نادرا ما يعرض مهرحان فينيسيا (البندقية) السينمائي
عددا كبيرا من الأفلام لمخرجين من العالم العربي، كما حدث في الدورة
الأخيرة (التاسعة
والستين) التي شهدت عرض أكثر من ستة أفلام من الجزائر ومصر وتونس وليبيا
وفلسطين، بالإضافة إلى تلك الأفلام التي يشترك في اخراجها سينمائيون من
الفلسطينيين
والإسرائيليين، وهي أفلام تثير الكثير من الارتباك عند تصنيفها أحيانا.
كان فيلم
"يمة"
Yema
الجزائري (ومعناها يا أماه) للمخرجة جميلة صحراوي،
من الأفلام المنتظرة
وإن جاء عرضه خارج المسابقة الرئيسية
للمهرجان، لأنه الفيلم الثاني للمخرجة منذ أن
قدمت قبل ثلاث سنوات، فيلمها الأول المثير للجدل "بركات" (بمعنى "كفى")..
وكانت
تعبر من خلاله عن رفضها التفسيرالرسمي
للأحداث الدموية التي شهدتها الجزائر طوال
حقبة التسعينيات بسبب تداعيات النزاع السياسي المسلح بين التنظيمات
الإسلامية
المسلحة وقوات الأمن الجزائرية.
وكانت تتهم في فيلمها هذا بوضوح، عناصر من الجيل
الذي شارك في النضال ضد الاستعمار الفرنسي قبل الاستقلال، بالمشاركة في
قيادة حركات
الإسلام السياسي المسلح في الجزائر أو ما يعرف بالإرهاب.
ولعل الموضوع الأكثر
أهمية وبروزا في السينما الحزائرية خلال
السنوات الماضية، كان دون شك، وربما سيبقى
طويلا أيضال، وهو موضوع العنف والمواجهات الدامية التي وقعت في الجزائر
ومازالت
البلاد تدفع ثمنها، بل ومازال التهديد بالعنف قائما على أرض الواقع، يدفع
ثمنه
الأبرياء يوما بعد يوم.
لذلك يأتي الفيلم الجديد للمخرجة نفسها (وهي أيضا كاتبة
السيناريو) حول الموضوع نفسه من خلال "حبكة" أخرى، أو بالأحرى "تنويعة"
جديدة، تسعى
من خلالها المخرجة للتعبير عن تأثير العنف على حياة أسرة بسيطة
مات عائلها وأصبحت
الأم (وردية) هي محورها وعمادها، فقامت
بتنشئة ولديها، فكبرا واختلفا ثم اختصما،
أحدهم (علي) انضم إلى إحدى تنظيمات العنف المسلح باسم الدفاع عن الإسلام،
والآخر (طارق)
اتخذ منحى آخر يرفض العنف فأصبح ضابطا في شرطة مكافحة الارهاب، فكان أن دفع
الثمن حياته، بعد أن قتله شقيقه وربما أيضا تزوج من الفتاة التي كان شقيقه
يحبها،
وانجب منها طفلا تركته رضيعا وماتت.
حضور الموت
الموت حاضر بقوة في
هذا الفيلم دون أن نراه مباشرة. البيئة
صحراوية جافة، بل ميتة بالفعل، والمنزل الذي
تقيم فيه الأم قرب المكان الذي دفنت فيه جثة ولدها (طارق) بيت أسطوري فعلا،
فكل شيء
يحيط به يوحى بالموت والجفاف، لكن "وردية"
بعزيمة لا تعرف الكلل، تنجح في تحويل
المنطقة المحيطة به إلى منطقة خضراء تزدهر
بأشجار الفاكهة والخضراوات.
ابنها
"علي" يرفض أن يتركها وحدها بل يكلف شابا.. زميلا
له في جماعة العنف المسلح،
بحراستها ومنعها من المغادرة أو الابتعاد
بالقوة إذا لزم الأمر، فقد أصبحت ترعى
ولده الصغير الذي كان يشك في احتمال أن
يكون ابن شقيقه الذي قتل كما نعرف في
الفيلم، في اشتباك بين الشرطة والمسلحين،
كما يتردد أيضا أن القتل وقع بناء على
تعليمات مباشرة من "علي".
شخصية الأم مليئة بالقسوة والإحساس بالوحدة والشقاء
والألم الذي لا نظير له: فهي تشعر بالرفض لابنها الذي لايزال على قيد
الحياة. يأتي
إليها ذات يوم مصابا بطلق ناري في ساقه، يتولى زميله الحارس اخراج الرصاصة
من ساقه،
لكن الآلام تستمر مبرحة قاتلة، ويتعين على الصديق الذهاب إلى البلدة
القريبة لكي
يأتي بأدوية وأربطة طبية، والأهم بالطبع، عقار المورفين المسكن للآلام،
والذي يؤدي
إلى الإدمان. ويدمن "علي" العقار بالفعل، وأمام توسلاته وآلامه تحقنه الأم
بالمورفين.
مشاعر الأم تغلبها في النهاية.. لكنها تبدو متمزقة بين مشاعرها
الرافضة له ومشاعر الأمومة المتجذرة فيها.
في أحد المشاهد تجمع حاجيات ابنها
المتوفي وتقوم بحرقها والتخلص منها بل إنها تحرق أيضا السرير الذي كان يرقد
عليه،
ربما رغبة منها في التخفيف من ظل وجوده في المنزل.
نزعة تجريدية
إننا أمام
نوع من التراجيديا التي تشوبها نزعة فنية
تجريدية واضحة، ورمزية لا يمكنك أن
تغفلها.
التجريد يتضح من خلال المكان أولا الذي لا يبدو أنه قابل للحياة،
ويجعلك
من الممكن أن تطرح التساؤلات حول اختيار تلك البقعة الصحراوية
المعزولة الجافة
للعيش فيها وكأنها منفى، أو استجابة لحكم
من أحكام القدر.
القدر التراجيدي حاضر
أيضا في مأساة الأم: أن يقتل الأخ أخاه،
تماما كما فعل قابيل بهابيل مع بدء
الخليقة، والسبب قد يكون امرأة كما قد يكون
الوضع السياسي الملهتب: البعدان
يتداخلان عن قصد.
القتل هو الخطيئة التي لا تستطيع الأم أن تغفرها أبدا. ومقتل
الإبن "علي" على يدي زميله في النهاية ما هو إلا ذلك العقاب "الطبيعي" الذي
ينزله
القدر بمن ارتكب الخطيئة المحرمة.
المخرجة جميلة صحراوي تقوم بنفسها بالدور
الرئيسي، أي دور "وردية" الأم المحملة بكم هائل من الألم والحزن والتي لا
تستطيع
الغفران أبدا. ولا شك أنها نجحت كثيرا في التعبير عن تلك المشاعر
المتناقضة، بل
وأدت ببراعة ودقة دور الريفية التي تفهم لغة الأرض، ويمكنها التعامل معها
بقليل من
الماء، واللمسات اليدوية الرشيقة الخبيرة إلى أن تجعلها تنبض بالحياة مجددا
وتبدأ
في طرح غلتها وكأننا امام الخليقة الأولى أيضا حيث يعتمد الإنسان في طعامه
على ثمار
الأشجار، وعلى حليب الماعز التي نراها أكثر من مرة ترعى حول ذلك المنزل
الغريب
الغامض الذي لا نفهم سر وجوده في مكان كهذا (إمعانا في التجريد).
إيقاع
الفيلم بطيء للغاية، فهو إيقاع التراجيديا
الاغريقية الكلاسيكية: لقطات طويلة.. ذات
أحجام كبيرة أو متوسطة.. كاميرا ثابتة نادرا ما تتحرك.. صمت في الجزء
الأولي من
الفيلم الذي يستغرق نحو نصف ساعة، لدرجة أننا حينما نسمع الأم تتحدث للمرة
الأولى
نتصور أن الصوت قادم من عالم آخر.
الحوار في الفيلم عموما قليل ومحدود ولا يشرح
بل يلقي ضوءا خافتا على الحالة النفسية لتلك الشخصيات الثلاث التي تتنتافر
إلى حد
التناقض، يجمع بينها المكان الموحش، والحزن المشترك على ما آل إليه مصيرها.
إنها
شخصيات سجينة في الواقع.. محكوم عليها
بالشقاء الأبدي بعد كل ما وقع ولم يعد ممكنا
تجاوزه، وكأن الجريمة هي الإثم الكبير.. والحارس المسلح هو يد القدر..
والأم هي
الضحية والعقاب في الوقت نفسه، والطبيعة هي الشاهد عليهم جميعا.
الفيلم ليس من
تلك الأفلام السلسلة التي تروي قصصا واضحة
مثيرة للمشاعر، بل يقتضي قدرا كبيرا من
القدرة على المتابعة دون الإحساس بالملل،
فالإيقاع البطيء للغاية يصل إلى حد أننا
نشاهد الأم وهي تقوم بتقليب التربة بطريقة بدائية وريها بقليل من الماء،
وبذر
البذور.. مرات ومرات في مشهد طويل لا يريد أن ينتهي.
لكن بدون هذا الإيقاع أتصور
أن الفيلم كان سيفقد الكثير من قوته وتأثيره الرمزي باعتباره تراجيديا
إنسانية عن
آثار الصراع المسلح على الإنسان في الجزائر.
وشأن كل الأفلام التي يخرجها مخرجون
من الجزائر يأتي فيلم "يمه" من الإنتاج المشترك بين الجزائر وفرنسا. ويبدو
أنه بدون
التمويل الخارجي لم يعد من الممكن للأفلام التي تحمل قدرا من الطموح الفني
أن توجد.
الجزيرة الوثائقية في
23/09/2012
إصرار على إقامة مهرجان بيروت الدولي للسينما
بيروت - نقولا طعمة
شكت كوليت نوفل-مديرة مهرجان بيروت الدولي للسينما-
من التأثير السلبي للتطورات الميدانية في
لبنان والمنطقة على الدورة الثانية عشرة
لمهرجانها 2012.
وقالت نوفل أن غالبية المخرجين والمنتجين السينمائيين الكبار في
العالمين العربي والغربي لم يتجروا
على القدوم إلى لبنان للمشاركة بسبب مخاوفهم من
الأوضاع، مما جعل دورة هذا العام أضعف وأقل حضورا من السنوات الفائتة خلافا
لرغبتها
وإدارة المهرجان.
وأوضحت نوفل في مؤتمر صحافي عقدته في فندق
?Le Gray?
في وسط
بيروت بحضور رئيسة المهرجان أليس إده، أن أفلام المهرجان تتوزع على سبع
فئات، بينها
مسابقتان فحسب بدلاً من ثلاثة كما درجت العادة، للأفلام الشرق أوسطية
القصيرة
والأفلام الشرق أوسطية الوثائقية . أما الفئات الخمس الأخرى
فهي "البانوراما
الدولية"، و"ركن الأفلام اللبنانية"، وأفلام حقوق الإنسان "هيومن رايتس
ووتش"،
أضافة الى قسمين استعاديين لأفلام المخرج الأميركي الراحل ستانلي كوبريك،
ولأفلام
المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الفنلنديّ آكي كوريسماكي.
وخلصت الى القول "لقد
كانت السينما ولا تزال مساحة للحلم والاكتشاف والمشاعر
والارتقاء فوق الواقع
اليومي، اياً كانت الظروف واياً كان المكان، وسنعمل لكي نتمكن دائماً من أن
نقدم
لمشاهدينا الأفضل في مجال السينما".
لكن الناقد الفني بيار أبي صعب لم يجد في
تردد الأجانب في الحضور ضيما لأنه من المهم أن يستمر المهرجان،
ويثبت حضوره. وقال
في تصريح ل"الجزيرة دوك": "ظروف لبنان والمنطقة تعيق بحدود معينة تحقيق
أحلام
الناشطين في المجالات الفنية، خصوصا إذا كان الطامح يطمح إلى العالي كثيرا.
لكن
المهم المحافظة على هذا المكان للسنوات القادمة، لأن المشروع هو على المدى
الطويل.
ثم أن هناك العديد من الأفلام، ومنها اللافت أفلام الشباب العربي الناشيء،
وأفلام
شباب الثورات كما في مصر، فهذه فرصة ثمينة للعرض، وهناك أفلام إيرانية
جميلة،
ولأعلام السينما العالميين ككوبريك الأميركي الراحل، وكريسماكي
الفنلدي”.
ورأى أنه "من
الضروري مساعدة هذا المهرجان على المقاومة والاستمرار، فالمعيقات كثيرة في
ظل
ظروف
تجعل الناس يتجهون اتجاهات غير مفيدة. من هنا يمكن إعادة الاعتبار للسينما
بكل ما
تملكه، وفي كل دورة جديدة".
وأسف لأن الجمهور يتراجع عن الفنون والثقافة،
معلقا: "الجمهور يكاد
يكون هو نفسه، والمهتمون أيضا. العمل الفني هو عمل المؤسسات
والدولة والجمعيات والوزارات المعنية، ومهما يكن فإن كل مهرجان يستحضر عددا
متزايدا
من محبي الثقافة فيتمكن من المحافظة على نفسه، ولذلك علينا المثابرة، فلا
بد من دعم
الفنون والثقافة من أجل تطور حياة الانسان".
المهرجان ينطلق، بمشاركة 57 فيلماً،
وسيعرض "قصة ثواني"
?Blind intersections?
للمخرجة اللبنانية لارا سابا، في افتتاح
المهرجان، في الثالث من تشرين الأول (أوكتوبر) القادم، على أن يكون
الاختتام في 11
تشرين الأول (أكتوبر) بفيلم
?Looperللمخرج الأميركي الشاب راين جونسون، مع جوزف
غوردون ليفيت وبروس ويليس وآميلي بلانت.
الجزيرة الوثائقية في
23/09/2012
«سينما بديلة»
ابراهيم حاج عبدي
إزاء ندرة البرامج التلفزيونية المتعلقة بالسينما وقضاياها، يأتي
برنامج «سينما بديلة»، الذي يقدم على شاشة «بي بي سي»، ليشكل علامة مضيئة
في هذا الإطار، لاسيما ان البرامج القليلة التي تتناول الشأن السيــنمائي
على الشاشة لا تتعدى كونها مادة إخبارية تغطي المهرجانات السينمائية تارة،
او تهتم بالنجوم وأخبارهم وبإيرادات شباك التذاكر تارة أخرى، وفي أحسن
الأحوال تطرح عناوين سينمائية طموحة وجادة لكن من دون الغوص في تفاصيلها
وأبعادها.
برنامج «سينما بديلة» مختلف في شكله وأسلوبه، ويكاد أن يكون «استثناء»
من بين تلك البرامج السينمائية، فهو لا يذهب الى النجوم ولا يطل على شباك
التذاكر، بل يتكئ على عرض أفلام قصيرة بكاملها. وهذه الأفلام التي تندرج
تحت عنوان «السينما البديلة» تنتمي، الى الفنون المرئية والصوتية التجريبية
والدرامية والتسجيلية وحتى افلام الكرتون الاختبارية. في هذه الأفلام نعثر
على مواهب سينمائية شابة تخوض ميدان الفن السابع، وتحاول أن تسرد بالصورة
موضوعات بســـيطة حيناً وعميقة أحياناً، بيد أنها لا تفتقر الى اللمسة
الابداعية الواعدة؛ والمتنوعة تبعاً لتنوع الثقافات والمرجعيات في العالم
العربي، ومنها مثلاً: «ايدين نظيفة...» لكريم فانوس، «جمال وأماني» لهديل
نظمي، «حبيبتي» لنور وزي من لبنان، والفيلم الاماراتي «سبيل» لخالد
المحمود، و «اليد اليسرى» للمغربي فاضل شويكة... وسواها من الأفلام التي لا
تلتزم معايير السرد السينمائي التقليدي وأصوله، بل تتخطى ذلك نحو فضاءات
سينمائية مغايرة.
علاوة على ذلك، فإن البرنامح يستضيف صانعي هذه الافلام والمشاركين
فيها، من المخرجين إلى الممثلين والمنتجين والممولين احياناً، بالإضافة الى
خبراء الفن السابع ونقاده، في محاولة لشرح بعض الملابسات حول الفيلم الذي
يعرض في النهاية عبر وسيلة جماهيرية هي التلفزة، ولا بد للفكرة من أن تصل
الى أذهان الجمهور المتنوع.
وتنبع أهمية البرنامج، كذلك، من أن هذه الأفلام المعروضة لا تجد فرصة
للعرض سوى في بعض المهرجانات. فالفيلم القصير، لم يستطع حتى اللحظة أن يجد
شرعية لدى الموزعين وأصحاب الصالات، بالتالي فإن تلفزيون «بي بي سي» يوفر
مثل هذه الفرصة الثمينة في سبيل جعل هذه النوعية من الأفلام مألوفة لدى
المتلقي.
ولعل الملاحظة الوحيدة التي يمكن تسجيلها، هنا، تتعلق بمقدم البرنامج
انطوان خوري الذي اعتاد المشاهد ان يراه في نشرات الأخبار والبرامج
السياسية، وعندما يطل عبر حقل السينما، فإن ذلك يخلق نوعاً من المفارقة.
وهذه الملاحظة لا تقلل من دور خوري وحضوره، بل للقول ان هذا البرنامج يتطلب
وجهاً سينمائياً او ناقداً معروفاً يتمكن من جعل الفيلم قريباً الى
المشاهد، خصوصاً ونحن نتحدث عن افلام ذات طابع خاص يمزج الروائي بالتوثيقي،
ويتأرجح بين التجريب والتجريد، فضلاً عن مضامينها الغريبة أحياناً.
الحياة اللندنية في
23/09/2012
كارمن لبس:
العربي لا يتطوّر لأنه لا يعترف بالخطأ
بيروت - يوليوس هاشم
مهما تغيب الممثلة اللبنانية كارمن لبّس عن الشاشة تبقى حاضرة في
أذهان المشاهدين، ومهما كثرت إطلالاتها في المسلسلات تبقى حماستهم لمتابعة
أعمالها. حالياً تطلّ في الحلقات الأخيرة من مسلسل «القناع» الذي أنتجه
وأخرجه شارل شلالا، فكيف تقوّم هذا العمل ككل؟ تقول لبّس لـ»الحياة» إنّ
«صورة هذا المسلسل هي الأفضل بين المسلسلات اللبنانية والأنقى لناحية
التصوير والألوان والإضاءة»، وتلفت إلى أنّ «مستواه يُعتبر جيداً جداً
بخاصّة أنّه العمل الأول الذي ينتجه ويخرجه شارل شلالا. مهما يعرف المرء عن
موضوع ما تبقى الخبرة على أرض الواقع هي الأهم، وقد أثبت شارل شلالا منذ
العمل الأول أنّه يتمتّع بمواصفات عالية في مجال الإخراج والإنتاج». وردّاً
على السؤال حول ملاحظاتها السلبية تجاه «القناع» تقول كارمن إنّ لديها أكثر
من ملاحظة لكنّها تفضّل الاحتفاظ بها لنفسها «لأنّها لن تفيد أحداً الآن،
بل على العكس قد تسبب ضرراً وسوء تفاهم».
تطلّ كارمن أيضاً عبر شاشة «أل بي سي دراما» في مسلسل «هروب» الذي
تعتبره الأفضل لناحية السيناريو الواقعي: «يشبهنا وينقل واقعنا بذكاء
عاكساً صورة العائلة المتوسطة ومشاكلها وحياتها اليومية».
في شهر رمضان الماضي لعبت كارمن بطولة مسلسل «العائدة»، وحالياً تظهر
في عملين، وستطل في مسلسل «كيندا» الذي يُفترض أن يُعرض قريباً، فهل ترى أن
كثرة ظهور الممثل تشكّل «خطراً» عليه فيضجر منه المُشاهد، أو على العكس
تلعب دوراً إيجابياً وتزيد من جمهوره؟ تجيب: «ليس ممتعاً أن يرى المشاهدُ
الممثلَ نفسه على كل المحطات وفي كل الأوقات، فمهما كان حبّه له كبيراً
فسيقلّ عندها». وتشرح أن سبب هذه الزحمة «يعود إلى التأخّر في عرض الأعمال
الجاهزة، فمسلسل «هروب» جاهز للعرض منذ العام الماضي، وكذلك «كيندا» الذي
لم يُعرض حتّى الآن صوّر العام الماضي، ولكن ما يريحني هو أنني أظهر في كل
عمل بشخصية مختلفة وأداء وشكل مختلفين». وتضيف إنّها تفضّل أن تشارك في
مسلسلين في السنة، لا أكثر، أمّا لماذا مسلسلين وليس مسلسلاً واحداً؟
«فببساطة لأنّ عملاً واحداً في السنة لا يكفي لتأمين المصاريف في هذا البلد
الغالي الأسعار مع قلّة المردود الذي يأتي من هذا العمل».
في كلام كارمن نشعر أنّها صارت أكثر ديبلوماسية في إبداء رأيها هي
المعروفة بآرائها الواضحة والمباشرة، فهل تعلّمت درساً ما من تجربةٍ ما
بسبب رأي عبّرت عنه؟ «لا أبداً»، تسارع إلى القول، وتضيف: «ليست المسألة
أنني لا أبدي رأيي بصراحة بل أحتفظ لنفسي بالأمور التي تتعلّق بالآخرين،
فأنا مثلاً لا أقول عن عملٍ إنّه رائع ثمّ أتحدّث عنه بالسوء في جلساتي
الخاصّة، بل أقول أمام الجميع انّ لي ملاحظات على بعض الأمور، لكنني أتحفّظ
عن ذكرها حين أجد أنّها لن تصل إلى هدفها الإيجابي». ألا ترى كارمن أنّ
الممثل يجب أن يراقب كلماته جيّداً ويحسب خط العودة بخاصّة أنّ الكثير من
المنتجين والمخرجين في لبنان قد يمتنعون عن التعامل معه لمجرّد أنّه قال
رأياً ينتقدهم؟ المشكلة الأساسية، بحسب لبّس، «هي أنّ بعض هؤلاء اعتادوا
المديح والاختباء خلف إصبعهم عند الفشل! إنّهم مثل أمٍّ رسب ابنها وعلى رغم
ذلك تذيع أمام جيرانها أنّه نجح بتفوق وأنّه الأول في الصف! إن كان أولاد
جميع الأمهات يحتلّون المرتبة الأولى، فأين المرتبة الثانية والثالثة
والرابعة؟». وتضيف كارمن أنّ «هذه المشكلة تعاني منها الشعوب العربية
بأجمعها، فما من رئيس يفشل، وما من زعيم يخطئ، وما من دولة تخسر، وما من
مسؤول يستقيل أو يعتذر... نحن شعوب نعتبر الخطأ أمراً سيئاً ولا نفهم أن
الخطأ هو طريق التحسّن والتطوّر، لذلك فالشعب العربي لا يتطوّر بما أنّه لا
يُخطئ، أو بالأحرى لا يعترف بالخطأ». أمّا عن الخط الذي يجب على الممثل أن
يسلكه عند إبداء رأيه فتقول إنّ ذلك يرتبط بهدفه وأولوياته في الحياة، «فإن
كان يرغب بأن يبقى على الشاشة طيلة الوقت، بغضّ النظر عن الوسيلة، يمكنه أن
يمضي وقته في المديح». وما هي أولويات كارمن لبس؟ تجيب بسرعة: «أن أكون
مرتاحة بيني وبين نفسي». وماذا لو كلّفتها تلك الراحة أن تقطع تواصلها مع
المنتجين اللبنانيين؟ تجيب بسرعة أيضاً، حتّى قبل انتهاء الكلمة الأخيرة من
السؤال: «أقطع التواصل من دون أن يرف لي جفن، فأنا لا أسمح لأحدٍ أن يدفع
بي نحو الزاوية ليسيطر علي، ذلك لم ولن يحصل، وعندها أجد أي مهنة أخرى
أعتاش منها، فيمكنني أن أمارس أي مهنة مهما كانت متواضعة إن كان ذلك يحفظ
لي كرامتي أكثر».
بالحديث عن المهن الأخرى، كانت كارمن ذكرت في حديث سابق لها أنّها
ترغب بالتخصص في مجال الإخراج كي تنتقل إليه بعد التمثيل، فأين صار هذا
الهدف؟ تقول إنّ الهدف ما زال موجوداً لكنه لم يتحقق بعد لأنّه يتطلّب
السفر إلى الخارج. وحين نستفسر عن سبب عدم التخصص بالإخراج في لبنان، تشرح
أنّ في الخارج معاهد خاصّة للممثلين الذين يملكون خبرة أمام الكاميرا
ويريدون الانتقال إلى ورائها، فيعطونهم دروساً خاصّة.
أخيراً، هل كارمن لبس قلقة على الدراما اللبنانية أو العكس؟ تجيب:
«إذا لم تنتشر الدراما اللبنانية في شكل أوسع في العالم العربي سأكون قلقة
جداً».
الحياة اللندنية في
24/09/2012
الربيع العربي توقّف في باريس
فائزة مصطفى / باريس
في دورته الثانية، يواصل المهرجان الذي تنظمه «جمعية السينما العربية
الأوروبية» مساءلة أوضاع المنطقة بعد الانتفاضات. أعمال ترصد انعكاسات هذا
المخاض على الحياة الاجتماعية والسياسية ومخرجون يواصلون توثيق الراهن
وغليانه
دفعت الثورة التونسية «جمعية السينما العربية الأوروبية» التي تأسست
عام 2009 إلى إطلاق «مهرجان ربيع السينما العربية» الذي أعطى دفعاً لوجود
الإنتاج السينمائي العربي في مدينة الأخوين لوميير بعد توقف «بينالي الفيلم
العربي» الذي كان ينظمه «معهد العالم العربي» في باريس مرة كل سنتين.
الدورة الماضية قدمت للمشاهد الأوروبي صورة عن التحولات المفاجئة التي
هزت الشارع العربي، فرأينا أفلاماً جريئة غاصت في الممنوعات والمحرّمات قبل
سقوط الديكتاتوريات. هذا العام، اختار المنظمون 30 فيلماً بين روائي
ووثائقي، وطويل وقصير وأفلام التحريك من تونس، ومصر، وسوريا، ولبنان،
والخليج، والمغرب الغربي... كلّها تعكس آمال الإنسان العربي وتناقضاته
وتساؤلاته. يواصل المخرجون توثيق الراهن واستكمال جمع شهادات حول مخاض
الربيع العربي في الدورة الثانية التي تقام من 28 حتى 30 أيلول (سبتمبر) في
سينما «لا كلي» في باريس.
من مصر، يُعرض الشريط الوثائقي «في ظلّ رجل» (65 د ـ 2011 ـ 30/9)
للمخرجة حنان عبد الله التي ترصد حياة أربع نساء بعد صعود الإخوان المسلمين
إلى الحكم، بينما يذهب الوثائقي التونسي «بابل» (121د ــ 2012 ــ 30/9)
للمخرجين علاء الدين سليم وإسماعيل ويوسف الشابي إلى انعكاسات الثورة
التونسية على التحول الديموغرافي في بعض المدن، ولا سيما الحدودية. ويقدم
خالد عبد الواحد فيلمه «توج» (ساعتان و15 دقيقة ــ 2012 ــ 30/9) عاكساً
الصور العنيفة التي تشهدها سوريا. وبينما ترتبط الأعمال السابقة بتداعيات
الثورات والانتفاضات، كان يُفترض أن يشهد المهرجان العرض الأول لشريط خديجة
السلامي «الصرخة» (90 د ـ 2012) قبل أن يُلغى. الشريط يرصد دور المرأة
اليمنية في الثورة وسط مجتمع محافظ من خلال مقابلات مع شخصيات احتلّت واجهة
النضال أُولاها صاحبة «نوبل» توكل كرمان. سينما «المهجر» تحضر من خلال
تجربة رشيد جعيداني في
Rengaine ( 75
د ـ 2012 ـ 30/9) متحدثاً عن العنصرية بين المغاربة والأفارقة. ويعود
الجزائري مرزاق علواش بفيلمه «التائب» (87 د ـ 2012 ـ 30/9) للحديث عن
العشرية السوداء. أما من المغرب، فتقدم هدى لخضر فيلمها القصير عن هموم
المرأة في «زهرة» (13د ـ 2012 ـ 28/9)، ويعود باسكال أبو جمرة إلى عائلات
العملاء اللبنانيين الهاربين إلى إسرائيل في فيلمه الإشكالي «خلفي شجر
الزيتون» (20 د ـ 2012 ـ 28/9). وحول تيمة الوحدة، يُعرض 15 فيلماً قصيراً
لمخرجين من الخليج العربي أُنتجت تحت إشراف ورشات
Cherries of
Kiarostami. على مدى عشرة أيام أثناء الدورة الرابعة من «مهرجان الخليج
السينمائي» في دبي، أدار المعلّم الإيراني ورشة للسينمائيين الناشئين تدور
حول التيمة المذكورة، وسنرى نتائجها في «ربيع السينما العربية».
أما «أتيلييه فاران»، فيقدم خلاصة الأعمال الإبداعية التي أنتجها هواة
العمل السينمائي والوثائقي في القاهرة على مدى عام كامل.
الخطوات الثابتة التي بدأها «ربيع السينما العربية» جعلته يصبح أحد
أبرز مواعيد الفن السابع في أهم المدن الأوروبية، وخصوصاً أنّه يهتم
بالإنتاج السينمائي العربي الراهن في ظرف تاريخي بامتياز. يعتبر ذلك تحدياً
ثقافياً من أجل إيصال صوت الإنسان العربي وصورته وحقيقة ما تعيشه هذه
المنطقة التي ظلّت لسنوات تحت رحمة الإعلام الغربي وكليشيهاته.
«مهرجان ربيع السينما العربية»: من 28 حتى 30 أيلول (سبتمبر) ـــ
سينما «لا كلي» (باريس) ـ
www.cinemalaclef.fr
تحية إلى سيمون فتّال
يحتفي «مهرجان ربيع السينما العربية» بالفن السابع اللبناني من خلال
عرض وثائقي (46 د ـ 2012 ـ 28/9) كناية عن أوتوبورتريه لسيمون فتال.
الرسامة اللبنانية دعت فنانَي فيديو إلى الأتيلييه الخاص بها في بيروت كي
يساعداها في إنجاز أوتوبورتريه. لم يُعرض الشريط قَطّ، ونامت مواده في
الأدراج إلى أن قرّرت فتّال أن تخرجه أخيراً إلى الضوء ضمن مونتاج جديد حمل
توقيع أوجينيه بولتر. العمل ليس فقط بورتريه، بل مرآة تعكس أيضاً المرحلة
التي سبقت الحرب الأهلية، وعلاقة فتال بالتطورات العربية الراهنة، وسيعرض
بحضور النحاتة اللبنانية.
الأخبار اللبنانية في
24/09/2012
«متروبوليس» تحتفل بالسينما الدانماركية
فريد قمر
لطالما مدّت السينما الإسكندينافية المكتبة الأوروبية بأفلام من طراز
رفيع، لكنّها كانت تصطدم بمعوقات اللغة، ما منعها من الانتشار السريع.
بمبادرة من «متروبوليس أمبير صوفيل» والسفارة الدانماركية، سيشاهد الجمهور
الللبناني نخبة من الأفلام الدانماركية التي أسهمت في تألق تلك السينما
قصةً وأسلوباً. افتتاح «عيد الأفلام الدانماركية» يوم الأربعاء، سيكون مع
العملاق لارس فون تراير.
فيلمه «أوروبا» (1991) الأخير من ثلاثية بالعنوان نفسه، ينتمي إلى
الأفلام السوداء التي تكشف الحرب الجاسوسية داخل الحرب الكبرى، وهو الأكثر
شهرة في السلسلة التي نالت إعجاب النقاد حول العالم. في هذا العمل، يضع
الكاتب الأخلاقيات السياسية على طاولة النقد ضمن أسلوب فني مدهش قاده إلى
نيل جائزة لجنة التحكيم في «مهرجان كان». الفيلم الثاني من توقيع توماس
فينتربرغ. يتحدث «سابمارينو» (2010 ـ 27/9) عن قصة شقيقين يعيشان في الجزء
المظلم من المجتمع الدانماركي الذي ينتمي إلى أكثر الدول الأوروبية رخاءً،
ما عُدّ نقداً للنظام الدانماركي الذي يفاخر اقتصاديّوه بأنّه نموذج
للعدالة الاجتماعية. ما يميّز العمل هو أسلوب المخرج الذي لم ينتج شريطاً
يشبه الآخر حتى بات يصعب تحديد أسلوبه السينمائي. أما أيقونته فكانت
«الصيد» (2012) الذي توقعنا أن يعرضه المهرجان، وخصوصاً أنّه أول فيلم
للمخرج ينافس على السعفة الذهبية في «كان». ويتواصل المهرجان مع «الرئيس»
(2011 ـ 28/9) لكريستوفر غولدبراندسن الذي يتحدث عن الرجل الذي أصبح أول
رئيس لأوروبا بعكس ما يشتهي! يُعَدّ الشريط أحد أهم الأعمال السياسية
العميقة التي تظهر آلية القيادة في الاتحاد الأوروبي واتخاذ القرارات،
ويبيّن أسباب فشله في وضع حدّ للهيمنة الأميركية. الرائع غابريل أكسل حاضر
في المهرجان عبر «مأدبة بابيت» (1987ـ 29/9) الحائز أوسكار أفضل فيلم أجنبي
عام 1988 وجائزة «بافتا» عن الفئة ذاتها. الشريط المقتبس عن رواية إسحق
دينسن، تجري أحداثه في القرن التاسع عشر في الدنمارك ويتحدث عن شقيقتين
تعيشان في قرية معزولة ثم تنقلب حياتهما مع وصول لاجئة فرنسية اسمها بابيت
إلى دارهما. يقدم الفيلم حقبة تاريخية ذهبية في الدانمارك وقد أُنجز بأسلوب
إنساني رومانسي فيه الكثير من النوستالجيا، فضلاً عن تصويره الرائع الذي
يظهر البلاد تحفةً فنية. ومن النوستالجيا إلى التسجيل، يأخذنا شريط «أرماديللو»
(2010 ـ 30/9) لجانوس ميتز «الكاره للأميركيين» كما وُصف بعد إنجاز هذا
الفيلم الذي ينتقد الحرب على الإرهاب ومشاركة القوات الدانماركية في الحرب
على أفغانستان. بعد «أرماديللو»، يعرض الفيلم الكلاسيكي «الجوع» (1966 ــ
1/10) لهنينغ كارلسن المقتبس عن رائعة النروجي كنوت هامسن. والختام مع
«نهضة فالهالا» (2009 ـ 2/10) لنيكولاس ويدينغ ريفن الذي يحمل بعداً
فلسفياً إضافة إلى بعده الخيالي.
«عيد السينما الدانماركية»: من 26 أيلول (سبتمبر) حتى 1 ت1 (أكتوبر) ـ
«متروبوليس أمبير صوفيل» ـ 01/204080
الأخبار اللبنانية في
24/09/2012
محمود بن محمود: الحبّ في زمن النضال
نور الدين بالطيب / تونس
بعد غياب أكثر من عقد، يعود السينمائي المقيم في بلجيكا ليقدّم
«الأستاذ». إنّه آخر فيلم يصوَّر في عهد زين العابدين، عارضاً الظروف
السياسية والنقابية التي عاشتها تونس أواسط السبعينيات من خلال علاقة عشق
ممنوعة بين أستاذ جامعي وطالبته
منذ منتصف التسعينيات، لم يُنجز محمود بن محمود شريطاً روائياً بعد «قوايل
رمان» (1999) بسبب إجهاض مشروعه السينمائي عن الهجرة السرية المعروفة بـ«الحرقة».
لكن أخيراً، قدّم المخرج التونسي المقيم في بلجيكا شريطه الجديد «الأستاذ»
(١٢٠ دقيقة). فيلم روائي بنكهة وثائقية يتصفح الظروف السياسية والنقابية
التي عاشتها تونس أواسط السبعينيات التي شهدت فكّ الارتباط بين «الاتحاد
العام التونسي للشغل» والحزب الحاكم آنذاك (الحزب الاشتراكي الدستوري).
وقد كان الإضراب العام الذي نفذه الاتحاد يوم ٢٦ كانون الثاني (يناير)
١٩٧٨ المعروف بـ«الخميس الأسود» تجسيداً للمواجهة التي اتخذت شكلاً دموياً
بين النقابيين والسلطة. وإذا كان الشريط قد تعرّض لأزمة «الخميس الأسود»
كما تعرف في التاريخ التونسي، فقد تركّز الاهتمام الأكبر على تفاصيل تأسيس
«الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» سنة ١٩٧٧ التي شارك في إطلاقها
دستوريون من أنصار الحزب الحاكم مع مجموعة من الناشطين اليساريين
والليبراليين والديموقراطيين.
في تناوله للأزمة السياسية والنقابية التي أحاطت بتأسيس الرابطة،
اختار محمود بن محمود قصة حب ممنوعة بين أستاذ جامعي وطالبته لينسج من
خلالهما تفاصيل الشتاء الأسود. خليل الخلصاوي يدرس القانون الدستوري في
كلية الحقوق في تونس التي كانت قلب الاحتجاجات الطلابية ضد نظامي الحبيب
بورقيبة وزين العابدين بن علي. وقد شهدت المواجهات الدموية في شباط
(فبراير) ١٩٧٢ المعروفة بـ«أحداث فيفري» بين النظام من جهة والطلبة من جهة
أخرى بعد انقلاب السلطة على الاتحاد العام لطلبة تونس في مؤتمر قربة (شمال
تونس) سنة ١٩٧١.
خليل الخلصاوي من أنصار الحزب الحاكم المتحمسين يكلّفه الحزب أن يكون
من مؤسسي «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» التي تريدها السلطة
واجهةً للغرب كي تؤكد إيمانها بالديموقراطية! يتحمس خليل لهذه المهمة من
قيادة الحزب، لكنّه يتخلى عن قناعاته الحزبية وانتصاره المطلق لـ«ديموقراطية»
الحزب في أول امتحان يمرّ به.
يقبض الأمن على الطالبة هند العسكري التي تجمعه بها علاقة عشق مجنونة
وممنوعة، وهو الاب لابنين والرجل الملتزم شروط الحياة الزوجية قبل أن يجرفه
نهر الحب. تتهم هند العسكري بالتعامل مع جهات أجنبية على خلفية مرافقتها
لصحافيين إيطاليين يزوران البلاد لكتابة تحقيق صحافي عن معاناة عمال
المناجم المعتصمين ويحكم عليها بالسجن أربع سنوات.
هذا الحكم القاسي بحق عشيقته يدفع خليل الخلصاوي إلى مراجعة انتمائه
إلى حزب توتاليتاري يلقي بأنصار الحرية في غياهب السجون. ورغم محاولات
السلطة وقيادة الحزب إقناعه بالتخلي عن طالبته والتهديد بفضح علاقته بها
لزوجته، يتمسك خليل الخلصاوي بقضية حبيبته. هكذا، يُبعد من العاصمة إلى ريف
منسي، وهي عقوبة موروثة عن الاستعمار الفرنسي، كانت السلطة تنفذها بحقّ
معارضيها (الإبعاد الإداري)!
في ريف معزول، يتابع خليل الخلصاوي أحداث البلاد التي تحترق في ذلك
الشتاء الأسود وحيداً إلا من الكتب والذكريات. لكن زوجته التي تخلت عنه حال
علمها بمغامراته التي كشفتها لها قيادة الحزب، تخترق الحصار الذي ضربته
حوله السلطة وتعود إليه في مشهد عاطفي مؤثر.
محمود بن محمود الذي اشتهر بأعماله الوثائقية عن الأقليات الدينية
والعرقية في تونس وعن بايات تونس والموسيقى الصوفية، لم يتخلّ في شريطه
الجديد عن النزعة الوثائقية ولا عن شعريته العالية في بناء الشخصيات ولا في
المشاهد التي تطغى عليها الظلال.
في العمق، يتناول الشريط الحصار الذي عاشته «الرابطة التونسية للدفاع
عن حقوق الإنسان» في السنوات العشر الأخيرة لحكم بن علي عندما منعت من عقد
مؤتمرها وحوصرت مقارّها واضطر عدد من مناضليها إلى مغادرة البلاد. لكن قسوة
الرقابة لم تكن ستسمح بتصوير الشريط ولا بتمويله، فاعتمد بن محمود التمويه
واختار حقبة السبعينيات ليمرر رسالته.
الشريط جسّد دوره الرئيسي أحمد الحفيان الممثل التونسي المقيم في روما
والمعروف اليوم في السينما الإيطالية مع الممثلة الشابة لبنى مليكة التي
عرفها الجمهور التونسي والعربي في أعمال الفاضل الجعايبي كـ«جنون» و«خمسون»
و«يحيا يعيش». هذا الفيلم هو آخر شريط يصوّر في العهد السابق؛ إذ انتهى
التصوير قبل فرار بن علي، وصوِّر جزء منه في منطقة الحوض المنجمي التي
انطلقت فيها الاحتجاجات الاجتماعية سنة ٢٠٠٨ لتنتهي في سيدي بوزيد في ١٧
كانون الأول (ديسمبر) 2010 مع سقوط النظام وإعلان تونس منطلقاً للثورات
العربية التي ما زال الجدل بشأنها لم ينته حتى اليوم!
الأخبار اللبنانية في
24/09/2012
هادي زكاك: وطن الـ«مارسيدس»
فريد قمر
ليس مبالغة القول إنّ هادي زكاك (الصورة) أحد أفضل المخرجين
اللبنانيين في صناعة الأفلام الوثائقية. حتى الأمس القريب، كانت أفلامه
تتسم بالموضوعية وتقارب المواضيع مقاربة عميقة وشاملة. غير أنّ انحيازه إلى
المضمون الوثائقي كان يشدنا إلى الأفكار أكثر من النواحي الفنية رغم
جودتها. هذا الوصف لا ينطبق على فيلمه «مارسيدس» الذي يعرض حالياً ضمن
فعاليات «المهرجان الدولي للسينما الوثائقية» في كوريا الجنوبية.
«حرب السلام»، «درس في التاريخ»، «أصداء شيعية»... أعمال وثائقية
أفرزت مخرجاً مؤهلاً لكتابة تاريخ لبنان وحروبه الكثيرة. لكن في «مارسيدس»،
يقدم زكاك نفسه مخرجاً ممسكاً بمفاتيح السينما الوثائقية، قابضاً على
العناصر الكفيلة بجعل فيلمه منتجاً فنياً خالصاً. هو شريط صامت يستغني عن
الحوار والشهادات في لعبة فانتازية تتخذ من المارسيدس محوراً لكتابة تاريخ
لبنان.
هذه السيارة الفخمة هي نفسها سيارة التاكسي الشعبية، وهي نفسها القاسم
المشترك بين الفقراء من جهة والزعماء وعناصر الميليشيات من جهة أخرى. هي
البطلة المطلقة للفيلم بطرازاتها كافة، تنتفض، تعشق، تمارس الجنس قبل أن
تصيبها شظايا الحرب ويأكلها الصدأ. يبدأ الفيلم منذ نهاية الخمسينيات
ومرحلة الرخاء الاقتصادي الذي عرفه لبنان وصولاً إلى الحرب الأولى وانحدار
السيارة لتصبح سيارة العامة. يكتب فصول تلك الحرب بملاحقته لعائلة
المارسيدس الألمانية في تحولاتها. عبرها، يتحدث عن تقسيم بيروت والاجتياح
وعدوان تموز، والتحرير والإعمار (بحجّته تدمرت بيروت مجدداً وفق ما يصوّر
الفيلم التأريخي)، وصولاً إلى الاغتيالات السياسية التي أعادت تصفير الزمن
لتطلقه صراعات جديدة. ينسج علاقة عاطفية بين المشاهد والسيارة بعد منحها كل
عناصر الأنسنة، معتمداً على كادرات الكاميرا التي جعلت الفيلم تحفة تجمع
بين الفكر ونقد الحرب والنوستالجيا التي تمثلها السيارة. أصرّ زكاك على بثّ
كمّ هائل من أرشيف الحرب، ما يعكس عدم استهتاره بالمضمون على حساب الفكرة.
أراد فيلمه صامتاً، واستعاض عن الحوار بالنصوص المكتوبة التي تقطع الفيلم
وتحدد إطاره الزمني. نصوص لا تخلو من الطرافة، كوميديا سوداء تضحك المشاهد
بقدر ما تبكيه.
«مارسيدس» يستحق دخول المكتبة السينمائية من باب الأفلام المشغولة بفن
وذكاء. لكن المعضلة تبقى: هل يتعظ اللبنانيون حقاً؟ يبدو أنّ العقول لا
تزال كـ«مارسيدس» زكاك... صدئة.
الأخبار اللبنانية في
24/09/2012 |