تأخّر شوقي الماجري
كثيراً. تأخّر على إنجاز فيلم روائي طويل هو الأول له بعد تحقيقه سلسلة
أعمال
تلفزيونية وروائية قصيرة منذ العام 1988. تأخّر بإنجازه فيلماً عن فلسطين،
بلغة
خطابية شهدتها أفلام «فلسطينية» كثيرة في خمسينيات القرن
العشرين وستينياته، أو
ربما في أربعينياته أيضاً. لغة منغلقة على مفردات انفعالية وشعاراتية
تجاوزها
الزمن، وإن كان هناك من لا يزال يستخدمها بالتزام لا يلين، في السياسة
والثقافة
العربيتين. لغة بائدة، تتوجّه إلى الغرائز المريضة، وتُصوِّر
الضحية بطلاً، بل
تُمعن في جعل الفرد الفلسطيني ضحية وبطلاً في آن واحد، مجرّدة إياه من
كينونته
الإنسانية. لغة تعجز عن التعامل مع العدو بصفته إنساناً عدواً، لا عدواً
فقط (في
الغالبية الساحقة من الأعمال الفنية العربية، يكون التعامل مع
الجندي الإسرائيلي
مثلاً ساذجاً. فهذا الجندي عسكري مُدرَّب باحتراف كبير، وقاتل من الدرجة
الأولى.
لكن أفلاماً ومسلسلات عربية عديدة تعاملت
معه بسذاجة لا تُصدّق). لغة شعبوية
تحريضية انتهى مفعولها، إلاّ بالنسبة إلى أولئك الذين يهتدون بالعاطفة
والانفعال
إلى فلسطين وقضيّتها وناسها، ويتناسون أن هناك تطوّراً كبيراً في مقاربة
القضايا
الإنسانية والتاريخية والاجتماعية والعاطفية، يجعل السينما
وقواعدها ومفرداتها
أساسية، تطوّراً يُفترض به أن يجعل المفردات السينمائية شرطاً أول لصناعة
فيلم.
قيل إن شوقي الماجري (مواليد 1961، حائز إجازة في الإخراج السينمائي
من «المدرسة
العليا للسينما والمسرح» في «لودز» في بولونيا في العام 1994) بارعٌ في
صناعة الدراما التلفزيونية. هذا حسنٌ. الدراما التلفزيونية
العربية محتاجة إلى
براعة في الاشتغالات الفنية والتقنية والدرامية. لكن «مملكة النمل» (2010)،
الفيلم
الروائي الطويل الأول له، شكّل نكسة حقيقية في صناعة صورة سينمائية، تعكس
فلسطين
وناسها، ولا تقع في المحظور الخطابيّ للسينما. الخطابة مؤذية
للسينما. إنها الأداة
الأشرس في تحطيم السينما. دروس التاريخ أيضاً. التسطيح. هذه كلّها تقتل
الفن
والمخيّلة، وتجعلهما تصنّعاً وادّعاءً. بل لا تجعلهما فناً. «مملكة النمل»
نموذج
واضح عن عبقرية التفريغ الدرامي والإنساني للقضية الفلسطينية،
ولحكايات ناسها.
تفريغ متمثّل بسيناريو مفكّك، وحوارات ساذجة، وأداء متصنّع، وتصوير منقوص،
ومونتاج
ممل، وموسيقى مؤذية. تفريغ متمثّل بمقاربة بدائية لحكاية
فلسطينية، وبتمثيل أُريد
له أن يكون مزيجاً من المسرح والتلفزيون والسينما، فإذا به لا يتعدّى
التمرين الأول
لمبتدئين في الدراسات التمثيلية. هناك استسهال أيضاً: في التعاطي مع الرموز
والأساطير. في التعامل مع شخصيات إسرائيلية، وفلسطينية أساساً.
في تحويل الحكاية
الفلسطينية الفردية إلى نصّ سينمائي متكامل. في الاشتغال السينمائي أيضاً.
إذا
كانت صورة الجندي الإسرائيلي العدوّ والقاتل في «مملكة النمل» ساذجة وسطحية
تعكس
جهلاً أو استخفافاً به، فإن صورة الفلسطيني في الفيلم نفسه كشفت أن
الغالبية
الساحقة من العرب لا تزال تتعامل معه بصفته ضحية فقط. قد يكون
ضحية، لكنه إنسان
أولاً وقبل أي شيء آخر. في الفيلم، ظهر مناضلاً مشحوناً بأساطير ورموز.
ضحية تصرخ
في وجه جلاّدها على الطريقة المصرية. صراخ من أجل لاشيء. تصوير ممل للعلاقة
الصدامية بين الفلسطيني والإسرائيلي. تصوير ممل لعلاقة الحبّ
بين البطلين.
للحــكايات الموغلــة في الحدّ الواهي والفارغ بــين الواقــع والمتخــيّل.
للقطات
المعارك بين الطرفــين العــدوين (أية سذاجة!).
في الملفّ الصحافي تحديد للنصّ
السينمائي الذي كتبه خالد الطريفي وشوقي الماجري معاً. تحديد
لفلسطين في العام 2002.
ثلاثة أجيال: جيل الأسبقين، وجيل اليوم، وجيل الغد. قصّة حب بين مناضل متخف
وصبيّة رهنت ذاتها وروحها له ولهذا الحب. جدّ وجدّة يراقبان التحوّل
الزمني،
ويحفظان الذاكرة. صدام وحرب وخراب. هذا كلّه حسنٌ. لكن السؤال
الأبرز بسيط جداً:
أين هي السينما؟
ن. ج.
يُعرض «مملكة النمل»، بدءاً من بعد ظهر اليوم، في
صالات المجمّع السينمائي «أمبير»، في «سينما سيتي» (الدورة) و«دون» (فردان)
و«متروبوليس» (أمبير صوفيل، الأشرفية) و«سوديكو سكوير» و«غالاكسي» (بولفار
كميل
شمعون).
السفير اللبنانية في
20/09/2012
32
فيلمـاً مـن أقــطار عربيــة متعــدّدة
«ربيع
السينما العربية» في باريس.. الحراك السينمائي مقابل
الحراك الجماهيري
نديم جرجورة
تتوالى الاحتفالات
بالسينما العربية في مدن أوروبية عدّة. فعلى الرغم من التفاوت الإبداعي بين
احتفال
وآخر، وجدت السينما العربية أمكنة متنوّعة لها، سواء عبر إنتاجات حديثة
جداً، أو من
خلال استعادات قديمة. «جمعية السينما العربية الأوروبية»، التي تأسّست في
حزيران
2009، اختارت الأيام الثلاثة الأخيرة من أيلول 2012
لتقدّم النسخة الثانية من «ربيع
السينما العربية». سعت الجمعية إلى إنشاء «جسر بين ضفتي
المتوسّط، يرتكز على تبادل
فعّال للخبرات والمعارف في مجالات الإنتاج والتوزيع ونشر الأعمال
السينمائية في
بُعديها العربي والأوروبي». منذ تأسيسها، أرادت الجمعية مهرجاناً سنوياً
مختصّاً
بالسينما العربية في باريس، بعد نحو عامين (حينها) على توقّف «بينالي
السينما
العربية» في «معهد العالم العربي» في العاصمة الفرنسية.
«الربيع العربي»: اسم
مثير لنقاش ينطلق من وقائع ميدانية أثمرت انقلاباً تاريخياً على حكّام
ديكتاتوريين،
وأفضت إلى امتلاك «الإخوان المسلمين» وأشباههم زمام الأمور في أكثر من بلد.
اسم
مثير لنقاش يبدأ من الاسم نفسه، ومن مدى «صحّته» الثقافية والأخلاقية
والإنسانية.
لكنه اسم مُتَداول بشدّة منذ بداية الحراك الشعبي العربي في تونس نهاية
العام 2010.
اسم انتقل إلى النتاج الثقافي والفنون،
وألهم ابتكاراً لأشكال جديدة للتعبير
البصري. اسم أرادته «جمعية السينما العربية الأوروبية» عنواناً
لتظاهرة سينمائية
ممتدة على ثلاثة أيام، بين 28 و30 أيلول 2012، تتّسع لأصوات سينمائية
مختلفة.
لكن السؤال الأبرز كامنٌ في عنوان التظاهرة ومضمونها: «ربيع السينما
العربية». غالبية الأفلام المختارة منصرفة عن وقائع الحراك الشعبي، بينما
العنوان «قد» يُحيل إلى معنى آخر: ولادة نمط تعبيري
سينمائي عربي جديد. هذه تُحسَب لإدارتي
الجمعية والتظاهرة. الأفلام المختارة، أو بعضها على الأقل،
دليلٌ على «حراك»
سينمائي يبدو أنه ذاهبٌ بالتجديد الشكليّ والتعبيريّ إلى أنماط أخرى.
التنويع
الدرامي للأفلام الروائية والوثائقية كفيلٌ بتقديم نماذج
سينمائية مستلّة من واقع
الحال الإبداعي الراهن. الطويل والقصير متداخلان في عروض يومية. البرمجة
المتضمّنة
اثنين وثلاثين فيلماً من دول عربية ممتدّة من الإمارات العربية المتحدّة
إلى
المغرب، تُشكّل مدخلاً لمُشاهدة تعابير حديثة عن حيوات عربية
متناقضة ومتشابكة
بعضها ببعض. حرفية سينمائيين تتجاور وموهبة آخرين بدأوا رحلتهم الفنية
حديثاً.
العروض الموعودة مترافقة و«طاولة مستديرة»
بعنوان «سينما الربيع العربي: حقائق
جديدة، تحدّيات جديدة»، تديرها الزميلة اللبنانية هدى إبراهيم، ويُشارك
فيها
المغربيّ فوزي بنسعيدي والجزائري مرزاق علواش واللبنانيَّان رامي نيحاوي
ورانيا
رفاعي والتونسي إسماعيل والفرنسي ديفيد غـــيرون ترتياكوف. هذا
الأخير حاضرٌ
بصفــته منسق «محترفات فاران»، التي تنفرد بحــيّز خاصّ باشتــغالاتها
الأخيرة في
القــاهرة مع «جمعية سمات»، تُعرض فيه أربعة أفلام وثائقية جديدة: «خلال
الليل»
لنهى المعداوي، و«28.01.2011» لمحمد فرج، و«من أجل نينا» لأسامة الورداني،
و«مهرجان» لعمر الشامي. بالإضافة إلى هذا كلّه، هناك حفلة خاصّة بـ«المنظّمة
الدولية للفرنكوفونية»، يُعرض فيها فيلما «النظّارات» للتونسية
ناديا ريّس و«يامو»
لنيحاوي.
أفلام عديدة، منها «سلام غربة» للمغربية لميا علمي (عن مأزق البؤس
والفقر والمهانة والنكران والفقدان، والسعي إلى الهجرة)، و«الرحيل من بغداد»
للعراقي قتيبة الجنابي (قسوة المنفى والذاكرة المضرّجة بالدم والخراب
العائليين)،
و«اختفاءات سعاد حسني الثلاثة» للّبنانية رانيا اسطفان (ولّفت المخرجة
لقطات عديدة
من أفلام سعاد حسني، صانعة من التوليف شريطاً ذكياً وحميماً وجميلاً)،
و«الجمعة
الأخيرة» للأردني يحيى العبد الله (الانشقاق العائلي والمرض
والرغبة في الخروج من
نفق الحياة)، و«بيع موت» لبنسعيدي (تفاصيل عن الحياة اليومية القاسية
لمجموعة من
الشباب)، و«ابن العم أون لاين» للسوري محمد علي الأتاسي (بعد 11 عاماً على
إنجازه
«ابن
العم» مع المناضل السوري رياض الترك، عاد المخرج إليه لاستكمال حكاية العيش
على تخوم الخطر)، وغيرها. تنويع مفتوح على أسئلة الصورة والواقع العربيين،
في ظلّ
تبدّلات المرحلة، أو في لحظة انبعاث اختبارات جمّة تتيح للسينمائيين العرب
الشباب
إمكانية التغيير التعبــيري. أفلام مزجت الشكل بالمضمون،
بتركيــزهما على مفردات
العمل البصري، وإن اهتــمّ بعضها بمضمون إنساني أو سياسي أو أخلاقي، أكثر
من
اهتمامه بالشكل.
السفير اللبنانية في
20/09/2012
المثقف الكلي والفيلسوف الوضعي ورجل الدين الثوري
الأميركي «السيّد».. سينما ملحمية عن هرطقة
حداثية
زياد الخزاعي
(لندن)
يُلمح المخرج
الأميركي بول توماس أندرسن، في جديده «السيّد» («الأسد الفضّي» من «مهرجان
البندقية
السينمائي الـ69)، إلى أن كائن العالم الجديد ليس، بالقطع، مجبُوراً على
استنساخ
«خالقه»،
ومسايرة نموذجه، والتطبّع بسلوكياته، ورفع شعاراته. بل يحقّ له فقط أن
يكون تابعاً لهيمنته، وحامياً لمملكته، وعاسّاً على مريديه وأعدائه في آن.
في أعراف
هذه الغرابة، حقيقة مَكْسُورة اللسان، عمادها أن الضحية تتماهى دائما مع
جلاّدها
الذي يمتلك قوّة الحُجّة، وانتصار البَأس، وتفرّده بعُدَّة
انقلابات
التواريخ.
أندرسن (مواليد العام 1970) مُخرج نبيه وإشكاليّ. في نصّه البليغ «ستكون هناك دماء» (أو «ستُسفك دماء»،
2007)، قَارَب صناعة الغول الصناعي الذي
يشيّد امبراطوريته النفطية على السرقة والحيلة والجَشع. فهذا
الكائن الجبّار،
المدعو دانيال بلينفيو (دانيال داي لويس)، يكتسح الجميع كونه قوّة تاريخية
وانقلابية، تؤسّس «كارتلاً» استعمارياً مستقبلياً، مهووساً بكل قطرة بترول
على هذه
الأرض، ويتوجب عليه استحواذها، وإن تطلّب الأمر سفْك دماء مالكيها
الأصليين. في
«السيّد»،
تعود هذه الإشارة السجالية بقوّة، لكن من باب الأفكار ودسائسها التي
شهدتها حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مع الهبات الأميركية الكاسحة
لقيم
السياسة والاجتماع والإيمان. كان منعطف حركة «الهيبّيين»
والمشيخات الدينية المحدثة
(مون،
كريشنا، إلخ.) و«النيو ـ مسيحية»، وصعود المحافظين الجدد، والعصائب الزنجية
والتروتسكية وغيرها، ثورة عارمة ومفعمة بالتغيير في مجتمع هائل حافظ على
«الفردانية»
كقيمة اعتبارية وحصانة حقوق. يتماهى السيّد لانكستر دوود (فيليب سايمور
هوفمان) مع صِنْوه النفطيّ، لكن ببذلة المثقّف الكلّي، والفيلسوف الوضعي،
ورجل
الدين الثَوري. إنه النتاج المتنوّع الوجوه للأميركي المنتصر
في حربه ضد الفاشيات
العالمية.
لئن عزَّز بطل «ستكون هناك دماء» كينونته العائلية بـ«سرقة» نُطْفة
الوليد اليتيم، وخداع الآخرين باعتباره «الشريك الوحيد» لامبراطوريته
المقبلة، فإن
بطل «السيّد»، الساعي إلى لاهوت جديد يسمّيه «الدافع»، يرى في
البحّار الشاب
المضطرب فريدي كويل (أداء مُشِعّ ليواكيم فينيكس)، الآتي من آتون الحرب
وجروحها
النفسية العصية، مادة للتحوّل البشري، وتطويع الوحش الكامن في الأميركي
المتعطّش
على الدوام للإنتقام. نرى كويل عند حافة المحيط أو فوق بارجة
حربية، وهو يُمارس
عنفه وإدمانه وسرقاته وعصابيّاته الجنسية (المشهد الصاعق لاستمنائه وحوله
زُمْرته).
إنه الناتج المشوَّه لفظائع الحروب. الكائن
الذي غادرته الروح، وانتفى الخلاص في
كيانه. يقتل كويل عجوزاً من السكّان الأصلين بتقطيره مُسكراً
خطراً، ويغتصب صبية،
ويدخل في عراك دموي مع جنوده، قبل أن يوجِّه تَحْقيره ضد رجل يتباهى
بطبقيّته
و«بياض سحنته»، فيرى في بدانته وعجرفته عَفَناً اجتماعياً لا يستأهل من
أجله خوض
حرب الأقانيم البعيدة. بعد هذه المقدّمة الطويلة، يتقابل
الثنائي دوود ـ كويل على
باخرة، حيث يعقد الأول جلساته الطبية المغلفة بالروح الكنسية، ويُخضع
الثاني في
الحال إلى «العلاج بالاستنطاق» (أسماها أتباع «تعاليم العلملوجيا» وسيلة
الاستماع).
«السيّد» تحوير سينمائي لمؤسّس الكنيسة الساينتولوجية رون هوبارد (1911
ـ 1986). هو المُدبِّر الطبيعي للتدقيق في خطايا هذا الكائن الذي عليه
الخضوع
لأوامر وتعليمات، وصولاً إلى صفائه الذاتي، عبر نَفْي خصيصته
الإنسانية من مشاعر،
وتلقائيّتها. تتجلّى هذه الأخيرة في مشهد نادر، نرى كويل فيه ضمن هلوساته،
يتابع
رقص سيّده الجذل مع نساء عاريات كما في وصف فردوس إنجيلي. الخراب الشخصي
للبحّار
الشاب لن يجاري الـ«مكننة» النفسية التي يمتحنها السيّد عليه،
وعندما تقول زوجته
النافذة بيغي (آمي أدمز) إن «الخلاص تَخَطاه»، نعي أن المخلوق الجديد لا
كفالة له
سوى أن يصبح تابعاً وحارساً وعميلاً، يعاقب كل من ينتقد سيّده، بما فيهم
ابن دوود
نفسه، ولن يتخلّى مُطلقاً عن فردانيّته ووحشيّته وعنفه. هذا قانون مَنْ
فَقَد
الرحمَة إلى الأبد.
لا يُمكن اعتبار نصّ مخرج «بوغي نايتس» (1997) و«مغنوليا» (1999)
سيرة كائن غامض الدوافع، أراد أن يجعل من مُعتَقَدٍ مُخْتَرَعٍ مفتاحاً
لهندسة اجتماعية جديدة، بل هو محاججة سينمائية ملحمية (137 د.)
سَلِيطة اللسان
لتاريخ هَرْطَقة حداثية أنتجها مجتمع النصر، وإشارة ضمنية إلى عودة خطاب
التزَمّت
الديني بوجوهه المتعدّدة، منذ تعاظمه في الولايات المتحدّة الأميركية مع
يمينيّة
الرئيس الراحل رونالد ريغان، وتعزّزه لاحقاً مع سياسات وريثه جورج بوش
الإبن،
بحروبه الاستباقية التي أنتجت، بحسب أندرسن، شَراسة لا مثيل في
تعطّشها لسيادة
الدم، كما هي حال ابن الحروب الكونيّة الأميركية التابع
كويل.
السفير اللبنانية في
20/09/2012
«الحبيبة» لماكس أوفولس:
لمسة حنان أخيرة قبل هيمنة النازية
إبراهيم العريس
حينما
حقق ستانلي كوبريك، المخرج الأميركي الكبير الذي كان يعيش منفياً في
بريطانيا ومات فيها، فيلمه الأخير «عيون مغلقة على اتساعها»، أعلن منذ
البداية ان الفيلم سيكون مقتبساً عن قصة للكاتب النمسوي آرثر شنيتزلر.
ويومها تبين لكثر انهم لم يسمعوا سابقاً بهذا الاسم، او انهم سمعوا به في
شكل غامض الى حد ما. وحين قرئ عمل هذا الكاتب، يومها، على نطاق واسع، سأل
كثر أيضاً، لماذا لم يسبق للسينما ان نهلت من أعماله، هو الذي تتميز
أعماله، مسرحية أم روائية كانت، ببعد بصري يعطي السينما مجالاً كبيراً
للتعامل معه. طبعاً سيعرف السائلون بعد ذلك ان كوبريك لم يكن أول من اقتبس
عملاً لشنيتزلر، بل إن أعمالاً عدة له كان سبق للسينما أن دنت منها، بما في
ذلك روايته «الدائرة». بل سيعرف كثر ايضاً، أن واحداً من أول الأفلام
الألمانية الناطقة من اخراج ماكس أوفولس، كان مقتبساً عن واحدة من أشهر قصص
شنيتزلر وعنوانها «ليبيلي» (الحبيبة)، كما ان اوفولس نفسه، سيحقق في فرنسا،
في العام 1950 فيلم «الدائرة» وأيضاً عن عمل لشنيتزلر. بل ان انكباب اوفولس
منذ ثلاثينات القرن الفائت على الاهتمام بأدب شنيتزلر، وفّر لهذا الأخير
شعبية لا بأس بها، أفادت منها أعمال أخرى له، حتى وإن كانت السينما قد
نسيته لاحقاً، حتى أولع كوبريك بواحدة من قصصه وأفلمها.
> ونعود هنا الى «الحبيبة»، الذي كان في العام 1933 آخر فيلم يحققه
ماكس أوفولس في وطنه المانيا قبل أن يضطر الى سلوك درب المنفى إثر الصعود
المدوّي للنازيين. وإذا كان اوفولس توجّه يومها من فوره الى فرنسا، فإنه
لاحقاً وطوال أكثر من عقدين، سيواصل سلوك درب المنافي فيحقق بقية أفلامه في
روما حيناً وفي فرنسا أحياناً وفي الولايات الأميركية المتحدة بينهما،
وغالباً انطلاقاً من أعمال أدبية (لغوته ولويز دي فيلمورين) أو من أحداث
تاريخية كبرى (مأساة مايرلنغ مثلاً...). ومع هذا سيبقى «الحبيبة» من أشهر
أفلامه وأفضلها، الى جانب «الدائرة» وفيلمه الأخير «لولا مونتيس» (1955).
> للوهلة الأولى، قد يبدو «الحبيبة» فيلماً ميلودرامياً، متسارع
الأحداث. غير ان اللافت في هذا الفيلم هو أن أحداثه انما هي ذريعة حقيقية
لرسم ملامح طبقة معينة من طبقات المجتمع. إذ سار اوفولس، وحرفياً تقريباً،
على خطى شنيتزلر الذي كان في هذا العمل يستقي إلهامه، وللمرة الأولى، من
حياة البورجوازية الصغيرة في مدينة فيينا خلال الربع الأخير من القرن
التاسع عشر. وشنيتزلر في الأصل كان، بعد أن وضع الحكاية على شكل قصة متوسطة
الطول، حوّلها الى مسرحية قدمت للمرة الأولى في العام 1895... ومنذ تقديمها
عوملت المسرحية بصفتها أوفى صورة رسمت حتى ذلك الحين عن حياة تلك
البورجوازية الصغيرة وأخلاقها. أما الموضوع، في الفيلم، كما في القصة وفي
المسرحية مع بعض التعديلات الطفيفة - حيث ان الفيلم نقل الأحداث الى العام
الأخير من القرن التاسع عشر -، فيتمحور حول كريستين فايرنغ، الابنة الحسناء
لعازف كمان في أوبرا فيينا والتي يحدث لها ذات مساء أن تقبل دعوة عشاء
ترافق فيها صديقتها ميتزي شلاجر، وملازمين من الحرس الامبراطوري النمسوي.
وخلال ذلك العشاء، تخوض ميتزي ذات المزاج الصاخب، غزلاً واضحاً مع الملازم
ثيو، فيما يقوم الملازم الآخر فريتز بإحاطة كريستين بكل رعايته، إذ استأثر
باهتمامه مقدار لطفها وهدوئها وسحر شخصيتها. وكما كان يمكن أن يتوقع تبدأ
حكاية غرام حقيقية بين كريستين وفريتز. وكاد كل شيء هنا يسير بشكله الطبيعي
لولا ان ماضي فريتز يكون له بالمرصاد. فهو كان قبل فترة على علاقة بزوجة
رجل عرف ببأسه وغيرته. وإذ يكتشف الزوج، تلك العلاقة من خلال عثوره على
رسائل متبادلة بين فريتز وزوجته، يستبد به الغضب ويتصدى للعاشق داعياً اياه
الى المبارزة، صوناً لشرفه. ذلك ان قواعد اللعبة المعهودة كانت تقضي بأن
على واحد منهما أن يموت. ويقبل فريتز، لتمسكه بمواثيق الشرف الاجتماعية، أن
يخوض المبارزة مع الزوج، وتنتهي تلك المبارزة بمقتل فريتز. وبعد ذلك بأيام
قليلة يتوجه ثيو، الى منزل كريستين وهو متشح بالسواد لكي ينقل اليها النبأ
الصاعق. والحقيقة ان النبأ يحطم قلبها وفي اتجاهين في الوقت نفسه: اتجاه
فقدانها لفريتز الذي كانت أحبته حقاً، ولا يمكنها تقبل فكرة مقتله بهذه
السهولة، واتجاه ادراكها اذ عرفت الدافع لمقتله والسبب الكامن وراء
المبارزة، انها في الحقيقة لم تكن بالنسبة اليه سوى مغامرة عاطفية أخرى...
معشوقة بديلة، مع انها هي أحبته من كل فؤادها واعتبرته حبها الأول والوحيد.
وهكذا، إذ جرحت في حبها وفي كرامتها، ينتهي الفيلم عليها إذ ترمي نفسها من
النافذة... أما في الرواية فإنها تركض لترمي نفسها فوق قبر فريتز، في الوقت
الذي يدرك فيه أبوها أنها مائتة لا محالة ولن تعود اليه أبداً.
> في الحقيقة ان ماكس اوفولس، حين أقدم على تحويل العمل الى فيلم
سينمائي، كان يعرف انه انما يقدم عملاً كان من النادر للسينما أن دنت منه،
ليس في مجال ميلودراميته أو كونه قصة غرام وخيبة، بل في مجال قدرته على رسم
الصورة الطبقية لشخصياته في كل وضوح... لكنه كان يعرف أيضاً أنه لا يجازف
كثيراً، إذ ان مسرحية شنيتزلر كانت ذات شعبية كبيرة، في ذلك الحين، في طول
أوروبا وعرضها. وكان الجمهور يدرك حقاً دقة شنيتزلر في رسم هذه الشخصيات
ونمط العلاقات في ما بينها، هو الذي كان مهتماً بتصوير التناقضات الماثلة
بين لا مبالاة شبيبة تلك الأزمان وإقدامها على خوض حياة لاهية لا تنظر الى
المستقبل بأي خوف، أو اهتمام حتى، وبين صرامة الأعراف الاجتماعية، ممثلة
هنا بجمود قواعد السلوك العسكري - والطبقي بالتالي -. ولعل التجديد الأساسي
الذي قام به أوفولس هنا هو تركيزه على النقد الاجتماعي، ولكن لمصلحة
انبعاثة رومنطيقية ما... وذلك عبر ادخاله في العمل قسطاً من حنين الى
الماضي كان غالباً ما يميّز أعمال سنواته الأولى. وقد تمثل هذا في
«الحبيبة» في حركة الكاميرا المنطلقة والمتحررة (ضمن حدود ما كانت تقنيات
السينما تسمح به في ذلك الحين) التي راحت ترافق الحبيبين خلال علاقتهما
القصيرة وكأنها جزء من طبيعة حنون تحنو عليهما. وبخاصة خلال مشهد الترعة
فوق المزلاج وسط الغابة المكسوة بالثلوج.
> حتى من قبل عرضه، كان متوقعاً لهذا الفيلم أن يحدث تجديداً في سينما
ألمانية كانت شديدة الجدية في ذلك الحين. لكن وصول النازية الى الحكم
واعتبار كل رومنطيقية غير قومية نوعاً من الانحطاط الابداعي، اجهض المشروع،
فتضافر معه هروب أوفولس، النمسوي الهوى والألماني الثقافة، الى بداية
منافيه ليجعل من «الحبيبة» جوهرة نادرة في مسار تلك السينما الألمانية. أما
اوفولس نفسه فإنه، كما أشرنا، جرب حظه أول ما جرب في فرنسا حيث حقق فيلم
«لقد سرقوا رجلاً» (1934) ثم توجه الى روما، ثم الى هولندا محققاً بين
البلدين بعض أفلامه الكبرى. وفي العام 1947، كان دور منفاه الأميركي، حيث
حقق خلال عامين فيلمين أشهرهما «رسائل من امرأة مجهولة» عن رواية ستيفان
زفايغ. وهو عاد في العام 1950 الى فرنسا ليحقق فيها أفلامها الأخيرة -
والتي ستبقى الأشهر بين أفلامه كلها - ومنها «الدائرة» و «لولا مونتيس»
ولكن أيضاً فيلم «اللذة» الذي أثار حين عرضه عواصف كثيرة لم تهدأ، حتى بعد
توقف اوفولس عن العمل ثم موته في العام 1957 عن عمر يناهز الخامسة
والخمسين.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
20/09/2012
برنامج بريطاني في معقل «قاعدة» اليمن
قيس قاسم
في
اليمن يوجد اليوم أقوى تنظيم لمنظمة «القاعدة»! واقعة قرر الصحافي العراقي
غيث عبد الأحد التحقق منها، فتوجه من لندن الى اليمن لإجراء برنامج
تلفزيوني في المناطق التي أعلن التنظيم تحريرها واقامة دولته الإسلامية
فيها، ومقابلة بعض كبار قادتها إذا سمحوا بذلك.
صوّر فريق التلفزيون البريطاني في العاصمة صنعاء مظاهر الحياة اليومية
هناك، وسجل خروج تظاهرات احتجاجية لعناصر من الجيش ضد فساد مؤسستهم
العسكرية، الى جانب بروز مظاهر الفقر وضعف سيطرة الدولة، مع إحساس طاغ
بآثار التركة الثقيلة التي خلفها وراءه الرئيس المتنحي علي عبد الله صالح
في كل مفاصل الحياة. تلك العناصر بمجموعها توفر كما قال السفير الأميركي في
صنعاء «أرضية مثالية لتواجد «القاعدة» وتقوية نفوذها».
وخلال لقاءاته مع سياسيين وضباط كبار في صنعاء سمع عبد الاحد ان الخطر
الحقيقي لـ»القاعدة» يأتي من جنوب البلاد، وبالتحديد من ثاني مدنها عدن
بسبب سيطرتها على مناطق كثيرة، ما يعطيها تفوقاً عسكرياً وإعلامياً.
عدن التي كانت يوماً واحدة من أكبر المراكز التجارية في المنطقة،
وجــدها غـــــيث، وقد تحــولت الى بؤرة للفقر وعبث الجماعات المــسلحة
التي لا يعرف ناسها ما إذا كانوا تابعين لـ»القاعدة» أو لغيرها، فيما يكتفي
الجيش بمراقبتهم من فوق قمم الجبــال المحيطة بها، ويطلق النار على
المدنيين أو المحتجين متى أراد ذلك، ما زاد من كراهية الناس له. وبالنــسبة
الى دعاة الانفصال فهو ليس أكثر من جيش محتل لا يقل خطراً عن الجماعات
المسلحة نفسها.
الاتصال بـ»القاعدة»
بعد مضي ثلاثة أسابيع على اتصاله بوسيط «ثقة»، تلقى عبد الاحد إشارة
من «القاعدة» تسمح له بالتوجه الى مدينة جعار التي تُحكم السيطرة عليها
بالكامل. عبر طريق صحراوي، متجاوزاً مفارز الجيش، وصل الى جعار برفقة رجال
من البدو سلموه الى الوسيط الذي ظهر أنه أحد القادة السياسيين لمنظمة
«أنصار الشريعة» ويدعى فؤاد. في جعار كانت أعلام «القاعدة» مرفوعة في كل
مكان، وقوانينها ملزمة على من تبقى من السكان بعدما هاجر كثيرون الى عدن
القريبة بسبب قصف الطيران المستمر على مدينتهم. جعار تبدو كمركز عسكري
مستقل خاضع بالكامل لـ»أنصار الشريعة» من يمنيين وأجانب جاؤوا من العراق
والصومال والسعودية وغيرها، فهي كما يقول غيث «ليست «قاعدة» طالبان... انها
بالفعل قاعدة شبة الجزيرة العربية ويحاول أعضاؤها تأكيد ذلك في كل مناسبة».
يجمع مقاتلو «القاعدة» في حكمهم المدينة بين تقديم الخدمات مثل توفير الماء
والكهرباء وتعليم الأطفال لكسب قلوب أهلها، وبين ضوابط شرعية صارمة، الخارج
عنها يحكم عليه بالموت. وقد سمع من أحدهم انهم صلبوا رجلاً خرج عن أوامرهم،
ثلاثة أيام على عمود وسط المدينة.
عزان.. موقع «القاعدة» الآمن
بعد زيارته جعار عاد المحقق الى عدن في انتظار زيارة لمنطقة عزان
الجبلية المعزولة والتي يعتقد أن كبار قادة التنظيم اتخذوها منطقة آمنة
لهم. كان الطريق اليها خطراً وعرضة لقصف الطائرات الأميركية من دون طيار،
ففيها كان يقيم الداعية الأميركي المولد أنور العولقي، وفيها قتل عام 2010.
واليوم يتخذها أكثر عقول تخطيط المنظمة مركزاً لهم وقد التقى بعضهم فريق
العمل وأجرى معهم حوارات مقتضبة. في عزان شعر فريق العمل بالخوف لشدة
التفتيش وعدم السماح لهم بالتصوير، لكنهم في جانب ثان كانوا مطمئنين بما ان
من أوصلهم واحد من قادة القبائل المجاورة وبالتالي فإن تعرضهم لأي أذى
سيعده هؤلاء اعتداء عليهم، وهو ما تخشاه «القاعدة»، فبالنسبة اليهم الخطر
الأكبر يأتي من القبائل لا من الجيش أو الطيران الأميركي، وهم لا يريدون
تكرار تجربة «الصحوات العراقية» ثانية في اليمن.
مع كل الحرية التي يتمتع بها تنظيم «القاعدة» في جنوب اليمن هناك توتر
دائم بينه وبين الإنفصاليين الجنوبيين وقبائلهم القوية. فالتنظيم يريد
«الوحدة الإسلامية» فيما الجنوبيون يريدون «الانفصال» عن الشمال ولهذا
فالصراع على أشده بينهم في مناطق مثل لودر وجوارها.
الى صنعاء.. ثانية
في العاصمة كان عبد الأحد وفريق عمله على موعد أخير مع أحد قادة
«القاعدة» لكنه لم يتم بسبب موت ذاك الشخص في عملية للجيش. بعد أيام
وانتقاماً لموته فجر انتحاري نفسه في عرض عسكري للجيش قتل فيه نحو مئة
جندي.
وفي محاولة للسيطرة على الوضع وتنفيذاً للوعد الذي قطعه على نفسه
بالقضاء على «القاعدة» نفذ الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي هجوماً مضاداً
على مواقع لهم في جنوب البلاد أجبرهم فيها على الهروب الى الجبال البعيدة،
لكنهم سرعان ما عادوا وقاموا بعمليات مضادة أثناء تواجد فريق التلفزيون
البريطاني في صنعاء، ليخرجوا أثره بإنطباع ان الصراع لم يحسم بعد بين
الطرفين وبقوة وجود «القاعدة» هناك قد يأخذ وقتاً طويلاً وطويلاً جداً.
الحياة اللندنية في
20/09/2012
كلينت إيستوود يعود ممثلاً في الـ 82
لوس انجليس - أ ف ب
من شبّ على خلق شاب عليه... فبعدما أعلن كلينت إيستوود أنه تخلى عن
التمثيل للتفرغ لمهنة الإخراج، ها هو يعود الى التمثيل وهو في الـ82 من
عمره مع فيلم «ترابل ويذ ذي كورف» الذي يتناول العلاقة بين أب وابنته
والتقدم في السن. وقرر النجم الهوليوودي ألا يخرج هذا الفيلم الذي يعرض
نهاية الأسبوع الجاري في صالات أميركا الشمالية، فسلّم المهمة إلى مساعده
ومنتج أفلامه روبرت لورنز.
وكانت المرة الأخيرة التي مثّل فيها كلينت إيستوود في فيلم ليس من
إخراجه، منذ قرابة 20 سنة، مع فيلم «إن ذي لاين أوف فاير» للمخرج فولفغانغ
بيترسن، غير أن روبرت لورنز «قام بعمل مذهل»، كما صرح الممثل لوسائل
الإعلام خلال عرض فيلمه في بيفرلي هيلز، وأضاف مازحاً: «هو يطالب بإصرار
منذ سنوات بإخراج فيلم، وكانت هذه الفرصة المناسبة».
يتمتع كلينت إيستوود بقاعدة معجبين واسعة، غير أن صورته تأثرت بعد
مشاركته في المؤتمر العام للحزب الجمهوري. والميول السياسية للممثل معروفة
منذ وقت بعيد، لكن مضمون حواره الغريب وغير المتناسق مع كرسي فارغ، نال من
هالته وعكس صورة رجل متعب يتقدم في السن. لكن كلينت إيستوود الذي أتى لحضور
العرض الأول لفيلمه بدا واثقاً من نفسه يمازح من حوله بصوته الجهوري
المبحوح، وتقبّل برحابة صدر الأسئلة التي طرحت حول سنه، فقال مبتسماً:
«عندما تبلغون عمراً معيناً، جل ما يسعدكم هو أن تبقوا على قيد الحياة! وقد
راقت لي مسيرتي حتى الآن، وأنا أحاول التمتع بالمسار المتبقي».
يتمحور فيلم «ترابل ويذ ذي كورف» حول الشيخوخة ومشاكلها، ويؤدي فيه
إيستوود دور مكتشف مواهب لنادي بيسبول في أتلانتا، يرفض أن يعترف بأنه يصاب
بالعمى تدريجياً. ويعجز هذا المدرب العكر المزاج أن يقيم علاقة هادئة مع
ابنته (ايمي آدمز) التي تقبل بمرافقته في مهمة إلى كارولينا الشمالية، في
مسعى إلى كسر الجليد.
وأكد إيستوود انه استمتع كثيراً بالعودة إلى دور الممثل والتخلي عن
مهام المخرج: «بعد فيلم غران تورينو، قلت لنفسي إنه من غير الصائب
الاستمرار في القيام بالمهمتين معاً، حتى لو كنت أقوم بذلك منذ 40 سنة»،
علماً أن اول فيلم أخرجه كان «بلاي ميستي فور مي» (1971). وتابع: «لن أزاول
المهنتين معاً على الأرجح، أقله لفترة من الزمن، لكنني كنت قلت أيضاً إنني
لن أمثل أبداً وبدّلت رأيي... فنحن نكذب أحياناً».
لكنه كان صادقاً، في مؤتمر الحزب الجمهوري، عندما دعا الأميركيين إلى
عدم التصويت لباراك أوباما مجدداً، وأقرّ بأن خطابه لم يكن متماسكاً، إذ
أعدّه قبل «خمس ثوان» من اعتلاء المنصة، وختم قائلاً: «عندما تعتلون المنصة
وتجدون أمامكم 10 آلاف شخص متحمس، تغيب الأفكار عن بالكم».
الحياة اللندنية في
20/09/2012 |