حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أحمد رمزى

طارق الشناوي

September 30th, 2012 9:29 am

 

ليس فى رصيده الفنى ما يضعه فى المركز الأول على مستوى الكم، كما أنك لن تلمح أيضًا تنوعًا فى طبيعة الأدوار التى أُسنِدَت إليه، لا هو تمرد ولا المخرجون حاولوا العثور على نغمة إبداعية مغايرة.. فى بداية الانطلاق منتصف الخمسينيات تم تسكينه فى دور الشاب المستهتر أو الثرى أو صديق البطل الشهوانى المنفلت الذى يحاول إفساد البطل.. لم يكن رمزى يؤدى فى الحقيقة دور صديق البطل ولكن السينما اخترعت له دورا موازيا للبطل ليس هو الخصم وليس التابع وليس الكوميديان، ولكنه المساوى له.

أهم ما حققه أحمد رمزى لم يكن على الشاشة ولكن فى الشارع، عندما أصبح النموذج الذى يؤثر فى الناس ويقلده الشباب، القميص المفتوح الأزرار وشعر صدره الغزير والسلسلة التى تتدلى من عنقه، حتى إن المذيعة ليلى رستم لها تسجيل معه لا ينساه المشاهدون عندما سألته عن تلك السلسلة ذات الفصوص الزرقاء فأجابها بأنها تدرأ الحسد، فقالت بنوع من السخرية «ياختى عليه!». وعلى مدى نصف قرن لم تغادر هذه الكلمات ذاكرة الناس خصوصا أن أرشيف «ماسبيرو» احتفظ بها ويعيدها كثيرًا على قنواته.

المؤكد أننا لو استرجعنا الأفلام التى قدمها فلن ننسى البداية «أيامنا الحلوة» مع عبد الحليم وفاتن حمامة وعمر الشريف.. قدم رمزى على الشاشة تلك الحالة من الطبيعية فى الأداء، المخرج حلمى حليم وجد فى ملامحه الرياضية الشخصية الدرامية التى يبحث عنها فمنحه الدور.. إنه لا يغنِّى مثل حليم ولن تحبه فاتن مثل عمر، ورغم ذلك فهو حاضر ومؤثر.

أتذكر أن مهرجان القاهرة قبل بضع سنوات قرر تكريم كل من أحمد رمزى وحسن يوسف، واعترض الوزير الأسبق فاروق حسنى على حسن يوسف بسبب لحيته، وتبقى أحمد رمزى، ويومها لم يأتِ، فما كان من عمر الشريف سوى أنه بخفة ظل تقمص شخصية صديقه رمزى وبدأ فى تقليده وهو يمشى على المسرح بصعوبة.

لماذا لم يأتِ للتكريم؟ كان رمزى يرفض التكريم ويسأل ساخرًا: مَن يكرِّم مَن؟ تركيبته الشخصية من المؤكد تدفعه إلى أن يهرب فى اللحظات الأخيرة من تسلم الجائزة!

رمزى كان نموذج الشباب فى الخمسينيات والستينيات، وقاوم حتى السبعينيات، ولكن بعد ذلك تغيرت السينما ودفعت بشباب جدد ولم يجد نفسه بينهم.. بالتأكيد الجيل كله تأثر، من سبقوه بسنوات قليلة مثل كمال الشناوى وأحمد مظهر وفريد شوقى الكل شعر أن إيقاع الزمن اختلف مع بزوغ نجومية محمود يس ونور الشريف وحسين فهمى، وهكذا مثلًا وجدنا فريد شوقى فى منتصف السبعينيات ينتج لنفسه «ومضى قطار العمر» ليحدد مسار سنواته القادمة، بينما رمزى أقصى ما فعله أنه ارتدى باروكة شعر لتخفى صلعته، ولكن الزمن ترك بصمته على ملامح وجهه فلم يعد الأمر متعلقًا فقط بالرأس، وابتعد، ولهذا مثلًا لم نشاهده فى الألفية الثالثة إلا مع فاتن حمامة فى مسلسل «وجه القمر»، وبعدها مع عمر الشريف فى مسلسل «حنين»، وكان للمخرجة إيناس الدغيدى محاولة غير موفقة فى فيلم «الوردة الحمراء»، ولا أتصور أن رمزى كان سعيدًا بأى من هذه الأدوار، وربما لولا صداقته لفاتن وعمر ما كان يقبل العودة.

الابتعاد كان قراره وكانت أيضًا السوق قاسية عليه، ولم يظهر إلا فى الحوار الذى أجراه معه أحمد السقا قبل سنوات قلائل، وسبقه ربما حوار مع صفاء أبو السعود فى برنامجها «ساعة صفا».. المؤكد أن رمزى وافق على تلك البرامج من أجل الإغراء المادى لأنه ليس من هؤلاء الذين لديهم شغف بالحكى والظهور الإعلامى.. رمزى لا يمكن أن تتصور أنه سوف يفرق معه الحضور أمام الكاميرا أو الانزواء بعيدًا عنها!

أخطأ جيل مخرجى الثمانينيات كثيرًا عندما لم يحاولوا الخروج عن الصندوق التقليدى فى الاختيار فلم يضعوه فى مكانة درامية كان قادرًا وهو فى تلك المرحلة العمرية على أن يشغلها باقتدار.

قال رمزى وداعًا لهذا الزمن الذى لم يمنحه ما يستحقه، بينما الشاشة احتفظت له بصورة ثابتة للشاب الوسيم خفيف الظل، ولن يمكث فى الذاكرة سوى رمزى الشاب الوسيم المتمرد الذى يشمر القميص بينما صدره مفتوح على مصراعيه والسلسلة تتدلى أمامه وصوت ليلى رستم يقول «ياختى عليه!».

 

«ترمومتر» حب مصر

طارق الشناوي

September 28th, 2012 9:20 am

آخر المعتذرات عن المشاركة فى المكتب الفنى لمهرجان القاهرة هى المخرجة كاملة أبو ذكرى، سبقها عدد من المخرجين اتخذوا موقفًا صلبًا ضد استيلاء وزارة الثقافة على مهرجان القاهرة، بعد أن وضع وزير الثقافة خطة شريرة لإعادة المهرجان إلى حظيرة الوزارة.

تتابعت الأسماء التى رفضت أن تلعب دورًا فى تجميل صورة الوزير، مثل المخرجَين أحمد عبد الله ومحمد دياب، اللذين رفضا المشاركة عضوين فى لجنة التحكيم كما أن المخرج مروان حامد اعتذر عن موقع المستشار الفنى للمهرجان، وآخرون اعتذروا وطلبوا أن لا تُذكر أسماؤهم منعًا للإحراج.

تمارس إدارة مهرجان القاهرة الحالية ضغطًا باسم مصر، ومَن قبلوا أن ينضموا إليها، لو سألتهم سيقولون لك «وافقنا من أجل مصر».. هل المعتذرون لا يحبون مصر؟ كم تمنيت أن نُبعد مصر عن تلك المعادلة.

كان أغلب أعضاء مؤسسة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى قد رفضوا العمل أفرادا تحت ولاية وزير الثقافة رغم أن العرض الذى قدمه الوزير إليهم هو أن يحتفظوا بما أنجزوه وبمواقعهم، ولكنهم كان يعنيهم المبدأ وهو أن الدولة تتراجع عن موقفها بتمكين المجتمع المدنى بإقامة التظاهرات الثقافية، وهو واحد من مكتسبات الثورة ولهذا تصدّوا للوزير ولم يذعنوا له للحصول على منصب.

والحقيقة أنه ليس فقط أعضاء المؤسسة هم الذين تصدّوا ضد مؤامرة الوزير، ولكن لجنة المشاهدة من النقاد، مثل الزملاء ماجدة موريس وعصام زكريا وعلا الشافعى وخالد محمود ورامى عبد الرازق ومحمود عبد الشكور وأحمد شوقى، اعتذروا احتجاجًا، فهل هم أيضًا لا يحبون مصر؟!

قال لى أحد المشاركين فى لجان المهرجان، لو لم يعتذر فلان وفلان فلن تتم الاستعانة بى، هذه هى فرصتى والفرصة إذا جاءت لى هذه المرة ورفضتها لا أتصورها قابلة للتكرار!

يجب أن لا نلوم أحدًا على اختياراته، ولكن فى نفس الوقت لا يمكن تجميل البضاعة بحكاية حب مصر.. أتذكر أن كاتب سيناريو قال لى بعد أن عرضوا عليه الاشتراك فى لجنة التحكيم، إنه لو وافق فسوف يفعلها حبًّا فى مصر، لم أصدق حكاية مصر فهو يريد أن يوجد فى لجنة التحكيم لأول مرة فى حياته، ليكتبها فى الـCV.

كل له وجهة نظر، ربما هناك مَن يقتنع بالوزير وموقفه.. هناك أيضًا من لديه تحفّظ على بعض الأسماء فى مؤسسة مهرجان القاهرة، ويرى أنه كان الأجدر بالوجود بدلا منهم، ولهذا وجدها فرصة وهو يعلن أنه تحت أمر الوزير حبًّا فى مصر!

الوزير نفسه الذى استحوذ على جائزة الدولة التقديرية بحيلة تواطأ الوسط الثقافى فى مصر عن فضحها، لو سألته سيقول لك إنه سرق الجائزة حبًّا فى مصر.. عزت أبو عوف يقول أيضًا إنه وافق على رئاسة المهرجان حبًّا فى مصر!

اتركوا مصر بعيدًا.. المهرجان سوف يفتتح يوم 27 نوفمبر ولا خوف على إسقاط الدولية وسوف تستطيع نائبة رئيس المهرجان سهير عبد القادر، بما لديها من اتصالات أن تقيمه وأن تحصل على عدد من الأفلام من هنا وهناك.. لا خوف على الشرعية فهناك قواعد يضعها الاتحاد الدولى للمنتجين للمهرجانات الذى ينضوى تحت مظلته المهرجان، ونائبة رئيس المهرجان تعرف تمامًا القواعد التنظيمية، فلن تخترقها، مثل أن أفلام المسابقة الرسمية لم يسبق لها العرض فى مهرجان آخر أو أن لا تتدخل الرقابة بالحذف أو تطبيق الحد الأقصى لعدد مرات عرض الفيلم ودقة المواعيد، وكلها قواعد من السهل أن تضبطها نائبة الرئيس أو إن شئت الدقة فهى الرئيس الفعلى.

لو أعلن كل مَن يشارك فى المهرجان أن هذه هى قناعاته أو أن مصلحته تدفعه إلى اتخاذ هذا الموقف أو حتى لو اكتفى بالصمت فلا بأس، ولكن لا داعى لأن يرسل رئيس المهرجان ومن قبله الوزير زخات من الطلقات تقول إن مَن يرفض المشاركة يفضّل مصلحته الشخصية على مصلحة مصر، كأن علينا أن نصدق أنهما فقط يعرفان مصلحة مصر!

بين المثقفين مَن يعتقد أن الرهان المضمون دائمًا هو على صاحب القرار، ولهذا ينحاز لا شعوريًّا إلى من يجلس على الكرسى، ورغم ذلك فلا أحد من حقه أن يلعب دور الضمير أو يعتبر أنه «ترمومتر» حب مصر

 

المرشد والزعيم

طارق الشناوي

September 27th, 2012 9:34 am

أفردت كل الصحف المصرية والعربية مساحة ضخمة من الاهتمام لهذا اللقاء الذى شاهدناه فى سفارة المملكة العربية السعودية فى أثناء الاحتفال بالعيد الوطنى، حيث جمع بالمصادفة بين عادل إمام باعتباره رمزا للفن المصرى والعربى ومحمد بديع، المرشد العام رمز الإخوان المسلمين، فهو -كما يبدو لأول وهلة- عناق بين الثلج والنار.

كانت الصورة تعلن للجميع أن عادل إمام الذى كان قد حصل قبلها بأيام على البراءة من تهمة ازدراء الأديان يحظى بقبول خاص من محمد بديع، حيث بادره قائلا أهلا بالنجم الكبير، ونحن نحترم الفن المشرف، وكان رد عادل إمام الفورى هو ابتسامة رضا علت وجهه، وأضاف: لماذا لا يقال هذا الكلام فى التليفزيون؟

تستطيع أن تدرك أن عادل إمام يستظل بالحاكم، ولا أتصوره، طبقا لتركيبته الشخصية، من الممكن أن يتحمس من الآن لما يمكن أن يغضب التيار الإسلامى.. سوف يسارع بتقديم فروض الطاعة والولاء كعادته للسلطة الحاكمة، لقد كان حتى اللحظة الأخيرة فى صف مبارك وبعد سقوطه تمسك بشفيق، وهو الآن ليس لديه غير أن يبحث عن أحضان مرسى وبديع.. فى أثناء تداول قضية ازدراء الأديان قرر الكاتب وحيد حامد والمخرج شريف عرفة كنوع من التحدى تقديم جزء ثان من «طيور الظلام»، على الفور سارع عادل خوفا من التيار الإسلامى بتأكيد أنه لا علاقة له بهذا الجزء!

المرشد يصف الفن الذى ترتضيه الجماعة بالمشرِّف، وهو يكرر ما يعلنه على الأقل 90% ممن ينتمون للتيارات الدينية فى مصر، فهو تنويعة على مقولة «حسنُه حسن وقبيحُه قبيح»، أو «حلاله حلال وحرامه حرام».. هل معنى ذلك أن جماعة الإخوان تحلل الفن الذى يقدمه عادل إمام؟ بالتأكيد لا.

عدد كبير من المشايخ الذين تعاطفوا مثلا مع إلهام شاهين عندما اتهمها أحدهم فى عرضها وشرفها لم يكن انحيازهم لإلهام دفاعا عن الفن الذى تُقدمه، ولكن لأن الرجل الذى ننسبه خطأ إلى الإسلام تطاول على سمعتها، ولا يمكن أن يتصور أحد أن هؤلاء المشايخ يبيحون ما تقدمه إلهام وأخواتها.

ما الجديد فى ما قاله المرشد لعادل عما صرح به عندما ذهب أشرف عبد الغفور إلى مقر الإخوان قبل نحو عام فور اختياره نقيبا للممثلين كان الانتقاد أكبر، ويبررون ذلك بأن أشرف هو الذى ذهب طالبا البركة، بينما عادل أخذ البركة صدفة.. المسافة بين المرشد وما كان يقدمه عادل إمام تبدو شاسعة، بينما أشرف عبد الغفور كل رصيده أو أغلبه للدقة هو أعمال دينية أو تاريخية يرضى عنها التيار الإسلامى ويراها حلالا بلالا.

المأزق ليس فى أن التيار الإسلامى يبيح جزءا من الفن الذى يصفونه أحيانا بالهادف، وتارة بالمشرف وأخرى بالنظيف وكلها تنويعات على مرادف واحد، وهو المرجعية الدينية أو لو اتسعت النظرة نصفها بالأخلاقية، وهنا تتباين النظرة وهى أننا لا نعرف فنا مؤمنا وآخر كافرا.. المعايير التى سوف تطبق فى تعريف الفن وتحليله أو تحريمه هى التى نختلف معها ولا يمكن للمرشد مثلا أن تطلب منه الموافقة على القسط الوافر من أفلام عادل إمام التى أختلف أنا مع عدد منها فنيا أيضا، ولكن المرشد أو المفتى أو شيخ الجامع الأزهر أو البابا لو طلبت منهم أن يجيزوا فيلما مثل «بوبوس» سوف يرفضونه بالإجماع، فهو تنطبق عليه قاعدة حرامه حرام.. بالمناسبة هو واحد من أردأ -إن لم يكن أردأ- أفلام عادل إمام، وأرى أن اسمه الحقيقى هو «بوس بوس» فلا شىء فى الفيلم سوى غابة من المشاهد الساخنة والقبلات، ولكنى لن أصادره والعقاب القاسى للفيلم الردىء هو أن يزدريه الجمهور فى شباك التذاكر.

تلك هى نقطة الاختلاف، أن نرفض الفيلم فنيا أم دينيا.. المرجعية الدينية مطلقة، لأنها لا تتحفظ ولكنها تُحرم وتصادر، ولو عدنا إليها لن نسمح بأغلب الأعمال الفنية لا فيلم ولا أغنية ولا لوحة.. مثلا فى الأغنية الوطنية «بالأحضان» التى كتبها صلاح جاهين، ولحنها كمال الطويل، مقطع يقول فيه عبد الحليم «فى صلاة العيد عيد الثورة بناديك يا رب» سوف يعترض رجل الدين، لأن الصلاة لا تجوز شرعًا إلا فى العيدين الفطر والأضحى.. لقاء المرشد والزعيم مانشيت وصورة غلاف وبعد ذلك اِنْسَ!

 

على «الحُركرك»!!

طارق الشناوي

September 23rd, 2012 9:33 am

يحتل حمادة هلال موقع المطرب الثانى على الخريطة السينمائية بعد تامر حسنى، حيث إنه منذ ستة أعوام وهو يوجد بانتظام على الشاشة الكبيرة فى أفلام «عيال حبيبة»، «العيال هربت»، «حلم العمر»، «الحب كده»، «أمن دولت» وصولا إلى «مستر أند مسز عويس».

إنه صاحب درجة متوسطة فى النجاح التجارى يضمن أن ينتقل فى كل عام إلى بطولة فيلم جديد، ولكن يظل النجاح الجماهيرى الضخم حلما بعيد المنال.. أرقام حمادة التى يحققها فى دور العرض تعنى أنه ناجح على «الحُركرك».

حمادة كمطرب أيضا له دائرة جماهيرية لا يمكن إنكارها، ولكن ليس هو المطرب الأول، هناك من الفنانين من تكتشف أنهم قانعون بالمركز الثانى.. إلا أن فيلمه الأخير «مستر أند مسز عويس» -أسوأ أفلامه على الإطلاق- من الممكن أن يؤثر سلبا على مكانته التى ارتضاها فى المركز الثانى.

مخرج الفيلم أكرم فريد، واحد من المخرجين الذين من الممكن أن تعتبره نموذجا صارخا لحالة المخرج الذى يأتى لمكتب المنتج رافعا يديه خاشعا ومعلنا استسلامه قائلا له «فيلمك وأنت حر فيه تفرده أو تتنيه» ويقدم بضاعته حسب الطلب.

بدايات أكرم لم تكن فى الحقيقة تشى أبدا بهذا المصير.. منذ أكثر من عشر سنوات قدم فيلما قصيرا عنوانه «3 ورقات» كان الفيلم يعدنا بأننا بصدد مخرج لديه وجهة نظر وموقف، ولكن الحقيقة على أرض الواقع تؤكد أنه لم يكن صادقا فى ما وعد به، لأنه على الفور عندما دخل إلى السوق قرر أن يستسلم بدون قيد ولا شرط بما يريده السوق وما يمليه عليه المنتج.. الفيلم من إنتاج شركة تديرها بشرى، وهو على الفور يلعب لصالحها ويسند إليها البطولة ومعه البطل المطرب حمادة هلال.

إنه حالة صارخة من التلفيق والاستسهال والادعاء ويظل طوال الأحداث يبذل محاولات مستحيلة لاقتناص ضحكة شاردة هنا أو هناك، وغالبا كل المحاولات تبوء بالفشل.. كل شىء فى الفيلم يشعرك أنه يأخذ ما تبقى حتى من «الإفيهات» التى أشبعتها السينما المصرية تداولا، كأنه يعرض بضاعة سابقة التجهيز.. إنها كوميديا قديمة لم يدرك صُنّاعها أن عمرها الافتراضى قد انتهى ولم تعد صالحة للتداول الآدمى!

السيناريو الذى كتبه كريم فهمى، لم يبذل أى جهد لكى يعثر على موقف جديد، ولكن الخيط الوحيد الذى يرتكن إليه هو أن الفيلم يستغل حالة الكراهية لضباط الشرطة والأمن فى الشارع المصرى بعد ثورة يناير ويفرغ شحنة الغضب التى شاهدناها وهى تصل للذروة فى الشارع. وكان فيلم حمادة قبل الأخير «أمن دولت» قد تناولها أيضا وبأسلوب مباشر، ولكن هذه المرة يقدمها كخط موازٍ.. لا ينسى المخرج كعادته فى أفلامه أن يضيف طفلة تؤدى دور المرأة المسخوطة التى هى شقيقة «بشرى» من أجل إثارة الضحك.. ولكن لا ضحكة من الممكن أن تخرج صافية من القلب.

الأغانى التى قدمها الفيلم افتقدت خفة الظل والمشاغبة على مستوى الكلمة واللحن، فكان حمادة فى أضعف حالاته ليس فقط كممثل ولكن كمطرب أيضا.

بشرى من الممكن أن تحقق نجاحا فى الأدوار المرحة، ولكنها ليست كوميديانة بالمعنى المباشر للكلمة، ولهذا يبدو الدور بعيدا تماما عن إمكانياتها.. لم أشعر أن الفيلم أضاف لأى ممن شاركوا فيه أى شىء، بل أغلبهم سوف يسعى جاهدا لكى ينسى أنه قد لعب دورا فى هذا الفيلم.

لو حاولت أن تعثر على ضحكة شاردة أتحداك لو وجدتها، لو كنت تبحث عن أغنية ترددها سوف يطول بحثك ولن تصادفها.. هل تستطيع أن تتذكر شيئا من الفيلم، لا تجهد نفسك لن تتذكر سوى أنك كنت على مدى نحو ساعتين فى كابوس من السخف السينمائى ولم ينقذك منه سوى كلمة النهاية.

ويبقى السؤال هل يستمر هكذا حمادة هلال ينتقل بهذا النجاح التجارى المحدود «الحُركرك» من فيلم إلى آخر.. قانون السوق السينمائى يؤكد أن مثل هذا النجاح المحدود محفوف بالمخاطر.

المطرب مصطفى قمر تاريخيا هو الذى سبق حمادة على الخريطة السينمائية قبل نحو عشرة أعوام، وكان يحقق أيضا نجاحا متوسطا، وتجاوز رصيده عشرة أفلام ومنذ خمس سنوات طلقته السينما بالثلاثة.. أخشى أن يواجه حمادة طلقة سينمائية بائنة

 

الأدب فضلوه على السينما!

طارق الشناوي

September 22nd, 2012 9:16 am

إنه سؤال يبدو عند البعض يحمل إجابته فى داخله وهى نعم السينما عندما تستند إلى الأدب تصل إلى ذروة آفاق التعبير، لأن هذا يعنى الجدية فى كل شىء. الأدباء الكبار الذين نهلت السينما من أدبهم.. لا تزال أفلامهم تحقق عادة القدر الأكبر من الإقبال الجماهيرى… وسوف نجد مثلا أن كلا من إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ قدمت السينما لكل منهما ما يربو على 43 فيلمًا، ولا تزال بعد رحيلهما تستقى من أدبهما لتطعم به الشاشة الفضية، مع ملاحظة أن السينما فى تلك السنوات كانت محمّلة بمشاعر روائية.

لو أحصينا الأفلام التى دخلت تاريخنا لوجدنا قسطًا وافرًا منها مأخوذًا عن أعمال أدبية.. أقول قسطًا وافرًا لا القسط الأكبر.. وسوف أضرب لكم مثلا عمليًّا بالأرقام.. أهم عشرة أفلام فى تاريخ السينما المصرية طبقا للاستفتاء الذى أشرف عليه الكاتب الكبير الراحل سعد الدين وهبة باعتباره رئيسًا لمهرجان القاهرة الدولى السينمائى وذلك عام 1995، وشارك فيه مئة من النقاد والفنانين والفنيين أسفر عن «العزيمة»، و«الأرض»، و«المومياء»، و«باب الحديد»، و«الحرام»، و«شباب امرأة»، و«بداية ونهاية»، و«سواق الأوتوبيس»، و«غزل البنات»، و«الفتوة». الأفلام المأخوذة عن روايات أدبية هى «الأرض» لعبد الرحمن الشرقاوى، و«الحرام» ليوسف إدريس، و«بداية ونهاية» لنجيب محفوظ.. أى أن النسبة لم تتجاوز 30%!

يجب أن نفرِّق بين القصة السينمائية والقصة الروائية، «شباب امرأة» مثلا هى قصة سينمائية صاغها أمين يوسف غراب وليست رواية.. «سواق الأوتوبيس» شارك فى كتابة القصة السينمائية كل من محمد خان وبشير الديك.. «الفتوة» قصة سينمائية صاغها محمود صبحى وفريد شوقى وشارك فى كتابة السيناريو نجيب محفوظ!

القصة الروائية العظيمة ليست هى الوصفة السحرية لتقديم عمل فنى ممتع، ولكن يظل المعيار هو قدرة المخرج على أن يمنح القصة الإحساس السينمائى.. الفن السينمائى مرتبط دائمًا بتعبير الفن السابع لأنه يجمع فى داخله الفنون الأخرى.. القصة، المسرحية، الموسيقى، الشعر، الرسم، العمارة.. ليس تجميعًا لها بقدر ما هو تفاعل بين تلك العناصر.. فتذوب المكونات الأساسية لكل مادة، لنجد أنفسنا بصدد نتاج مختلف.. السينما منذ نشأتها عام 1895 تبحث عن السينما الخالصة.. نعم بدت السينما فى وقت ما مجرد حكاية أو قصة تُروَى على الشاشة مثلما نقرؤها فى كتاب. خضعت السينما فى البدايات فى العالم كله لقالب أقرب إلى الحدوتة أو الحكاية.

من الممكن مثلا أن نضع نموذج فيلم «الكيت كات» عن قصة «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان، وهو أنجح فيلم جماهيرى للمخرج داوود عبد السيد، وأيضا لبطل الفيلم محمود عبد العزيز، وواحد من أهم ما قدمته السينما المصرية عبر مشوارها.

وحصد الفيلم العديد من الجوائز الذهبية، سواء فى مهرجانات دمشق وبينالى السينما العربية بباريس وقرطاج وغيرها.. لو أن «مالك الحزين» استحوذ عليها مخرج آخر سنجد أنفسنا بصدد تحفة اسمها «مغامرات الشيخ حسنى النسائية» أو «حسنى بوند».

نعم الأدب يدعم السينما ويمنحنا أفلامًا تدخل فى نسيج حياتنا وليس فقط فى تاريخ السينما، فهل ينسى أحد «دعاء الكروان» لهنرى بركات الذى استمتعنا فيه ليس فقط بقصة طه حسين، ولكن أيضا بصوته فى دور الراوى؟ إلا أن رائعة «دعاء الكروان» لو ذهبت إلى يد مخرج آخر، فمن الممكن أن نجد أنفسنا نشاهد تحفة «دلعنى يا زغلول»!

على هامش مهرجان الأقصر أقيمت ندوة تناولت تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية شارك فيها بالحديث بهاء طاهر وداوود عبد السيد وفايز غالى ومريم ناعوم وماجدة موريس وكاتب هذه السطور، وأدارها محمد كامل القليوبى. اقترب النقاش من تلك النقطة الشائكة التى يتم فيها تبادل النيران بين الكاتب الروائى والمخرج السينمائى، كل منهما يؤكد أنه يدافع عن حقوقه وأرضه، ومنذ بدايات السينما نقرأ سيلا من هذه الاتهامات، بدأ عندما كتب أحمد الصاوى محمد نقدًا لفيلم «رصاصة فى القلب» لتوفيق الحكيم، إخراج محمد كريم وبطولة محمد عبد الوهاب، حيث كان عنوان المقال «رصاصة فى قلب توفيق الحكيم»، ولم يتوقف حتى الآن بين الطرفين تبادل إطلاق النيران

 

مقايضة فى الأقصر

طارق الشناوي

September 21st, 2012 9:42 am

قبل إقامة المهرجان بلحظات كان كل شىء معرضا للإلغاء بسبب تعنت وزير الثقافة فى تنفيذ اتفاقات الدولة بحجة أن من سبقوه على المقعد هم الذين وافقوا عليها، فلا احترام لأى تعهدات أو التزامات. الغريب أن الكل بقدر ما يصرخ فى السر بسبب تراجعات الوزير بقدر ما يستسلم إلى عدم التصعيد ضده، بحجة أن الرجل فى نهاية الأمر يمتلك فى يديه قوة التوقيع والمنح والمنع.

كانت خطة إدارة المهرجان هى عدم التورط فى معارك معه وإنجاز هذه الدورة تحت أى ظرف قاهر. هناك إرادة من رئيسة المهرجان ماجدة واصف، وكل من شاركوها من أعضاء مؤسسة «نون للفنون» التى يرأسها محمد كامل القليوبى، وبعضوية داوود عبد السيد، ويوسف شريف، ورزق الله، وسلمى الشماع، وجمال زايدة على استكمال الطريق.

كان من بين المعوقات تقليص حجم الإنفاق، فقرروا اللجوء إلى حلول بديلة، وبدلا من السفر بالطائرة لعدد من زملائى بين شباب الصحفيين كان الأوتوبيس هو الحل واستغرقت الرحلة من ساعة وعشر دقائق جوا للوصول إلى الأقصر إلى 9 ساعات برًّا، وقال لى أحد الصحفيين الشباب إنه كان يتمنى أن يسافر بالطائرة، قلت له وأنا أتمنى أن أسافر بالأوتوبيس، ولكن من يعيد لى سنوات عمرى المسروقة.

إنها مقايضة مستحيلة وهناك فى المهرجان تنويعات على تلك المقايضة. تأخر الافتتاح أكثر من ساعة، والحقيقة انزعجت ليس فقط من ضياع الزمن، ولكن أيضا من ضيق المكان ومن الاستهانة بمشاعر الناس لا أحد قدم اعتذارا، ثم طالت كلمات المسؤولين أكثر مما ينبغى أو نحتمل، والوحيدة التى كان ينبغى أن تلقى كلمة هى ماجدة واصف، رئيسة المهرجان، وهى الوحيدة التى اكتفت بالصعود فقط إلى خشبة المسرح، بينما الآخرون كانوا يتسابقون فى الرغى.

وعرض الفيلم البريطانى «صيد السلمون فى اليمن» وكأنه تعويض ومقايضة للجمهور عن طول زمن الانتظار. بريطانيا هى الدولة التى يحتفى بها المهرجان، فكان ينبغى أن يحمل فيلم الافتتاح جنسيتها ويشارك البطولة عمرو واكد، مما يمنح الفيلم مذاقا مصريا.

عنوان المهرجان «السينما المصرية والأوروبية» ولكن هذا لا يعنى أن تتوازى السينما المصرية مع كل الدول الأوروبية، وهكذا شاهدنا كثيرا من السينما الأوروبية وقليلا من المصرية. منح المهرجان الأفلام القصيرة مساحة تستحقها ولكن لاحظت أن عددا من هذه الأفلام زاد عن الحد الأقصى للفيلم القصير وهو 30 دقيقة، حيث إنه فى توصيف الفيلم المتوسط.. من الأفلام القصيرة التى استمتعت بها «رجال بلا أقدام» و«الرجل ذو القلب المسروق» و«طريق منحدر» و«الأمل يشرق» وحتى كتابة هذه السطور فإن أفضل فيلم طويل هو الألمانى «باربارا». فى الأقصر لن تجد دور عرض قالوا لى إنها منذ 25 عاما أغلقت تماما، ورغم ذلك فأنا أنتظر أن نرى العودة إلى بناء دور عرض سينمائية تحتضن فاعليات المهرجان، خصوصا أن الأقصر تستقبل سنويا مهرجانين، حيث سبق مهرجان السينما المصرية والأوروبية مهرجان الفيلم الإفريقى فى شهر فبراير الماضى. الندوات ملمح مهم بعد ندوة حرية التعبير عقدت مساء أمس ندوة الأدب والسينما أدارها بهاء طاهر، وأكتب هذه الكلمة قبل إقامة الندوة بساعة، ولكنى أتصورها واحدة من القضايا السينمائية الحساسة، خصوصا عندما نعلم أن بهاء طاهر كان كثيرا ما يتحفظ على تقديم فيلم مأخوذ عن رواية له، وبينها مثلا «خالتى صفية والدير» التى قُدمت مسلسلا تليفزيونيا ومسرحية، ولكن توقفت كمشروع سينمائى بسبب إصراره على مراجعة السيناريو. أتذكر أنى كتبت مقالا فى «الدستور الأسبوعى» كان عنوانه «خدعوك فقالوا الأدب فضلوه عن السينما» ولا تزال قناعتى هى أن الرواية العظيمة لا تصنع بالضرورة فيلما عظيما. يعقد مساء اليوم ندوة يديرها الكاتب والمنتج محمد حفظى، عن معوقات تصوير الأعمال العالمية فى مصر، ويجب أن نلاحظ أنه حتى الأفلام السينمائية التى يحاول منتجوها التصوير بجوار الهرم والنيل والآثار توضع أمامها معوقات رقابية ومادية تجعل شركات الإنتاج الأجنبية تفضل التصوير فى المملكة المغربية التى أقامت مجسمات بالديكور للهرم وأبو الهول والآثار. على باب الفندق الذى يقام فيه المهرجان استمعت إلى واحد من البسطاء يقول «أنا لا أحب السينما، ولكنى سوف أذهب إلى المهرجان علشان ينجح والسياحة ترجع تانى». هل يدرك وزير الثقافة أهمية تلك المقايضة إذا كان لا يحب المهرجانات على الأقل عليه أن يعتبرها فرصة لإنعاش الاقتصاد المصرى

 

حرية التعبير فى الأقصر

طارق الشناوي

September 20th, 2012 9:22 am

التقط مهرجان الأقصر تلك القضية التى تشغل بالنا جميعا، وهى حرية التعبير فكانت هى العنوان الرسمى للندوة الرئيسية، بينما باقى العنوان الذى أكملناه من عندنا فى ظل التخوف من الحكم الإسلامى.

صحيح أن د.مرسى ينفى ذلك والكل من بعده ممن يشغلون مواقع قيادية يرددون نفس المقولة، وهى أنهم خلعوا عباءة الإخوان بمجرد وصولهم لمؤسسة الرئاسة أو اعتلائهم كرسى الوزارة، وكأن الفكر بدلة نرتديها أو دقن وشنب نطلقهما فإذا تخلصنا من البدلة أو حلقنا وجوهنا أنهينا تماما المعتقدات التى تسكننا!

أدار الندوة الكاتب الكبير سعد هجرس وشارك فيها أيقونة الأدب الروائى العربى بهاء طاهر رئيس شرف المهرجان، وعدد من النجوم: ليلى علوى، وإلهام شاهين، وخالد أبو النجا، وعمرو واكد والناقد والمستشرق الروسى «أنا تالى شاخوف» والمخرج الكبير داوود عبد السيد.

ولاحظت أن الخوف هو الذى يسيطر على الندوة.. الخوف من الثورة أو الخوف على الثورة، وطوال الجلسة وأنا أشعر أن الحرية كأنها طرف مناقض لثورة 25 يناير. كان الحديث عن الإسلام وكيف ينظر إلى الفنون، ودافع بهاء طاهر، مؤكدا أن الفتح العربى لم ير فى الآثار الفرعونية مثلا أصناما، ولكن هناك أصواتا نستمع إليها الآن تعتبرها استمرارا لعبادة الأوثان. كان حضور الثورة لافتا، فهجرس يراها سُرقت، وأبو النجا وواكد يؤكدان أنها نجحت، وإلهام ترى أن مصر قبل الثورة كانت أفضل.

قلت: رغم الضبابية والغيوم اللذين تعيشهما مصر الآن فإننا حطمنا حاجزَى الخوف والسلبية، الثورة ألغت تماما الحكم الأبدى. الرئيس الآن يحاول أن يكسب ودّ الناس، وحريص على أن يرسل بين الحين والآخر إشارات تطمينية إلى الشعب تنفى أنه يسعى لفرض الحكم الإسلامى، حتى ولو كانت ملامح الدولة فى العديد من القطاعات تؤكد ذلك، فإن علينا أن نتمسك بقدرتنا على المقاومة.

الخطأ الأكبر أن نراهن على رجل الدين المستنير فى تقنين الفن والسماح به، وهو ما يضعنا فى تناقض لأن رجل الدين فى نهاية الأمر سوف يرتكن إلى الحلال والحرام تلك هى الرؤية التى سوف تسيطر عليه، لن يستطيع أن يرى الفن إلا بتلك القاعدة التى أطلقها الشيخ الشعراوى، ورددها من بعده أغلب رجال الدين، بل والفنانون الذين رفعوا شعار الالتزام هى «حلاله حلال وحرامه حرام» وضربتُ مثلا بالشيخ محمد الغزالى الذى يعتبره الكثيرون العنوان لاستنارة الفكر الدينى فى علاقته بالفنون فهو كان يستمع إلى أم كلثوم وعبد الوهاب، ويعلن ذلك ولم يحرّم صوت المرأة فى الغناء فكان يقول أستمع إلى امرأة تقول «أنا الشعب أنا الشعب» -يقصد أم كلثوم- ولا أستمع إلى رجل يقول «ليلنا خمرًا» يقصد عبد الوهاب فى قصيدة «الجندول»، رغم أن شاعر القصيدة على محمود طه لم يقصد أنه فى حالة سكر، ولكن رجل الدين عادة لا يتسامح مع أى تعبير مجازىّ.

قلت إن الشيخ الغزالى هو الذى كتب فى نهاية الخمسينيات تقريرا ضد «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ وبناء عليه لم تُطبع الرواية فى مصر، وهو أيضا الذى طالب بحذف مقطع «قدر أحمق الخُطَى» من قصيدة «لست قلبى» للشاعر كامل الشناوى وغناء عبد الحليم، والغريب أن دار الأوبرا المصرية عندما تعيد هذه الأغنية الآن بأصوات جديدة، وبناء على تلك الفتوى تغيِّر بيت الشعر وتجعله «قدر واثق الخُطَى».

كانت جلسة ساخنة وسجلها العديد من الفضائيات وفى النهاية كان لى لقاء مع «الفضائية المصرية» وقلت للمذيع إن الإعلام يعود بنا للخلف دُر وإننى مثلا فى عهد المخلوع انتقدت مسلسل «الجماعة» رغم حماس الإعلام الرسمى له، حيث كان لى العديد من الملاحظات، كتبتها فى حينها، ولكنى أعترض بشدة الآن على وزير الإعلام صلاح عبد المقصود عندما يصرح ويتباهى أكثر من مرة بأنه سوف يمنع عرض الجزء الثانى من «الجماعة».

قبل ثورة يناير كان لدى الإخوان مشروع لتقديم فيلم ومسلسل يتناول حياة حسن البنا، من حق وزير الإعلام أن يعرض الجانب الآخر أو الصورة التى يراها الإخوان للبنا، ولكن ليس من حقه أن يصبح هو الترمومتر والمرجعية ليتحول إلى وصىٍّ على الناس.. انتهت الندوة التى امتدت ثلاث ساعات ولم تنته التساؤلات ولا الخوف على الحرية.

 

كبيران على باب الوزير

طارق الشناوي

September 19th, 2012 10:01 am

مثلما كان الفنان الكبير صاحب التاريخ يذهب إلى صفوت الشريف ليحل له مشكلته ويسند إليه فى نهاية الجلسة مسلسلا أو برنامجا أو أغنية ويخرج هاتفًا للشريف الذى لا يردّ مظلومًا، حدث هذا بالضبط مع الكبيرين المخرج محمد فاضل والنجم محمد صبحى.

فى واحد من الحوارات الكثيرة التى أجراها مؤخرا وزير الإعلام صلاح عبد المقصود أشار إلى أن محمد فاضل التقاه ليجد حلا لمسلسله «ويأتى النهار» الذى يحتاج إلى دعم مالى لاستكماله، كما أن محمد صبحى التقاه أيضًا للموافقة على تقديم جزء آخر ربما خامس أو سادس من مسلسله المزمن «ونيس» حيث يعد جزءا آخر باسم «ونيس فى البلاد».

أشعر دائما أن الكبار ينبغى أن يبتعدوا عن الدائرة الصغيرة التى لا تتجاوز مصالحهم عندما يلتقى مخرج بحجم محمد فاضل مع وزير الإعلام يقدم له خطة من واقع خبرته لتشغيل العاملين فى ماسبيرو، أو لكى يرشده إلى موطن الخلل الذى أدى إلى أن موقع الدراما التى تنتجها الوزارة من خلال القطاعات المختلفة يحتل بلا منافس المكانة الأخيرة، حتى إن شاشة التليفزيون تخجل من عرضها فى أوقات الذروة.. مسلسلات الحكومة تعانى أيضا من عدم تسويقها مما يشكِّل خطورة على تدفق الإنتاج، هذا هو ما كنتُ أنتظره، والغريب أن مسلسل «ويأتى النهار» وُضع بالفعل على الخريطة الرمضانية ونشر العديد من الجرائد مواعيد العرض، وبعد ذلك قالوا إن فاضل هو الذى اعترض بسبب الموعد غير الملائم، وهذا يعنى أن المسلسل كان مكتملا أو لم يتبقَّ سوى أيام على استكمال المشاهد الناقصة. المسلسل يتناول الأسباب التى أدت إلى ثورة اللوتس وتلعب بطولته كعادة فاضل زوجته الفنانة فردوس عبد الحميد. من حق المخرج اختيار نجومه ولكنها بالطبع صارت مشكلة يعانى منها فاضل ويعانى منها أيضا قطاع وافر من المشاهدين بعد أن تحددت زاوية رؤيته فى أى عمل فنى، فهو بين كل نجمات الدنيا لا يرى غير فردوس.. الأهم أنه كما يبدو لا يقع اختياره على العمل إلا بعد أن يتأكد من أن فردوس ستصبح هى العنوان!!

إنها حالة مزمنة ليس الآن مجال تفنيدها خصوصا أن أغلب ما تراه فى السنوات الأخيرة لفاضل، والذى تلعب بطولته فردوس من إنتاج أجهزة تابعة لوزارة الإعلام، أى أن الدولة فقط هى التى تتحمس للإنتاج ورغم ذلك يبقى أن المخرج الكبير كان ينبغى أن يخرج من لقاء الوزير بمكاسب تُنعش الدراما كلها وبدلا من حل مشكلة «ويأتى النهار» يضع خطة شاملة لنرى نهار الدراما يحلّ على تليفزيون الدولة المظلم.

محمد صبحى صار هو أيضا لا يرى سوى «ونيس» وأجزاءه المتعددة، هل سادس، سابع..؟ حقيقة لم أَعُد أَعُدّ وراءه، ولكن المؤكد أن صبحى كان واحدا من أهم نجوم الشاشة وانتقل من «سنبل» إلى «ونيس» وكان نجاحه فى «سنبل» استثنائيا، وبدأت الأجزاء الأولى من «ونيس» متوازنة، ولكن الجانب التربوى التعليمى الذى يقدمه صبحى زادت جرعته كالعادة من جزء إلى آخر، كما أن الأسلوب والمنهج الإخراجى المدرسى الذى يتبعه صبحى لم يعد يشكل إيقاع ولا لغة الزمن الذى نحياه. الشاشة تغيرت كثيرا والمشاهِد أيضا وصبحى لا يزال هو الأستاذ الذى يُقدم الحصة للتلاميذ!!

ورغم ذلك قد يختلف معى البعض ويرى على العكس أن صبحى من حقه أن يقدم تلك الدروس، كما أن فاضل من حقه كمخرج أن يسند البطولة إلى زوجته فى كل أعماله.. كل هذا ممكن أن أتفهمه ولكن غير الممكن أن يصبح دور الوزير هو حل مشكلات الكبار وأصحاب الأسماء اللامعة الذين يطرقون بابه فيفتح لهم لأن هناك بالفعل من غير المشاهير من لديهم مشكلات أكبر مع تلك القطاعات ولن يُسمح لهم بنفس المساحة.. الوزير يضع استراتيجية عامة ومنصفة تصبّ فى النهاية لصالح الجميع بعيدا عن الأشخاص.

الكبار على باب الوزير سوف تلمحهم كثيرا فى الأسابيع القادمة وسوف تقرأ وتسمع قريبا عن رجاحة عقل الوزير الذى تدخّل وحسم المشكلات التى عانى منها فلان وعلان، وأنه لم يهدأ له بال ولم يغفل له جفن إلا بعد أن أعاد الابتسامة والبهجة لفاضل وصبحى وكأننا لم نغادر بعد محطة صفوت الشريف

 

نشتاق إلى «سُمعة»!!

طارق الشناوي

September 18th, 2012 9:50 am

قبل أيام قلائل احتفلنا بعيد الميلاد المئوى لأهم وأشهر وأصدق ضحكة عرفتها مصر والعالم العربى كله طوال التاريخ.. إنها تلك الضحكة التى قدمها لنا إسماعيل ياسين منذ نهاية ثلاثينيات القرن الماضى. أكثر من 70 عامًا وهو يضحكنا ولا يزال قادرًا على أن يغسل همومنا!!

من الذى يمنح الفنان تأشيرة الدخول إلى قلوب الناس. إنها المشاعر التى تنفتح لتستقبل فنانا أو تنغلق فترفض آخر.. بين نجوم الكوميديا لا يملك أحد أن يراهن على النجاح المسبق، والتاريخ الفنى يؤكد لنا كم راهنوا على نجم كوميدى قادم، ثم أثبتت الأيام أنه لم يتقدم ولو خطوة واحدة للجمهور.. إنه سر خاص، الناس فقط هى التى تملك هذا السر الذى يبدأ بنظرة فابتسامة فضحكة.. لا يوجد فنان كوميدى كان هو صاحب الخطوة الأولى.. الجمهور هو الذى يقرر أولاً.. هو الذى يمنح الفنان لقب كوميديان.. إسماعيل ياسين جاء من السويس فى مطلع الثلاثينيات، وهو يحلم بشىء واحد أن يصبح مثل محمد عبد الوهاب مطربًا ذائع الصيت، يقدم الأغنيات والقصائد الرصينة، وغنى بالفعل «أيها الراقدون تحت التراب»، بينما كان الجمهور يضحك استنكارًا، وإسماعيل يصر أن يكمل فكادت الجماهير أن تفتك به وتضعه هو شخصيا تحت التراب لو أكمل الأغنية!!

ووجد نفسه يتجه إلى المونولوج بناء على طلب الجمهور، والتقى فى صالة بديعة مصابنى برفيق المشوار أبو السعود الإبيارى الكاتب الدرامى والغنائى والزجال الذى شكل معه توأمة فنية، ولديه العشرات من المونولوجات مثل «السعادة»، و«ماتستعجبش ماتستغربش»، كما تعرف أيضا على فريد الأطرش ومحمد فوزى، وكان كل منهما يصر على أن يشاركه إسماعيل ياسين البطولة فى أغلب أفلامه، باعتباره هو المسؤول الأول عن إيصال الضحك إلى الجمهور!!

أفلام إسماعيل ياسين التى حققت أعلى الإيرادات وضعته على القمة مع مطلع الخمسينيات كنجم أول للشباك، لكنه منذ نهاية الثلاثينيات وهو يعتبر الورقة الرابحة فى السينما. كان يتقدم خطوة خطوة حتى اعتلى العرش واستمر حتى منتصف الستينيات على القمة ملكا متوجا بعد ذلك بدأ رحلة الأفول.. ماتت ضحكات الناس الذين كانت تنشرح قلوبهم بمجرد سماع اسمه، صاروا لا يعيرون وجوده التفاتًا، ومضت بعدها سنوات قليلة، ومات أيضًا إسماعيل ياسين فى منتصف عام 1972، لكن الناس لم تنس أبدًا أنه النجم الأول.. أطفال زمن الكمبيوتر لا يزالون يعتبرون أن إسماعيل هو الأقرب إليهم، والدليل على ذلك أن أفلامه الأبيض والأسود تحقق فى القرن الواحد والعشرين أعلى كثافة فى المشاهدة.. كان إسماعيل ياسين عنوانًا لمصر، بل أكبر عناوينها منذ بزوغ نجوميته، كان سفير مصر الأول للكوميديا فى العالم العربى!!

وتأملوا هذه الحكاية فى منتصف الخمسينيات كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى زيارة إلى الملك الأسبق الراحل محمد الخامس فى المغرب، وبينما الوفد الرسمى يتحرك بين الجموع استطاع أحد المواطنين اقتحام الموكب واتجه إلى جمال عبد الناصر قائلاً حضرتك من مصر؟ أجابه أيوه.. قال له عندما ترجع سلم لى على إسماعيل ياسين!!

لم تمنعه ضآلة نصيبه فى الوسامة من أن يصبح محبوبًا على الشاشة، غنت له شادية «عجبانى وحاشته.. وحاشته عجبانى»، وغنت له فايزة أحمد «يا حلاوتك يا جمالك خليت للحلوين إيه.. كان مالى بس ومالك تشغلنى برمشك ليه».. تخيلوا قدرة رموش إسماعيل ياسين على قهر النساء!!

السر الحقيقى لحالة التواصل مع الناس هى تلك المنحة الإلهية التى لا يمكن إخضاعها للتفسير العلمى، ولكن حالة انتشاء وسعادة ينقلها إسماعيل ياسين من الكاميرا إلى الشاشة تبث ذبذباتها مباشرة إلى الجمهور. طريقة أداء إسماعيل ياسين هى أن يقدم دائمًا إسماعيل ياسين. أنت تشاهد شخصية درامية واحدة تتكرر بتنويعات متقاربة فى أغلب الأفلام.. إلا أن الناس تذهب إلى أفلام إسماعيل ياسين، وهى موقنة أنها دفعت ثمن التذكرة لكى تضحك ولم يخذلهم إسماعيل ياسين.

كانت حياته أشبه بدائرة تلتقى فيها نقطة البداية بالنهاية. المحطة الأولى كانت أداء المونولوجات فى الكباريهات، وجاءت أيضًا المحطة الأخيرة من مشواره عندما عاد من أجل لقمة العيش إلى شارع الهرم مونولوجستا يلقى النكات والناس بدلاً من أن تضحك، تسخر منه قائلة قديمة يا سمعة، ولكن الفضائيات أعادت إليه مكانته فى القلوب واحتفظت لنا بضحكة صافية نغسل بها همومنا.

 

زمن اللحية!

طارق الشناوي

September 17th, 2012 9:59 am

عندما كانت الدولة فى عهد المخلوع تتجاهل تكريم الفنان حسن يوسف بسبب لحيته، كتبت مقالًا عنوانه «دقن الأستاذ تا تعيش»، قلت بالحرف الواحد: «يأتى فى نهاية شهر نوفمبر القادم مهرجان القاهرة السينمائى الدولى وسوف يتكرر هذا السؤال: هل يُكرَّم حسن يوسف عن تاريخه الفنى الذى لا يختلف عليه أحد؟!».

وأضفت: ليس سرًّا أن اسم حسن يوسف طُرح أكثر من مرة سواء فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى والإسكندرية، وأيضًا المهرجان القومى للسينما لتكريمه عن مشواره وعطائه، وسبق لحسن يوسف أن كشف سر الاتصالات التى أُجريت معه عند ترشيح اسمه لتكريمه فى مهرجان القاهرة، وأكد أنه وافق من حيث المبدأ، ولكن عند إعلان الأسماء سقط اسم حسن يوسف.. اعترض فاروق حسنى وزير الثقافة، الذى تعود إليه كل الترشيحات.. الذى أعرفه ويعرفه أيضًا كل من له علاقة بدائرة السينما والفن، أنه قد تم القفز تاريخيًّا على مرحلة حسن يوسف، كان قد تم تكريم كل الجيل السابق له ثم الجيل التالى أما هو فإنه مستبعَد لأسباب تخاصم بالتأكيد المنطق لأن التكريم يعنى التاريخ لا اللحظة الراهنة، وتاريخ حسن يوسف يضعه فى مكانة مميزة لا يستطيع أحد أن ينكرها، خصوصا فى إبداعه السينمائى.. صحيح أن حسن يوسف ابتعد فى مرحلة ما من عمره قبل نحو أكثر من 10 سنوات كان يبدو أنه قد اعتزل، لكنه عاد فى أعمال دينية، مثل «الشيخ الشعراوى» و«الإمام المراغى» و«الإمام عبد الحليم محمود».. أنا لا أوافق على الكثير من آراء حسن يوسف فى الفن وأيضًا لا أرتاح لأن يضع مبدع إطارًا يقيده فلا يشارك إلا فى ما هو فقط دينى، وكأن المسلسلات الاجتماعية رجس من عمل الشيطان، وكثيرًا ما أنتقد التعبير الذى دأب عدد كبير من الفنانين على ترديده، ومنهم حسن يوسف، عندما يسألون عن الفن يكررون عبارة تقليدية أطلقها الشيخ محمد متولى الشعراوى، وهى أن حلاله حلال وحرامه حرام.. لا يوجد فى الفن حرام وحلال، لكن هناك فنًّا جميلًا وفنًّا قبيحًا.. الحلال والحرام ليس لهما علاقة بالفن، ومن الممكن أن أعترض على آراء حسن يوسف.. كل هذا أكتب عنه، ولكنى فى المقابل لا أوافق على تجاهل تاريخه الفنى، خصوصا أنه لم يتنصل من هذا التاريخ.. حسن يوسف لديه تحفظات على بعض أفلامه وهذا من حقه، لكنه لم يضع علامة حمراء تلغى أيًّا من هذه الأفلام ولم يطالب مثلًا بمنع تداوُلها، فلماذا تُخاصم المهرجانات السينمائية تاريخ حسن يوسف؟ يقولون فى تبرير ذلك إن الدولة لا ترحّب بأن يصعد على المسرح لاستلام جائزته فنان له ذقن وأنا أرى أن هذا يدخل فى إطار الحرية الشخصية لأن كل إنسان من حقه أن يطلق ذقنه أو يحلقها.. هو يعتزّ بذقنه، وأنا لا تعجبنى ذقنه، ولكنى أؤيد حقه المطلق فى الاحتفاظ بها على الاستعداد أن أهتف على طريقة طالبات فيلم «شارع الحب».. دقن الأستاذ.. تا.. تعيش!!».

انتهت الكلمة التى كتبتها قبل نحو أربع سنوات، ولا تزال هذه هى قناعتى، ولكن كما أنى فى زمن المخلوع دافعت عن حقه فى التكريم رغم إطلاق لحيته، فأنا أيضًا فى زمن صارت فيه اللحية كلمة السر وجواز مرور للتكريمات والتعيينات فإن من واجبى أن أتصدى لذلك.

قرأت على صفحات «صوت الأمة» تقريرًا للزميلة سوسن عبد القادر، يعتب فيه حسن على مؤسسة الرئاسة، لأنها لم تدعه للقاء الرئيس، مؤكدًا أنه دفع الثمن أيام مبارك الذى قال عنه «ده إخوانجى والعياذ بالله»، ولهذا كان يمنع تكريمه.

والحقيقة أن حسن كثيرًا ما غازل نظام مبارك وله أحاديث يبايع فيها مبارك ويبارك التوريث.. أكثر من ذلك فإنه فى أثناء الثورة أطلق تلك العبارة التى تتهم المتظاهرين فى شرفهم الوطنى، مؤكدًا أنهم يحصلون على الثمن بوجبات كنتاكى ولا أنسى أن السيدة زوجته شمس البارودى، قالت فى نفس اللقاء إنها بسبب المظاهرات تخجل من أن تعلن أنها مصرية.

حسن كان حريصًا فى زمن مبارك، شأنه مثل أغلب النجوم، على نفاقه، ورغم ذلك فإنه كان يستحق التكريم فى زمن المخلوع على إبداعه رغم لحيته، وكان يستحق أن يلتقى مرسى مع الفنانين لتاريخه الفنى، وليس لحيته!!

 

عبد الحافظ حتى آخر نفس

طارق الشناوي

September 16th, 2012 9:35 am

شىء ما فى التركيبة الإبداعية للمخرج إسماعيل عبد الحافظ يذكّرنى بحسن الإمام، الاثنان تستطيع أن تعتبرهما الأكثر اقترابا لمشاعر الناس والاثنان قدّما روائع.. عبد الحافظ للشاشة الصغيرة، والإمام للكبيرة.

شىء من السحر الخاص المطرَّز بالبساطة تلمحه بينهما رغم أنى أتصور أنهما ربما لم يلتقيا فى الحياة، ولكنك مثلا تكتشف أن حسن الإمام كان كثيرا ما يذهب إلى الاستوديو مرتديا الجلباب وإسماعيل أيضا كثيرا ما كان يفعل ذلك، مع ملاحظة أن مفهوم الجلباب أخذ الآن بعدا آخر بينما الإمام وعبد الحافظ كان الجلباب بالنسبة إليهما تعبيرا عن شخصية ابن البلد الذى ظل يسكن أعماق كل منهما.

ليس هذا تحديدا ما أردت الحديث عنه، ولكن قدرة كل منهما على تقديم عمل فنى على موجة الناس. إنها الشفافية التى تحيل المبدع إلى مرآة ذات وجهين بقدر ما يرى من خلالها الناس يراه أيضا الناس!

آخر مرة رأيت فيها إسماعيل عبد الحافظ كانت فى نقابة الصحفيين قبل ثلاث سنوات عندما أقام زميلى العزيز الأستاذ محمد عبد القدوس ندوة لتأبين أسامة أنور عكاشة ووجهنا الدعوة إلى عديد من النجوم الذين ترك أسامة على مشوارهم بصمات لا تُنسَى ولم يحضر سوى المخرج إسماعيل عبد الحافظ والكاتب بشير الديك.

فى الندوة لم يكن إسماعيل يتحدث كثيرا، كانت دموعه تسبقه وتتحدث بالنيابة عنه، فما بينهما توأمة إبداعية وإنسانية.. صحيح أن أسامة كان أغزر وأروع كاتب درامى عرفته الشاشة الصغيرة ودائرته امتدت تخومها إلى محمد فاضل وإنعام محمد على و فخر الدين صلاح وغيرهم، بل هو الذى دفع عددا من المخرجين الجدد إلى الساحة مثل جمال عبد الحميد، ولكن الناس أشارت إلى أسامة بقوة فى البداية من خلال «الشهد والدموع» بجزأيه ووصل إلى ذروة الجماهيرية غير المسبوقة مع «ليالى الحلمية» بأجزائه الخمسة، كانت مصر والعالم العربى تعيش لياليها كلها فى أجواء الحلمية، وبلغ صدق العمل الفنى أن المشاهِد ظل ملتصقا بالشخصية الدرامية وخَفَت تماما بجوارها اسم النجم كأن الجمهور يريد تثبيت اللحظة الزمنية.

صلاح السعدنى هو «العمدة سليمان غانم»، والفخرانى «الباشا سليم البدرى»، وصفية العمرى «نازك السلحدار»، وسيد عبد الكريم «المعلم زينهم السماحى»، كل هؤلاء ما عدا الفخرانى لأسباب خاصة، ليس الآن مجال ذكرها، قيّدهم النجاح الأسطورى للحلمية، وصار السعدنى ملتصقا بـ«العمدة» وصفية بـ«نازك»، حتى عندما رحل سيد عبد الكريم قبل عامين كتبوا فى العنوان «رحيل المعلم زينهم السماحى»!

المخرج الذى ينجح فى أن يسكِّن ممثليه فى الدور الذى يطلقون من خلاله إشعاع الموهبة لا شك مخرج استثنائى.. كما أنه يجيد قيادة الممثل والتوجيه واستخدام الموسيقى والأجواء والإيقاع العام.. كلها مفردات يملكها بتفرد إسماعيل عبد الحافظ.

كان إسماعيل لديه حاسة نادرة فى اكتشاف المواهب وقدم للشاشة الصغيرة منى زكى فى «العائلة» ثم يدفع بها فى دور أكبر فى «ضد التيار» وبعد ذلك منح أول فرصة لكلّ من كريم عبد العزيز وياسمين عبد العزيز فى «امرأة من زمن الحب» ليصبحوا بعد ذلك هم نجوم الشاشة الكبيرة.. إنه المخرج القادر على أن يلتقط الموهوبين من بين عشرات بل مئات يطرقون الباب.

فى مسلسل «حدائق الشيطان» اعتذر عن الدور أكثر من نجم بسبب الأجر، أراد إسماعيل أن يلقنهم درسا فدفع بالممثل السورى جمال سليمان إلى البطولة متصدرا الكادر فى دور «مندور أبو الدهب»، وحقق جمال شهرة عريضة فى مصر والعالم العربى وصار الدور لصيقا به، وعلى مدى سبع سنوات يقدم جمال مسلسلات رمضانية ولا يزال «أبو الدهب» هو قفزة النجاح الجماهيرى التى لم يستطع جمال أن يتجاوزها.

أحدثت السنوات الأخيرة قدْرًا من التغيير على الشاشة عانى منه الكثيرون، كتّابًا ومخرجين، بعد أن ازدادت سطوة النجوم على مقدرات العمل الفنى، كما أن الشاشة الصغيرة تغيرت ملامحها وبدأ الجيل الذى لمع منذ الستينيات تتقلص فرص وجوده ولكن عبد الحافظ قاوم وقدم قبل رحيل أسامة «المصراوية» بجزأيه، وهذا العام شاهدنا له «ابن ليل» وكان يصور أيضا «أكتوبر الآخر» ليؤكد أن هذا الجيل لا يزال على خريطة الشاشة الصغيرة الدرامية يتنفس فنا وإبداعا حتى النفس الأخير.

 

شجاعة زائفة

طارق الشناوي

September 9th, 2012 9:44 am

العديد من الزملاء أشادوا بما ذكره فى اجتماع الرئيس بالفنانين والأدباء كل من الأساتذة، أحمد عبد المعطى حجازى، والسيد ياسين، ومحمد سلماوى، على اعتبار أنهم امتلكوا الجرأة فى معارضة د.مرسى، فى عقر داره عندما قالوا له إنه يتحدث عن مدنية الدولة فى حين أن ما يجرى على أرض الواقع، يؤكد أن الدولة تتجه فى كل مظاهرها صوب الأخونة، وكل ما ذكره الثلاثة صحيح تمامًا.

ولكن هل أنعش ذاكرتكم وأقول لكم إن الشجعان الثلاثة تحديدًا كانوا ضمن عشرة أدباء وقع عليهم اختيار وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، فى لقاء تم يوم 30 سبتمبر 2010 قبل خلع مبارك بثلاثة أشهر فقط، ولم يجرؤ واحد منهم على أن يفتح فمه ويقول له أغلق ملف التوريث يا ريس توقف عن دعم الفساد يا ريس!

لم أحضر أى من الاجتماعين لا مبارك ولا مرسى، ولكن هل يتصور عاقل أو حتى مجنون أن واحدًا من الثلاثة قال فى حضرة المخلوع شيئا من هذا.. لقد كان المطلوب بتلك الزيارات التى تمت قبل إجباره عن الرحيل بثلاثة أشهر -وكان قد سبقهم بأيام وفد من النجوم كان المقصود- تجميل وجه مبارك بالمعنى المباشر والرمزى، أى أن يقولوا إنه صاحب وجه مشرق وأنه لا يزال يتمتع بألمعية وخفة ظل وعقل مشرق أيضا، ولعبوا جميعا هذا الدور بكفاءة منقطعة النظير.

أترك جانبًا الفنانين وتحديدًا النجوم، فهم غالبا ما يحرصون على تجميل صورة الحاكم أى حاكم. دعونا نقترب أكثر ممن دأبنا على أن نصفهم بالنخبة، هؤلاء الذين ترعرع فساد مبارك والعائلة تحت أعينهم وشاهدوا كيف أن ملف توريث الحكم لجمال كان يتم فرضه بالقوة، وكان بعض من هؤلاء يشاركون فى التمهيد لمبايعة جمال.. لا أشك لحظة واحدة فى أن 90% من المثقفين الذين نراهم الآن يعلنون مواقفهم ضد التوريث كانوا ينتظرون ساعة الصفر لكى يقولوا وليه لأ؟ من حق ابن الرئيس أن يدخل الانتخابات، من حقه أن يرشح نفسه ومن حقك أن تنتخبه أو لا.

الأدباء الثلاثة كانوا فى حضرة مرسى مثل من يرتدى قميصًا واقيًا ضد الرصاص فليست بطولة أن يفتحوا صدورهم.. الكل يدرك أن مرسى لا يملك الآن أن يمنع كاتبا وأن يتم توجيه عقاب، ولو أدبيا ضد من يعارضه ليس الآن على الأقل، ولهذا عندما يقف هؤلاء ويواجهون قطار الأخونة أقول لهم لماذا صمتوا فى حضرة مبارك ولم يواجهوا بنفس القوة قطار التوريث؟!

كتبت قبل ذلك وقلت: لماذا لم يجرؤ أى كاتب حتى الآن من العشرة الذين حضروا لقاء مبارك أن يكتب تفاصيل ما جرى؟ الإجابة لا تحتاج إلى تفكير، وهى أن كلا منهم أو على الأقل أغلبهم نافق مبارك، ولو ذكر واحد منهم واقعة أو وشى بكلمة مما قالها الآخر سوف يسارع الآخر بفضحه وكتابة ما قاله، وكأنه يقول له لا تعايرنى ولا أعايرك النفاق طايلنى وطايلك.. لى صديق من العشرة الذين كانوا فى حضرة المخلوع، سألته: لماذا لم يكتب عما جرى؟ قال لى إن بعضا مما سمعه فى أثناء الاجتماع يخجل أن يذكره، قلت هذا تحديدًا ما ينبغى أن يعرفه الناس.

بالمناسبة لقد استضافت منى الشاذلى فى أعقاب اللقاء فى العاشرة مساء صلاح عيسى الذى ظل على مدى نحو ساعة يملأ الحلقة بصوته الصاخب، مؤكدًا أن الرئيس دمه خفيف خالص خالص يا منى، وأن الأكواب التى تناولوا فيها الشاى عادية خالص خالص يا منى، وأن الصالون الذى التقاهم فيه عادى خالص خالص يا منى، وأن الرئيس متواضع خالص خالص يا منى.. وعلى نفس المنوال السيد ياسين كانت كل كتاباته قبل الثورة لا تتجاوز الإشادة بحسن عقل وإدراك وألمعية وخفة دم مبارك.. عندما سألوه فى الصحافة بعد لقاء المخلوع كرر ما قاله عيسى تنويعة على خالص خالص يا منى.. أما عبد المعطى وسلماوى فلم أقرأ على الأقل فى حدود ما تابعت شيئا من هذا النفاق المباشر «الخالص خالص يا منى»، ولكن فى نفس الوقت لم يذكر أى منهما شيئا عن اللقاء خالص خالص.. الشجاعة الحقيقية كانت فى لقاء 30 سبتمبر 2010 وليست فى 6 سبتمبر 2012 لذا لزم التنويه.

 

أحمد صالح

طارق الشناوي

September 8th, 2012 9:39 am

قبل نحو عام وأنا أقلّب صفحات جريدة «أخبار اليوم» استوقفنى أن الزاوية التى كان يكتبها الكاتب والناقد الكبير أحمد صالح، على مدى تجاوز 7 سنوات، لم تُنشر، كنت أتابعها لأرى من خلالها ومضات من الزمن الجميل، حيث كان أحمد صالح حريصًا على أن يمزج بين المعلومة المجهولة والحكاية المثيرة.. سارعت بالاتصال به، فاجأتنى إجابته وهى أن بعض الزملاء فى جريدة «أخبار اليوم» قالوا إن جحا أولى بلحم توره، وأن أحمد صالح ابن جريدة «الأخبار» -ملحوظة يكتب على صفحاتها منذ أكثر من 50 عامًا- فلا يحق له الكتابة فى «أخبار اليوم»؟!

صدمتنى الإجابة، لأول مرة أعرف أن «أخبار اليوم» تعتبر أن كتّاب «الأخبار» غرباء عنها، وفاجأنى بأن رئيس التحرير الذى لم يكن قد مضى على تعيينه بضعة أسابيع طلب مباشرة من الزميل العزيز مجدى عبد العزيز رئيس القسم، أن يبلغه بقراره.

وتعجبت لأن سمير صبرى كان ينشر بانتظام على صفحات الجريدة ولم يعترض أحد.. هل لم يدرك رئيس التحرير أنه يعاقب القرّاء قبل أن يعاقب أحمد صالح، وبعدها شعرت أن هذا القرار أثّر كثيرًا على الحالة الصحية والمزاجية للأستاذ أحمد.

كان أحمد صالح هو رفيق العديد من رحلاتى خارج الحدود، خصوصا إلى مهرجان «كان».. سبقنى الناقد الكبير إلى «كان» ربما بعشرين عامًا، ولكن على مدى خمسة عشر عامًا كنا نلتقى يوميًّا، إلا أنه قبل ثلاث سنوات قال لى إنه يجد صعوبة فى الحركة، ولكنه سوف يحضر إلى المهرجان وهو يتّكئ على عصا وهو يخشى أن يراه الزملاء على هذا النحو، قلت له إن المخرج مانويل أوليفييرا، 108 أعوام، الذى يعتبر أحمد صالح فى عمر أحفاده شاهدناه على مسرح فى مهرجان «كان» وهو يرفع عصاه وكاد يرقص بها، واقترحت عليه مازحًا أن يفعل ذلك.. جاء إلى «كان» رغم صعوبة التحرك، ولكنه ينتظم فى العروض، وفى رحلة العودة قلت له إنى أريد أن أكتب عن إصراره على المتابعة، رجانى أن لا أفعل.. كانت لدى الأستاذ أحمد قناعة بأن البعض سوف يرى الوجه السلبى للكلمة وهو أن عليه أن يكتفى بهذا القدر وينصحه بأن لا يسافر ثانية ولم يفعلها مع الأسف ثانية.

وتضاءلت تمامًا قدرته على الحركة، وبين الحين والآخر كلما اتصلت به يخبرنى أنه يحاول أن يؤجّر استوديو قريبًا من مهرجان «كان» لسهولة التحرّك، ثم استسلم لقيود المرض وكان يقول لى إنه يحاول أن يتغلب على معاناته النفسية بالكتابة، وكان يكتب على صفحات جريدة «الأخبار» يوم الأربعاء فى صفحة السينما التى أنشأها قبل 45 عامًا. كانت هذه الصفحة، خصوصا قبل صدور الصحف المستقلة والفضائيات، هى عنوان السينما فى مصر، وبين الحين والآخر كان يجدد فى تبويبها ويضيف بابًا لاذعًا، مثل «زووم» الذى صار عنوانًا لأشهر برنامج فى التليفزيون، يعده أحمد صالح، وتقدمه سلمى الشماع.

كان أحمد صالح فى أثناء دراسته للحقوق عاشقًا للصحافة وكتب فى «الأخبار» فى زمن مصطفى وعلِى أمين، ودرس السينما فصار يجمع بين الكتابة الصحفية والنقدية والسينمائية.

قال لى إنه وهو طفل كان يقرأ ليوسف السباعى الذى كان ضابطًا فى سلاح الفرسان، وكتب له رسالة يقول فيها إن مصروفه لا يكفى لشراء كل قصصه، وكانت المفاجأة بعد بضعة أيام أن طرق بابه غريب، واكتشف أنه يوسف السباعى، وهو يرتدى الملابس العسكرية يحمل له عددًا من كتبه.

ومر زمن قصير ليلتحق بآخر ساعة صحفيًّا ويقدم إلى الإذاعة أشهر رواية ليوسف السباعى «نحن لا نزرع الشوك»، وتتحول إلى فيلم لتصبح أيضًا أول أفلام أحمد صالح.

وفى مشواره يقدم العديد من الأعمال الفنية إلى السينما مثل «الشيطان يعظ» لنجيب محفوظ.. وكان الأستاذ أحمد صالح يضع خطًا فاصلًا بين الناقد والصحفى والكاتب السينمائى، أتذكر قبل عشرين عامًا كتبت نقدًا لاذعًا، تناولت فيلمه «دموع صاحبة الجلالة»، كان عنوانه «نشنت يا فالح» والتقينا فى عرض خاص وتعمدت أن أبتعد عنه ويبدو أنه لاحظ ذلك، وقال لو جاز لى أن أكتب عن الفيلم لكتبت مقالًا أشد سخرية من «نشنت يا فالح».

قبل أيام رحل أحمد صالح ولم تنصفه الصحافة، حتى جريدة «الأخبار» لم تضع خبر رحيله إلا فى صفحة داخلية

 

لقاء مع مرسى

طارق الشناوي

September 7th, 2012 9:21 am

لا أعرف على وجه الدقة ماذا دار فى الاجتماع الذى جرى بين الفنانين ود.مرسى، لأن اللقاء بدأ بعد الواحدة ظهر أمس، وغالبا سوف يستمر حتى الرابعة أو الخامسة.

المؤكد أن ما دفع الرئيس إلى المسارعة بتحديد توقيت الاجتماع هو تلك الحالة من الاستنفار التى بات عليها الوسط الفنى فى مصر بعد السفالات والبذاءات التى تَفوّه بها أحد مقدمى البرامج ضد عدد من الفنانين، وكانت إلهام شاهين هى صاحبة الصوت الأعلى فى فضح من يطلقون عليه داعية، الذى لا يجوز فى حقيقة الأمر أن نحسبه، لا على الإسلام ولا أى دين آخر.

فلا يمكن أن نتصور دينًا يسمح بأن نهين أعراض الناس.. لجوء إلهام شاهين إلى القضاء سوف يردع هؤلاء الذين يملؤون الفضائيات وعددا من دور الصحف بكل هذا الغثاء.

إلهام اعتذرت عن اللقاء، وأتمنى أن لا ينتظر الفنانون كلمتين من مرسى يعضّد فيهما موقف الفنانين متضامنا معهم، وعلى الفنانين -أو أتمنى أن يكون ذلك بالتأكيد هو ما حدث- أن يفتحوا النيران، لا على الداعية الذى أعتبره حدثا عابرا، ولكن على الدور الذى يلعبه الرئيس فى أخونة الدولة.

هل تتصورون أن الرئيس لديه قناعة حقيقية بالفن ودوره؟ أشك كثيرا فى امتلاكه ذائقة فنية، فلم يقل يوما إنه يستمع مثلا إلى أم كلثوم.. أغلب من ينتمون إلى تنظيم الإخوان يبيحون الفن بشروط، وأتصور د.مرسى من بينهم، يكررون ما كان يقوله الشيخ الشعراوى وهو أن الفن مثل الإناء قد تضع فيه شيئا حلالا فيصبح حلالا بلالا وقد تضع فيه ما هو حرام ليصبح حراما بيِّنا.. الرئيس يميل إلى هذا الرأى الذى يحيل فى النهاية الفن إلى المعيار الدينى الذى يجافى روح الفن، بينما القيم الجمالية التى فى عمقها لا تتناقض مع الأديان هى التى ينبغى أن نُخضِع لها الفنون.

المرة الوحيدة التى استمعت فيها إلى الرئيس يتحدث عن الفن عندما سأله عماد أديب قبل الانتخابات الرئاسية بأربع وعشرين ساعة عن موقفه من الإبداع والفن، أجاب بنفس الكلمة التى صارت نموذجية، وهى أنه مع الفن الهادف، وهو رأى لا يسمن ولا يغنى من جوع، كأن الرئيس يغشّ الإجابة من ورقة اللى جنبه، فهى تريح من يريدون خنق الفنون، لأنها تضع خط رجعة، وهو الهدف، وفى نفس الوقت يبدو ظاهريا أنها تناصر الفن والإبداع.

إجابة صارت كليشيها، أعتقد أن مرسى كررها كثيرا فى لقائه مع الفنانين ظهر أمس ليهرب من تقديم رأى قاطع. الأسوأ أن قطاعا وافرا من الفنانين لديه نفس القناعة، وهى حكاية الفن الهادف، الخدعة التى يتم تصديرها وترويجها.

الفنانون أتمنى أن تكون لديهم القدرة على الوصول إلى وعود بإصدار قوانين من أجل ضمان حرية التعبير.. فى مجتمعنا تبدو كل طرق الإبداع وهى تؤدى لا محالة إلى الرقابة.

يجب إلغاء هذا الكيان الديناصورى الذى كان فقط لا يعنيه سوى أن يُرضِى السلطة، وفى نفس الوقت يصدّر للمجتمع كذبا أنه يحميه.. لو عدت إلى الرقابة فى عهد المخلوع فسوف تكتشف أن نفس هذه المفردات تتكرر وهى أن الرقابة تحمى المجتمع، والحقيقة هى أن التعليمات الصارمة مثلا كانت عدم الاقتراب فى الأعمال الفنية من قضية التوريث ولا فساد مبارك، وكان العديد من السيناريوهات يذهب أولا إلى وزارة الداخلية قبل تصويره!

أتمنى أن يكون الفنانون قد وصلوا إلى الذروة فى لقائهم مع رئيس الجمهورية، وهى أن المطلوب إنشاء هيئة مستقلة عن الدولة منوطة بها متابعة الأعمال الفنية وتنظيم العروض، تحمى المجتمع وتحمى الإبداع من سطوة الدولة. كانت الرقابة تتصور أن حماية النظام العام -وهو واحد من مبادئ الرقابة- تعنى حماية رأس النظام لا حماية حقوق الشعب، ومثلا كلمة الرئيس كانت تحاط بأكبر قدر من القدسية حتى إن فيلما مثل «الريس عمر حرب» كان اسمه فى البداية «الريس»، أصرّت الرقابة أن تضيف إليه «عمر حرب»، وكان هناك فيلم اسمه ظاظا رئيس جمهورية، أصرت الرقابة على أن يُكتفى فى العنوان بـ«ظاظا».

هل سينجح الفنانون والمثقفون الذين التقوا الرئيس اليوم فى انتزاع حقوقهم أم أن الدولة اختارتهم على الفرازة ليصبحوا ديكورا لتجميل صورة الرئيس؟ فاصل ونعود.

 

الوزير الفتوة

طارق الشناوي

September 6th, 2012 9:23 am

هل وزارة الثقافة كانت بالفعل حريصة على تطبيق القانون أم أنها يشغلها هدف أكبر وهو الاستحواذ على مهرجان القاهرة السينمائى الدولى. الدولة تسعى مجددًا للسيطرة ليس على المهرجان فقط، لكن على كل الأنشطة الفكرية لتزداد قبضتها إحكامًا على مقدرات الحياة الثقافية؟!

كان وزير الثقافة صابر عرب قد قال فى اللقاء الوحيد الذى جمعه مع أعضاء مؤسسة مهرجان القاهرة المنوط بها إقامة المهرجان بعيدًا عن هيمنة الدولة، إن الأمر منظور أمام المحكمة وإنه ملتزم بقرار محكمة أول درجة التى تقضى بإيقاف دعم الوزارة للمؤسسة.. كانت حجة الوزير هى أنه يخشى من «قد» يقصد أنه «قد» يخسر القضية فى الاستئناف ولهذا فإنه سيوقف دعمه من أجل «قد»!

قلنا له إن العديد من أحكام الدرجة الأولى تسقط فى الدرجات التالية من التقاضى، الاستئناف والنقض، وإن الدولة لو التزمت بكل الأحكام المبدئية فسوف تتوقف كل أنشطتها. الغريب أن وزير الثقافة صدر بحقه قبل أيام حكم بالحبس ستة أشهر على خلفية قيامه هو ومدير مكتبه بضرب مدير الإدارة المالية قمحاوى حامد عبد الرحمن بدار الكتب والوثائق القومية!!

القضية، أقصد واقعة الضرب، تعود إلى سبع سنوات مضت، ومن يعرفون وزير الثقافة يؤكدون أنها لم تكن المرة الأولى التى خلع فيها الجاكت والجرافت وهاتك يا ضرب ضد كل من يخالفه الرأى، وكم من مرة أطلق بالكراسى على رؤوس معارضيه.

له أكثر من واقعة مماثلة فى مشواره الوظيفى ولكن هذه فقط هى التى تحولت إلى ساحة القضاء.

الاستئناف ينظر يوم 16 سبتمبر، والغريب أن الوزير لم يتوقف عن الذهاب إلى مكتبه فى «شجرة الدر» وإصدار القرارات التى تحدد مصير الحياة الثقافية فى بلدنا ولم يقل مثلًا «قد» تؤكد محكمة الاستئناف قرار حبسه وعليه أن ينتظر ولا يمارس مهام وظيفته كوزير حتى إصدار حكم نهائى يبرئ ساحته.

حصول الوزير على ستة أشهر حبسًا حتى لو كان بحكم محكمة الدرجة الأولى يؤكد أن الاعتداء لم يكن فقط لفظيا لكنه استخدم يديه.

أنا أتعجب كيف يتولى هذا الوزير المقعد مرتين واحدة مع كمال الجنزورى، والثانية مع هشام قنديل، الأولى عندما كان الحاكم الفعلى هو المجلس العسكرى، والثانية عندما أصبح الإخوان هم الحاكم الفعلى..! كيف تتم الموافقة على توليه الوزارة ولديه قضية بهذه الكيفية منظورة أمام القضاء؟!

المعروف أن الدولة لديها أجهزة تلجأ إليها للاطلاع على ملفات المرشح لأى منصب قيادى، ولا أعتقد أن واقعة خطيرة كتلك تحولت إلى قضية تتداولها المحاكم كل هذه السنوات لا تحتل مكانة مميزة فى أوراق الوزير.

سبق أن كتبت أن الوزير حصل بحيلة مكشوفة على جائزة الدولة التقديرية، وأنه ارتكب خطأ لا يُغتفر عندما رُشِّح وهو بدرجة نائب وزير ثقافة للجائزة، وهو ما يرفضه العُرف داخل الوزارة، ثم وافق على قبول كرسى الوزارة وهو مرشح للجائزة، ولم يشعر بأى حرج، رغم أن رئيس المجلس الأعلى للثقافة الذى يمنح الجوائز بعد التصويت عليها هو نفسه وزير الثقافة الذى يقود المجلس فى أثناء التصويت، لكنه فقط قبل إعلان الجوائز بساعات قليلة قدم استقالته من الوزارة، وهو متأكد أن الجائزة فى طريقها إليه.. لو علمنا أن القطاع الأكبر من الذين يحق لهم التصويت فى المجلس الأعلى للثقافة لمنح الجوائز هم من موظفى وزارة الثقافة، وأن الوزير من الممكن وهو فى موقعه أن يمنح أو يمنع المكافآت والترقيات لعدد من هؤلاء، فإن هذه فقط تعد مخالفة تُلزمه على الأقل مبدئيا بإعادة جائزة الدولة مرة أخرى للدولة.

الحقيقة أن أكبر تساؤل أتعجب له: كيف أن صابر عرب بهذا الملف الملىء بكل تلك المخالفات التى وصلت إلى حدود الإدانة الجنائية يصبح هو واجهة الدولة الرسمية فى الثقافة؟ وكيف يصمت الوسط الثقافى والسينمائى على كل ذلك ولا يحرك ساكنًا؟!

الغريب أن مؤسسة الرئاسة عندما قررت مؤخرًا أن تختار عددا من الفنانين للقاء الرئيس خلال الساعات القليلة القادمة طلبت من وزير الثقافة ترشيح الفنانين مثلما حدث قبل خلع مبارك بشهرين عندما انتقى فاروق حسنى من يلتقون المخلوع، وكأن ثورة لم تقم؟!

 

مذيعة نشرة محجبة!

طارق الشناوي

September 5th, 2012 9:34 am

كان من المنطقى أن نشاهد مذيعة نشرة محجبة، خصوصا أن التليفزيون الرسمى فى أعقاب الثورة كان يسمح للمحجبات بتقديم برامج ولا أدرى ما الفارق بين إجراء حوار فى برنامج وقراءة النشرة.

الغريب أن أول قارئة نشرة محجبة، فاطمة نبيل، استهلّت وجودها بهذا التصريح، أخيرًا الثورة المصرية وصلت إلى الإعلام، تخيّلوا أن الثورة التى رفعت شعار عيش حرية عدالة اجتماعية، تم اختصارها فقط فى تمكين مذيعة من ارتداء الحجاب وقراءة النشرة. على مدى يزيد على السنوات العشر وهناك عدد من الأحكام القضائية حصلت عليها مذيعات التليفزيون المصرى المحجبات للظهور على الشاشة الصغيرة وهن مرتديات الحجاب، إلا أن مصير هذه الأحكام كان دائمًا ما ينتهى إلى إيقاف تنفيذها على الشاشة.. ورغم أن القانون فى العالم كله صريح، حيث إنه يعاقب بالسجن كل مَن لا ينفّذ حكمًا قضائيًّا، إلا أن الدولة كانت تتحكم فى كل شىء وهناك قرار غير معلن توارثه كل وزراء الإعلام مع بداية انتشار ارتداء الحجاب بين عدد من المذيعات، وهو أن التليفزيون الرسمى لن يسمح بذلك.. صحيح أن القنوات الخاصة المصرية الدينية كانت تستعين بعدد من الفنانات اللاتى تحجّبن، كما أن القنوات العامة مثل «دريم» و«المحور» و«الحياة» لم تضع أى عراقيل ضد المذيعة المحجبة.

أما القنوات العربية فكل قناة لها طبيعتها الخاصة، مثل «الجزيرة» التى لا تضع موانع مسبقة مع أو ضد الحجاب، وهكذا رأينا على شاشتها خديجة بن قنة، التى تعتبر أشهر مذيعة عربية محجبة!

من الواضح أن الأمر فى التليفزيون المصرى كان خاضعًا لقرار الدولة السياسى الذى كان يربط بين الحجاب وجماعة الإخوان المسلمين، رغم أنه فى الواقع لا يمكن أن نعتبر أن انتشار الحجاب هو بالضرورة معبّرًا عن انتشار تلك الجماعة، حتى إن التليفزيون ظل حتى قبل 8 سنوات -أتحدث بالطبع عن التليفزيون المصرى- ظل متحفظًا على السماح بتقديم بطلات يرتدين الحجاب فى العمل الفنى، لا أتناول الممثلات المحجبات اللاتى اقتحمن الشاشة الصغيرة قبل بضع سنوات، سهير البابلى، وسهير رمزى، وحنان ترك، ولكن مجرد تقديم دور درامى للمرأة المحجبة كان يبدو من بين الممنوعات الرقابية!

قبل أن يرحل مبارك بأيام قلائل، كان قد فتح الباب لأول مرة كمحاولة أخيرة للإنقاذ، للاعتراف بتنظيم الإخوان، وقرر أن يسمح لهم بالاشتراك فى الحوار الوطنى.. أيضًا سمح لهم بممارسة النشاط فى العلن وإنشاء أحزاب.. أعتقد أن القرار الأخير بعودة المذيعات المحجبات إلى الشاشة الصغيرة يدخل فى هذا الإطار، ورغم أن هناك تحفظًا وأيضًا تحفزًا بين المذيعات غير المحجبات فى التليفزيون الرسمى المصرى اللاتى شعرن بأن برامجهن سوف تسحب منهن. لا أعتقد أن أى قناة تليفزيونية عامة من الممكن أن تسمح بأن تستحوذ على الشاشة بالنسبة الأكبر مذيعات محجبات، ولكن سيظل لهن ولا شك نسبة ما.. كان القرار السابق الذى ينقل المذيعة المحجبة من العمل أمام الكاميرا إلى الوقوف خلفها هو قرار خاطئ ولا شك، لأنه منعزل عن الشارع الذى نرى خلاله المرأة المحجبة كما أنه يخاصم مبدأ الحرية، إلا أن هذا لا يعنى أن الشاشة الصغيرة فى التليفزيون الرسمى تصبح ساحة للصراع بين المحجبة ومن لا تضع الحجاب.. الاختفاء القسرى عن الشاشة الرسمية طوال السنوات الماضية لا يعنى الوجود المكثف بعد انتهاء الحظر، وهو حقيقة ما أستشعر أنه قادم لتصبح قضية الإعلام هى فرض الحجاب على الشارع باستخدام قوة وسطوة الشاشة الصغيرة.

لا أعتقد أن المشاهد يحكم على المذيعة من حجابها ولكن أدائها، أتحدث عن الأغلبية من الجمهور، ولهذا فإن المذيعة التى تنجح فى الاقتراب من الناس هى فقط التى تكسب فى النهاية عقله وقلبه، ولن يسأل أحد أولًا قبل أن يشاهد برامجها: هل هى محجبة أم لا؟!

الثورة لن نراها فى الإعلام من خلال حجاب على رؤوس المذيعات. الثورة الحقيقية فى ماسبيرو هى عندما تتحرر العقول من سطوة الخضوع للحاكم وهذه الثورة حتى الآن لم تمر على ماسبيرو رغم ما قالته أول مذيعة أخبار محجبة فى تاريخ ماسبيرو

 

القيثارة والسكين

طارق الشناوي

September 3rd, 2012 9:45 am

عشت لا أعزف ألحانى ولكن أدافع عن قيثارتى». عبارة ثاقبة وكاشفة أطلقها الكاتب الكبير الراحل عبد الرحمن الخميسى، قبل 60 عامًا، ولا تزال تُثبت صحتها مع الزمن. كل ما نراه فى حياتنا الثقافية الآن تستطيع أن تضعه فى إطار الدفاع ليس عن الإبداع ولكن عن أدوات الإبداع، والغريب أن الذى ينتزع منا حقنا فى التعبير هم من كان ينبغى أن يصبح دورهم الحقيقى هو الدفاع عن القيثارة، ومع الأسف تكتشف أن السكين الذى يطعنونك به هو مثقف آخر انضم فى لحظة إلى مَن يعتقد أنه الأقوى!

يعيش الوسط الثقافى والفنى فى حالة استنفار من تلك الهجمة الشرسة التى تهدد مساره ومصيره من تيارات ظلامية مثل ما فعله الشيخ السلفى فى مهاجمة الفنانين بأفظع الألفاظ والتى تعاقب عليها قوانين الأرض وشرائع السماء لأنها تحمل فى عمقها تعريضًا تنهانا عنه كل الأديان السماوية، ورغم ذلك فإن هذا عدو واضح، خنجر أنت تترقبه ومستعد لمواجهته، فهو كاره لكل ما له علاقة بالفن والثقافة ولكن ما يجرى الآن بين المثقفين من تناحر حول موقفهم من وزير الثقافة بقراره الأخير بعودة الدولة إلى الهيمنة على الأنشطة الثقافية والفنية لتمسك بقبضة من حديد على كل شىء أراه أشد خطورة. الوزير سوف يستعين أيضًا بمثقفين يوافقون على العمل معه، مستغلًا أن هناك صراعات دائمة بين أهل المهنة الواحدة، وبعضهم يعتقدون أن من حقهم أن يراهنوا على الكفة الراجحة وأن الوزير الآن هو صاحب تلك الكفة، مرددين أن الفرصة تأتى مرة واحدة، فإذا لم يقتنصوها لن تطرق بابهم ثانية، وبالطبع لن يذكر أحد فى هذه الحالة سوى أنه قبل هذه المهمة الثقيلة لإنقاذ سمعة مصر.

الوزير يستند إلى قدرته على استقطاب فريق ضد آخر بإحداث هذا الشرخ الذى يُفقد الوسط الثقافى فى بلدنا قدرته على الدفاع عن نفسه أمام الهجمات الشرسة المتوقعة وغير المتوقعة.

أتذكر قبل نحو ربع قرن عشنا فى مصر تحت مرمى نيران انقسام بين المثقفين فى ما كان يعرف وقتها بقانون (103)، والغريب أن الصراع كان موجها ضد سعد وهبة الذى كان واحدًا ممن حملوا لواء الدفاع عن الحرية، ولكنه أسهم فى تمرير قانون بمجلس الشعب يتيح له البقاء على كرسى النقابة، والغريب أن المعركة مع وهبة تواكبت مع موعد إقامة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الذى كان يرأسه وهبة، وكان وزير الثقافة فى تلك السنوات هو أحمد هيكل، وأعلن وقتها تضامنه مع الفنانين وتعاطفه معم، والاعتصام كان فى نقابة السينمائيين، ومن بين رموزه تحية كاريوكا التى أضربت عن الطعام بينما عربات الأمن المركزى كانت تحيط النقابة التى تقع على مرمى حجر من المعبد اليهودى بوسط المدينة.

.. ماذا فعل المثقفون والفنانون؟ ذهبوا إلى فندق سميراميس وارتدوا القمصان الصفراء ليلة افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى وكتبوا عليها عبارات احتجاج، وكان من بينهم عادل إمام ويسرا وشريهان. كان هذا قبل عصر الفضائيات، ورغم ذلك كان هو الحدث الذى سرق الأضواء وألقى بظلاله على الجميع، وتدخلت السلطة السياسية وتم استبعاد وزير الثقافة د.أحمد هيكل من الوزارة رغم أن كل تصريحاته كانت تصب لصالح الفنانين، فإن جريمته السياسية هى أنه لم يستطع إطفاء النيران.

الوزير الحالى هو الذى يضرم النيران الآن فى جنبات الحياة الفنية والثقافية، ولهذا أتصور أن بقاءه على مقعده بات مهددًا فى الأسابيع القادمة.

هل ألوم مَن يختار جانب الوزير وينضم إليه قافزًا على المبدأ؟ أرى أن علينا بقدر المستطاع أن نرأب الصدع بين المثقفين، وأن ننزع فتيل القنبلة القابلة للاشتعال وهو الوزير الذى لا يتحرك كرجل دولة، ولكن أراه وكأنه يحمل فى يده متفجرات.

أنا ضد شخصنة الصراع، وعلينا أن ننحى جانبًا أى صراع داخلى أو حتى لوم، ونحدد الهدف وهو مواجهة وإسقاط مَن يقف على قمة وزارة الثقافة، ما دون ذلك اعتبره مجرد استنفاد للطاقة.

المعركة ليست فى من يتولى المهرجان ليست شخصًا ولا مؤسسة بعينها، ولكن الهدف هو إبعاد يد الدولة عن تنفيذ مخططها، وعلى الجميع أن لا يصبحوا السكين الذى يطعنون به زملاءهم ويمزقون القيثارة.

 

كيف يخسر المثقف قضيته؟

طارق الشناوي

September 2nd, 2012 9:43 am

على الهواء فى قناة نايل دراما كان الضيف هو المخرج مجدى أحمد على.. تناول الحديث مهرجان القاهرة ومحاولة وزارة الثقافة للسطو عليه.. اتصل بى مُعِدّ البرنامج ولم أكن أشاهده لأنى حقيقة بعد الجرعة الرمضانية المكثفة أصبحت لا أطيق رؤية شاشة التليفزيون.. طلبت من المعد أن أستمع عبر الهاتف لمدة دقائق إلى ما يقوله مجدى فوجدته يكرر عبارة «أربأ بوزير الثقافة عن فعل كذا كذا، أربأ بوزير الثقافة أن يستعين بواحدة من الفلول»، يقصد سهير عبد القادر، «أربأ به أن ينقاد وراء ممدوح الليثى»… والحقيقة هى أن سهير تسعى للعودة إلى الحياة، وكان المهرجان حياتها على مدى 30 عامًا، وهى مثل كثيرين عبد المأمور تربط الحمار مطرح ما يقول صاحبه، كانت تربط الحمار فى عهد مبارك طبقًا لأوامر فاروق حسنى، واليوم ستربطه فى عهد مرسى طبقًا لأوامر صابر عرب.

ممدوح الليثى أعلن مؤخرًا أنه سوف يعتزل من الخدمة العامة منتصف الشهر القادم، وأنا تابعته على مدى 15 عامًا يقسم أغلظ الإيمان بحياة ابنه الوحيد عمرو إنه لا يريد مناصب ويحدد فقط بضعة أسابيع للاعتزال، والحقيقة هى أن الكابوس الذى يؤرقه أن يجد نفسه بلا منصب وكل معاركه التى خاضها ويخوضها هدفها الوحيد زيادة مساحة تخوم إمبراطوريته فى جمعية كُتّاب ونُقّاد السينما أو اتحاد النقابات الفنية لتمنحه مناصبه قدرة على تحقيق مصالحه الشخصية.. ورغم ذلك فإن الفاسد الأكبر فى تلك المنظومة هو وزير الثقافة الذى لا يلتزم بقراراته.

فهل لو أتى مثلًا الوزير بلجنة مكونة من محمد العدل وخالد الصاوى وبسمة وخالد يوسف وغيرهم باعتبارهم من الذين كانوا فى ميدان التحرير لإدارة دفة مهرجان القاهرة، هل يتغير الموقف، أم أن الخطأ فى وجود وزير لديه مآرب أخرى؟

الفوضى التى تعيشها وزارة الثقافة وراأها محمد صابر عرب، وهو يتصور أن لا أحد يرى أصابعه وهى تلعب.. يكفى أنه استطاع بحيلة مكشوفة جدًّا أن يحصل على جائزة الدولة التقديرية وسط صمت غريب ومريب ورهيب كان ولا يزال من المثقفين!

الرجل كان مرشحًا للجائزة وهو يشغل موقع نائب وزير، وهو ما يرفضه العرف الذى دأبت عليه الوزارة حتى فى ظل فساد مبارك، والغريب أنه أصبح وزيرًا للثقافة وهو لا يزال مرشحًا، وقبل ساعات قليلة من إعلان النتائج وبعد أن هيأ كل شىء لاقتناص الجائزة استقال من الوزارة!

إنها مخالفة تكفى وحدها فقط للإطاحة به، ولكن كعادة القطاع الأكبر من المثقفين، يتابعون توابع الزلازل لا الزلازل.. العرَض لا المرَض.

عرب لا يدرك حتى التبعات السياسية لقراراته التى أشعلت النيران بين السينمائيين.. أولى مهامّ وزير الثقافة تأكيد أن مصر دولة المؤسسات، بينما عرب يتصرف باعتبار مصر دولة عِزَب وهو صاحب تلك العزبة المترامية الأطراف.

بين المثقفين مَن يحدد توجهه حسب مصلحته، ولكنه لن يذكر سوى شىء واحد فقط، أنه قرر كل ذلك من أجل مصلحة مصر وحبًّا فى مصر، فما علاقة مصر بوزير يخالف القوانين؟ هل اقتنص الوزير جائزة الدولة التقديرية أيضًا من أجل مصر التى كانت ترجوه أن يحصل عليها؟ والنبى خدها عشان خاطر مصر يا عرب.

الوزير الذى يُحدِث انشقاقًا داخل الوسط الثقافى والفنى لا يستحق أن يستمر فى منصبه.. يجرحنى كثيرًا أى محاولة ولو بحسن نية للطبطبة والدلع، إذا كنت صاحب حق فعليك أن تنتزعه، أربأ بأى مثقف فى بلادى عندما يقدم الوزير باعتباره رجلا محايدا مغرَّرًا به ويحتاج فقط إلى النصيحة لكى يختار الطريق الصحيح.. فلا هو محايد ولا يفكر إلا فى أن يستمر أكبر وقت ممكن على كرسى الوزارة ليتم ترشيحه لجائزة النيل وقيمتها 400 ألف جنيه، ضعف التقديرية، وقبل إعلان النتائج بساعات قليلة سوف يسارع بتقديم استقالته.. عادته ولن يشتريها، وفعلها مرة وعدّت، فلماذا لا يكررها أخرى؟ وأؤكد لكم، فى ظل تناحر المثقفين سوف تعدى.

لا أتشكك فى نيات ودوافع مجدى أحمد على وهو لم ينتظر قبل وبعد إحالته إلى المعاش شيئًا من وزير الثقافة، ولكننى أربأ به أن يربأ على الهواء بالوزير، فالرجل لم ولن يربأ بنفسه عن ارتكاب كل هذه الحماقات.

 

لو متشعلقة فى الجو!!

طارق الشناوي

September 1st, 2012 9:36 am

الحالة السينمائية هذا العيد لم تكن مرضية على الإطلاق، ولم تأتِ على قدر الترقب ولا هى حتى كانت متوافقة مع أسماء النجوم وجاذبيتهم.

لو اهتم صُناع فيلم «بابا» كثيرا، ولو حتى قليلاً، بالتفاصيل. لو تعاملوا مع الكوميديا باعتبارها شيئا آخر تماما غير التهريج لو.. لو.. لو، ولكن «لو كلمة متشعلقة فى الجو».

فى الفيلم أمسكت الكاتبة زينب عزيز بفكرة تنضح جاذبية ونسجتها فى قالب كوميدى لا يخلو من ومضات إنسانية، حيث إننا مع طبيب نساء وولادة عاشق للأطفال، ويتزوج ويتوق إلى طفل من صلبه ولكن تأخر الإنجاب.

الطبيب المتخصص فى النساء والتوليد وعلم الخصوبة والحقن المجهرى، وهو امتداد للعملية الشهيرة باسم «أطفال الأنابيب»، هذا الطبيب الذى يستمع إلى الصرخة الأولى للأطفال يحلم بأن تتردد فى أذنه صرخة طفل تخصه وحده، وعندما يتعذر الحمل بالطريقة الطبيعية يقرر اللجوء إلى الحقن المجهرى.

الفيلم يمتلك العديد من المقومات لصناعة عمل فنى به قدر من المغامرة الإبداعية، حيث يتناول حالة علمية لم تتطرق إليها السينما المصرية من قبل، وفى نفس الوقت فإنه يحيطها بإطار اجتماعى يجعل شخصياته تتحرك وفق سياج من العادات والتقاليد المرتبطة بمقومات للطبقة المتوسطة التى ينتمى إليها أبطال الفيلم. أسند المخرج الدور إلى السقا لكى يمثل هذه المرة ولا يعتمد فقط على لياقته الجسدية فى الضرب والقفز والقتل.. أصبح السقا يمارس التمثيل على طريقة المطربين المشهورين الذين تستعين بهم السينما بين الحين والآخر.. الجمهور ينتظر منهم أن يقدموا أغنيات، بينما السقا عقد معهم اتفاقا يقضى بأنهم ينتظرون منه «شوية» مطاردات وقفزات وضربات.. كان ينبغى للسقا أن يقفز هذه المرة بعيدا عن تلك الأسوار التقليدية التى صارت تحيطه من كل جانب. كان عليه أن يحطم جدران السجن الذى صنعه لنفسه وجاء دوره فى «بابا» كطوق نجاة ينقذه من تلك المصيدة الدرامية.. يبدأ الفيلم بذهاب السقا للاحتفال بزفاف صديقه إدوارد فى الكنيسة، وتبدأ مشاعر السقا تتوجه ناحية دُرة، ويتوقف الفيلم أمام عملية الحقن المجهرى أكثر مما ينبغى، حتى إننى فى لحظات اعتقدت أن هناك اتفاقًا بين شركة الإنتاج وأحد المستشفيات للترويج لتلك العملية الجراحية.. والغريب أن المخرج بدلاً من أن يخلص للمنطق العلمى فإنه يُقدم تلك المواقف باعتبارها نكتة، حيث إن السائل المنوى يتم استخلاصه طبقًا للسيناريو بعد الإثارة الجنسية، وكأنه أراد أن يغتال الفيلم من أجل ضحكة ليست بالضرورة قابلة للتحقق، بل أحيانا كانت مدعاة للتقزز!

لا أدرى كيف أن الكاتبة زينب عزيز والمخرج على إدريس يضحيان ببساطة بالفيلم عندما يتعاملان معه على أساس أنه مجرد إفيه ونكتة، ولم يكتف بتقديمها مرة واحدة، لكننا شاهدناها فى عدة تنويعات نرى فيها المتشدد دينيا، الذى أدى دوره بألق ووهج خالد سرحان، يرفض أن يرى أحد زوجته حتى الطبيب، ونتابع الثرى الخليجى (أدى دوره لطفى لبيب) الذى يصطحب معه أربع زوجات بدلاً من أربع سابقات قام بالتخلص منهن بسبب عدم قدرتهن على الحمل.

توقف حبل الأفكار وانقطع التتابع الدرامى فجأة، فقررت الكاتبة أن تضيف خطين ثانويين من أجل ملء المساحة الزمنية الفارغة ليمتد الشريط السينمائى إلى ساعتين.. الزوجة تذهب إلى صديقتها تمضى معها إجازتها، فتكتشف أن الصديقة على علاقة برجل كادت أن تموت طفلتها من جراء ذلك، بينما السقا يسافر إلى لبنان، ويكتشف أن صديقة سابقة أدت دورها نيكول سابا أرادت أن تلقنه درسًا، لأنه تركها بعد علاقة حميمة دون حتى أن يسأل عنها، فتوهمه أن العلاقة القديمة أسفرت عن طفل ثم تعترف له بالحقيقة.. وتعود درة إلى السقا وتحمل طبيعيا وتنجب توأما وتوتة توتة.

أعجبنى فى الفيلم تقديم الصداقة بين المسلم والمسيحى دون أن تصدمنا تلك المباشرة والصخب التى توقظنا دائماً وهى تشير إلى أن هذا مسلم وذاك مسيحى ولكن وآه من ولكن.

«بابا» فكرة لم تكتمل وبروفة لعرض كان فى حاجة إلى الكثير من التدريبات لو انتظروا قليلاً ولم يفتحوا عليه الستار فجأة. لو أخلصوا للفكرة لشاهدنا فيلما متكاملاً ناضجاً بدلاً من أن نراه وكأنه جنين فى شهره الخامس ولد مبتسرًا.. لو لو لو ولكن لو كلمة متشعلقة فى الجو!!

التحرير المصرية في

01/09/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)