على الرغم من بلوغه الثانية والثمانين، لا يزال درك مالكوم يتنقل من
عاصمة سينمائية الى أخرى، بحثاً عن كلّ مستجد ومثير يملأ بهما صفحات الـ"غارديان"
حيث يعمل منذ قرابة نصف قرن. انه، مع الأميركي روجرت ايبرت والفرنسي ميشال
سيمان، من قامات النقد السينمائي التي تجد مواقفها وأفكارها صدى طيباً لدى
القراء الانغلوفونيين. مقالاته طرافة وعلم وقراءة ذاتية في آن واحد، تعصى
على التقليد وتعثر على الثقة المطلوبة عند المتلقي.
الرجل مؤسسة في ذاته، عقلٌ نيّر وثقافة واسعة وقدرة عالية على تفكيك
ما تخفيه الأفلام من حقائق وايحاءات. هذا البريطاني الأصيل، الذي لا يكاد
ينطق بجملة من دون ان تلتحق السخرية الـ"بريتيش" بكلماته، أمضى أكثر من نصف
حياته داخل الصالات المظلمة، متماهياً في الكثير من الأحيان مع شخصيات
الشاشة الكبيرة والحيوات المستعارة. لكنه لم يفقد صلته بالعالم، فظلّ "عيّيشاً"
يعرف كيف يقفل الباب على الحياة الافتراضية عندما يريد، لاحتساء كأس من
النبيذ الأحمر. الحديث الآتي من لقاءاتنا المتكررة بمالكوم خلال وجودنا في
نيودلهي (الهند) التي يحبها ويزورها سنوياً منذ اربعة عقود، لتغطية نشاطات
مهرجان "أوسيان سينفان" الأخير.
·
¶ (...).
- ذوقي كلاسيكي جداً. غودار ليس على الموضة حالياً. يقال ان اثنين من
المخرجين الكبار تحطما على أبواب شبّاك التذاكر هما غودار وبرغمان. ربما
أنطونيوني ايضاً. لا اعير قوائم "أفضل 10... لا أدري ماذا"، أهمية بالغة.
هذه التقويمات تتعلق بالمكان الذي جاء منه الناقد؛ ما الأفلام التي شاهدها
حين كان في الثانية والعشرين؛ ما الأشياء التي اكتشفها للمرة الاولى. هناك
اسماء تعرفت إليها في شبابي ورافقتني حياتي كلها، من هؤلاء برغمان. مَن هم
أصغر مني سناً، اكتشفوا شابرول وغودار وتاركوفسكي. فجأة، شاهدوا "جان دارك"
دريير. من الأفلام التي كنتُ أُدرجها عادة في هذه القوائم: "سارق الدراجة"
لفيتوريو دو سيكا. صدف ان شاهدته مجدداً فقلتُ في نفسي: "يا الهي، لا يمكن
إنجاز أفضل منه". لذا، وضعته مجدداً في لائحة أفلامي المفضلة، علماً ان
الفيلم كان يتربع في الخمسينات على عرش أفضل الأفلام على الاطلاق.
·
¶ عندما نشرت كتابك عن افلامك
المئة المفضلة، كيف جرت العملية، وهل كان التقويم ذاتياً؟
- قررتُ ان أختار فيلماً واحداً لكل مخرج. انسحب هذا المبدأ على
الجميع، من جون فورد الى هاورد هوكس. لم يكن كتاباً أكاديمياً.
·
¶ لو أعدت تأليفه اليوم، هل
تغيّره؟
- نعم. سيطرأ عليه تغيير بنسبة عشرة في المئة. مشكلتي انني لا اعرف ان
أختار أياً من الأفلام المعاصرة لإدراجه في اللائحة. فمثلاً، بين "تعال
وشاهد" لكليموف و"القيامة الآن" لكوبولا، أيهما تختار لفئة أفضل فيلم حربي؟
·
¶ هل غيّرت رأيك في افلام بعد
سنوات طويلة من مشاهدتها؟
- بالطبع. بعض الأفلام تقدّرها وليس أكثر، ثم تشاهدها مرة أخرى بعد
سنوات لتكتشف أنها من اروع الأعمال.
·
¶ يجري الحديث أحياناً عن النقد
الموضوعي. هل ثمة ما يُعرَف بالنقد الموضوعي؟
- طبعاً لا. من الحماقة حتى التفكير في ذلك. كلنا مشبعون بالأفكار
المسبقة، والنحو الذي نعيش فيه حياتنا يؤثر في ردّ فعلنا ازاء فيلم.
·
¶ لنأخذ فيلماً هندياً: هل تعتقد
انه من الأفضل ان تعرف الهند جيداً لتقويمه؟
- جوابي هو: نعم ولا. هناك مدارس نقدية عدة. هناك ناقد يقول لك: لا
اريد ان اعرف شيئاً عن الهند، ولا عن مصاعب انجاز الفيلم في الهند، ولا عن
الأعمال السابقة للمخرج. اريد ان اشاهد الفيلم بمعزل عن هذا كله وسأعطي
رأيي فيه. انا اعمل على عكس ذلك. كل ما يتجاهله الناقد الآخر يهمّني ويكون
ذا أهمية في تقويمي للعمل. عليّ ان اكون مطلعاً على الواقع لأرى حجم
المساومة التي يقدمها المخرج. طبعاً، الأمر أصعب عندما يتعلق الأمر بفيلم
ايسلندي. أحياناً، يطيب لي ايضاً ان اقابل المخرج، واسأله كيف انجز الفيلم.
ولكن هذا ليس واجباً على كل النقاد. اصنّف نفسي من النقاد التدخليين. تقتصر
مهمتي على ارسال ناس الى السينما، لا يكونون دائماً على استعداد تام
لمشاهدة أفلام مختلفة. أحياناً أنجح وأحيانا لا. هناك أيضاً نقاد أكاديميون
ونقاد المجلات السينمائية الشعبية. ليس كل ما أكتبه دراسات نقدية، بل هناك
مقالات تكون عبارة عن عرض لفيلم أقول فيها رأيي وأطرح معلومات تفيد القارئ
وتساعده في خياره. كيف تكتب عن فيلم كـ"ارواح صامتة"، ليصل الى الجمهور،
خصوصاً ضمن مساحات ضيقة على صفحات جريدة؟ هذا نموذج للفيلم الذي لا يعرف
النقاد كيف يتعاملون معه!
·
¶ هل أخطأت كثيراً في تقويماتك؟
- بالتأكيد!
·
¶ قرأتُ ان الناقدة الأميركية
الراحلة بولين كايل أساءت تقدير فيلم مثل "2001، أوديسة الفضاء" لكوبريك،
لدى عرضه الأول...
ـــ سأروي لك هذا: عندما كنتُ اترأس مهرجان لندن السينمائي، ذهبتُ الى
كانّ، ونصحني أحدهم بفيلم كندي في "أسبوعا المخرجين". ذهبتُ لأشاهده، لكني
كنتُ متعباً فخرجت من الصالة بعد نحو 40 دقيقة. عندما شاهدتُ المخرج عبّرتُ
له عن عدم رغبتنا في عرض الفيلم. ثم، أتيحت لي فرصة أن أشاهده مجدداً في
لندن. "فاك"! أدركتُ انني ارتكبتُ خطأ جسيماً، لكن الأوان كان قد فات
لاعادة برمجته في المهرجان. فكتبتُ للمخرج، واعترفتُ له عن ذنبي. ردّ عليَّ
قائلاً ان هناك قلة فقط من الناس يمكن ان تعترف بخطأ مماثل. عندما تخطئ،
عليك على الأقل الاعتراف. عندما شاهدتُ "كازانوفا" لفيلليني في مهرجان
البندقية، كتبتُ مقالاً سلبياً عنه، وما إن شاهدته مرة اخرى، حتى تجلّت
أمامي فجأة مزايا لم أرها من المرة الاولى. قلتُ هذا في صحيفتي: قلتُ انني
أخطأت.
·
¶ تقول الاسطورة إنك بدأت كمراسل
في مجال سباق الخيل. هل هذا صحيح؟
- تركتُ الجامعة ورحتُ أحاول اقتحام مجال النشر. فشلتُ ولم أكن أعرف
ماذا أفعل. كنت أكتب كثيراً، وفجأة صرتُ خيّالاً لأحصنة السباق. كان عملاً
خطراً، إذ كان عليّ القفز فوق الحواجز وليس السباق العادي، ولم أكن أريد أن
أمضي حياتي كلها في مثل هذا العمل. ثم شُرِّعت أمامي أبواب التمثيل في
المسرح. عملتُ مع جوان اوزبورن وهارولد بينتر. ما كان يثيرني آنذاك هو
إنتاج المسرحيات، لكن يبدو ان الظروف لم تكن مؤاتية لخوض مثل تلك المغامرة.
لذلك، وجدتُ نفسي في الصحف. كوني متخرجاً من أوكسفورد، قررت الصحيفة ان
تجعلني مراسلاً اجتماعياً، مختصاً بالمشاهير، الخ. ظناً منها أني اعرف
المشاهير كلهم.
ثم اتيح لي مجال الدخول الى الـ"غارديان". فصرتُ نائباً لرئيس قسم
الفنون، وكان مطلوباً مني أن اتولى اخراج الصفحة، بالاضافة الى أنني كنتُ
انشر مقالات لي بين حين وآخر عن فيلم ما أو مسرحية أو معرض فوتوغرافي. لكن،
فجأة، قررت الـ"غارديان"، وهي كانت جريدة تقليدية ولا تزال، أن تنشئ صفحة
يومية عن سباق الخيل، فاقترحت عليَّ تولّي هذه المهمة لأن لي خبرة في هذا
المجال. في مرحلة ما من وظيفتي في الـ"غارديان"، كنتُ: نائب الناقد
المسرحي، ونائب الناقد السينمائي ومراسل سباق الخيل. كان هذا مضحكاً. فجأة
طُرد ريتشارد راود من عمله كناقد سينمائي للجريدة، بعدما كتب نقداً في "صوت
الموسيقى" اعتبرته ادارة الجريدة غير لائق. نحن نتكلم هنا عن أكثر فيلم حقق
ايرادات في تلك المرحلة، وهذه جريدة الـ"غارديان" التي كانت تفرض شروطها
على الكاتب، ومنها الا يقتصر نقدك لفيلم على كلمة "لا" (ما فعله ريتشارد
راود). فجئت محله!
·
¶ هل شكل هذا الشيء درساً لك،
وهل روّضك على نوعية معينة من الكتابة؟
- لا. بل جعلني اسهر على كتاباتي. تعلمتُ أن أتسلح بالحجج وان اقول ما
هي المسوّغات التي تجعلني احب هذا العمل. لا مانع عند الجريدة الاّ أحب
الفيلم، لكن عليَّ أن اقول لماذا لم أحب.
·
¶ بصراحة، ما هو حيّز الحرية
الذي تتمتع به في الـ"غارديان"؟
- حيّز لا بأس به. يمكنني ان أفعل ما أشاء الى حدود معينة. الأفلام
الهوليوودية التي يشاهدها الجميع عليك أن تكتب عنها بشكل لائق. لا يمكنك ان
تلفلف الموضوع بكلمتين. في المقابل، لا يمكنك ان تفلش صفحتين عن فيلم فني
صغير يعرض في صالة واحدة. لم اتعرض يوماً لرقابة الجريدة. بين وقت وآخر، قد
يستبدل التحرير كلمة بأخرى، لكن المسألة تنتهي عند هذا الحد. الدعايات لم
تكن يوماً عائقاً يمنعني من ان اكتب ما اريده.
·
¶ ما رأيك بمقولة "الناقد مخرج
فاشل" أو "مخرج مكبوت"؟
- هل عليك ان تكون ميكانيكياً لتقود سيارة؟ لا تنسَ ان بعض أسوأ
النقاد كانوا مخرجين ايضاً. هذا هراء، لأن معظم النقاد الكبار لا يفكرون
حتى في الاخراج. في بريطانيا المسألة مختلفة عما هي عليه في فرنسا حيث
مخرجون كبار مثل شابرول وريفيت وتروفو جاؤوا من النقد. عندنا، يترك الناقد
مهنته فيتوجه الى مجالات أخرى لكن دائماً في الصحافة (...). المسألة بسيطة
بالنسبة إلى الصحف: يريدونك ان تكتب بطريقة تثير فضول القارئ وتسلّيه. لا
يحبون المقالات المملة والجمل الطويلة والأطروحات الاكاديمية. المسألة
الثانية: في بريطانيا عليك ان تعمل بسرعة. مثلاً، عندما أكون في كانّ،
عليَّ أن ارسل مقالي النقدي عن فيلم في غضون ساعات قليلة. طبعاً، عليك أن
تكون مؤهلاً ومطلعاً بشكل جدي على تاريخ السينما ومحطاتها الأبرز وافلامها
المضيئة. السينما لم تبدأ مع جورج لوكاس. عليك أن تكون مطلعاً على الفنون
الأخرى، بدءاً من الفنّ التشكيلي وصولاً الى الموسيقى فالمسرح، والا من
الصعب أن تكون ناقداً جيداً، لأن السينما مزيج من هذا كله. فقط حفنة من
النقاد يمكن القول إنهم يملكون هذه الثقافة.
·
¶ كم فيلماً على الناقد أن يشاهد
قبل أن يدّعي أنه ناقد؟
- لا اعرف حقاً. المثالي أن يكون شاهد على الأقل 2000 فيلم. لكن بعضهم
يملك موهبة الكتابة فيعمل على ثقافته السينمائية فتراه اصبح ناقداً جيداً.
عندما انتقلتُ من نقد المسرح الى نقد السينما، لم أكن شاهدتُ عدداً كبيراً
من الأفلام. بعد عام من انطلاقي في المهنة، نلتُ جائزة كبيرة. كنت بدأتُ
للتو، فاعتبرتها مؤذية لي، لأنني لم أكن استحقها.
·
¶ في نظرك من هو أسوأ ناقد قرأت
له؟
- هناك كثر لكن أسوأ النقاد هو الذي يتمتع بالسلطة. أحياناً، اعود الى
ما كتبته قبل 30 عاماً، فأقول في نفسي: رباه، كم كنت ذكياً! وأحياناً اقول:
كم كنت سافلاً. قبل سنوات، نُشرت مقالة نقدية لي عن "مرآة" تاركوفسكي.
فقلتُ وأنا أقرأه: "يا له من مقال رائع"، لاكتشف انني صاحب المقال. في
المقابل، هناك مقالات اخجل منها. أحياناً، لا رغبة لي في ان افتح الجريدة
لأقرأ مقالي. أعتقد انه يجب علينا ان نتمتع بالنقد الذاتي.
·
¶ هل تخاصمت مع مخرجين بسبب
مقال؟
- نعم، في أحيان كثيرة. لكني لم اتعرض لأي شيء جسدي. البعض صرخ في
وجهي او تجاهلني، أو قال اشياء سيئة في حقي. لكن المخرجين يعلمون جيداً ان
هذا ليس آخر فيلم ينجزونه، لذا لا يقطعون علاقتهم بي تماماً. من الانكليز
هناك لينزي اندرسون الذي عبّر غير مرة عن غضبه تجاهي، لأنني لم أكن اعتبر
كل فيلم جديد له من التحف. ما عدا اندرسون، معظمهم يتعامل معي بصداقة،
لأنهم يعرفون أنني الى جانبهم، حتى لو لم يعجبني فيلم أو اثنان لهم. هل
تعلم ان كل مخرج تجاري لديه حلم بأن ينجز فيلما يعترف به النقاد؟ العكس
صحيح. المشكلة أنك اذا انتقدتَ الفيلم الفني الوحيد للمخرج التجاري، فستراه
غاضباً.
خواطر معلم لن يكتب مذكراته خشية أن يرفع قضية ضدّ نفسه!
هـ. ح.
“تسألني اذا صرتُ أكتب بشكل اسرع مع مرور الزمن. جوابي: أكتبُ بشكل
سريع اصلاً. عملتُ في الصحافة طوال حياتي. يسهل عليّ أن ألخص محتوى فيلم
هوليوودي في أقل من ساعة.
عندما يكون عندي متسع من الوقت كي اكتب عن فيلم، ألاحظ أنني لا اكتب
بشكل أفضل. لا اعرف لماذا، هذه طبيعتي. لا أدوّن افكاراً خلال المشاهدة.
ليتني استطيع ذلك، لأني أحياناً اشاهد فيلما في كانّ، ويبدأ عرضه بعد سنة
او سنتين في لندن، فأكون نسيت كل شيء عنه. لستُ ملماً بالتكنولوجيا
والكومبيوتر. اعرف كيف أرسل رسالة الكترونية وكيف اتصفح الانترنت، لكن هناك
اشياء كثيرة أجهلها. ليس عندي حساب "فايسبوك" ولا "تويتر"، لكن ربما عليّ
أن اقفز القفزة الى ذلك العالم الافتراضي. ما انا متأكد منه حالياً أنه يجب
أن يكون عندي موقع الكتروني.
لم يكن لي معلمون كبار في النقد، لكن كان يعجبني جداً ريتشارد راود،
مع انه كان ضيق الخلق وتقليديا. لم يكن يزعج نفسه بما كنا نسمّيه آنذاك
بأفلام "العالم الثالث". كان يحبّ مخرجي الـ"افان غارد".
أحياناً، النقد الايديولوجي مفيد، لأنه يسمح لك بأن تنفي الأفكار
التقليدية والمحافظة. أحياناً، يبدو ذلك نوعا من حماقة، لأنه يجعل رأيك
خاضعاً لمعايير هي ذاتها لكل الأفلام. شخصياً، أطعّم مقالاتي ببعض الطرافة،
وهذا متأتٍّ من الحماقات السينمائية التي اتابعها على مدار السنة. لذا،
قررتُ أن اضحك منها بدل تحويلها قضية مأسوية. ليس هناك جانر سينمائي أفضّله
على آخر. يقول لي الناس دائماً: أنت تفضل الأفلام التي تثير الاحباط. مع
انني احب الكوميديا جداً. لوريل وهاردي مثلاً.
روجر ايبرت ليس أكثر النقاد في العالم عمقاً. لكن يعود إليه الفضل في
التعريف بالأفلام الأجنبية المهمة التي تأتي الى أميركا. اعتقد ان مفاجاة
النقاد الأميركيين اسهل من زملائهم الأوروبيين. خصوصاً عندما يتعلق الأمر
بفيلم مصدره افريقيا أو اوروبا. ليسوا بالسوء الذي يصورونهم فيه أحياناً.
على كل حال، هم يقسون على السينما الهوليوودية، وأحياناً هم أكثر قسوة منا.
من الطبيعي أن يصبح ذوق بعضهم شديد التقليدية عندما يطعن في السن. هذا
طبيعي عندما تتذكر كل الأفلام العظيمة في تاريخ السينما التي لم يعد لها
وجود اليوم. هذه نوستالجيا خاصة بجيلنا، نعم، ولكن يجب أن تقر بأن عصرنا
هذا ليس العصر الذهبي للسينما: عندما تتذكر فيسكونتي وبرغمان وفيلليني
وتاركوفسكي وفاسبيندر، وكانوا كلهم يعملون في زمن واحد، تجد ان شيئا ما
ينقصنا اليوم. لا اعتقد اننا سنقول الكلام هذا عن حاضرنا عندما تكون مرت 30
سنة عليه. القامات الكبيرة انقرضت. أين البونويل الجديد اليوم؟ عندما كنت
تشارك في مهرجان قبل 30 أو 40 عاماً، كان يشارك فيه ايضاً من أمثال بروسون
أو كوروساوا، فكنت تحار لمن تعطي الجائزة! لن أكتب مذكراتي لأنني لا اريد
ان أرفع دعوى قضائية ضد نفسي.
لن أكتب كتاباً لأقول فيه إنني تناولتُ الفطور مع اورسون ويلز
واحتسيتُ الشاي مع تشارلي شابلن وتناولتُ الغداء مع بونويل. ما يمتعني
اليوم ليس مشاهدة الأفلام، بل الاستماع الى الموسيقى الكلاسيكية.
أخيراً، عندما كنتُ في مهرجان ادنبرة الذي يضم كل أنواع الفنون، جاءني
ناقد موسيقي يقول لي "بربك، خذني الى فيلم". أما أنا فقلتُ له: أرجوك خذني
الى حفل موسيقي".
النهار اللبنانية في
20/09/2012
فلسطين تتصدر هموم العرب في مهرجان
تورونتو والتوقيع عربي - إسرائيلي- أميركي
تورونتو (كندا) - فيكي حبيب
«الربيع العربي» الذي سرق الأضواء من الجرح الفلسطيني الكبير ووضع تحت
المجهر دولاً باغتتها ثورات لم تكن في بال احد، أطلّ باستحياء على الدورة
المنصرمة من مهرجان «تورونتو» التي فتحت نافذة كبيرة على قضايانا، من خلال
القضية القديمة-الجديدة: فلسطين والصراع العربي-الإسرائيلي... وكأن في هذه
البرمجة دحضاً للاتهامات التي رافقت دورة عام 2009 من المهرجان، إذ احتفت
في تظاهرة «من مدينة إلى مدينة» بتل أبيب، لمناسبة مرور مئة سنة على
تأسيسها.
ولا يهمّ ما إذا كان منظمو «تورونتو» وضعوا في بالهم الأصوات المنددة
بتلك الدورة وهم يختارون برنامجهم الجديد، أو فعلوا ذلك من دون حسابات أو
اعتبارات خارج الاعتبارات السينمائية. ففي الحالتين الانتصار انتصاران،
انتصار للمهرجان الذي أثبت ديموقراطيته وعدم «عدائه للعرب» وانتصار لفلسطين
التي أثارت الأفلام المصنوعة عنها ومن حولها أسئلة كثيرة عن شعب لا يزال
يبحث عن هوية.
والمميز في الأفلام التي عرضت في هذه الدورة وتناولت القضية
الفلسطينية في شكل أو آخر، هو غياب أحادية الرؤية وإن كان الانحياز لصالح
فلسطين مخيماً على معظم الشرائط التي تطرقت إلى هذا الموضوع، أو على الأقل
تلك التي أتيحت لنا فرصة مشاهدتها، نظراً للكمّ الكبير من الأفلام التي
احتضنتها هذه الدورة من «تورونتو»، والتي تميزت باكتشافات سينمائية كبيرة،
فضلاً عن إعادة عرض أبرز الأفلام الكبيرة لهذا العام، خصوصاً تلك التي فازت
بجوائز «كان» و»البندقية».
وحين نقول غياب أحادية الرؤية، نعني النظر إلى القضية الفلسطينية
بعيون اكثر من جنسية، عربية طبعاً، ولكن أيضاً أميركية و... إسرائيلية.
الانحياز بديهي إذ يأتي من أفلام بتواقيع فلسطينية (مثل «لمّا شفتك»
للمخرجة آن ماري جاسر أو «عالم ليس لنا» لمهدي فليفل) أو لبنانية («الصدمة»
للمخرج زياد دويري)، لكنه في «تورونتو» أتى إلى جانب الأفلام الثلاثة هذه،
بتوقيع أميركي («الدولة 194» للمخرج دان سيتون) وإسرائيلي («زيتون» لعيران
ريكليس).
ولم يكن هذا مفاجئاً أيضاً، ففي إسرائيل انتجت خلال السنوات الأخيرة
أفلام كثيرة اعتبرها كثيرون أنها تخدم القضية الفلسطينية أكثر مما خدمها
بعض الأفلام الفلسطينية أو العربية... من دون أن ننسى أفلام بعض
السينمائيين الغربيين الذي كان لهم كلمتهم في هذا الموضوع مثل جان لوك
غودار وكوستا غافراس وعشرات غيرهم... وحين نقول عيران ريكليس لا يمكن إلا
أن نتذكر فيلميه السابقين «العروس السورية» و«شجرة الليمون» اللذين أثارا
امتعاض اليمين الإسرائيلي، مثلما سيثيره أيضاً فيلمه الجديد «زيتون». فماذا
عنه؟
صداقة بين مغتصِب ومغتصَب؟
ربما يبدو الموضوع في «زيتون» ساذجاً بعض الشيء أو تبسيطياً أمام لعبة
كبيرة، لكنه يدعو إلى وضع اليد باليد في محاولة لمحاكاة المشترك الإنساني
عند شعبين «جارين»، قدّر لهما أن يكونا عدوين إلى الأبد. فمن قال إن
الفلسطيني والإسرائيلي لا يمكن أن يتحولا إلى صديقين بعد عداوة؟ هذا على
الأقل ما يطرحه عيران ريكليس بنوايا طيبة فاقعة في «زيتون» الذي يصوّر قصة
طيار إسرائيلي يقع أسيراً في ايدي فلسطينيين في مخيم للاجئين في لبنان، قبل
أن يحرره فتى يعاهده بأن يأخذه إلى مسقط رأسه في فلسطين. وعلى الطريق من
لبنان إلى الحدود الجنوبية، تنشأ قصة صداقة بين الفتى الذي هجر لعب الصغار
وانصرف إلى لعب الكبار، وبين الإسرائيلي الذي حاول أن يتنصل في البداية من
العهد الذي قطعه قبل أن يُعيده «ضميره الإنساني» إلى الفتى خوفاً عليه من
أية تصفية حسابات معه لتحريره إسرائيلياً مهما كان السبب.
وإذا كان ريكليس، بالغ في رسم صورة للإسرائيلي الذي يتمتع بالحسّ
الإنساني، فإنه لم يوفّر الأحزاب المســـيحية اليمينية من غمزات تضع أصابع
الاتهام في وجهها لناحية تعاملها مع الفلسطيني في تلك الفترة. ففي احد
المشاهد، مثلاً، يُخلي الطيار الإسرائيلي سبيل طفل من المخيم رغم أن الفرصة
أتيحت له لقتله، أما القناص اللبناني الذي ينتمي إلى «الكتائب»، كما تدلّ
الشعارات على الجدران وصور الشيخ بشير، فلا يتردد في قتل طفل آخر جريمته
انه فلسطيني!
وفي مقابل هذه المقاربة العدائية للأحزاب المسيحية اللبنانية، لا
يصوّر ريكليس أي ممارسات شاذة عند الإسرائيلي أو الفلسطيني، بل تنتهي القصة
بعناق طويل بين الاثنين في مقر الأمم المتحدة على الحدود... ولكن بعد أن
يفي الإسرائيلي بوعده ويأخذ الفتى إلى قريته ليزرع فيها شجرة زيتون ستبقى
الشاهد على حق العودة.
طفل آخر ومخيم آخر، بطلا فيلم «لما شفتك» للسينمائية الفلسطينية
الشابة آن ماري جاسر. في هذا العمل، تطرح المخرجة أسئلة تبدو بريئة براءة
الطفل الذي يحملها، لكنها الأسئلة الكبيرة ذاتها التي ظلت معلقة لعقود من
دون أجوبة: لم لا نعود إلى بيتنا؟ جئنا سيراً على الأقدام، فماذا يمنعنا من
العودة إليها سيراً؟ لماذا نرى فلسطين بالعين المجردة ولا يمكن أن تطأ
أرجلنا فيها؟ أسئلة وأسئلة يطرحها بطل آن ماري على والدته المكتفية
بالانتظار، قبل أن يقرر أن يفعل المستحيل لدخول فلسطين على خطى بطل عيران
ريكليس. وهكذا يغافل والدته ويهرب من المخيم أملاً بالوصول إلى بيته قبل أن
يجده احد الفدائيين ويأخذه إلى معسكر التدريب الذي يتحوّل إلى بوابة عبوره
إلى الناحية الأخرى: عالم الكبار من جهة، ولكن أيضاً فلسطين من جهة ثانية.
ومثلما تُنغّص عليه والدته فرحة عبوره إلى عالم الكبار حين تجده
قابعاً أمام الفدائيين وهم يحلقون له ذقنه للمرة الأولى، تُنغص عليه
بواقعيتها حلم العودة، ليخيب أمله شيئاً فشيئاً بالفدائيين ويكتشف انه ليس
في نظرهم إلا فتى صغيراً. هنا، لا يعود يعتبر نفسه جندياً في صفوف المعسكر،
وبالتالي وبعفوية الصغار، يدرك انه غير ملزم بأوامر قائد خذله بعدما كان
مثله الأعلى. وسرعان ما يهرب مجدداً بحثاً عن حلمه الضائع، قبل أن تجده
والدته وأحد الفدائيين على الحدود يترصد سيارة شرطة إسرائيلية، لتنتهي
القصة مفتوحة إذ يهرع الطفل ناحية الحدود وتتبعه والدته مسرعة، فتمسك يديه
وتسير معه إلى أمام.
طفل من دون بيت
طفل وبيت أيضاً، بطلا فيلم السينمائي اللبناني زياد الدويري «الصدمة»،
إن لم يكن في شكل مباشر ففي شكل محرك للأحداث. كيف أجلب طفلاً إلى الحياة
من دون أن أؤمن له بيتاً.. هوية.. وطناً؟ سؤال ينضح بالجواب عن كل الأسئلة
التي دارت في خلد بطل الفيلم الطبيب المرموق بعدما فوجئ بإقدام زوجته على
تفجير نفسها في مطعم يعجّ بالأطفال. بداية اعتقد أن الأمر ملفق، وأن وجودها
هناك لم يكن إلا بمحض الصدفة. ولكن رسالة منها، حسمت الشك باليقين، لتبدأ
رحلته لاكتشاف كيف يعقل أن تقدم امرأة لا ينقصها شيئ من الحياة على فعل من
هذا النوع. فهما منغمسان لأبعد الحدود في المجتمع الإسرائيلي وعلاقتهما
تسير على أفضل ما يُرام. هو طبيب شهير فاز للتو بجائزة إسرائيلية مرموقة
تمنح للمرة الأولى لعربي، وهي امرأة متحررة تشبه كثيرات في إسرائيل...
كيف؟ ولماذا؟ سؤالان يحركان بطلنا ليبدأ رحلة يُحاكي فيها زياد دويري
الجمهور الغربي في محاولة منه للإجابة عن تساؤلات لا يزال يطرحها كثيرون من
الذين ينظرون إلى القضية من الخارج.
وربما كان جمهور الخارج هذا، في بال الكاتب ياسمينا خضرا (الفيلم
مقتبس عن روايته «الصدمة») حين اختار أن تكون الزوجة مسيحية والزوج مسلماً
ليبعد التهمة الجاهزة تجاه الإسلام وليقول إن الموت في سبيل الوطن لا دين
له. من هنا كانت أسئلة المحقق الإسرائيلي مضحكة، حين سأل الزوج إن كانت
زوجته تنتمي إلى احد التيارات الإسلامية هي المسيحية. في المقابل بدا
الحوار بين الكاهن والزوج داخل الكنيسة مقحماً، من خلال الخطاب المباشر
الذي أراد الفيلم أن يقول فيه ما سبق أن أفصحت عنه ديانة الزوجة
الانتحارية، وبالتالي موقف المسيحيين المنسجم مع المســلمين في الدفاع عن
فلسطين ضد البطش الإســرائيلي... أما النهاية فتكون بعودة البطل إلى
إسرائيل وقد ارتاح للأسباب التي حركت زوجته، فكيف يمكن أن يبقى المرء
ساكناً أمام هول مجزرة مثل جنين، خصوصاً في اللحظة التي يطلب فيها الزوج من
زوجته أن يرزقا طفلاً... فهل يعقل أن تجلب إلى الحياة نفساً بريئة دون أن
يكون لها بيت.. هوية.. وطن؟
... والسينما الوثائقية في الميدان
البحث عن وطن، شكّل أيضاً محور الفيلم الوثائقي «الدولة 194» للأميركي
دان سيتون. في هذا العمل، يلاحق المخرج رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض
في رحلة فلسطين لدخول عضوية الأمم المتحدة بصفتها الدولة رقم 194.
يصوّر العمل الصعوبات. يرصد المواقف الدولية. يحدد اتجاه الرأي العام
الإسرائيلي. يتعاطى مع شباب «الفايسبوك». يمرّ على الربيع العربي وتأثيره
في القضية الفلسطينية. يصوّر اليساريين الإسرائيليين وحملاتهم للضغط على
حكومتهم. يتوقف عند إسرائيلي مؤسس جمعية تضم آباء لشبان قتلوا من
الطرفين... كل هذا بتعاطف شديد مع القضية الفلسطينية.
فيلم وثائقي آخر، يتناول الجرح الفلسطيني من توقيع الفلسطيني مهدي
فليفل. هنا البطل مخيم عين الحلوة في لبنان والشخصيات الرئيسية أهل مهدي
وأصدقاؤه. هو حالفه الحظ فسافر مع عائلته الصغيرة إلى الدنمارك، لكنّ
زيارته إلى المخيم لم تتوقف، خصوصاً حين اكتشفه في أيام المراهقة، خلال
مباريات كأس العالم لكرة القدم، فأضحى الملاذ الأجمل له في العالم. ففي هذا
الوقت يتحول الفلسطينيون إلى «برازيليين» و»ألمان»... وينسى الجميع القضية
وهمومهم اليومية، وينقادون وراء 22 لاعباً يركضون خلف كرة.
ينقل الفيلم أجواء المونديال على مدى أكثر من دورة. يصوّر مظاهر
الابتهاج والجنون الصاخب. يتساءل عن سبب هذا الارتباط بالفرق. وبعيون ملؤها
الحب ينقل عدوى الارتباط بالمخيم إلى المشاهد، ليتسلل في عروقه، قبل أن
يُقدّم الصورة الأخرى، الصورة الحقيقية... صورة الشاب العشريني الذي ليس
إلا نموذجاً لكثيرين من شباب المخيم حيث الأفق معدوم والمستقبل غير آمن. هو
شاب ضاق بالحياة، وبالسياسة والسياسيين. لا يريد إلا ملجأ يبعده عن حياة
المخيمات. كل ما ينطق به يعبّر عن نقمته من كل شيء وعلى كل شيء.
يشتم القضية الفلسطينية... يشتم السياسيين. يشتم اللبنانيين. نقمة لا
يمكن إلا أن ترسم صورة جيل عرف فليفل كيف يعبّر عنه من خلال فيلم عابق
بالحياة.
الحياة اللندنية في
21/09/2012
أفلام عن الربيع وما بعده
باريس- ندى الأزهري
يوم لا غير يفصل بين تظاهرتين مخصصتين للسينما العربية في باريس.
الأولى ينظمها معهد العالم العربي والثانية جمعية السينما العربية
الأوربية.
بعد طول غياب، يعود العالم العربي لتنظيم عروض للسينما العربية في
باريس. «لقاءات السينما العربية» هي الدورة الأولى لتظاهرة ستنظم سنوياً
بالتعاون مع كومن برود الدولية. وتقدم البرمجة لهذا العام أفلاماً لمخرجين
من العالم العربي إضافة إلى أعمال لمخرجين من أصول عربية يقيمون في الخارج،
محترفين وشباباً ممن «يستحقون اهتمام الإعلام والموزعين» الفرنسيين
والأوربيين.
اختيرت لهذه الدورة التي تقام من 21 إلى 25 أيلول (سبتمبر)، الأعمال
التي تطرح مواضيع ذات طابع اجتماعي بالدرجة الأولى، أفلام طويلة وقصيرة،
روائية ووثائقية. ويحفل البرنامج بأفلام من الخليج العربي وهو ما لم تتح
مشاهدته للجمهور الفرنسي من قبل، كما تخصص عروض للصغار في بادرة تستحق
الاهتمام.
ومن ضمن الأفلام الطويلة يحضر» يا خيل الله» لنبيل عيوش الذي يتناول
الهجمات الإرهابية في الدار البيضاء عام 2003 وقد نال في مهرجان كان الأخير
جائزة فرنسوا شاتليه التي تقدم لفيلم «يترجم بشكل أمثل واقع عالمنا». ومن
الإمارات العربية المتحدة سيعرض «ظل البحر» لنواف الجناحي ويتناول تمرد
يافعين ضد التقاليد والأعراف في قرية بحرية. ومن الأردن «شركس» لمحي الدين
قندور عن التقاء الحضارات، والحكايا كوسيلة للنقد الاجتماعي والسياسي في
«سقف دمشق وحكايات من الجنة» لسؤدد كعدان من سورية.
ويحفل البرنامج بالأفلام القصيرة، فمن لبنان يعرض «خلفي شجر الزيتون»
لباسكال أبو جمرة عن العودة الصعبة لفتاة إلى المكان الذي شهد خيانة والدها
وطنه وتعامله مع جيش الاحتلال في الجنوب. هناك أيضاً أعمال من مصر وتونس
ولبنان واليمن وفلسطين والعراق، والعديد من الأعمال القادمة من الخليج،
بينها «شلون» لعمار بن عبد الله الكوهجي من البحرين عن شابتين ضحيتين
للمجتمع الذكوري، ومن السعودية «حياة» لمجتبى سعيد، ومن الإمارات نتابع
فتاة من الإمارات تدرس في الخارج وتجابه ثقافة جديدة في «الحجاب في لندن».
أما التظاهرة الثانية «ربيع السينما العربية»، التي تنظمها جمعية
السينما العربية الأوربية في سينما «لاكليه» الباريسية، فتبدأ مساء الخميس
27 أيلول (سبتمبر) وتستمر لغاية الأحد. ويضم برنامجها أكثر من ثلاثين عملاً
من الأفلام القصيرة والطويلة، الروائية والوثائقية كما بعضاً من أفلام
التحريك.
عدد من هذه الأفلام يعرض للمرة الأولى عالمياً كفيلم «صرخة» لليمنية
خديجة السلامي، وأخرى للمرة الأولى فرنسياً كأعمال السورية ياسمين فناري
والجزائري مرزاق علواش والمغربي فوزي بن سعيد. كما تسلط التظاهرة الضوء على
تطور صناعة السينما في الخليج العربي في مجال الفيلم القصير بتقديمها
إنتاجات ورشة عمل «كرز كيارستمي» والتي تضم أعمال 15 مخرجاً خليجياً عملوا
بإشراف المخرج الإيراني على موضوع العزلة.
ويذكر أن الدورة الأولى من التظاهرة خصصت للربيع العربي أو ما يفضل
قوله اليوم «التغيرات في العالم العربي»، أما الدورة الحالية فستكون
«انعكاساً للسينما الجديدة المقدامة الباحثة عن هويتها في ما هو أبعد من
الثورات وما قادت إليه».
ويلاحظ في عروض هذا العام حضور السينما الجديدة التي تعكس تعدد النظرة
الإبداعية للشباب الذي لم يعد يخشى تصوير الواقع، كما الحضور المتزايد
للمرأة المخرجة لاسيما في قطاع الأفلام القصيرة مثل لما علمي وهدى خضر من
المغرب ورانيا اسطفان وباسكال أبو جمرة من لبنان ونهى عشماوي من مصر
وياسمين فناري من سورية في فيلمين تحريكيين.
ويتيح برنامج العرض مجالاً واسعاً للأفلام الوثائقية والقصيرة وأفلام
التحريك إذ يقتصر عدد الأفلام الروائية الطويلة على خمسة هي «الرحيل من
بغداد» لقتيبة الجنابي من العراق، و»الجمعة الأخيرة» ليحيى العبد الله من
الأردن والإمارات، و «موت للبيع» للمغربي فوزي بن سعيدي، و»74 إعادة بناء
صراع» لرانيا ورائد رفاعي من لبنان و»التائب» لمرزاق علواش.
الحياة اللندنية في
21/09/2012
سيرة الحبّ
بشار إبراهيم
لم يكن مفاجئاً أن تمرّ الذكرى 19 لرحيل بليغ حمدي، من دون اي اهتمام،
تلفزيوني على الأقل! ربما يبدو هذا الموسيقيّ المبدع حقاً، منتمياً إلى زمن
آخر؛ زمن فات وانقضى، ولم تبق منه إلا ذكريات حميمة، ومواقف طريفة، وظلال
تتلامح من بعيد. راح زمن اللحن الجميل، والكلام العذب، والمشاعر الرقيقة،
وحلّ مكانه زمن آخر، لا مكان فيه لأساطين التلحين، ولا لأساطير المطربين،
ولا لإغواءات عوالم المشاهير.
يأتي الثاني عشر من أيلول (سبتمبر)، ويغادر، وليس ثمة أدنى وقفة لتحية
ذكرى موسيقيّ ملأ الأسماع طيلة عقود، وتناوب على غناء ألحانه الجميع، أو
يكاد، بدءاً من كوكب الشرق؛ أم كلثوم، والعندليب الأسمر؛ عبدالحليم حافظ،
مروراً بوردة الجزائرية ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وشادية وصباح ومحمد
رشدي، وصولاً إلى ميادة الحناوي... والقائمة تطول.
ذات فيلم سينمائي، يذهب شاب سوري إلى مصر. هناك، يقف على أحد الجسور،
فوق النيل، ويتمتم بعبارات العزاء لمصر كلّها بوفاة بليغ حمدي، ويعود لا
يلوي إلا على حزن، وعزف رائق لمقدمة رائعة الراحل «سيرة الحب». لقد كان هذا
منذ زمن سيبدو بعيداً جداً! فمن يعزّي من، في هذا الزمن؟ أين «الحب»؟ وماذا
تبقّى من «سيرته»؟ ومن تراه ينتبه إلى الحدود الواهية بين الغناء المولّه
للحبيبة، والغناء للبلد! كأنما بليغ حمدي بات رمزاً لزمن انطوى، وأخذه معهم
الرجال الراحلون.
ستُحسن قناة «نيل دراما» صنعاً، إذ تُخصِّص سهرة وفاء لذكرى الموسيقار
الشاب، الذي مضى عن نحو نيف وسبعين سنة، طواها واحتفظ لنفسه بصفة
«الموسيقار الشاب». كلّ ما في موسيقاه وألحانه ينبض بالشباب، حتى تلك التي
وضعها وهو في أواخر حياته المديدة، يقضم شهقاتها المنفى الأوروبي البعيد!
هذا فتى أمكنه، وهو في العشرينات، أن يرسل ألحانه على أوتار حنجرة سيدة
الغناء العربي، وأن يقف في الصفّ الأول، على رغم وجود موسيقار الأجيال؛
محمد عبدالوهاب، وبدائع عتاة الموسيقى من القصبجي ورياض السنباطي إلى محمد
الموجي، وكمال الطويل،وحلمي بكر...
«كان بوهيمياً جداً»... سيقول هاني مهنا؛ الضيف الوحيد في استوديو
الاحتفاء بذكرى مكتشفه بليغ حمدي. ولن يتردّد حلمي بكر، في مداخلة عبر
الهاتف، في استذكار الكثير من المواقف والطرائف، التي اشتهرت عن تلك
الأيام... لم يتب بليغ حمدي، وهو الذي وضع لحن «أنا كلّ ما أقول التوبة»،
وبقي ذاك الـ«سواح» الذي لا يكفّ عن اكتشاف المزيد من الأصوات الغنائية
الواعدة، من عفاف راضي إلى سوزان عطية، والذي لم يكفّ عن النزول إلى
الأحياء والأفراح الشعبية لالتقاط موهبة من هنا، وجملة موسيقية من هناك.
أستاذ مدرسة السهل الممتنع، مبدع الإيقاعات العذبة، مرّت ذكراه عابرة
في فضاء التلفزيونات، ربما لولا سهرة يتيمة في «استوديو دراما»!
بليغ حمدي الذي لم يكن غائباً حتى إبّان الثورة المصرية... هل تذكرون؟
الحياة اللندنية في
21/09/2012
مهرجان بيروت يحاور ثورات عربية
بيروت - «الحياة»
يحاول القيّمون على مهرجان بيروت الدولي للسينما، محاكاة أوضاع
المنطقة العربية المتوترة عبر اختيارهم أعمالاً تعكس مدى التوتر والنجاح
والفشل في بعض الثورات، ونظرة بعض المجتمعات إلى الدين والسلام. الدورة
الثانية عشرة التي تنطلق في الثالث من الشهر المقبل ويفتتحها «قصة ثواني»
للمخرجة اللبنانية لارا سابا، تختتم في الحادي عشر منه بفيلم «looper»
للأميركي الشاب راين جونسون، مع جوزف غوردون ليفيت وبروس ويليس وإميلي
بلانت.
وتوضح مديرة المهرجان كوليت نوفل أن الأفلام الـ57 المشاركة تتوزع على
سبع فئات، بينها مسابقتان فحسب بدلاً من ثلاث كما درجت العادة، للأفلام
الشرق أوسطية القصيرة والأفلام الشرق أوسطية الوثائقية. أما الفئات الخمس
الأخرى فهي «البانوراما الدولية»، و«ركن الأفلام اللبنانية»، وأفلام حقوق
الإنسان (هيومن رايتس ووتش)، إضافة إلى قسمين استعاديين لأفلام المخرج
الأميركي الراحل ستانلي كوبريك، وأعمال المخرج وكاتب السيناريو والمنتج
الفنلنديّ آكي كوريسماكي.
وستكون الدورة المقبلة أصغر حجماً «نظراً إلى الوضع الإقليمي
المتوتر»، و»بعض الحوادث التي شهدها لبنان»، ما صعّب إمكانية توفير ضمانات
كافية لمجيء ضيوف رفيعي المستوى من خارج لبنان، ووصول الأفلام في المهل
التي يجب الالتزام بها.
وتضم لجنة التحكيم الناقد السينمائي والأستاذ الجامعي إميل شاهين،
والمنتجة السينمائية اللبنانية ريتا داغر التي عملت مع عدد من المخرجين
الأميركيين والعالميين. وتغيب هذه السنة مسابقة الأفلام الشرق أوسطية
الروائية، لكنّ قسم البانوراما الدولية يضم فيلم «ظل البحر» للإماراتي نواف
الجناحي، إضافة إلى 11 فيلماً، منها وثائقيان عن مصر وثورة 25 كانون الثاني
(يناير)، هما «انتفاضة» للأميركي فريديريك ستانتون، و»المرنون» للإيطالي
فرانشيسكو كازولو.
وتضم «البانوراما الدولية» أفلاماً برزت في المهرجانات الدولية خصوصاً
مهرجان كان، بينها الفيلم الروماني «خلف التلال» لكريستيان مونجيو،
و«الصيد» للمخرج الدنماركي توماس فنتربيرغ، و«أوسلو، 31 آب» للنروجي يواكيم
تراير الفائز بجائزتي أفضل فيلم وأفضل تصوير في مهرجان استوكهولم 2011 وعرض
في تظاهرة «نظرة ما» في مهرجان كان.
ويحضر في مسابقة الأفلام الشرق الأوسطية الوثائقية، ستة أفلام بينها
فيلمان لمخرجيْن مصريين، وواحد إيراني، وآخر فرنسي عن سورية، وفيلم
إماراتي، وآخر لبناني. وتحضر الثورة المصرية بقوة في هذه الفئة أيضاً، من
خلال فيلـــمين، هما «عيون الحرية... شارع الموت» للمخـــرجين أحــمد صلاح
سوني ورمضان صلاح، وهو يوثق أحداث شــــارع محمد محمود في الثامن عشر من
تـــشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١، و «وداعاً مبارك» لكاتـــيا جرجورة، الذي
يتناول الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في تشرين الثاني 2010،
وما تلاها من احتجاجات كانت الفتيل الذي أشعل الثورة.
أما الوضع في سورية، ودور المسيحيين فيه فيعالجه فيلم «دمشق... مواجهة
مع الذاكرة» للفرنسية من أصل سوري ماري سورا، زوجة المستشرق وعالم الاجتماع
الفرنسي ميشال سورا الذي اخــــتطف واغتيل في لبنان قبل ثلاثين سنة.
ويتناول المخرج الإيراني محسن مخملباف في فيلمه الجديد «البستاني» ، مفاهيم
جيلين إيرانيين مختلفين ونظرتهما إلى الدين والسلام.
وتضم مسابقة الأفلام الشرق الأوسطية القصيرة 11 فيلماً، منها عمل عن
الثورة المصرية هو «برد يناير»، لروماني سعد، و«بايسكل» للعراقي رزكار
حسين.
ومن الأفلام في هذه الفئة، «لعبة» للبحريني صالح ناس، و«حياة شخص»
لمواطنه محمد جاسم، و«عبور» للمخرجين الأردني محمد الحشكي واللبنانية ثريا
حمدا.
أما الأفلام اللبنانية المشاركة في هذه الفئة فهي «عالم متغيّر» لبيار
سلوم، عن حادثة 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في الولايات المتحدة، و«شلوق» لهشام
البزري، و«من بطولة جوليا» لإيلي فهد، و«وتجوزنا...» لجو عازوري»، وla
Femme aux Raisins» لمايك مالاجاليان، وLeftover لإلهام أبي راشد.
وخصص «ركن الأفلام اللبنانية» للأفلام القصيرة غير المشاركة في
المسابقة، وفيه 11 فيلماً أيضاً لمخرجين لبنانيين شباب، منها «شكراً على
اللقاء» لرودريك سليمان وطارق الباشا، و«كل شيء عن سارة» لجهاد سعادة،
و«ورود ميتة» لسحر م. خوري.
الحياة اللندنية في
21/09/2012 |