حمل جاك فيبير على مدار سنوات "بطيختين" في يد واحدة، أي المسرح
والسينما، من غير ان يفقد احداهما. زار بيروت مرات، احداها عام 1984، وقت
كانت بيروت مشتعلة، فشمّع الخيط وعاد الى فرنسا، ولم يرجع الا في الاعوام
اللاحقة. يتذكر السينيفيليون فيبير، وهو صاحب نظريات عدة في المسرح
والسينما، في الدور الذي لعبه الى جانب جيرار دوبارديو في "سيرانو"، وشريط
"دون جوان" الذي اخرجه بإمكانات مهمة، وكان مصيره الفشل الجماهيري الرنان.
ذات يوم، قابلنا فيبير، فتذكر بيروت وتكلم عن عشقه لموليير وكشف نقمته على
نفسه!
·
¶ جئت الى لبنان للمرة الأولى في
العام 1984. ما كانت أسباب هذه الزيارة في بلد كان يعيش أجواء حرب؟
ــ جئت للمشاركة في تصوير فيلم "حياة معلقة" لجوسلين صعب. كنت ألعب
دور مفكر لبناني، وكنت مرغماً على دراسة أو تعلم النص سمعياً. هذه التجربة
مدفوعة في داخلي لأننا كنا في نهاية الحرب، وكنا نصوّر على مقربة من خطوط
التماس. في هذا البلد أيضاً، جازفت للمرة الأولى بحياتي. بالنسبة اليَّ
كانت تجربة ساطعة.
·
¶ هل كان لديك أدنى فكرة عما كان
ينتظرك يوم أتيت الى لبنان للمرة الأولى؟
ــ في الحقيقة لم أكن مدركاً لما يحدث هنا فعلاً، لقد كذبوا عليَّ...
شعرت بإحساس غريب عند وصولي، فالحرب من بعيد نراها بمنظار غير مألوف، ويكون
لدينا انطباع بأنها تدور فقط على الجبهات. الحرب الأهلية يصعب التعريف بها.
في المرحلة الأولى من مكوثي هنا، كل شيء كان مقلوباً رأساً على عقب، لكني
لم أعر الأمر الانتباه اللازم. ومن ثم، بدأت بالتدرج على فهم الحرب، وهذا
أدخل الى نفسي أحاسيس فضولية. المدينة كانت الأكثر خطورة عندما كانت ساكنة.
أتذكر هذا العنف الشديد، في حين أن كل ما حولنا كان في هدوء تام. أتذكر
رجلاً غريباً كان يحكي لي كل يوم سيرة حياته في فندق "سان جورج". هذا الرجل
ربما كان صاحب هذا الفندق ــ لم أعد أذكر تماماً ــ كان يحلق ذقنه كل يوم
وهو يجلس على حافة المسبح. ذات يوم، ونحن نستمع اليه، سقطت قذيفة على بعد
خمسين متراً منا، فالتفت الرجل اليَّ وقال: "أرى يا صديقي أنه حان الوقت
للرجوع قليلاً الى الوراء"... ثم أخذ كرسيّه، وأرجعها بالكاد نصف متر، ثم
واصل حكايته. هكذا كانت الحرب في بيروت، وهذا أمر مذهل.
·
¶ يبدو لي انك "حنيني" عندما
تتكلم عن تلك المرحلة من حياتك.
ــ لديّ ذكريات باهرة عن بيروت الحرب، على رغم أن المسلحين صوّبوا
سلاحهم على صدغي ليلة نزولي من الطائرة. في اليوم العاشر من قدومي الى
لبنان، كان ثمة قنبلة لم تنفجر قرب السيارة التي كانت تقلّنا. ذات يوم،
خلال تصوير أحد المشاهد في الـ"تياترو الكبير"، دخلت عناصر من ميليشيات،
بالمدافع، وكانوا يطاردون بعضهم البعض، فاختبأنا وراء ديكورات من كرتون.
رمزياً، هذا الأمر كان يعني الكثير.
·
¶ عندما تقول "إن المسرح هو
المكان الوحيد، حيث لا نزعم فيه قول الحقيقة وحيث كل شيء زائف"، ماذا تعني
بذلك؟
ــ في المسرح، كل شيء زائف، ولكن بهدف انتاج ما هو حقيقي. هذا المكان
أرجع اليه دوماً لأنني أعلم أنه المكان الوحيد الذي يمكن ان اكون فيه
حقيقياً. هذا يأخذ الى طرح السؤال حول ماهية الحقيقة التي يتعذر بلوغها،
والتي هي كالأفق، تبتعد كلما اقتربنا منها. الحياة هي دوماً أكثر تناقضاً
وأكثر عنفاً وأكثر مفاجأة من أكبر عرض مسرحي.
·
¶ انت معروف كونك أخرجت أكثرية
اعمال موليير... ما الذي يؤثر فيك عنده أكثر من غيره؟
ــ أولا، انه يتكلم عن أناس اعرفهم جيداً، طالما انه يتكلم عن
البورجوازية. لكن ما يثير اعجابي، هي فلسفة قلة الترتيب الموجودة لديه. وفي
حين أعتقد أن شكسبير يترافع عن النظام في نهاية المطاف، يبدو لي موليير
مهتماً اكثر بعدم وجود النظام. نحن في حاجة الى هؤلاء الذين يتحدّون
النظام.
·
¶ تحب "اللانظام"؟
ــ نعم. ولكن ليس بمعنى الفوضى، فقد رأينا نتائج الفوضى هنا. (يقصد
الحرب اللبنانية).
·
¶ أنت رجل مسرح وممثل سينما، كيف
تعلمت التقنية لكي تستطيع الوقوف وراء الكاميرا؟
ــ تعلمتها من خلال عملي كممثل سينمائي. لم آخذ دروساً خصوصية، بل
تعلمت أثناء الممارسة.
·
¶ فيلمك الأول والأخير "دون
جوان" كمخرج، يعود إلى العام 1998، ومنذ ذلك الحين لا شيء. هل الفشل
الجماهيري الذي تعرض له هذا الفيلم الجميل صعّب عليك اخراج عمل ثان؟
ــ لا، بل ارادتي صعّبت عليَّ إنجاز فيلم جديد. هناك فرق لأنني تسلمت
عروضاً كثيرة. أنا انسان بطيء. وفي "دون جوان" وضعت الكثير من ذاتي، والآن
انتظر... لا أعرف ماذا، لكنني متأكد من أنني سأعيد الكرة.
·
¶ الفشل لم يكن...
ـــ مقاطعاً: 95 في المئة من الانتاج الفرنسي يتعرض للفشل التسويقي.
عندما ننظر عن كثب الى الأرقام (على رغم انني لا أحب ذلك) نرى أن
Don Juan لم يواجه فشلاً بالحجم الذي نتصوره. فالفشل كان،
بالأحرى، من وجهة نظر الجدال والنقاش النقدي، كوننا لا نتذكر الا الجرائم
الكبيرة. دون جوان هو شخص فاسق ويدافع عن التفكير الحر، وأنا سعيد لأن
الآراء كانت حرة حول هذا الفيلم.
·
¶ ما الذي كان يهمك في هذا
المشروع؟
ــ الصياد المطارد، من دون شك. الرجل الهارب الذي لا يستطيع اجتياز
هذا العالم من دون أن يخاطبه ويطرح عليه الأسئلة، وفي الوقت نفسه يبرهن
للآخرين انه الأكثر اصالة، لأن كل من هم حوله، يتحركون بموجب الاعراف
الاجتماعية الدقيقة التي هي اشبه بقيود. الكل يتقيد بأنظمة إلا هو، لأنه
رجل حقيقي، تالياً هو رجل ليس له وجود.
·
¶ إذاً، الشخصية هي التي كانت
تهمّك وليس واقع عرض نص موليير بعيداً من الاتصالات المظلمة؟
ــ لا آبه. ولا أريد أن أعطي دروساً لأحد، بالاضافة الى انني اقتبس
موليير لأنني متيّم بهذا النص. وكما تعلم، فقد غيّرت فيه كثيراً.
·
¶ انه فيلم يحمل إخراجاً يفسح
المجال امامنا للاعتقاد بأنه تطلب موازنة ضخمة. هل هذا صحيح؟
ــ لا، الفيلم كلّف 38 مليون فرنك. انه كثير بالنسبة الى فيلم أول.
·
¶ ماذا يمثل لك واقع الوقوف وراء
الكاميرا؟
ــ عندما تكون على المسرح، تشعر بأن أقل حركة هي بالنسبة اليك مسألة
حياة أو موت. المخرج هو شخص يجب عليه الجواب عن الف سؤال في كل صباح، ويجب
عليه إيجاد حل ليس فقط لعدد هائل من المشكلات، بل أيضاً لمشكلات متعلقة
بالناحية الدرامية للمشروع: زد على ذلك ان دور دون جوان لم يكن سهلاً. كان
لديَّ توزيع عالمي للأدوار مع اناس ذوي اهمية.
·
¶ هل انت ناقم على السينما
الفرنسية التي لم تعرف كيف تفيد منك على نحو أفضل؟
ــ اذا كنت ناقماً على أحد، فعلى نفسي. من خلال الفرص التي اتيحت لي،
لم استطع ان اكون قوياً بما فيه الكفاية لشد انتباه المخرجين. في مسعاي،
وفي سلوكي، لم أوقظ الرغبة عند المخرجين الكبار. في انتظار ذلك، أسلك اليوم
طريق المسرح بدلاً من أن أسلك طريق السينما. من المؤكد أن السينما تمثل بعض
لحظات السعادة عندي، ولكن بيتي هو المسرح. لم أقم بمسار عمل مثالي لكي
نتكلم عن هذا الموضوع مطولاً. انجزت بعض الأعمال الجميلة، وفي بداية عملي،
مثلت في "حالة حصار" (1973)، لكوستا غافراس، وقابلت أشخاصاً باهرين مثل
سيمون سينيوريه. انها ذكريات تأتيني كما النسيم العليل ولكن مجموع المسار
ليس مثالياً.
·
¶ هل ان لمظهرك الخارجي أيّ دور
في ذلك؟
ــ أعتقد ذلك، لأنني، بالنسبة الى المخرجين المعاصرين، اعتبر شخصاً
كلاسيكياً، وهذا يزعجهم. هكذا هي الحياة.
·
¶ خلال مسيرتك، هل كان هناك
أدوار جسدتها لأسباب مادية؟
ــ طبعاً. ومعظمها في التلفزيون. في السينما، مثّلت في بعض الأفلام
لهدف مادي، وطبعاً لن أسمّي. ليس هناك من ممثل واحد في العالم لا يعمل لكي
يكسب لقمة عيشه.
النهار اللبنانية في
27/09/2012
"متروبوليس" تحت الاحتلال الدانماركي!
هوفيك حبشيان
بدأ أمس في "متروبوليس"، اسبوع مخصص لأفلام دانماركية (26 أيلول – 2
تشرين الأول)، بين قديم وأحدث عهداً، من هذا اليم الوفير الآتي من هذه
السينما الحيوية التي بعثت لنا أخيراً "خطف" لتوبياس ليندولم، المعروض ضمن
موسترا البندقية.
لا يمكن التكلم عن سينما دانماركية معاصرة من دون التأخر عند تجربة
لارس فون ترير، مثلما لا يمكن التعريف بهذه السينما في حقبتها السابقة، من
دون ان نذكر كارل تيودور دريير. لذا ينطلق المهرجان بالفيلم الذي مر على
صنعه عقدان، وكان اختتم لارس فون ترير به، ثلاثيته عن القارة العجوز:
"أوروبا" (1991). هناك ايضاً في هذا المهرجان (اذا صح تسميته كذلك) اسمان
اساسيان في تقصي ملامح هذه السينما: توماس فينتربرغ ونيكولاس ويندينغ ريفن.
هذا الحدث الذي تنظمه "متروبوليس" والسفارة الدانماركية في بيروت، فسحة
لتأمل ما يجري في تلك الأرض البعيدة!
نيكولاس وينديغ ريفن رفع سقف سينما "السلسلة باء"، عندما انجز "درايف"،
مدخلاً اياها الى عصرنا الحالي ونازعاً منها طابعها الـ"ريترو". فيلمه
السابع، منذ 1996، يبعث الحياة مجدداً في نمط لم يعد في صدارة أولويات
المنتجين الهوليووديين في زمن الأبعاد الثلاثة. لولا أمثال كوانتن
تارانتينو، الذي يستعيده كوميدياً أو من باب إلقاء التحية والسخرية
المتعمدة، لكان "الجانر" اندثر هباءً. ينبغي الرحيل الى حقبة غابرة كي نجد
عملاً مهماً ينتمي الى هذا الصنف. هو ابن الثقافة الأميركية المضادة برغم
جنسيته الدانماركية. عاش في الولايات المتحدة لبضعة أعوام، حيث تشبّع
بالنحو الذي يُنظَر فيه الى السينما في بلاد جون فورد، وتبنّى كينيث آنغر،
أحد قياصرة الـ"أندرغراوند"، أباً روحياً له.
منذ ثلاثية "بوشر" حتى "برونسون" فـ"درايف" الأميركي الهوى والتصوير،
بلور ويندينغ ريفن الفذّ منطقاً في التصوير والتوليف تجلّت حلّته الابهى في
"فالهالا رايزينغ" العنيف والدموي الى حدّ لا يُحتمل أحياناً. الانسان
البربري وسط طبيعة لا يفهمها ولا تفهمه، هو جوهر هذا الفيلم الذي يجعل
بريفن في مصاف مخرجي الصفّ الأول. الاصولية والدين والبربرية، شريكة اساسية
لريفن في الرحلة التي يأخذنا اليها. بطله، وان أي (عين واحدة)، يقتل كمن
يرمي رمية نرد. ليست صوراً مجانية وفيديو كليبية ما يقدمه الينا ريفن. ثمة
فلسفة عميقة خلف ما نراه. الموسيقى ضاغطة وتتلف الأعصاب. هناك انتظارات
طويلة لتصعيد التوتر الذي يصل الى ذروته في بعض المشاهد. اللقطات أخاذة
وطويلة. الاضاءة مبهرة. الشخصيات لا تُخترََق، هي جافة وعنيدة. الكلام قليل
جداً. الصورة تأخذ على عاتقها كل شيء، بدءاً من تصوير الطبيعة العذراء
وصولاً الى كلوز اب بديع لوجوه الشخصيات المتخاصمة. هذه سينما انطباعية قبل
كل شيء. عندما كان طفلاً، لم يكن ريفن مغرماً الا بثلاثة أشياء: علم
الخيال، الوسترن السباغيتي وحكايات الساموراي والسيوف حيث البطل يقف دائماً
وحيداً أمام خصمه. وان أي، يأتي من هنا. يقول ريفن إن الفن بالنسبة اليه هو
فعل عنيف، مدركاً مع ذلك أن العنف في الحياة يدمّر، بينما الفنّ يجعله مصدر
إلهام.
قد يصعب ايجاد مخرج اكثر لؤماً وتشاؤماً من لارس فون ترير. بعد سلسلة
افلام عالجت الظروف الانسانية، بدءاً من عبثية الحب وصولاً الى البؤس
الاجتماعي، يقع اختيار المخرج الدانماركي ـــ مؤسس الـ"دوغما" ـــ على
مشروع سينمائي يتعذر ايجاد ما يوازيه في السينما المعاصرة، من حيث الفكرة
والـ
Concept، أو من حيث المنظار المستعان به لتصوير شخصيات سرعان ما تتحول دمى
تحرّكها الغرائز.
فكر سينمائي ينطوي على الانصهار بين السينما والمسرح والأدب، يحمل
كذلك هموماً فنية من نوع آخر، وتأملاً في قضية الابداع ومسألة التجسيد
والاحياء. يصوّر النابغة الدانماركي تراجيديا اغريقية انطلاقاً من لا شيء،
درس في الاخلاق الانسانية والعيش المشترك لا ادانة للإنسان الذي في نظره
ليس جديراً بإنسانيته. نرتعش عندما نستمع الى صوت الراوي، ننبهر بالبنية
الدرامية المقسمة على شكل فصول أدبية مستوحاة من بريخت، وذاكرتنا لا تفارق
بسهولة قصة تضمنت جميع الاحتمالات لتسعدنا، وبسحر ساحر تغدو مأساة تفضح
الطبيعة البشرية في انحيازها الى الشر والعبث.
hauvick.habechian@annahar.com.lb
¶ تجري العروض في "متروبوليس" (أمبير ــ صوفيل) الساعة الثامنة مساءً،
للمزيد من المعلومات ندعوكم الى زيارة الموقع الآتي:
www.metropoliscinema.net
ثريللر؟
هـ. ح.
"البدء بكليشيه أفضل من الاختتام به". هذه النصيحة لألفرد هيتشكوك لم
يعد يلتزمها مخرجو هوليوود اليوم. فن الفنون بالنسبة إلى هؤلاء ليس الا
نتيجة حسابات تولد إنتاجاً معيناً، تنسب اليه صفة الناجح اذا استقطب عدداً
معيناً من المشاهدين واسترد اضعاف الموازنة التي أنفقت لتحقيقه. الجمهور
الكسول اعتاد الانماط السائدة والحلول السهلة. معظم الافلام التي تولد في
المصنع الهوليوودي تلتقي في مكان واحد: جرّ الاحداث الى حيث الحركة. ولا
يهم اذا كانت حجة السيناريو 3 اسطر و5 كلمات. من يأبه اذا كانت الشخصية
الرئيسية مشغولة بدقة وتحمل مواصفات كالدسامة والدافع والقدرة على ان تصبح
للمشاهد امراً مهماً؟ يبدو ان الكلام نفسه ينسحب على الحبكة الدرامية التي
لا تستطيع المقاومة الا 5 دقائق من زمن الفيلم. هذه الاعمال بالتسلسل تعكس
صورة باهتة عن واقع السينما الاميركية المصابة بحمّى النسخ الثانية التي
تدل على عقمها وافلاسها المعنوي والفكري، بعد ظاهرة الاعمال المقتبسة من
افكار اثبتت قدرة ما في شبّاك التذاكر، والاعمال غير المكتملة التي تحمل
نظرة جديدة ودفعة الى الامام وماكياجاً يعطيها عصرنة تلبي حاجات المراهقين.
تعيش هوليوود منذ منتصف التسعينات ظاهرة الثريللر المتعدد الوجه. لم تعد
تعني هذه التسمية الكثير بعد استغلال هذا الجانب من كتّاب سيناريو لا
يزالون تحت تأثير "فرانتيك" لبولانسكي و"سبعة" لفينتشر. اعطى هذا النوع بعض
الروائع السينمائية، ولاسيما في التسعينات، قبل ان يتحول تصنيفاً سينمائياً
قائماً على التقليد والتكرار، وجد فيه ارباب هوليوود مادة يسهل بيعها، ما
دام غالب الجمهور لا يستطيع اعطاء تحديد دقيق وعلمي للكلمة. وهل يعرف
سينمائيو هوليوود ما تعني كلمة ثريللر؟ يتبدى ذلك بعد مشاهدة اعمال لا تعطي
المُشاهد حق معرفة ما يدور على الشاشة من احداث ومغامرات وانقلابات مفاجئة،
يضع فيها البطل النقيض في استيهامات كاتب سيناريو يعيش عقمه الابداعي بفخر
واعتزاز، ويُرغم الشخصيات على الاستجابة لسيرورة درامية لا تخلو من السادية
والتعذيب، وجلد الذات يُمارس من جانب الشخصية والمتلقي. هذه النماذج تتجلى
بوضوح في فيلم مثل "المنسي" لجوزف روبن. يرينا الفيلم أمّاً تفقد ابنها في
حادث طائرة. لا شيء استثنائياً سوى ان لا احد غير المسكينة يتذكر الحادث
المؤلم. ينطلق الشريط ببطء مزعج يهيئ لاجواء من وحي الافلام الغامضة. يتدبر
كاتب السيناريو امره ليضع البطلة، المؤمنة بحقيقة لا تتشاركها مع احد، في
مواجهة الكل. ترتسم معالم الكاراكتير تحت مجهر المشاهد كما لو كنا في
"تلفزيون الواقع". الوضوح والسلاسة في الكتابة البصرية سمة الفيلم في
مشاهده الاولى، غير ان حجة السيناريو لا تدوم، لفقدانه العناصر الجوهرية،
كالفكرة الرصينة والمعالجة والنيات والمقاصد.
ينهال المخرج على المُشاهد بسلسلة من اللمعات التصويرية، ويرتب مطاردة
هنا وحادث سيارة هناك، في لقطات تعبّر عن افلاس المشروع. خلافاً لنصيحة
هيتشكوك، يبدأ الفيلم بمشاهد لا تتسم بالتقليدية، لكنه ينتهي بخطاب يعجز
المرء عن فكّ ألغازه. فكر وايديولوجيا الـ"سوبرماركت"، هو مرجع "مخرج مبدع"
يستبدل عناصر التشويق والتوتر التي صنعت مجد كبار سينمائيي الفيلم الاسود،
بتقنية قائمة على جعل المُشاهد يقفز من مكانه في اكثر من مناسبة، فتغدو
الصالة وعالمها المظلم على مدار هذا الفيلم البائس، كوكباً من القرود التي
تهزأ من كثرة البلاهة المصوّرة.
النهار اللبنانية في
27/09/2012
فيلم "السلطان الفاتح"
ملحمة للقومية التركية وليست للأمة الإسلامية
الفيلم التركي "السلطان الفاتح" الذي تشاهده دور السينما بالقاهرة.
يعتبر من الأحداث السينمائية السياسية الكبري. فهو يعبر عن مرحلة جديدة
تعيشها المنطقة منذ وصول حكومة أرودغان الإسلامية إلي الحكم في تركيا.
مروراً بوصول حكومات إسلامية أخري في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي.
الفيلم تشاهده الدول العربية أيضاً لكن باللغة التركية ومترجم للعربية.
بينما مصر هي البلد العربي الوحيد الذي وافق علي عرض الفيلم "مدبلج" أي
ناطق باللغة العربية. وهو ما يذكرنا بالأفلام الروسية التي كانت تعرضها دور
السينما بالقاهرة في الستينيات.
تركيا وحكومتها الإسلامية لا تكتفي بالنجاح الاقتصادي الهائل الذي
حققته. بل تريد إعادة الحياة للروح الاستعمارية التركية القديمة عن طريق
السينما. لأن تركيا عاشت طوال تاريخها تحلم بتوسعة إمبراطوريتها. خاصة منذ
أن استولي السلطان محمد الفاتح علي مدينة القسطنتينية عاصمة الدولة
البيزنطية وحولها إلي "اسطنبول" عام 1453. وجاء حفيده السلطان سليم الأول
واستولي علي مصر عام 1517. وكلها اطماع توسعية سياسية واقتصادية لا علاقة
لها بالإسلام. لكن الفيلم التركي يدعي غير ذلك. كما أنه يروج لفكرة عداء
الآخرين للإسلام وهي فكرة يؤمن بها الجهاديين لتبرير العنف وليست حقيقية.
تكلفة إنتاج الفيلم "السلطان الفاتح" وصلت إلي ما يزيد علي 18 مليون
دولار. وهو بذلك أضخم إنتاج في تاريخ السينما التركية. البيانات الرسمية
تقول إن الفيلم إنتاج المخرج فاروق إكسوي بمشاركة عائشة جرمن. والحكومة
التركية أعطت اهتماماً خاصاً بهذا الفيلم حتي أن رئيس الوزراء التركي رجب
طيب أردوغان شاهد الفيلم في منزله قبل عرضه العام. الفيلم هو رابع أعمال
فاروق إكسوي كمخرج ورقم 13 له كمنتج. وقد ظهر في بدايته كممثل عام 1995 ثم
اتجه إلي الإنتاج والإخراج. الفيلم مدته 165 دقيقة لكن النسخة المدبلجة
التي يشاهدها الجمهور المصري مدتها 120 دقيقة فقط. معني ذلك أنه تم اختصار
45 دقيقة من زمن الفيلم. يقوم بالبطولة تفريم أفين في دور السلطان إلي جانب
إبراهيم كول وديلك سبريست وأردن أنكان.
يتناول الفيلم حياة السلطان محمد الفاتح "1429 - 1418" سابع سلاطين
الدول العثمانية الذي حكم تركيا 31 عاماً. قضي علي الامبراطورية البيزنطية
عندما فتح القسطنتينية وأطلق عليها اسم إسلامبول التي تحولت فيما بعد إلي
"اسطنبول" وقام بتحويل نصف كنائس القسطنتينية إلي مساجد منها كنيسة آيا
صوفيا التي أضاف لها 4 مآذن وحولها إلي مسجد محمد الفاتح. وهو ما لم يفعله
عمر بن الخطاب في القدس ولا عمرو بن العاص في مصر. لكن الفيلم للأسف يخفي
الكثير من هذه الحقائق من أجل الدعاية للنموذج التركي.
ظل جيش محمد الفاتح محاصراً للقسطنتينية 53 يوماً حتي استطاع
اقتحامها. ونلاحظ في هذا الجزء من الفيلم تأثر المخرج فاروق إكسوي بمشاهد
اقتحام أسوار القدس في فيلم "مملكة الجنة" 2005 للمخرج ريدلي سكوت. توجد
لقطات منقولة حرفياً من هذا الفيلم. كذلك أشار الفيلم إلي استعانة السلطان
الفاتح بالمهندس المجري أورفان ليصنع له المدافع العملاقة التي تدك أسوار
القسطنتينية. وأسند السيناريو بعض الأهمية لابنة المهندس "إيرا" التي وقعت
في حب المجاهد حسن الذي استشهد في نهاية الفيلم وهو يضع العلم التركي فوق
أسوار القسطنتينية في مشهد دعائي يذكرك بالأفلام الهندية. عشرات السهام
تخترق جسده ومازال حياً ليضع العلم في الساري.
من المؤكد أن الفيلم يتميز علي المستوي الفني في التصوير والمونتاج
واختيار مواقع التصوير واستخدام الكمبيوتر جرافيك والملابس وتصميم المعارك
هذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها. فيلم "السلطان الفاتح" ملحمة تاريخية
تركية عظيمة.. ليس لها علاقة بالإسلام رغم مشاهد الصلاة والدعوة للجهاد
وصيحات الله أكبر.
الجمهورية المصرية في
27/09/2012
قراءة في الدورة الأولي لمهرجان الأقصر للسينما المصرية
والأوروبية
"ولاية" الأسباني حقق المفاجأة وحصد ذهبية أفضل فيلم
رسالة الأقصر - نادر أحمد
حقق الفيلم الأسباني "ولاية" للمخرج بيدرو بيريز سادو المفاجأة في
مهرجان الأقصر الأول للسينما المصرية والأوروبية بحصوله علي جائزة " عامود
الجد الذهبي" كأفضل فيلم روائي طويل في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة
إلي جانب جائزة مالية قدرها 15 ألف دولار مناصفة بين المخرج والمنتج.
تمثلت المفاجأة في أن إيقاع الفيلم الفائز "ولاية" بطئ للغاية يبعث
إلي الملل في بعض الأحيان.. كما أن أماكن التصوير محدودة في الصحراء
ومخيمات اللاجئين.. كما لم يشارك في الفيلم ممثلون محترفون بل أغلبهم من
أبناء مخيمات اللاجئين في الصحراء الجزائرية القريبة من الحدود المغربية
والموريتانية.. والصحراء المغربية التي يرفض أبناء جبهة البوليساريو هذا
المسمي وأطلقوا عليها اسم الصحراء الغربية.. إلي جانب أن بطلة الفيلم أيضا
نظيرة محمد لم تعمل بالتمثيل إطلاقا بل إنها ناشطة سياسية تدافع عن حق
أرضها بالاستقلال والانفصال عن المغرب.
اعتمد مخرج الفيلم بيدرو سادو علي الكاميرا كلغة حوار للتغلب علي
الممثلين الهواة حتي أن لغة الحوار بين الممثلين كانت قليلة.. كما استغل
الصحراء الشاسعة وجمالها في أوقات محددة لتعبر عن لغة الحنين للأرض..
بالإضافة إلي الموسيقي الهادئة التي تعبر عن هذا المجتمع واعتمد علي إحدي
فتيات الصحراء عزيزة إبراهيم لتعبر بموسيقاها عن هذا الواقع إلي جانب
مشاركتها بالتمثيل أيضا.
وبالرغم أن قصة الفيلم اجتماعية تكشف حياة مجتمع اللاجئين البسيطة إلا
أنها كانت تتضمن إشارات سياسية غير مباشرة تنادي بحق العودة المرفوضة من
الجانب المغربي الذي رفض أيضا عرض الفيلم بدور العرض المغربي في الوقت الذي
عرض في الجزائر ومهرجاني برلين وأبوظبي.. ثم الأقصر السينمائي.. الطريف أن
بطلة الفيلم نظيرة محمد والمخرج بيدرو سادو قد غادرا مدينة الأقصر صباح يوم
حفل الختام ولم يحضرا إعلان النتائج لكي يلحقا حفل افتتاح مهرجان سان
سباستيان في إسبانيا ولم يتوقعا الفوز بالذهبية إلا أن صديقتهم المراسلة
الصحفية الإسبانية نورا تسلمت الجائزة بدلا عنهما واتصلت بهما للإبلاغ عن
فوزهما وأكدت أن نظيرة محمد سعدت بالجائزة لأن الجائزة جاءت من مهرجان
سينمائي عربي مما يؤكد أن رسالة الفيلم ستصل للعالم.. كما أن الجائزة
جاءتها من مصر أم الدنيا وسعادتها لا حدود لها وتمنت أن تعود لمصر مرة
أخري.
وعلي عكس الفيلم الأسباني "ولاية" فإن الفيلم الفنلندي "الابن البار"
للمخرجة زايدة بيرجروث كان متوقعا لأن يحصل علي إحدي الجوائز وحصد بالفعل
علي الجائزة الفضية وقدرها عشرة آلاف دولار حيث اتسم الفيلم بلغة سينمائية
مرتفعة أبرزت الحياة الاجتماعية والتي تتخللها العلاقات العاطفية غريبة
الأطوار. كما أن هذا الفيلم حصد جائزتين إحداهما جائزة هوجو الذهبية في
مهرجان شيكاغو العام الماضي. وبالجائزة الكبري في مهرجان براغ الدولي..
والفيلم هو الثاني للمخرجة التي حصدت العديد من الجوائز في الأفلام
القصيرة.
بعد خروج فيلم "بعد الموقعة" بلا جوائز.. ولحفظ ماء الوجه فازت مصر
بشهادة تقدير نالها المخرج الشاب تامر سامي عن فيلمه القصير "كما في
المرآة" بمسابقة الأفلام القصيرة والتي لعبت بطولته يسرا اللوزي وأحمد
الحداد حول مصير زوجة أحد ضباط الشرطة مع شاعر ثوري شاب.. ويعمل المخرج في
المجال السينمائي منذ نحو ثمانية أعوام.. كتب وأخرج وقام بمونتاج عدة أفلام
قصيرة روائية وتسجيلية.. وحصل مؤخرا علي دبلوم دولي في إخراج الأفلام
الرقمية.
بالرغم أن حفل الافتتاح كان بسيطا والذي أقيم في قصر ثقافة الأقصر
بالمقارنة بحفل الختام الذي أقيم في أحضان معبد الكرنك الشامخ علي نهر
النيل.. إلا أن حضور النجوم ليلي علوي وإلهام شاهين وأحمد حلمي - المكرم -
وعمرو واكد أضفي جانبا من الأهمية.
واعتبرت د. ماجدة واصف رئيس المهرجان ود. محمد كامل القليوبي رئيس
مؤسسة نوي المنظمة للمهرجان أن إقامة المهرجان نجاح الدورة الأولي وجائزة
كبري لهم.. كما أن الاحتفال داخل المعبد التاريخي هو أكبر احتفال فني عالمي
باعتبار الصوت والضوء احتفالية لا مثيل لها في العالم.. وإقامة الاحتفالات
السينمائية داخل المعابد هي أكبر دعاية لمدينة الأقصر وسط حشد السينمائيين
الأوروبيين.
أقام مهرجان الأقصر خمس ندوات فنية من أهمها "ندوة حرية التعبير" أكدت
خلالها الفنانة إلهام شاهين أن هناك مؤامرة تحاك ضد مصر بتمويل أجنبي وتنفذ
بأياد مصرية وتهدف إلي تفكيك الدولة المصرية وطمس هويتها وضرب الفن
والإعلام والسياحة.. بينما وجهت الفنانة ليلي علوي للإعلام المرئي والمسموع
الجزء الأكبر من المسئولية لتضخيمه للإساءات والسلبيات وتصغيره للإشادات
والإيجابيات.. بينما أكد د. عزت سعد محافظ الأقصر أن الإعلام المصري في
حاجة إلي مزيد من الوقت وفي ندوة تحويل الأعمال الأدبية إلي أفلام سينمائية
اعتبر مدير الندوة المخرج محمد كامل القليوبي أن الموضوع مستهلكا. بينما
وجد المخرج داود عبدالسيد أن عملية تحويل العمل الأدبي لعمل سينمائي هي
خيانة للنص الأدبي. ورأي السيناريست فايز غالي أن معالجة الرواية الأدبية
لتحويلها لعمل سينمائي تأخذ جهدا طويلا.
وفي ندوة السينما البريطانية تحدث المنتج البريطاني بول وبستر - والذي
احتفل المهرجان بعيد ميلاده أثناء الدورة - عن فيلمه "صيد السلمون في
اليمن" والذي عرض في حفل الافتتاح.. وكشف للحضور عن مفاجأة بأن الفنان
العالمي عمر الشريف كان مرشحا لأداء دور شخصية الأمير العربي والتي لعبها
بعد ذلك الفنان عمرو واكد.. حيث كانت الشخصية لشيخ يمني كبير في السن..
ولكنه قرر التعديل في السيناريو بجعل الشخصية لشاب في الثلاثينيات من العمر
وأنه احتار في البحث عن ممثل عربي للقيام بالدور حتي شاهد عمرو واكد في عدة
أفلام بلغات أجنبية مختلفة فوقع عليه الاختيار.
الجمهورية المصرية في
27/09/2012
فيلــم "منهـج خطــر" ..جنــس وأكاذيـــب
وقضــايا حد فاصل
المدى الثقافي
((هؤلاء المحللون النفسيون
يكلفون الكثير !)) تعلّق واحدة من شخصيات وودي الن في "الثأر"، ((في أيامنا
،
مقابل خمسة ماركات كان يعالجك ويجسّ نبضك فرويد نفسه.)) فلم ديفيد كوننبرغ
مقتبس
عن مسرحية كريستوفر هامبتون " العلاج الناطق " ، حول فرويد، يونغ ومريضتهما
المشتركة ، التي تصبح فيما بعد زميلة مهنة، سابينا سبيلراين . إنه تذكير
مسلي بأن
الغريزة الجنسية كان لها يوما رابطا سيكلوجيا حميميا بالفقر . كانت تعني
أطفالا يجب
أن يُطعَموا وملابس
.
هذا فلم ممتاز ، موزون ، وثرثار ؛ حتى مغامرته
الجنسية تعرَض بتجرّد كلينيكي [ تحليلي ] ، وثمة إتجاه مضحك لكوميديا سوداء .
كروننبرغ غالبا ما يكون مرتبطا برعب الجسد ، لكن في هذا الفلم الأقرب الى
هذا النوع
هو إلتواءات وجه كيرا نايتلي ، وهي تلعب دور سابينا سبيلراين في قمة
إضطرابها
الذهني ؛ الشابة الروسية التي تجلَب
محمولة ، وهي ترفس وتصرخ ، الى العيادة
السويسرية لكارل غوستاف يونغ ، الذي يلعب دوره مايكل فاسبندر بطريقة
الاكليركي
المتشامخ . حين تطلق صرخات ذعر وألم وتعوي ، يتدلى فك سابينا الى الأسفل
بطريقة
مخيفة ، أشبه بفم كائن ريدلي سكون الفضائي عندما يخرج من بطن جون هارت .
تتقاطع حياة سبيلراين ويونغ مع حياة الأستاذ العظيم
فرويد ، الذي يؤدي دوره فيغو مورتنسن . يستثار يونغ الطموح بفكرة تطبيق
طريقة فرويد
الجديدة في " العلاج الناطق " على سابينا ، بكونه أول محلل نفسي سيقوم بها
على
الإطلاق ، إذ أن فرويد ، كما فعل داروين قبله ، لم يكن يرغب بنشر أفكاره
على الملأ .
لكن كروننبرغ يرينا أن هناك توترات شبه أوديبية بين الرجلين : احدهما ثري
راض عن
نفسه
وتمتلك زوجته ثروة ، والآخر يهودي ، يعيل عائلة كبيرة تسكن في شقة صغيرة ؛
حياته أكثر صعوبة ويرى في الآخر الأصغر منه سنا شخصا مغرورا وساذجا . فرويد
يصر على
أن الجنس هو القاعدة الرئيسية ؛ يونغ لديه افكار مغايرة ، منها إهتمامات
غريبة
الأطوار وشاذة في الظواهر النفسية والتخاطر. لكن الأمر لا يستغرقه طويلا في
تشخيص
الكبت الجنسي في حالة سابينا ، الناجم عن الضرب الذي تتعرض اليه في طفولتها
، والذي
يؤدي الى رغبات مازوشية في الكِبر . يجد يونغ نفسه عاجزا عن مقاومة حب
سابينا ،
ويعملان على قضيتهما المشتركة خلال جلسات علاج نشيطة . كان هذا قبل أن يسمع
أحدا عن "
قضايا الحد الفاصل " ، أو " الإتصال غير الملائم " .
"
التحوّل " هو مايصف به الفرويديون التوجه الجديد
للمشاعر تجاه المعالج ، وثمة نمط مثلث غريب بين سابينا وفرويد ويونغ، تكون
فيه
العلاقة العاطفية الثلاثية فعّالة أكثر من العلاقة بين يونغ وسابينا وزوجته
. يونغ
مايكل فاسبندر ، صعب الإرضاء ودقيق ، لا يهتم كثيرا جدا بالجنس مع سابينا ،
بل
بتوقع صنع إسم لنفسه واخذ مكان الأستاذ . فرويد فيغو مورتنسن ، لطيف
ومتسامح ومبهم .
أبدع كروننبرغ دراما عن الهيستيريا الذكورية من دون
الإهتمام بتشخيص حالتهما الخاصة بهما ــ ربما كانت مسيرتيهما المهنية عَرَض
متواصل
، معقد . ما الذي دفع يونغ أن يجعل سابينا مساعدة له ، إن لم يكن يرغب بفرض
نفسه
جنسيا عليها ؟ يتيح لنا المخرج تأمل بواعث
فرويد بتوجيه يونغ الى مريض معين
:
الفوضوي أوتو غروس ( فنسنت كاسل )، رجل تحث شهوانيته ، التي لا
سبيل الى إصلاحها ،
يونغ على إغواء سابينا . مَن يقوم بفعل
الإغواء هنا ؟ الا يمكن أن فرويد وجد وسيلة
لإجبار يونغ على الإعتراف بأولية الجنس ؟ أو حتى إنه يحاول أن يدبر فضيحة
في زواج
يونغ ، ويدمّر حياة شاب صفيق يطالب بعرشه؟
مع بعض الكبح ، لا يلعب كروننبرغ وهامبتون على وتر
التوريات الالمانية ، المعرّضة لكثير من النقاش ، في ثلاث أسماء رئيسية :
هذا يعني
، إسم فرويد الذي يقابل معنى الفرح [ في اللغة الالمانية ] ، ويونغ الذي
يقابل كلمة
شاب ، وسبيلراين الذي يقابل أما " اللعب
بنقاء " ( سبيل- راين ) ، أو " اللعب في
الداخل " ، أو حتى " اللعب في داخلي " ( سبيل- هيراين ) . هذا ممكن ، لأن
فرح فرويد
يظهر في عرْض قصير . هو رجل في خريف العمر ، وعليه أن يوفق بين
هذا وواقع أن أفكاره
، التي لازالت في مهدها ، وُضِعت كي يرثها شاب هو غير راض عنه أبدا
.
المدى العراقية في
27/09/2012
فيلــم "إلــى رومـا مـع حبي" ..الصفقة
الايطالية
ترجمة: عباس المفرجي
آخِر مغامرة أوربية لوودي
الن هي دراما هزلية متعددة القصص مع بعض ضربات
ناجحة من بين كبوات
عديدة كان ذهب إلى لندن، برشلونة وباريس، ويقوم الآن بتوقف آخر من توقفاته
السياحية المترفة في عاصمة أوربية، مصوِّرا في ضوء الغروب
العسلي، معيدا إنتاج كليشيهات تصويرية عمرها حوالي نصف
قرن. هذه المرة هي روما، وكان العنوان الأصلي للفيلم "بوب
ديكاميرون"، تلميح إلى
الحكاية متعددة القصص من القرون الوسطى لبوكاشيو، التي رسمت
خطة هذا الفيلم الشامل.
كان الن، على كل حال، مقتنعا بأن الأمر كان عويصا جدا، وأظن أن الإشارة
المعتّقة
على نحو ميئوس منه إلى البيبوب [ضرب من موسيقى الجاز] كانت على الأرجح
مربكة قليلا
كذلك. كان البديل، " كمنجات نيرو "، مرفوضا أيضا، كما هو " إلى
روما مع حبي
".
الن ليس غريبا على ايطاليا والايطاليين : في
"
العبها ثانية يا سام " ( 1972 ) كانت شخصية الناقد السينمائي، الان
فيليكس، مستمدة
من الفيلم متعدد القصص " لو كوبي"، أو " الأزواج "، لدي سيكا وآخرون – ومن
ثم تخيله
الزوج الغيور توني روبرتز ذاهبا إليه حاملا سكينا، كما لو في فيلم ايطالي
تهكمي
ساخر. كان هناك أيضا مزيجا رائعا من انطونيوني في " كل شيء ترغب دائما
بمعرفته عن
الجنس " (1972 )، وفيلمه "ذكريات ساحرة" (1980 ) كان تحية شهيرة إلى
فلليني. "إلى
روما مع حبي" ليس له شيء من هذه الخبرة الأسلوبية غير العادية، كل شيء فيه
تقريبا
متطفل. هذا الفيلم بعيد عن عظمة السنوات الأولى، برغم خطواته البطيئة،
أحيانا،
باتجاه اللهو الهزلي.
نحن نبدأ مع مشهد عن واحد من رجال الشرطة الرومان
أولئك، ذوي المظهر الفخم المتسم بالأبهة الذي يوجه السير في قفازات بيضاء
وخوذة
بيضاء. ربما كان في ذهن الن عن الماضي العمل المثير للكانديد
كاميرا [الكاميرا
الصريحة] التي اشتهرت في الستينيات؛ لقطات من كاميرا خفية لرجال شرطة
المرور
المتوهجين، من أرجاء العالم، مع موسيقى ملائمة، وكان للشرطي الروماني السبق
في هذا.
وهو سيكون الراوي في الفيلم، يعرّفنا على
كل القصص التي تحدث في المدينة. انتونيو
(اليساندرو
تيبيري) وميللي (اليساندرا ماستروناردي) شابان بسيطان متزوجان حديثا،
قَدِما إلى المدينة لمقابلة عائلة انتونيو، لكنه ينتهي إلى تقديم عاهرة
شهوانية
تدعى آنا على أنها عروسه التي لعبت دورها بينلوب كروز.
هايلي ( اليسون بيل ) طالبة زائرة تقع في حب شاب
وسيم، ميكيل آنجلو محلي ( فلافيو بارينتي )؛ يأخذ أبواها الطائرة للقائه،
وهما
فيليس وجيري، يلعب دوراهما جودي ديفز وودي الن نفسه. هو مدير
الأوبرا المتقاعد،
يفاجئ بوالد ميكيل آنجلو، الحانوتي الذي يظهر أن له صوتا اوبراليا ساميا.
في هذه
الأثناء، يقع طالب العمارة المرتبك، الخجول في حب مونيكا ( ايلين بيج )
المستقلة
والتي تريد أن تصبح نجمة شاشة. يرى المعماري الأمريكي الناجح في جاك ذاته
سريعة
العطب أيام الشباب، ثم يصبح صوتا خياليا في رأس جاك، محذرا
إياه من أن هذه المرأة
تجلب المتاعب. انه يشبه كثيرا بوغارت الخيالي في فيلم " العبها ثانية يا
سام"، أو
في الحق توني روبرتز دنيوي. أخيراً، هناك روبرتو بينيني مؤديا دور ليوبولدو،
شخص
عادي يعمل في مكتب، يفاجئ بأنه مطارد من قبل مصوري البابارازي المتبطلين
المحمومين
على انه شخص شهير.
الآن، وحيث أن علاقة الحب من مايس إلى أيلول على
الشاشة غير قابلة للتطبيق، فإن الاستعمال المجازي لزوجين عجوزين أو
متقاعدين قادمين
إلى المدينة للقاء زوج الابنة أو زوجة الابن، أو فقط لقضاء العطلة، متجولين
على
هواهم، هو أقرب طريقة تحدد موقع الن أو أي احد آخر من الجيل
الأقدم في حياة
رومانتيكية – أو، على أي حال، في موازاة ذلك الموقع. ثمة بعض الفكاهة
الناجمة عن
الإزعاج والارتباك، لكن بعض المزحات والأوضاع هي ببساطة لا تؤدي غرضها. لا
شيء هناك
يُقارَن بحيلة السفر عبْر الزمن في " منتصف الليل في باريس "
التي جعلت من الشعور
بالنوستالجيا مضحكا أو ساخرا.
هذا لا يعني انه لم يكن هناك لمسات لاذعة. أداء
بينيني هو في الحقيقة ممكن المشاهدة على نحو معقول – لا يُصدّق
كما يبدو ذلك –
وقصته عوملت برشاقة أكثر مما في الأفلام الحديثة التي أخرجها كزافييه
جيانولي
وماتيّو غارونه حول نفس الثيمة. يقول سائق ليويولدو له، إن الجميع عليهم أن
يتحملوا
نفس الأسى في هذا العالم، مشاهير أو غير مشاهير على قدم
المساواة، لذا من الأفضل
بالطبع أن تكون شهيرا. من هذا يمكن أن نستنتج مغزى عميقا. كان لبالدوين بعض
اللحظات
الرائعة في الفيلم حين يرفض موقف مونيكا : لقطة الكلوز- آب النهائية –
البطيئة،
المنوّرة ــ هي ساحرة وبالأحرى باردة.
معجبو الن المخلصون سيعرفون الشدّ المتواصل في
متابعة أفلامه الحديثة: جلاء التعبير عن عمل كوميدي ناجح،
المحو العَرَضي للسوداوية
عند التفكير بأنه في يوم ما لن تعد هناك أفلام لوودي الن. لكن هناك بالطبع
صورا
أخرى في أعماله، والنجاح المفاجئ لفيلم "منتصف الليل في باريس" يثبت أن هذا
المخرج
المتفرّد قادر على مفاجئتنا جميعا.
عن صحيفة الغارديان
المدى العراقية في
27/09/2012 |