شاهدتُ في 2012 عدداً كبيراً من الأفلام، ولم أرغب في الكتابةِ عن
كثيرٍ منها، إذ أنّه للكتابة عن فيلم ما، ينبغي تحديد مفاتيح الفيلم،
الثيمات الرئيسية التي يدور حولها، خُطته البصرية، حبكته، الطريقة التي
ينخرط فيها في حوار مع ما سبقه من أعمال فنية - يشمل هذا الأدب المكتوب -
ويشتبك فيه مع الحياة خارج الفَن - حيث أنّه لا يوجد فنان يملك معناه
الكامل مُنفرداً، كما يقول ت. س. إليوت.
ثمة أمور أخرى ينبغي النظر إليها عند النظر إلى الفيلم: أركان الإنتاج
من سيناريو وتصوير وتمثيل وموسيقى وأزياء وديكورات، من وراء الفيلم وما
مكان الفيلم من مسيرتهم الفنية - حيث أن لكل فنان أصيل أفكاراً كُبرى
وثيمات تحضر في أعماله الفنية، والطريقة التي يُقدم بها الفيلم نفسه
لجمهوره.
ثمة أفلام لا تفي بما يكفي من هذه العوامل لبناء مراجعة نقدية مُحكمة
عنها، وثمة أفلام مزعجة بشكلٍ يصعب معه الكتابة عنها، وثمة عامل ثالث لا
يمكن إهماله: المزاج الشخصي. لحُسن الحظ، ليس كتابة مُراجعات للأفلام مصدر
أكل عيشي، فمن الباعث على التعاسة أن أشاهِد مجموعة أفلام رديئة في ليلة،
ثم يكون علّي أن ألحق بموعد التسليم في الصباح بمراجعات مكتملة لهذه
الأفلام. كذلك، سيكون أمراً مؤسف لو كُلِفت بكتابة مقالات عن أفلامٍ مثل
“الديكتاتور” أو "تِد"- وإن كان جمهور ساشا بارون كوهين سيغضب
لوضعي "الديكتاتور"مع "تِد"في خانة واحدة.
مع ذلك، ثمة الكثير من أفلام 2012 مِما يستحق نظرة - ولو عابرة -
للإلمام بروح السنة السينمائية. العام الماضي كان فيلمي المفضل "تِنكر،
تايلر، سولجر، سباي"، مُتنافساً على المركز الأول مع فيلم "هاري بوتر وآثار
الموت – 2". ليست ميزة الفيلم الأخير من سلسلة هاري بوتر أنني من هواة
السلسلة، بل إنّه فيلم ممتاز في ذاته، بشكل مفاجئ، بعد سلسلة من الأفلام
البائسة - وإن لم تكن بمستوى بؤس أفلام "توايلايت".
هذا العام، كانت المنافسة متشابهة بشكلٍ طريف، ففيلم الجاسوس
البريطاني الشهير جيمس بوند، "سكايفول"، يتنافس مع فيلم "الهوبِت: رحلة غير
متوقعة". لم أكن أتوقع أن يكون فيلم "سكايفول"جيداً، فكان مُفاجأة طيبة،
ليت أن كُل الأفلام تُفاجئنا بِمثلها. وبغض النظر عن عنوان الفيلم الأول من
سلسلة الهوبِت الردئ، فإنني أتوقع أن الفيلم سيكون تحفة - حيث أكتب هذا
المقال قبل صدور الفيلم - وأرجو ألّا يخيب توقعي.
هذا العام، كُنت أترقب فيلم بول توماس أندرسُن، "المُعلِم"، وقد توقعت
أن يكون فيلماً جيداً، وفيلم العام بالنسبة لي، لكنّه جاء مُخيباً للآمال.
كذلك، كُنت بانتظار اقتباس بز لورمَن لواحدة من رواياتي المُفضلة "غاتسبي
العظيم"، فإذا بِهم يدفعونه إلى 2013. رُبما ليبعدوه عن المنافسة مع فيلم
ليوناردو دي كابريو الآخر، مع كوينتن تارانتينو هذه المرة، "جانغو طليقاً".
فيلم "جانغو طليقاً"سيخرج ليلة عيد الميلاد، وقد يكون فيلم السنة للكثيرين
من جمهور تارانتينو - إذ أنّ موعد صدوره مُصمم خصيصاً ليُنافِس على
الأوسكار. مِن المتوقع أن يشهد منافسة طاحنة مع فيلم "الهوبِت"، خصوصاً في
مجالات كالتصوير السينمائي والمؤثرات. مع ذلك، لا يزال الوقتُ مُبكراً
للحُكم على حظوظ الفيلمين.
المُعلِم
وإذن، فقد توقعت أن يكون فيلم بول توماس أندرسُن الجديد فيلماً لا
يقلُ في جودته عن فيلمه السابق "سيكون هناكدم" There
Will be Blood (2007).
قبل صدور الفيلم، كان ثمة ترقب شديد له، فالفيلم سيتحدث عن حياة زعيم إحدى
الطوائف cultsالمنتشرة
في أمريكا. وقد استبقت جماعة الساينتولوجي الفيلم بالتهديد بمقاضاته إذا
كان يدور حول حياة مؤسسها رون هوبارد. كذلك، جاء الفيلم في وسط جدال محتدم
حول ما إذا كان المورمون - الذين ينتمي إليهم مرشح الرئاسة الأمريكي الخاسر
مِت رومني - طائفة خاصة cultأم
طائفة ضمن المسيحية denomination.
بناء على ذلك، فلم يكُن ثمة وقتٌ أفضل لصدور الفيلم.
يبدو أن لبول توماس أندرسُن "فورمة"في الأفلام التي يُخرجها، فهو
يعتمد على خطين دراميين يتقاطعان من حين لآخر، ويمثلان طرفين العلاقة
بينهما ديالكتيكية - متغيرة ومتحركة ومتعاقبة ومتبادلة في آنٍ. في
فيلم"سيكون هناكدم"، كان طرفا الفيلم رجل بترول عصامي وثري، ومبشرٌ
إيفانجيلي يصل إلى الثراء أيضاً، التقيا عندما حصل رجل البترول على عقدٍ
للعمل في أرض بلدة المُبشر، وصار بين الاثنين علاقة استغلال متبادل، وتبادل
نفوذ، وعداء، وتكافل، في فيلم يختمر ببطء حتى يصل إلى لحظة الذروة. لحظة
ذروة الفيلم مِثل الفيلم نفسه، غريبة، مشوشة، مجنونة، عبثية، وتشبه الهزل.
جريمة قتل، وخطاب مجنون ذروته: "أنا أشرب مخفوق لبنك!"على ما في هذا من
تقصير بحق الفيلم.
أندرسُن يتبع الخلطة نفسها في فيلمه الجديد، "المُعلِم": خطان
متوازيان يُمثِل كُل واحدٍ منهما جانباً من طرفي العلاقة المُتشابكة. في
فيلم " سيكوم هناك دم"كان الموضوع - من دون إخلال - البِزنِس والدين وتأسيس
أمريكا الحديثة. في فيلم "المُعلِم"كان الموضوع مؤسسو الطوائف شِبه الدينية
في أمريكا المسيحية البيضاء بعد الحرب العالمية الثانية "المعلم"والأمريكي
التائه "فريدي". وجاء بفيليب سيمور هوفمان ليلعب دور المعلم، وخواكين
فينيكس للعب دور فريدي كويل في تأكيد على أن الفيلم يعتمد على أداءين
متوازيين. خواكين فينيكس يلعب دوراً مُشابهاً لدور دانييل داي لويس في
فيلم "سيكون هناكدم"، والمفروض أنّه الخط المشابه لخطه، فالفيلم يتبع سيرة
فريدي كويل، ولا يظهر المُعلِم إلا حين يتقاطع خطه مع خط فريدي كويل.
المُشكلة في الفيلم أن شخصية المعلم لا شيء فيها مميز. حتى الطائفة
التي تتبعه، من غير المعروف ما إذا كانت طائفة دنيوية مثل طائفة
كتاب "السر"، أم طائفة لها مُعتقدات دينية مثل الساينتولوجي، وحتى
المورمون.
الفيلم يصوره على أنّه عدواني، بذيء اللسان، ونصّاب عليه قضايا مالية،
يتجول بصحبة حاشيته المؤلفة من ذريته وأزواجِهم وزوجته، وبعض الأتباع،
خصوصاً النساء اللائي يوفرن له الدعم المادي. يضم فريدي إلى الحاشية،
فيتصرف ككلب عقور، إذ ينقض على كُل من يعارِض المعلم، أو يحاول تصحيح
أفكاره، ويعمل بوصفه ذراع ترهيب لكل المنتقدين. المُعلِم لا يأمره بفعل
ذلك، لكنّه يتصرف من تلقاء ذاته. الحاشية ترفض فريدي، فيبدأ المعلم في
محاولة إصلاحه وتحويله، من دون أن يفلح.
من علامات "الفورمة" التي يستخدمها بول توماس أندرسُن أن العلاقة بين
الطرفين تبدو قدرية لا فكاك منها، لكِن، من الصعب التفكير في أي شيء لا
فكاك منه بين المعلم وفريدي. في "سيكون هناكدم"يغسِل المبشر رجل البترول
بالماء ويعمده ليكون مسيحياً إيفانجيلي صالحاً، ويملك رجل الأعمال حقوق
استثمار أرضٍ تعود للمبشر، وللكنيسة حقٌ فيها. ولن تنفك العلاقة بينهما ما
بقيت الأرض والكنيسة - الأمرُ الذي يجعل نهاية الفيلم النهاية الوحيدة التي
يُمكِن تصورها للعلاقة بينهما. المُعلِم ليس صاحب طائفة دينية، وحتى في
المشهد الذي يحاول فيه إجبار فريدي على لمس شيء غير موجود، في واحد من أفضل
مشاهد الفيلم، فإنّه يفشل. فريدي بلطجي، وليست لديه أي طموحات، غير البحث
عن قاصر كان يحبها قبل الحرب.
المعلم نفسه، شخصيته عمومية ورخوة أكثر من اللازم. صحيح أن رجل
البترول يمثل رجال البترول، لكنّه كان ذا شخصية مميزة، تجعله فرداً مستقلاً
بذاته. المعلم ليس لديه ما يُميزه عن أي نصاب كثير العيال من بائعي الوهم
الذين يسرحون في أمريكا كُل يوم. إنّه شخصية بلا ملامح محددة. وحتى الشخصية
التي كان يُمكِن أن تعطيه بعض الملامح، زوجته (إيمي آدامز)، فإن الفيلم
يدفع بها إلى الهامِش.
العلاقة بين المعلم وزوجته الشابة محيرة. هي في سن أبنائه، ويبدو أنها
تُسيطر عليه، وتُسير أمور الجماعة. كيف حدث هذا؟ ما حقيقة العلاقة بينها
وبين زوجها؟ ما الذي يُبقيها معه رغم أنّه فاشِل في كُل شيء في الحياة؟
أداء إيمي آدامز يُلقي بفيليب سيمور هوفمان وخوان فينيكس من النافذة، لكن
هذ الفيلم يدور حول الرجال الفاشلين ذوي الذوات المتضخمة، والرجال الذين
يبحثون عن القاصرات، ويعرون النساء في الاجتماعات. هُنا
مُشكلة "الفورمة"التي يتبعها بول توماس أندرسُن، فلَم يسمح لشخصية الزوجة
الشابة بالبروز لأنها ستُخِل بالخطوط الأساسية لفورمته. وفضل أن يقوِض أُسس
القصة في فيلمه الحالي، فلديه شخصية مؤثرة، من دون أن يكون لها أي قصة
فعلية.
صُوِر الفيلم بكاميرا مقاس 65 ملم، وعُرِض بمقاس 70 ملم - وهذه
مُغامرة في هذا العصر - فكان الناتج مُرضياً بصرياً. بناء الفيلم البصري
مُحكم، وزوايا التصوير جيدة، والإحساس بالمكان وعلاقته بالشخصيات جيد -
خصوصاً في مشهد المواجهة النهائية - لكن الفيلم نفسه فارِغ، وليس لديه ما
يقوله، وحتى ما يُزعَم عنه مِن أنّه محاولة “للإمساك بلحظات من حياة بعض
الشخصيات” مُجرَد مُبالغة. كان هذا ينطبق على فيلم “سيسيل دم”، لكن الخلطة
السرية قد فسُدت في هذا الفيلم، فشخصياته مبنية في الفراغ.
أجواء المشاهدة
هذا الفراغ في الفيلم سبب حيرة شديدة. شاهدتُ الفيلم في سينما خمارة
فرانك بانكو إياها، مع جمهورٍ مُؤلف بكامله من العجائز البيضاوات وأزواجهِن
الذين يسلكون عادة مسلك الإكسسوار، وقد امتلأ بالضحكات الهستيرية، خصوصاً
من بعض ما يفعله فريدي. الضحك هُنا هستيري، لأنّه الرد الذي يصدر عن الجهاز
العصبي حين يُفاجأ بمعلومات لا يستطيع تحليلها وإنتاج ردود فعلٍ مُناسبة
لها. لهذا يضحك الجمهور - مثلاً - عند مشاهدة مشهد فتح الدماغ الشهير في
فيلم "هانيبال"، فالمعلومات المُقدمة أكثر من قدرة الجهاز العصبي على
التعامل، لذلك فإنّه يُخفف الضغط بالضحك الهستيري، أو القهقهة نصف
المكبوتة.
عندما خرجنا من الصالة، كان مُدير المركز الثقافي الذي تتبع له سينما
الخمارة ينتظر ليسأل المشاهدين عن آرائهم، فاقترحت سيدة من الحضور أن يأتوا
بأستاذ سينما يُحلِل الفيلم، إذ أن الجمهور الأصغر سناً في قاعة السينما لم
يفهم الفيلم، ولا يُقدر رسالته، وقد أيدتها سيداتٌ أخريات.
الجمهور الأصغر سِناً في القاعة لا يحتوي على شخصٍ غيري، وقد ضايقني
الأمر، لذلك قُلت فوراً إن الفيلم بسيط في مبناه، ومعناه واضح. لم أقل أن
الفيلم فارغ فعلاً، لأتركهن في حيرتهن. من لم يفهم الفيلم، عليه أن يعترف
بصراحة أنّه لم يفهم الفيلم، لا أن يُعلقها برقبة الآخر المُختلف.
ولسن وحدهن من لم يفهم الفيلم. روجر إيبرت ونقاد النيويورك تايمز
عصروا جبينهم في محاولة لإدراك ما يُريد بول توماس أندرسُن أن يقوله. هذه
المُشكلة مع المُخرجين ذوي الحيثية: أن مُشاهديهم يفترضون أن لديهم شيئاً
مُهماً يقولونه، وأنهم يُرهقون مُشاهديهم هؤلاء بفيلم مُركَب ليخلفوا عندهم
انطباعاً بأن الفيلم عميق في بُنيته، وفيما يُريد أن يقوله. إذا كان لدى
بول توماس أندرسُن رسالة في الفيلم، فقد فات قطارها بالنسبة لي. رُبما ثمة
من يعنيه المعنى العميق الذي يُريد أن يصل إليه، بل ويمكنه تأليف معنى
وإلصاقه للفيلم، فلدى أي ناقد "كارت بلانش"ليقول كُل ما يحلو له عمّا يشاء،
غير أن هذا لن يُغير من حقيقة أن الفيلم مثل المنازل العملاقة الفارغة.
السؤال الوحيد الذي يُحيرني بشأن هذا الفيلم يتعلق بمسألة ظهرت في
بدايته، إذ أنّه بمُجرد الإعلان عن انتهاء الحرب، يفتح فريدي خزان السفينة
ويشرب البترول منه. ماذا لو كان هناك شاربو بترول آخرون في الجيش، وشربو
بترول المركبات الحربية في وقت الحرب؟ هل يُحاكمون بتهمة الخيانة؟ الإهمال؟
الإضرار المتعمد؟ تبديد العهدة؟ أم يُتركون لشأنهم لأن القانون العسكري لا
يتعامل مع شُرب البترول؟
منهج خطير
فيلم آخر مُخيب للآمال، شاهدته في سينما الخمارة في بداية العام. فيلم
ديفد كروننبرغ الأخير "منهج خطير" (2011)، مع ممثله المُفضل فيغو مورتِنسُن،
والوجه الجديد للهستيريا الإنكليزية كيرا نايتلي، و"فاسوخة" الأفلام
الجديدة مايكل فسبندر. كُنت أنتظر الفيلم بشغف، إذ أنّه يدرو حول واحدٍ من
الموضوعات المُفضلة لدّي - عِلم النفس - ويُخرجه مُخرِج أعتقده جيداً،
ديفيد كروننبرغ.
المُختلِف بشأن الفيلم كان ازدحام قاعة سينما الخمارة عن آخرها، بشكلٍ
لم أشهده من قبل ولا من بعد. كثيرون، ما كُنت أحسب الموت طاويهم، كما يقول
إليوت. هذه المرة، لم يكونوا جميعاً من طبقة واحدة، كما المُعتاد مع هذه
السينما، بل كانوا من طبقاتٍ مُختلفة، وكان بينهم الكثيرون من العمال. كما
أن التوزيع الجندري للسينما كان مُتعادلاً، فكان ثمة عدد معقول من الرجال
يكاد يقترب للنصف - جمهور سينما الخمارة نساء في معظمه.
التوزيع الوحيد الذي لم يختلف مع هذا الفيلم كان التوزيع العرقي
للجمهور، لكن لا بأس. الطبقة مثلها مِثل العرق، وسيلة تهميش.
فوجئتُ بهذا الحشد الكبير لفيلم عن موضوعٍ مجاله ضيق - نسبياً، فليس
هناك الكثير ممن قد يكترثون بالمُناكفات بين فرويد ويونغ وشبيلغين. وقد خطر
لي - وبعض الظن إثم - أن هُناك من قال للجمهور بأن الفيلم فيه “مناظر”
لكيرا نايتلي، فجاءوا جحافل إلى قاعة السينما الوحيدة التي تعرضه. حضور هذا
العدد كُله من الجمهور كان مُسلياً، فقد جعلوا من الفيلم مسخرة، بضحكهم على
مُعظم الحوارات. حوارات الفيلم ركيكة بالفعل، لكن الجمهور وجد فيها طرافة
ما، وشيئاً فشيئاً، بدأت أقدر أوجه الطرافة في الفيلم، وأضحك كذلك، وإن
كُنت قد أخذت أشعر بالذنب لأن فرويد قد تحمل القِسط الأكبر من النِكات على
حِسابه، وفقاً لستيريوتايب اليهودي البخيل الذي شدد عليه كروننبرغ في
الفيلم، ولولا أن كروننبرغ نفسه يهودي -أو هكذا قيل لي - لكان في المسألة
إن.
لا أجد تعليقاً على الفيلم الذي أعتقد أنّه نُكتة طويلة غير ترجمة
مُدرجةٍ عنه في مدونةٍ لي بالإنكليزية عنوانها:"أشياء تعلمتها من الأفلام":
1- عِلم النفس كان مؤامرة ضد مايكل فاسبندر لإجباره على خيانة زوجته.
2- فيغو مورتِنسُن كان يغار من مايكل فاسبندر لأن زوجته ثرية.
3- ثمة عددٌ محدود من النِكات التي يُمكِن لفيلم أن يصنعها عن شيخ
يهودي شحيح ومصاب بالبارانويا.
4- انشغل ديفيد كروننبرغ بالبحث في نوع السيجار الذي كان يُدخنه
فرويد، وفيما كان يفعل ذلك، أصيبت كيرا نايتلي بانهيارٍ عصبي، ووقف مايكل
فاسبندر يتفرج كأنّه عمود، وجلس فيغو مورتنسن في مكانه محاولاً أن يظهر
بمظهر شيخٍ يهودي لا مُبالٍ يُعاني من البارانويا. كانت الكاميرا تعمل طوال
الوقت.
5- كان مايكل فاسبندر يريد أن يكون أبا طفل كيرا نايتلي، لكنّه لم
يستطع ذلك فقد تحول إلى جدةٍ لها شارب كث.
6- أوجد عِلم النفس مجموعة أناسٍ غير مستقرين عاطفياً وعلى حافة
الجنون.
7- جاء النازيون وأفسدوا السيرك!
8- الرجال خنازير. (الأمر الذي سبق وتعلمناه من فيلم "الفتاة ذات وشم
التنين"). مورتنسن وفِسندر يُعاملان نايتلي على أنها امتدادٌ لذاتيهما.
9- مع ذلك، فقد كانت تعاني من مشاكِل خطيرة: حالة شديدة من المبالغة
في التمثيل. حسناً، هُما كذلك قد عانيا من حالتين خطيرتين. أحدهما من حالة
شديدة من المبالغة في عدم التمثيل، والآخر كان يُمثِل بالشخصية بدلاً عن أن
يُمثلها.
10- وفقاً لقوانين الكارما، فإن فرويد ويونغ وشبيلغين قد فعلوا أشياء
شنيعة في حيواتهم، ولذلك عوقبوا بعد الموت بهذا الفيلم.
11- إما أنها الكارما قد حاقت بالثلاثي، وإما أن كروننبرغ قد صنع
فيلماً ساخراً جيداً.
الفتاة ذات وشم التنين
وبالحديث عن النازيين وعن "الفتاة ذات وشم التنين" (2011)، فقد شاهدت
الفيلم في بداية هذه السنة أيضاً، في بردٍ قارِس، وثلوجٍ تُغطي كُل ما تقع
عليه الشمس - إن جرؤت على الظهور - في جوٍ مُشابِه لجوِ الفيلم. الفيلم
الذي أخرجه ديفد فنشر مأخوذ مِن الرواية الأولى في سلسلة ستيغ لارسُن
الأكثر مبيعاً، ويأتي بعد سلسلة أفلامٍ سويدية، يُقال إنها أفضل من الفيلم
الأمريكي.
شاهدتُ الفيلم في سينما ريف هذه المرة - التي صارت سينما كارمايك
مؤخراً، في قاعة مليئة عن آخرها بجمهورٍ خائف ومتوتر، لم ينبس ببنت شفة
طوال الفيلم، ولم يضحك إلا مرة واحدة في بداية الفيلم على تعليق بذئ. حتى
في واحدٍ من أصعب مشاهد الفيلم، لم تكُن هُناك ضحكات هستيرية - لحُسن الحظ.
الفيلم جيد، عموماً، وأعتقد أن ديفيد فِنشر أفضل مُخرِج لهذا النوع من
الأفلام الذي يتناول أبطالاً منبوذين في جوِ شبيه بأجواء أفلام القتلة
المتسلسلين. هذه المرة، البطلة هي ليزبِث سلاندر (روني مارا) التي حصلت على
ترشيح مُستحق للأوسكار، واحدة من أفضل الشخصيات النسائية في الثقافة
الشعبية على الإطلاق، مِما يجعلها شخصية إشكالية عند الجمهور، فالتعاطف مع
ما يحدث لها يُذهِبه أنها تنتقم لنفسها. الجمهور الأمريكي يُحِب المُنتقمين
الذين يأخذون حقهم بأيديهم، لكنّه يتردد كثيراً حين تكون هذه الشخصية امرأة
تركب دراجة نارية وتلبس مثل القوط goths
وتعمل هاكر وتسبح في الاتجاهين. ولعله - لذلك - قد خفف فِنشر من شراسة
شخصية لِزبِث سلاندر، فجعلها تأخذ إذن رفيقها الذكر مايكل بلومغكفست (دانييل
كريغ) قبل أن تُطارِد الشرير، بينما - في الأصل - تنحره مثل الشاة في
مكانه، من دون أي انتظار لمايكل. بعد مشهد المُطاردة النهائية، اختل توازن
الفيلم كُلياً، وأضيفت له مشاهِد لا تُساهِم في الحبكة، ولا فائدة منها،
وكان يُمكِن استبدالها.
في الفيلم، تميل ابنة مايكل نحو الكاثوليكية، ويبدو أنها تدرس
استعداداً للرهبنة، وحين تزور أباها، فإنّها تسأله ألّا يلوم الكاثوليك على
كُل شيء. ابنة مايكل هي من تُنبهه - وتُنبه معه لِزبِث - إلى أن الجرائم
التي يحققون فيها جرائم توراتية، تجري على نمط الكتاب المُقدس. هذه الثيمة
في الفيلم - وفي الأصل - تتحدث عن الثيمات الميتافيزيقية التي بُني عليها
الفكر النازي - الذي لا يزال باقياً في السويد. واحدٌ من المُشتبه فيهم في
الفيلم نازي يُعلِن أنّه ما زال نازياً، ويُخبر مايكل بأنّه الشخص الوحيد
الذي يقول الحقيقة في السويد. المُجرِم الحقيقي أكثر الشخصيات انفتاحاً
وعملية وإيماناً بالسويد الجديد، وضحاياه هُن نسوة مُهاجرات غير شرعيات، أو
من المُجتمعات المُهمشة. الفيلم - إذ ذاك - يُعلِق على العِلَة الفكرية
التي تدعي نبذ النازية، لكنها تُعيد إنتاج آلياتها: النازية التي لا تزال
تُعشعش في السويد، وفي العالم.
مع ذلك، فإن للفيلم انفراداتٍ عجيبة، إذ أنّه يعود بالمشاهِد إلى
الزمن الذي كان فيه الشرير يقول للبطل كل شيء قبل أن يوشك على قتله، وكان
يُظَن أن هذه الأفلام قد انقرضت مُنذ عشرين عاماً، ومنها غسل المسؤولية
الجنائية في مقتل الشرير عن الأبطال، وهذا ليس من شِيَم فنشر - لكنّه
يتعامل مع جمهور متحفز ضد لِزبِث سلاندر في الأصل. وهناك تتابع ليدي غاغا
في النهاية لا داعي له، ويُفسِد جو الفيلم القاتِم.
مع كُل محاولات فنشر لتقديم شخصية نسائية تأخذ بحقها للجمهور
الأمريكي، فإن التعليقات على الفيلم لم تبتعد كثيراً - في مُجملها - عن
تعليق أحد زُملائي، المُرشح للحصول على الدكتوراه، على الفيلم: لِزبِث
سلاندِر عظيمة! إنها مجنونة مثل كل صديقاتي السابقات!
لا تعليق يعلو على تعليق الزميل، غير مُلاحظة أن رأيه هذا ليس شاذاً
ولا عجيباً. فكُل من ناقش شخصية لِزبِث سلاندر في صفنا دار حول فكرة “إنها
مجنونة” بشكلٍ أو بآخر، حتى النساء اللائي يُفترض أنهن أكثر قرباً لما حدث
للِزبِث. وهذه عينة مُصغرة لنقاشات أوسع، مع أفرادٍ مُختلفين. بشكلٍ أو
بآخر، فإن المرأة التي تأخذ بحقها ممَن يعتدي عليها، ولا تستسلم، أو تحاول
تحقيق ذاتها بعيداً عن الانتقام الجسدي المُباشر، ليست إلا ما قد علمتم. لم
أشترِك في النقاش يومذاك، فماذا أقول؟ مات الكلام.
عين على السينما في
19/12/2012
أفلام 2012: محاولة للإلمام بروح العام
سينمائيا
(2 من 3)
المُتدارك من أفلام السنة
بقلم:
هند هيثم
أكتب هذا
المقال مع صدور فيلم "الهوبِت: رحلة غير متوقعة". وللأسف، لن أستطيع
مُشاهدته حتى تنقضي فترة السجن مع الأشغال الشاقة التي تُعرف بالامتحانات
النهائية. حتى الآن، فإن مُراجعات الفيلم تبدو مُرعبة، وثمة خبر أكثر بعثاً
على الرعب يقول إن بيتر جاكسُن قد خطط لأن يكون الفيلم ثلاثية! قرأت رواية
"الهوبِت"، وأُفضلها على ثلاثية "سيد الخواتم"، غير أنها لا تحتوي على ما
يصنع ثلاثية. وإذا اتضح أن الفيلم مًخيب للآمال - مثل "المعلم"، و"منهج
خطير"، و"صيد السلمُن في اليمن" - فإن 2012 كانت موسماً سينمائياً محروقاً.
ينبغي أن
نتحدث عن كيفن
حسناً،
يقتضي الانصاف الحديث عن واحد من أفضل أفلام السنة الصغيرة - "ينبغي أن
نتحدّث عن كيفن". الفيلم مأخوذ عن رواية صعبة للكاتبة البريطانية ليونيل
شرايفر، وأخرجته ليني رمزي. غير أن الفيلم - في الواقع - من إنتاج (2011)،
وجاء عرضه في الولايات المُتحدة مُتأخراً عن عرضه العالمي، فدخل في موسم
2012 السينمائي.
كُنت
وحدي في قاعة السينما عندما أظلمت الأنوار، وأخذت عناوين الفيلم في الظهور،
وقد ظننتُ أنني سأشاهده بُصحبة الأشباح، إلى أن حضرت عدة شاباتٍ إلى
السينما معاً، مُتأخرات، فوفرن علّي عناء مُشاهدة فيلم ثقيل عاطفياً، وفيه
عناصر مُرعبة، لوحدي. الفيلم جيد، ولا أعرِف ما الذي جعلني أعزِف كُلياً عن
الكتابة عنه. أداء تيلدا سوينتُن كان رائعاً، وكذلك أداء عِزرا ميلر الذي
يقوم بدور كيفن المراهِق. الفيلم يتناول موضوعاً نادراً ما تتناوله
السينما، العلاقة بين الأم وأبناءها. ثمة كراهية ميتافيزيقية يُكنها كيفن
لأمه، كراهية تبدأ مُذ كان في بطنها - كما يُلمح الفيلم - غير أن كيفن -
الذي يكره أمّه مُذ كان جنيناً، يُريد الاستحواذ عليها أيضاً لوحده. الفيلم
عرض للعلاقة المعقدة بين كيفن وأمه، وذروته مذبحة. في الواقع، يبدأ الفيلم
بعد المذبحة، في محاولة الأم - تيلدا سوينتن - للاستمرار في الحياة بعد
المذبحة التي يرتكبها كيفن، وشيئاً فشيئاً، يظهر الفيلم حياتها مع كيفن
مُنذ طفولته. رغم أن الفيلم يبدأ من المذبحة، إلا أنّه يحتوي على مفاجآت
قاسية في عرضه، ومشاهد مروعة.
غير أن
أكثر ما يُرعِب في الفيلم المشاهد التي ترتب فيها الأم المنزل المتواضع
الذي انتقلت للعيش فيه بعد أن خسرت كل شيء في محاكمة كيفن، وتطلي الجدران،
وتحضر الملابس، استعداداً لخروج كيفن من السجن. ثمة إحساس قاسٍ بالخراب.
وجهٌ مُريع للأمومة والانتماء، كيفن جزء من أمه، وينتمي إليها، ومع بعضهما
البعض، سيشهدان الخراب. بشكلٍ ما، يبدو هامشياً من قتلهم كيفن طالما بقي هو
سليماً، بل ويصير الأمر أكثر بعثاً على الرعب مع إدراك ما فعله كيفن بأسرته
ذاتها.
الفيلم
صعب للغاية، ويُثير الحنق جُبن مُقررات دراسات المرأة عن تحليله وعن دراسة
الرواية أيضاً. رُبما لأنّه لم يُنتِج أحدٌ حتى الآن إطاراً نقدياً يُمكِن
دراسة الفيلم من خلاله، ففي الأكاديميا، الإطار النقدي يسبق العمل الفني،
ولكل عمل مُلحَق بالنظرية التي يجب استخدامها في نقده.
غير قصة
الفيلم المركبة والمريعة، فإن قيمة الإنتاج فيه عالية - الفيلم من تمويل
مجلس الفيلم البريطاني، وشبكة بي. بي. سي. واليانصيب البريطاني - والتمثيل
فيه ممتاز. الطريقة التي تنكشف فيها الأحداث تدريجياً مُحكمة، والتصوير
ممتاز. ثمة الكثير من الضوء في النهار، وفي الليل، فإن الكاميرا مضبوطة
لإعطاء القدر المُناسِب من الظلمة وتدرجات الظلال والألوان بحسب المشاهِد.
ثمة أيضاً مشاهِد يكون التصوير فيها مُتعة خالصة، مثل مشهد تيلدا سوينتُن
تجلس في المكتب المتواضع بانتظار مُقابلة عمل، وبجوارها مُلصق تُطير الريح
من مروحة جزءاً منه كُل فينة وأخرى. لا توجد حركة كاميرا غير محسوبة في
الفيلم، ومع المونتاج والتمثيل والموسيقى - النادرة - فإن الفيلم واحد من
أكثر الأفلام امتيازاً بتكامل عناصره.
فندق
الإمبريالية
أردتُ أن
يروق لي فيلم "ذا بِست إكزوتِك ماريغولد هوتيل"، صاحب العنوان الطويل -
بقية العنوان تقول: للمسنين والجميلين - فبريطانيا تحشد فيه مجموعة من أفضل
ممثليها: ماغي سمِث، جودي دِنش، بيل ناي، وتوم ويلكِنسُن، ضمن آخرين. لكنّه
كان بائساً للغاية، بمثل بؤس فيلم "صيد السلمُن في اليمن"، ورُبما أشد
بؤساً. الفيلم من إنتاج الهيئات نفسها التي ساهمت في إنتاج "ينبغي أن نتحدث
عن كيفن" و"صيد السلمُن في اليمن"، ويبدو أنها الجهات الوحيدة القادرة على
دعم صناعة الفيلم في بريطانيا.
حاول بعض
زملائي إقناعي بأن الفيلم جيد، وأنني أظلمه حين أقول إنّه غير ذلك، وبعد
حوارٍ حول كون الفيلم من أفلام الكولونيالية الجديدة التي تفرض رؤية أبوية
على المستعمرات السابقة، أفتى احدهم - مرشح آخر للدكتوراه في قسم آخر -
بأنّه فيلم استعماري، نعم، لكنها "استعمارية حميدة". مثل مسألة الورم
الحميد والورم الخبيث إياها، غير أن كُل الأورام ينبغي أن تُستأصل في
النهاية، وإلا فتكت بالمريض. من حُسن الحظ إن لدى زُملائي في نفس التخصص
الأكاديمي آراء قوية ضد الفيلم، بل إن فيهم من قاطعه أصلاً، ورفض حضوره،
حتى مع التذاكر المُخفضة للنصف التي حصلتُ عليها بسبب كوني من الزبائن
المُزمنين لسينما خمارة فرانك بانكو.
الفيلم
يُذكرني بما قالته شخصية سوداء في مسلسل سِت.كوم أمريكي عندما طلبت منه أم
بيضاء أن يحل النزاع بينها وبين ابنها حول ما إذا كان إعلان ما عُنصرياً:
"في البداية تجبروننا على قطف القُطن لكم، ومن ثم تُجبروننا على حل
مُعضلاتِكم الأخلاقية!" فيلم "فندق ماريغولد" ينطلق من الفكرة نفسها:
مجموعة متقاعدين بريطانيين يذهبون إلى فندق في الهند ليحلوا معضلاتهم
الأخلاقية.
هذه
المرة، جلبوا أستاذاً - بالفعل - ليناقِش الفيلم، أستاذاً في دراسات الفيلم
من جامعة قريبة، وقد أفتى لنا بأن الفيلم يدور حول مجموعة من الأشخاص يصلون
إلى مكانٍ ليفاجأوا بشيء يختلف عمّا أرادوه، ثم يتضح لهم أن هذا ما أرادوه
منذ البداية. بجد؟ يحضرني سعيد صالح في مسرحية "مدرسة المشاغبين": "وأركب
تاكس..." فتح الله عليك يا شيخ، فلم يُفتِ للجمهور في صالة السينما في شأنِ
الفيلم بغير ذلك، وأن الفيلم يدعو للأمل والتفاؤل والفرح بالحياة في كل
سِن. ثم نصحهم بمشاهدة سلسلة أفلام ستانلي كوبريك التي ستعرضها السينما في
الأشهر القادمة!
الفيلم
مجموعة من الكليشيهات الرخيصة، وشعاره ما يقوله ديف باتيل - الولد من فيلم
"المليونير المتشرد": "إذا لم تتحسن الأمور، فهذه ليست النهاية". هذه
المعلومة الخطيرة تُخبرنا بها أي نشرة تحفيز ذاتي يقرأها المرء في الطريق
إلى العمل. ولا تستحق عمل فيلم لأجلها.
ثمة قصة
واحدة معقولة نسبياً، قصة القاضي الذي يبحث عن حبيب طفولته (توم ويلكِنسُن)،
ولو كان لها فيلم مستقل لكان خيراً، ففيها الكثير من الثيمات والأحداث التي
قد تصنع واحداً من أكثر الأفلام نجاحاً وإثارة للجدل، خصوصاً مع أداء توم
ويلكِنسُن الممتاز، ومهنة الشخصية بوصفها قاضياً. كما أن رجوعه للهند بعد
خروجه منها مع خروج الاستعمار، وفكرة الذنب والعار الذي ألحقه بعشيقه
الهندي، كلها أمور تصلح لفيلم ممتاز.
لكن فيلم
"فندق ماريغولد" يتخلص من القاضي ليتفرغ لقصصه العبقرية! جودي دِنش تحب بِل
ناي المتزوج من أخرى تعتبرها "خطافة رجالة"، وفي الوقت نفسه تغازِل زير
النساء في المجموعة. ديف باتِل يريد الزواج من عشيقته لكن أمه ترفض ذلك.
وماغي سمِث تتصرف بعنصرية بالغة. وهناك واحدة أخرى في المجموعة لا أعرف
ماذا تفعل بالضبط، لكنها موجودة والسلام.
ويلف
الفيلم ويدور، ويلف ويدور، وآخذ في تفقد المخارج، وفي التساؤل عمّا إذا كان
الآن الوقت الملائم للفرار من قاعة السينما. ثم أقول لنفسي، خلاص، ما دمتُ
قد جلبتُ على نفسي عذاب تحمل هذا الفيلم، فلأبق فيه حتى النهاية.
وتأتي
النهاية!
أم ديف
باتيل تقبض على صاحبته في وضع مُخل بالآداب، وتقرر أن تجرسها، فيتدخل خادم
عجوز ويتكلم مع الأم، فتوافق فوراً على الزواج، وتحصل معجزة، فتقف ماغي
سمِث القعيدة على قدميها، وتتخلى عن عنصريتها، وتحل مشكلات الشخصيات
الأخرى، وتوافق زوجة بِل ناي على تطليقه حتى يتزوج حبيبته الجديدة - مع أن
نوعها من النساء الإنكليزيات لن يعود إلى إنكلترا أبداً من دون زوج، ولو
اضطرت إلى إعادته إلى الوطن الأم جثة هامدة، فكيف تنجو من نميمة المجتمع
الإنكليزي؟ لكنّه منطق الفيلم المعجزاتي! وينصلح حال الفندق المُهدم الآيل
للسقوط، وتصبح الحياة لونها بمبي. ورغم أنني أحاول تحاشي الكليشيهات ما
استطعت، إلا أن نهاية الفيلم ينطبق عليها الكليشيه الشهير: "لا تخرج قبل أن
تقول سبحان الله وتعمل لايك وشير!"
في
الواقع، أظن أنني أعطيت الفيلم أكثر من قدره حين قُلت إنّه فيلم إمبريالي.
هو فيلم استهبالي.
محاسن
كونك زهرة حائط
بعد فيلم
"فندق ماريغولد" إياه، عِفتُ السينما، خصوصاً سينما خمارة فرانك بانكو
إياها، حتى كسرتُ النبذ الذي فرضته على هذه السينما بالذهاب لمشاهدة فيلم
"محاسن كونك زهرة حائط" في ليلة ماطرة أعقبت أسبوعاً مُرهِقاً في الجامعة.
الفيلم يدور عن مُراهقين، وفيه عِزرا ميلر - بدورٍ طيب هذه المرة - والفتى
من فيلم "بيرسي جاكسُن والأولمبيين"، وإيما واتسُن التي تُعرف باسم هرمايني
غرينجر من سلسلة "هاري بوتر". هذه الأسماء ساهمت في إبقاء الفيلم فترة
طويلة في دور عرضٍ تجارية، رغم أنّه فيلم صغير.
الفيلم
من أفلام النُضج وتخطي العقبات، وليس ثمة ما أجده عليه، إذ أنّه يعرض بشكلٍ
جيد التشوش والفوضى الذين يُميزان المُراهقة المُتأخرة، كما أنّه يتعامل مع
استغلال الأطفال، ومشاعر الذنب، وثيمات الانتحار، والنبذ الاجتماعي - البطل
وأصدقاؤه منبوذون اجتماعياً لأسبابٍ مُتعددة. التمثيل في الفيلم مُقنع،
وعرض القصة معقول. ليس في الفيلم لحظات مميزة، أو لغة بصرية مُميزة، ورغم
موضوعه، فإنّه ليس مُقبِضاً أبداً، بل إن فيه بهجة في النهاية، وانتصاراً
للحياة.
هذا كُل
ما يُمكِنني قوله عن الفيلم، فليس فيه مادة أخرى يُمكِن نقاشها. ينبغي
القول إن الفيلم مأخوذ عن رواية بالاسم نفسه، لمُخرِج الفيلم ستيفن تشبوسكي.
وإنّه قد خفف من نفوري من سينما خمارة بانكو كثيراً.
رحلة
طيران
كُنت
أريد مُشاهدة "سكايفول" حين شاهدتُ هذا الفيلم بالصدفة، ولم يكُن في نيتي
مُشاهدته من الأصل، بسبب دِنزِل واشنطُن - الذي لا ذنب له في كوني لا أرغب
في مشاهدة أي عملٍ يظهر فيه مُذ أخذت أدرس بعض مساقات الدراسات الإفريقية.
كُنت قد أسأت تقدير شعبية جيمس بوند في أمريكا، وقُلت لنفسي إن الأمريكان
لديهم بطلهم الخاص - باتمان، ولن يتسابقوا على مُشاهدة أفلام العميل
البريطاني جيمس بوند، فلم أبتع تذكرة بنظام الحجز المُسبق. كان هذا سوء
تقديرٍ من جانبي، فكُل عروض "سكايفول" لتلك الليلة وما بعدها كانت مُباعة
بالكامل. هكذا، لم يكُن مُتاحاً إلا فيلم "رحلة طيران"
Flight.
وقد
شاهدتُ الفيلم، ووجدته جيداً إلى حدٍ ما. نِصف الفيلم عن حادثة سقوط طائرة
مشوقة. السيناريو شبيه بأفلام الكوارِث، إلا أن الطيار - في هذا الفيلم -
طيارٌ بارع إلى درجة إعجازية، فيُنقِذ رُكاب الطائرة من موت مُحقق، ما عدا
ستة أفراد.
المفروض
أن الطيار بطل، لكن الفيلم يتعامل مع حياة الطيار الخاصة. من التريلر،
يعتقد المُشاهِد أنّهم قد ورطوا الطيار في قضية ما، لكن الفيلم واضح من
البداية، إذ يصور الطيار (دِنزِل واشنطن، طبعاً) يستيقظ مُتأخراً مع عشيقته
المُضيفة، ويصرخ في زوجته السابقة عن طريق الهاتِف لأنّه لا يرغب في دفع
أقساط مدرسة ابنه المُراهِق، ويتهمها بأنها جشعة، ويكمل المسألة بتعاطي
الكوكايين.
الرحلة
مشؤومة مُنذ البداية، فالطقس عاصِف والطائرة تكاد تسقط، مما يتسبب في ذعر
مُساعِد الطيار، لكن دِنزِل واشنطن يقودها ببراعة شديدة بعيداً عن الخطر.
ثم يخرج ليمازح رُكاب الطائرة، ويشرب قارورتي خمر صغيرتين، رغم أن
المُضيفات لا يوزعن أي مشروباتٍ كحولية على الركاب بسبب سوء الأحوال
الجوية. يُسلِم دِنزِل واشنطن الطائرة للطيار المساعد والطيار الآلي، وينام.
وتحصل
الكارثة فجأة! الطائرة مُتهالِكة، والكارثة تحصل بسبب خللٍ تصنيعي، أو خللٍ
في الصيانة. المهم أن الخلل في جسم الطائرة، لا في الطيار، وفي خِضم
الكارثة، تظهر براعة دِنزِل واشنطن الاستثنائية - أعتقد أنّه طيار عبقري.
ثم تبدأ
كارثته الشخصية: الشركة المصنعة والشركة المالكة ونقابة الطيارين وهيئة
الطيران المدني كُلها جهات تتناحر فيما بينها البين، وتحاول إلقاء
المسؤولية على الجهات الأخرى. الطيار الضحية الأسهل، لذلك يوظف له زملاءه
في اتحاد الطيارين محامياً بارعاً (دون تشيدل). لكن، كيف يُمكِن الدفاع عن
طيار سكير ومدمن كوكايين؟ يمر بلحظات تحسن، ثم لحظات انهيار، ويصبح خطيراً
على نفسه وعلى من حوله، ويمضي الفيلم إلى نقطة النهاية ليتحدث عن المسؤولية
الشخصية والتوبة وغير ذلك من الثيمات.
ثمة بعض
الأمور المزعجة في الفيلم، ومن ضمن ذلك أنهم ليحلوا إشكالية سقوط الطائرة،
فقد صنفوه على أنّهAct of God. ونِعم
بالله. صحيح أن كُل ما يحدث في الدُنيا قضاء وقدر، لكن تسجيل سبب سقوط
الطائرة على أنّه قضاء وقدر أمرٌ كارثي! هذا يُلغي مسؤولية مُصنِع الطائرة،
والمسؤول عن صيانتها، والطيار، وشركة الطيران، وكُلهُم مُساهمٌ في ما حدث
بشكلٍ أو بآخر.
لم يكُن
الفيلم رديئاً، لكنّه لم يكُن جيداً. وفيه يكون لدِنزِل واشنطن عشيقة بيضاء
- بعد الحادث - التقى بها في المُستشفى، حيث أنها مُدمنة قد نُقِلت إلى
المُستشفى لجُرعة تعاطِ عالية. تتعافى من إدمانها سريعاً، وتتركه لأنّه
يُدمِر نفسه، فتأتي رفيقة لها تعرفت عليها في برنامج لمكافحة الإدمان،
و"تُنقِذها" مِنه. الطريف أن واشنطن كان "يهايط" مُنذ عدة سنوات، وقد أعلن
أنّه يرفض تقبيل أي امرأة بيضاء على الشاشة احتراماً لمشاهداته السوداوات.
هذه المرة، تركته صديقته التي كانتwhite trash. من
الصعب قراءة الأدوار العِرقية في هذه الحادثة، ومن الصعب ألا تُقرأ أيضاً.
المفروض أن المُدمنين جميعاً طبقة واحدة - وهذا وجه تعاطفه معها مُنذ
البداية - لكن المُدمنة البيضاء تحملت المسؤولية وخرجت من الإدمان، فيما
انغمس هو في مُستنقع مُدمر أكثر وأكثر. ثمة شيء ظلامي في شخصيته، ورغبة في
تدمير الذات، بشكلٍ يتجاوز مسألة العرق واللون، لكن عِرق صديقته - وصديقتها
التي تُنقذها - يجعل السؤال عن سياسات العِرق في الفيلم حاضراً. وأمريكا
بلدٌ كُل شيء فيه سياسة، حتى نكهات الآيسكريم.
الفيلم
كذلك أول فيلم تمثيل حي لروبرت زيميكس منذ فترة طويلة. تروق لي أفلام
زيميكس، ولعل طريقته في تناول الفيلم ما أعطته عُمقاً ما. غير أن الفيلم
كان يفتقر إلى التوازن، ويفتقر أيضاً إلى العُنصر الغامض الموجود في كل
فيلم ممتاز: الومضة التي تنقل الفيلم من خانة "طيب..." إلى خانة "واو!".
عين على السينما في
20/12/2012
رصد ملامح التطور الطبيعي لفيلم المقاولات المصري
محمود مخلص
لا أعلم السر في اطلاق لفظ المقاولات علي هذه الافلام، فهو لفظ غير
معبر. وفي اعتقادي أن النقاد او النخبة الثقافية آنذاك اطلقوها تندرا منهم
علي ان السوق السينمائي دخله منتجون ليس لهم علاقة بالسينما. ولما لا
والسينما أصبحت صناعة مثل أي صناعة ورجل الأعمال المصري نجيب ساويرس مثال
حي علي ذلك، فهو يقسم نشاطاته بين الاقتصادية وبين الفنية وهذا أمر طبيعي
بعد دخول رجال من خارج الصناعة بعد رفع الدولة أيديها عن الانتاج السينمائي
منذ فترة. وحتي المناصب في وزارة الثقافة أو الرقابة أو غيرها يتقلدها
دائما موظفون وليس مبدعون أو فنانين.
أفلام المقاولات ظهرت في فترة مهمة من التاريخ المصري وهي الثمانينيات
والتسعينيات وهي الفترة التي كان السفر فيها إلى بلدان
الخليج في أوجه، وكما شهدت الفترة انتشار ما عرف بشركات توظيف الأموال والسمسرةأيضا
وصعود طبقة اصحاب الحرف البسيطة مثل (السباكة والميكانيكا) وغير
ذلك، الذين أصبحوا يتقاضون مبالغ طائلة نظرا لقلة عددهم بعد سفر معظمهم الي بلدان الخليج
وليبيا.
قبل هذا نريد ان نعرف فيلم المقاولات تعريفا بسيطا وهو فيلم بمعني اصح
درجة ثانية مثل افلام الـ ( بي موفيز) الأمريكية والتي كانت ومازالت منتشرة
في امريكا، وهي افلام تعتمد علي نجوم الصف الثاني دائما أو عارضات (بلاي
بوي) مثلا او نجوم هوليود الذين فقدوا بريقهم، وهذه الافلام تعرض في دور
عرض درجة ثانية ايضا ومن الممكن ان تكون التذكرة الواحدة لمشاهدة فيلمين.
وتدور معظم قصص هذه الأفلام في إطار العنف والجنس والجريمة. واستمرت هذه
الافلام حتي الآن ولكن علي اسطوانات (دي في دي) أو تم بيعها للفضائيات
العربية الكثيرة وهي- بالمناسبة- من اهم نجومها الان جان كلود فان دام الذي
اصبحت كل افلامه تعرض مباشرة علي (دي في دي) بعد انحسار الاضواء عنه.
أما أفلامنا المصرية فيبدو نتيجة مرحلة الحراك الاجتماعي التي حدثت في
الثمانينيات في مصر وإعلاء قيم الفهلوة والسمسمرة وعودة البعض
من دول الخليج محملا بالمال اللازم، ظهر منتجون افلام جدد كان بعضهم يعمل (ريجيسيرات) قدامي
او آخرين ارادوا استثمار أموالهم في صناعة السينما، فظهرت افلام المقاولات
التي كانت بالفعل افلام درجة ثانية، فمخرجوها لا يفهمون شيئا عن الاخراج،
وممثلوها ممنارادوا تحقيق شهرة سريعةوأرباحا مضمونة، وبعض الممثلات اللبنانيات
والسوريات اللاتي قدمن لمصر لتقديم أنفسهن بالاضافة الي الراقصات اللاتي
احترفن التمثيل، وكانت هذه الأفلام خير معين لهن.. فهي افلام تحتاج إلى
أسبوعين او اكثر قليلا للتصوير وذات ميزانية محدودة. وقد قالالفنان سمير
غانم في احد حواراته إن أحد المخرجين انتهي من فيلم كامل في اسبوع واحد
فقط!
اذن هي افلام صنعت للمتعة فقط ولتسويقها في شرائط فيديو للعرض علي
جهاز الفيديو الشهير الذي اتي مع منأتي من دول الخليج أو لتوزيعها للخليج
وصنعت لجمهور معين بدأ ينعم بحياة رفاهية سواء بسبب انتشار عملياتالسمسرة أو
شركات توظيف الأموال او العاملين في مهن بسيطة ويحتاج بعد يوم شاق من
العمل للترفيه عنأنفسهم بمشهدة أفلام مضمونها خفيف يعتمد علي خلطة شهيرة
من كوميديا ورقص واغراء واثارة ولامانع من بعض الأكشن الذي في بعض الاحيان
يكون كوميديا.
كان من اشهر نجوم هذه الافلام سعيد صالح ويونس شلبي وسمير غانم ومن
النساء هياتم- فتاة احلام الاحياء الشعبية انذاك!- وسميرة صدقي ونبيلة كرم
وغادة الشمعة، وهم بنظرة عامة من الممكن ان يمثلوا 4 افلام من هذه النوعية
ولكن في افلام النجوم الكبار مثل نادية الجندي او عادل امام يحافظون علي
ادوار ثانية وفي بعض الاحيان ثانوية.. هذا بالاضافة الي اسماء مخرجين لم
تسمع عنهم من قبل وربما اشهرهم ناصر حسين الذي كنت سمعت في حوار للشاعر
الراحل محمد حمزة انه ناقد فني سابق وايضا حسن الصيفي الذي برع في هذه
الافلام واخرين مثل مخرج الروائع ابراهيم عفيفي ولا داعي للكلام عن كتاب
فمعظم هذه الافلام كان يكتبها مخرجوهاأنفسهم توفيرا للنفقات والوقت وطمعا
في مال اكثر ربما!
في عام 1985 حاول احمد السبكي تغير نشاط عائلته في الجزارة الممتدة
منذ سنوات وافتتح محل فيديو أو ماديا للفيديو كما كنا نسميه قبل ذلك فوق
محل الجزارة المملوك لعائلته ليسوق من خلاله الافلام الاجنبية نظرا لكثرة
الطلب عليها وخاصة افلام بروس لي واميتاب بتشان وجاكي شان، وسرعان ما انضم
له اخوه محمد السبكي ليتوسع النشاط ويصبح محلهم هو اكبر شركة لتوزيع
الأفلام العربية والأجنبية عن طريق شرائط الفيديو واصبحا هما المتحكمان في
هذا السوق داخل مصر ويتم التوزيع من خلالهم البقية نوادي الفيديو كما قاموا
بطبع الافلام المصرية التي انتهت فترة عرضها في دور العرض وامتد احتكارهم
الي الآن ولكن لاسطوانات (دي في دي) سواء الطبع أو التوزيع.
بعد هذا دخل الأخوان السبكي مجال الانتاج بأول أفلامهما (عيون الصقر
1992) الذي كان من بطولة نور الشريف ورغدة واخراج ابراهيم الموجي وهو
سيناريست سابق له بعض الافلام اعتقد انها لا تنتمي لأفلام المقاولات وان
كان هناك منها، وهنا احب ان اوضح شيئا مهما ان عائلة السبكي (أحمد ومحمد)
لا تعتبر افلامهما افلام مقاولات من الناحية الانتاجية والتنفيذية، فهما -
وان كانت افلامهما متوسطة الميزانية - الا أنهما لميتخليا عن التعاقد مع
مخرجين علي مستوي عال ونجوم معروفين ففي قائمة افلامهما تجد أفلاما لأحمد
زكي ونور الشريف ونادية الجندي ومخرجين مثل علي بدرخان ومحمد عبد
العزيز، أما من الناحية الفنية فموضوعات افلامهما خفيفة وسطحية ولكنهم منذ
بداية مشوارهم الانتاجي لهم افلام مهمة، ومع عام 1997 يبدو انهم تخلوا عن
نجوم الصف الاول وبدأوا في الانتاج للشباب انذاك مثل فيلم (حلق حوش 1997)
تأليف بشير الديك واخراج محمد عبد العزيز الذي كان اول افلام محمد هنيدي
وعلاء ولي الدين، وبعده انطلق محمد هنيدي ومعه جيل كامل سيطر علي السينما.
واستمرت عائلة السبكي علي هذا المنوال حتي فيلمهم الأشهر (اللمبي
2002).. ويبدو أنهما بعد فترة من انتاجهما افلام أحمد زكي ونادية الجندي
عرفا سر الخلطة جيدا التي تأتي بالجمهور الشعبي البسيط كما يحب ان يطلق
عليه محمد السبكي.
اذا شاهدت فيلم (مستر كاراتيه 1993) ثاني انتاجهم وبطولة احمد زكي من
الممكن ان تري ملامح حياتهم أو طريقة اختيارهم للمواضيع، وهو فيلم حاول
المخرج محمد خان ومعه الكاتب رؤوف توفيق- (أصحاب فيلم زوجة رجل مهم
1987 ) - أن يجعلوه اكثر اهمية ويحمله خان ملامح أفلامه السابقة ولكن بلا
جدوي، فتأثير عائلة السبكي وأحمد زكي كان أقوي.
في الفيلم البطل منادي سيارات وهي مهنة اصبحت معترف بها في مصر وهي رد
فعل طبيعي للارتفاع في عدد السيارات واعتقد انها لم تكن موجودة قبل ذلك
ولكنها احدىنتائج الانفتاح الاقتصادي،هذا البطل يحب افلام جاكي شان وبروس
لي واميتاب تشان – وهي الافلام التي كان يوزعها السبكي- بل ويحب عاملة في
احد محلات تأجير الفيديو،هنا نرى أنه حتي ملامح القصة نفسها قريبة من افلام
الكونغوفو والكاراتيه الشهيرة في التسعينات.
وهناك معلومة مهمة هي ان أحمد ومحمد السبكي انفصلا إنتاجيا وأصبح لكل
واحد شركته الخاصة، وهي معلومة لا أعرف لماذا يتجاهلها نقادنا الذين
يصفون افلامهما بأنها أفلام السبكي!
ويبدو ان الأخوين انفصلا مع كبر أبناء كل منهما ودخول الابناء هذه
الصناعة مع وجود ارتفاع في المستوي التعليمي إدي إلى تغيير في نوعية
الأفلام التي ينتجوها.. فاحمد السبكي عندما انفصل بدأ ينتج افلاما مهمة مثل
الثلاثية: (الفرح وكباريه وساعة ونص)، وبعدها فيلم "واحد صحيح" وحققت هذه
الافلام نجاحا نقديا كبيرا وهي انتجت من خلال ابنه كريم ولكنه في المقابل
حافظ علي افلام سعد الصغير ودينا ومحمد سعد متعللا بأن هذه النوعية هي التي
تأتي بأموال لينتج النوعية الجيدة أو أفلام النقاد حتي يستطيع ان يتنوع في
انتاج الافلام ويستمر.
أما محمد السبكي فهو مازال يعتمد علي نفس الخلطة السابقة التي تتلخص
في قصة هزلية ورقصة وضحكة بل ووجوده هو شخصيا في الفيلم بأفيه او
اثنين بدعوى أنه يتفائل بهذا الظهور، ومازال ينتج افلاما سخيفة آخرها
الفيلم المرشح لأسوأ فيلم هذا العام "مهمة في فيلم قديم".
اما افلام المقاولات فهي انحسرت بعد ان شاخ معظم ابطالها وبطلت موضة
جهاز الفيديو وظهور قنوات الافلام الفضائية التياعتمدت هي الاخري علي هذه
الافلام حتي تستطيع أن تبث 24 ساعة، وحاولت بعض القنوات انتاج هذه الافلام
ولكن معظمها عرض علي نفس هذه القنوات، ففكرة انتاج فيلم به رقص وكوميديا لم
تكن مجدية في زمن انتشرت فيه قنوات الفيديو كليب وقنوات الرقص الشرقي
والانترنت الذي اصبح متاحا في جميع البيوت.
بعد عرض هذه الافلام في القنوات الفضائية ومشاهدتها بشكل أوسع انبري
معظم ابطالها يدافعون عنها وعن انفسهم متحججين بقلة الاموال وقتها وانها
كانت النوع السائد في هذا الوقت وفي بعض الاحيان كانوا يتندرونعليها مثل
سمير غانم الذي حكي حكاية شهيرة عن المخرج الذي قال له مساعده سنأخذ هذه
اللقطة (امورس) قال له امورس ابو العباس! وهي جملة توضح المستوي الفني
لنوعية هؤلاء المخرجين.
وسبب اخر في قلة هذه الافلام هو الاتجاه للمسلسلات والسيت كوم التي
تملأ الشاشة لأطول فترة ممكنة وهي لا تختلف عن افلام المقاولات فهي أيضا
تعتمد علي نجوم الصف الثاني، ويظل لفظ المقاولات هو اللفظ المناسب لبعض
النقاد لوصف الأفلام الهزيلة فنيا ولكن السينما فن تجاري في الأساس غرضه
الربح، وكل يري الربح من وجهة نظره.
عين على السينما في
19/12/2012 |