حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ثلاثة لقاءات لا تفوَّت في بيروت: أوسكار، بونمي وكريس!

هوفيك حبشيان

 

مع حلول الخميس المقبل (18 تشرين الأول)، تعود الى مجمع "متروبوليس" السينمائي دورة جديدة من "اسبوع آرتي". هذا الموعد الذي يتجدد منذ عام 2009، مصحوباً بإقبال جماهيري، حضّ المعهد الفرنسي في لبنان على مدّه بالمزيد من التشجيع والدعم.

التظاهرة تأتينا بأحدث الانتاجات المحسوبة، فنياً وفكرياً واسلوباً، على ما يُعرف بسينما المؤلف، وهي السينما التي تحملها فضائية "آرتي" الفرنكو ألمانية على راحاتها. مؤسسة "أونيفرانس"، المكلفة ترويج السينما الفرنسية في العالم، تقول ان "آرتي" كانت خلف 500 فيلم سينمائي مذ تأسست الوحدة المخصصة للفنّ السابع داخل المحطة. نتيجة هذا الكمّ، تعاونت المحطة مع 200 منتج، و400 مخرج، يأتون من 50 بلداً. في فرنسا، هناك كوتا تعمل وفقها المحطات، تفرض عليها استثمار 3.2 في المئة من موازنتها في الانتاج السينمائي. بالرغم من أن "آرتي"، ولكونها أوروبية الجنسية، معفاة من هذا القرار، تراها تستثمر 3.5 من موازنتها في انتاج الأفلام أو المشاركة في انتاجها. "آرتي" توفر سنوياً نحو تسعة ملايين أورو للمشاركة في انتاج نحو 20 فيلماً روائياً وثلاثة أعمال وثائقية، علماً انها تتلقى سنوياً ما لا يقل عن 400 سيناريو من انحاء العالم. السياسة التمويلية للمحطة تأخذ في الاعتبار قضايا كثيرة، منها اعطاء الكلمة للمواهب الفتية أو تلك الآتية من "بلدان الجنوب". بيد ان خطها التحريري، خضع على مرّ الزمن، لتعديلات كثيرة، وصولاً الى تبدّل محاور الاهتمام الجغرافية ومراكز الثقل في السينما، أي كل الأماكن التي كانت المحطة تعمل على الانوجاد فيها، خلال العقود الماضية.

الخميس المقبل، الساعة الثامنة مساء، موعدنا في بيروت ضمن "اسبوع آرتي" مع واحد من اروع السينمائيين في فرنسا: ليوس كاراكس. الفيلم: "هولي موترز" (2012). الابن المخرّب للسينما الفرنسية عاد في ايار الماضي الى خلف الكاميرا بعد 13 عاماً من الاعتكاف المقصود (اذا استثنينا الفصل الذي انجزه في الفيلم الجماعي "طوكيو"). "هولي موترز" ثورة بصرية، فكرية وفنية عُرض في الدورة الأخيرة من مهرجان كانّ. اللجنة التحكيمية بقيادة ناني موريتي فضّلت عليه "حبّ" لميشاييل هانيكه. هناك قبالة العدسة، دوني لافان الذي يضطلع بدور أوسكار، قافزاً من شخصية الى أخرى، متقمصاً في خاتمة الجولة (تمسكوا جيداً) تسع شخصيات يتقمصها السيد أوسكار هذا. لافان يمضي وقته يلبس قميص هذا وينزع بنطلون ذاك. ليموزين بيضاء تقوده من مكان في العاصمة الى آخر بهدف الذهاب الى ما يسمّيه مواعيد. يسأل السائقة سيلين: "ألن نذهب الى الغابة هذا الاسبوع؟". "لا، سيدي، ليس هذا الاسبوع". يمضيان في طريقهما الى عتمة الليل. انهما على عجلة دائماً. ثم يفتح أوسكار باب السيارة البيضاء ويترجل: ها قد صار مستعداً لخطف عارضة (ايفا منديس) اسمها ككل أم (اختصار لكايت موس) من مقبرة الأب لاشيز، أو ليرقص رقصة مع فتاة افتراضية أمام شاشة خضراء. إياكم أن تسألوا عن الرابط بين الحوادث.

فيلم آخر لا يقل أهمية عن "هولي موترز" سيصنع بهجة السينيفيليين، اذ من الصعب ان تُتاح لهم مشاهدة اعمال كهذه الا في مناسبات نادرة. هذا الشريط هو "العم بونمي ذاك الذي يتذكر حيواته الماضية" (الأحد 21)، "سعفة" كانّ لعام 2010، من اخراج هذا الذي كان كثيرون يعجزون عن لفظ اسمه: ابيشاتبونغ فيراسيتاخول (1970). مساهمة هذا التايلاندي كبيرة في ما يُعرف بالفن المعاصر، وهو أحد الذين ناضلوا ضد الرقابة التايلاندية والقمع الذي كانت تمارسه. انه صاحب كنز من كنوز السينما التايلاندية ("مرض استوائي"، عام 2004)، خلاّق يأتي من عوالم التجهيز والاختبار. سينماه صعبة جداً بالمعنى التجاري للكلمة، اذ تعبق بالصمت وبلحظات شاردة تأخذ المشاهد الى التأمل في معاني الوجود. فلسفية هي مقاربة فيراسيتاخول للسينما أكثر من كونها مشهدية. تتضمن قدراً كبيراً من الغرابة والمفاجأة، نتيجة تربيته السينمائية والفنية، مع اصرار دائم على محو الحوادث وتخريب السيرورة الدرامية.

في سياق تغطيتنا لكانّ عام 2010، كنتُ قد كتبتُ الآتي عن "العم بونمي": نظام فيراستاخول السينمائي يتيح تواطؤ الأنواع بعضها مع البعض الآخر، ليخلص الفيلم الى نتيجة مبهرة على صعيد الشكل. سينما هذا الملقّب بـ"جو"، مقلّة كلاماً ("العم بونمي" أكثر حواريةً من أفلامه السابقة)، وذات ايقاع بطيء جداً يحوّل ما نراه لحظة معيشة. رجل يستحم، عائلة مجتمعة الى مائدة، ثور يحاول الهرب، كلها "حوادث" يجد فيراسيتاخول مبرراً لتصويرها. شخصياته، غالباً انطوائية، ليست في الضرورة مثيرة للاهتمام، لكن المطلوب من المشاهد أن يستمع اليها حتى وإن بدت بعيدة منه.

لن يُعقد المهرجان الا بتحية يوم السبت المقبل (20) الى الراحل كريس ماركر (1921)، الذي ترك اشياءه ورحل في التاسع والعشرين من تموز الماضي. يُعرَض لماركر وثائقي صنعه عام 2004 في عنوان Les chats perchés. مهندس الصورة هذا تصدى الى أشياء كثيرة في حياته، مبعثرة ومجتمعة: السوفيات، تشيلي، العمال، كوبا، أيار 68. هذا كله جعل منه واحداً من الذين يشهدون على تقلبات العصر الحديث. عمل بسرية كبيرة وبإلمام فظيع، بعيداً من الأنظار، وكان فضولياً من الصنف النادر، يعتمد مجسّماً لقطّ كعلامة له، دائماً يبحث عن العلاقات الخفية التي تربط الأشياء بعضها بالبعض الآخر. فيلمه La Jetté الذي انجزه عام 1962 ظل بمثابة صدمة جمالية وسياسية.

هذه ثلاثة افلام من بين ثمانية ستُعرَض في هذا الموعد. للتعرف إلى بقية البرنامج، ندعوكم إلى زيارة الموقع الآتي: www.metropoliscinema.net

* "اسبوع آرتي"، من 18 الى 25 تشرين الأول، الساعة 20:00، في مجمع "متروبوليس".

hauvick.habechian@annahar.com.lb

مشروع بين الجامعة الأنطونية و"النهار"

جورج الهاشم ينفض الغبار عن صالة "مونتين"

نوادي السينما في لبنان: حكاية طويلة عاشتها عن كثب الأجيال التي سبقتنا الى حبّ الشاشة وجاءت من السينيفيلية النهمة. للتعريف بتلك الحقبة، أميل الى استعمال مطلع أغنية "لا بوهيم": "اني أكلمكم عن زمن لا يمكن ان يعرفه من هم دون العشرين".

من ستينات بيروت إلى ثمانيناتها، كان للمشاهدة الجماعية مذاقٌ آخر. غو بلتان، آلان بليسون، موريس عقل، الوجوه المألوفة لتلك الحقبة الزمنية. ثم جاء الفيديو وفرض طقوساً جديدة، فالحرب فرقت الناس بعضهم عن البعض الآخر، لكن مع ذلك، لم تقفل بعض نوادي السينما ابوابها، لا بل كان يقصدها كثيرون تحت الرصاص والقنص. بالنسبة إلى الجيل الذي كان مراهقا في بداية التسعينات، شكلّ النادي في المركز الثقافي الفرنسي، صالة "مونتين" طريق الشام، البوابة الأساسية الى كلاسيكيات السينما الفرنسية. هنا، اكتشفنا ديمي، ريفيت، رومير، بيالا، رونوار. انطوان كاسابيان عرّفنا الى هذه الروائع كلها بأسلوبه المحبب وغير المدّعي. كنا على مشارف الألفية الثالثة، عندما بدأتُ ارتاد ايضاً نادي الـIESAV السينمائي. بدايةً من الركن الصغير في المركز الثقافي الفرنسي، ثم في مسرح مونو، ثم في مبنى اليسوعية الحالي. بالرغم من ان اقراص الـ"دي في دي"، كانت بدأت تشق طريقها الى الناس، فبهجة لقاء غو بلتان وتبادل بضع كلمات معه حول الفيلم، كانا، بالنسبة إليّ شخصياً، أهم من الفيلم.

في زمن التحميل المجاني على النتّ، وانتشار الاقراص المقرصنة في كعب كل بناية، اين اصبحت نوادي السينما في لبنان، البلد الرائد في هذا المجال؟ لا يزال بعضها صامدا، لكن في نطاق ضيق، والمشكلة فيها انها تعرض افلاماً حديثة العهد في نسخ "دي في دي"، يمكن لأي كان الحصول عليها. أما صالة "مونتين"، فذهبت ضحية قربها من السفارة الفرنسية. تراجع دورها الثقافي البارز ولم تعد مكاناً يحلو الذهاب اليه، بسبب اجراءات الدخول المزعجة الى حرم المركز، فتعرضت للاقفال. اليوم، يريد المخرج اللبناني جورج الهاشم ("رصاصة طايشة")، ان يحركش في الوكر النائم، لعله يسمع منه أصواتاً جديدة: صالة "مونتين" ستعرض اذاً، بدءاً من هذا المساء (الساعة السابعة)، ولاحقاً في ثاني خميس من كل شهر، فيلماً فرنسياً، سيُعّرفه الهاشم الى طلابه في الجامعة الأنطونية حيث يدير قسم السينما. لكن الدعوة مفتوحة للجميع لملاقاة الأيام الماضية مجدداً. ما الذي يدفع الهاشم الى هذه الخطوة؟ "امور عديدة، ليس آخرها كوني ربيب هذا الهوى. فمعرفتي بالأفلام وشغفي بفنّ السرد السينمائي نما بادئ ذي بدء في إطار نوادي السينما، وصالة المركز الثقافي تحديداً كانت مكاناً رائداً في هذا المجال، اعتدتُ ارتياده في صباي. فكرة إطلاق هذا النشاط في هذا المكان محفّزة في ذاتها".

يعتبر الهاشم ان مسؤوليته تجعله في تواصل مع جيل من الطلاب الشباب، الراغبين بتحصيل معرفة ما بهذا الفنّ، على أمل خوضهم لاحقاً مضمار العمل المرتبط به. لكن في المقابل تجعله على يقين من الهوة في نسيج مرجعيات هؤلاء الطلاّب الثقافية عموماً والسينمائية خصوصاً. "لسنا هنا في وارد تحديد مسببات هذه الحال، ولا نادي السينما هذا يدّعي تغييرها"، يقول الهاشم، كاشفاً انه من هنا كانت فكرة "الزج بهم"، في مواجهة سينما غير مألوفة، لم يكن ممكناً أن يقاربوها من تلقاء ذاتهم. "لاسيّما أنها سوف تندرج في إطار مكمّل لدراستهم، مادة كتابة السيناريو، معي تحديداً. خصوصية هذا النشاط تكمن في أنّه يرتكز على سينما نادراً ما تعرض تجارياً في صالاتنا، السينما الفرنسية التي تلتصق بها فكرة مسبقة سلبية عن بطء إيقاعها، أو واقعيتها الصادمة أحياناً. أضف إلى خصوصية اللقاء والحوار الذي يلي العرض والذي يتناول العمل ويحلله في بُعده السردي، بعيداً من فكرة استساغته أو لا، أو ما شابه من العموميات".

يبدأ النشاط اليوم مع "الحقّ على فولتير" (2000) لعبد اللطيف كشاش ويستمر في الشهرين المقبلين مع "أيادٍ مرفوعة" لرومان غوبيل و"منذ رحل اوتار" لجولي برتوتشيللي. ثلاثة أفلام عن أحوال المهاجرين في فرنسا. يواكب "الحقّ على فولتير"، باكورة كشاش، مسار مهاجر تونسي في باريس، وعالم المتاعب الذي ستشرع ابوابه أمامه. يجيد مخرجنا كيفية التحرك داخل الموضوع والابتعاد من كل ما يوقع الفيلم في فخّ ان يتحوّل ملفاً. فالمهاجر هنا ليس شخصاً عابساً، على مدار اليوم، بل له قلب يخفق ويهتف لأشياء الحياة ككل انسان آخر. يعتمد كشاش في نصه على تناقضات الشخصية، الراغبة في الحياة وفي عكسها في الحين نفسه، فيبلغ الهدف، وهو اعادة ترتيب مكان للمهاجر في قلب المجتمع الفعال، مراهناً على طائفة من الممثلين، في مقدمهم سامي بوعجيلة.

هـ. ح.

الضوء واللغة

طنجة...

يوم احد أخير في المغرب: اشتريتُ بعض الزيتون الأحمر اللذيذ ووضعته في حقيبتي ولففتُ وعاء الزيتون البلاستيكي بمطبوعة مغربية محافظة تعتمد على الاثارة والشعبوية لجذب القراء. اردتُ للمطبوعة ان تشكل سداً يمنع زوم الزيتون من التسرب الى ملابسي، وفيها قميص طومي هيلفيغر ابتعته بفترة التنزيلات من براغ. بهذه الحركة، انتقمتُ، ضمن نطاق سلمي وضيق، لصديق لي، ناشط ومثقف وحارس للمعبد السينيفيلي في البلد العربي الأجمل.

الحكاية مع تلك المطبوعة لم أروها يوماً، مع انه كان لي فيها يدٌ، رغماً عني. كانت المطبوعة نشرت، قبل نحو عامين، صورة لصديقي، التقطتها بنفسي، ثم نشرتها على صفحتي الخاصة في شبكة التجسس العالمية "فايسبوك". احدهم من المطبوعة دخل الصفحة وسرق منها الصورة ونشرها على الصفحة الاولى في المطبوعة الغراء. على الصورة: صديقي جالساً في ملهى ليلي يستمتع بهز الوسط الذي تقدمه له صديقة كانت برفقتنا تلك الليلة. لا شيء يخدش الذوق العام. لكن كان للمصلح الاجتماعي الذي نشر الصورة رأيٌ آخر، اذ اعتبر سهرتنا المحترمة في مرقص طنجاوي مخالفة للأخلاق الحميدة، فكتب في تعليق الصورة، بما معناه، ان جماعة السينما يفعلون أفعالهم المشينة على نفقة الشعب المغربي.

في الصباح، عندما صعد صديقي في الطائرة لرحلة عمل، وجد الناس يتصفحون المطبوعة، وصار يرى نسخاً مصغرة عنه معلّقة على ورق إعادة تدوير. دارت الأيام، وصار عبد الاله بنكيران، الأمين العام لـ"حزب العدالة والتنمية" رئيساً للوزراء في المغرب. والحملات التي كانت تشنّ ضد السينما التي "لا تشبه قيمنا الاسلامية وتقاليد مجتمعنا"، وكل هذه الكليشيهات التي تعوق الانتقال الى القرن الحادي والعشرين، ظلت تشنّ. لكن، بفضل الوصفة المغربية السحرية، ظل التعايش قائماً وجائزاً وناجحاً الى حدّ بعيد، بين المعجبين بعالم بلا هاتف ولا سيارات ولا ميكروايف، والذين يعيشون حياتهم بالاستعانة. هكذا هو المغرب، بلد قائم على مساومات معقدة، ويستشعر المرء ذلك من خلال السينما ايضاً.

رؤية الرجال يتابعون مباراة ريال مدريد – برشلونة في المقاهي متعة في ذاتها. للأسف، لا قدرة لي على الوصف. كانت الرؤوس كلها مرتفعة في اتجاه الشاشات المعلقة في سقوف المقاهي. لا اعلم حتى اليوم، مَن فاز في المباراة. لو علم غودار ان الشاشات سترتفع الى حدّ احتلال سقوف المقاهي، لما كان قال الآتي: Quand on va au cinéma, on lève la tête. Quand on regarde la télévision, on la baisse.

فكرتُ وأنا أمشي وأراقب: من هذه اللقطات الغرائبية، كان يمكن جاك تاتي أن يستقي ألف فيلم وفيلم. في ازقة طنجة الشعبية استفزّ الصخب حواسي كلها، ما عدا حاسة اللمس. انتشلتُ بعينيّ الواسعتين نتيجة الدهشة، مشهديات لا تنتظر الا مخرجاً كبيراً كي تنتقل الى الشاشة. الضوء المغربي لا مثيل له. لا اعرف ماذا كان ليقول عنه تونينو ديللي كولي أو سفين نيكفيست لو شاهدا هذا الضوء. ثم، عندما ضربتني فجأة اشعة الشمس، لاحظتُ الآتي: في كل مرة أكون في مدينة غريبة، اشعر انني موسيو مورسو، غريب كامو، والشاطئ حيث سيكون لي هذا اللقاء العظيم مع الشمس، خلف اول باب أطرقه. انها الشمس المغتالة التي أخاف منها. لم ارد ان أشاهد افلمة فيسكونتي لرواية كامو (1967)، لأنني لم ارد أن ارى كيف عالج مشهد الشاطئ. لا اشك في قدرات جوسيبي روتونو (مدير التصوير) في صوغ رؤية كامو بصرياً، لكن ثمة اشياء افضّل ان تبقى اسيرة مخيلتي. جلستُ في مقهى، فكلّمني النادل بالاسبانية، هذه اللغة التي اجدها ثقيلة على السمع. وهي لغة انتي سينمائية، لأنها تصادر جانباً مهماً من الصورة عندما ينطق بها الفيلم. اخبرني مخرج اسباني ان لويس غارثيا برلانغا عانى من قلة توزيع افلامه خارج بلاده لأنه لم يكن في الامكان وضع ترجمات لها، لأن الشخصيات كلها تتكلم في الحين نفسه، وبالاسبانية، تلك اللغة الأنتي سينمائية. استغراب النادل عدم معرفتي الاسبانية، ذكّرني بحادثة: ذات مرة، استقللتُ وصديق عراقي التاكسي ورحنا نتحدث مع السائق. وقبل ان نصل الى المكان المقصود، سألنا: هل انتما تركيان؟ حاولتُ ان امتلك اعصابي لشدة غباء هذا السؤال، ولم أنجح: يا رجل، نحنُ نتحدث معك بالعربية مذ صعدنا في السيارة. توقعتُ منه اعتذاراً ارتباكاً، شيئاً من هذا القبيل. لكنّ رده جاء متفوقاً على كل ما توقعته. قال: ايه، في المسلسلات التركية يتكلمون العربية ايضاً!

هـ. ح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حاشية

* مخرجة فلسطينية مقيمة في أميركا قالت لجريدة انه يجب عدم الاعتماد على أوروبا لإنتاج الأفلام، كاشفة انها قررت انجاز فيلمها بتمويل عربي. لكن هذه المخرجة التي عندما حازت جائزة في دبي سارعت إلى اهدائها الى منتظر الزيدي، استعانت بجهة انتاجية يونانية، واليونان بلد أوروبي، على حدّ علمنا. اما "ماتش فاكتوري"، التي اشترت حقوق عرض الفيلم لتوزيعه عالمياً، فهي ايضاً شركة ألمانية معروفة...

ماذا يجري في رأس فنان، في اللحظة التي يقرر فيها ان السينما بمنأى عن العالم؟ ينفتح الغرب اليوم أكثر فأكثر على الانتاجات المشتركة العابرة الحدود والجنسيات، لأنه فهم ان المخرج هو الذي يعطي الفيلم هوية. المهرجانات الجدية لم تعد تعير اهتماماً يذكر للبقعة الجغرافية التي يأتي منها الفيلم، ومنها مَن لا يذكر حتى بلد المنشأ. ثم، يخطئ مَن يعتقد أن أوروبا تضع دفتراً للشروط يتخطى دفتر شروط أيّ منتج عربي، في المراعاة والمسايرة. كلمة أخيرة في هذا الشأن: أوروبا هي أمّ السينما ونبعها. من أوروبا تناسلت السينما قبل اكثر من 117 عاماً. سينما المؤلف فكرة أوروبية. المخرجة وغيرها انطلقوا من مهرجان أوروبي، أشهر من أن يعرّف. المشاهد الأوروبي يهرع لمشاهدة الأفلام العربية، على عكس المشاهد العربي الذي لا يأبه لها عموماً، ما دام لا يتعلق الأمر بـ"عمر وسلمى" وشركائهما. أوروبا هي اومبير بالسان وتييري لونوفيل وباولو برانكو وفيليب أفريل وآخرون كثر.

النهار اللبنانية في

11/10/2012

 

«عائلة محترمة» للإيراني مسعود بخشي..

حيوات مريضة أنتجتها الحروب

زياد الخزاعي (لندن) 

الحروب كلّها لعنة. تبعاتها لا تعني ثنائيتها الأزلية بشأن الانتصار أو الهزيمة وحسب. كلاهما يصبّ في تدمير الإنسان ونظرته إلى الحياة والأخلاق والمصائر والإيمان بالقدر. الحروب تذهب مباشرة من ساحات الوغى إلى ضمير الأمم المتقاتلة، فتُشَيِّع الذمم الناقصة بين الناس. لذا، نشهد تزايداً لمعدّلات الجرائم والفساد والسقوط الأخلاقي، وفوق كل شيء، الرياء الاجتماعي الذي تقاربه باكورة المخرج الإيراني الشاب مسعود بخشي «عائلة محترمة» (110 د.) بقوة درامية فائقة الجودة، وضمن خطاب انتقاديّ ثقيل باتهاماته المريرة.

هذا نص عرفانيّ بحت، يمتحن السجايا البشرية بقسوة نادرة. ليس «الفهلوة» والمناورة الخبيثة ما يميّز البطل الشاب حميد (أداء باهر لمهرداد صدقيان)، بل قدرته على إقناع الآخرين بفطنته وبراءته وحُسْن سريرته. إنه كائن عفن وخطر. نتاج متغيّرات اجتماعيّة عاصفة، طالت طبقات المجتمع الإيراني المعاصر، بعد حرب دمويّة طويلة وعبثيّة مع العراق، راح ضحيتها ملايين البشر بثَمن بَخس. حميد أحد أفراد جيل جديد يعاني تنافساً محموماً لتأمين مستلزمات حياة رغيدة، ومثلها سمعة مستوى اجتماعي مطلوب، كواجهة لعزّة نفس عائلية يجب بقاؤها عالية بأي ثمن، حتى لو تطلّب أمرها ارتكاب خطايا الكذب والاحتيال والدسيسة.

بحسب دراما محبوكة كتبها المهندس الزراعي والمخرج بخشي بترو شديد ورَجَاحة سينمائية، يضع فيلم «عائلة محترمة» اشتراطات التحوّلات السوسيولوجية كانتقاد مُبَطّن لخراب النفوس وانحطاط كيانات بشرية متلهفة للسرقة. يمثّل الأستاذ الجامعي آراش (باباك حميديان في دور مميّز)، العائد من منفاه الغربي لإنهاء معاملات وراثته لثروة والده الراحل قريباً، صيداً سهلاً ومناسباً لحميد. تبدو قناعات الرجل المثقّف مرتبكة إزاء ما يختبره من بيروقراطية فاسدة، وتخلّف أكاديمي لا يحترم تفانيه في خدمة طلاّب مفعمين بالحماسة للتعلّم والتفوّق. يقول له أحدهم بلوعة، في نهاية رحلته وقراره العودة: «لماذا تتركنا خلفك. نحن في حاجة ماسّة إليك». بيد أن أكثر اكتشافاته مرارة وإحساساً بالذلّ يتمثّل في وقوفه على خداع ابن أخيه غير الشقيق، وخياناته وتلفيقاته ومحاولاته الاعتداء على حقوق الإرث والاستيلاء على ماله.

يصوغ المخرج دراميته الاجتماعية كرحلة متواصلة في شوارع طهران وبيوتاتها ودوائرها الحكومية. تتطلّب من مُشاهدها البقاء يقظاً لاقتناص التفاصيل والحوارات، ثماثلاً وأسلوبيّة أصغر فرهادي، التي تعكس التناقض الهائل في مستويات الشخصيات ومظاهرها، وصولاً إلى السخرية المبطّنة من مفهوم «الاحترام» الذي يرد في العنوان، حيث تحيط بالمعلم الجامعي حيوات مريضة، مَكسُورة القيم، اتكالية، بلا مروءة، تدفع المرء الى إزدرائها. يؤكّد المخرج بخشي، عبر هذه الصفات اللاحميدة، على أن التَّقوى الشخصية منتفية. فمجتمع ما بعد الحرب أشاع بين طبقاته حمِيَّة غير متناسبة من الفوارق، التي جعلت من الفرص وجهة حاسمة لغالبية تخشى الأسوأ في حياتها. أي أن اجتناب النواهي لم تعد مَفخَرة عامة، بل معرقلة للإرتقاء الذاتيّ الذي يطمح له حميد، الشاب الحيوي والكثير الكلام والحيل. لا يخشى هذا الوحش الإيراني المعاصر تعريته أو محاكمته، كونه يملك علاقات معقّدة، وقدرة على التخاتل واستغلال الأوامر والقوانين. حين يواجه آراش طلباً حكومياً بإثبات وثائق تجنيده وإعفائه منه، يصطدم هذا المثقف المؤمن بدولة المؤسّسة المدنيّة، باستغلال حميد عنواناً مقدساً، هو «قريب شهيد حرب»، زوراً لإتمام الأمر. فسعي هذا الأخير إلى إبعاد الكائن الساذج ينصبّ على تفريغ الساحة العائلية كي يحقّق ضربة عمره بسرقة مال الجد الراحل. إذ إنها الوسيلة الوحيدة لثراء لن يتطلّب جهداً كبيراً. يضمن، في الوقت نفسه، «احتراماً» لعائلته، لا وجل فيها من سبّة احتياله على أهله.

يُعرض الفيلم الثامنة مساء الجمعة في 19 تشرين الأول 2012، في إطار الأسبوع اللبناني الرابع لـ«آرتي» في صالة سينما «متروبوليس» (أمبير صوفيل/ الأشرفية)، المُقام بين 18 و25 من الشهر نفسه

السفير اللبنانية في

11/10/2012

 

ماذا يحدث عندما يُرسَل من المستقبل ليقتُله شخصُه القديم؟

«مُصفّي» لراين جونسن.. الحدود الفاصلة بين الخير والشرّ

نديم جرجورة 

ما الذي يحصل عندما يلتقي شاب رجلاً في منتصف الطريق بين عمريهما؟ أو بالأحرى، ما الذي يحصل عندما يكون الرجل، القادم من المستقبل، هو نفسه الشاب قبل ثلاثين عاماً؟ اللقاء مستحيل. لكن السينما لا تعرف مستحيلاً. النواة الدرامية للفيلم الجديد «مُصفِّي» (Looper) لراين جونسن منطلقة من هذا اللقاء، وذاهبة به إلى ما هو أبعد، فلسفياً ووجودياً وإنسانياً.

جمالية الفيلم كامنةٌ في اللقاء المستحيل. في سؤال القدر، والقدرة على تبديله. في لعبة الزمن. في السفر عبر الأزمنة. في رؤية المقبل من الأيام، والسعي إلى تغيير المسار. هذا كلّه مرتبط بالنصّ السينمائي، وبفضاءاته الثقافية المفتوحة على أسئلة الوجود والعلاقة والمصير. الفيلم، بحدّ ذاته، مشغولٌ بحرفية بصرية تُحيل الأسئلة إلى لغة محصّنة بحوارات وعلاقات وتفاصيل وانفعالات، بالإضافة إلى تمثيل مُتقن، وصدامات لا تنتهي.

تصفيات

يعمل جو (جوزف غوردن ـ ليفيت) في مهنة «عادية»: قتل أناس مُرسلين من المستقبل، وإخفاء جثثهم نهائياً. أناس عاشوا حياة إجرامية، وباتت تصفيتهم «واجبة». لهذا، يُسمّى جو بالـ«مُصفّي». إنه واحد من مجموعة «مُصفّين» يترأسها جاك «آيب» ميتشل (جف دانيالز)، المُرسل سابقاً من المستقبل لترتيب بعض الأمور العادية، فإذا به يُصبح سيّد المدينة. إنه العام 2042. المُرسلون للتصفــية قادمون من العام 2072. أما من يُخفق في تنــفيذ مهمّاته، فيُغيَّب. اللعبة الإجرامية هي نفسها: لا يُمكن للقاتل أن يرفض مهمّة، أو أن يفشل في تنفيذها. الاختبار هذا أدركه جو: صديقه سيث (بول دانو) فشل في تنفيذ آخر مهمّة له، لأنه، ببساطة تامّة، طُلب منه قتل سيـث. أي هو نفسه.

إنه المأزق ذاته الذي وقع فيه جو لاحقاً. المأزق مجرّد بداية. سلسلة المآزق تنفتح على ما هو أعمق من مجرّد قتل وتصفية وتغييب. اللقاء بين جو الشاب وجو المُسِنّ (بروس ويليس) انطلاقة دموية لرحلة تتجاوز المألوف في لعبة عبور الأزمنة، والتـحايل على القدر. جو المُــسِنّ «نجح» في إنقاذ نفسه من الموت. لديه خطّة. لديه رؤية عاشها. يُريد تغيير مساره. يريد حمايةً من القتل. لكن جو الشاب يقف له بالمرصاد. هناك رؤيتان متناقضــتان، اصـطدمتا في لحظة تخـبّط وجد جــو المُسِنّ وجو الشاب نفسيهما واقعَين فيه. رؤية أولى للمُسِنّ، تتمثّل بضرورة تصفــية من سيُـسبِّب له موتاً مزدوجاً (هو وامرأته الحبــيبة). رؤية ثانية للشاب، تميل إلى فرضية (غير مؤكّدة)، مفادها أن هناك إمكانية لتبديل المسار الذاتي للفرد. إمكانية تبديل القدر. أي أن من صار شريراً في المستقبل، يُمكنه أن يكون خيّراً إذا لاءمته ظروفٌ «قد» تُختَرع من أجل إبعاده عن طريق الشرّ.

صراعات

سؤال وجوديّ بامتياز. الإجابة عليه معقودة على خاتمة الفيلم. سؤال مفتوح على التباس اللحظة الآنية، وظروفها. مفتوح على مغزى العلاقة بالله والإيمان والصراع الدائم بين الخير والشرّ. مفتوح على البنية الداخلية للشرّ، وجذوره وبدايته. أو على النواة الحقيقية للخير. لكن، أين هو الحدّ الفاصل بين الخير والشرّ؟ كيف يُصنع الأول؟ كيف ينمو الثاني؟ أسئلة إضافية، حمّلها راين جونسن السيناريو الذي كتبه، قبل نقله إلى الشاشة الكبيرة فيـلماً جديراً بالمُشاهدة.

لم يكن التمثيل باهراً. إنه مُتقن الصُنعة. المؤثّرات الخاصّة عادية أيضاً. أميل إلى القول إن أهمية «مُصفّي» كامنةٌ في مسألتين اثنتين: قوّة النصّ، وبراعة الإخراج في ترجمته سينمائياً. قوّة النص ناشئة من تلك الأسئلة المعلّقة عبر الزمن أيضاً. أو العاجزة عن إيجاد أجوبة حاسمة. أم أنها غير معنية بالحصول على أجوبة؟ أهمية الأسئلة كامنةٌ في عجزها هذا. في تحريضها الناس على إعمال العقل والاجتهاد في مناقشتها. أهمية الفيلم متمثّلة بإعادة طرحه هذه الأسئلة، عبر حكاية حبّ: «أم مستعدّة للـموت لإنقاذ ابنها. رجلٌ مستعدّ للقتل لحماية زوجته. صبيّ غاضب ووحيد، سائر على طريق الشرّ». هذا ما رآه جو الشاب. هذا جوهر الحكاية. من سيكون الفائز؟

يُعرض الفيلم السابعة مساء اليوم في صالتي سينما «أبراج 2» و«أبراج 5»، في ختام الدورة الـ12 لـ«مهرجان بيروت الدولي للسينما»

السفير اللبنانية في

11/10/2012

 

«كل شيء هادئ على الجبهة الغربية»:

على الضدّ من كلّ الحروب

إبراهيم العربس

يدور المشهد على هذا النحو: يصل الجندي الألماني باول إلى خندق للأعداء، وإذ يفاجأ هناك بوجود جندي من الأعداء في الخندق، يرفع خنجره طاعناً إياه به مردياً إياه قتيلاً، ثم إذ يهدأ روعه بعد حين ويتبين له ما فعل في اندفاعه الغريزي دفاعاً عن نفسه، تبعاً لما هو معمول به عادة في مبدأ الحرب الدائم «اقتل أو تقتل»، ينظر إلى ضحيته، إلى عدوه متأملاً حزيناً ثم يعد الجثمان المسجّى أمامه بأنه ما إن يعود من الحرب سالماً حتى يبحث عن زوجته - أي زوجة الضحية القتيل - وأطفاله ليقدم لهم يد العون.

> على هذه الشاكلة قد يبدو المشهد سوريالياً، لكن الكاتب الألماني إريك ماريا ريماركه، يؤكد أنه مشهد حقيقي، وأنه لو لم يكن كذلك لما وضعه في قلب روايته الشهيرة «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية». وهذه الرواية التي صدرت في طبعتها الأولى - وفي أصلها الألماني - في عام 1928 أي بعد عشرة أعوام من انتهاء الحرب العالمية الأولى التي تروي بعض فصولها، تعتبر واحدة من أولى الروايات الأوروبية التي انتفضت ضد الحرب في القرن العشرين. ضد كل حرب وأي حرب، وذلك من خلال وصفها للمجازر القبيحة التي اندلعت خلال الحرب العالمية الأولى. وعلى رغم أن في الإمكان التوقف عند نقاط ضعف عدة في هذه الرواية والاستنكاف عن اعتبارها تحفة فنية - وتحديداً بسبب تبسيطيتها وسذاجة بعض مواقفها - نعرف أن القراء أقبلوا بقوة على قراءتها، إذ ترجمت حتى الآن إلى أكثر من أربعين لغة، بينها العربية التي ترجمت إليها في مصر. كما نعرف أن السينما سارعت بتحويلها إلى فيلم سينمائي منذ العام التالي لظهورها. وتحديداً السينما الأميركية حيث حقق لويس مايلستون عن الرواية وبالعنوان نفسه، ذلك الفيلم الذي إذ منعته ألمانيا ما قبل نازية، ثم بخاصة ألمانيا النازية، لقي في شتى أنحاء العالم إقبالاً شديداً.

> للوهلة الأولى، ولأن الرواية ألمانية وكاتبها ألماني، اعتبرت «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» رواية مناهضة للنزعة العسكرية الألمانية، خصوصاً أنها كتبت في وقت كان الذل والهزيمة اللذان تليا استسلام ألمانيا خلال تلك الحرب، قد تحولا إلى نزعة عسكرية ألمانية خطيرة وشديدة الشعبية في الوقت نفسه، وهذا ما يحدث عادة مع الشعوب التي تهزم ويتلو هزيمتها جرح عميق لكرامتها فتتحوّل إلى شعوب ضارية حاقدة تنتظر اللحظة المناسبة لسلوك دروب عنف تثأر بها لا لكرامتها بمقدار ما - أو اكثر مما - تثأر من أعدائها. غير أن ملايين القراء الذين قرأوا هذا العمل العاطفي والمؤثر، قرأوه بصفته صرخة ضد كل الحروب انطلاقاً من أن ما من قضية في العالم ومهما كانت عدالتها، تستحق أن يموت الأبرياء من أجلها، وأن ليس ثمة في التاريخ حروب لا يموت فيها الأبرياء بمن فيهم طبعاً أولئك الشيان الذين يجنّدون طوعاً أو قسراً فتضيع أعمارهم وهم في زهرة شبابهم على مذابح حروب لا يمكنها في النهاية إلا أن تكون ميداناً للتصارع بين مصالح الكبار. ناهيك بأن ليس ثمة حروب عادلة وأخرى غير عادلة. في هذا الإطار من المؤكد أن رواية ريماركه هذه إنما أتت في ذلك الحين، تعبيراً عن النزعة السلمية في أعمق أعماقها، وسيتجلى هذا التعبير خصوصاً من خلال الأسئلة التي لا يفتأ أشخاص الرواية، من المجندين الشبان، يطرحونها على أنفسهم: ما هي الحرب؟ من الذي يشعلها؟ من الذي يستفيد منها؟

> ومن الواضح أن هذه الأسئلة الكونية لا يمكن أن تكون وقفاً على شبان العسكرية الألمانية، حتى وإن كان باول، بطل الرواية الشاب ألمانياً سيق إلى الحرب، وأمضى فيها سنتين شعر بعدهما بأن إنسانيته كلها انتزعت منه. ذلك أن الحرب علمته، أول ما علمته، كيف يكره، وكيف يقتل وكيف يتوجب عليه، لكي يحافظ على حياته، أن يجابه بالقتل أناساً لم يسبق له أن عرفهم أبداً، ولم يسبق لأيّ منهم أن أساء إليه. ولكن، ما الذي أتى بباول ورفاقه إلى الجبهة على هذا النحو؟ غالباً التجنيد الإجباري، وهذا أمر يكاد يكون عادياً ضمن منطق الدول والنزعات القومية المتصارعة. ولكن، هنا، بالنسبة إلى مجموعة الرفاق الذين يطالعوننا في هذه الرواية، من المرجح أن ما جرّهم إلى الحرب، ما عدا التجنيد الإجباري، كان الشعور الغامض بنوع من العصبية التي زاد من حدتها كما من حدة الكراهية للآخر التي ولّدها، تحريض أساتذتهم ورؤسائهم، ثم - لسذاجتهم - ما رأوه حين بدأ القتال من أن انضمامهم إليه قد يكون فيه راحة لهم من عبء الدروس في الكلية. ومثل هذه البداية، التي تبدو هنا على مثل هذه البراءة، كان من شأنها أن قادتهم حتماً إلى المسلخ، إلى أتون حرب لم يرَ أي منهم، فيها فائدة له أو لمجتمعه أو للإنسانية. هكذا، ولئن كانت الحرب قد حصلت لكي تخلق منهم وحوشاً، فإنها بالتالي أضفت عليهم من ناحية أخرى وجهاً إنسانياً مفكراً، وجعلتهم - من طريق التجربة، لا من طريق التأمّل النظري - ساعين إلى السلام محرضين الآخرين على سلوك سبيل النزعة السلمية مثلهم... ولعل الأهم من كل هذا هو أن باول ورفاقه إنما خرجوا من الحرب من دون أن يخامرهم أدنى شعور بالكراهية تجاه الشبان الآخرين على الجبهة المقابلة.

> والحال أن هذا، في حد ذاته كان كافياً، لكي يلعن الكتاب ويحارب وصاحبه، من قبل النازيين، من الذين حتى وإن كانوا لم يصلوا إلى السلطة بعد في ذلك الحين، كان خبزهم اليومي، مثل كل دعاة الحروب في كل مكان وفي كل زمان، تحريض شعوبهم عبر إثارة كراهيتها للآخر، بغية دفعها إلى حمل السلاح. كان نصّ «كل شيء هادئ على الجهة الغربية» إذاً، نقيضاً لذلك كله. ولقد ساهم في فعاليته انتشار الكتاب السريع والضجة التي أثارها. من هنا، ما إن وصل النازيون إلى السلطة في عام 1933، حتى منع الكتاب وأحرقت نسخه في احتفالات نازية صاخبة عامة، ما فاقم من شهرته وأهميته في الخارج، ولا سيما لدى شعوب لم ترَ فيه إلا بياناً ضد «العسكرية» الألمانية متجاهلة بعده الكوني.

> وهذا المصير الذي كان للكتاب، ولا سيما تبنّي الأميركيين - من طريق هوليوود بالتحديد - إياه سينمائياً، كان لا بد له في نهاية الأمر من أن ينعكس على مؤلفه، وهكذا نفى ريماركه نفسه إلى سويسرا أولاً، ثم إلى الولايات المتحدة، حيث واصل كتابة روايات مشابهة، معظمها يتعامل مع مسألة الحرب، وبعضها يندد مباشرة بالنازية. وهو حصل على الجنسية الأميركية لاحقاً، لكنه، على رغم كل الزخم الإعلامي الذي واكب إقامته في الولايات المتحدة، لم يتمكن من أن ينتج أي عمل يضاهي في مكانته وشهرته روايته تلك، بحيث إن كثراً اعتبروه من صنف مؤلفي العمل الواحد ولم يكن هذا صحيحاً بالطبع، بل إن ريماركه كتب بعد ثلاث سنوات من «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» رواية أخرى عنوانها «طريق العودة» قرئت في زخم الأولى لكنها لم تنل مكانتها، كما كتب رواية أخرى اعتبرت استكمالاً للرواية التي نحن في صددها عنوانها «بعد عشرين عاماً».

> وإريك ماريا ريماركه الذي ولد عام 1898 في ألمانيا، عاش على أية حال حتى عام 1970، حيث أنهى حياته في سويسرا، حيث كان يعيش مع زوجته النجمة الهوليوودية السابقة بولين غودارد (بطلة فيلم «الأزمنة الحديثة» لتشارلي تشابلن). وهو خاض غمار الأدب الشعبي منذ بداياته، وظل يكتب حتى فترة متأخرة من حياته. ومن أبرز رواياته، إلى ما ذكرنا «شرارة الحياة» حول معسكرات الاعتقال، و «زمن العيش زمن الموت» حول الحقبة الديكتاتورية الهتلرية، و «المنفيون» حول المعارضين الأوروبيين الذين ثاروا في كل مكان وكان مصيرهم الهرب أو النفي...

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

11/10/2012

 

"18 يومًا".. و"بعد الموقعة"..

وعشرات الأفلام الوثائقية.. حتى السينما هزمتها "موقعة الجمل"

سيد محمود سلام  

حتى السينما لم ترحمها موقعة الجمل، السينما التى أصبحت هى المستند الأكثر صدقا بأن هناك من ظلمتهم "موقعة الجمل"، فقد سجلتها كاميرات كبار المخرجين شريف عرفة ومروان حامد ويسرى نصرالله وعشرات المخرجين الروائيين والتسجيليين وهواة التصوير، سجلت كاميراتهم ما حدث، سواء فى الواقع أو من خلال شهادات موثقة لمن عاشوا لحظات اقتحام قلب ميدان التحرير بالجمال والخيول.

أكثر من مائة فيلم روائى وتسجيلى، منها ما عرض فى مهرجانات عالمية وعربية كفيلمى "18 يوم"، الذى شارك فى إخراجه 10 مخرجين، ورصد الثورة المصرية، وركزت معظم أفلامه العشرة على موقعة الجمل، و"بعد الموقعة" الفيلم الذى ما زال فى دور العرض ، وكتب خصيصا لهذه الموقعة وركز على تفاصيل ما حدث منذ بداية تحرك من شاركوا فيها من نزلة السمان وحتى الهجوم الكاسح على الثوار فى ميدان التحرير، وشارك فى بطولته منة شلبى وباسم السمرة، وأخرجه المبدع يسرى نصرالله، الذى كان قد شارك فى الأفلام العشرة عن موقعة الجمل، التى عرضت تحت عنوان "18 يوم".

نصر الله قال: إنه لم يكتفى بالرؤية الخاصة به فى تسجيل موقعة الجمل، بل استعان بما رصد يوم الحادثة الشهيرة من خلال اليوتيوب وما عثر عليه مع الشباب.

وهناك عشرات الأفلام القصيرة، التى تم رفعها على مواقع التواصل الاجتماعى واليوتيوب، فإذا ما كتبت فى باحث اليوتيوب كلمة موقعة الجمل ستظهر لك عشرات من الأفلام واللقطات التسجيلية، التى رصدتها عن قرب، ومنها ما رصده أجانب، ومنها أفلام أنتجتها قنوات عربية مثل قناة الجزيرة، التى قدمت أكثر من عشرة أعمال عن الثورة منها أفلام خاصة عن موقعة الجمل.

فيلم "18 يوم" الذى عرض فى مهرجان كان السينمائى الماضى أثار إعجاب الجميع لما تضمنه من مشاهد وحكايات كانت موقعة الجمل أكثرها إثارة، ولم يكن تقديم فيلم واحد برؤى 10 من ألمع المخرجين مجرد حالة، بل تحديا لما حدث وثورة من داخلهم، وهم المخرج يسري نصر الله، والمخرج شريف البنداري، والمخرجة كاملة أبو ذكري، والمخرجة مريم أبو عوف، والمخرج مروان حامد، والمخرج شريف عرفة، والمخرج محمد علي، والمخرج خالد مرعي، والمخرج أحمد علاء، والمخرج أحمد عبد الله، وبمشاركة عدد من الفنانين الشباب والأسماء اللامعة، يسرا ومني ذكي وأحمد حلمي وعمرو واكد وأسر ياسين وهند صبري وباسم سمرة وإياد نصار وأحمد فؤاد سليم والكثير من الوجوه الشابة، التي أصبحت نجوم في عالم السينما المستقلة والفيلم القصير، كل هؤلاء يشعرون الآن بأنهم يعيشون لحظات انكسار، لكن موقعة الجمل التى سجلوها بكاميراتهم لم تنصفهم، بل خرج كل من اتهم بتدبيرها براءة، وانهزمت السينما لينتصر "الجمل".

بوابة الأهرام في

11/10/2012

 

«تراللى» يكشف التغيرات التى حدثت فى المجتمع المصرى

كتب سعيد خالد 

كشف المخرج حسنى صالح عن أنه سيبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة تصوير فيلم «تراللى» الذى يخوض به تجربة العمل السينمائى للمرة الأولى، مشيراً إلى أن الفيلم تأليف حسام موسى وبطولة رانيا يوسف وحسن الرداد ولطفى لبيب وعلاء مرسى.

وقال «صالح» إن بداية التصوير ستكون داخل أحد القصور على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى مؤكداً أن الفيلم يتناول الاختلاف الذى طرأ على العادات والتقاليد فى مصر خلال السنوات الأخيرة.

وأضاف: الفيلم اجتماعى سياسى، لكنه لا يتعرض للثورة، لأننى ضد استغلال أى حدث عظيم فى نجاح مؤقت لا قيمة له، خاصة أن الثورة لم تنته حتى الآن، والأحداث تدور حول أسرة اضطرتها الظروف للهجرة إلى أمريكا، وعاشت بها فترة طويلة وعند عودتها تتعرض لصدمة قوية بسبب اختلاف الثقافة المصرية عن الثقافة الأمريكية. وعن مشروع فيلم «لبن العصفور» قال: تم التعاقد مع كل من خالد صالح ومى عزالدين وحسن الرداد للمشاركة فى البطولة، ومن المنتظر خروجه للنور فى موسم الصيف.

وأضاف: الفيلم تأليف ناصر عبدالرحمن، ويحتاج لميزانية ضخمة، وبدأت التحضير له منذ فترة طويلة وجار تجهيز ديكوراته، ويدور حول قصة حب بين مدرس وفتاة وافدة إلى القاهرة، وتحدث بينهما مفارقات عديدة تنتهى بالفراق، كما يتضمن الفيلم إسقاطات على الواقع الاجتماعى. وحول اتجاهه للسينما قال: بدايتى كانت فى السينما، حينما صورت أسبوعاً من فيلم بعنوان «الإسكندرانى» تأليف الكاتب الرحل أسامة أنور عكاشة وبطولة نور الشريف وسمية الخشاب لكن نتيجة الظروف الإنتاجية الصعبة توقف التصوير،، وبعد ذلك طلب منى الفنان نور الشريف إخراج فيلم بعنوان «قلب الفيل» من إنتاجه وتأليف أسامة أنور عكاشة أيضاً، وبعد معاينة أماكن التصوير قررت الانسحاب لأننى كنت مشغولاً وقتها بالعمل كمنتج فنى لمسلسل «حدائق الشيطان».

المصري اليوم في

11/10/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)