حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

صوفيا منوشة لـ «الحياة»:

السينما كبحت ثوريتي

باريس - نبيل مسعد

 

بدأت الممثلة الفرنسية المغربية الجذور صوفيا منوشة مشوارها الفني في أفلام قصيرة عرضت في المهرجانات والتلفزيون قبل أن يمنحها السينمائي الفرنسي لوران فيرود بطولة فيلمه «بدافع الحب»، ما جعلها تعثر على فرصة العمل في مسرحية فكاهية عنوانها «نسائيات» عرضت على خشبة مسرح «مونمارتر غالابرو» الباريسي.

وتعلمت منوشة (25 سنة) مبادئ التمثيل في مدرسة فرنسية مختصة، قبل أن تسافر إلى الولايات المتحدة وتقيم فترة هناك لأنها تفضل معايشة التجارب بنفسها والتعلم من طريق الممارسة، بدلاً من متابعة الحصص النظرية فقط. ولأنها احتكت بالوسط الفني في نيويورك وعثرت فيه على أسلوب عمل يناسب تصورها لمهنتها كممثلة، تكررت التجربة مرات عدة مع تفتح ذهني أفادها في شكل كبير كلما واجهت مسؤولية دور جديد في فرنسا، إذ صارت تتخيل أبعاد الشخصية التي تؤديها بطريقة تلغي تماماً كل ما هي عليه في الطبيعة كي تنغمس في الدور الجديد، مقتربة منه بدلاً من أن تجلبه هو إليها، مثلما يحدث غالباً حيث يضع الممثل مزاجه وطباعه في قلب دوره المسرحي أو السينمائي جاعلاً من الدور نسخة منه نوعاً ما.

وغير ذلك تستعين علامات دولية معروفة من الثياب والجمال بمنوشة للظهور في إعلاناتها والتحول بالتالي إلى سفيرة رسمية لها حال ما يحدث مع أكبر نجمات الفن السابع.

أحدث أفلام منوشة «الأسود يليق بك إلى حد كبير» وهو يروي حكاية شابة ذات جذور عربية تقيم في فرنسا مع عائلتها وتجد نفسها ممزقة نفسياً بين التقاليد الشرقية التي تسود في البيت العائلي وشعورها على رغم كل شيء واحترامها لهذه التقاليد، بتأقلمها مع الثقافة والعادات الغربية، وهي تحب شاباً فرنسياً وترغب في الزواج به إلا أن شقيقها الذي يراقب أدق تصرفاتها سيتسبب في كارثة تهز كيان العائلة. وبين أبطال الفيلم إلى جوار منوشة النجم تييري ليرميت وغريغوار لو برانس رانغيه وسعاد حميدو وسليم كشيوش واليونس تازايرت وإيليز لومو. وما يلفت في الفيلم الأداء القوي لمنوشة في كل لقطة، ما دفع الإعلام الفرنسي الذي شهد العمل في العروض المخصصة للصحافة إلى التوقع لبطلته أن تكون مرشحة للفوز بجائزة أفضل ممثلة في مناسبات سينمائية خلال عام 2013.

ولمناسبة ظهور فيلم «الأسود يليق بك إلى حد كبير» Le Noir te (vous) va si bien للسينمائي الفرنسي الإيراني الجذور جاك برال والذي تؤدي منوشة بطولته، التقت «الحياة» الممثلة المغربية وحاورتها.

·        كيف حصلت على البطولة المطلقة في فيلم «الأسود يليق بك إلى حد كبير»؟

- كنت قد التقيت المخرج جاك برال من أجل أحد الأدوار الصغيرة في الفيلم وحصلت عليه، ثم سافرت إلى المغرب لأمثل في فيلم تم تصويره هناك وتلقيت أثناء إقامتي في الدار البيضاء مكالمة هاتفية من وكيلة أعمالي في باريس أخبرنتي فيها بضرورة أن ألتقي برال مرة جديدة فور عودتي من المغرب وذلك في شأن موضوع مهم جداً. ولم أستطع معرفة أي شيء أكثر من ذلك عن هذا الموضوع المهم إلى أن عدت من رحلتي والتقيت برال بالفعل مرة جديدة لأسمعه يعرض علي الدور الأول في فيلمه بدلاً من الدور الذي سبق ومنحني إياه. وكان ذلك قبل أسبوعين فقط من بدء التصوير، وعندما سألته عن سبب قراره المفاجئ رد بأنه انفصل مهنياً عن الممثلة التي كان قد منحها البطولة وفكر في أنني أتمتع بالموهبة الضرورية للدور إذا كنت مستعدة للعمل الشاق طوال الفترة القصيرة التي سبقت التصوير الفعلي. ووجدت نفسي أوافق حتى من دون أن أفكر في الأمر ولا في العمل الشاق الذي ذكره المخرج.

·        وكيف دار العمل الشاق بالتحديد؟

- الذي حدث هو قيامنا أنا والمخرج بعقد جلسات يومية طوال الأسبوعين وقبل بدء التصوير، لنتكلم عن دوري وعن شخصية هذه الفتاة وكيفية مواجهتها مشاكلها وحياتها اليومية في شكل عام أي عملها وحبها للشاب الفرنسي الذي ترغب في الزواج به وعلاقتها مع أهلها في البيت وكل ما يمسها من قرب أو من بعد، حتى الأشياء التي لا تظهر في الفيلم والتي تخيلناها كي تغذي مضمون الحبكة. وكنا أيضاً نتحدث هاتفياً إضافة إلى الساعات التي كنا نقضيها معاً.

·        هل أتيت شخصياً بأفكار في ما خص دورك أم اكتفيت بمتابعة رغبات المخرج؟

- قدمت أفكاراً لأنني كنت، من ناحيتي وخارج أوقات عملنا المشترك، أفكر في الشخصية وأتخيل نفسي في موقفها، ثم كنت أعرض أفكاري على برال وهو يستوحي منها ليبني شخصيتي في فيلمه بطريقة جديدة مختلفة بعض الشيء عما كان مكتوباً في السيناريو الأصلي. ومع ذلك فهو كان يعرف جيداً ماذا يريد وبالتالي وجدت في النهاية أن كل ما وافق عليه لم يكن سوى تتمة لنظرته إلى الدور بمعنى أنه بنى من طريق أفكاري بعض الطبقات فوق القاعدة الموضوعة من قبله أصلاً والتي لم تتحرك بالمرة.

·        شخصيتك في الفيلم اسمها كبرى، لماذا؟

- أراد برال أن يرمز إلى كونها كبيرة عقلياً وإنسانياً وراح يمنحها هذا الاسم الذي يعني الشيء نفسه باللغتين الفارسية والعربية نظراً إلى أنه من أصل إيرانيويعتز بجذوره إلى أبعد حد.

·     كيف كانت علاقتك مع سائر أبطال الفيلم، خصوصاً مع النجوم منهم، حال تييري ليرميت وسعاد حميدو وغريغوار لو برانس رانغيه؟

- لقد عثرت على فريق بأكمله ســـادته الإنســـانية وحسن معاملة الآخر وذلك من نجوم وغير نجوم ومن ممثلين وتقنيين، وبالتالي تكونت علاقة ممتازة بيني وبين كل واحد من هؤلاء ساعدتني بطبيعة الحال في حسن إنجاز مهمتي. والواقع أن الانسجام الذي ساد التصوير نبع في الأساس من رئيسنا كلنا وهو جاك برال، وأقصد بكلامي أن إنسانيته تجاهنا لم تسمح بحدوث أي شيء سلبي بل رفعتنا ودفعت بنا إلى الأمام. إنه يتميز بالصفات الشرقية الأصيلة وجاءت هذه بمثابة نعمة في إطار جو العمل. وأضيف أن برال يحترم النساء إلى أبعد حد وفيلمه عبارة عن أنشودة للمرأة.

سلبيات الحرية

·        كيف تصفين شخصية كبرى؟

- إنها إمرأة شابة وهادئة متمسكة إلى أبعد حد بتقاليد عائلتها، ومن ناحية ثانية ترغب في الحرية التي تتمتع بها الفتيات في مثل عمرها في فرنسا لكن من دون السقوط أبداً في سلبيات هذه الحرية، فهي مثلاً تحب فرنسياً إلا أنها تصرح له بأنه سيكون الأول والأخير في حياتها، فهي تريد تطبيق التقاليد الشرقية على علاقة تقيمها مع رجل غربي. لكن عائلتها لا ترى المسألة كما تراها ابنتهم، ومن هنا ستبدأ المشاكل.

·        هل وضعت بعض صفاتك الشخصية فيها مثلاً؟

- لقد حدث تبادل بيننا، وأعني أنني وضعت روحي المرحة التي تميزني في حياتي اليومية، في خدمة كبرى، بينما أدخلت هي إلى نفسي بعض الهدوء الذي تتميز به والذي ينقصني كلياً في الواقع، فأنا امرأة ثورية ومتمردة في شكل عام، لكنني منذ أن أديت دور كبرى أصبحت أنقل ميزاتها، خصوصاً الهدوء والنعومة، إلى الأدوار الجديدة التي تطرح علي. لقد صارت كبرى جزءاً مني في الواقع. وكل هذا بفضل السينما.

الحياة اللندنية في

19/10/2012

 

كيمياء اللقطة في مواجهة «أنا» المؤلف

دمشق – فجر يعقوب 

يمكن لكتاب جماعي متعدد الأصوات، عن مخرج سينمائي، أن يشكل حالة ملتبسة عند قراءته. وقد لا يشكل هذا النوع من التأليف إجماعاً على هوية هذا المخرج، وبالتالي لا يكون مطلوباً في حالات كثيرة، لأن السينما نفسها قلما تحمل إجماعاً في عملية التلقي، ما يعني أنها حتى وإن كانت طقساً جماعياً فإنها تظل خاضعة لتأويل الأفراد من أمكنتهم التي يقيمون عليها وبينها وفيها، وكل بحسب ثقافته ودرجات تلقيه الفيلم نفسه. والحال أن الكتاب الصادر عن المخرج المغربي جيلالي فرحاتي بتوقيع مجموعة من مواطنيه النقاد قد يحسم مثل هذا الرأي، فليس لطبيعة الأيام الثلاث التي نوقشت فيها أفلام هذا المخرج المتميز خلال ندوة عقدت في مدينة طنجة التي ينحدر منها المخرج نفسه، وقيل فيها كلام كثير، أن تغيّر من وجهة النظر القائلة بضرورة جمعها في كتاب يستحق القراءة، كما تستحق أفلام فرحاتي نفسها المشاهدة دائماً، مع التأكيد على تغيرات في تأويلها واستنباط دلالتها.

هذه الأفلام، كما يقول عبد النبي دشين، تتحدث عن كيمياء اللقطة، ففرحاتي يخضعها لعملية بناء ومزج لمستـــويات مـــتعددة يتداخل فيها البعد التقني ممهوراً بالسيكولوجي، ما يمنحها أبعاداً ترميزية». بالطبع لن يكون صعباً نقل هذا الإجماع النقدي على حالة متفردة في السينما المغربية إلى مرتبة أعلى تتقدم على جبهة النقد من دون خسائر تذكر في اللغة المشار إليها. فجيلالي فرحاتي شاعر اللحظة السينمائية المعتقلة، حاله حال أبطاله الذين يجيء معظمهم من الهامش المغربي. غالباً ما يجيئون من نماذج مهمشة اجتماعياً أو ثقافياً أو حتى مؤسساتياً، كنموذج المرأة والمعاق والمهاجر السري والطفل، كما يذهب سعيد شملال في مساهمته.

السجن مزدوجاً

وحتى السجن، الذي يبدو ثيمة أساسية في تجربة جيلالي فرحاتي، لا يحضر في فيلمه «ضفائر» كمؤسسة زجرية عقابية، كما في فيلمه الآخر «ذاكرة معتقلة»، بل كفضاء للكتمان والتستر وتجاوز زلات الماضي حين كان مصنفاً ضمن التابوهات التي ولدت لدى المخرجين المغاربة نوعاً من رقابة ذاتية تفرض على كل مخرج اختار معالجة هذه الثيمة – حسب حميد اتباتو - أن يتحمل تبعات اختياره. ما يعني أن جيلالي فرحاتي حرص على تقديم السجن بذكاء كمكون هامشي لا يتم استحضاره إلا في بعض اللقطات، مع الشعور بوطأته كفضاء إضافي على الفيلم، قبل أن يحصل الانفراج السياسي الذي عرفه المغرب أواخر تسعينات القرن الماضي وجرى السماح بذلك رسمياً، وبدأت تظهر هنا وهناك سيناريوات تعالج الاعتقال السياسي سواء أكان موضوعاً رئيسياً أو هامشياً كما حصل في بعض الأفلام التي أنتجت مطلع الألفية الجديدة، واستمرت بالتنويع على رهاناتها والتجديد في أشكالها.

لن تغيب شاعرية الفضاء السينمائي عند واحد من أهم المشتغلين في السينما المغربية اليوم، فجيلالي فرحاتي بحسب نور الدين محقق، يحقق أفلامه في فضاءات خاصة به تشمل كل عوامل السرد السينمائي التي يمثلها الفيلم نفسه، وتترك تأثيراتها غير المحدودة على بنية الشخصيات التي تتحرك في إطارها، ما يعني أن إنجاز الأفعال المنوطة بها داخل «محكيّ» الفيلم تشكل ولعاً بتقسيم هذه الفضاءات داخلياً وخارجياً ما يتيح التكثير منها، لأنها تشكل مرايا تلحق هذا المحكيّ بغنى الصورة الشاعرية، بدل لحاقها بسرديات اللغة وانشطاراتها وتكثيفاتها، لأن الفضاء الذي يفرده فرحاتي أمام ممثليه وممثلاته له تأثير كبير على إيقاع السرد الفيلمي، وليس الكتابي. فهو من المخرجين القلائل الذين يسعون لبناء سينماهم، وليس أفلامهم، مع الملاحظة بأنه لم يخرج عبر العقود الأربعة الماضية من تاريخ عمله في السينما أكثر من سبعة أفلام روائــية طويلة، وبضعة أفلام قصــيرة. وهو يلحق بأفلام ترفض السهولة على رغم بساطتها الظاهرية، وتقوم في معظمها على تكسير النسق السردي- كما يذهب محمد صوف - من خلال ثيمات خاصة به.

وينحو جيلالي فرحاتي بعناوين أفلامه إلى التشويش على الأفكار، وفي ذات الوقت نحو إيحاءات مختلفة ومحملة برموز شتى تصعّد من حملة توليد التأويلات من باب إشراك الجميع في عملية الإبداع التي يقوم عليها. وبالتأكيد لن يكون صاحب «شاطئ الأطفال الضائعين» وراء الكاميرا، هو نفسه من يقف أمامها. قدومه من المسرح عنى له الكثير. وقوفه أمام عدسات مخرجين مغاربة وأجانب سمح له باستنباط غواية الممثل وحرفته.

وهو يعتبر أن خشبة المسرح هي الميدان الذي ولد فيه حبه للفن، كما يقول عنه عمر بلخمار. وهو حر باختياراته التي يقف عليها، وعلى رغم تصنيفه بأنه واحد من أهم رواد سينما المؤلف في المغرب، إلا أن فكرة السيرة الذاتية لصاحب الفيلم لم تكن يوماً إلا «نوعاً من النرجسية الورمة»

الحياة اللندنية في

19/10/2012

 

«فاتح 1453» التاريخ مشوّهاً

بيروت - محمد غندور 

دكَّ السلطان محمد الفاتح (1429-1481) أسوار القسطنطينية المتماسكة طوال 53 يوماً بقذائف من أضخم مدفع صُنع في تلك الفترة، إلى أن أحدث فيها فجوة كبيرة فاقتحمها جنوده وسيطروا ورفعوا علم الإمبراطورية العثمانية. دخل السلطان المدينة طالباً من رجال الدين المسيحيين دفن الإمبراطور كونستنين وفق تعاليمهم، وتوجه إلى كنيسة آيا صوفيا حيث تجمع شعب بيزنطة المسيحي مطمئناً إياهم إلى أنهم سيعيشون بأمان، ولهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية.

ما تقدم مشهد النهاية من الفيلم التاريخي التركي «فاتح 1453» للمخرج فاروق أقصوي، والذي تجاوزت ميزانيته 17 مليون دولار. لكن العمل، على رغم بعض جمالياته وكثرة سلبياته وركاكة مضمونه، أثار موجة من ردود الفعل في لبنان طالبت بوقف عرضه ومنعه، لما فيه من «إساءة إلى الدين المسيحي» وتغيير في بعض الحقائق التاريخية.

ولقد أشار مدير المركز الكاثوليكي للإعلام في لبنان الأب عبدو أبو كسم، إلى أن لجنة شُكلت من ممثلين عن المركز وعدد من الكهنة، بعثت رسالة خطية إلى المديرية العامة للأمن العام تطالب بعدم عرض الفيلم، «لما يتضمنه من شحن طائفي وكون الجو العام فيه يؤدي إلى فتنة». ووضع المركز عشرات الملاحظات على العمل، فقص الرقيب حوالى ساعة منه (مدة الفيلم 160 دقيقة) والكثير من المشاهد المسيئة، بناء على طلب اللجنة.

لكن المُشاهد المحايد والموضوعي للفيلم، لا يلحظ أياً من الأفكار التي تدعو إلى الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، ولا تشوبها أي إساءة للدين المسيحي، علماً أنه عرض في غالبية الدول الأوروبية والولايات المتحدة وفي شرق آسيا ولم تطالب الجهات المعنية بوقف عرضه أو الاجتزاء منه. لكن الحالة اللبنانية في التعامل مع الأعمال الإبداعية، بغض النظر عن قيمتها الفنية، تبقى حالة شاذة. وهنا يبرز سؤال: إلى متى سيبقى مقص الرقيب ورغبات رجال الدين تتحكم بالأعمال الإبداعية، وهل في مقدورها فعلاً الحكم عليها؟

قد يكون الفيلم شوّه بعض الحقائق أو أساء استخدامها، لكن القرار يبقى للمشاهد أولاً وأخيراً في الحكم على نوعية العمل من دون وصاية. وربما لا تدرك الرقابة أنها بقرار المنع أو القص تمنح الفيلم دعاية مجانية، علماً أنه في كلتا الحالتين متوافر في الأسواق بنسخته الأصلية، وثمنه أقل من دولار. وقد تكون الخطوة التي قام بها المركز مشابهة للحملة التي رافقت الفيلم المسيء للإسلام، علماً أن الفروق بين العملين كبيرة.

غالباً ما تتميز الأفلام التاريخية بالنزعة إلى الاستعراض في الديكورات وتصميم الأزياء والمعارك وصوت السيوف، وحركة الفرسان على ظهور الأحصنة، والاعتماد على خدع سينمائية والإكثار من الكروما. ويبدو واضحاً أن أقصوي عمل جاهداً لإخراج الفيلم بحلة لائقة وشبيهة ببعض الأفلام الملحمية العالمية، لكنه بالغ في ذلك، فتشابهت لقطاته كثيراً مع ما قدّمه المخرج زاك سنايدر في فيلمه «300» (2006)، وأوليفر ستون في عمله الملحمي «الإسكندر» (2004) وميل غيبسون في «القلب الشجاع» (1995). ومع أن الرواية التاريخية التي تعاطى معها المخرج التركي لها كثير من الخصوصية والفرادة، وكان في إمكانه إبراز ذلك، بيد أنه وقع في فخ الرتابة ولعبة المونتاج الشيقة.

إلى هذا، بالغ المخرج في عرض الجانب العسكري في الفيلم، مهملاً بعض الجوانب المهمة من حياة السلطان محمد الفاتح، أو مر عليها عرضياً، فلم يقدّم مثلاً أي معلومة عن زوجته الفاتنة أمينة، ولم يستطع المخرج معالجة بطء الأحداث والرتابة في العمل، فابتكر السيناريو قصة حب بين أولوباتلي حسن، الجندي الأقوى في الجيش العثماني الذي رفع راية النصر، وبين فتاة اسمها ايرا ساهمت في صنع المدفع العملاق. وقد يكون المخرج أوجد هذه القصة للابتعاد من عرض الحياة العاطفية للسلطان وعلاقته بزوجته. ويمكن القول إن الفيلم اعتمد على الشكل الفني الجميل أكثر من المضمون، فبدا استعراضاً مثيراً للمهارة التركية في صنع مشاهد حربية بتقنيات عالية.

في المقابل، يبدو أن المخرج تغاضى عن بعض الحقائق التاريخية، فالإمبراطور كونستانتين الحادي عشر مثلاً، لم يُمض حياته باحثاً عن الملذات كما يصوره الفيلم، عدا أن عدد الروم الذين كانوا يقاتلون في جيش السلطان كان أكثر من عدد الروم الذين دافعوا عن أسوار المدينة، وفق صحيفة «الغارديان»، التي تضيف أن خبراء المتفجرات الذين حفروا الأنفاق تحت أسوار المدينة، والذين فضلوا أن يفجّروا أنفسهم وهم يصرخون «الله أكبر» حتى لا يقعوا أسرى بأيدي الروم (وفق الفيلم)، كانوا مسيحيين أرثوذكس جُنّدوا من بين عمال مناجم الفضة في صربيا، وما هذا سوى غيض من فيض تشويه الفيلم الحقائق التاريخية.

الحياة اللندنية في

19/10/2012

 

سذاجة ماكرة في فضاء عميق

الدار البيضاء – مبارك حسني 

لم تحظ مدينة أغادير السياحية الجميلة، عاصمة الجنوب الأمازيغي، بحضور في السينما المغربية يوازي حضور المدن المغربية الأخرى. نادراً ما شوهدت، وغالباً في لقطات عابرة غير ذات بال. ومن هنا يأتي هذا الشريط هو الأول ليمنحها الصورة كاملة، ويجعلها مدينة في الريبتوار السينمائي. ولهذا السبب وحده كلان يمكن أن تحسب للفيلم حسنة طيبة، لولا أن الفيلم لم يقارب الفضاء المديني بالشكل المرغوب لتبيان معالمه المميزة عبر حكاية خالدة وقوية وتصوير فني بديع. ذلك لأن الشريط لا ينفك يراوح مكانه، ولا يرقى إلى الطموحات التي انبنت على صاحبته كمخرجة من الرعيل الأول من مخرجي مغاربة الخارج الذين منحوا السينما وجوداً ثانيا وإن على احتشام.

يروي الشريط حكاية فتاة مراهقة اسمها إيمان تقطن بالمدينة الأمازيغية العتيقة «تارودانت»، وهي نفس المدينة الأصل لعائلة المخرجة الفرنسية الجنسية، وهو ما جعلها في الحقيقة تختار الجنوب الغربي لشريطها. وككل البنات في مثل سنها تحلم إيمان بمغادرة فراغ وضيق مدينتها الصغيرة حيث لا مجال لتحقيق الأحلام، نحو مدينة أرحب وأجمل هي أغادير حيث البحر والفنادق الفخمة والفرح وملذات الحياة وحيث يمكنها أن تحقق الرغبة في «السعادة» كما تتخيلها من خلال إدمانها على مشاهدة الأفلام الهندية. إنها نظرة «كارتبوستالية» (بطاقة بريدية مصورة) ألهبتها عشقها للرقص والسينما الوردية. والحال أن الترابط ما بين أحدى السينمات الأكثر شعبية في العالم الثالث، وحلم المراهقة يضع الشريط في خانة الكوميديا الشعبية البسيطة، وهو ما يحصل بحيث نشاهد كوميديا بتوابل درامية معروفة تلعب على التناقض ما بين المعيش والمأمول. فالذي يقع والمتوقع هو أن الفتاة تحقق حلم السفر وتجد نفسها في أضواء وشمس أغادير لدى جارة لها.

مفاجأة سيئة

في البداية نجدنا أمام الضحك المرتسم في العين والجسد النحيف الراقص والدم الخفيف، غير أن هذا سرعان ما يستبدل بمفاجأة سيئة. حيث نكتشف أن كل الجمال المشاهد يخفي خلفه قبحاً عميقاً هو الدعارة. تسقط الصبية في شبكة دعارة، حيث تكتشف أن الحب هنا مجرد بيع وشراء لجسد أنثى، وحيث الملذات البريئة ديكور لماخور كبير لا يعلن عن صفته تلك ولا عن اسمه في مجتمع شرقي يحرم علناً ما يحل سراً أو يسمح به ويغض الطرف عنه. تكتشف الفتاة قوة النفاق والقدرة على المداراة والتخفي والتبرير لكل ما هو سلبي وغير محترم.

تضع المخرجة صبيتها البريئة في سلة أنياب ووحوش، أو هكذا نستشف بعد تدوير الرؤية، لأن الفيلم يسقط مثل بطلته في التناقض الصارخ ما بين الرغبة والمتحقق. الشعبية متحققة بما أن هناك حكاية تخلب الجمهور الذي يشبه البطلة، وهو نفسه الجمهور الذي احتفى بالفيلم حين عرض أول مرة في حفل احتفائي، ثم في الأسابيع التالية في سينما وحيدة في أغادير هي قاعة سينما «ريالطو» التي وجدت في الفيلم فرصة للانبعاث مثل المدينة التي انبعثت من زلزال مدمر شهير قبل خمسين سنة. لكن مع الأسف لم تنبعث بعمل قوي وكبير هي التي تستحق أكبر مهرجان سينمائي بما أنها شبيهة كان الفرنسية في العديد من الملامح.

لقد لعبت المخرجة ورقة الجرأة الصارخة والفضح بالتفاصيل حيناً وبالتلميح أحياناً أخرى. وذلك بوضع شخوصها وأحداثها في فيلا دعارة كبيرة بأغادير يتزعمها قواد (إدريس الروخ في دور متقن) يستغل علاقته بالجارة (نفيسة بنشاهيدة) ووعوده لها بالزواج كي يوظفها في علاقات ليالٍ حمراء وتحت حراسة كلب شرس ومعاونين. في ذات الوقت وبتواز، تنتقل الكاميرا من حين لآخر إلى تارودانت حيث العائلة البسيطة وظروف العيش المنحسرة الممزوجة بأفراح زواج مقبل. وهذا التنقل ما بين المكانين يتم بسهولة حد السذاجة، كما يحدث في شريط تلفزيوني عادي، ولا يخفي الهدف منه والذي هو إظهار الفقر من جهة وما قد يؤدي إليه من جهة أخرى، مما قد يحط من الكرامة وعزة النفس ويوغل في الانحدار والسقوط في الرذيلة والجريمة. البراءة والحب والجريمة والاستغلال والقسوة والدعة، تماماً كما يحدث في فيلم هندي غير مصنف وقد أضيف إليه رقص فولكلوري محلي. في النهاية نحصل على ميلودراما بسيطة جداً ومتوقعة الأحداث. وكل المغزى الذي نستشف في النهاية لا يعني شيئاً كثيراً، بما أن فضح الاستغلال والقوادة أمر مطروق حد التخمة، وموجود بكثرة في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية.

توظيف

ليس في الشريط اجتهاد كبير. وجديده يتمثل كما قلنا في فتحه مجال السينما لمنطقة الجنوب. تارودانت تبدو مدينة ممسوحة تتنفس البساطة وروتين العيش كما في أي ريبورتاج، ولا يظهر فيها ذاك الزخم العتيق الذي يميزها كأقدم مدينة بأسوارها العتيقة ومدارسها الصوفية. وقد تم تعويض ذلك بالتركيز على الرقصات الهوارية المعروفة بإيقاعها الأمازيغي وإنشادها العربي، كعلامة إثنية تلاقحية بارزة لقبيلة عربية في وسط أمازيغي شاسع. وفي المقابل تم توظيف الشائعة الرائجة عن مدينة أغادير، زاعمة كونها معقلاً للدعارة بأشكالها المتنوعة، في حين أن أغادير في حقيقتها مدينة نموذج بكل مواصفات التحضر بعد إعادة بنائها كاملة وتمييزها بسياحة الراحة والاستجمام والأعمال ما بين المحيط الأطلسي وجبال الأطلس الشامخة كما بالجامعات الحديثة والعتيقة وبالعديد من المناطق المالية والصناعية. وكان حرياً تعويم حكاية البراءة في محيط دعارة في سيناريو أكثر إحكاماً يشد مناطق جذب قوية تحبل بها المدينتان الجديدتان على السينما. لكن السهولة والاكتفاء بـ «الحكي» المساير لرغبات منتجين وجمهور محتمل جعل الشريط مجرد صور وسرد مرافق.

الحياة اللندنية في

19/10/2012

 

سمير صبري:

«شحات الغرام» حلم حياتي

القاهرة - خالد فؤاد 

منذ زمن توجّه الفنان سمير صبري إلى مكتب النائب العام في القاهرة لمعرفة مصير البلاغات التي تقدم بها ضد شركة «صوت القاهرة» التي سبق التعاقد معها على تنفيذ مسلسل «شحات الغرام»، الذي يتناول حياة الموسيقار الراحل محمد فوزي.

سمير صبري أكد أنه على رغم مضي عام تقريباً على تقدّمه بهذه البلاغات ورفع دعاوى قضائية ضد الشركة بعدما صور ثلاث ساعات من أحداث المسلسل لم يتم التوصل إلى حل نهائي واستئناف تصوير العمل الذي يمثل بالنسبة اليه «حلماً كبيراً» يسعى منذ نحو 20 سنة إلى تحقيقه.

وعن أسباب حماسته لتقديم عمل فني عن الراحل محمد فوزي، قال صبري: «لقناعتي منذ سنوات بأن هذا الرجل كان ولا يزال يمثل قيمه فنية عظيمة. فهو لم يكن مجرد مطرب أو ملحن تميّز بتقديم نوعية مختلفة من الأغنيات نجح عبرها في ايجاد مكانة خاصة به بين كل العمالقة الذين عاصروه فحسب، بل انه كان أكبر من كل هذا. فأنا حين اطلعت على سيرته الحياتية والفنية بالكامل منذ مولده حتى رحيله، توقفت عند الكثير من المحطات والمواقف المهمة والعظيمة في حياته، وهي كلها أمور لا يمكن التعرض لها في شكل عابر».

من الإذاعة الى التلفزيون

نذكر ان سمير صبري قدم العمل نفسه قبل بضعة أعوام عبر أثير الإذاعة، فلماذا إصراره على تقديمه في مسلسل تلفزيوني؟ يقول: «قدمت قصة حياة محمد فوزي بالفعل عبر أثير إذاعة الشباب والرياضة، وجسدت شخصيته صوتياً. وبعد النجاح الكبير الذي تحقق للمسلسل الإذاعي وردود الأفعال التي تلقيتها، قررت تحويلها الى مسلسل تلفزيوني كبير، واتفقت مع السيناريست مصطفى جمعة على تحويل العمل بالفعل الى مسلسل تلفزيوني، وقام الرجل بأداء دوره».

وعما إذا كان ما قدمه في الإذاعة سيتشابه مع ما ينوي تقديمه في التلفزيون، يقول: «بالطبع لا، فهناك اختلاف كبير بين طبيعة هذا وذاك، ومن هنا، فور اتفاقي مع مصطفى جمعة قمت بعمل تسجيلات صوتية لكل الشخصيات المحيطة به بداية من زوجته الأولى السيدة هدايت، ومروراً بزوجاته الأخريات مديحة يسري وآخر زوجاته كريمة الملقبة بفاتنة المعادي، وشقيقته هدى سلطان قبل رحيلهن بالطبع، وآخرين غيرهم ممن عاصروه وارتبطوا به بشدة وقدمتها جميعاً للمؤلف».

لكن هل واجه العمل مشاكل من جانب الورثة مثل بعض الأعمال التي تناولت السير الذاتية لفنانين؟ يقول: هذا الأمر لم يحدث على الإطلاق، العمل لم يواجه أي مشكلة من أي نوع حيث التقيت الاستاذ نبيل نجل الموسيقار الراحل وقام بمراجعة السيناريو بالكامل، وأبدى اعجابه الشديد به وقمت بالتسجيل معه وحصلت منه على معلومات وعلى الموافقة، علماً أن السيناريو ليس مجرد سيرة ذاتية لوالده بل شهادة سياسية واجتماعية وفنية على العصر الذي عاش فيه».

وعن الخطوات الفعلية التي تم اتخاذها، يقول صبري: «بعد عمل كبير استمر سنوات عدة، اتفقت مع شركة صوت القاهرة على تنفيذ العمل بنظام المنتج المشارك، هم بنسبة 70 في المئة وأنا بنسبة 30 في المئة وحصلت منهم على دفعة أولى عند التعاقد، فبدأت في التحرك مع المنتج الفني محسن علم الدين واخترنا عنوان «عوام على بر الهوى»، ثم قررنا تغييره ليصبح «شحات الغرام». وتعاقدت بالفعل مع المخرج خالد الحجر ثم اعتذر لارتباطه وقتها بأعمال أخرى، فتعاقدت مع عمرو عابدين لما لديه من خبرة في الأعمال الاستعراضية. ووقع اختياري على مجموعة من الفنانين مثل دوللي شاهين وفريال يوسف ومادلين طبر وإيمان وسمير غانم ودينا، فضلاً عن مديحة يسري التي اتفقت معها على أن تؤدي دور الراوي».

من ينشد اغنيات «الشحات»؟

وعن الفنان الذي تم اختياره ليجسد شخصية الفنان الراحل، يجيب: «في البداية اخترت مصطفى قمر فوافق، لكنه طلب أن يغني أغاني فوزي في الحلقات فرفضت استجابة لطلب أسرة محمد فوزي التي اشترطت أن تظهر الحلقات بصوت فوزي نفسه، فاعتذرت له واخترت وائل جسار فطلب الطلب نفس، واتجهت بعدهما إلى حسن الرداد ثم يوسف الشريف، وأخيراً استقر الأمر عند الوجه الجديد كريم الحسيني ليمثل المرحلة الأولى من حياة فوزي فيما يجسد شريف سلامة المرحلة الثانية من مشوار حياته حتى وفاته ورحيله عن عمر يناهز 48 سنة».

وعن دوره هو في المسلسل، فاجأنا سمير صبري بقوله: «اخترت لنفسي دور المنتج حلمي رفلة الذي كان أحد أقرب أصدقاء محمد فوزي، فالقضية بالنسبة إلي ليست الدور الذي ألعبه بل خروج العمل الى النور، فهذا هو الحلم الكبير بالنسبة إلي».

وعن اتهام الشركة له بتصوير مديحة يسري داخل ستوديو خاص من دون علم الشركة، يقول: «هذا الكلام غير صحيح، فأنا قمت بالتصوير معها بعلم الشركة، وللعلم كل ما حصلت عليه منهم هو 700 ألف جنيه فقط لا غير، وأقمنا احتفال افتتاح كبيراً بحضور عمرو عابدين وكل فريق العمل وصوّرنا ثلاث ساعات وساعدتنا صوت القاهرة بعدما علمت بدوران عجلة التصوير، وأرسلت خطابات إلى وزارة الداخلية للسماح لنا بالتصوير في الشوارع والمحافظات المختلفة. ومشاهد مديحة يسري تحديداً تم تصويرها بحضور إبراهيم خطاب (مدير الانتاج في الشركة)، أي ان كل الأمور كانت تسير في شكل طبيعي حتى وقعت أحداث الثورة فتوقف تصوير العمل كما حدث للكثير من الأعمال الأخرى، وحينما استقرت الأمور نسبياً وبدأ التصوير، بدأوا في وضع العراقيل ومطالبتي بالانسحاب من العمل وردّ ما دفعوه مما أصابني بحالة نفسية في سيئة جداً».

الحياة اللندنية في

20/10/2012

 

The Master

عالم سينمائي لا يشبه غيره

كتب: مايكل فيليبس  

بدأ عرض فيلم The Master الدرامي الغريب والجريء للكاتب والمخرج بول توماس أندرسون. الفيلم ليس تقليدياً بل إنه أشبه بحالة عقلية جامحة رغم سهولة سرد قصته.

يؤدي خواكين فينيكس في The Master دور محارب قديم في البحرية الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية وهو يعاني اضطراباً نفسياً، فيجد نفسه تائهاً ويقع في دوامة الإدمان على الكحول وينتقل من وظيفة إلى أخرى (من مصور في متجر إلى عامل مهاجر).

تعود الحقبة الزمنية إلى عام 1950. أطلق رجل اسمه لانكاستر دود (يؤدي دوره فيليب سيمور هوفمان) ديانة ذاتية تحمل اسمل «القضية» (The Cause). تصعد الشخصية التي يؤديها فينيكس، فريدي كويل، على متن يخت في خليج سان فرانسيسكو في إحدى الأمسيات. تُتَوَّج اللقطة الطويلة (لكن البسيطة) التي ترصد فريدي وهو يحاول الاختباء بلقطة أخرى تُظهِر مشهد غروب الشمس في خلفية المركب تحت جسر «غولدن غيت»، وتحمل هذه الصورة جمالاً سوداوياً مدهشاً.

العلاقة المتقلبة بين فريدي الجامح ودود (يناديه تلامذته الذين يشبهون أتباع علم السيانتولوجيا باسم «المعلم» Master) هي التي تسيّر فيلم أندرسون. لكنّ هذا العمل لا يطبق أي قاعدة من قواعد كتابة السيناريو المألوفة. ما من توبة سهلة أو عقاب عادل بالنسبة إلى أحد، بل تبدو النتائج دقيقة من الناحية التاريخية مع أنها تبقى مختلفة بالكامل عن الانطباعات التي نعرفها (سواء كانت دقيقة أو خيالية) بشأن الولايات المتحدة في منتصف القرن العشرين.

تشارك في الفيلم أيضاً إيمي أدامز بدور زوجة دود، بيغي، الموالية بشدة لديانة «القضية». مثل جميع أفلام أندرسون (من بينها فيلمه السابق There Will Be Blood)، يعرض The Master قصة عن عائلة لا تستطيع الصمود.

كاميرات غريبة

صوّر أندرسون (42 عاماً) معظم لقطات فيلم The Master بكاميرات غريبة وشبه منقرضة يبلغ طول أشرطتها 65 ملم، ما يوفر صورة غنية على عرض الشاشة. يتم عرض الفيلم وفق نظام إسقاط بحجم 70 ملم، وهي المرة الأولى التي تُستعمل فيها هذه التقنية منذ فيلم Hamlet لكينيث براناه في عام 1996.
تحدث أندرسون عن عمله حين كان يتناول الطعام في جناح الفندق خلال مهرجان تورونتو السينمائي الدولي فقال: «نحن لم نفكر بهذا الأمر كثيراً. حين كانت المشاهد المصورة بأشرطة طولها 65 ملم تبدو جيدة وحين بدأنا نصور مشاهد إضافية بهذه التقنية، لا أتذكر أنني فكرت بتجربة التصوير بتقنية 70 ملم. بل أدركتُ في النهاية ضرورة تخفيض الطول بـ35 ملم. مرت فترة طويلة منذ أن صنعتُ فيلماً (صدر
There Will Be Blood في عام 2007)، لذا لم أكن أدرك كم تغيرت الأمور بفضل تقنية الإسقاط الرقمي. عام 2007، كان الجانب الرقمي يقتصر على 15 أو 20% من العمل. أما اليوم، فهو يتراوح بين 85 و90%». يستعمل The Master تقنيات قديمة ولكنه يُعتبر في الوقت نفسه معجزة حقيقية».

صحيح أن الفيلم مستوحى من عوامل كثيرة، بما في ذلك أولى مؤلفات جون شتاينبك وقصة عن بحار كان أندرسون قد سمعها من جيسون روباردس خلال تصوير Magnolia، لكن يعرض The Master تفاصيل حول علم السيانتولوجيا بما يكفي لإثارة ضجة حول العمل. يصف الفيلم شخصية دود الشبيهة بِرون هابرد كونه يروّج لعلاج بالتنويم المغناطيسي بهدف نقل المؤمنين إلى حياة سابقة وعوالم أخرى. أثار هذا العمل عدداً هائلاً من الأسئلة حول مبادئ السيانتولوجيا خلال مهرجان تورونتو. لكن يعترف أندرسون بأنه سئم من هذه الأسئلة… بل إنه ضاق ذرعاً بها!

لم تُعرَض مشاهد كثيرة من تلك التي صورها أندرسون في النسخة الأخيرة من الفيلم. ولم يُصوَّر جزء كبير من ما كتبه، وهذا ما يحصل في أفلام واعدة كثيرة. في فيلم The Master، كتب أندرسون مشاهد تكشف عن أهوال المعركة في جنوب المحيط الهادئ وقد اعتبرها أندرسون «مشينة»: «لم نكن نملك المال الكافي لتصويرها!».

كذلك، كتب مشاهد خاصة بالعملية النفسية التي يقوم بها دود وبالقواعد التي يطبقها، فكان ينقل الناس إلى ذكرياتهم الدفينة خلال الطفولة وإلى حياتهم السابقة. عرضت إحدى مسودّات العمل تصوراً معيناً عن تلك القفزات الزمنية، مثل مشهد شابة تستلقي على أريكة ثم نراها في إيرلندا في القرن الثامن عشر وهي تتعرض للاغتصاب على يد جنود بريطانيين، أو مشهد شاب يتخيل نفسه في الفضاء حيث تنعدم جميع الأصوات. لكن لم تُصوَّر تلك المشاهد في نهاية المطاف لأن المخرج شعر بأنها ستكون مصدر إلهاء. فالفيلم يركز في المقام الأول على قصة فريدي.

أندرسون لديه ثلاثة أولاد من شريكته الممثلة مايا رودولف (برنامج Saturday Night Live، فيلم Bridesmaids). هو لا يبدو زعيم طائفة معينة. لكن حين تتحدث الممثلة أدامز عن أسلوبه في الإخراج، تبدو غامضة لكن معجبة بعمله في الوقت نفسه.

تقول أدامز: «لا أحد يرغب في رفع الستار والكشف عن سر الغموض. هكذا أشعر تجاه بول. أعترف بأنني تفاجأتُ بحس الفكاهة لديه. بول شخص صادق وهو يطلب الصدق من الأشخاص في محيطه. لديه القدرة على أخذنا إلى مكان معين من دون أن ندرك كيف وصلنا إلى ذلك المكان».

لقطات طويلة

من الناحية البصرية، يقودنا أندرسون إلى ذلك المكان المدهش (بغض النظر عن طبيعة ذلك المكان) من خلال لغة الفيلم التي تركز على اللقطات الطويلة والمفصلة، لكن السلسة، والتي تشمل عدداً غير مألوف (بالنسبة إلى القرن الواحد والعشرين) من الكاميرات وحركات مدروسة للممثلين.

يقول أندرسون: «أنا أطبّق ما يخطر على بالي وأحب ذلك. أنا أشاهد الأفلام على قناة «تيرنر كلاسيك» (Turner Classic) في مطبخي في جميع الأوقات… على مدار الساعة! لقد ربيتُ وأنا أشاهد هذا النوع من الأعمال. بعض أساليب الإخراج محفورة في داخلي. يصعب استيعاب بعض المشاهد مثل فترة الغروب في خليج سان فرانسيسكو، ولكنها تبقى مُرضِية وجميلة. لكن إذا لم يشاهدها الناس، قد تتحول المشاهد إلى مجرد لقطات مدروسة تفتقر إلى العفوية».

ثم يتابع قائلاً: «قد أكون كاتباً جيداً جداً أحياناً، لكني أميل إلى السرقة. إن كتابة السيناريو هي شكل من أشكال الكتابة المزيفة».

بحسب رأيه، يمكن التوصل إلى نتائج مُرْضِية في عالم الأفلام من خلال البحث ثم التوقف عن البحث والابتكار في الوقت المناسب: «أنا أتابع الكتابة طالما يكون البحث مثيراً للاهتمام وطالما يكون المال متوافراً».

في الشهر الماضي في شيكاغو، عرض أندرسون في مسرح «موزيك بوكس» مقتطفاً عن فيلمThe Master بتقنية تصوير 70 ملم. ركزت المقالات في صحيفتي «تايم أوت شيكاغو» (Time Out Chicago) و»شيكاغو تريبون» (Chicago Tribune ) على اللغز وراء فيلم The Master وعلى تراجع عدد النسخ المتوافرة بتلك التقنية.

منذ عرض شيكاغو ومنذ نجاح الفيلم في البندقية، «انقلب الوضع لصالحنا» بحسب قول أندرسون: «بما أن جميع الموزعين الدوليين يأتون إلى البندقية لمشاهدة العرض بتقنية 70 ملم، فهم يفهمون رؤية العمل. ثمة شاب يهتم بتسويق الفيلم في روسيا، وقد جن جنونه بما رآه وكان يخبرني كل شي عن الاستعدادات لعرضه هناك بتلك التقنية: «ماذا يمكننا أن نفعل؟ كيف يمكن أن نتأكد من عرضه بتقنية 70 ملم؟»… لا شك في أن تغطية الفيلم في شيكاغو ولّدت رغبة جامحة في تقديم العرض بالشكل نفسه ووجهت الناس في الاتجاه الصحيح».

الجريدة الكويتية في

19/10/2012

 

سحر كريستوفر والكن الطبيعي في Seven Psychopaths

كتب: أورلاندو، فلوريدا - روجر مور  

منذ بضع سنوات، لاحظ ذلك الكنز المدعو كريستوفر والكن حدوث أمور معينة معه… ولم تعجبه! كانت جميع العروض الكوميدية الفردية تشمل فقرة لتقليد كريستوفر والكن، أصبح ظهوره في برنامج Saturday Night Live أشبه بأمر أسطوري لا غنى عنه، كانت صورته وتلعثمه في الكلام وطريقته في لفظ الكلمات تزعج الممثل المعروف بهذه الصفات. كان ظهوره على الشاشة يترافق في كل مرة مع موجات ضحك وترقّب ممتع في آن.

سرعان ما أصبح كريستوفر والكن الاسم الحاضر دوماً في مختلف الدعابات والفقرات الكوميدية. قد يكون رمزاً محبوباً وممثلاً مشهوراً باتزانه على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، لكن سرعان ما تحولت تلك النجومية في حالته إلى «عبء». كان هذا الممثل قد نال جائزة أوسكار، لكن بدأ ذلك الإنجاز يتحول إلى مجرد ذكرى.

يقول مارتن ماكدونا، الكاتب المسرحي الإيرلندي الذي تحوّل إلى مخرج: «كريستوفر والكن هو نفسه بالنسبة إلى من يشاركونه البطولة وبالنسبة إلي: إنه ممثل عبقري في عالم السينما الأميركية. لكنه ممثل جدي. يميل بعض الناس إلى نسيان هذا الأمر».

لذا كان والكن (69 عاماً) يحتاج إلى التخلي عن هذه الصفات كلها، فهو لا يستطيع على الأرجح التكلم من دون التوقف لبرهة ومن دون التفكير بما يقوله، حتى لو كان يردد السيناريو أو يكرر السطور التي حفظها منذ أشهر. تصبح هذه الصفة مبالغاً فيها عند مقابلته شخصياً أو خلال المقابلات.

لكنه يستطيع السيطرة على عدد المرات التي يتكلم فيها بهذه الطريقة.

يقول والكن: «في عالم التلفزيون، يجب أن يكون الممثل حذراً لأن عدداً كبيراً من الناس يشاهدونه في أداء معين لدرجة أنه يتماهى مع تلك الصورة التي يقدمها وتلك النسخة التي تعكس جزءاً منه. أفترض أن الممثل الذي يقدم أداء واحداً في برنامج Saturday Night Live يضمن أن يشاهده عدد أكبر من الأشخاص الذين يشاهدونه في عشرة أفلام مختلفة، ولا سيما عند المشاركة في أفلام صغيرة كتلك التي أشارك بها أنا. يكون التأثير شاملاً على التلفزيون».

وإذا سخر الممثل من صورته في برنامج Saturday Night Live أو أي برنامج آخر، قد يجعل من نفسه مادة كوميدية.

يوضح والكن: «الأمر أشبه بالمواد الهزلية. هي تظهر على التلفزيون لكن لا يمكن استعمال الدعابات نفسها مجدداً. لذا اضطررتُ إلى التوقف عن ذلك. أحياناً، من الأفضل الاحتفاظ بشيء… من الغموض».

لكن لن يكون والكن غامضاً بأي شكل خلال هذا الخريف. يشارك في ثلاثة أفلام ستصدر قريباً. في Late Quartet، يجسد دور زعيم مريض لجماعة رباعية شهيرة فيؤدي تقاعد هذا الرجل إلى إطلاق صراع عنيف لتحديد هوية بديله. في Stand-Up Guys، يتشارك البطولة مع الأسطورة آل باتشينو.

لكن في Seven Psychopaths، يسمح للكاتب والمخرج ماكدونا بتغيير تلك الصورة الأخيرة بشكل جذري عبر استعمال سحر والكن الطبيعي وطريقته المضحكة في الكلام ضمن فيلم يعكس أسلوب كريس والكن الغريب الذي اشتهر به في أفلامه الغابرة. تتمحور القصة حول كاتب سيناريو (كولن فاريل) يكتب نصاً عن «سبعة مرضى نفسيين» وحول طريقة اختراعه أو مقابلته للشخصيات التي تتماشى مع تلك المواصفات.

يقول ماكدونا (من أعماله In Bruges): «والكن ممثل عظيم فعلاً لدرجة أن الجانب الكوميدي لا يمكن أن يكون مضحكاً أكثر مما هو عليه حين يؤدي دوراً كوميدياً. لكن يمكنه أن يكون شريراً ومخيفاً بشكل عبقري أيضاً».

عملياً، ثمة جانب مضطرب في شخصية هانز التي يؤديها في الفيلم. لكن يُعتبر هانز أيضاً محور الفيلم الأخلاقي، فهو يريد أن يثبت لشخصية كولن فاريل طريقة التوصل إلى السلام والهدوء. يوضح هانز منافع عدم حمل الأسلحة وضرورة عدم محاربة العنف بالعنف.

لكن قد يكون المريض النفسي الحقيقي (مثل دور والكن في الفيلم) شخصية مُتعِبة فعلاً.

يوضح والكن: «يصعب التغلب على المتعة التي تبثّها شخصيات المرضى النفسيين لأنهم أشخاص مختلفون وتصرفاتهم غير متوقعة. أنا لا أعرف حقيقة المرضى النفسيين. إذا قابلتُ أحدهم يوماً، أراهن… لا أدري… لكني أراهن أني سأغادر الغرفة سريعاً. لكن حين أؤدي دور مريض نفسي، لا يمكن أن أقنع نفسي بأنني مريض. بل يجب أن أعيش الدور وأن أدع الآخرين يدركون أنني مريض نفسي».

ثم يفكر بأمر آخر ويقول: «قرأ لي أحدهم مواصفات المريض النفسي في القاموس واقتصر التعريف على العجز عن التعاطف مع الآخرين أو التواصل مع البشر. من يدري معنى ذلك».

لم يطرح هذا الأمر أي مشكلة بالنسبة إلى والكن الذي يتمتع على ما يبدو بقدرة فطرية على التواصل مع المشاهدين في مختلف الأدوار (بطل، شرير محبوب، رجل عامل، عابر سبيل غامض). يعمل كثيراً، لكنه يعترف بأنه يشعر بنقص معين حين لا يعرف طبيعة دوره المقبل. وقد أحب أسلوب ماكدونا في الكتابة في مسرحية A Behanding in Spokane في نيويورك منذ سنتين تقريباً. شارك في بطولة تلك المسرحية شريك والكن في فيلم Seven Psychopaths سام روكويل.

يحب والكن الخطابات التي يلقيها. يكفي أن نفكر بأدائه في فيلم True Romance. وقد وصل إلى فيلم Psychopaths ليحظى بفرصة العمل مع روكويل مجدداً ومع وودي هارلسون وفاريل للمرة الأولى. كذلك تأثر بكتابات ماكدونا: «يكتب حوارات طويلة وغنية. في العادة، لا تقدم سيناريوهات الأفلام أموراً مثيرة للاهتمام. إنه أحد الكتّاب النادرين الذين يكتبون لأجل الممثلين».

يقول ماكدونا إن كتّاب السيناريو من جميع الفئات يجب أن يحبوا كتابة الأدوار التي يجسدها والكن الشهير بتكرار السيناريو وتسجيل سطوره مراراً وتكراراً وتغيير نبرة صوته وإيقاعه ونغمة كلماته إلى أن يتلفّظ بكل سطر بالشكل المناسب.

يوضح ماكدونا: «لا شك في أن أي كاتب سيناريو سيعود إلى منزله في نهاية اليوم ويغلق بابه ويتذكر كل سطر تفوّه به والكن في ذلك اليوم فيقول في نفسه: لا أصدق أنني جعلتُ كريستوفر والكن يردّد نصّي!».

الجريدة الكويتية في

19/10/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)