حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بعد مقابلته للرئيس ضمن وفد الفنانين والمثقفين

حسين فهمي لـ «النهار»: مرسي أكد لنا أهمية دور الفن وحرية الإبداع

القاهرة - أحمد الجندي

 

أكد الفنان حسين فهمي على السعادة البالغة وحالة التفاؤل الشديدة التي شعر بها بعد لقائه ضمن وفد الفنانين والمثقفين المصريين مع الرئيس محمد مرسي والذي تم منذ أيام قليلة في قصر الاتحادية وبناء على دعوة من الرئيس نفسه.

فهمي قال في تصريحات خاصة لـ «النهار»: إنه شعر بارتياح شديد بعد المناقشات التي جرت بين وفد الفنانين والرئيس والتي اتسمت بالصراحة المطلقة من جانب الطرفين، وأضاف: اتسم حديث الرئيس بإيجابية شديدة وهو يتحدث عن دور الفن والثقافة في بناء مصر الحديثة خلال المرحلة الحالية والمقبلة، وعن حرية الإبداع التي لابد وأن تتاح كاملة وغير منقوصة أمام المبدعين لذلك شعرت بحالة من الاطمئنان على الفن وحرية الإبداع واعتبر هذا اللقاء هو خير رد على من يقللون من أهمية الفن ومن قدر الفنانين والمبدعين.

وعن الهجوم الشرس الذي تعرض له عدد من الفنانين من جانب عناصر من التيارات الدينية المتشددة والتي وصل الهجوم في بعضها إلى حد السباب والخوض في الأعراض بشكل لم يسبق له مثيل وبقسوة بالغة، قال حسين فهمي: لا شك أن ما حدث مؤخراً من هجوم ضار وعنيف من جانب بعض هذه العناصر المتشددة ضد عدد من الزملاء والزميلات كان شيئاً خطيراً وبالغ القسوة وشعرنا معه كفنانين وكمثقفين بحالة من الضيق الشديد والاعتراض على هذه الأساليب والممارسات المهنية للفن والفنان وطالبنا بضرورة أن تواجه هذه الممارسات والإساءات بقوة وحزم من خلال القانون والمحاكم حتى ينال المخطئ والمتجاوز عقابه ونحن كفنانين لن نسكت بعد اليوم على أي إهانة لنا أو للإبداع الذي نقدمه وسندافع عن أنفسنا وعن إبداعنا وعن المهنة الراقية المحترمة التي نمارسها.

وأوضح فهمي أن هناك بعض التيارات والأشخاص الذين يرغبون في أن يعيدونا ويرجعونا إلى عصور الظلمات في الوقت الذي يندفع فيه العالم من حولنا نحو مزيد من النور والعلم والحرية، لذلك لابد أن نواجه هذه الهجمة على الفن والإبداع بكل قوة ومن خلال الدولة ممثلة في كل أجهزتها ومؤسساتها الفنية والثقافية بل ومن خلال أكبر مؤسساتها الحاكمة حتى لا تفقد مصر واحدة من أهم وجهاتها الحضارية، وإذا كان البعض وهم قلة يريدون أن يعيدوا هذا الوطن للخلف وإلى عصور التخلف فيجب أن يعلم الجميع أننا لابد أن نكون أكثر قدرة على أن نصدر للعالم من حولنا علماً وثقافة وإبداعاً, حيث كانت مصر وعبر تاريخها الطويل منوطة بهذا الدور ويجب أن تظل كذلك ولا تتراجع.

وعن دور الفنان السياسي الذي أصبح ينادي بل ويطالب به عدد غير قليل من الفنانين والمثقفين، قال: مصر تعيش الآن مرحلة مهمة في تاريخها، مرحلة ميلاد ديموقراطي لابد أن نشارك فيها جميعاً بغض النظر عن انتماءاتنا وتوجهاتنا ولابد أن تكون هذه المشاركة إيجابية بحيث تكون مصلحة مصر هي الأساس في كل تحركاتنا من هنا إذا كان دور الفنان قاصراً على فنه وإبداعه فلابد من أن يكون هذا الإبداع حقيقياً ومستنيراً ويضيف للفنان وللفن, وأيضاً لابد أن يشارك الفنان - سواء بفنه أو بمواقفه - في قضايا بلده على كل المستويات، سواء المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي من خلال نشر الوعي بين أبناء وطنه.

وعن حالة الارتباك السياسي والانقسامات السياسية على الساحة في مصر حالياً، أكد فهمي على أن مصر تعيش أول تجربة ديموقراطية وبشكل حقيقي ربما لأول مرة في تاريخها، وما يحدث حالياً من ارتباك وانقسامات شيء طبيعي لكن بمرور الوقت وعندما نعتاد على الديموقراطية وتتعمق ممارستنا لها ويزداد فهمنا لطبيعتها سوف تسير الأمور للأفضل وسيكون لمصر فضل السبق في تكوين أول مجتمع ديموقراطي حقيقي في محيطها العربي والإقليمي.

وحول تأثر الفن والدراما بالمناخ السياسي العام أشار فهمي إلى أن الدراما السياسية التي عاشتها مصر خلال الفترة الأخيرة كانت بالغة الإثارة والتشويق، لذلك أرى أن الدراما الفنية مهما كانت قيمتها لم تتمكن من مجاراة الواقع السياسي والاجتماعي الذي عاشته مصر مؤخراً بكل تداعياته وبكل إحداثياته، وربما بعد أن تستقر الأوضاع وتتضح الصورة بشكل أكبر يمكن للفن والدراما أن يحاكي ما حدث وأن يكون معبراً عنه بشكل أكبر وأكثر مصداقية.

النهار الكويتية في

20/09/2012

 

بمهرجان الأقصر..

باسم سمرة فى ندوة فيلم "بعد الموقعة":

أهل نزلة السمان ليسوا بلطجية

الأقصر ـ جمال عبد الناصر 

عرض ضمن فاعليات مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوربية فيلم "بعد الموقعة" فى أول عرض له فى مصر، وذلك بحضور أبطال الفيلم باسم سمرة، وناهد السباعى، وأعقب العرض ندوة شارك فيها النقاد والجمهور فى حوار مفتوح مع الأبطال أدارها الناقد طارق الشناوى.

وقال باسم سمرة :إن الفيلم تم تصويره فى ستة أشهر بعد الثورة، وكان يعتمد على الارتجال ، ومعايشة الشخصيات الحقيقية التى شاركت فى بطولة الفيلم، مضيفا أن أهل نزلة السمان رجال سياحة ، ويتعاملون مع طبقات كثيرة ، وسائحين من كل دول العالم ، وليسوا بلطجية ، والفيلم يعرض وجهة نظرهم بعد موقعة الجمل ، وأنه سعيد بعرض الفيلم تجاريا فى مصر ، وينتظر رد الفعل، خاصة أن التجربة جديدة.

كما قالت ناهد السباعى إن الشخصية التى قدمتها مختلفة تماما "فهى امرأة بسيطة، وأن السيدات فى نزلة السمان ساعدوها كثيرا، ورحبوا بها، هم شخصيات بسيطة ، وطيبة ، وأنها كانت تسال دائما عن الشخصية التى قدمتها والكثير كان يستغرب علاقتها بالمرأة التى أحبت زوجها، مؤكدة أنها غفرت لها حبها لزوجها ، لأنها هى شخصيا أحبتها بعد تقديمها المساعدة لها هى وأسرتها" ، وأكدت أن تجربة الارتجال كانت جديدة عليها وأن المخرج يسرى نصر الله كان يجتمع بأهل النزلة ويقابل فيها كل الأعمار ليتعرف على آرائهم.

كما رحب الجمهور بالفيلم، وأكد أن تجربة جديدة ، مزج بالسينما التسجيلية ، وأنهم يعرفون معاناة أهل النزلة لأن السياحة فى وقت الثورة توقفت تماما .

فى ندوة السينما البريطانية..

منتج "صيد السلمون فى اليمن":بريطانيا تدعم السينما و"واكد" ممثل ذكى

الأقصر ـ جمال عبد الناصر 

أقامت مساء أمس الأربعاء، إدارة مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية فى قصر ثقافة بهاء طاهر ندوة بعنوان "السينما البريطانية"، بحضور المنتج البريطانى بول وبستر، ورئيسة المهرجان د. ماجدة واصف والأديب بهاء طاهر، وعدد كبير من النقاد والصحفيين.

ناقشت الندوة السينما البريطانية وإنتاجها السينمائى، وقال المنتج البريطانى بول وبستر: "إنه سعيد بوجوده فى بيت الأدباء، واستعرض مشواره السينمائى، وأنه أسس منذ 1928 شركة مستقلة للإنتاج"، مؤكداً أن هناك فرقاً بين المنتج المنفذ والمنتج الفنى، وأن بريطانيا تدعم السينما، وجزء كبير من أموال الروتارى تذهب لدعم صناعة السينما، والإنتاج السينمائى فى بريطانيا وصل إلى 160 فيلما فى العام.

وتحدث عن الدعم وأهميته لصناعة السينما، واستثمار الأموال فى إنتاج الأفلام، كما تحدث عن أحد أهم أعماله فيلم "صيد السلمون فى اليمن"، وأهميته كرسالة وتقديمه لشخصية المسلم بشكل إيجابى، التى غالبا ما تقدم بشكل سيئ فى هوليود.

وعن اختيارة للفنان المصرى عمرو واكد للمشاركة فى بطولة الفيلم قال: "إن عمرو ممثل ذكى جدا، ويجيد اللغة الإنجليزية"، وأضاف أن عمر الشريف كان مرشحا لأداء الشخصية لأنها كانت فى البداية لشيخ يمنى كبير فى السن، ولكن مع الانتهاء من كتابة الفيلم قررنا أن تكون الشخصية صغيرة فى السن تقريبا فى الثلاثينات، وبحث كثيراً عن ممثل جيد ويجيد الإنجليزية، وقام بعدد كبير من الاختبارات حتى شاهد ثلاثة أفلام لعمرو واكد فوقع الاختيار عليه".

وعن توزيع الفيلم البريطانى والأوروبى، قال إن الفيلم الأمريكى مسيطر بشكل كبير، وسوق الأفلام الأوروبية ليس بحجمه، وأكد أن فيلم "صيد السلمون" عرض فى 4 دول عربية، وسيعرض فى مصر خلال الشهور القادمة، واتفقت مع عمرو واكد على توزيعه.

وعن التجربة العربية البريطانية قال: "كنت أتمنى أن يكون إنتاج الفيلم مشتركا بين بريطانيا ودولة عربية، وقمنا بتصوير مشاهد الصحراء فى المغرب، والمشاهد الداخلية فى إنجلترا".

وعن التصوير فى مصر قال: "بالتأكيد إذا كان هناك فيلم يتطلب التصوير فى القاهرة، فمن المؤكد أنها ستكون مكان التصوير، والمنتج دائما يبحث عن مصلحة فيلمه".

وفى إجابته عن سؤال للأديب بهاء طاهر عن الأعمال الأدبية التى تتحول لسينمائية، قال إنه قام بتحويل رواية "آنا كارنينا" إلى فيلم، وعرض الأسبوع الماضى فى أول عرض عالمى له فى مهرجان تورنتو، والأعمال الأدبية صعبة جدا، خاصة حين تحول رواية 900 صفحة لفيلم"، وأضاف أنه تجاوز فى السيناريو أجزاء كبيرة تتعلق بالدولة الروسية، وركزت على التأمل فى الحب.

وأشار إلى أنه شاهد بعض الأفلام الكلاسيكية، ولم يشاهد الأفلام الحديثة، وشاهد بالأمس فيلم "بعد الموقعة" مؤكدا أنه يستحق التقدير، رغم وجود بعض المشاكل فيه، متمنيا أن تدعم الدولة السينما المصرية

على هامش مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية وعرض "غرام فى الكرنك"

محمود رضا: إنتاج فيلم استعراضى الآن صعب وفريدة فهمى: لم يتم تكريمى

الأقصر ـ جمال عبد الناصر 

احتفلت إدارة مهرجان الأقصر بعرض فيلم "غرام فى الكرنك" أمس الأربعاء، ضمن برنامج "سينما الهواء الطلق"، بحضور أبطالة الفنانة الاستعراضية فريدة فهمى والفنان محمود رضا فى نادى التجديف بمحافظة الأقصر.

وقالت فريدة فهمى "إنها سعيدة بإقامة المهرجانات فى الأقصر، وهذا أول تكريم لها وللفيلم، مؤكدة أنها لم يتم تكريمها من سنوات"، وأضافت أنها تشعر بسعادة كبيرة، خاصة أن دعوة المهرجان أعادت لها ذكريات جميلة لهذا المكان والمدينة الساحرة، وتشعر أنها ستشاهد الفيلم للمرة الأولى.

وقال الفنان محمود رضا: "إن إقامة المهرجان شىء مهم جداً، وإن هذا الحدث خطوة مهمة، رغم أنها جاءت متأخرة، فالسينما من أهم العوامل التى تساعد فى ترويج السياحة"، مؤكداً أن ميزانية فيلم "غرام فى الكرنك" كانت 120 ألف جنيه، والدولة المتمثلة فى مؤسسة السينما تبنت الفكرة، وهو ما يجب على الدولة القيام به الآن بتدعيم صناعة السينما".

وعن غياب الفيلم الاستعراضى قال: "هذا النوع يحتاج لمجهود كبير وتجهيزات، وإنتاج ضخم، وسبب نجاحنا أن المخرج على رضا كان مهتماً بتسجيل تاريخ الفرقة من خلال السينما، وكان محقا فالسينما هى ذاكرة التاريخ".

كما طلب محافظ الأقصر د. عزت سعد من فريدة فهمى ومحمود رضا البقاء فى الأقصر حتى نهاية المهرجان.

فى مواجهة الأقلية المتعصبة والمتطرفة..

بيان لـ100 فنان مصرى وعالمى من الأقصر يدعم حرية التعبير والإبداع

الأقصر ـ جمال عبد الناصر 

أصدر المشاركون فى مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية بيانا أكدوا فيه تضامنهم مع حرية التعبير والإبداع، واستيائهم من محاولات أقلية متعصبة ومتطرفة الحد منها.

جاء فى البيان: يعرب فنانون وأدباء وسينمائيون من مصر وشتى البلدان الأوروبية عن سعادتهم بتدشين فعاليات دورته الأولى على أرض عاصمة الحضارات وأيقونة المدائن، الأقصر، التى تواصل دورها الحضارى كبؤرة إشعاع للحق والخير والجمال، والتى تتطلع لأن تكون منبراً ديمقراطياً للحوار الخلاق بين الثقافات والمبدعين من الشمال والجنوب.

وإلى جانب الإحساس بالفخر، يشعر المشاركون فى المهرجان بقلق شديد من تصاعد الحملات التى يتم شنها ضد الفنانين والمبدعين المصريين فى الآونة الأخيرة، والتى وصلت إلى مستويات غير مسبوقة فى ازدرائها للفن والثقافة والإبداع، وتربصها بحرية التعبير، حيث وصل الحال إلى إهانة بعض المتطرفين للحضارة المصرية العتيقة ذاتها، ووصفها بأنها حضارة "عفنة"، كما طالب بعضهم بطمس التماثيل الفرعونية التى هى إرث للحضارة البشرية بأسرها، ولم يوجه هؤلاء سهامهم المسمومة إلى الماضى فحسب بل طعنوا بها الحاضر أيضاً، حتى وقف فنانون كبار – بقامة عادل إمام - خلف القضبان ليحاكموا بتهمة ازدراء الأديان ليس على مواقف فكرية أو سياسية اتخذوها، وإنما لأدوار مثلوها على شاشة السينما.

كما تابع المشاركون بالمهرجان بقلق وقائع مزعجة للعودة إلى سياسة إغلاق الفضائيات ومصادرة الصحف ومنع مقالات كتاب بالصحف القومية، واستمرار فرض الهيمنة الحكومية على الإعلام عموماً، وفرض وصاية مجلس الشورى على الصحافة القومية، فضلاً عن القيام بحملات شرسة لتشويه الأدباء والفنانين وإرهابهم والتشهير بهم وتلويث سمعتهم.. بل وتكفيرهم مثلما حدث من إساءة وقحة للتراث العظيم لأديب مصر والعرب نجيب محفوظ، ووصف أدبه بأنه أدب الدعارة والانحلال، ومثلما حدث مؤخراً من حملات تشهير بذيئة بالفنانة إلهام شاهين على سبيل المثال لا الحصر. كل هذا تم بالتوازى مع محاولة خطف صياغة دستور الثورة العظمية والاستئثار به وفرض قيود باسم الدين على الإبداع وحرية التعبير فى بعض مداولات الجمعية التأسيسية المنوط بها كتابة الدستور.

لذلك كله يهيب المشاركون فى مهرجان الأقصر بكل من يعنيه الأمر التصدى لهذه الاعتداءات التى تستهدف طمس الهوية المصرية، وتجريدها من عناصر السماحة والاعتدال المتأصلة فيها منذ فجر الحضارة المصرية القديمة التى كانت بحق فجر ضمير الإنسانية.

كما يناشد المشاركون، المصريين المستنيرين – مسلمين ومسيحيين - أن يقفوا إلى جانب حرية التعبير والإبداع فى مواجهة الأقلية المتعصبة والمتطرفة من بعض فصائل تيار الإسلام السياسى التى تسىء للدين الإسلامى الحنيف بمواقفها المنحازة للاستبداد. كما تطالب رئيس الجمهورية القيام بواجباته الدستورية للوقف الفورى لحملات الكراهية للفن والفنانين الذين يمثلون أحد أهم مكونات القوة الناعمة للبلاد، كما يمثلون مصدر إشعاع لمصر والعالم بأسره. ويؤكد المشاركون فى المهرجان على أن مثل هذه السياسات والممارسات السلبية إذا كانت تمثل فى حد ذاتها عدواناً فظاً وغير مقبول على حرية التعبير والإبداع فى كل الأوقات، فإنها تمثل الآن بالذات نكسة خطيرة إذا ما وضعنا فى الاعتبار أنها تأتى فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير المجيدة التى كان الفنانون والمبدعون فى طليعتها، والتى كانت الحريات العامة والخاصة والعدالة الاجتماعية أحد مطالبها.

ويطالب المشاركون فى المهرجان كل القوى الديموقراطية فى مصر والعالم بالتضامن مع مبدعيها المصريين دفاعاً عن حقهم فى الإبداع بحرية واستقلال وأمان.

المتضامنون مع إعلان الأقصر يصل عددهم إلى أكثر من 100 فنان منهم الأديب بهاء طاهر والناقدة الدكتورة ماجدة واصف والدكتور محمد كامل القليوبى والكاتب سعد هجرس والمخرج داوود عبد السيد والكاتب الصحفى جمال زايدة والإعلامية سلمى الشماع والفنانات ليلى علوى وإلهام شاهين والفنانون خالد أبوالنجا وعمرو واكد ومحمود رضا وفريدة فهمى والناقد السينمائى يوسف شريف زرق الله والمخرج سمير سيف والسيناريست مريم ناعوم، وعدد من السينمائيين الأجانب على رأسهم المنتج البريطانى بول وبستر والمنتج السينمائى الفرنسى جاك بيدو والناقدة السينمائية الألمانية باربارا لورى والمخرجة وكاتبة السيناريو البرتغالية تيريرا فيلافيردى والمخرج الكرواتى برانكو شميدت والناقد والمؤرخ السينمائى الفرنسى جاك كيرمابون والناقد السينمائى والمستشرق أناتولى شاخوف، بالإضافة لعدد آخر من السينمائيين والنقاد مثل طارق الشناوى ووديد شكرى وكريمة كمال وأمل الجمل وماجدة موريس وفايز غالى وشريف شحاتة، وعدد آخر أيضا من الضيوف الأجانب والسينمائيين منهم

 Dan Chisu و Nadhira Mohamed و Barbara Loreyو Elias Demetriou و Pedro Perez Rosado و Zaida Bergrothو Andrijana Stojkovic و Ivan Djordjevicو Sergio Trefaut وJacques Bidou و Jacques Kermabonو Branko Schmidtو Mariam Naoum و Ariane Ascaride و Teresa Villaverdeو Anatoly Shakhov و Nadhira Mohamed و Isabelle Seigneur.

اليوم السابع المصرية في

20/09/2012

 

The Golden Cage

مرآة الثورة الإيرانية  

تستهل شيرين عبادي كتابها The Golden Cage بعبارة للمفكر الإيراني الغني عن التعريف علي شريعتي: «إن كنت لا تستطيع رفع الظلم، فأخبر عنه الجميع على الأقل». لطالما كانت شيرين عبادي مميزة. فهي محامية إيرانية تُدافع عن حقوق الإنسان، خصوصاً الأطفال والنساء والسجناء السياسيين. نالت عام 2003 جائزة نوبل للسلام، فكانت أول امرأة مسلمة وأول شخصية إيرانية تُمنح هذه الجائزة.

في كتابها The Golden Cage: Three Brothers, Three Choices, One Destiny (القفص الذهبي: ثلاثة إخوة، ثلاثة خيارات، مصير واحد) تروي عبادي قصة الثورة الإيرانية من خلال حياة ثلاثة إخوة: الأول من أتباع الشاه والثاني من أنصار مبدأ الفوضى والثالث إسلامي ثوري. تنجح عبادي في روايتها هذه في سرد الأحداث التاريخية التي مرّت بها إيران وتداعياتها على حاضرنا. إليكم مقتطفاً منها:

قلتُ لسائقي: «انتظر هنا. سأعود قريباً».

تفقدتُ مرآة الرؤية الخلفية للتأكد من أن شعري كان لا يزال مغطّى بالوشاح، لكن ما كنتُ بحاجة إلى فعل ذلك: وسط ذلك الطقس الحار، كان النسيج ملتصقاً بجبيني. فور خروجي من السيارة، هبّ هواء الصحراء الحار في وجهي وكأنه هواء فرن ساخن. كنا في منتصف شهر أغسطس وكانت الرطوبة لا تُحتمَل. خلال جزء من الثانية، أردتُ أن أعود إلى حيث مكيّف الهواء. لكني لم أكن أستطيع فعل ذلك، بل كان من السخافة أن أفكر بالأمر. رفعتُ شريط حقيبة اليد على كتفي ومشيتُ بخطوات سريعة. مررتُ بالقرب من المقابر الهندية والبهائية القديمة واقتربت من حشد الناس.

بالنسبة إلى هؤلاء الناس، لم يكن المشهد غريباً: مساحة عشوائية من العشب والتراب من دون وجود أي سياج في الجوار. لقد دُفنت هنا جثث آلاف المعارضين السياسيين الذين سُحقوا تحت أقدام قوات «الباسدران» وقد تكدّست الجثث فوق بعضها. حُرم هؤلاء من جنازة لائقة ولم يُدفَنوا في مقابر المسلمين. لقد كانوا معادين للحرس الثوري. «هم لا يستحقون أي مراسم تأبين. إذا كنتم محظوظين، قد يخبرونكم بمكان الجثة». هذا ما كان يسمعه أفراد العائلات. تم اكتشاف القتلى بعد أسابيع، أو حتى أشهر، من الصمت والشكوك والغياب. هذا ما حصل لجواد.

ذهبتُ إلى هناك لأجله مع أنني لم أعلم طوال سنوات السبب الذي جعله عزيزاً على قلبي. ينطبق هذا الأمر عليه وعلى بقية جيلنا المدمّر الذي تمزق بفعل المعارك الإيديولوجية على روح بلادي طوال نصف قرن. لقد تحولت بلاد فارس النبيلة إلى إيران التعيسة! في ذلك اليوم الخانق، ذهبتُ إلى ذلك المكان من أجل جواد بعد أن فرّقني عنه الزمن. كنتُ هناك أيضاً لأجل باري وعباس وعلي وجميع الأشخاص الآخرين العزيزين على قلبي. كنتُ هناك للتعويض عن سنوات الجهل والابتعاد ولمحو كلمات الكره وترميم كلمات أخرى تعكس حقيقة صداقاتنا القديمة.

انضممتُ إلى مجموعة كبيرة من النساء. كنّ يمشين ببطء ويأتين من جميع الاتجاهات وكأنهن يشاركن في حركة نزوح (كانت الأمهات والزوجات والشقيقات يحملن القرنفل أو وروداً حمراء). كانت تعابير وجوههنّ متجهّمة ولكن من دون دموع. عندما يموت الناس بالطريقة التي مات فيها أبناؤهنّ فلا يمكن ممارسة طقوس الحداد فعلياً إلا في المنزل.

تعرّفتُ إلى امرأة كان يدعوها الجميع «الأم»، وهي كانت المتحدثة التي تعبّر عن أحزان الجميع. شقّت طريقها وسط الحشود وكان شعرها الأبيض واضحاً من تحت الوشاح. كان عمرها يناهز السبعين عاماً. كان ابنها مهندساً درس في الولايات المتحدة وقد دُفن في مكانٍ ما من منطقة خاوران.

رفعت «الأم» ذراعها ببطء وبدأت تتكلم. توقف صوت الهمسات فوراً.

قالت «الأم»: «نحن هنا اليوم لنتذكر. نعلم أن الدم لا يستطيع غسل الدم. نحن نساء ولسنا مقاتلين ضمن عصابات. نحن زوجات وأمهات وبنات وشقيقات وقد شهدنا ما يكفي من أعمال العنف حتى الآن. لن يساهم قتل القتلة في عودة الضحايا إلى الحياة».

«اصمتوا يا كفّار! لم يكونوا ضحايا بل كانوا خونة معادين للحرس الثوري وهم يستحقون الموت!»،

ترددت أصداء هذا الصوت في الجو. بحثتُ عن المرأة التي تكلمت. كانت ترتدي نقاباً أسود يغطي جسدها كله من رأسها حتى أخمص قدميها.

أحاط بنا رجال ونساء من القوات التي هاجمت التظاهرات العامة وفرّقتها، وبدا وكأنها كانت مستعدة للتحرك مجدداً.

تلاصقنا لحماية أنفسنا وكانت أكتافنا متراصة وما كنا نعلم ما يجب فعله. تذكرتُ ما قالته والدتي عندما غادرتُ المنزل: «شيرين لا تذهبي. الوضع خطير». خطر ببالي أنها قد تكون في السنة المقبلة واحدة من النساء الواقفات على الرمال الدامية في خاوران لإحياء ذكرى ابنتها.

قامت القوات برفع السلاسل والخناجر في الهواء وكأنها تلقّت أمراً صامتاً. كانت تستعد للهجوم. ثم ساد صمت عميق وفاحت رائحة خوفنا في الأجواء.

أطلقت القوات هجومها في محيط التجمّع، فتفرّقت الحشود. ركضت النساء في جميع الاتجاهات. عمد أصحاب «اللباس الشخصي» (عملاء النظام الذين يرتدون لباساً مدنياً) إلى اعتقال الرجال القلائل الذين شاركوا في التجمع فوراً. فضربوهم على ظهرهم بالعصي وصرخوا: «يجب أن يكون هذا الهجوم كفيلاً بإنهاء تظاهراتكم الخائنة. أبناؤكم لا يستحقون أي مراسم تأبين. لقد كانوا أعداء الله وإيران. كان يجب أن تفكروا بذلك حين كانت الفرصة سانحة. كان يجب أن تعلّموهم القيم الصحيحة. أنتم مسؤولون عن موتهم!». جرّت قوات «اللباس الشخصي» ضحاياها شبه المغمى عليهم فرُسمت على الرمال خطوط رفيعة من الدماء. كذلك، انبطحت النساء ذات الشعر الأبيض على الأرض.

نجحت إحدى النساء اللواتي يرتدين النقاب في ضرب «الأم» على جبينها بحجر. عند رؤية الدم، ثارت حفيظة «الأم» وركضت بشكل هستيري مع أنها كانت مصابة. بدا وكأن جميع حجارة الصحراء ما كانت تستطيع ردعها. حذت نساء أخريات حذوها. كان يستحيل وقف «الأم».

علا صوت الحجارة التي تم رشقها عليها. فصرخت «جبناء!» وهي تنظر أمامها مباشرةً.

لم أتمكن شخصياً من التقدم ولو لخطوة. شعرتُ بالشلل أمام مشهد العنف السريالي. دفعتني امرأة أخرى جانباً. لن أعرف مطلقاً ما إذا كانت تريد مساعدتي أو أنها كانت تحاول إزاحتي من طريقها. لكنّ تلك الدفعة كانت كفيلة بإرجاعي إلى الواقع. بدأتُ أركض وأتبع نساء لا أعرفهنّ. وسط تلك المعمعة، رأيتُ وجوه نساء ضعيفات وسمعتُ أصوات السلاسل المعدنية وشممتُ رائحة الدم. كانت «الأم» تصرخ في تلك اللحظات: «جبناء!». لكن سرعان ما تلاشى صوتها بسبب بُعد المسافة.

تعثرتُ وسقطتُ ثم نهضتُ. كنت أتوقع سحقي أو دهسي في أي لحظة. أو كنت أتوقع السقوط تحت أقدام الحشود التي يصعب التمييز فيها بين الأصدقاء والأعداء. كاد قلبي يقفز من صدري وكان صوت نبضاته يتردد في عقلي ويشوّش جميع أفكاري. كنت أركض وألهث. وإذا برجلٍ يمسك ذراعي فركلته من دون وعي.

لكنه قال لي: «سيدة عبادي؟ هذا أنا».

كان الرجل سائقي. سحبني إلى السيارة وقاد بسرعة فائقة. كنتُ أشعر بالإرهاق فجفّفتُ العرق الذي كان يزعج عيني وحاولت تهدئة نفسي. شعرتُ بالبرد للمرة الأولى، فنظرتُ نحو الأسفل وأدركتُ أنني فقدت وشاحي حين كنت أهرب. رفعتُ إحدى قدماي نحو ركبتي فكان أخمص قدمي مخدوشاً وينزف. شاهدتُ سقوط قطرة دم سميكة على السجادة وشعرتُ بألم الجروح في تلك اللحظة فحسب.

صداقات قديمة

أول ما أتذكره هو رائحة الشاي داخل إبريق وُضع فوق موقدٍ ما كنتُ طويلة بما يكفي لأبلغه. ثم أتذكر أن الماء كانت تغلي في إبريق الشاي العريض وكانت يدا سيمين تُخرج سريعاً الإبريق الأصغر من الخزانة فوق رأسي وتقول: « تحركي يا شيرين. ستجعلينني أوقع شيئاً».

امتدّت أيادٍ أخرى لتدفعني جانباً كي أبتعد بينما فتحت سيمين علبة الشاي (كانت تستعمل الأطراف فقط وهي أفضل جزء من النبتة). وضعت بضع ملاعق صغيرة قبل سكب الماء المغلية. راقبتُ ما يحصل بذهول فيما كانت رائحة النقيع العَطِر تنتشر في الجو. وضعت سيمين الإبريق الصغير بحذر فوق الإبريق الأكبر حجماً الذي كان نصفه مليئاً بالماء. كانت النار مشتعلة تحته.

كانت باري تقول لي دوماً: «يجب ألا تدعيه يغلي».

كانت يدا سيمين وصوت باري ورائحة الشاي وجدران المطبخ البيضاء بلون الحليب أشبه بشرنقة دافئة تغلّف ذكريات طفولتي.

لقد نشأتُ مع باري وأشقائها. كانت والدتانا صديقتين مقربتين منذ أن كانتا في الخامسة أو السادسة من العمر. في تلك الفترة، كانتا تعيشان في منطقة حمدان، وهي مدينة في شمال غرب إيران حملت سابقاً اسم «اكباتانا»، عاصمة البلد. كانت تلك الصداقة تعود إلى أيام الطفولة وقد بدأت نتيجة قبضة من حلويات اللوز، لكنها صمدت على رغم السنوات المضطربة خلال مراحل الطفولة والمراهقة والزواج والانتقال إلى أماكن أخرى. فضلاً عن ذلك، تزوجت سيمين في سن صغيرة جداً من حسين (تاجر في البازار في طهران)، لكنهما بقيتا على تواصل. تبادلت المرأتان الرسائل على رغم بُعد المسافات، وكانت تشمل يوميات شخصية وتكشف أسراراً مشتركة وتذكر وصفات طعام وتستعيد الذكريات. عام 1948، عندما انتقلت والدتي (هي متزوجة الآن ولديها أولاد) إلى العاصمة، ساهمت الصداقة بين المرأتين، كما يحدث في أغلب الحالات، في توثيق الرابط بين العائلتين.

كان والدي محمد علي يشعر بالراحة حين يمضي الوقت مع حسين الذي كان لا يكف عن المزاح والضحك لأبسط الأسباب. كانا يتبنيان فلسفتين متعارضتين في الحياة: كان والدي رجلاً متطلباً ومناضلاً بطبيعته، وكان يعمل في مجال القانون بطريقة متفانية وجدية لدرجة أن البعض كان يعتبره بارداً، لكنه كان ببساطة يعشق العدالة. لقد ربى كل واحد من أبنائه الأربعة (صبي وثلاث بنات) بناءً على مبدأ المساواة لأنه كان مقتنعاً بأن مبادئ التربية المتساوية واحترام الآخرين يجب أن تبدأ من العائلة. كان متمسكاً بِمُثل قوية وكان يطبقها بصرامة وقد رسخها فينا جميعاً لأنه كان مقتنعاً بأن الجميع يحق لهم المشاركة في الحياة المدنية والسياسية في البلاد مهما كان الثمن.

أما حسين، فكان أكثر تساهلاً مع أنه كان في الوقت نفسه رجلاً صادقاً وصالحاً. ورث متجر سجاد من والده وكان مقره في وسط بازار البلدة وكان يديره مع شقيقه الأصغر نادر. كانت الأعمال جيدة بما يكفي كي توفر لهما راتباً محترماً ولكنها لم تكن كافية لجعلهما ثريين. لو أنهما كانا يتمتعان بروح المغامرة، لتمكّنا من اللحاق بأصحاب المتاجر الإيرانيين الآخرين إلى قطاع تجارة التصدير في اللحظة المناسبة (كان الطلب على السلع الخارجية في أوروبا والولايات المتحدة مرتفعاً جداً آنذاك). لكن كان حسين يحب حياته ويعتبر أوقات فراغه مقدسة. تماماً مثل والدي، سعى إلى تجنب التفريق بين أبنائه، سواء في مجال التربية أو في الطريقة التي اعتمدها لتحضيرهم لمواجهة الحياة في مرحلة الرشد. كان يتمنى طبعاً أن يخلفه الشبّان لإدارة المتجر وكان متأكداً من أن باري ستتزوج وتنجب الأطفال. حاول حسين تلقينهم قيمة التسامح. كان يعرف أشخاصاً كثيرين وكان قد سمع قصصاً سيئة للغاية. لكنه ما كان يستطيع تقبّل خطيئة تراجع الغنى الفكري.

أكثر ما كان يحبه هو التواجد وسط أشخاص آخرين وكان يجسّد هذا الشغف في منزله أيضاً. كان فخوراً بضيافته وبقدرته على إقامة الصداقات بسهولة مع أي نوع من الأشخاص، فكان يدعوهم إلى العشاء ويحب سماع قصص جديدة دوماً. كان الأمر أشبه بالسفر بالنسبة إليه، وكأنه يشم رائحة بلدان بعيدة لم يزرها يوماً. وكانت سيمين تشجعه على ذلك، فكانت تطبخ كميات مفرطة من الطعام، حتى لو كانت لا تنتظر أي ضيوف، لأنها تعلم أن زوجها سيحضر على الأرجح مع ضيف معين سيحصل على فرصة تذوّق طعامها.

ارتبط والدي وحسين، على رغم اختلافاتهما، بعلاقة صداقة هادئة. خلال الأمسيات الطويلة التي كنا نمضيها في منزل تاجر البازار، كانا يحبان الجلوس بعد العشاء على الوسائد المطرّزة المنخفضة تحت نافذة إحدى زوايا الغرفة. كانت الزوجتان تلازمان المطبخ وكان يُمنع على الأولاد مقاطعة أحاديث الوالدين التي كانت تتراوح بين الحياة الشخصية والأفكار الفلسفية. كانا يتحدثان عن السياسة والتضخم وأسعار الجملة والقانون التجاري الذي كان والدي خبيراً فيه. لكن عند التفكير بالأمر الآن، أدرك أن تلك الأحاديث كانت مجرد مرحلة تمهيدية لإطالة فترة الترقب وزيادة متعة أفضل وسيلة ترفيهية بالنسبة إليهما في أوقات الفراغ: لعبة الطاولة. بعد إنهاء حديثهما الصغير، كان حسين يسحب علبة خشبية رائعة صُممت خصيصاً للعبة الطاولة. كان والده قد اقتناها حين كان تاجراً مبتدئاً في شبابه. كانت العلبة تضم تصميم لوحة شطرنج من الخارج وعلامات محفورة في الخشب من الداخل حيث توضع القطع الملونة طبيعياً وتلك المطلية بلون داكن. كان حسين يفتح العلبة بحماس شديد. كانت العلبة تنقسم إلى نصفين وكانت القطع المصقولة بعناية تلمع كالجواهر. كانت تلك الطقوس التي ترافق افتتاح جولة اللعب تدفع والدي إلى التفوه بعبارة الإعجاب نفسها في كل مرة: «لا نرى دائماً أغراضاً جميلة بهذا الشكل!».

في تلك المرحلة فقط، كانا يغوصان في سلسلة لامتناهية من جولات اللعب. طوال ساعات، كان يمكن سماع صوت النرد والقطع التي تصطدم بالخشب أثناء تنقّلها على اللوح، فضلاً عن صوت الرجلين وهما يتمازحان فيحاول كل واحد منهما إحباط معنويات الآخر.

حين يتردد حسين في تحريك أي قطعة، كان والدي يقول: «إذا أردتَ وقتاً إضافياً للتفكير بخطوتك، يمكنني الذهاب لتحضير كوب آخر من الشاي».

فيجيبه حسين: «يبدو أنك تبحث عن عذر للاستسلام لأنك لا تملك أي فرصة للفوز».

بعد تلك السنوات كلها، ما زلتُ أتذكر تلك التصرفات المألوفة التي تطبع أسلوبهما في اللعب وتثبت قوة صداقتهما. كما أنني أحنّ إلى تلك الفترة التي كانت فيها تلك المشاحنات المرحة تشكل الخلافات الوحيدة التي يمكن سماعها بين جدران منزلهم السعيد.

عباس وجواد

سرعان ما تُوّج زواج حسين وسيمين بوصول ابنهما عباس. منذ البداية، كان حيوياً وصحته جيدة. عند ولادته، كان وزنه أكثر من أربعة كيلوغرامات، وكان يركل ويصرخ طوال ساعات، وكان يبكي بصوت عال يفوق جميع الأطفال الآخرين، وكان شعره داكناً وسميكاً على عكس معظم المواليد الجدد. سرعان ما اتضحت سمرته في مرحلة الشباب: للتماشي مع شعره، ترك لحيته تنمو وكانت تترك آثاراً مائلة إلى اللون الأزرق على بشرته السمراء، وكانت لحيته تصبح متشابكة إذا تركها من دون حلاقة لبضعة أيام. كان طويلاً وقوياً (أو حتى قاسياً) وكانت ملامح وجهه تبدو جدية دوماً لأن بشرته كانت بالغة السمرة على الأرجح. كان حسين ينظر إليه بكل فخر وكان يعشق ابنه البكر، وكان عباس يبادله العاطفة نفسها ويبذل قصارى جهده للتشبه بوالده. فقد ورث عنه الاستقامة وحبه العميق للعائلة ولكنه لم يأخذ منه المرح أو حس الفكاهة. أتذكر أنه كان يبدو شخصاً مختلفاً في المناسبات القليلة التي تظهر فيها ابتسامة خجولة على وجهه، فكانت ملامحه القاسية تلين بشكل غير متوقع.

لم يعبّر عباس يوماً عن رغبته بأن يكون له أشقاء وشقيقات كي يعتني بهم ويعلّمهم. واجهت العائلة تجارب عدة من الإجهاض غير الإرادي طوال سبع سنوات وقامت برحلات حج متعددة قبل ولادة الابنة الأولى باري التي أصبحت واحدة من أقرب صديقاتي. ثم في عام 1950، وُلد الابن المنتظر الثاني جواد الذي اعتبرته والدتي دوماً أجمل طفل رأته في حياتها. ولكنه كان أكثر الأطفال عناداً أيضاً بحسب رأي سيمين. لقد حملت جواد في أحشائها بعد مرور أسبوعين على موعد الولادة الأصلي وقد بدا أنه لا يريد الخروج. لكن حين حلّت تلك اللحظة أخيراً، فاز بقلبها حين رأت وجنتيه الورديتين الممتلئتين وخصلة شعره الخفيفة على جبينه.

كان جواد حيوياً ومستقلاً منذ الطفولة وكان فضوله كبيراً ولم يكن يحبذ اللعب مع أطفال آخرين لأنه كان يملّ من ألعابهم. في عمر الرابعة فقط، حين كان حسين يجلس على كرسيه لقراءة الصحيفة، كان جواد يتعلّق بكتفيه ويصغي إلى صوت والده وهو يقرأ كلمات المقالات. فاكتشف فوراً الآلية الخفية وراء تركيب الحروف ونجح خلال بضع سنوات في ترداد الكلمات على مسامع والده قبل أن يتسنى لحسين أن يقرأها بنفسه.

[...] في إحدى الأمسيات، كنت مع باري في غرفتها نتحدث عن مواضيع عصرية مثل الموضة الباريسية الجديدة، فقاطعنا صوت صرخة صادرة من غرفة الجلوس. هرعنا إلى المكان ووجدنا جواد في منتهى السعادة وهو يقف إلى جانب لعبة الطاولة. كان يكفي أن ألقي نظرة على مواقع قطع اللعب وعلى ابتسامة والدي كي أفهم فوراً أن الصبي فاز.

في طريقنا إلى المنزل، كنت لا أصدق ما حصل. فقلتُ لوالدي: «جواد كان سعيداً جداً. كان لطيفاً منك أن تدعه يربح»، فرمقني والدي بنظرة غريبة وقال لي بعد لحظة من التردد: «أنا لم أدعه يربح يا شيرين». ثم أضاف بصوت يوحي بـأنه كان يكلم نفسه: «ذلك الصبي سيحقق الكثير… إذا تمكن من كبح طبيعته المتمردة وإذا كان في العالم عدل، سيحقق الكثير حتماً».

بعد مرور سنوات عدة، أتذكر تلك الليلة الحارة القديمة التي نجح خلالها جواد في الجمع بين الحظ والاستراتيجية لتحقيق الفوز. لم يدرك حينها أنه لن يتمكن من التغلب بالسهولة نفسها على التحديات التي سيواجهها لاحقاً في حياته.

الجريدة الكويتية في

20/09/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)