهم من بقي مُصر على الاستمرار، لكن اليوم ان أنتجنا ثلاثة أفلام السنة المقبلة سنضاعفها وهكذا إلى أن نعود بالسينما الجزائرية إلى سابق عهدها.

·        إلى أي مدى أفادتك خبرتك كإعلامية متخصصة في السينما في تسيير الدائرة ؟

يبدو أن خبرتي السابقة ليست محل مُقارنة مقابل الكم المعرفي الذي اكتسبته من خلال عملي بالدائرة، في الأول كان عملي يقتصر ويعتمد بالأساس على نقد الفيلم وهو مطروح أمامي للعرض، لكن منذ 2010 وإلى غاية يومنا هذا من خلال الوكالة تعرفت على كواليس الإنتاج، فليس من السهل أبدا إنجاز عمل سينمائي، أحيانا كنت أراجع نفسي وأقول من السهل أننا نمسك القلم ونبدأ في النقد والكتابة، هذا لا يعني أني أنقص من قيمة النقد أو الناقد الذي يعد طرفا هاما في العملية الإبداعية، لكن لو رافق أي منا مراحل إنتاج العمل السينمائي قد يفكر مليا قبل انتقاد عمل أنتج رغم قلة الإمكانيات وكل الصعاب ولا فكر طويلا قبل أن يتوقف عند الشاردة و الواردة، ففي الجزائر ليس من السهل انجاز فيلم لأنه تنقصنا معطيات كثيرة، لا يوجد صناعة سينمائية ولا تتوفر بلادنا على مخابر مختصة للتحميض، أنا شخصيا في ظل كل هذه المعطيات لا يسعني سوى الوقوف تقديرا و احتراما لكل الذين اختاروا هذا الطريق إيمانا بمستقبل سينمائي أفضل و تحقيقا لأحلام لم تعترف بتلك الحواجز والمشاكل، وبالتالي ما كنت أقوم به سابقا كإعلامية عاشقة و مولعة بالسينما يختلف تماما عما أقوم به حاليا، صحيح المجال واحد لكن هناك اختلافات عدة، فكم هو رائع المرور بكل هذه التجارب التي يتمناها أي باحث عن المعارف والخبرات.

الجزيرة الوثائقية في

03/01/2013

روتردام السينمائي الدولي يكرِّم كيرا موراتوفا

لندن / عدنان حسين أحمد 

يكرِّم مهرجان روتردام السينمائي الدولي في دورته الثانية والأربعين المخرجة السوفيتيية الأوكراينية كيرا موراتوفا المعروفة بأسلوبها الإخراجي الأصيل الذي يتوفر على قدرٍ كبير من الجدِّة والابتكار. وأفلامها، في الأعم الأغلب، مكرّسة لعدد محدود جداً من المتلقين الذين يمتلكون القدرة على تحمّل المشاهد القاسية والأليمة التي ترصدها عدسة كيرا موراتوفا. تعرضت أفلام موراتوفا إلى قدر كبير من الرقابة السوفيتية التي حدّت من شهرتها وانتشارها علماً بأن كل أفلامها ناطقة بالروسية وتعتمد في طاقمها التمثيلي على عدد غير قليل من الممثلين المحليين. لابد من الإشارة إلى أن موراتوفا قد ولدت في سوروكا برومانيا عام 1934 من أم رومانية وأب روسي، وهي تعيش حالياً في أوديسا التي أنجزت فيها كل أفلامها السينمائية.

يقترن اسم موراتوفا، بحسب النقاد الغربيين، بفن السينما السوفتية، وعلى الرغم من هذه الخصوصية التي قد تميزها عن بعض أقرانها السينمائيين إلاّ أنها تتعاطى مع ثيمات وأفكار عالمية قد لا تتعارض بالضرورة مع أسلوبها الفني الذي يعتمد على تصوير الحياة السوفيتية. ثمة ملاحظات عامة يمكن للمتلقي أن يلتقطها بسهولة حينما يشاهد بعض أفلامها ذائعة الصيت مثل "بين الأحجار الرمادية"، "الشرطي العاطفي"، "ثلاث قصص"،  "متلازمة الوهن" وغيرها، إذ يلاحظ المُشاهد ولع المخرجة بالمناظر الطبيعية من جهة، وتركيزها الواضح على الشخصيات السوفيتية الفريدة التي تحيل مباشرة إلى نمط االحياة السوفيتية المعروفة، فلاغرابة إذاً حينما يصنف النقاد بعض أفلامها بسينما الواقعية الاشتراكية، فيما نحتْ أفلام يوري كوليوكن وإيفان لوكينسكي منحى رومانسياً لا يجد حرجاً في شعرنة الواقع السوفيتي. إنّ ما يميز موراتوفا عن أقرانها السينمائيين هو تركيزها الواضح على مثلث القبح والقسوة والعبث، هذا إضافة إلى نَفَسها السوريالي الواضح الذي يمكن تلمّسه في العديد من أفلامها الروائية التي استقرت في ذاكرة المتابعين لتجربتها الفنية المتميزة.

يفرِّق النقاد بين ثلاثية "القبح والقسوة والعبث" عند موراتوفا عن غيرها من المخرجين العالميين أمثال بيتر غرينوَّي ولينا فيرتمولر وغيرهما، فهي لا تريد أن تضع نفسها في قالب محدد يقيّد رؤيتها الإخراجية العميقة والغامضة في آنٍ معا. فهذا الثالوث القاسي يمكن تلمسه بسهولة في الأجساد البشرية والحيوانية المشوّهة والمبتورة الأطراف التي تبعث على التقزز والقرف والغثيان، وربما يستطيع المشاهد أن يتتبع القبح في الأجساد العارية وغير الجميلة التي تنتقيها المخرجة بعناية فائقة تعزز قصديتها، وربما يتجسد ذلك بقوة في التقاطها لمشاهد بعض الناس المعاقين ذهنياً الذين يبعثون في المتلقي مشاعر من الحزن والأسى العميقين. لا تحاول موارتوفا قطعاً أن تخفف من وطأة هذه القسوة على المشاهدين متحدية الجمهور وداعية إياه لأن ينسى التعريفات العادية للجمال وأن يقبل بالصور القاسية التي تعرضها أمام عينيه وهي للمناسبة لا تقابل الصور القبيحة بأخرى جميلة، ولا تربطها بشيئ سلبي البتة. كما أنها لا تتنازل عن وجهة نظرها في هذا الصدد، بل على العكس، تسند أدوارها في العديد من الأفلام إلى ممثلين عاديين جداً، لكنها تجعلهم يبدون أقل جمالاً وإثارة لتعزيز وجهات نظرها المُشار إليها سلفاً.

تعتمد موراتوفا في رؤيتها الإخراجية على الرتابة بواسطة اعتمادها على تقنية الإعادة والتكرار التي تبعث على الملل فثمة كلمات وعبارات وجمل تُعاد لمرات كثيرة، وغالبا ما تكون هذه العبارات سيئة أو بذيئة تنعكس قسوتها ليس على الممثلين الذين أدوا هذه الأدوار، بل على المُشاهدين الذين يتلقون هذا النمط من الأفلام القاسية. لا يستغرب المُشاهد الذي وطّن نفسه على هذا النمط من الأفلام الفظة التي يتحدث فيها الممثلون بصوت عال، لكنهم يضحكون فجأة بطريقة مستفزة من دون سبب، أو ينفجرون بعنف لفظي أو جسدي قد يصدم المشاهد أو يضعه في دائرة الذهول. ما يميز أفلام موراتوفا أيضاً هو المناخ العبثي الذي يفضي بالمُشاهد إلى تساؤلات داخلية عميقة هي أقرب إلى الفلسفة منها إلى الأسئلة العابرة التي تؤرق الكائن البشري أيضاً وتدعوه للتأمل وإعمال الذهن، فثمة ممثلين في أفلامها السوريالية يقومون بحركات غريبة من دون وجود دوافع تبرر هذه الحركات أو تفسرها، وغالباً ما تعتمد المخرجة على ممثلين غير محترفين، وبعض المواقف الجادة تُقاطع بسخرية عبثية لافتة للانتباه. من هنا نفهم لماذا أطلق بعض النقاد على أسلوبها بالشيزوفريني، بينما تتراوح رؤيتها للعالم بين أقصى النهلستية وأقصى الإنسانية

حصلت موراتوفا على جائزة التحكيم الخاصة الدب الفضي عام 1990 في مهرجان برلين السينمائي العالمي في دورته الأربعين عن فلمها الموسوم "متلازمة الوهن"، كما شارك فلمها "ثلاث قصص" في الدورة السابعة والأربعين لمهرجان برلين السينمائي الدولي. عُرض فلمها المتميز فلمها "بين الاحجار الرمادية" في قسم "نظرة خاصة" بمهرجان "كان" السينمائي عام 1988 كما حصل الفلم ذاته جائزة "نيكا" الروسية لأعوام متتالية. أنجزت موراتوفا عدداً كبيراً من الأفلام نذكر منها "على جرف شديد الانحدار"، " مواجهات قصيرة"، " وداعات طويلة"، " تغيير المصير"، "مشاعر"، "رسالة إلى أميركا"، "مواطنون من الدرجة الثانية"، "دوافع تشيخوف" وفلمها الأخير "العودة الأبدية للبيت" الذي يتمحور على زيارة يقوم بها رجل إلى صديق دراسته لأنه يعاني  من مشكلة عاطفية، فهو يحب امرأتين في آنٍ واحد، ولا يعرف ماذا يفعل، لذلك يقوم بهذه الزيارة بحثاً عن نصيحة تخفف عنه وطأة ما يعانية من أزمة نفسية خانقة.

الجزيرة الوثائقية في

03/01/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)