حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

آن ماري جاسر:

بيتنا القريب صار أشبه بالحلم المستحيل

تورونتو - فيكي حبيب

 

منذ فيلمها الروائي الطويل الأول «ملح هذا البحر»، لمع اسم السينمائية الفلسطينية الشابة آن ماري جاسر في دنيا الفن السابع، فكانت البداية من مهرجان «كان» السينمائي الذي اختارها في مسابقته الرسمية، قبل ان ترشحها فلسطين لتمثلها في جوائز الأوسكار بعدما توالت النجاحات في اكثر من مهرجان. اليوم، تعود جاسر لتمثل فلسطين في الأوسكار، ولكن من خلال فيلمها الروائي الثاني «لما شفتك» المفعم بالآمال.

«الحياة» التقت جاسر في تورونتو التي شهدت العرض العالمي الأول للفيلم في مهــرجــانها السينمـــائــي، وسألتها عن همّ القضية الفلسطينية الذي تحمله في أفلامها بين أمور أخرى:

·     تزامناً والثورات العربية وما بثّته من آمال كبيرة عند شعوب المنطقة، حققت فيلماً عن القضية الفلسطينية ينبض بالأمل. فإلى أي مدى، حاولت ان يجاري فيلمك الروح الإيجابية التي انبثقت عن تلك الثورات في الفترة الاولى من حدوثها؟

- الصدفة وحدها أدت الى تقاطع روح الفيلم مع ما بثّته الثورات من آمال. فعندما كتبت السيناريو لم يكن «الربيع العربي» حلّ بعد. وكنت يومها أبحث عن أمل في حياتي. كان المشهد سوداوياً، ولم يكن احد يتصوّر انه قادر على التغيير. اليوم، لم يعد هذا الشعور مخيماً. صحيح أن هناك مشاكل كثيرة والطريق طويل، لكنّ الامل موجود بالإمكانات الذاتية. وأياً كانت الرؤية ضبابية، فإن الامور ستسير حتماً على المدى البعيد نحو الأفضل. والمهم في الامر كله ان الناس شعروا انه صار لهم صوت وبات باستطاعتهم ان يحلموا.

·     صوّرت فترة مهمة من تاريخ الصراع العربي-الاسرائيلي (1967) برومانسية قد لا تشبه عنف المرحلة التي تناولتها. كيف تبررين خيارك؟

- عندما اخترت ان أروي قصتي من وجهة نظر ولد يقف على الحافة بين عالمي الطفولة والمراهقة، صار الخط الرومانسي مبرراً. ثم من قال ان الفدائيين ليسوا رومانسيين؟ صحيح كانوا مقاتلين، لكنهم اختاروا هذه الطريق لأنهم كانوا مسكونين بالأمل وشعروا ان بإمكانهم ان يغيّروا حياتهم. كانوا صادقين مع أنفسهم وظنوا فعلاً ان في استطاعتهم استعادة الأرض. كان حلم العودة يسيّرهم، وهم بهذا المعنى رومانسيون أيضاً.

استعادة أمل مفقود

·        هل هو حنين الى فترة ولّت؟

- لا ليس حنيناً، بل كنت أبحث عن استعادة الأمل المفقود. كتبت السيناريو قبل الثورات، وكنت بحاجة الى الأمل. وإذا تفحصنا عدداً من الأفلام الحديثة، نجد ان سينمائيين كثيرين عادوا الى حالات ثورية في الماضي بهدف الاستفادة منها في الحاضر.

·        حدثينا عن الشرارة الأولى التي ولّدت فكرة الفيلم؟

- أقمت في اماكن كثيرة، وتنقلت بيـن الولايات المتحدة وأوروبا. كان لديّ مفهـومي الخاص للمنفى، ولكن سرعان ما اختلفت النظرة عندما مُنعت من العودة الى رام الله، واستقريّت في الأردن. صار للمنفى معنى آخر، اذ لم اكن أفهم، كيف لا يمكـن ان أدخل فلسطين على رغم انني أراها بالعين المجردة. انطلاقاً من هنا ولدت فكرة الفيلم، أي من الشعور بأن تكون قريباً جداً من بيتك، ومع هذا فإن الوصول اليه أشبه بالحلم المستحيل. ومنــذ البداية كان خياري ان يكون البطل طفلاً «ساذجاً» لا يفهم ماهية الحدود، لذا تـــراه يطرح على الدوام أسئلة قد تستعصي الإجابة عنها. فهو لا يفهم ما المانع امام عودته الى بيته في فلسطين، ولماذا عليه ان يبقى في مخيم للاجئين لا يحبه، وفي مدرسة غير مرغوب به فيها بسبب اختلافه عن بقية التلاميذ. وهو على رغم سذاجته منطقي بأسئلته، لذا نراه لا يفهم لا منطقية الحدود والحواجز... ولكن ترى من الساذج فعلاً؟

·     يصوّر الفيلم جيلين: جيل واقعي مكسور تمثله الوالدة «غيداء»، وجيل حالم يمثله الطفل «طارق» الذي يكون الانتصار في نهاية الشريط لمصلحته. لماذا هذه النهاية التي لا تشبه الواقع؟

- أحاول في الفيلم ان ادغدغ مشاعر أناس كانوا مثل «طارق» مسكونين بالأمل قبل ان تتكسر احلامهم على ارض الواقع. الأم تمثل النموذج الثاني، فهي كانت مثل ابنها نابضة بالآمال، اما اليوم فلم تعد تريد شيئاً إلا ان تحميه، خصوصاً انه ليس كبقية الأطفال. فهو مصاب بمرض الديسليكسيا، وبالتالي لا يجيد القراءة، لكنه طفل مميّز ولا ينفك يطرح الأسئلة التي لا يجد احد الإجابات عنها. وأحياناً تخرج من فم الاطفال الأسئلة الكبيرة. من هنا شئت في نهاية الفيلم ان تلحق الأم ولدها لا العكس.

·        هل واجهتك مشاكل في التمويل؟

- التمويل كان صعباً جداً. هناك مهرجانات عربية ساعدتنا مثل أبو ظبي ودبي، فيما كان جواب مهرجانات أخرى معيباً. فمثلاً، هناك مهرجان لن اذكر اسمه رفض تمويل الفيلم لا لأسباب فنية بل لأسباب سياسية، وكتبوا في رسالة الرفض ان في الفيلم عدم «مسؤولية سياسية» لأن الفلسطينيين في تلك الفترة التي نرسمها كانـــوا «عنيفين» و «إرهابيين». قد أفهم مثل هذا الكلام من مهرجان اميركي، ولكن ان يأتيني من مهرجان عربي فأمر مؤلم. طبعـــاً لم نتــــوقف كثيراً عند هذه الرسالة، وتابعنــــا سعينا للوصول الى تمويل اكبر. وانضم مهرجان «تسالونيكي» اليوناني الى قائمة الممولين. وبالفعــــل أنهينا الفيلم في اليونــان. وكــنا نضحك من فكرة ان فيـــلماً بلا فلوس ساعده بلد بلا فلوس. وللأمانة ساعدونا كثيراً في اليونـــان، فهم يحبون السينما والفن وكانوا كريمين جداً معنا.

موضوع حسّاس

·        هل واجهتم مشاكل أخرى أثناء التصوير؟

- لا انكر ان التصوير في الاردن كان صعباً. وبالحقيقة كان اصعب بكثير مما تصورت. الموضوع لا يزال حساساً هناك الى اليوم. ونحن كطاقم الفيلم شعرنا بذلك. للأسف لم تكن هناك مساعدة مثلما يحدث للأفلام الآتية من الخارج. فمثلاً، عندما بنينا المخيم في الفيلم، توجب علينا ان ننال تصريحاً للتصوير. في البداية رفضوا اعطاءنا اياه، ثم أفرجوا عنه بعد 3 أسابيع. وهذا التأخير كلفنا مادياً. ولم تتوقف المضايقات عند هذا الحدّ، بل تتالت مع الوقت. ولا يمكن ان انسى ما تكبّدناه على احد حواجز الشرطة طوال ايام التصوير. فنحن صورنا في الشمال خارج عمان، وكان هناك حاجز علينا عبوره للتنقل من موقع الى آخر، وعلى الدوام كان الطاقم الفلسطيني الذي يعمل معنا يتكبّد الأمرّين، علماً ان افراده جميعاً مولودون في الأردن، وعاشوا كل حياتهم هناك، ولكن من دون ان يكون لهم رقم وطني. كانوا يواجهون بالرفض اكثر من مرة على الحاجز، وفي احدى المرات سألت الشرطي عندما منع دخول احد العاملين التقنيين معنا عن السبب، فكان جوابه ببساطة لأنه فلسطيني.

·        هل كان هناك رقابة على السيناريو؟

- كلا

·        هل تتوقعين ان يكون عرض الفيلم في الأردن بالصعوبة ذاتها التي واجهتموها خلال التصوير؟

- لا ادري. لننتظر ونرى.

·     نظرة الخارج الى الفلسطيني موجودة في فيلمك في مشهد قد يجده بعضهم غير مبرر، وكأنك أقحمت وجود سيارة معطلة لشباب لبنانيين في الاردن لتصوري سوء معاملة اللبناني للفلسطيني؟

- ليس إقحاماً. ففي ذاك الوقت، كان السفر براً من بيروت الى عمان دارجاً. واخترت نموذج شباب على الموضة، يعيشون حياتهم، ويسايرون التطورات من حولهم للوصول الى مقارنة مع الفلسطينيين الذين توقف الزمن عندهم في تلك الفترة حين صاروا لاجئين، بينما الآخرون اكملوا صعوداً. بطل الفيلم «طارق» كان للمرة الأولى يشاهد أناساً من خارج المخيم. ثيابهم وتصفيف شعرهم وطريقة كلامهم... كل هذا لم يعهده من قبل، وعندما سألته إحدى الفتيات، هل انت لاجئ، استغرب، فهو لا يعرف ماذا تعني مثل هذه الكلمة.

·        العودة الى الستينات تستلزم بحوثاً كثيرة. هل وجدت صعوبة؟

- أبداً. لا يمكن ان تتصوري حجم الأرشيف الضخم الذي وقعت عليه من صور وأفلام لتلك المرحلة. كان الفدائيون نجوماً في ذاك الوقت، ولم تكن هناك مشكلة في اعادة اكتشافهم. أجريت مقابلات مع فدائيين، ومنهم ليلى خالد، وكانت أسئلتي بعيدة من الأسئلة التقليدية في السياسة، بل كنت اسعى لأن اعرف ما نوع السجائر الذي كانت تدخنه، وما الموسيقى التي كانت تستمع اليها وما الأصوات التي كانت تسمعها في الليل. كنت أبحث عن أمور صغيرة، عن التفاصيل... وبالفعل كنت محظوظة. صحيح لم اعش في الستينات، لكن الأرشيف الذي وجدته كان كفيلاً بنقلي الى تلك المرحلة.

·        لماذا لم تصوري في مخيم جاهز وفضلت بناء مخيم جديد؟

- لم يكن خياراً، بل ضرورة لأكون أمينة لتلك المرحلة، خصوصاً ان تغييرات كثيرة طرأت على شكل المخيمات اليوم ولم تعد تشبه ما كانت عليه في الماضي. ولهذه الغاية بنيت موقعي تصوير: مخيم اللاجئين ومخيم التدريب، علماً ان هذا الأخير شيّدته في منطقة دبّين في الاردن في المكان ذاته الذي كان في تلك الفترة مخيماً للفدائيين. ووجدنا اثناء التصوير مقتنيات كثيرة من الفترة الممتدة من عام 1966 حتى أيلول الأسود. وجدنا أنفاقاً من صنع الفدائيين الذين بنوا مدينة كاملة تحت الأرض، كما وجدنا مساعدات طبية من المانيا الشرقية والصين...

·        لم تحضر هذه الاكتشافات في فيلمك. لماذا؟

- هناك مشهدان فقط في الفيلم صورناهما في نفقين حقيقيين من صنع الفدائيين. اما ما عدا هذا، فلم نتمكن من استغلاله.

أبناء الفدائيين

·        كيف اشتغلت مع الممثلين للتحضير للشخصيات؟

- عدد كبير من الممثلين الذي عملوا في الفيلم هم أبناء فدائيين، وبالتالي كان الامر ذاتياً جداً. اما «طارق» او محمود فاخترته من مخيم للاجئين من بين 200 طفل، وكان اول ما جذبني اليه عيناه المعبرتان جداً والحزن الكبير الذي يرسم وجهه، لكنه ما ان يضحك حتى يعود طفلاً صغيراً. هو عاش كل حياته في المخيم، ويعرف معاناة هذه الحياة، ومع هذا عندما صورنا الفيلم قصدني والده باكياً ثم قال لي: كل حياتي وأنا احاول ان افسّر لمحمود ما هو تاريخنا من دون ان انجح، لكنك انت من خلال هذا الفيلم نجحت في ما عجزت أنا عن فعله. طبعاً لم يكن سهلاً التصوير مع محمود، خصوصاً انه يقف للمرة الأولى امام الكاميرا، وكان كل همي ان أبني علاقات خارج التصوير بينه وبين ربى بلال التي جسدت دور الوالدة. جعلتهما، مثلاً، يذهبان معاً للتسوق، ووضعت السيناريو جنباً بهدف ان يتعرفا الى بعضهما بعضاً اكثر ويعيشا الحالة التي يجسدانها.

·     وماذا عن العمل مع صالح بكري للمرة الثانية بعدما كان ظهوره للمرة الأولى في فيلمك الاول «ملح هذا البحر»؟

- أحب العمل مع صالح، فهو ممثل مميز، وصارت له أفلام كثيرة بعدما ظهر للمرة الأولى معي. في «ملح هذا البحر» جعلته يسكن في مخيم في رام الله لشهر ونصف الشهر بهدف الدخول في الشخصية. وفي هذا الفيلم جعلته يخضع لتدريب عسكري مثل بقية الممثلين. أما ربى بلال، فكنت أتوق للعمل معها. ولكن كان عليّ ان اختار الطفل اولاً. وعندما وجدته، بات خيار ربى لا لبس فيه، خصوصاً انهما متشابهان في الشكل.

·     فيلمك الروائي الطويل الاول «ملح هذا البحر» شارك في مهرجان «كان»، وفيلمك الثاني شارك في تورونتو. ماذا يمثل بالنسبة اليك هذا الاعتراف من المهرجانات الدولية؟

- انا سعيدة جداً بوجودي هنا في تورونتو. وهي لا شك فرصة كبيرة ليشاهد الجمهور الغربي فيلمي. كما لا يمكن إلا ان أعبّر عن فرحتي ودهشتي بأن تكون كولومبيا اول دولة اشترت الفيلم بعدما شاهده منتج كولومبي هنا في تورونتو وأحبه. ولم يختلف الامر كثيراً بالنسبة الى فيلمي الاول، فأول دولة اشترته بعد عرضه في «كان» كانت الهند. طبعاً لو سئلت قبل اسبوع عن توقعاتي للبلدان التي ستهتم بالفيلم، لما كانت ستخطر في بالي كولومبيا، من هنا اهمية مثل هذه المهرجانات.

·        ماذا عن التوزيع في العالم العربي. هل يجد الفيلم المستقل مكاناً له في الصالات؟

- للأسف هذه مشكلة كبيرة نعاني منها، فعندما نحاول ان نوزع أفلامنا في العالم العربي، يأتي الجواب جاهزاً بأن لا جمهور لها. ولكن من قال هذا؟ هناك حتماً جمهور لمثل هذه الأفلام. ولا اعتقد بأن المشاهد لا يريد إلا افلاماً هوليوودية. حجة بعضهم ان العرب لا يحبون ان يشاهدوا حياتهم على الشاشة، اما انا فلست مقتنعة بهذا الجواب.

·        ماذا ينتظر اليوم فيلم «لما شفتك»؟

- تنتظره جولات في المهرجانات، وأول محطة له بعد تورونتو ستكون في ابو ظبي، ولكن قبل هذا المهرجان سأعرضه في فلسطين، خصوصاً ان الفيلم مرشح باسم فلسطين لجوائز الأوسكار. بصراحة انا متوترة جداً، لأن الجمهور الفلسطيني هو اكثر ما يهمني.

الحياة اللندنية في

28/09/2012

 

«مملكة النمل»...

هذا الشّعر لا يخدم فلسطين

بيروت - محمد غندور 

في تجربته الروائية الأولى «مملكة النمل»، يخبرنا المخرج التونسي شوقي الماجري أن فلسطين لا تزال محتلة، وأن أهلها لم يتعلموا بعد «فلسفة الاستسلام»، وهم يتوارثون فعل المقاومة من جيل إلى آخر. ويعرض لنا ما يتناهى إلى علمه انه يحدث داخل الأراضي المحتلة، وحجم ما يعانيه الأهالي من دمار وقتل بات خبزاً يومياً. ولكنه يستطرد في عرضه إلى حد المبالغة، مع صور للانتفاضة والرد القاسي من العدو الإسرائيلي.

لقطات ومشاهد قد تكون مؤثرة في منتصف القرن الماضي، أو لجمهور غربي بعيد لم يسمع بعد بما يدور في فلسطين. أسئلة عدّة يطرحها «مملكة النمل» حول وضع فلسطين في المقاربة السينمائية خصوصاً من الجيل الحديث. بمَ تخدم مثلاً كل تلك المشاهد الدموية القضية الفلسطينية؟ علماً أن نشرات الأخبار اليومية ومنذ عشرات السنين، تعرض أبشع من ذلك بكثير. هل السينما هي نقل الواقع كما هو، أو غوص في تفاصيل لا يعرفها المشاهد، أو البحث عن حكايات جديدة؟

والأهم من ذلك، أن أي عمل يمكن أن يُنجز اليوم بعد كلّ ما قدمه مخرجو الداخل الفلسطيني أمثال إيليا سليمان وميشيل خليفة ومن سبقهم ولحقهم، خصوصاً أن أياً من هؤلاء لم يتعاط مع القضية بلغة خطابية ساذجة، بل بصورة سينمائية أسرت المشاهد، وحملت معها أفكاراً عدّة تخدم القضية، إنما بصورة غير مباشرة.

من كتب الأساطير

يتناول «مملكة النمل» قصة عائلة فلسطينية تناضل من جيل إلى آخر فوق الأرض وتحتها من أجل البقاء. جليلة (صبا مبارك) الشابة التي أحبت وتزوجت المناضل طارق (منذر رياحنة) وحملت في مملكة تحت الأرض، يحرسها جدها الملقب «أبو نمل» (جميل عواد)، وهو شخصية تبدو طالعة من كتب الأساطير. وعالم أبو نمل الافتراضي عبارة عن أرض جميلة تحت أرض فلسطين، من دون حواجز، فيها مياه ودهاليز حيث الحب والحياة الجديدة، كما أنها تشكل أيضاً مأوى آمناً للمناضلين وجهادهم للبقاء، تماماً كما ينظم النمل صفوفه من أجل البقاء.

غرق الماجري في مستنقع الخطابة، فأتخم العمل بجمل لا مكــــان لها، ولغة استفزازية تحريضية انتهى مفعولها منذ سنين خصوصاً فــــي أعمال تعالج قضايا شائكة. ومن هنا» تميّز» العمل بالانفعالات المبالغ فيها والمواقف التي لا تفعل أكثـــر من أنها تثير عواطف المشاهد وتلعب على أحاسيسه، وهي طريقة باتت معتمدة لجذب الجمهور. وما فعله عادل إمام بعد غياب نحو 30 سنة عن الدراما خير دليل على ذلك، إذ عاد بفكرة عاطفية مركبة تظهر سذاجة العدو، وشجاعة الفلسطيني، مع إكثاره من الشعارات لتسمير المشاهد الهش أمام الشاشة.

ما فعله الماجري (مواليد 1961) الذي يتحضر لكتابة فيلم تاريخي يستحضر تونس في القرن التاسع عشر، يُشبه إلى حد كبير إنما بطريقة أرقى قليلاً، ما فعله إمام، ولكن الاثنين غرقا في فخ السطحية. فالمقاربة السينمائية لقضية فلسطين في القرن الواحد والعشرين، عليها مراعاة التطور الثقافي والاجتماعي والسياسي والحضاري لأي مشكلة، ومعالجتها بمفردات وصور ومشاهد جديدة، من دون اللجوء إلى لغة تحاكي الغرائز. مفردات تبدو معها المعالجة السينمائية للعلاقة الصدامية بين الجلاد والضحية بحاجة إلى العمق والتركيز، خصوصاً أنها غير سطحية وبات عمرها عشرات السنين، ولا تتمثل المواجهة بينهما فقط في معتقل أو تظاهرة، بل هي أسلوب حياة يومي.

ينتمي الفيلم إلى المدرسة الشاعرية، وهو أسلوب بات بالتأكيد مملاً لما فيه من شعارات. كما أنه يخلو من العقدة الدرامية، وإطالته (مدته ساعتان) كانت في غير محلها. كما يعاني السيناريو العديد من الهفوات، أهمها السطحية والسذاجة والتفكك واللغة الخطابية المباشرة والمبالغة في أداء بعض المشاهد من قبل الممثلين. فمثلاً هل مقاومة الضحية للجلاد يجب أن تكون دائماً بالصراخ والعنفوان، والتذكير بأن هذه الأرض للفلسطينيين، وأن الإسرائيليين اغتصبوها؟ وهل تصوير الأطفال يرشقون حجارة على العدو، هو مشهد مبتكر؟

الطريق الأسهل

سلك الماجري الذي أخرج أعمالاً ممتازة للتلفزيون، الطريق الأسهل إلى فلسطين، صوّر يومياتها ببطء شديد، وعرض مجازرها وأعراسها جنباً إلى جنب. ويبدو أن المخرج التونسي تناسى أنه يخرج فيلماً روائياً سينمائياً، فأطال بعض المشاهد، فسار الفيلم بإيقاع بطيء على غرار المسلسلات التلفزيونية، علماً أن السينما هي اختصار الوقت، وقول ما نريده في أقصر مدّة زمنية.

نجحت أفلام إيليا سليمان وأمثاله من المخرجين، لأن أعمالهم لم تتطرق إلى فلسطين بصورة مباشرة، بل اختاروا حكايات لم ترو بعد عن هذا البلد ومشاكله. قالوا ما يريدونه بلغة مشبعة بالإشارات والرموز مبتعدين عن الخطاب المباشر وهذا الخطاب تحديداً هو ما أضعف «مملكة النمل».

أظهر الفيلم الجندي الإسرائيلي مثلاً، على أنه ساذج وسطحي، بينما الواقع غير ذلك، فهو مقتنع بما يفعله، ومدرّب على قتل الفلسطيني بأعصاب باردة. ومع هذا فإن من الإيجابيات التي تسجل للفيلم أنه لم يُظهر انتماء المقاومين أو ديانتهم. بيد أن الأخطاء الجوهرية التي وقع فيها الفيلم، أغفلتنا عن جمال صورة الفيلم، وروعة المواقع المنتقاة للتصوير بين سورية ومصر وتونس.

دخل الماجري السينما من بوابة الأفلام القصيرة. أنتج ثمانية بين تونس وبولونيا، غير أنّ شهرته الكبرى بناها في عالم التلفزيون من خلال عدد من الأعمال التي نالت شهرة واسعة وحصد عنها جوائز أبرزها «ايمي آوورد» التي نالها عن مسلسله «الاجتياح» الذي أخرجه عام 2007.

بات واجباً على كل من يريد العمل على القضية الفلسطينية سينمائياً، الابتعاد عن تصوير الفلسطيني على أنه ضحية، والعمل على إنسانيته وإنجازاته، والبحث في تفاصيل حياته ونبشها. فمن قال أن أطفال فلسطين ولدوا ليموتوا وهم يرشقون الحجارة، في مشهد سينمائي؟

الحياة اللندنية في

28/09/2012

 

الأفلام الروائية قليلة والنقاش ممنوع من فضلكم!

باريس - ندى الأزهري 

«الجمهور الباريسي بحاجة إلى هذا الصوت» على حد تعبير المخرج المغربي الفرنسي نبيل عيوش في افتتاح «ملتقى السينما العربية» الذي نظمه معهد العالم العربي في باريس. فبعد توقف بينالي السينما العربية الذي كان ينظم كل سنتين في المعهد بداعي التقشف، تأتي هذه التظاهرة في دورتها الأولى في وقتها، ولا يسع المرء سوى الترحيب بها، بوجودها على الأقل قبل معاينة محتواها وأسلوب تنظيمها.

أهداف هذه التظاهرة، والتي سيكون الموعد معها في حزيران (يونيو) اعتباراً من العام المقبل، هي بحسب المنظمين واضحة: «تقديم أفلام لم يسبق لها العرض ومحاولة إيجاد شبكات توزيع في فرنسا للفيلم العربي هذا الفيلم الذي كثيراً ما يعبر من دون أن يلحظه أحد ويفكر بعرضه»، وتخصيص موازنة لدعم تحقيق فيلم واحد سنوياً. هذه مؤشرات جد إيجابية، فكيف كان الواقع؟

قليل من الروائي الطويل

لوحظ في التظاهرة قبل أي شيء آخر، أن عدد الأفلام الروائية الطويلة، التي تستقطب في العادة دور العرض الفرنسية، كان محدوداً كما أن التفاوت في مستواها كان لافتاً. ومقابل خمسة طويلة كان هناك ثلاثة وعشرين فيلماً قصيراً وأربعة وثائقية (أحدها «صيد الملح» يعتبر قصيراً وليس وثائقياً كما اعتبره كتيب المهرجان). لكنها كانت مناسبة للتعرف إلى الفيلم العربي القصير الذي يشهد فورة تستحق الاهتمام حقاً (لنا عودة معه). كما نشير إلى تخلص «الملتقى» من عبء تخصيص الجوائز والتقيد بتاريخ إنتاج الفيلم، فأحدها مثلاً ظهر منذ سنتين.

أما العروض فلم تستقطب ما يمكن أن نصفه بجماهير غفيرة، وهو ما يثير شيئاً من الدهشة وتساؤلات عن الأسباب. أفي كونها الدورة الأولى والتي لا بد تقع في مطبات «المرة الأولى»، كأن يكون الإعلان عن التظاهرة قد تم في وقت متأخر، أو أنها أسباب تتعلق بالبرمجة الحافلة بالأفلام القصيرة التي قد لا تهم جمهوراً كبيراً، عربياً خاصة؟ كما أن ما يميز المهرجانات والتظاهرات هو هذا اللقاء مع صانع العمل والحوار معه، وكان هذا شبه غائب هنا، أو تم تنظيمه سريعاً وعلى غير موعد مسبق، وفقط للأفلام ذات المواضيع الاجتماعية الخالصة، بمعنى تلك التي ابتعدت عن أدنى مضمون سياسي. وعلى سبيل المثال الجمهور، وحينها كان كبيراً، الذي حضر لرؤية فيلم الافتتاح «يا خيل الله» لنبيل عيوش، كان متشوقاً فعلاً للحديث مع هذا المخرج بعد العرض. ولكن، تم الإعلان فوراً «لا مناقشة بعد الفيلم»، كذلك الحال بعد فيلم الختام اللبناني «شتي يا دني» لبهيج حجيج، مع أن لا عروض في القاعة كانت مبرمجة بعدهما. فهل حساسية الموضوع هي الدافع؟!

نبيل عيوش في تقديم فيلمه قال إنه ذو موضوع صعب يمكن عبره فهم من أين يأتي هذا الشعور بالتخلي وبالظلم... وهو شعور قد يقود إلى اعتداءات. «يا خيل الله» مأخوذ عن رواية «نجوم سيدي مومن» لماحي بن إيبين، ويسرد على لسان أحد الانتحاريين من سكان ضاحية من الصفيح في الدار البيضاء، كيف يصبح المرء «مؤهلا» لأن يكون قنبلة بشرية حين ينعدم كل أفق أمامه. موضوع تطرق له من قبل المخرجان هاني أبو أسعد ونوري بوزيد، لكن ذلك لم يكن عائقاً أمام فرادته وقوة تأثيره، والتمتع بلغته التعبيرية.

أما الفيلم الثاني الطويل فجاء من الإمارات، «ظل البحر» لنواف الجناحي وهو الفيلم الثاني للمخرج الشاب (1977) الذي أراد عبره «تغيير الصورة النمطية عن الإمارات والخليج وإظهار جانب آخر غير المتعارف عليه في يومنا هذا» كما صرح الجناحي في تقديم الفيلم. أما ما لا نعرفه، فقد رأيناه في الشخصيات التي تكدح لكسب عيشها و «وجود» شباب لغاية الآن من دون هاتف جوال في الإمارات، وفي الأمكنة المختارة للتصوير، فالبيوت متواضعة في معظمها وتنتشر في أزقة ضيقة غير معبدة أحياناً.

هذا الفيلم البسيط والمباشر، ولكن المنفذ بتقنية عالية (التصوير والمونتاج)، يترك إحساساً، بعيداً ربما عما سعى إليه المخرج، بأن خيار البقاء في أمكنة كهذه ينظر إليه كما لو كان تصرفاً «متخلفاً». فالأب الذي يرفض بعناد ترك المكان الذي نشأ فيه على رغم إلحاح ابنه رجل الأعمال المقيم في أبو ظبي، ينتهي به الأمر بالبقاء وحده بعد إصرار الابن على اصطحاب شقيقتيه بعيداً عن هذا المكان الذي لا يتمتع بمنجزات العصر والمليء بالعمال الأجانب الذين يثيرون خوف الصبية التي تعرضت لاعتداء من أحدهم. فلم «الأجنبي» هو المعتدي؟!.

ينفي المخرج في دردشة جانبية «تعمد اختياره جنسية المعتدي»، فهو اكتفى بتجسيد الواقع «إنها قصة حقيقية ومن يتساءل عليه أن يعرف مجتمع الإمارات وما يحصل فيه»، كما أنه «ليس مكلفاً بذكر كل التفاصيل عن ماهية المجتمع». وإذ اكد هذا «كشف» المخرج حقيقة أخرى، مدهشة أيضاً لمن لا يعرف البلد، بأن ثمة مشكلة في التمويل في الإمارات وأنه يبحث عن تمويل لفيلمه المقبل.

شراكسة الأردن

من الأردن أتى فيلم «الشراكسة» لمحي الدين قنـــدور، وهو يسرد تاريخ توطّن الشراكسة في الأردن عبر قصة حب بين شركسي وابنة شيخ قبيلــة عربـــي، مع كل ما يتضمنه ذلك من نمطيات وخطب عن حلاوة التعايش وضــــرورة تقبله، وبدا الأسلوب الهوليــــوودي واضحاً في الإنتاج «الضخم» واختيار الموسيقى التصويرية وأداء الممثلين الذي لم يخل من افتعال (المخرج عمل أربع سنوات في هوليوود على ما قال). ومع هذا بدا الجمهور متفاعلاً مع القصة من خلال بعض الشهقات والضحكات.

أما «ظلال» ماريان خوري ومصطفى حسناوي (متى؟ لم يذكــــر التاريخ في النشرة) المخرج التسجيلي الذي توفي في 2011، فقد مر على مهرجانات عــدة كما نعرف وكان مفاجأة حقاً. فأن ترى خلال ساعة ونصف الساعة فيلماً أبطاله مجانين في مستشفى، لهو أمر قد ترفضه في البدء، لكنك سرعان ما تنشدّ إلى كرسيك وتتابع هؤلاء والظلم الواقع عليهم ماضياً وحاضراً، استسلامهم وعيشهم بلا أدنى أمل بالعودة إلى العالم» الخارجي»، بؤس أمكنتهم وأغراضهم والذي يتنقده مصاب بجنون العظمة منهم بذكاء وبلغة فصيحة مدهشة. لا يسعك إلا الانشداد إلى «ظلال» المجتمع المصري، وبوح بعضهم الحميمي، وتنفعل لانفعالهم وتتابعهم بالابتسام تارة وبالغصة تارات من دون أن يراودك أدنى شعور بالسخرية وهو ما يحسب للمخرجين. أعداد الحضور كانت أكثر من المعتاد لفيلم الختام «شتي يا دني» للبناني بهيج حجيج. إما لأن سمعته سبقته أو لأن لبنانيي باريس كانوا متشوقين لرؤية فيلم «محلي».

في النهاية، إذا كان التصفيق الحار هو تعبير عن السعادة أو الإعجاب أو التضامن أوالمسايرة، فقد نال الفيلم الكثير منه. لعل المناسبة تتيح يوماً المقارنة بين الجمهور العربي والفرنسي مثلاً وفي أسلوب تفاعلهما مع الحدث على الشاشة.

حجيج عمل خمس سنوات على فيلمه كما قال وهو يعتبره نوعاً من التكريم لسبعة عشر ألف مختفٍ في لبنان، للمرأة اللبنانية ولمدينة بيروت التي تولد من الرماد دائماً. الفيلم الذي كثر الحديث عنه لتعدد جوائزه ومشاركاته في المهرجانات العربية وغيرها، يحكي عودة مخطوف بعد عشرين عاماً من الغياب، إلى محيط تبدل فلا العائلة على حالها ولا المدينة. محاولة توازن لجميع العناصر في الفيلم، لا سياسة ولا أحزاب ولكن الأسماء تفصح عن هوية المخطوفين الدينية. عائلة متفككة ولكن ثمة لحظات من المشاركة، المدينة غائبة حاضرة... سيناريو متكامل وإخراج معتنى به، فيلم مصنوع بعناية وخشية من كل ما يمكن له إثارة نظام سيره.

لا شيء زائداً من أي شيء، فكأن في الأمر محاولة لسدّ أي ثغرة في الفيلم يمكن أن تنفذ منها الريح، إنما الريح هي ما يحرك السكون.

الحياة اللندنية في

28/09/2012

 

الجوائز بالجملة والحرمان من نصيب «بعد الموقعة»

القاهرة - أمل الجمل 

«أحسد الفائزين لأن أسماءهم ستُنطق في هذا المكان التاريخي، وكأنها ستُخلّد في كتاب الزمن». هكذا استهل سمير سيف، المخرج المصري ورئيس لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، كلمته قُبيل الإعلان عن الجوائز في حفل الختام الذي أقيم على تلك البحيرة في معبد الكرنك. جاء توزيع الجوائز سواء في مسابقتي الأفلام الطويلة أو القصيرة، مرضياً لكثير من النقاد، باستثناء الفيلم الإسباني الطويل «ولاية» للمخرج بدرو بيريز روسادو، إذ فاز بجائزة «الجد الذهبي» لأفضل فيلم وقدرها 15 ألف دولار، ما أثار دهشة البعض، خصوصاً أنه ليس في قوة الشريط الفرنسي «ثلوج كليمنجارو» للمخرج روبير جيديجيان، أو الألماني «باربارا» اخراج كريستيان بيتزولد. بينما حصل الفنلندي «الإبن البار» للمخرجة زايدة بيرجروث على جائزة «الجد الفضي» (جائزة لجنة التحكيم الخاصة) وقدرها عشرة آلاف دولار، ونال الأستوني «ابنة حارس القبور» إخراج كاترين لاور جائزة «عمود الجد البرونزي» لأفضل عمل أول أو ثانٍ وقدرها خمسة آلاف دولار أميركي. وحصل الفيلم الصربي «الصندوق»، والشريط البرتغالي «رحلة إلى البرتغال» على شهادتي تقدير خاصة.

وفي مقابل هذا كله، خرج شريط يسري نصرالله، «بعد الموقعة» من دون أية جوائز وهو أمر كان متوقعاً مسبقاً، فعلى رغم أهمية وخطورة القضية التي يُناقشها، واحتوائه على لقطات سينمائية خالصة، وعلى رغم كونه أفضل الأفلام الروائية الطويلة حتى الآن التي تدور حول الثورة المصرية التي اندلعت في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، لا يمكن إنكار أن «بعد الموقعة» يُعاني مشاكل تتعلق أساساً بالسيناريو والإيقاع. فقد غلب عليه الجانب التنظيري، إذ تتسم بعض مشاهده بالخطابة والمباشرة، وجاءت بعض شخصياته مفتعلة تفتقر إلى النمو والتطور من داخلها، على الأخص الشخصية التي جسدتها منة شلبي. كان العنوان الأصلي للفيلم الذي اعتمد على الارتجال وعلى المزج بين الروائي والوثائقي: «ريم ومحمود وفاطمة». ريم (منة شلبى) ناشطة حقوقية في إحدى جمعيات المرأة، محمود (باسم سمرة) خيّال من نزلة السمان يُعاني الفقر والجهل – مثل الملايين - ولذا كان أحد الذين شاركوا في موقعة الجمل. لكن الثوار أخذوا منه فرسه وأوسعوه ضرباً وإهانة حيث تم تسجيل ذلك وإذاعته على القنوات التلفزيونية وعلى مواقع اليوتيوب بالشبكة العنكبوتية. أما فاطمة (ناهد السباعي) فهي زوجة محمود التي تعمل خادمة وتسعى للحفاظ على بيتها وتربية أطفالها الصغار الذين أصبح لزاماً عليهم أن يدفعوا فاتورة تصرفات والدهم وضريبة اشتراكه مع أفراد النظام السابق في محاولة قتل الثوار. تلك الشخصيات الثلاث الرئيسة هي متن الحكاية الشائكة وجوهر الأرض الملغمة التي نشتبك من خلالها مع الخاص والعام، فنعايش معاناة أهل «النزلة» بعد أن توقفت السياحة تماماً منذ قيام الثورة، ونُعيد تأمل حيوات شريحة من المصريين – هي في الوقت نفسه تمثل قطاعاً لا يُستهان به من هذا الشعب أصبح يُعاني الفقر والمرض والجهل – في ظل الثورة وما قبلها وما بعدها، وليُعاد طرح التساؤل مجدداً: مَنْ هو الضحية ومَنْ هو الجاني الحقيقي؟

بين الإشادة والهجاء

شهد «بعد الموقعة» حضوراً مكثفاً في عروضه ضمن مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، وعقب الفيلم أُقيمت ندوة تغيّب عنها يسري نصرالله ومنة شلبي، لوجودهما في باريس بالتزامن مع إطلاق الفيلم تجارياً في القاهرة... بينما حضرها باسم السمرة وناهد السباعي، وأدارها الناقد طارق الشناوي وشارك فيها النقاد والجمهور في حوار مفتوح مع بطلي العمل، وتباينت فيها ردود الأفعال بين الإشادة والهجاء. في حين أكد سمرة أن الفيلم تم تصويرة في ستة أشهر بعد الثورة، وكان يعتمد على الارتجال، ومعايشة الشخصيات الحقيقية التي شاركت في بطولة الفيلم، مضيفاً أن أهل نزلة السمان رجال يعملون في مجال السياحة، ويتعاملون مع طبقات كثيرة، ويختلطون بالسائحين من كل دول العالم، مُؤكداً أنهم ليسوا بلطجية، والفيلم يعرض وجهة نظرهم بعد موقعة الجمل. وأوضح باسم أن مشروع الفيلم بدأ عندما دار نقاش بينه وبين المخرج الذي كان يصف أهالي نزلة السمان بالبلطجيه فدافع سمرة عنهم باعتباره واحداً منهم وعرض على نصرالله أن يستضيفه هناك ليرى بنفسه أن أهلها ليسوا كذلك، وهنا بدأت بذور الفيلم الأولى التي تم وضعها في 5 صفحات.

أما في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة ففاز الفيلم الإرلندي «كلوك»، إخراج مايكل لافيل بجائزة «الجد الذهبي»، ونال الفيلم المقدوني «هناك رجل اعتاد ضربي على الرأس بالمظلة» إخراج فاردان توزيا بجائزة «الجد الفضي». وحصل كل من الفيلم المصري «كما في المرآة» للمخرج تامر سامي، والفيلم البريطاني «الرجل ذو القلب المسروق» إخراج شارلوت بولي – غولد سميث، على شهادة تقدير خاصة.

كذلك أقيم على هامش المهرجان عدد من الندوات شهدت حضوراً مكثفاً لافتاً، أقيم معظمها في قصر ثقافة بهاء طاهر. وبينها ندوة «تحويل الأعمال الأدبية إلى أعمال سينمائية» والتي أدارها المخرج محمد القليوبي - رئيس مؤسسة نون المنظمة للمهرجان - بحضور المخرج داود عبدالسيد والسيناريست فايز غالي والروائي شريف حتاتة والكاتبة مريم نعوم والأديب بهاء طاهر الرئيس الشرفي للمهرجان. تطرق النقاش إلى الصراع الذي ينشب عادة بين المؤلفين والمخرجين بسبب ما يعتبره البعض تشويهاً لنصه الأدبي، وأن الالتزام بالنص الأدبي لا يضمن نجاح نظيره السينمائي، وخير مثال على ذلك فيلم «عصافير النيل»، وذُكرت تجربة نجيب محفوظ الذي لم يعترض قط على الأعمال المقتبسة عن رواياته، بينما كان يوسف إدريس كثير الشجار والعراك مع مخرجي الأعمال السينمائية التي استندت إلى رواياته مثلما حدث مع مخرجي «الحرام» و «النداهة» وكذلك «حدوتة مصرية»، فقد شارك في كتابة السيناريو والحوار له. لم يكن «إدريس» راضياً لأنه كان يرغب دائماً في أن تكون الصور السينمائية نسخة من نصوصه الأدبية. وأكد صاحب «حب في المنفى» ضرورة أن مَنْ يقدم العمل يجب أن يكون موهوباً، وأشاد بتجربة الراحل إسماعيل عبدالحافظ في تحويل روايته «خالتي صفية والدير» إلى عمل تلفزيوني كان له مردود هائل في الأقصر وفي المجتمع الصعيدي حتى أنهم أطلقوا اسم «حربي» بطل العمل على كثير من مواليدهم في تلك الفترة. كذلك لم يُنكر صاحب «واحة الغروب» أنه منذ عشرين عاماً اشترط على وحيد حامد أن يُراجع السيناريو المأخوذ عن روايته عند تحويلها إلى السينما وهو ما رفضه «حامد»، ما أجهض المشروع. ومع ذلك يعترف بهاء طاهر بأنه راجع سيناريو المسلسل التلفزيوني وطلب بعض التعديلات، لكن فريق العمل لم يلتزم بها ولم يستجب لرغبته، كما لم يعترض «طاهر».

حين يكون العمل مكتملاً

على صعيد آخر، تحدث داود عبد السيد عن تجربته مع «الكيت كات» المأخوذ عن مالك الحزين لإبراهيم أصلان، و «سارق الفرح» المقتبس عن قصة قصيرة لخيري شلبي، مؤكداً أن «العمل الأدبي الذي يعجبني جداً ويُؤثر فيّ لا أفكر في تحويله إلى السينما، فالعمل عندما يكون مكتملاً لا أجد مبرراً لإعادة إنتاجه سينمائياً لأنه لم يعد يحتمل تفسيراً آخر». وأشار صاحب «أرض الخوف» إلى أن أي تحويل سواء للسينما أو التلفزيون لا بد من أن يتضمن خيانة للنص الأدبي، مُؤكداً ضرورة أن «يفترس» المخرج النص الأدبي ثم يُعيد إنتاجه بصورة أخرى «لأن العمل السينمائي هو عمل موازٍ للعمل الأصلي وليس مجرد نسخة منه». كما تحدثت مريم نعوم عن تجربتها مع تحويل رواية «ذات» للكاتب صنع الله إبراهيم إلى مسلسل تلفزيوني والمأزق الذي واجهته في ظل بحثها الدائم عن معادل بصري خصوصاً في ما يتعلق بالجزء التسجيلي والأرشيفي من الرواية. ثم حكى فايز غالي عن تجربته منذ شارك في كتابة سيناريو «الأقمر» للمخرج الراحل هشام أبو النصر. كما تحدث القليوبي عن تجربته مع «خريف آدم» أو «ابن موت» المقتبس عن خمس قصص لمحمد البساطي، حيث أشرف الكاتب الراحل بنفسه على عملية المزج أثناء كتابة السيناريو الذي قام به علاء عزام. واعترف القليوبي بأنه عقب عرض «الكيت كات» قال لصاحب النص الأدبي: «أقدّم لك العزاء في «مالك الحزين»، فقد أخرج داود عبد السيد فيلماً أحسن من الرواية».

الحياة اللندنية في

28/09/2012

 

إطلاق دورة مهرجان الفيلم الأوروبي في عمّان

عمّان- «الحياة» 

أعلنت الهيئة الملكية الأردنية عن انطلاق الدورة الرابعة والعشرون لمهرجان الفيلم الأوروبي تحت رعاية الأميرة ريم علي التي ستقوم أيضاً بافتتاح المهرجان، مساء 30 أيلول (سبتمبر) الجاري.

وينظم المهرجان بمشاركة بين بعثة الاتحاد الأوروبي والسفارات الأوروبية المعتمدة في الأردن بالتعاون مع الهيئة الملكية الأردنية للأفلام ومسرح سينما الرينبو، وذلك حتى 7 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.

وقد عقد مؤتمر صحافي قبل يومين في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، للإعلان عن إطلاق فعّاليات المهرجان بحضور يؤانا فرونيتسكا، سفيرة بعثة الاتحاد الأوروبي في الأردن. وفي هذا الصدد، ذكرت السفيرة فرونيتسكا بالفكرة التي تشكّل القاسم المشترك بين أفلام المهرجان هذا العام: «الانتقاليات»، والتي تعني «التغيير والانتقال من مرحلة إلى أخرى، وتعني أيضاً الكفاح والتكيّف والنجاح، وهي قاسم مشترك يجمع بين الخبرات البشرية في الأردن والدول الأوروبية والعالم كله» كما قالت مضيفة إنه: «سيكون للشباب الأردني صوت في مهرجان هذا العام، حيث سيعرض 54 صانع أفلام في الزرقاء وإربد وسحاب رؤيتهم «للانتقاليات» كما التقطوها بهواتفهم النقالة. وسيتم عرض ومناقشة هذه الأفلام القصيرة في الحفل الختامي. والاتحاد الأوروبي ملتزم بالعمل يداً بيد مع الشركاء الأردنيين ليكون هذا التبادل الثقافي حقيقياً».

ويشارك في دورة هذا العام، 14 فيلماً من بولندا والنمسا والدنمارك والمملكة المتحدة وفنلندا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا والسويد ورومانيا وجمهورية التشيك وبلجيكا. وتعرض الأفلام في عمّان في قاعة الهيئة الملكية الأردنية للأفلام ومسرح الرينبو، وهما مكانان متقاربان مما يعزز من هوية المهرجان. كما سيعرض الفيلم الهولندي «العاصفة» والفيلم الأردني «لما ضحكت موناليزا» في المفرق والعقبة ومادبا عاصمة الثقافة الأردنية لعام 2012.

وسيختتم المهرجان، بحفل تسليم جوائز مسابقة الأفلام القصيرة عبر الموبايل نتاج ورش عمل نظمتها الهيئة الملكية للأفلام. كما ستعقد حلقة نقاش بمشاركة النجم المصري خالد أبو النجا والممثلة الأردنية صبا مبارك والصحافية والناقدة السينمائية اللبنانية فيكي حبيب، ومنتج الأفلام الأردني أصيل منصور حول موضوع «سينما في انتقال: أثر التغيرات السياسية والتكنولوجية». وسيختتم المهرجان بعرض الفيلم الأردني «مدن ترانزيت» بحضور مخرجه محمد الحشكي وبطلة الفيلم صبا مبارك.

الحياة اللندنية في

28/09/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)