حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"المراسل الحربي":

تساؤلات معذبة في زمن الحرب

أمير العمري

 

يثير الفيلم التسجيلي الكرواتي البديع "المراسل الحربي" (60 دقيقة) الكثير من التساؤلات ويعيد إلى الأذهان بوضوح، الكثير من الأفكار النظرية حول طبيعة الفيلم التسجيلي وشكله وحدوده ومدارسه وتطور نظرياته.

الفيلم الذي أخرجه سيلفستر كولباس وعرض في مسابقة مهرجان الاسماعيلية الخامس عشر، يثبت لنا أولا أن الفيلم التسجيلي لا يكون دائما عملا "موضوعيا"، يعبر عن رؤية "محايدة" أو يتظاهر بالحيادية، ويأتي التعليق الصوتي فيه وكأنه صوت القدر، أي لا علاقة مباشرة له بالمادة الموضوعية. وهو يؤكد لنا أيضا أنه ليس من الضروري أن يكون "التسجيلي" مرادفا للتوازن المفتعل الذي يأخذ في الاعتبار كل الأطراف، وهو أسلوب يطغى على التحقيق التليفزيوني الذي نشاهده كثيرا في الوقت الحالي، وهذه النقطة تحديدا هي التي تقودنا إلى رصد البعد الثالث المهم في هذا الفيلم، وهي أنه يعد نموذجا بديعا للفيلم التسجيلي الحديث الذي يتخلص تماما من طابع "الريبورتاج" التليفزيوني، رغم أن مادته الرئيسية أو موضوعه وخلفية مخرجه، هي خلفية ذات علاقة بالمادة الإخبارية ومتابعة الأحداث الجارية وتصوير الأخبار.

البعد الذاتي

كولباس في فيلمه هذا يروي قصته الشخصية مع الحرب في يوغسلافيا السابقة، وتحديدا النواع المسلح بين صربيا وكرواتيا، وهو يعود الى المادة البصرية التي صورها بنفسه هناك عام 1991، كيف وجد نفسه محاصرا في بلدة يعيش فيها جماعات من الصرب والكروات، وكيف كان يتعين عليه أن يدفع الثمن.

إنه يتوقف أمام عمل المراسل الحربي من خلال التجارب التي يعايشها من حوله، مع زملائه المصورين والمراسلين الذين يرغبون في النفاذ من الحصار لكنهم مضطررون للبقاء بعد أن انقطعت بهم السبل، يستغلون الفرصة لنقل مشاعرهم وتسجيلها أمام الكاميرا.

كيف كان تأثير الحرب على البشر في تلك البقعة التي تتداخل فيها القوميات إلى حد مذهل وأحيانا مزعج وملتبس بالنسبة للكثيرين؟

إنه يستخدم المادة التي تتعلق بأسرته (زوجته وابنه وأبويه وأقاربه) وبه هو نفسه، بمسار حياته وحياة أسرته في تلك الفترة العصيبة من تاريخ بلاده، لكي يعرض لنا نموذجا على ما كان يتعين على الناس العاديين أن يدفعوه من ثمن باهظ لهذا النزاع المسلح.

ولعل البطل الرئيسي في هذا الفيلم هو الكاميرا، فالرجل.. المخرج.. الراوي.. هو أساسا مراسل حربي تليفزيوني، ترك أسرته وذهب الى تلك المنطقة لنقل أحداث النزاع.

الراوية- المخرج- المصور- الأب- البطل- اللابطل- الضحية، هو الذي نسمع صوته على مدار الفيلم، يأتينا من خارج الصورة، ولكن على عكس "صوت القدر" الموضوعي، ينطلق من الذاتي، إلى العمومي، ومن الخاص إلى العام، ويعود ويرتد إلى الإنساني والذاتي طيلة الوقت.

يبدأ الفيلم من البعد الذاتي للقصة، قصة كولباس نفسه، أولا من حيث علاقته بالصورة التي هي أساس الفيلم ومن دونها ليس لدينا فيلم بل وربما لا وجود لكولباس نفسه!

في البداية لقطات للقصف على زغرب.. دخات كثيف يرتفع من اعلى احدى البنايات ويطير آلاف الحمام هاربا من جحيم القصف. نرى لقطة للحمام الطائر ثم تتجمد الصورة ويظهر عنوان الفيلم.

الجزء الأول من الفيلم يأتي في معظمه بالأبيض والأسود.. أصل التصوير الفوتوغرافي، عشق بطلنا وهوايته ومهنته لسنوات عدة، ليس رغبة في اكتساب العيش بل حبا في معرفة الكثير عن الناس، عن العالم، عما يجري حوله.

تساؤلات

يطرح كولباس من البداية تلك التساؤلات الوجودية المعذبة مثل: ما هي الصورة؟ هل هي الحقيقة؟ ويجيب: "الصورة ليست الحقيقة. لا أعرف أهمية ما أقوم بالتقاطه من صور. سأمنح جائزة نوبل لمن يمكنه أن يقول لي هل الصور أهم من اللحظات التي أقوم بتصويرها في الحياة الحقيقية"؟

على خلفية من شاشة بيضاء تظهر صورة شاب يافع مع كاميرا فوتوغرافية. إنه كولباس نفسه في شبابه الغض. ثم تظهر صور من شرق كرواتيا في سبعينيات القرن الماضي.. الشوارع.. السيارات.. البشر. ونسمع تعليق المخرج يقول لنا: إنني أعرف كل شيء من خلال الصور.

لقطات له مع اصدقائه، في الحقول، وهم يلعبون الكرة، وهو فوق الدراجة، وهو يصطاد السمك.. لقطات لامرأة تنشر الملابس في العراء، رجل فوق حصان، الحياة تشع بالبراءة والرومانسية والجمال. والموسيقى ناعمة رقيقة مرحة وكأننا أمام صورة تعكس الحنين الكبير إلى الماضي، دائما الماضي أجمل عند كل من يشعرون بحقيقة المأساة الإنسانية، المأزق الإنساني الذي نعيشه ويتضح لنا يوما بعد يوم، مع تقدمنا في العمر.

هذا الفيلم عن الحرب، وعن البشر عندما كانوا يصنعون الحياة، وكيف أصبحوا يصنعون الموت. لكنه ليس فيلما تحليليا سياسيا عن أسباب الحرب وما الذي حدث تحديدا في تلك المنطقة من العالم، يوغسلافيا السابقة، كرواتيا، وصربيا والحرب الضروس التي دارت بينهما في أوائل التسعينيات من القرن العشرين، بل هو أساسا، فيلم عن المأزق الإنساني، عن طبيعة الصورة، عن قدرتها الهائلة على الكشف وعلى الكذب أيضا، على استدعاء اللحظات النادرة في التاريخ، وعلى توثيق لحظات الحسم وكيف تترك تأثيرها التراجيدي الهائل على مصائر البشر. ويمكن أيضا اعتباره فيلما عن الطفل وهو يكبر ويصبح شابا ثم رجلا مسؤولا.. رب أسرة.. يخشى على أسرته، يجبن عن الاختيار لأنه يتعين عليه القبول بما لم يكن ليقبل به وهو صغير. إنه فيلم عن القدر الإنساني.

شريط صور

علاقة كولباس بالتصوير هي المحور الأساسي الأول في الفيلم. وكذلك علاقته بأسرته، بأصوله. فالفيلم رحلة في كابوس الحياة بما فيها الحرب والحب والأسرة والواجب والعمل والضياع والعشق والخوف.. لكنها أيضا رحلة من أجل معرفة الذات.. حقيقة النفس.

من هو كولباس؟ يقول هو إنه يعتبر نفسه روثينيا Ruthenian رغم أن أمه كرواتية، وكان والده كان يصر على أن الروثينيين ليسوا من الروس.. لقد جاءوا إلى هذه المنطقة من جبال الكربات، ولديهم لغتهم الخاصة الروثينية (لغة قديمة كان يتكلمها سكان أوروبا الشرقية)، وهم ينتمون للكنيسة الكاثوليكية اليونانية!

حياة كولباس شريط من الصور: صوره مع أسرته، مع حبيبته التي تعرف عليها وقدمها لأسرته قبل أن يتزوجها، صور الزواج، زوحته تحمل في طفلهما الأول ثم تلده.. كل شيء مسجل بالصور.. عشرات الصور واللقطات.. كيف كان يتعين عليه- بعد ذلك- الالتحاق بوظيفة مصور في التليفزيون الكرواتي في زغرب ويهجر التصوير الفوتوغرافي..عشقه الحقيقي.. كان يصور الأحداث الجارية والأخبار. كان يبحث عن الجمالي بينما يقول له زملاؤه إن الجمالي ليس مهما بقدر أهمية المضمون، محتوى اللقطة، وهذا هو درس العمل في التصوير للأخبار.

بعد احتفالات رأس العام 1991 لم يعد الحال إلى ما كان عليه أبدا بالنسبة لشعوب يوغسلافيا.. بدأت الاستعدادات للحرب لكن كولباس رفض أن يصدق هذا. وجد نفسه مرة اخرى يقطع ربوع كرواتيا ولكن هذه المرة كما يقول: "بحثا عن الأخبار السيئة"!

وندخل من هنا إلى الجزء الثاني من الفيلم الذي يمكن أن نطلق عليه "الخوف" ذلك الخوف الغريزي من المجهول القادم الذي يمكن أن يطيح بكل ما صنعه المرء في حياته. كولباس خائف.. يذهب الى مدينة باكراش Pakrac مع مراسل سويسري، فريق التصوير معه من الكروات، بينما السائق صربي.. الجميع لا يثقون في بعضهم البعض.. الخوف يشملهم جميعا.. الناس.. السكان.. خائفون، مرتعدون. يروون أمام الكاميرا كيف يستقبلون الأحداث وما الذي عايشوه: الطرد الجماعي والقتل الجماعي والدفن في حفر كبيرة. حرق المنازل والتهجير القسري. بدء سياسة التطهير العرقي. اختلاط الأجناس في البلدات والقرى يجعل الحرب شديدة الخصوصية، شديدة التعقيد، باهظة الوقع على السكان الأبرياء. لا توجد هنا إدانة لطرف دون الطرف الآخر. بل للحرب نفسها، لغباء الإنسان.

يصور كولباس مظاهرات حاشدة تهتف أمام المحكمة العسكرية في زغرب، تنادي بالحرب.. يكاد يفلت من اعتداء الجموع بمعجزة. لقد ظنوه مصورا من بلغراد، أي من صربيا!

في إحساس وجودي بالعبث يقول: أحيانا لا أعرف ما إذا كنت أخاف أكثر من الجنود الصرب أم من حشود الكروات الغاضبين.

في فنكوفيتشي التي كان يقيم فيها مع أسرته الصغيرة وهي بلدته الأصلية التي نشأ فيها صغيرا، الجموع تهتف للتعصب العرقي، لكرواتيا التي يجب أن تقهر عدوتها صربيا.. ترتد الذاكرة إلى المكان نفسه، إلى أعلام كرواتيا أيضا ترتفع، يحملها المتظاهرون، ولكن للاحتفال وليس للاحتجاج كما يقول بطلنا. عودة إلى اللقطات والصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود لذلك الماضي المسالم الذي كان. موسيقى الأكورديون والاحتفالات الجماعية في الشوارع. يضطر لأن يذهب بابنه الصغير الى منزل جدته في بلدة أخرى. رسومات الابن البديعة التي تعكس إحساسه بوالديه، بالجو العام المحيط: أعلام كرواتيا الملونة.

في مواجهة الخطر

يعود وحده في مهمة الى خط النار في فنكوفيتشي.. وفي مشهد هائل لا يمكن تصديقه يلمح امرأة مع ولدها تختبيء من القصف وراء سيارة.. يتعرف فيها على جاراتهم من الزمن الماضي: لقد كان والده أحد شاهدي زواجها. ونرتد إلى صورة فوتوغرافية لحفل الزواج. لكنها الآن خائفة، لا يمكنها أن تتعرف عليه، ترفض الإجابة عن أسئلته حول ما يجري في بلدتها.

يطرح التساؤلات عن طبيعة عمل المراسل أو المصور الحربي: "هل إذا لم نصور الدماء والجثث لا نحصل على مرتباتنا وعلاوتنا؟ هل هذا هو المطلوب؟ أي مهنة هذه"؟

البلدة التي ينتمي الهيا وفيها ولدت ذكرياته وعرف الحب الأول، هي موقع القتال الآن، لقد انقسمت إلى قسمين، منازل الصرب أصبحت خالية، لجأ السكان إلى القسم الثاني حيث التحصينات. المراسلة الصحفية تقف أمام الكاميرا تصف كيف أصبح الوضع في البلدة. الصحفيات المساء أكثر إقبالا على الخطر من الرجال. بعضهن لا يستطيع رغم ذلك التماسك أمام الكاميرا. العاطفة تغلبهن. مشاعر الصدمة.

القناصة.. الموت.. القتل.. الصلوات في الكنائس على الموتى.. المدافن وشواهد القبور. كيف خرجت زميلة صحفية ليلا في البلدة تتجول وتركت مسدسها في غرفتها بالفندق الذي كانت تقيم فيه إلى جوار كولباس، وما وقع لها من مأساة: لقد أصيبت بجروح خطيرة وفقدت ابنتها!

نرى كيف يصور أول جثة لشاب قتل في هجوم صربي، في أول لقطة قريبة للجثة.. بعدها يقول إنه اعتاد بعد ذلك ولم يعد يفزع من تصوير مشاهد الحرب المفزعة طالما أنه وراء الكاميرا.. هل تجعل منه الكاميرا مجرد "مراقب"!

الارتداد دائم في الفيلم بين لقطات الماضي من هذه البلدة ولقطات الحاضر، من الأبيض والأسود، واللقطات الرومانسية الناعمة للبشر في حياتهم اليومية، واللقطات الملونة الفظة التي تعكس الخوف والترقب والقلق والاعتداء على البصر أيضا بما تعرضه الكاميرا من مناظر للجثث المتعفنة.

يتعرض الفندق الذي يقيم فيه للقصف. سقطت 700 قذيفة اثناء الليل. يتمنى هو أن يستمر القصف حتى النهاية. لكنه يتوقف. انفجرت أنابيب المياه فأغرقت المكان. يقول إنه شعر بأن أهم شيء على الإطلاق في تلك اللحظة أن يتضامن الجميع مع بعضهم البعض.

يشاهد من نافذة حجرته في الفندق كيف يتعرض المنزل الذي تقيم فيه أمه للقصف، يتصاعد منه الدخان لكنه لا يستطيع الذهاب إلى هناك بسبب الخطر الكامن في كل مكان. سقف منزل الأسرة، حيث تقيم الأم، دمر تماما لكنها ترفض النزوح من البلدة إلى أن ترضخ أخيرا وتوافق على الذهاب إلى زغرب.

الحرب والذات

من هنا يبدأ القسم الثالث من الفيلم: لقد أصبحت الحرب هي حربه الخاصة.. هنا تأتي الحرب كشيء عبثي يسيطر على المرء فلا يمكنه أن يفصل نفسه عنه ولا أن يحتمي منها وراء الكاميرا. إنه يتطلع أمامه فيجد مكتبة البلدة وقد دمرت تماما واخترق ما فيها من كتب، فيرتد إلى شبابه عندما كان يتردد على تلك المكتبة ينهل منها، في لقطات فريدة لم يكن يتخيل أنها ستصبح مادة مرتبطة بتلك الأحداث اللاحقة بعد سنوات طويلة.

تركت الحرب تأثيرها عليه وعلى أسرته، لم تعد علاقته بزوجته كما كانت قط، ولا مع ابنه. الصور المرعبة التي شاهدها وصورها والتي نرى منها الكثير في هذا الفيلم البديع، ظلت في داخله لأكثر من عشرين عاما. وهو عندما يصنع اليوم هذا الفيلم فإنه لا يصنعه لكي يقدم لنا شيئا لا نعرفه، بل لكي يفهم هو ما يعرفه ولم يستطع أبدا أن يفهمه.

هذه العلاقة الجدلية المستمرة المقلقة بين الكاميرا وصاحبها، بين الصورة والمحتوى، الماضي والحاضر، المادة المصورة، والإنسان وراء الكاميرا وأمامها، عبثية الاختيار الإنساني، والقدر الذي قد يسوقنا إلى أن نخبر ما لا نحب، ونحب مالا نريد، هذه هي مادة هذا الفيلم الكبير "المراسل الحربي"، وفي تلك الثنائيات والتناقضات والتساؤلات المققلقة تمكن عظمته، خصوصا وأنه مصنوع ببراعة وشفافية ورونق، لا أقصد انه يجمل لنا القتل، بل لقدرته على التوقف أمام تلك الآلية الرهيبة التي ابتكرها الإنسان، لكي يطرح التساؤلات المعذبة الفلسفية حول مغزى الوجود نفسه، وما يمكن أن ينتهي إليه الإنسان في لحظة ما برصاصة طائشة أو بلغم ينفجر فجأة.

"المراسل الحربي" درس في السينما التسجيلية الحديثة: درس بليغ يتلخص في التالي.. القدرة على خلق التدفق من حلال التراكم الصوري، مع أسلوب يتمتع بقدرة هائلة على التحكم في ذلك التدفق، في إيقاع تعاقب الصور واللقطات، في المزج في اللحظة المناسبة، بين الصور الفوتوغرافية واللقطات الحية، بين الماضي والحاضر، الذاتي والموضوعي، وبين الموسيقى والصورة، ويعرف ايضا متى يتوقف عن التعليق ويترك الصور تتنفس. وتلك هي بلاغة التسجيلي!

الجزيرة الوثائقية في

10/10/2012

 

المهدي بن بركة .. رمز له دلالة

د . عبدالله أبوعوض - المغرب  

انتهت قناة الجزيرة الوثائقية من إنتاج فيلم وثائقي عن الرمز التاريخي والنضالي المغربي مهدي بن بركة. وستم عرض الفيلم يوم 26 أكتوبر. لذلك أردنا أن نستبق الفيلم بمقال تمهيدي عن موقع المهدي بن بركة في الذاكرة الجماعية. يكتبه لموقع الجزيرة الوثائقية الدكتور عبد الله أبو عوض الباحث المغربي المتخصص في الإعلام.

يعتبر المهدي بن بركة* أحد الشخصيات التي ترمز إلى الفعل الثوري وإلى التحرر الديمقراطي من منطلق الفكر الاشتراكي، هذا الفكر الذي جعل منه بعد وفاته مطلبا يوميا للممارسة السياسية في فلسفة الأحزاب السياسية الاشتراكية بالمغرب بغية تحقيق أهدافه، فقد مثل دفعة نضالية ومكسبا ماديا ومعنويا في أدبيات الضغط الحقوقي للورقة السياسية اليسارية، خاصة بالمغرب، هذا إذا علمنا أن منطلق النضال في رؤية المهدي بن بركة تمحورت في إسقاط النظريات الماركسية على مفهوم الإصلاح، مما يحيل على مدرسة مهمة من مدارس الإصلاح السياسي في العالم العربي عموما والمغربي خصوصا، حيث تعتمد أساسا على مجموعة من المرتكزات الثابتة كقواعد المساواة والديمقراطية والمتحولة كأساليب النضال المتوافقة مع رهانات التغيير المتجددة بتجدد الأحداث في الممارسة السياسية، إلا أن الحمولة المعرفية التي تحملها شخصية تاريخية مثل هذه الشخصية في النضال السياسي لا زالت تنعكس إيجابا وسلبا على أتباعها . فمن حيث الإيجاب المنوط بها فيرى البعض أنها تتمركز في الرؤية الإصلاحية التي جاءت بها ودافعت عنها وناضلت من أجلها وهي في الأساس تعتمد على نقد كل ما هو ضد إرادة التغيير الاجتماعي والسياسي، ويرى البعض الآخر الجانب السلبي، حيث أصبحت شخصية المهدي بن بركة جامدة في سرد سيرته والتحسر على اغتياله، أو أن يتم تجاوز دلك كله في استغلاله كورقة حقوقية نضالية لمعركة انتخابية سياسية مرحلية.

إن الوقوف على دلالة الصورة في شخصية ذات عنوان سياسي في العالم العربي لابد أن يتقيد بمجموعة من الشروط والضوابط التي تعكس استبطانات العقل الجمعي للمجتمع بمختلف ألوانه. والمهدي بن بركة في المشترك الإنساني هو من الصفحات التاريخية التي أسست للحراك الحقوقي في الدفاع عن الكرامة الإنسانية قبل وبعد وفاته، هذه الكرامة التي يقف عليها كل شخص حسب رؤيته الإيديولوجية، وهي وإن اختلفت من حيث المبدأ فقد توحدت من حيث الممارسة. والرمز الدلالي للصورة في شخصية المهدي هي من الحقول المعرفية التي مزجت بين الرابط الكلي في القضايا الدولية والوطنية ألا وهو العدالة الاجتماعية. إلا أن طبيعة الوقوف على ذلك ينبغي أن تأخذ جانبا من الحذر الممزوج باستقراء الوقائع ومداولتها كنفس يستفاد من إيجابياته دون الالتفات إلى بعض المنكصات المرافقة لمفهوم الاستغلال.

لا يمكن الجمع بين المحطات الإجرائية للنضال السياسي للمهدي بن بركة في حياته وبين الحمولة الدلالية الموروثة من شخصيته بعد وفاته، لأن ما كان يتم تجسيده في نشاطاته كانت تدخل في إطار السياق العام للأحداث الدولية التي أثرت بشكل مباشر على أفكاره الإصلاحية ومن تم انعكست على أوضاعه المحلية، أما المطالب الحقوقية في حق شخصه قد مزجت بين مطلب العدالة وغالبا ما يفضي إلى الاستقرار وبين مطلب المنهج الفكري والإصلاحي في فكر المهدي والذي يضفي لا محالة إلى الاستمرار.

إن فلسفة الرمز في العالم العربي عموما خرجت طوعا إلى لغة العودة تحت مبدأ ليس في الإمكان أبدع مما كان، وكل رمز في العالم العربي في ظل الانحلال الثقافي والفكري أصبح مطية الرهانات المرحلية لنيل مكتسبات آنية، فصار الرمز النضالي في شخصية معينة هو تلك الورقة الرابحة للرهان المطروح سواء كان سياسيا أو ثقافيا أو اجتماعيا، وغالبا ما يكون ذلك مقرونا بجهل الأطراف المعنية بالرمز ما يحمله فكر وفعل ذلك الرمز، فابن بركة الرمز (السلطة، المحنة، النضال....) لا يمكن أن يتجسد إلا من خلال القراءة التاريخية والتفكيكية لمحطاته النضالية، مع ربط ذلك بالأحداث الدولية والإقليمية، وليس بن بركة الرمز الذي سطرت مداد سيرته محطة تاريخية يمكن العودة إليها كلما أعاد التاريخ يوم ولادته. كما أنه لا يمكن الوقوف على شخصيته دون الوقوف على بنية التنشئة الاجتماعية المقومة لأفكاره.

لا يمكن الحديث عن الرمز في صورة المهدي بن بركة دون استحضار الشكل النضالي والحقل المعرفي الذي حكم فلسفة هذا النضال، وليس عيبا أن يعاد نحت الذاكرة الفردية والجمعية لتحديد معالم التغيير الذي أحدثته رمزية شخصيته، فالتاريخ هو إعادة قراءة ما لم يقرأ تحت مبدأ الاستقصاء والمقارنة ليستفاد من الرمز في منظومته القيمية، لأن منظومة القيم لا تقبر ولو مر التاريخ.

* نبذة عن المهدي بن بركة: سياسي مغربي اشتراكي معارض، ولدف ي الرباط عام 1920، وانتخب في البرلمان عام 1963 بعد حياة سياسية حافلة مغربيا وإفريقيا وفي إطار دول العالم الثالث، واختفى في شمال فرنسا عام 1965، ومازالت قصة اختفائه تحيطها الألغاز حتى اليوم.

الجزيرة الوثائقية في

10/10/2012

 

 

السينما يقدمها: حسام حافظ

أفلام الشباب تبحث عن الهوية وحق المواطنة

"يهود مصر" و"مكتوب عن الحب" رسائل سينمائية من أجل المستقبل  

شهدت بانوراما الفيلم الأوروبي العرض الأول للفيلم التسجيلي الطويل "عن يهود مصر" للمخرج أمير رمسيس. وعرضت نقابة الصحفين فيلم "مكتوب عن الحب" للمخرجة جيهان الأعصر. والفيلمان يحاولان الاجابة علي سؤال الهوية. لأن البحث عن هوية مصر من القضايا التي تؤرق الشباب. خاصة بعد ثورة يناير التي أطاحت بمبارك وجاءت بالإسلاميين إلي السلطة.

مازال خروج اليهود المصريين بعد العدوان الثلاثي عام 1956. من الصفحات الغامضة في تاريخ مصر. والأسباب التي أدت إلي ذلك؟ هل خرجوا بارادتهم أم تم طردهم من البلاد ولماذا؟ وعشرات الأسئلة حاول المخرج أمير رمسيس الاجابة عنها في فيلم مدته 90 دقيقة. استطلع آراء الشارع المصري في البداية. ثم تحدث مع بعض المفكرين الذين اهتموا بالمشكلة اليهودية في مصر وتاريخ الطائفة اليهودية مثل د. محمد أبوالغار وله كتاب حول ذلك الموضوع وأحمد حمروش أحد ضباط يوليو المكلفين بالملف اليهودي . ود. رفعت السعيد وله العديد من الدراسات عن تاريخ الحركة الشيوعية في مصر وعلاقة اليهود بها . والباحث الاجتماعي عصام فوزي. بالاضافة لعدد كبير من أبناء الجالية اليهودية في مصر سواء الذين استمروا في الحياة بالقاهرة والإسكندرية أو الذين فضلوا الهجرة إلي فرنسا. حيث سافر المخرج وأجري العديد من اللقاءات الحية مع هؤلاء.

يتحدث د. محمد أبوالغار عن الرأسماليين اليهود في مصر مثل شيكوريل وصيدناوي وبنزايون وعدس. ويفرق بينهم وبين الطبقة الوسطي حيث المحامين يوسف درويش وشحاته هارون والفنانين داود حسني وليلي مراد ومنير مراد ونجوي سالم وفكتوريا كوهين. ويري الروائي ابراهيم عبد المجيد أن أعظم قرارات محمد علي مؤسس مصر الحديثة إصداره لقانون "حرية الاعتقاد" الذي أتاح لكل الطوائف من غير المسلمين العيش في حرية وتسامح جنبا إلي جنب. لافرق بين مصري وآخر وكانت هذه بذرة فكرة المواطنة التي نتحدث عنها اليوم. ويقول أحمد حمروش أنه كان يسكن في بيت بأسبورتنج بالاسكندرية وكان به 6 شقق. شقتان للمسلمين وشقتان للميسيحين وشقتان لليهود.

استطاع المخرج أمير رمسيس في فيلمه ومن خلال شهادات حية الرد علي الكثير من التساؤلات . كيف إزداد العداء لليهود المصريين بعد قيام إسرائيل. هل شجعت الحركة الصهيونية بعض الشباب المتحمس في هذا الاتجاه؟.. لماذا قام الاخوان ومصر الفتاة بحرق محلات اليهود بعد حرب 1948؟ وماذا حدث بعد العدوان الثلاثي لانجلترا وفرنسا وإسرائيل علي مصر عام 1956؟.

والاجابة علي كل التساؤلات تؤكد أن مصر عاشت أفضل سنوات الأزدهار عندما كانت متعددة الثقافات يعيش فيها جميع الديانات ويتمتع أبناء الطوائف المختلفة بحق المواطنة المصرية الكاملة. ولن تعود مصر إلي إذدهارها ونهضتها إلا بسواعد أبنائها من جميع الطوائف .. هنا فقط ستجد مصر شخصيتها الحقيقية.

أما المخرجة جيهان الأعصر فقد قدمت فيلم "مكتوب عن الحب" الذي يتحدث عن حب المصريين لآل البيت وإقامة الأضرحة والموالد لأولياء الله الصالحين . وهو شكل خاص من الإسلام المرتبط بالتاريخ القديم لمصر. لايوجد مثل هذا الاحتفال بالأئمة وأصحاب الكرامات في البلاد الإسلامية الأخري.

حرصت المخرجة علي الابتعاد تماماً عن مناطق الجدل والاختلاف بين الطرق الصوفية والسلفيين. واختارت أن يكون فيلمها رحلة روحية في حب آل البيت. وزارت كل المقامات مثل الحسين والسيدة نفيسة والسيدة زينب وأبوالحسن الشاذلي والسيد البدوي وزين العابدين والبرهامي والأشراف المهدية.

الفرق بين فيلم "عن يهود مصر" و"مكتوب عن الحب" كبير الأول يذهب في التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي لمصر. وقدم دراسة سينمائية عميقة لعلاقة الطائفة اليهودية بالواقع السياسي المصري قبل ثورة يوليو وبعدها . بينما استعرضت جيهان الأعصر في فيلمها فخامة أضرحة أولياء الله الصالحين وحرص المصريين علي التبرك بها وهو علي النقيض تماماً من تعاليم السلفية والوهابية.. ومرة أخري يسأل الفيلم عن هوية مصر وتكون الاجابة من حق جميع أبنائها الذين يعيشون علي أرضها أن يستمتعوا بالمحبة والتسامح والمواطنة.

"وبعد الطوفان" فيلم عن ثورة حقيقية من "الخيال" 

اختلفت آراء الفنانين حول تناول الثورة في أعمالهم ما بين مؤيد للفكرة لتسجيل الحدث العظيم أو معارض لأنه في رأيه الثورة حدث لم يكتمل بعد أو لغياب بعض الحقائق حتي الآن وهو الفخ الذي هرب منه حازم متولي مؤلف ومخرج فيلم "وبعد الطوفان" عندما اختار الخيال كمصدر لفيلمه الذي تدور أحداثه مع نجاح الثورة وإعلان عمر سليمان تنحي المخلوع والفترة الزمنية التي تلتها حيث ترك خياله يشكل له ملامح شخصية أحد الوزراء الفاسدين في العهد البائد وتاريخه حتي وصوله لمحبسه في سجن طره عن طريق شخصية طبيبة نفسية "حنان مطاوع" مصرية وتقيم في الخارج وتقرر عمل دراسات نفسية عن الوزراء الفاسدين في النظام السابق والأسباب الحقيقية التي صنعت منهم طغاة وقامت باختيار أحد الوزراء لعمل البحث عنه وعن تاريخه وكيف وصل لهذا المنصب ورغم أن رحلة البطلة للوصول إلي حقيقة المسئول الفاسد هي الموضوع الرئيسي لها وللفيلم إلا أنها لم تأخذ التركيز والاهتمام الكافي من السيناريست فبدأت رحلتها بمساعدة صديق له تعرفت عليه بعدما وصلت مصر "أحمد عزمي" بعدما عثرت علي صديق قديم للوزير الفاسد كان زميلاً له في سجن الأحداث عندما قبض عليه بتهمة القتل و"صبري عبدالمنعم" الذي حكي أن الوزير الفاسد كان قاتلاً من صغره حيث قتل في السجن الصول الذي قام باغتصابه عن طريق "حقنة هواء" لم يكن قد تم اكتشافها كأداة للقتل ولهذا كانت الوفاة يتم قيدها كوفاة طبيعية وتقرر الباحثة مواصلة رحلتها عن طريق شقيقة الوزير الفاسد "هالة فاخر" وهو القرار الذي جعل من الفيلم ضعيف درامياً لأنه لا يوجد أي منطق في مساعدة شقيقة الوزير للباحثة وكان طردها منطقياً كما حدث ولم يكن طبيعياً أن تعود وتستقبلها مرة أخري وتحكي لها عن تاريخ شقيقها لمجرد أن الباحثة في سن ابنتها وانها لن تنشر كلامها في وسائل الإعلام فتحكي لها علي كل أسرار الشخصية اللغز وانه ليس كما تحكي عنه الصحافة والإعلام وحكت كيف تحول القاتل الصغير خريج سجن الأحداث إلي مقعد الوزارة حتي سجن طره بعدما مسح كل ماضيه وصنع لنفسه اسما جديدا وهنا تقرر الباحثة الذهاب للوزير في سجن طره لعمل لقاء معه لاعتقادها انه سيفصح لها عن كل شيء وهي في انتظاره في مكتب المأمور يأتي خبر انتحار الوزير.

قدم المخرج صورة حقيقية عن الإسكندرية والأحياء الفقيرة فيها مثل "المكس" وقدم متولي صورة أقرب للأفلام التسجيلية خاصة في بداية الفيلم ساعدها الحوار المباشر خاصة في مشاهد سائق التاكسي ولم يكن هناك أي داع لأغنية الإسكندرية.

أكدت حنان مطاوع قدرتها علي تحمل مسئولية بطولة فيلم بموهبتها وثقافتها التي ساعدتها في إتقان دور الطبيبة النفسية التي عاشت حياتها خارج مصر والفيلم يعتبر بداية حقيقية لها وقدم أحمد عزمي شخصيته في حدود ما هو مكتوب علي الورق حيث ظلم المؤلف الشخصية التي لعبها عزمي بالتركيز علي شخصية الباحثة وتقديمه كعامل مساعد لها في تخطي مشاكلها حتي قصة الحب التي جمعتهما ظهرت مشوهة وكشف الفيلم عن مواهب حقيقية يأتي علي رأسها الممثل الشاب "وليد فواز" الذي قام بدور ضابط الأمن المركزي وأكد انه يستحق الفرصة.

كتاب جديد

حقـــــوق الإنســــــان في الســــينما المصــرية 

صدر عن مهرجان الإسكندرية السينمائي كتاب "حقوق الإنسان في السينما المصرية" يضم 4 دراسات الأولي بعنوان "حقوق الإنسان في سينما مصر "2006 ــ 2010" للدكتور ناجي فوزي الأستاذ بأكاديمية الفنون والثاني "كرامة المواطن في الفيلم المصري" للناقد وليد رشاد والثالث "الأفلام المستقلة في طريق الوعي والتنوير" للدكتور وليد سيف والرابع "السينما العالمية وحقوق الإنسان في الألفية الثالثة للباحثة آلاء لاشين.

يتناول د. ناجي فوزي في دراسته العديد من الأفلام التي تضمنت مشاهد لانتهاكات حقوق الإنسان مثل عمارة يعقوبيان ــ حسن ومرقص ــ عزبة آدم ــ الإرهاب والكباب ــ التحويلة ــ ليلة ساخنة ــ الهروب إلي القمة ــ مواطن ومخبر وحرامي.

يقول الناقد وليد رشاد في بحثه: السينما المصرية كانت علي مر العصور تجتهد لتعكس صورة من الواقع الاجتماعي المصري. ركزت خلال العشرة سنوات الأخيرة علي وضع الفرد ومعاناته مثل الخشونة المفرطة من قبل أجهزة الأمن تجاه المواطن المصري التي وصلت إلي حد الاشتباه الدائم في كل فرد بسبب حالة الطواريء التي استمرت طوال30 عاماً. وشاهدنا السلوك العنيف خاصة من ضباط أمن الدولة.

وتحدث عن أفلام: هي فوضي ــ ليلة سقوط بغداد ــ واحد من الناس ــ حين ميسرة ــ واحد صفر ــ بنتين من مصر.

ويري د. وليد سيف في بحثه أن الشباب المصري استخدم وسائل الثورة التكنولوجية للتعبير عن موهبته السينمائية. وقد أحدثوا نقلة حضارية كبيرة في مواجهة دولة قمعية رجعية. وبدأت الأفلام المستقلة في غزو المهرجانات الدولية مثل أفلام المخرج إبراهيم البطوط في "عين شمس" و"حاوي" وأحمد عبدالله في "هليوبوليس" و"ميكرفون" وأحمد رشوان في "بصرة" وعشرات الأفلام القصيرة والتسجلية لجيل الشباب.

وقالت الناقدة آلاء لاشين في دراستها أن السينما في العالم هي ميدان السحر الذي تتحد فيه العوامل السيكولوجية والبيئية لخلق أفق مفتوح لتحرير العقل ثم تحدثت عن عدد من المهرجانات التي اهتمت في برامجها بالأفلام التي تدافع عن حقوق الإنسان مثل "مهرجان سينما الالفية الثالثة في روما" و"مهرجان نورنبرج للأفلام الوثائقية الخاصة بحقوق الإنسان" و"مهرجان جنيف" وميلانو وبلجيكا وتونس والعراق ودمشق.

الجمهورية المصرية في

10/10/2012

من هنا وهناك

مونتريال وتورونتو داخل فينسيا

بقلم : سمير فريد 

في كندا مهرجانين كبيرين للسينما الأول في تورونتو وعقد دورته الـ37 هذا العام من 6 إلي 16 سبتمبر. والثاني في مونتريال وعقد دورته الـ36 من 23 أغسطس الي 3سبتمبر. وبينما تداخل تاريخ انعقاد مونتريال مع مهرجان فينسيا في بدايته. تداخل تاريخ انعقاد تورونتو مع مهرجان إيطاليا في نهايته. إذا عقد فينسيا دورته الـ69 من 29 أغسطس الي 8سبتمبر.

يومان فقط بين ختام مونتريال وافتتاح تورونتو. ولكن الفارق بين المهرجانين أصبح كبيراً في السنوات العشر الماضية حيث أصبح تورونتو منافساً للمهرجانات الكبري الثلاث في برلين وكان وفينسيا. ورغم أنه من دون مسابقة ولا جوائز ووراء نجاح تورونتو أنه يتيح فرصا كبيرة للتوزيع في سوق الولايات المتحدة الأمريكية أكبر أسواق العالم. والعديد من الأفلام التي عرضت فيه رشحت للأوسكار.

وتداخل المهرجانين الكنديين مع فينسيا. والمكانة التي أصبحت لمهرجان تورونتو تسبب بعض الإزعاج لمهرجان إيطاليا الأعرق بين كل مهرجانات العالم. ولكنها لا تؤثر علي كونه قاعدة المثلث الذهبي مع برلين وكان.

وقد فاز فيلم "فندق كندا" إخرج السورية الكندية عليا خاشوق "30دقيقة" بجائزة أحسن فيلم تسجيلي قصير في مونتريال. وأهدت المخرجة الجائزة الي كل الفنانين والمعتقلين في بلادها. وذكرت بالإسم مازن درويش وعدنان زراعي وزكي كورديلو ومحمد أوسو وعروة نيربيه الذي أطلق سراحه الأسبوع الماضي بعد حملة دولية واسعة. ولكن لم يعرف أنه كان يستطيع السفر الي الخارج.

أما في تورونتو. ويفضل الخبيرة اللبنانية رشا سلطي التي تختار الأفلام العربية. فقد شهد المهرجان العروض العالمية الأولي لعدة أفلام عربية من أهم انتاج العام. وهي الأفلام الروائية الطويلة "لما شفتك" إخراج الفلسطينية آن ماري جاسر. و"الهجوم" إخراج اللبناني زياد دويري. و"لا مهرب" إخراج السورية الكندية ربي ندا. و"ديترويت: خالي من الرصاص" إخراج الفلسطينية الأمريكية رولا ناشف. والفيلم الجزائري "زبانة" إخراج سعيد ولد خليفة.

كما شهد تورونتو عروض الأفلام التسجيلية العربية "كما لو أننا نمسك بكوبرا" إخراج السورية هالة العبد الله. و"عالم ليس لنا" إخراج الفلسطيني مهدي فليفل. و"فداني" اخراج الجزائري داميان أوتوري. و"رفيعة" إخراج المصرية جيهان نجيم. و"الجمعية اللبنانية للصواريخ" إخراج خليل جريج وجوانا حاجي توما.

samirmfarid@hotmail.com

الجمهورية المصرية في

10/10/2012

 

مهرجانات الدولة السينمائية.. وتساؤلات مشروعة عن المصير

بقلم: أسامة عبد الفتاح 

في غبار حرب المهرجانات السينمائية الدائرة هذه الأيام في مصر، والتي تحدثنا عنها في العدد السابق من "القاهرة"، يبدو موقف الدولة - ممثلة في وزارة الثقافة - غائما وغامضا، سواء فيما يتعلق بالمهرجانات التي من المفترض أنها تنظمها بشكل مباشر، أو بتلك التي تشرف عليها وتدعمها، وتتولى الجمعيات الأهلية مهمة تنظيمها.

ورغم أن علاقة الدولة بالمهرجانات ملتبسة منذ مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير 2011، إلا أن اللبس زاد بعد الثورة، وتحديدا بعد قرار وزير الثقافة الأسبق الدكتور عماد أبو غازي بإسناد تنظيم المهرجانات السينمائية إلى الجمعيات الأهلية، وما تبعه من تطورات تتعلق بمهرجان القاهرة تحديدا، الذي أسندت الوزارة تنظيمه لمؤسسة "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" التي أُنشئت لهذا الغرض برئاسة الناقد يوسف شريف رزق الله، ثم عادت وسحبته منها على خلفية النزاع القضائي بينها وبين الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما التي تطالب باستعادة المهرجان باعتبارها صاحبة حقوقه وأول جهة قامت بتنظيمه.

وبعد قرار أبو غازي، أوضحت قيادات وزارة الثقافة - ومنها المخرج مجدي أحمد علي، رئيس المركز القومي للسينما وقتها، في حوار صحفي أجريته معه ونشر في مارس الماضي - أن الدولة ستحتفظ بتنظيم ثلاثة مهرجانات من الصعب أن تقدر الجمعيات الأهلية على تنظيمها لما لها من طابع ثقافي تعليمي لا يجتذب الرعاة، وهي: "القومي للسينما المصرية"، و"الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة"، و"القاهرة الدولي لسينما الأطفال".. لكن جاءت تصريحات أخيرة لوزير الثقافة الحالي الدكتور محمد صابر عرب لتفتح الباب أمام الجمعيات الأهلية لتنظيم جميع المهرجانات بما فيها الثلاثة السابقذكرها، ولا مشكلة في ذلك بالطبع، المشكلة تكمن فيمن يتسترون وراء بعض هذه الجمعيات من القيادات السابقة المكروهة لكي يعودوا إلى الأضواء ومواقع المسئولية!

مظلة الدولة

فقد قال وزير الثقافة - في تصريحات صحفية - إن الوزارة تدخلت لإنقاذ مهرجان القاهرة السينمائي ولخدمة الفن والسينما المصرية بعد أن كانمعرضا لمشاكل وموضوعات قضائية في المحاكم تكاد أن تلغيه هذا العام وتخرجه من السباق الدولي. وأكد أنه كان من الضروري أن يقام المهرجان هذا العامل أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وفنية لنؤكد للمصريين والعالم كله أنه قد آن الأوان لكي تعود مصر إلى بهجتها وعبقريتها وأداء رسالتها خاصة في مجال السينما. وأضاف: "لم نتدخل لأخذ حقوق أحد، فنحن جبهة واحدة ولسنا جبهتين"، ودعا العاملين في مؤسسة رزق الله إلى العمل معا تحت مظلة الدولة ووزارة الثقافة.

وأوضح أن وزارة الثقافة كانت تقيم المهرجان كل عام، ولكن هذاالعام رأى وزير الثقافة الأسبق أن يقيمه المجتمع المدني، ولا بأس من ذلك، ولكن عندما حدثت مشكلة تعرض المهرجان للتوقف، كان لابد من تدخل الوزارة لإنقاذه، مشيرا إلى أن القضية ليست قضية أشخاص، ولكن تكمن في أن الوزارة تقيمه وتستعين بمن تشاء للدعم والدور الفني والإداري، ودعا كل من لديها لفكرة والخبرة أن يتقدم للاستعانة به.

المهم أنه قال إنه من العام القادم ستضع الوزارة الشروط لمشاركة الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني، مما يثير التساؤلات والمخاوف حول المهرجانات الثلاثة التي أعلنت الدولة أنها ستحتفظ بها، والتي باتت في مهب الريح، وأصبحت مهددة بالإلغاء أو الموت البطيء إذا رفعت الدولة يدها عنها ولمتتقدم الجمعيات الأهلية - كما هو متوقع - لتنظيمها.

تشجيع وترميم

وبسؤال الناقد أمير العمري، مدير مهرجان الإسماعيلية، أكد أنه مستمر في عمله، مشيرا إلى أن عقده مع وزارة الثقافة ينص على أنه يُجدد تلقائيا.. وقال إنه يواصل جهوده لتحويل المهرجان إلى مؤسسة تعمل طوال العام، وليس خلال فترة إقامته فقط، على أن يكون دورها اكتشاف وتشجيع السينمائيين الشبان الذين يتزايد إقبالهم على تصوير الأفلام القصيرة بعد أنصار تعبيرهم عن أنفسهم سهلا في عصر الديجيتال، بالإضافة إلى ترميم الأفلام القديمة التي تمثل بدايات كبار السينمائيين والمخرجين وتعد من الكلاسيكيات، كما فعلت إدارة المهرجان في دورته الأخيرة، التي أقيمت في يونيو الماضي، حين خصصت برنامجا باسم "نظرة إلى الماضي" أو "نوستالجيا مصرية" لعرض ‏(10 أفلام لمخرجين كبار بدأوا حياتهم الفنية بصناعة الفيلم التسجيلي والقصير.

وأهم هدف لهذا القسم كان ترميم هذه الأفلام وجعلها صالحة للعرض في المراكز الثقافية والسينمائية داخل وخارج مصر، انطلاقاً من الرؤية الجديدة للمهرجان وهي ألا يقتصر دوره على استهلاك الأفلام فقط، وإنما إعطاء الفرصة لإعادة عرضها طوال العام ليكون تأثير المهرجان مستمراً وخارج إطار فترة انعقاده. ومن أبرز أفلام الماضي التي عادت إلى الحياة، "البطيخة" لمحمد خان إنتاج 1969، و"المقايضة" لـعاطف الطيب، و"حياة جديدة" تأليف رأفت الميهي وإخراج أشرف فهمي، و"طبول" لـسعيد مرزوق، و"معطف" لحسين كمال.. وفي مبادرة للحفاظ على تراثنا السينمائي، قال العمري إنه سيتم عمل نسخ ديجيتال صالحة للعرض الجماهيري من تلك الأفلام وإهداؤها للمراكز الثقافية والمهرجانات السينمائية.

وتوجه العمري إلى طهران السبت الماضي لحضور مهرجانها الدولي للأفلام القصيرة والاشتراك في لجنتي التحكيم الرئيسية والفرعية وانتقاء أفلام تصلح للعرض في الإسماعيلية. وقال إنه سيسافر إلى العاصمة الأردنية عمان أوائل نوفمبر المقبل للإشراف على عرض مختارات من أفلام الدورة الأخيرة للمهرجان في أسبوع بعنوان "أيام مهرجان الإسماعيلية في عمان" وفقا للاتفاق الموقع بين الجانبين على هامش المهرجان في يونيو الماضي، كما أنه من المقرر إقامة أسبوع أفلام مماثل في الجامعة الأمريكية خلال الفترة المقبلة.

ظروف غامضة

ما يمكن فهمه من تصريحات العمري أنه يريد تنفيذ مشروع متكامل، وليس مجرد إدارة مهرجان في توقيت معين من كل عام. ومن الواضح أنه بدأ التنفيذ فعلا، ولابد أن يستمر ليستكمل ما بدأ. ففي ظل ظروف صعبة لا تخف ىعلى أحد، لم تنجح إدارته فقطفي إقامة المهرجان، بل صنعت له ثوبا جديدا وصححت العديد من أخطائه السابقة، رغم الميزانية الضئيلة التي لم تتجاوز المليون جنيه..

فقد تم نقل إقامة الوفود والضيوف من القرية الأوليمبية البعيدة إلى وسط مدينة الإسماعيلية لتكون قريبة مندور العرض ومواقع الأنشطة، وتم نقل العروض السينمائية من قصر ثقافة الإسماعيلية إلى مكان أكثر عملية وموائمة هو دار عرض بوسط المدينة، ليقتصر دور القصر على استضافة حفلي الافتتاح والختام والندوات النوعية.. والأخيرة في حد ذاتها تعد من إنجازات الإدارة الجديدة، حيث خرجت بالندوات من حيز مناقشة صناع الأفلام بعد العروض إلى آفاق نشر الثقافة السينمائية.

أما المهرجان القومي للسينما المصرية، فقد اختفى في ظروف غامضة منذ إلغائه العام الماضي بداعي ظروف الثورة، وكان من المفترض أن يُقام 26 أغسطس الماضي، لكن الموعد فات من دون أن يحدث شيء، وكأن المقصود أن يموت ببطء بسلاح الإهمال والتجاهل.. ونفس السلاح يهدد مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال، الذي من المفترض أن يقام في مارس المقبل ولا يعلم عنه أحد حتى الآن شيئا.

هذه هي الحرب وهؤلاء هم ضحاياها، وحتى المهرجانات التي أقيمت بالفعل تهددها الخلافات والصراعات، مثل تلك الدائرة في الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما - التي تقيم مهرجان الإسكندرية السينمائي - بين رئيسها ممدوح الليثي وباقي أعضاء مجلس الإدارة، ومثل الصراع بين جهتين على تنظيم مهرجان سينمائي في الأقصر.. وهناك حكم القضاء الإداري الذي يترقبه الجميع لحسم الصراع على مهرجان القاهرة، بعد أن تحولت وزارة الثقافة من شريكل لمؤسسة "رزق الله" في القضية إلى خصم لها، وسبحان مغير الأحوال.

عين على السينما في

10/10/2012

 

عن كوسليك ومهرجانات السينما وإنتاج الأفلام  

كتب الناقد السينمائي الكبير سمير فريد مقالا ممتعا في صحيفة "المصري اليوم" بتاريخ 26 سبتمبر في تحية ديتر كوسليك مدير مهرجان برلين السينمائي مبناسبة مرور 10 سنوات على توليه منصب المدير وليس الرئيس فلا نعرف له رئيسا على عكس المهرحانات المصرية التي لا تعترف إلا بما يسمى بالرئيس في حين أنه منصب شرفي عادة لا قيمة له بينما المدير هو من ينظم المهرجان وهو المسؤول الأول عنه وقد فهمت مهرجانات الخليج الثلاثة هذا في حين لم تفهمه حتى الآن البيروقراطية المصرية!

ننشر هنا نص مقال سمير فريد:

عندما تولى ديتر كوسليك إدارة مهرجان برلين عام 2002، منذ عشر سنوات تماماً، كان اسماً جديداً من خارج الأسماء المعروفة التى تتداول "السلطة" فى مهرجانات السينما فى أوروبا، وقال البعض: من هذا؟ وماذا سوف يفعل فى "برلين" بعد أن جعله مورتيز دى هادلن منافساً لمهرجان «كان» ومهرجان «فنيسيا».

كان مهرجان برلين منذ بدايته عام 1951، فى زمن الحرب الباردة، أول مهرجان يقام فى عاصمة، أو بالأحرى فى نصفها الغربى، عندما كانت مقسمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وكان ساحة من ساحات الحرب الباردة، ولم يبدأ فى التخلص من هذا الطابع إلا مع تولى دى هادلن إدارته.

كانت مهمة كوسليك فى ألمانيا الموحدة من جديد بعد سقوط جدار برلين عام 1989 - أن يحافظ على ما حققه «دى هادلن»، ويتجاوزه إلى الأفضل.

وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أصبحت المهمة أكثر صعوبة فى عالم ما بعد 11 سبتمبر، الذى بدأ تاريخ القرن الميلادى الجديد، وبخبرته السياسية إلى جانب خبراته فى العمل الثقافى روج شعار "التنوع الثقافى" منذ الدورة الأولى التى تولى فيها إدارة المهرجان بعد شهور معدودة من الأحداث فى فبراير 2002. ولم يحافظ كوسليك على ما حققه دى هادلن فقط، وإنما ابتكر ما اتبعته مهرجانات أخرى عديدة بعد ذلك.

ومن أهم ابتكارات كوسليك: "معسكرات الشباب" التى تجمع مئات السينمائيين الجدد من كل دول العالم، وصندوق دعم مشروعات الأفلام من كل دول العالم أيضاً، ومن ناحية أخرى اهتم بالعروض المفتوحة للجمهور بتذاكر مخفضة، تكاد تكون رمزية فى مهرجان كان ومهرجان فينيسيا، ووصل بأعداد التذاكر المبيعة إلى ربع مليون تذكرة ويزيد، وهو العدد الأكبر فى مهرجانات أوروبا، وربما فى العالم كله.

وبعد صندوق برلين لدعم المشروعات أصبحت المهرجانات تتنافس فى إنشاء صناديق الدعم بأشكال ومسميات مختلفة بما فى ذلك مهرجان كان الأكبر الذى أنشأ "أتيليه كان"، وامتدت الفكرة إلى المهرجانات العربية، خاصة مهرجانات الخليج الثلاثة فى دبى وأبوظبى والدوحة، وساهمت هذه الصناديق فى دعم الكثير من مشروعات الأفلام العربية المتميزة، ولولاها لما كان من الممكن أن يتم إنتاج أغرب هذه المشروعات فى ظل مقاييس السوق العربية البليدة، وعدم رؤية الكثرة من المنتجين لما هو أبعد من مواقع أقدامهم.. والتحية إلى كوسليك بمناسبة مرور عشر سنوات على توليه إدارة مهرجان برلين.

عين على السينما في

10/10/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)