الخبر التالى، المشكوك فى صحته، يقول إن المخرج الأمريكى، ستيفن
سبيبلرج، يُزمع تحقيق فيلم عن محمد الفاتح، ورشح لبطولته النجم الشهير، توم
كروز.. سبيبلرج، حسب ما جاء فى البرنامج التليفزيونى التركى «الغرفة
الخلفية من التاريخ»، يجرى اتصالات بالمؤرخ مراد برداكجى، كى يصبح الأخير
مستشارا للعمل.. لا أحد أكد أو نفى صحة الخبر، لكن المؤكد أنه جاء مواكبا
لعرض فيلم «محمد الفاتح»، فى الكثير من بلدان العالم، عقب نجاحه المرموق فى
تركيا، منذ بداية العام، بعائدات تصل إلى «33» مليون دولار. أى ضعف تكاليفه
التى بلغت «17» مليون دولار، ومن المأمول، بالنسبة لجهات الإنتاج، أن يواصل
الفيلم نجاحه، عالميا، الأمر الذى دفع البعض ــ وأنا منهم ــ إلى اعتبار
التصريحات المنسوبة للمخرج الأمريكى، مجرد دعاية، للفيلم التركى الذى حققه
فاروق أكسوى.
الرغبة العارمة فى رواج الفيلم، لا تعود لأسباب مالية وحسب، بل لدوافع
معنوية، وسياسية، تدعمها الدولة بقوة، ممثلة فى حكومة حزب «العدالة
والحرية».. تركيا، منذ عدة سنوات، تعلن «نحن هنا»، فى معظم المجالات، بأن
يكون لها كلمة فى المشكلات السياسية لدول الجوار، وأن يصبح لها انتشار فى
الأسواق العربية، خلال بضائعها الاستهلاكية، فضلا عن حضور ثقافى عميق، بكل
الوسائط، خاصة الصورة، مجسدة فى المسلسلات التى استولت على مساحة لا يستهان
بها من الشاشة الصغيرة، والآن، بدأ الدخول إلى الشاشة الكبيرة، معزرة
بمساندة فعالة فى حكومتها التى تدرك أهمية وقوة الصورة، وتعطى نموذجا لما
يمكن أن تقدمه الدولة، لدعم صناعتها الثقافية، فالملاحظ أن المسئولين
الأتراك، يستجيبون فورا، للمشاركة فى المهرجانات السينمائية، ويتحمسون
لإقامة «بانورامات» لأفلامهم، مع تقديم نسخ جديدة، وصور ومواد حول الأعمال
التى ستعرض، وأحيانا.. تحمل مصاريف سفر النجوم الذين سيتم استضافتهم.
فيما يتعلق بـ«محمد الفاتح»، أو «السلطان الفاتح»، أو «فتح
القسطنطينية» فإن الأخبار، المؤكدة هذه المرة، تعلن عن انتعاش حالة الرئيس،
رجب طيب أردوغان، طريح الفراش، عقب مشاهدته للفيلم، فى حجرته، كيف أعرب عن
رضائه، وقال لصناعه «سلمت أيديكم».. من ناحية ثانية، أحيط افتتاح «محمد
الفاتح فى مصر، بما يشبه الاحتفالية، حضرها السفير التركى، ووزير الشباب
المصرى، ومدير المركز الثقافى التركى، وعدد من أبطال الفيلم، ووجوه مهمة من
المجتمع المصرى.
بين الماضى.. والمستقبل
الفيلم التاريخى، مثل كل فيلم، يتوجه إلى جمهور الحاضر، ويختلف فى
مادته التى تعتمد على وقائع وأحداث شخصيات، يستدعيها من الماضى، ترضى على
نحو ما، متفرجيه. وفى ذات الوقت، يوحى وينبئ بالمستقبل.. «محمد الفاتح»،
صاحب الاسم الشهير فى الدولة العثمانية، المقاتل بامتياز، الذى أنهى الصراع
مع الامبراطورية البيزنطية، ووضع حدا لنهايتها عام 1453، وزحف بجيوشه إلى
مناطق شاسعة فى آسيا وأوروبا، مواصلا غزوات والده «مراد الثانى»، ممهدا
الطريق لمن جاء بعده، نحو المزيد من التوسع، وترسيخ الامبراطورية العثمانية
التى عاشت ما يزيد على ستة قرون.
منذ عدة عقود، لم يتخيل أحد امكانية تقديم «محمد الفاتح» فى فيلم
سينمائى، يشيد بانجازاته، ذلك أن الحقبة العثمانية، بعد إعلان أتاتورك
لوفاتها عام 1923، كان ينظر لها باستخفاف، بل باستهجان إن شئت.. ولكن، بعد
مجىء «العثمانيين الجدد» ــ المصطلح الذى يزعج حكام تركيا الآن ــ بدأت
إعادة النظر، بتوقير وتبجيل، للامبراطورية العثمانية، وأخذت ثقافة رد
الاعتبار لسنوات المجد تزدهر، فى الكتابات التاريخية، والأعمال الفنية،
ومنها فيلم «محمد الفاتح»، ولم يفت أحد المعلقين القول «إن هذا التوجه يجعل
أتاتورك، مؤسس الدولة الحديثة، المدنية، يتململ فى قبره».
الفيلم، بتجسيده لانتصار «محمد الفاتح»، ينعش ذاكرة الجمهور التركى،
بأمجاد الماضى، الأمر الذى يرضى مزاج المشاهدين، ويعنى، بالنسبة لهم، الثقة
فى قوتهم وقدراتهم.. أما بالنسبة للجمهور، خارج تركيا، فإن الفيلم يبعث
برسائل طمأنة، من خلال وعود محمد الفاتح، للمهزومين، بأنه سيحقق لهم العدل
والحرية. لكن هذه الرسائل، قوبلت بتشكك وانزعاج، من بلاد عانت شعوبها
كثيرا، من وطأة حكم العثمانيين، فظهرت مقالات تهاجم الفيلم، فى اليونان
والمجر والبلقان، وتصفه بمحاولة تجميل حقبة تاريخية حالكة السواد.
الإنتاج الكبير.. مرتبكًا
الصرف بسخاء، على العمل الفنى، لا يؤدى بالضرورة، لارتفاع مستواه..
والمجاميع الضخمة، المتصادمة، المتلاحمة، فى معارك ضارية، لا تعنى، بالحتم،
إرضاء عين المشاهد.. هذا ما يؤكده «محمد الفاتح»، الطموح، الذى لا يملك
مقومات تحقيق طموحه، بل يؤكد أن الاندفاع المحموم نحو الإبهار، قد يؤدى إلى
الإحساس بزيف العمل وتصنّعه.. هنا، فى المشاهد الأولى، داخل القصر
السلطانى، نتابع محمد ــ الفاتح فيما بعد ــ متوجها نحو جثمان والده،
بتؤدة، وينحنى ليقبل أصابعه. وفى المشهد التالى، يقف بطلنا فى بهو مزخرف
الجدران، وأمامه كبار رجال الدولة، يرتدون ملابس لامعة، يضعون على رءوسهم
أغطية متنوعة الأشكال: عمامات بالغة الضخامة، طراطير بالغة الطول، حمراء.
طرابيش بدون أزرار، غريبة المنظر.. الواضح أنها، بما فى ذلك الجلابيب، آتية
توا من عند الكواء، تخطف العين، وتكاد تضيع معها معالم الوجوه، خاصة أن
المصور، فيما يبدو، اهتم بفخامة الأزياء وتعدد الألوان، أكثر من اهتمامه
بالوجوه البشرية، واعتمد على اللقطات العامة، المتوسطة، متحاشيا اللقطات
الكبيرة، القريبة.
ما إن يفتح محمد الفاتح فمه بالحديث، حتى تستمع إلى لغة عربية، بلهجة
مصرية، فالفيلم مدبلج، كما هو الحال بالنسبة للمسلسلات التركية عموما،
الأمر الذى يحدث شرخا بين الشاشة والمتلقى، فصوت الممثل أداة مهمة من أدوات
التعبير، تتسق مع تكوينه، وتعتبر جزءا من شخصيته. إذا انتزعته منه، كأنك
انتزعت ملمحا من تكوينه الطبيعى.
محمد الفاتح، بأداء جثمانى من دفريم أفين، وأداء صوتى من كمال عطية!..
يتحدث عن ضرورة فتح القسطنطينية، وعلى استحياء، وفى خوف، يبدى البعض عدم
حماسه للفكرة، مما يزيد من عزيمة الفاتح، وسرعان ما تجرى الاستعدادات
للحرب.. ويلجأ المخرج، فاروق اكسوى، إلى تعبيرات سينمائية مستهلكة، كأن يقف
السلطان فوق خريطة، يفكر ويتأمل، ثم يرشق خنجره فى بقعة مكتوب عليها
«القسطنطينية»، أو أن يلعب الشطرنج أمام أحد المعارضين للحملة، وينتهى
الدور بنقلة طابية موفقة من الفاتح.
بعيدا عن المفردات المكررة، يعانى السيناريو أصلا من خلل جسيم، سواء
فى بنائه الملحمى، أو فى درجة الاهتمام بالشخصيات.. الأعداء، فى الفيلم،
بممارساتهم الاستفزازية، لا يظهرون على نحو واضح، وحضورهم كطرف خطير فى
الصراع يأتى باهتا.. وتتراجع شخصية محمد الفاتح، التى تأتى مسطحة، أمام
شخصيات ثانوية، يتعاطف معها المتلقى، بسبب ما تحظى به من جوانب إنسانية،
وفى مقدمتها، شخصية «أوربان»، المهندس الموهوب، صاحب العزيمة التى لا تلين،
صانع المدفع العملاق، الذى كان من أهم عوامل النصر.. ويتابع الفيلم خطوات
صنع المدفع، بقلب مرتجف، على نحو يذكرنا بخطوات صنع الجرس الكبير، فى
«أندريه روبلوف» للروسى «تاركوفسكى»، مع الفارق بين التركى المجتهد من
ناحية، وصاحب القامة العالية من ناحية أخرى.
أما الشخصية الأهم، فهى لـ«أولوباتلى حسن»، المحارب العتيد، القوى،
مدرب محمد الفاتح، وهو أول من رفع العلم العثمانى فوق أسوار القسطنطينية،
وقد منحه الفيلم علاقة حب رقيقة، شفافة، مع ابنة المهندس بالتبنى، وهى
علاقة أزعجت بعض المؤرخين الأتراك، على أساس أنها لم تحدث، علما أنها
علاقة، فى تقديرى، محتملة، ولا تخل بالمنطق التاريخى.
على طريقة المعارك، فى السينما الهوليوودية، تندلع المعارك، برا
وبحرا، وتكاد بعض المشاهد أن تكون متطابقة مع أفلام أمريكية، مثل «غزاة
الشمال»، و«الآلهة غضبى»، و«المصارع»، مع الإسراف فى تجسيد الطعنات، على
نحو يعبر عن مزاج دموى، فالمصور يرصد اختراق حربة طويلة لعنق محارب، وثمة
لقطات كبيرة، قريبة، لذراع مبتورة، تندفع منها الدم.. وتصل النزعة
الاستعراضية إلى ذروتها فى المشاهد المتعلقة بابستشهاد «حسن»، والتى تكاد
تذهب بمصداقيتها، فالمحارب يتلقى سهما تلو الآخر، ويواصل القتال، إلى أن
يدور حول نفسه، وتدور الكاميرا حوله، بجسد رشقت به خمسة أو ستة سهام..
فهكذا شاء المخرج الذى حاول إبهار المشاهدين بكل السبل، لكن الملل الذى
يبعثه الفيلم منذ بداياته، يتحول إلى ضجر لا يطاق مع نهاياته، ويثبت أن
العمل السينمائى، مهما كان حجم الدعاية المحيطة به، لا يمكن أن ينجح، طالما
يفتقر إلى مقومات النجاح.
بعد الموقعة
كمال رمزي
الأربعاء 26 سبتمبر 2012
بصرف النظر عن درجة النجاح أو مدى الإخفاق، يحسب ليسرى نصر الله،
نزعته المتجددة للتمرد، وهذا ما يمنحه حضورا لافتا، استثنائيا، أيا كانت
درجة اعجابك أو انزعاجك من أفلامه. لابد أن تعامله معاملة الجد، فتمرده ليس
مجرد ضرب من العشوائية، تسير على غير هدى، ولكن تعتمد على رؤية تختلف،
وربما تتناقض، مع ما هو سائد ومألوف، فنيا وفكريا. هنا، فى فيلمه الروائى،
بعد الموقعة، يتجه إلى أسلوب السينما التسجيلية، بل يخضع ما هو روائى إلى
ما يكاد أن يغدو وثائقيا..
صحيح، الفيلم يبدأ بتلك المشاهد العجيبة، لاقتحام ميدان التحرير،
بالخيول والجمال، وهى المشاهد التى لن تبهت فى الذاكرة المصرية، ولكن ثمة
لقطة لأحد الخيالة، ينقض الثوار عليه ليسقطوه أرضا ويشبعونه ضربا..
«الخيال»، محمود، بأداء باسم سمرة، يترنح جريحا، مذهولا، يائسا، إزاء
اللكمات الموجهة لرأسه والركلات المتدافعة نحو بدنه. اللقطة، تندمج تماما
مع المشهد الوثائقى، بفضل المونتيرة منى ربيع، وتصبح جزءا لا يتجزأ منه.
حقق يسرى نصر الله فيلمه، عقب اندلاع الثورة، وإذا كان من المنطقى،
كما فى أعمال أخرى، أن يتجه المخرج إلى تقديم ومتابعة أحد الثوار، فإن
يسرى، المختلف والمتمرد، قرر أن يكون بطله هو ذلك «الخيال» التعيس،
المهزوم، الذى تضافرت العديد من العوامل التى دفعت به إلى ما هو عليه الآن.
وفيما يشبه التحقيق الاستقصائى، بواسطة الناشطة السياسية، ريم، بأداء منة
شلبى، يتوغل فى أحراش «نزلة السمان»، ليرصد، بكاميرا سمير بهزان، النشطة،
الذكية، ما يدور فيها، ماديا ومعنويا.. سكانها، على باب الله.. رزقهم، يوما
بيوم، يتعيشون على ما يجود به السياح الذين تلاشوا مع بداية الثورة.. وها
هم، يتنازعون، من أجل علف دوابهم، وتكاد الكاميرا أن تتحول إلى أحد أفراد
الخيالة، تتزاحم مع المتزاحمين، وتتقافز للوصول إلى عربة العلف.. لاحقا، لا
يفوت الكاميرا أن ترى، على نحو عابر ومؤثر، حصانا ممددا بجوار أسلاك شائكة،
وقد فارق الحياة، بالإضافة لهيكل عظمى لحصان آخر.. إنها منطقة موت.
عن طريق «ريم»، نتعرف على أسرة «محمود»: إلى جانب ولديه، ثمة زوجته،
بأداء بسيط ومتميز من ناهد السباعى، صاحبة الوجه القمحى، المصرى تماما،
التى تتحرك وتتكلم وتتصرف وتنفعل بطريقة عفوية، صادقة، تمنح الفيلم مذاقا
تسجيليا، تعزره لقاءات مع رجال بلا عمل، ضاقت بهم سبل الحياة، تماما مثل
بطلنا العاطل، المتوتر الأعصاب، محمود، الجاهل، الذى تدفعه ظروفه إلى أن
يغدو مخلبا لأحد الكبار، المرتبط بالنظام المنهار.
«بعد الموقعة»، فى جوهره، عرض حال لفئة خاسرة من أبناء الشعب المصرى،
تداخلت عوامل عدة لوضعها داخل مصيدة محكمة الإغلاق، يعبر عنها الفيلم بذلك
السياج من الأسلاك الشائكة التى تحيط بمساكنهم، بالإضافة لتلك الجدران التى
تكاد تفصلهم عن العالم الرحب.. ربما جاءت قصة الحب الفجائية بين «ريم»
و«محمود»، بلا معنى أو ضرورة أو هدف، كذلك العلاقة المرتبكة بين «ريم»
وزوجها، الأقرب للزائدة الدودية، وقد تجد شيئا من الأداء النمطى عند منة
شلبى، ومبالغة فى عصبية باسم سمرة، لكن يبقى «بعد الموقعة» كتجربة شجاعة،
تستحق الترحيب.
إسماعيل عبد الحافظ
كمال رمزي
الأحد 23 سبتمبر 2012
ترك لنا ثروة هائلة، سيتوارثها المصريون جيلا بعد جيل.. ثروة لن تبدد،
فهى ليست مالا أو عقارا، ولكن أهم من ذلك كثيرا، لأنها تتعلق بالفن فى أرقى
صوره، والعواطف فى أصفى حالاتها، فضلا على إدراك التاريخ، فى أعمق
مستوياته، حين يتجسد فى علاقات إنسانية، متوافقة ومتصادمة، فتبدو أعماله،
بتنوعها وتعددها، كما لو أنها وثيقة طويلة، صادقة، عن حياتنا، خلال ما يقرب
من مائة عام، بآمالها وآلامها، انتصاراتها وهزائمها، بوقائعها التى تؤثر
وتتأثر بأبطاله الذين أصبحت أسماؤهم متداولة، كما لو أنها شخصيات حقيقية،
عاشت حياتها، فى قلب مصر.
إسماعيل عبدالحافظ، ابن بلاتوهات التليفزيون بامتياز، شكل مع زملاء
جيله ملامح الدراما التليفزيونية، التى اختلفت بالضرورة عن أعمال الجيل
السابق، الرائد، الذى جاء من السينما والمسرح والإذاعة، وهى الفنون الأقرب
للشاشة الصغيرة التى بدأت إرسالها منذ عام 1960.. ابتعد مخرجنا عن النزعة
التجريبية التى اتسم بها حسين كمال، وتحرر من المشهدية المسرحية عند جلال
الشرقاوى، وتعلم الكثير من نور الدمرداش، خاصة فيما يتعلق بالتركيز على سحر
وقدرة الوجه الإنسانى، على التعبير عن أدق الخلجات النفسية، بالإضافة
للاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، بما فى ذلك نوعية الأغانى المنبعثة من
الراديو، والصور المعلقة على الحوائط، وطريقة تصفيف الشعر.
قدم إسماعيل ما يقرب من الثلاثين عملا، من أهمها «ليالى الحلمية»،
بأجزائها الخمسة، التى تمثل بالنسبة له ما تمثله «الثلاثية» عند نجيب
محفوظ، بل تحظى، فى التراث التليفزيونى، بذات المكانة التى تتمتع بها
الثلاثية، فى الرواية المصرية.. جدير بالملاحظة أن الخماسية التى كتبها
أسامة أنور عكاشة تبدأ من حيث تنتهى ثلاثية نجيب محفوظ: أواخر
الأربعينيات.. وتمتد إلى التسعينيات. إنه مسلسل نهرى، أو مسلسل أجيال إن
شئت. تدور أحداثه فى العديد من الأماكن، لكن بؤرتها المركزية هى الحلمية،
وبالتحديد مقهى زينهم السماحى، بأداء خلاب لصاحب المقهى، سيد عبدالكريم،
ابن البلد، المصرى الشهم، الذى يستقبل معظم أبطال المسلسل، حيث يتابعهم
مخرجنا، فى بيئاتهم المختلفة، بأوضاعهم الطبقية المتباينة، فثمة الباشا:
رجل الصناعة سليم البدرى ــ يحيى الفخرانى ــ والعمدة الريفى، الإقطاعى،
سليمان غانم ــ صلاح السعدنى ــ فضلا عن الطبقة الوسطى، الحاملة لأجمل
وأرقى القيم المصرية، الإنسانية، الشريفة، ويجسدها توفيق البدرى ــ حسن
يوسف ــ وزوجته الأصيلة، أنيسة، التى تبدو كأنشودة للمرأة المصرية البناءة،
القادرة على مواجهة الخطوب بجلد، التى لا تفقد ينابيع حنانها، بأداء فردوس
عبدالحميد ثم محسنة توفيق.
تندلع كل أنواع الصراعات فى المسلسل: الصراع الساكن، والمتصاعد،
والمستتر، والمكشوف، وسواء كان داخل الشخصية الواحدة أو بين شخصيتين، فإن
مخرجنا يعبر عنه، من خلال ممثليه، بالنظرة، أو بالصوت، أو بالحركة، فالعنصر
البشرى هو وسيلته للوصول إلى إبراز أدق الانفعالات. ولعلك تتذكر نظرة يحيى
الفخرانى، الممدد إلى جانب زوجته، وقد امتزج فيها الأسى بالضيق بالكراهية،
حين يدرك أنها لا تكن له حبا.. وربما تتذكر آهة صلاح السعدنى الآتية من خوف
ملتهب عندما يستولى غريمه على أرضه.. وها هى نازك السلحدار ــ صفية العمرى
ــ تلف قماش ستارة، بجنون، حول معصمها، تعبيرا عن غضبها.. فمخرجنا الكبير،
منحنا فنا ومعرفة، بسخاء.. رحمه الله.
الرقص على إيقاعات العدو
كمال رمزي
الأربعاء 19 سبتمبر 2012
انزلقنا فى انفعالاتنا، فأصبحنا جزءا من الفيلم المنحط. المخرج
الخبيث، المتآمر، صرح حسب زعم بعض وكالات الأنباء، بأنه صنع «محاربو
الصحراء» كى يرى العالم أخلاق المسلمين.. هذا الكلام جاء عقب مقتل السفير
الأمريكى وثلاثة من معاونيه فى ليبيا، وتداول الصور البشعة لجثثهم، شبه
عارية، يجرى جرجرتها على الأرض، بالإضافة لمقاطع من فيديوهات، ترصد أولادنا
فى مصر، أثناء تسلق أسوار السفارة الأمريكية وحرق علم العم سام، ثم جحافل
الإخوة السودانيين، بملابس متواضعة ــ لا أريد استخدام كلمة مهلهلة ــ فى
طريقهم للسفارة الأمريكية.
إذن، فصاحب الشريط الإجرامى، مع سبق الإصرار، رسم سيناريو أبعد من
كونه مجرد فيلم على ورق، فالجزء الأهم، والأخطر، تركه لنا، كى نستكمله، وهو
مطمئن إلى أننا سننفذ ما يطمع فيه.. وبداية، استخدام كلمات من نوع «مخرج»
و«فيلم» و«ممثل»، تأتى هنا من باب المجاز، فالمخرج لا علاقة له بفن
السينما، لن تعثر على اسمه فى أى قائمة، بل ثمة التباس فى اسمه، نقرأ مرة
أنه نيقولا باسيلى، ومرة أخرى روبرت باسيلى، وأحيانا بى جى توباكو،
وكيرتباج ديفرات، وأروين سلامة.. لكن الصورة الشخصية المتداولة، هى لنيقولا
باسيلى، وفيما يبدو أنه فى الخمسينيات، بشارب فضى ضخم، وعيون ضيقة، وتؤكد
المعلومات أنه نصاب كبير، دخل السجن مرتين لثبوت قيامه بالسرقة والاحتيال.
أما عن الشريط، فإن الأجزاء المتوافرة منه، تثبت يقينا، عدم انتمائه
لفن السينما: التصوير مرتبك، الكاميرا لا تتحرك، بليدة، مكبلة داخل كادرات
ضيقة، مما يعنى أن التنفيذ جرى فى مكان مغلق، فانفصل تماما عن اتساع
الصحراء فى خلفية أضيفت للقطات ذات الحجم المتوسط، فالمصور يتحاشى الاقتراب
من هذا الوجه أو ذاك فيما يعرف باللقطات الكبيرة أو القريبة. الممثلون،
كلهم نكرات، لا يوجد بينهم اسم واحد له شأن. الأداء عندهم يتسم إما ببرود
منفرد أو بمغالاة فجائية مقيتة، ويصل الفيلم فى بعض أجزائه إلى مستوى
«البورنو» الرخيص.. وطبعا، يتردى «محاربو الصحراء» إلى الدرك السفلى،
أخلاقيا، فى تجسيده لسيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، ويقدمه فى مواقف من
العار مجرد سردها.
صاحب الشريط المنحط، سواء كان المخرج أو المنتج، وسواء كان شخصين أو
شخصا واحدا، فإن الثابت أن ثمة عملية نصب وتدليس وراء تنفيذه، فالممثلة
المغمورة، سيندى لى جارثيا، بطلة الشريط، صرحت بأنه تم تضليلها، مع بقية
الممثلين، حين ادعى المخرج ــ سام باسيلى ــ ان فيلمه يدور فى مصر، منذ
ألفى عام، ولم يشر إلى حقيقة عمله، وقررت الممثلة إقامة دعوى قضائية، ضد
صاحب الفيلم، الكاذب المحتال.
فى تقديرى، أن هناك جهة ما، وراء إنتاج الشريط، لا يعنيها نجاحه، ولا
تكترث بأى مكاسب مالية تأتى من ورائه، ولكن تهدف فعلا إلى ما جرى فى
الواقع، ولأنها تعرف طباعنا، متى وكيف ولماذا نتمايل ونندفع ونهيج ونترنح،
فإنها عزفت على أوتارنا المتوترة المشدودة، ونصبت لنا كمينا، أوقع من بيننا
قتلى وجرحى ومعتقلين، واستقدمت طلائع الكوماندوز الأمريكان، معززة ببارجتين
حربيتين، وتهديدات مبطنة وصريحة.. هكذا، جهة قدمت فيلما تافها، فاشلا، لا
ينطلى على أحد.. لكن، بفضلنا، نجحت فى مسعاها البعيد.
أسامة أنور عكاشة
كمال رمزي
السبت 15 سبتمبر 2012
هذا الكتاب مكتوب بمداد المحبة. مؤلفته: حسنات الحكيم، من تلامذة
الأستاذ، يمتزج حضوره العميق، عندها، ما بين المعلم والأب، فالواضح أنه
أغدق عليها فيضا من محبته ورعايته، لذا فإن كتابها، إلى جانب وفرة
المعلومات، تأتى الكثير من صفحاته، مبللة بالدموع.
تتابع الكاتبة، فى الفصل الأول، أهم الوقائع فى حياة أستاذها، منذ
ميلاده بمدينة طنطا 1941، حتى رحيله بالإسكندرية 2010، مرورا بتجربة
انتقاله للقاهرة والتحاقه بالجامعة، وإقامته مع زملائه فى روض الفرج وشبرا
والحلمية، ثم عمله فى أسيوط، والقاهرة، وذهابه للكويت، لفترة محدودة، يعود
بعدها لمصر. طوال هذه الرحلة، دأب على الانغماس فى الأدب، قارئا ومبدعا،
إلى أن تفرغ تماما للكتابة. وربما كانت تجربة مرض والدته، فى طفولته،
وذهابها إلى أهلها، وزواج والده من أخرى، قبل وفاتها، من التجارب المرة فى
حياة أسامة.. وبينما وفقت الكاتبة فى الإشارة إلى شغف الأستاذ بأسرته،
وأولاده وأحفاده، كرد فعل لما لاقاه صغيرا، لم تنتبه ــ حسنات ــ إلى أثر
تلك الواقعة القاسية فى مؤلفاته، حيث تتجلى فى شفقته وحنوه على أبطال
تعرضوا لما يشبه هذه الحالة، مثل «على» و«زهرة»، فى «ليالى الحلمية»، فكل
منهما، عاش حياة ضنينة، بسبب غياب الأم. الأول، تزوج والده، سليم البدرى،
أثناء مرض زوجته، والثانية أبعدت قسرا عن والدتها اللاهية، الأنانية، نازك
السلحدار.
يرصد الكتاب جميع أعمال أسامة، نتبين منها مدى تنوع وغزارة إنتاجه:
مجموعات قصصية، روايات، مسرحيات، مقالات سياسية واجتماعية، تمثيليات
إذاعية، سيناريو أفلام، سهرات ومسلسلات تليفزيونية.. هذه القائمة الشاملة
مهمة فى حد ذاتها، لكن تفتقر إلى التحليل والتقييم، وأحسب أنه كان من
الأجدى، أن تلمس مصادر أسامة فمسلسل «أبواب المدينة» الذى يتابع المتغيرات
التى حدث لأبناء الريف حين مجيئهم للعاصمة، تجد به أصداء من تجربته بعد
قدومه للقاهرة. وإذا كانت رواية «دون كيشوت» للإسبانى سرفانتس من مصادر
«أبوالعلا البشرى»، فإنه من الصعب تجاهل تجربة الكاتب فى الكويت، ثم عودته
حيث تلمس العديد من التغيرات، مثلما يحدث مع «البشرى».. وثمة استيعاب أسامة
الواعى للتاريخ، بوقائعه التى تؤثر بالضرورة، على العاديين من الناس، وهذا
ما يعطى لإبداعاته عمقا وشمولا لا يتوافر عند الكثير من المؤلفين: بعبارة
أخرى: أعمال أسامة أنور عكاشة، خاصة مسلسلاته، ليست حكايات مغلقة على
نفسها، ولكن تتجاوز حدودها إلى ما هو أبعد، فالخاص عنده يرتبط بالعام،
وأبطاله، برغم تفردهم، تجد لهم أشباها فيمن يعيشون بيننا، فكلهم، نتاج واقع
واحد، يتفهمه أسامة تماما، ويدرك تأثيره، ليس على البشر وحسب، بل على
المكان أيضا، فالتغيرات التى تطرأ على مقهى الحلمية تعبر، على ايحائى، عن
تغيرات تاريخية، اقتصادية واجتماعية وسياسية، تحدث فى الوطن كله. هنا، فى
تقديرى، إحدى مرتكزات إبداع الكاتب الكبير.
حسنات الحكيم، تثبت «25» شهادة، ممن اقتربوا أو عملوا مع أسامة أنور
عكاشة، وهى شهادات عاطفية شأنها فى هذا شأن الكتاب الأرشيفى المهم، الذى
يعتبر مسودة أولى، لكتاب ثمين، لم يكتب بعد.
سفير أمريكا بالألوان الطبيعية
كمال رمزي
الأربعاء 12 سبتمبر 2012
بعض الكتب تخرج من المطابع لتدخل، فورا، فى دوائر النسيان.. وأخرى،
تولد لتبقى، وربما يعاد طباعتها، لتنتقل، بضيائها، من جيل لجيل. ولعل «سفير
أمريكا بالألوان الطبيعية»، المكتوب بقلم الفنان التشكيلى، المخرج، كامل
التلمسانى، الذى صدر منذ أكثر من النصف قرن، أن يكون نموذجا للأعمال التى
لا تفقد توهجها، بمرور الأيام، لذا أعيد نشره الآن.
حيث سيدرك القارئ لماذا يتحدث النقاد عن الكتاب وكاتبه، بدرجة عالية
من التقدير والتوقير، بل يذهب الكثير منهم ــ وأنا مثلهم ــ إلى أن النظر
للأفلام، وتحليلها، وتقييمها، يختلف، بعد «سفير أمريكا».. عما كان عليه قبل
ظهوره إلى النور.. الكتاب، أثر إيجابيا، فى جيل كامل من النقاد: سمير فريد،
أحمد رأفت بهجت، فتحى فرج، على أبوشادى.. ثم، فى جيل تال، من أهمهم طارق
الشناوى، وائل عبدالفتاح، عصام زكريا، وأظن أن الإصدار الجديد للكتاب،
سيمتع القارئ من ناحية، وسيعمق ويضيف كثيرا، للنقاد الجدد، من ناحية ثانية.
كامل التلمسانى «1915 ــ 1972»، المفعم بروح الثورة، صاحب الفيلم
الواقعى الشهير «السوق السوداء» 1945، الذى يثبت فيه أن المجاعة ليس قدرا،
ولكنها من صنع جشع التجار وفساد النظام، قرر عقب حرب السويس 1956، المشاركة
فى معركة وطنه، من أجل الاستقلال، والحرية، ومناهضة العدو، ماديا ومعنويا،
فبعد أن حمل السلاح، خلال العدوان الثلاثى، حمل القلم، ليكشف عدوا آخر،
يستهدف العقول والعواطف، يتمثل فى أفلام هوليود التى تخلب، برونقها المزيف،
عشاق السينما، فى ربوع العالم. وإذا كان السفير، رسميا وفى لغة السياسة، هو
مندوب دولة ما فى دولة أخرى، يتحدث ويتحرك فى الدوائر الحكومية والرئاسية،
فإن الفيلم السينمائى هو مندوب دولة، فى الدوائر الشعبية، يتحدث، ويقنع
الجماهير بأفكاره، وقيمة، ورؤيته، حتى إذ كانت ضد مصالح الناس..
وللتلمسانى أسلوب شديد الجاذبية والخصوصية، فهو يوجه كلامه لك كصديق
حميم، ابن بلد، بسيط وصادق. أول جملة فى الكتاب «199» صفحة من القطع الكبير
هى «لا أريد أن أطيل عليك..» ثم يبدأ فى حديثه الدافئ عن الأفلام، وكأنك
تشاهدها معه، وينبهك، برقة، من دون ادعاء أستاذية، إلى مغزى تلك الجملة،
ومعنى ذلك الموقف، ودلالة هذا المشهد، ويتبين معك الهدف من أفلام الكوارث
الطبيعية، مثل أفلام «النمل» العملاق الذى يغزو العالم ويتمكن البطل
الأمريكى من إيقافه والقضاء عليه.. ويتعرض للأفلام التى تقدم الزنجى
والأصفر والأسمر والأحمر كأناس أقل مرتبة من البطل الهوليودى الذى يشفق
عليهم جميعا، وأفلام الحروب التى تخوضها أمريكا من أجل حرية العالم!..
وطوال صفحات الكتاب، لا ينسى التلمسانى انتماءه إلى وطنه مصر.. وهنا تكمن
النقلة التى أحدثها الكاتب المثقف فى النقد السينمائى. فيما قبل، كانت
المقالات، على الأغلب، تقتصر العلاقة فيها بين ناقد وشاشة.. وفيما بعد،
أصبحت العلاقة بين كاتب مصرى، وطنى، له قضيته، وفيلم سينمائى، وراءه ما
وراءه.
الكتاب، يحسب له، أنه لا يضع الأفلام الأمريكية، كلها، فى سلة واحدة.
لكن يشاهد معك، بامتنان، أفلام شارلى شابلن، وأخرى مأخوذة من أعمال آرثر
ميللر وهوارد فاست، وتعرض مبدعوها إلى مطاردة اللجان المعادية للحرية
المعروفة باسم «المكارثية».. إنه كتاب ولد ليبقى، ويؤثر، ويضىء.
الفتوة فى السينما المصرية
كمال رمزي
السبت 8 سبتمبر 2012
عنوان العمود هو عنوان الكتاب المشرق، الممتع، الذى كتبته الصحافية
الجادة، ناهد صلاح، بأسلوب حريرى ناعم ورقيق، ورؤية واضحة، عميقة وشاملة،
تجمع بين دقة البحث، ورهافة الحس النقدى، فضلا على الوعى بالواقع المصرى،
وبالتالى جاء عملها إضافة لها شأنها، فى الربط بين الحاضر والتاريخ، وبين
الأفلام ومصادرها الأدبية، فهى، فيما يعادل ثلث الكتاب، أى ما يزيد على
الخمسين صفحة، تبحث، خلال عشرات الكتب، عن ظاهرة الفتوة، وعلاقتها
بالبلطجية الذين انتشروا فى أيامنا.
وتصل إلى نتائج على قدر كبير من الأهمية، منها أن كلا من الفتوات
والبلطجية، ينتشر وجودهما حين تصاب الدولة بالضعف، كما حدث فى النصف الثانى
من عصر المماليك، خاصة فى الثمانين عاما الأخيرة من حكم السلاطين، حيث
انهيار السلطة وما يتبعها من تكوين عصابات «المنصر» الكبيرة، التى وصل عدد
أفراد العصابة الواحدة، حسب بن آيس، إلى ثلثمائة ورأبعمائة لص، بلطجى.. من
هنا، كان من المنطقى أن يظهر الفتوة، كضرورة، للدفاع عن هذه الحارة أو تلك،
فالفتوة، فى بعد من أبعاده، نوع من أنواع السلطة الشعبية، تأتى بشكل طبيعى
نتيجة احتياجات الناس.. لكن ــ كما تنبه الكاتبة ــ من الممكن لهذه السلطة،
مثل كل سلطة، أن تهيمن وتتسلط فتفسد وتصبح مستغلة ووحشية وتقف ضد الناس،
وتتحول إلى البلطجة.
ناهد صلاح، فى بقية الكتاب، تتابع مسيرة الفتوات على الشاشة، ابتداء
من «فتوات الحسينية» لنيازى مصطفى 1954، الذى فتح باب نجيب محفوظ للفتوات،
فأصبحوا، من الضيوف الدائمين فى رواياته وقصصه القصيرة، وانتقلوا منها إلى
عالم الأطياف.. وتشير الكاتبة إلى أفلام تتعرض للفتوات، بعيدا عن أعمال
نجيب محفوظ، مثل «سعد اليتيم» لأشرف فهمى 1985، الذى شارك فى كتابته يسرى
الجندى وعبدالحى أديب، وتتبين أن الفتوين هنا، يختزل، على نحو ما، الصراع
بين الفتوين العالميين: العم سام والدب الروسى.. وكان يليق بالكاتبة أن
تلقى نظرة على «الهلفوت» لسمير سيف 1985، ذلك أنه يتضمن فكرة جديرة بالرصد.
الفتوة عسران، بأداء صلاح قابيل، فى أحد المشاهد المهمة، يطلب من عرفة ــ
عادل إمام ــ مساعدته على خلع جلبابه.
يكتشف عرفة أن ضلوع عسران مكسورة، وأنه يعانى وهنا شديدا، فيقول
بطريقته التى تجمع بين البلاهة والصدق ولا تخلو من حكمة «عالم أونطة فى
أونطة».. أى أن خوف الناس يضيف أوهاما إلى قوة وقدرة فتوة لا حول له أو
طول، وسنشهد، فيما بعد، هزيمته السهلة، على يد الضعيف عرفة.
فى متابعتها لحكايات «الحرافيش» التى تحولت إلى أفلام، تفرد صفحات
مهمة، عن «المطارد» لسمير سيف 1985، و«شهد الملكة» لحسام الدين مصطفى 1985،
و«الجوع» ــ وهو الفيلم الأهم ــ لعلى بدرخان 1986، وترصد بعين نقدية
سليمة، أناقة نجمات فضلن الحفاظ على رونقهن الذى لا يتواءم مع بنات
الحوارى، بشقائهن، وتستثنى فى هذا سعاد حسنى، فى «الجوع».. ولكن، لا تجد
امتدادا لمثل هذه الملاحظة الصائبة، فالكاتبة، لا تقارن بين أداء فتوات
نجيب محفوظ، أو تكشف لنا الفروق بين أساليب المخرجين، ولا تتوقف، متأملة
المشاهد المحورية، فى هذا الفيلم أو ذاك.. لكن، كل هذا، لا يعنى التقليل من
أهمية كتاب يتمتع بجمال أسلوبه، وعمق رؤيته.
تيتة رهيبة
كمال رمزي
الأربعاء 5 سبتمبر 2012
فعلا، فى الأجواء القلقة، المتجهمة، نحتاج لشىء من نسيم الكوميديا،
وهو ما يتوافر ــ بسخاء ــ عند الشعب المصرى، فحتى فى أشد اللحظات إظلاما،
تسطع الفكاهة ليبدد شيئا من توتر عتمة الواقع.
وهذا ما يفسر غلبة روح الكوميديا على أفلام العيد، بصرف النظر، مؤقتا،
عن مستواها، الأمر الذى يثبت أن المصريين، كعادتهم، يتمسكون بالابتسامة،
والضحكة، والبهجة، أيا كان حجم متاعبهم.
«تيتة رهيبة» فيلم خفيف، لطيف، يتمتع بقدر كبير من المرح، ولا يخلو من
السخرية، وروح الدعابة.. ولكن، فى ذات الوقت، يبعث على الغيظ، ففكرته
الجميلة، التى تستحق التأمل، والتى تشع بالمعانى، تأتى مبتسرة، مكبلة بضيق
الأفق، مسطحة.. هنا، يثير العمل واحدة من قضايا الساعة: سطوة جيل دبت
الشيخوخة فى شرايينه، تمثله الجدة القاسية، راوية، بأداء سميحة أيوب، تفرض
على حفيدها، رؤوف ــ محمد هنيدى ــ نمطا من حياة تعيسة، مليئة بالنواهى
والممنوعات، يعبر عنها الفيلم، تعبيرا سينمائيا مبتكرا، عن طريق السلويت،
حيث يمتد صوت الجدة الصارم إلى آذاننا، وهى تأمر حفيدها، الأقرب للشبح، بما
يأكله، ويشربه ويعمله.. ثم ها هو الحفيد وقد وصلت سنه إلى الأربعين. أى أنه
ولد قبل تولى المخلوع الحكم بعشرة أعوام.. هنيدى، بقصر قامته يبدو كما لو
أن نموه قد توقف، وأصبح ألثغا، منطويا على نفسه، رعديدا.. وهو فى هذا يعبر
عمن عاش حياته مقموعا.. وبدلا من أن ينطلق كاتب السيناريو، يوسف معاطى، من
هذه الفكرة الذهبية، ويوسعها، ويعمقها، يتخبط فى حواديت تقليدية، وبقع فى
براثن شخصيات أحادية، ويهدر طاقة الفكرة فى اسكتشات قد تكون مسلية، ولكن
بلا ضرورة.. رؤوف. يعمل فى سوبر ماركت، يخفق قلبه بحب زميلته منار، بأداء
فاتر من إيمى سمير غانم. يذهب لخطبتها، حيث يلتقى شقيقها البلطجى، بأداء
حماسى من باسم سمرة، يلعب بالمطواة والسنجة، ينغمس فى المفاسد، من دون أن
نعرف، ولو بإشارة، ما الذى جعله يغدو، على العكس من شقيقته، من شذاذ
الآفاق.. كذلك الحال، بالنسبة للعديد من أبطال الفيلم، لا يهتم بهم الكاتب،
فى حد ذاتهم، بقدر استخدامهم فيما يشبه الفواصل الضاحكة.
أخيرا، تأتى الجدة من ألمانيا، معها كلبان ضخمان، تثير بهما مزيدا من
الرعب، وقبل حضورها، يندفع الحفيد، محموما، فى تنظيف الشقة، وفى لمسة جيدة،
استثنائية من المخرج سامى عبدالعزيز، نرى رؤوف، فى مشهد واحد، وقد تحول إلى
عدد من «رؤوف»، ينهمك كل منهم فى تنظيف جانب من الشقة.. تمارس «راوية»
سطوتها، لكن إما حسب توجيهات المخرج، أو برغبة سميحة أيوب، لا تتجلى السيدة
فى جبروتها الذى سمعنا عنه، طوال الفيلم.
تندلع خلافات بين «رؤوف» وزوجته من ناحية، والجدة من ناحية ثانية، تصل
إلى حد إقامة الحفيد دعوى قضائية للحجر على الجدة. الفيلم، بهذا الموقف،
يضع نفسه فى مأزق، فإذا انتصر للجيل الجديد سيخدش الإحساس بقداسة الأسرة،
وإذا انتصر للجيل القديم سيكون مروجا لممارسة التسلط.. وفيما يبدو أن يوسف
معاطى قرر الجرى فى الاتجاهين: الجدة تسقط، شبه ميتة، فى قاعة المحكمة، بعد
أن تعلن تنازلها عن الشقة إلى حفيدها، ولكن ها هى فى المستشفى، تتماثل
سريعا للشفاء.. نهاية تتسم بالميوعة، تطمس أبعاد القضية التى بدا أن الفيلم
سيناقشها «تيتة رهيبة»، أطفأ وهج فكرته.
ومن الحب ما قتل
كمال رمزي
السبت 1 سبتمبر 2012
صاحبك، المفتون بإلهام شاهين، المهاجم لها بلا هوادة، لا يوضع فى
قائمة «غرائب الطبيعة» أو يندرج تحت عنوان «صدق أولا تصدق»، ذلك أن حالته
متكررة، تحدث كثيرا، بأشكال مختلفة، مع النجمات والنجوم.. أحيانا، يتبلور
هذا الوجد فى سلوك قد لا يخطر على بال، فمنذ عقدين أو يزيد، قام ناقدنا
الكبير، سامى السلامونى، بقراءة الخطابات الواردة للفنانة ليلى علوى، وحاول
أن يتبين دلالاتها. استوقفته عدة رسائل متوالية، من عامل على قد الحال،
يطلب منها أن تتزوجه، ويؤكد لها أنه سيجعلها سعيدة، ولما لم ترد عليه، حلا
له الظن أنه تزوجها فعلا، والأدهى أنه هددها، فى خطاب أخير، بأنه سيطلبها..
فى بيت الطاعة!
أما محمد عبدالوهاب، فإن أحد عشاق موسيقاه، حاول مقابلته عدة مرات،
وبعد أن فشلت مساعيه، انتابه وهم عجيب، يتمثل فى أن محمد عبدالوهاب، يقوم
بالسطو على موسيقاه، وبانتظام، ومنذ زمن بعيد. قرر الرجل الانتقام. انتظر
أمام باب المصعد، وما أن رأى محمد عبدالوهاب حتى أخذ يكيل له اللكمات،
فتهشمت نظارة موسيقارنا، وسال الدم من وجهه.
هذا النوع من الجنون، ليس قاصرا على بلادنا وحسب، بل يمتد إلى معظم
بلدان العالم، وبطريقة أشد خطورة مما عليه عندنا، وصلت إلى حد محاولة
اغتيال الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، عقب جلوسه على دست الحكم بعدة
أسابيع، فبينما كان ريجان خارجا من أحد فنادق العاصمة، واشنطن، فى طريقه
إلى سيارته الليموزين المصفحة، وحوله محاسيبه وحراسه الأشداء، انطلقت ست
رصاصات من مسدس، يحمله رجل نكرة، اسمه جون هينكلى جونيور، فأصابت ضابط
شرطة، ومخبرا سريا، والمتحدث الرسمى الذى عاش بقية حياته معوقا، لإصابته فى
رأسه. أما ريجان، فإنه أنقذ بأعجوبة مرتين، الأولى حين دفع به أحد حراسه
إلى داخل السيارة، والثانية عندما تمكن الأطباء من استخراج رصاصة من رئته
على بعد عدة سنتيمترات من قلبه.
محاولة الاغتيال لم يكن لها دوافع سياسية، لكن الأسباب تتعلق برعونة
عشق النجوم، فالرجل النكرة، الذى أصبح مشهورا، وقع ــ عن بعد ــ فى غرام
ممثلة ناشئة ــ آنذاك ــ قاسمت روبرت دى نيرو بطولة «سائق التاكسى» لمارتن
سكورسيزى، الذى فاز بالسعقة الذهبية لمهرجان كان 1976.. الممثلة، هى جودى
فوستر، المولودة فى لوس أنجلوس عام 1962، والتى بدأت التمثيل مبكرا، ولفتت
الأنظار فى «سائق التاكسى»، حيث قامت بأداء دور فتاة صغيرة، أقرب للطفولة،
تقع فى براثن مدينة نيويورك القاسية، حيث تدفع دفعا إلى ممارسة الدعارة،
ويحاول سائق التاكسى،الكاره لقذارة المدينة، ماديا ومعنويا، أن ينقذها..
يدرب نفسه على إجادة استخدام السلاح. يحلق شعره. يقتحم وكر الملذات
الدنيئة. يطلق وابلا من الرصاص. ينقذ الفتاة ويزج به فى السجن. هذا عن
الفيلم، فماذا عن الواقع؟.. الرجل النكرة، الغلبان، جون هينكلى جونيور،
استبد به حب جودى من طرفه فقط، فأخذ يشاهد «سائق التاكسى» المرة تلو المرة،
ومع كل مشاهدة يزداد هياما بها، واندفع فى كتابة الرسائل لها، يبثها لواعج
الغرام.. طبعا لم ترد عليه فقرر أن يقدم على عمل كبير يلفت به نظرها، وهداه
تفكيره السقيم إلى اغتيال ريجان، وكان ما كان.. جهات التحقيق والقضاء برأت
مجنون ليلى ومجنون عبدالوهاب ومجنون جودى، على أساس ضعف قواهم العقلية..
فماذا سيكون مصير مفتون إلهام.. شاهين؟
الشروق المصرية في
01/09/2012
«إقصاء النساء» فى أبهج صوره
خالد محمود
الأحد 16 سبتمبر 2012
بقدر إعجابى الكبير بالفيلم المغربى «انرومان من لحم ودم» وفرحتى بعمل
سينمائى يكشف عوارا حقيقيا للمجتمع المغربى ومجتمعات عربية أخرى يتمثل فى
واقع الحياة القاسية للمرأة واضطهاد حقوقها وحصرها فى دوائر الحرمان، بقدر
حزنى الشديد على دموع مخرجه الشاب عز الدين العلوى عقب العرض من النسخة
الرديئة التى عرض بها الفيلم فى مهرجان الإسكندرية السينمائى.
اعتذر المخرج للحضور وقال إنه كاد يصرخ طوال العرض وانه ذهب لغرفة
العرض ليعرف كيف شوهت الصورة والصوت والموسيقى لكنه فوجئ بأن ادارة
المهرجان عرضت نسخة دى فى دى رغم انه منحهم نسخة 35م واندهش الجميع كيف
يحدث ذلك وما كان من المشاهدين إلا أنهم اعتذروا له عن خطأ المهرجان الذى
تكرر فى فيلم إسبانى سابق حسب رواية الناقد السينمائى طارق الشناوى.
ولم يهدأ المخرج إلا بعد كلمات الثناء والإشادة بعمله السينمائى، وهنا
كشف المخرج عن الصدمة التى تعانى منها المرأة فى واقع المغرب العميق
وحقوقها الضائعة وقهرها وقال «ليس شرطا عندما تتعرض مدافعا عن حقوق الإنسان
أن تظهر الصورة القاتمة للسجون والمعتقلات هناك من هو أهم وهو الإنسان الذى
يعيش حالات الفقر فى الجبال والقرى هناك البعض لا يعرفون ما يحدث حاليا
مثلا فى سوريا ولا يعلمون شيئا عن وسائل الإعلام بل هناك من يعتقد ان محمد
الخامس مازال حيا.
والفيلم الذى يعالج واقع المرأة بقرية نائية وكيف أنها تحرم من الإرث
والحق فى الحب حتى أننا نرى الرجل الذى رزق ببنتين يتعرض للازدراء إلى درجه
تجعله يجبر ابنته الكبرى اندرو مان أو الممثلة جليلة تلمسين أن تعيش بلا
روح كرجل تحلق شعرها.
وتمنع كل وسائل الزينة. وخصوصية هذا الفيلم نراها فى نضج المخرج
وذكائه وفهمه للتقنيات السينمائية الحديثة التى كان لها قوة التأثير فى
المشاهد وخاصة فى الصورة الساحرة لوفاة الابنة الصغرى رقية وهى ملقاة على
الشجرة متأثرة بقهر الأب لها كأنثى وبالمطر الغزير وكأن الأب اغتصب روحها
بقسوة تصرفاته ورفضه لوجود إناث فى حياته.
أيضا مشهد الفتاه الكبرى حالقة الرأس وهى تركب الحصان وتدخل سباق
وتفوز بخطف شارة الحرية وكان التدقيق فى تفاصيل القصة هى وراء القيمة
الفنية الإيجابية التى ينبهر مع لقطاتها المشاهد.
«أندرومان» هو عنوان الفيلم واسم شجرة بالأمازيغية وتحمله كذلك الفتاة
البكر للأب العنيف والمتصلب «أوشن» «محمد خيى» والمتأمل لمشهد صراخه بعد
موت ابنته رقية يدرك أنه قدم اداء فنيا راقيا. أما الممثلة «جليلة تلمسين»
التى لعبت دور اندورمان ونحن نشاهدها تتحدى الضغط والقمع والصعاب بنظراتها
القاسية الممزوجتين بالسخط ووجهها الحديدى لتكشف لنا عن صراع داخلى وأنوثة
تتطلع للحب مثلها مثل جميع نساء العالم، وأوصلت رسالة المخرج «إقصاء
النساء» فى أبهج صوره.
براءة عادل إمام.. عدالة قضاء وحياة
خالد محمود
السبت 15 سبتمبر 2012
جاء الحكم ببراءة الفنان عادل إمام لينتصر للفن والإبداع دون الوقوف
عند شخص بعينه.. ينتصر لحياة مادام كانت لها قوامها ومفرداتها وأفكارها
وأحاسيسها وزمنها وطريقها ورحلتها الخاصة فى عقول وقلوب الجماهير.
تلك الحياة كانت قد تعرضت لفيروس اتهامات متعددة وهجمات شرسة بدءا من
تهم ازدراء الأديان والسخرية من شكل المسلم، ووصولا إلى التشويه فى السمعة،
والاستباحة فى العرض والدم، لكن ذلك الفيروس لم ينل أبدا من تلك الحياة، قد
يؤرقها بعض الوقت أو يحوم حول أحلامها ويصيبها باليأس، لكنه أبدا لم يوقف
لهيبها أو يقلل من عزيمتها فى الاستمرار، وهناك أمثلة على ذلك كثيرة حاولت
الضغط والحجر وإيقاف مسيرة الفن، لكنها ذهبت مع الريح، فأحلام حياة الفن
والإبداع هى أحلام من بشر لبشر.
شاهد القاضى رئيس المحكمة الأفلام التى قدمها عادل إمام واتهم بسببها،
ولم يجد فيها شيئا يؤكد الاتهام من ازدراء للدين الإسلامى، وأكد رئيس
المحكمة أنها لا تحمل أى سخرية لا من شخص ولا من سلوك دينى، وهنا حكم
بالبراءة، وهنا أيضا يجب أن يزداد إيمان الفنان والمبدع الحقيقى بقيمة ما
يقدمه، وأن يملؤه الإصرار والتحدى والثقة فى الاستمرار، هذه هى عدالة
الحياة، وعدالة المحكمة وعدالة القضاء وعدالة المتلقى، فمن حق المبدع على
الحياة أن تمنحه مساحة للبوح بأحلامه وبكوابيسه أيضا، وأن تترك العنان
لفكره وضميره ومشاعره وأحاسيسه ونظرته وإنسانيته دون حجر، فالفنان والمبدع
الحقيقى يعتبر البلوغ والنضج من سماته الطبيعية، وبالتالى فهو أقدر من أن
يكون وصيّا على نفسه.
براءة عادل إمام هى البراءة نفسها التى يجب أن تبقى وترفرف حول الفنان
ــ أى فنان ــ وحول أعماله التى تعد نوعا من التطهر، وهى الرسالة الأسمى
للفن والإبداع.
فى مسألة الأفلام المسيئة للنبى
خالد محمود
الخميس 13 سبتمبر 2012
لم تكن المرة الأولى التى ينتج فيها فيلم تسجيلى أو عمل تليفزيونى
يسىء لنبى الهدى محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولكنها هذه المرة هى أخطر
المحاولات.
ولم تكن هى المرة الأولى التى يظهر فيها رد الفعل الغاضب بهذه الصورة،
وهى ايضا أقسى صور الانفعالات والاعتراض والرفض والاحتجاج، فالحالة
الاجتماعية لشعوب المسلمين ــ ليس فقط فى مصر - وفى معظم العالم العربى ــ
أصبحت حالة قلقة ومهزوزة، وفى كل الاحوال والاحداث والوقائع تقف بين الشك
واليقين، وبدون شك هناك من يعبثون بمشاعر هذه الأمة، وهم يدركون عن عمد أن
مثل هذه الأفلام وخاصة التى تنتج فى الولايات المتحدة الأمريكية وتلعب على
وتر الفتنة الطائفية ستصيب أحاسيس الجميع فى مقتل، وفى كل مرة يطغى صوت
العقل وتهدأ الأمور وتفشل تلك المحاولات، ولكن شريط الاساءة لرمز الإسلام
الاول لن يتوقف وتأتى ردود أفعال العمل الاخير كبيرة لأن المحتجين كانوا
يمثلون معظم الطوائف والتيارات سياسيين وسلفيين وناشطين من الشباب واقباط
مسئولين وجماهير، وهى الصورة التى بدت واضحة أمام السفارة الأمريكية.
ولكن أرى أن وسائل الاحتجاج والرفض والشجب يجب أن تتخطى حدود البيانات
وكلمات الرفض والتظاهرات والاعتصامات والمسيرات المألوفة.. نعم هذا حق فى
مثل هذا الحدث الكبير، لكن علينا أن نرد بوسائل مشابهة، بأعمال سينمائية
وتليفزيونية تؤكد بين مشاهدها وحواراتها حقيقة المسلمين والإسلام وسماحة
عقيدته، وفكره وروحه وهدفه واصوله واسسه واساساته التى تجرفت سواء بفعل
فاعل أو بحسن نية.. فتأثير العمل الإبداعى من صوت وصورة وأداء أكثر إقناعا
وأكثر اختراقا للمشاعر والاحاسيس.. علينا أن نخاطب العالم فى مشاعره
وأحاسيسه.. علينا أن نجذب عقله لفكر الإسلام الحقيقى ورسالة نبيه الرسول
الكريم.. علينا أن ننير لهم الطريق حتى لا يقعوا فريسة لمحاولات فنية خبيثة
لم ولن تترك شعوبنا فى حالها، فقد حان الوقت لمبدعينا وفنانينا ومنتجينا أن
يفكروا فى طرح نماذج لأعمال يراها العالم.. وهذا هو أفضل رد. خالد محمود
الشروق المصرية في
13/09/2012 |