لعل اول ما يفاجئ زائر تورونتو للمرة الأولى، حين يطلّ عليها عند
الصباح المشرق من علوّ ما، صحة اللقب الذي يطلقه كثيرون عليها: نيويورك
الصغيرة. فالحال، هناك اشياء كثيرة في تضاريس المدينة وعمرانها يخلق لها
روحاً عامة تعطيها سمات الحاضرة الأميركية الكبيرة. غير ان نظرة ثانية،
ومعايشة اولى للمدينة الكندية ستكشفان ان الأمر ليس عمراناً وتضاريس فقط،
بل هناك الروح ايضاً، الروح التي تجعل تورونتو مشاركة في امر آخر شديد
الأهمية والعمق، مع نيويورك: اوروبية المدينتين. فحتى لو كان معظم ما
يشاهده المرء او يعيشه من حداثة فاقعة في المدينتين معاً، ينتمي الى حداثة
اميركية شمالية لا لبس فيها، من المؤكد ان ثمة تحت القشرة الخارجية روحاً
اوروبية خالصة من الصعب ادراك تفاصيلها إلا بعد معايشة طويلة. لكنها هنا
تحسّ بقوة، بل تحسّ الى درجة يبدو صادقاً معها من يقول ان تورونتو
الآنغلوفونية تبدو اكثر اوروبيةً من مونتريال الكندية الفرنكوفونية. هذه
الأخيرة ربما تعكس الأعلى الفرنسي لما قبل الطغيان الأوروبي المازج، أما
تلك فإنها في صلب ذلك الطغيان. اما ذروة هذا التفكير فتخالج المرء في
تورونتو امام مهرجانها السينمائي السنوي الذي بات منذ حقبة واحداً من اهمّ
المهرجانات السينمائية في العالم، وهو بالتأكيد المهرجان السينمائي الرئيس
في طول اوروبا الشمالية وعرضها. فهل يجب ان نقول انه انما حاز هذه المكانة
بفضل اوروبيته تحديداً؟
الجمهور هو الحكم
بالتأكيد... ولكن هنا لا ينبع هذا الحكم من حدس او احساس ما. بل من
واقع المهرجان نفسه، هذا المهرجان الذي يختتم بعد يومين دورته الجديدة،
ولكن من دون اي قدر من التشويق الذي يصاحب عادة توقعات الحفل الختامي. فهنا
في تورونتو ليس ثمة جوائز ختامية او لجان تحكيم ضخمة من النوع الرائج في
المسابقات الرسمية الأوروبية، ولئن كان ثمة سلّم تفضيلات في نهاية الأمر،
فإنه سلّم يترك الى الجمهور أمر ترتيبه. صحيح انه يكون ذا اهمية في هذا
المعنى ولكن ليس كما يحدث في بقية المهرجانات العالمية. الأهمية الأساسية
في مهرجان تورونتو تعطى للأفلام نفسها. للعروض السينمائية. للتنوع. وفي هذا
السياق تحديداً يمكن الحديث عن «اوروبية» تورونتو ومهرجانها. وهي اوروبية
قد تتفوق في نظر كثر على اوروبية مهرجانات مثل «كان» و «البندقية» و
«برلين» وتحديداً لأن من المعهود ان هذه كثيراً ما تسعى لكي تكون أميركية،
على العكس من المهرجان الكندي الذي يجهد، وأحيانا اكثر من اللازم، لكي يبدو
اوروبياً. والحقيقة اننا حين نتكلم هنا عن هذه النزعة الأوروبية نكاد نتكلم
عن النزعة الكوزموبوليتية التي فرضتها المهرجانات الأوروبية على محبي
السينما في العالم.
وكوزموبوليتية تورونتو الأوروبية هذه، تكفي لاكتشاف حضورها الطاغي،
نظرة على ما هو معروض من افلام في دورة هذا العام... فهي آتية من كل
القارات ومن كل المناطق الجغرافية التي لا يزال فيها للإنتاج السينمائي
حضور ما. وعدد الأفلام المعروضة في هذه الدورة يقترب من اربعمئة فيلم بين
طويل وقصير، بين روائي وتسجيلي، بين محلي وعالمي... وحتى بين جديد
وكلاسيكي. لكل صنف هنا مكانه وأفلامه ومحبّوه الى درجة اننا لو حاولنا ان
نضع لائحة بالعروض وأسماء الأفلام وأسماء اصحابها لاحتجنا صفحات وصفحات.
ومن هنا قد يكون من الأفضل ان نقول ان تورونتو عرض خلال الأيام التي مرّت
حتى الآن على دورته هذه، كلّ ما كان سبق لمعظم المهرجانات الكبيرة في
العالم أن عرضته، ناهيك بعشرات الأفلام التي تعرض هنا للمرة الأولى.
ومن هنا قد لا يكون مجافياً للمنطق ان نسميه «مهرجان المهرجانات». ففي
دورة هذا العام تحضر معظم الأفلام الكبيرة التي كانت عرضت في دورة «كان»
الأخيرة، وتلك التي فاتت «كان» فعرضت في «البندقية»، ومنها ما كان قبل ذلك
قد عرض في «برلين»... الخ. وعلى هذا النحو يتجاور هنا جديد تيرنس مالك «نحو
الدهشة» مع جديد والتر ساليس «على الطريق» المأخوذ من رواية جاك كيرواك...
ولئن كان هذان الفيلمان قد خيّبا آمال منتظريهما في «كان» و «البندقية»
تباعاً، فإن استقبالهما هنا بدا اكثر تسامحاً، ولعله محق ذلك الناقد الذي
قال تعليقاً على هذا، ان من يحب السينما لا يمكنه ان يتحدث عن خيبة امل
الوهلة الأولى طالما نعرف ان الزمن والعروض والمشاهدات التالية تخفف عادة
من الوطأة. وما نقوله هنا عن هذين العملين المستعيدين في تورونتو بعض بريق
يستحقانه، لا ينطبق طبعاً على «السيّد» لبول توماس اندرسون الذي صفق له
الهواة والنقاد هنا بقدر ما صفق له في «البندقية»... وهكذا حال فيلم
اوليفييه السايس «بعد أيار» الذي يقابل هنا باستحسان. في المقابل، ابدى كثر
حيرتهم امام فيلم «بييتا» الكوري الذي فاز بالجائزة الكبرى في البندقية
فيما كان يعرض هنا في تورونتو (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة).
هوليوود تصوّر هنا
هذا بالنسبة الى بعض الأفلام التي سبقتها الى تورونتو سمعة ما... اما
تلك التي بدت كاكتشافات فكانت اكثر عدداً بكثير، ولا سيما في التظاهرات
الرئيسة مثل: «المعلمون» و «عروض
خاصة» و «مافريك» حيث عرض معظم الجديد الآتي من بلدان
راسخة في الإنتاج كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ناهيك بالأفلام
الكندية نفسها والتي لفت ارتفاع عددها الأنظار، ولا سيما انظار الذين كانوا
اعتادوا ان يعتقدوا الفيلم الكندي فيلماً اميركياً هوليوودياً لا اكثر ولا
اقل. ولعل قولنا هذا مناسبة لإشارة هامة نبهنا اليها كثر من الأصدقاء هنا
وفحواها ان تورونتو، خارج اطار مهرجانها، تعتبر مكاناً مفضلاً لتصوير
الكثير من الأفلام الهوليوودية. وهذه ممارسة تتبعها الشركات الإنتاجية منذ
سنوات، من ناحية لأن كلفة التصوير هنا ارخص، ثم وهذا اهم، لأن التصوير في
تورونتو يخلّص المنتجين من ضوابط رقابية ونقابية كثيرة تكاد احياناً تدمر
السينما الهوليوودية. غير ان هذه مسألة من الصعب ربطها بالمهرجان حتى ولو
كان عدد الأفلام الكبيرة، والهوليوودية المعروضة فيه كبيراً. إذ حتى في هذا
الإطار لا بد لنا من ملاحظة ان معظم الأفلام الأميركية المعروضة انما هي من
النوع الذي يستهوي عادة الجمهور والمهرجانات الأوروبية، حتى وإن غاب جديد
دافيد كروننبرغ او وودي آلان او تيم بورتون – وهم، طبعاً الأكثر اوروبيةً
بين المخرجين الأميركيين والذين كان من شأن حضورهم ان يزيد من «الدوز»
الأوروبي في تورونتو.
غير ان هذه مهمة تمكّنت من انجازها مواهب سينمائية اخرى ومتعددة سواء
اكانت آتية من هوليوود أم من اوروبا نفسها أم من غيرهما. فميشال هانيكي
موجود بتحفته «الفرنسية» «حب»، وفرانسوا اوزون موجود بجديده والإيراني
كياروستامي حاضر بجديده الياباني، وماتيو غاروني بفيلمه الفائز بإحدى جوائز
«كان»، «الواقع»، والصيني شين كيغي حاضر بعد غياب طويل بفيلم صيني جديد له.
وغير بعيد منه يحضر تاكيشي كيتانو بالجزء الثاني من فيلمه «هيجان»...
والقضايا السياسية والاجتماعية التي تؤرق عالم اليوم حاضرة، من غضب الطبيعة
(كما في «المستحيل») الى الأزمة الاقتصادية العالمية (كما في «رأس المال»
للفرنسي العائد كوستا غافراس) والظلم اللاحق بالدول الفقيرة حاضر، وعلى
الأقل من خلال تكريم خاص للراحل حديثاً، كريس ماركر. كما ان تاريخ التمثيل
النسائي الرائع حاضر – الى جانب عابرات السجادة الحمراء من كبار نجمات
زماننا – من خلال تكريم خاص للرائعة آنا مانياني وعرض عدد من افلامها
الإيطالية القديمة.. فهل نتابع؟
.. وشرقنا الأوسط الحبيب
ربما يكون هذا ضروريا... ومع ذلك قد يكون من المنطقي إرجاء الحديث عن
مزيد من التفاصيل، الى مناسبات لاحقة للتوقف هنا، في ما يخصنا نحن العرب،
عند ما هو حاضر يمثلنا في هذه الدورة من تورونتو. للوهلة الأولى قد يبدو
الحضور العربي ضئيلاً من الناحية الكمية حيث اذا جمعنا الأفلام العربية مع
الأفلام غير العربية الموقّعة من سينمائيين غير عرب لكنها تتناول قضايا
عربية، سنجدنا امام ما لا يزيد عن دزينتين من الشرائط. غير ان ما يعزّي
هنا، هو ان ما تم اختياره وعرض او سيعرض من افلام ذات علاقة بالقضايا
والشعوب العربية يكاد يمثل مروحة عريضة كانت كافية لوضع العالم العربي
والشرق الأوسطي في قلب هذه المناسبة السينمائية التي تقام على بعد آلاف
الأميال من المنطقة العربية. فلماذا لا نضيف الى هذا واقع ان ثلاثة شرائط
عربية – في شكل او في آخر – عرفت كيف تلفت الأنظار وتستجلب كتابات وضعت بعض
النقاط على بعض الحروف؟
فيما يعنينا، من الواضح اننا سنتناول هذه الأعمال، ومراراً عدة
لاحقاً، لكننا في انتظار ذلك لا بد من ان نشير الى ان الفيلم «العربي»
الأكثر بروزاً وإثارة للسجال هنا – حتى كتابة هذه السطور على الأقل – هو
الفيلم الجديد للمخرج اللبناني زياد دويري الذي كان سبق له ان حقق شهرة
واسعة في عالم السينما العالمية بعملين لافتين على الأقل هما «بيروت
الغربية» و «ليلي قالت هذا»، وهو اذا كان جعل الحرب اللبنانية موضوع فيلمه
الأول والعمال العرب المهاجرين في فرنسا، موضوع الثاني، فإنه هنا، في جديده
«الهجوم»، يدنو من القضية الأصعب، من القضية الفلسطينية، ولكن ليس من
الزاوية التقليدية: انه هنا يقتبس رواية للكاتب الجزائري باللغة الفرنسية
«ياسمين خضرا» ليطرح تساؤلات شائكة حول العمل الفلسطيني من خلال حكاية
استاذ من عرب إسرائيل يكتشف فجأة مشاركة زوجته الشابة، وربّة البيت
الهادئة، في عملية انتحارية اودت بحياة مدنيين اسرائيليين... فيتجاوز حزنه
ليحقق في ما حدث. لقد اثار هذا الشريط القاسي، وفي الوقت نفسه، اعجاباً
وسجالاً... كذلك حال فيلم آن- ماري جاسر «لما شفتك»... وهو بدوره عن فلسطين
ولكن عبر نظرة اخرى...
بهذين الفيلمين إذاً حضرت فلسطين في تورونتو لتحضر ايضاً في بضعة
شرائط اخرى مثل «عالم ليس لنا» للبناني مهدي فليفل... ثم من خلال فيلم
الأميركي دين سيتون «الدولة 194» ذي النيات السلمية الطيبة! اما القضية
السورية التي باتت جرحاً جديداً تعبّر السينما عنه فحضرت من خلال اعمال
كثيرة لعل ابرزها فيلم هالة العبد الله «كما لو اننا نمسك كوبرا» التسجيلي
الذي يتناول مظاهر العنف والقمع في سورية. اما الكندية من اصل سوري ربى ندا
فتناولت بدورها شأناً سورياً ولكن من خلال حكاية أب مستقر في كندا يعلم
يوماً ان ابنته الشابة اختفت في دمشق فيبدأ رحلة للبحث عنها... تكون في
النهاية رحلة في الزمان كما في المكان... وفي المقابل لا تغيب بلدان المغرب
العربي التي تحضر منها الجزائر، مرتين على الأقل، مرة مع سعيد ولد خليفة
بفيلم عن واحد من اول شهداء الثورة الجزائرية «زبانة» الملاكم البطل الذي
قتله الفرنسيون العام 1959 حين شارك في الثورة ضدهم، والثاني «فدائي»
للمخرج الفرنسي داميان اونوري وموضوعه محارب قديم يكشف بعض المعلومات التي
كان مسكوتاً عنها حتى الآن، عن فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر.
المخرج صار مخرجة
مقابل هذا الغوص «الجزائري» في التاريخ، ثمة حاضر عربي وعربي مهاجر
يطل برأسه... ولئن كان فيلم يسري نصر الله الأخير «بعد الموقعة»، الذي تجول
في مناسبات ومهرحانات عدة حتى الآن، قد حاول ان يغوص في «بعض» الواقع
المصري «الثوري» الراهن... فإن الفيلم لم يبد مثيراً للاهتمام اكثر مما
ينبغي وربما لأن سمعته قد سبقته وسبق ان قيل عنه الكثير بحيث لم تعد هناك
زيادة لمستزيد، او ربما لأن «تسارع ما يحدث في مصر وحولها جعل نياته الطيبة
ونزعته التصالحية تبدو قديمة بعض الشيء» وفق تعليق سينمائي صديق!
مهما يكن، لم يكن هذا كل السينما العربية المعروضة في تورونتو...
فهناك اعمال عدة اخرى بعضها عرض وبعضه سيعرض خلال اليومين الباقيين، مثلها
في هذا مثل عشرات الأفلام الآتية من بقية انحاء العالم ومن مختلف حساسيات
الكون ومن احداث الراهن وعواطفه، تأتي كلها لتعطي مهرجان تورونتو نكهة
استثنائية جاعلة منه،على الأقل، اهم حدث سينمائي في اميركا الشمالية – بعد
جوائز الأوسكار التي سيحل أوانها بعد شهور قليلة، ويقال منذ الآن إن عدداً
من الأفلام المرشحة لها هذه المرة، عرضت وتعرض في هذا المهرجان الكندي
الطموح - وكل هذه الأفلام تأتي هنا مجتمعة متنوعة لتقول، من جديد، ان هذا
الفن لن يموت بل انه يعرف كيف يجعل من نفسه حدثاً دائماً... حتى وإن كان
يحدث في بعض الأحيان ان يسرق المشهد منه حدث آخر قد يكون في حد ذاته
صغيراً... لكنه سرعان ما يرتدي ثوباً فضفاضاً يكبّره. وهذا النوع الأخير من
الأحداث لم يفتقر اليه مهرجان تورونتو هذا العام: ففي وقت كان الحضور، اول
ايام المهرجان منشغلين بإحصاء الأفلام وتحديد ما سيمكّنهم الوقت الضيق من
مشاهدته منها، اعلن احد المخرجين الشقيقين واشفسكي (صاحبي «ماتريكس» بين
تحف سينمائية اخرى) انه لم يعد لاري، بل صار اسمه من الآن وصاعداً لانا...
وذلك «ببساطة» لأنه تحوّل من ذكر الى انثى وصار «الأخوان» واشفسكي أخاً
وأختاً... نفهم ان هذا الخبر أثار اهل المهرجان حيث يعرض آخر افلامهما «كلاود
اطلس»... لكن الإثارة لم تدم سوى يوم واحد عادت الأمور بعدها الى مجراها...
أليس مهرجان تورونتو اوروبياً اكثر منه اميركياً بامتياز؟
الحياة اللندنية في
14/09/2012
فيلم للمخرجة اللبنانية ديما جمّال
«وراء الحجاب»: الكبت يُولّد الانفجار
بيروت - محمد غندور
نقاط دم حمراء على سرير أبيض غيّرت حياة نور. الفتاة المحجّبة حاولت
أن تتحدى أهلها وأن تمارس قناعاتها وحريتها من دون خوف من عادات أو تقاليد.
هي التي فُرض عليها الحجاب من دون قناعة، إنما تلبية لرغبات أهلها الدينية
وتماشياً مع محيطها ومجتمعها.
تعيش نور حالة من انفصام الشخصية، فهي محجّبة داخل المنزل، لكنها
خارجه فتاة عصرية تفرد شعرها الأسود الطويل، وتتسوق مع أصحابها، بل ولديها
حتى حبيب سري لا يعرف به أهلها. الحياتان المختلفتان اللتان تعيشهما نور
ولّدا في داخلها ضياعاً وعدم استقرار، فاختلطت عليها الأمور، وباتت لا تفرق
بين الخطأ والصواب، أو بين ما تريده وما يريده غيرها منها.
في فيلمها الأول القصير «وراء الحجاب»، تعالج المخرجة اللبنانية ديما
جمّال وضع الفتيات اللواتي يفرض عليهن الحجاب فرضاً، وتقدّم نموذجاً الفتاة
الجميلة نور الضائعة بين ما يريده أهلها، وما تريده هي من حياة منعها
الحجاب من ممارسة العديد من جوانبها. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يسعى
الأهل إلى تزويجها زواجاً تقليدياً من رجل غني ترى أمها أنه سيكون وفياً
وكريماً وحنوناً. أما النهاية فكانت حين علمت نور أن الشاب الذي يريد
خطبتها سيأتي في المساء، وضّبت حقيبتها وما يلزمها للهرب مع حبيبها. وصل
الشاب استقبلته العائلة، ورحبت به نور. سألته عن عمله وإن كان أهله قد
فرضوه عليه. رن الهاتف. هربت نور من المنزل. استقلت التاكسي متوجهة صوب
البحر حيث سيلاقيها حبيبها الذي وعدها بالجنة. اتصلت به لم يرد. اتصلت
ثانية فتبين أن جهازه خارج نطاق التغطية. في طريقها إلى البحر كانت أمها
تقرأ الرسالة التي تركتها ابنتها. تذكرت نور أن حبيبها أعطاها ذات يوم رقم
منزله، اتصلت فأجابتها فتاة صغيرة بصوت رقيق ونادت : «بابا الاتصال لك».
رمت نور السماعة من يدها وغاصت أكثر في ضياعها.
أما حبكة الفيلم فأتت بين بدايته ونهايته: لقد ولّد الضغط النفسي لدى
الشابة، رغبة في الانتقام من المجتمع قبل أهلها. قصدت محلاً للملابس
الداخلية، واختارت أكثرها إثارة، وراحت إلى موعدها الغرامي. على السرير
تحولت نور من فتاة محجبة إلى امرأة متمردة، حرّة كسرت التقاليد التي عاشت
وتربّت عليها انتقاماً من عائلتها، ومن المجتمع الذكوري المتسلط. فعل الحب
الذي مارسته نور أعطاها ثقة كاذبة في نفسها وحرية يتبيّن لاحقاً أنها
واهية.
حاولت المخرجة الشابة أن تناقش قضية فتاة فرض عليها الحجاب ككثيرات
بسبب المحيط الاجتماعي قبل الديني. ولكنها أخطأت في العديد من الأمور،
واعتبرت أن الحجاب يوحي بعدم الثقة بالنفس وانعدام الحرية وأنه يحد من
قدرات المرأة وممارسة حقوقها. انطلقت جمّال من فكرة جميلة ولكن معالجتها لم
تكن موفقة، إذ إن السهام التي أطلقتها أصابت العديد من المحجبات الناجحات
والواثقات بأنفسهن. لم تغُص المخرجة في تفاصيل المشاكل التي طرحتها، بل ظلت
«تسبح» على سطحها، من دون أن تعرض موقفاً تعرضت له نور سبّب لديها أذى
اجتماعياً مثلاً.
ولم تتنبّه المخرجة الشابة إلى أن فئة كبيرة من الأهالي تفرض على
بناتها السافرات أزواجاً وتحرمهن الاختيار، وهنا لا يكون الحجاب عائقاً، بل
يكون الفعل نابعاً من تسلط العائلة والخضوع لعادات وتقاليد قد لا يصلح
استعمالها في القرن الواحد والعشرين.
كما عانى الفيلم قلة عفوية الممثلين والإكثار من التصنع في الكلام،
علماً أن السيناريو أتى ركيكا جداً ويحتاج الكثير من التطوير ليكون أقرب
إلى المشاهد. ومع هذا، يتميز الفيلم بجرأة طرح الفكرة إنما من دون معالجة
جذرية، والاقتصار على عرضها أو تقديمها ضمن قالب طفولي. ووقعت المخرجة في
بعض الأخطاء الإخراجية، كأن غيّرت لون الملابس التي اشترتها نور لليلتها
الحمراء المنتظرة، من الأبيض إلى الأسود. والملاحظ أن غالبية الأعمال
الجديدة في الفترة الأخيرة، تتميز بنقاوة صورتها وضخامة إنتاجها بالنسبة
إلى أفلام قصيرة، وجمال كادراتها.
الحياة اللندنية في
14/09/2012
سفر مضمّخ بالعطر في اللحن والصورة
الدار البيضاء – مبارك حسني
يعد الفيلم المغربي الجديد «الوتر الخامس» بحق سفراً عبر الصور في
أمكنة اسطورية أو أُريد لها أن تكون كذلك، وعبر الرغبة الجارفة في التحقق
الموسيقي. انه في المقام الأول، تضمين فن في فن آخر أشمل مع توخي سرد مشوق،
لكن حين تتم المشاهدة تبقى الصور ويغيب السرد إلى الخلف حتى يندثر. وحينها
يطفو السؤال الضروري: هل حقاً عشنا رفقة الشخصيات حياتهم وأهواءهم وهمومهم،
فرحنا وحزنا وتمتعنا في صحبتهم ؟ لا يهم الجواب على هذا السؤال كثيراً في
حقيقة الأمر، غير ان ما يستدعي الجواب في العمق هنا انما هو سؤال السينما،
سينما مُخرجة حالمة أرادت تجسيد حلم. حلم بطلها الشاب مالك الذي يعشق العزف
على العود، ولا يود الابتعاد عنه، يصيّره مركزاً لحياته كلها، ضداً على
رغبة والدته الوحيدة التي تمتهن حرفة الخياطة المتعبة للعين والأنامل،
والتي تخطط له مستقبلا أفضل مضمونا اجتماعيا وماديا، ككل الأمهات، وذلك كي
لا يُكرر المصير البائس لوالده الذي كان عازفا في بيئة لا تقدّر الفنان.
الشيء الذي ينتج عنه صراع عائلي أولاً ونفسي ثانياً، بحيث يفعل البطل كل ما
يبدو له ضرورياً كي يثبت لأمه صواب الاتجاه الحياتي الذي اختاره.
هوى الفتى المراهق
وتتبع المخرجة هوى بطلها الشاب المراهق الوسيم، فترافقه وتلقي به في
يمّ علاقات وأوضاع، بعضها ينافح الرغبة وبعضها يضادّها. فتى لا يبغي غير
تعلّم العزف وعدم الافتراق عن مجال اللحن والغناء. لكن ما يشكل بطلاً
حقيقياً موازياً هو آلة العود في يد البطل كما في أياد أخرى، العود الذي
يتحول إلى قطب للصراع تلتقي عنده الشخصيات المختارة، ويشكل هدف الكل إن
حباً وإن حقداً. إنه معادل للهوى، هوى القلب، وفيه تتجلى العواطف بكافة
تناقضاتها. جمال الفكرة التوظيفية له كقدر عربي حنيني جميل تمتزج في روعة
الماضي المفقود الذي هو الأندلس، تلك الجنة التي يحن إليها العرب ومنهم جزء
كبير من العائلات المغربية الثرية الأندلسية الأصل (كما المخرجة)، وانحسار
الحاضر الذي يفتقد لقيم الفن والجمال الكامنة في الموسيقى. والحال اننا لا
نعتم ان نجد هنا تقابلاً أساسياً مع حكاية المطرب العربي الأشهر زرياب.
فالشريط يستمد عنوانه من «الوتر الخامس» الذي أضافه زرياب بعد بحث مضن عن
التجدد والتجديد في الموسيقى العربية، وحيث حدث ارتحاله الإضطراري من بغداد
إلى قرطبة. أي أن عشق بطلنا للعود يتبع في ذهن المخرجة بعضاً من مسار زرياب
الشهير بما عايشه طوال حياته من أجل الموسيقى، الرحيل والمقاومة. أي أنها
تأخذ من زرياب العنوان والمسار كي تصنع شريطاً يخلده، ويخلد العشق الموسيقي
عبر العود. العود الذي يحمل ويُجمل كل تاريخ العربي المأسوي كما الماتع.
هذا من جهة الفكرة، أما الإحساس بها فأمر مخالف. صحيح هنا اننا نتمتع
بالألحان، لكننا لا نتمتع بالقصة الفيلمية إلا قليلا، مكتفين بالتتبع من
دون كثير انخراط في الحيوات المسرودة.
وهكذا نرى مالك وقد تعلق بعمه أمير الذي حل بعد غياب طويل، والذي
سيتكفل بتلقينه أسرار العزف على العود بقسوة وتعنيف أحيانا قبل أن ينقلب
الأمر إلى تسلط ضد ما يود مالك إضافته وتثويره في موسيقاه المتأثرة
بالأصوات المحيطة في الطبيعة وفي العالم، أي إيجاد نوع موسيقي يمزج
التقليدي المحافظ مع العصري. ثم يرتبط مالك بفتاة غربية شقراء اسمها لورا
ويحبها، وتمنحه القوة اللازمة للاستمرار في الحلم وتجاوز العقبات القائمة
في الطريق قبل التضحية النهائية بالعشق في سبيل الموسيقى. الحب والتلقين
والسفر، كلها كرؤوس أقلام سينمائية مرسخة يسعى إليها أي سينمائي في العالم،
كلها تُضاف كتيمات صغيرة موازية لتعضيد السيناريو الذي يُعلي من قيمة
الموسيقى النابعة من أوتار العود، والوتر الخامس تحديداً الذي يرمز إلى
التعالي الإبداعي، ويرمز الوصول إليه والتمكن منه إلى علامة على تحقق
المراد والهدف الذي اختطه مالك الشاب المراهق المأخوذ بهواه الجارف حد
تحويل الفيلم إلى ميلودراما.
عالمان
لكنها ميلودراما مفارقة لأجوائها العامة. فقد تم التصوير في الدار
البيضاء في فيلا فخمة، وفي الصويرة أو موغادور بحسب الاسم القديم
الميثولوجي في حجارتها المخلدة، وفي طنجة الشمالية بكل تناقضاتها. اختيارات
غير بريئة، يلعب فيها الجانب التكويني الخفي الشخصي للمخرجة دوراً مهماً لا
يتوافق أساسا مع اختيارات الفيلم بخاصة في الصويرة المشهورة بمهرجانها
الموسيقي الزنجي المحلي لفريق «كناوة» وبتصوير شريط «عطيل» لأورسون ويلز.
في فضاءاتها العتيقة الموحية الحنينية الجميلة تتعانق الموسيقي والحب الحسي
الجسدي ما بين مالك ولورا، في لقطات سياحية أكثر منها فنية.
والمخرجة لم تستطع مغالبة التأثير الجاذب للعمارة القديمة وزوايا
السحر والتخفي الحُبلى بالأسرار وآمال المتعة في دروب ورياض المدينة. تعلق
غربي المنحى والغاية. الفضاء هنا للتوثيق والشهادة عن بعض من الجمال
الأندلسي المفقود وقد اختط له وجوداً ثانياً في المغرب، ويجب إظهاره
والإعلاء من شأنه. الألحان تنساب والجدران والحوافي والعواطف المنتشية بما
يحيط بها رغم القلق والغضب وكل ما قد ينغص على الرغبة مدى تحققها. ومن هذه
الأخيرة الخلفية التاريخية التي تحيل إلى النصف الثاني من تسعينات القرن
الماضي، والتي لم تكن حقبة حرية تعبير وإبداع بالكامل، بل اتسمت بالرقابة
الذاتية وبقايا زمن القمع. وتمت الإشارة إليها من باب تسجيل حضور في موضوع
يتسابق الكل على استحضاره بعد زوال الخوف.
لقد حصل الشريط على دعم مادي للكتابة من أوروبا وأميركا قبل أن يحصل
على الدعم مغربياً. وهو ثمرة تعاون مثمر مع المنتجة السينمائية رشيدة
السعدي، كطرف في ثنائي سينمائي ناجح متعلق بالفن السابع.
وقد تجلى التعاون في الكاستينغ وجماعة التقنيين المختارين بدقة. لكن
يجب ملاحظة أنه تم اختيار البطلة «لورا» شقراء وغربية، وتم اختيار الممثل
التونسي المعروف هشام رستم في دور العم، الذي أدى الدور في مناخ من الأداء
المتسم بالواجهة الأرستقراطية المثيرة، ولاعب دور مالك هو بدوره من مغاربة
فرنسا وليس مغاربة الداخل.
لا شك أن اختيارات المنتجة والمخرجة أملاها توخي أسباب تتعلق برواج
الشريط قبل كل شيء، لكننا مع ذلك تمنينا لو كانت الاختيارات من الداخل
أساسا. فالسينما كل لا يتجزأ حين تتدعم داخليا. ولتحيا الموسيقى دوما رغم
الأهواء، لأنها توحد في الأثر.
الحياة اللندنية في
14/09/2012
كلاكيت تاني مرة وسط عبق التاريخ
القاهرة - أمل الجمل
اختفت في السنوات الأخيرة صالات السينما كافة، واحدة تلو الأخرى من
محافظة الأقصر الرابضة في حضن النيل بصعيد مصر، وحُرم أهلها من سبل الترفية
والتثقيف والتوعية على رغم أنهم يقطنون تلك البقعة التي تحتوي على ما يقرب
من ثلث آثار العالم. فهل يستعيد أهل الأقصر بعضاً من حقوقهم السينمائية
المُهدرة في الأيام والسنوات المقبلة، خصوصاً أن «مدينة الشمس» تتأهب
لاستقبال المهرجان السينمائي الثاني لها بعد أقل من 5 أشهر من إقامة
«مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية»، الذي شابه كثير من العيوب، وأحاطت به
علامات الاستفهام حول ضعف ونقص الخبرة في الأمور التنظيمية. وحامت من حوله
شبهة فساد في الأمور المالية، خصوصاً في ظل الدعم المالي واللوجستي الكبير
الذي حصده سواء من وزارة الثقافة ورجال الأعمال والوزارات الأخرى بينما جاء
أداء مُنظموه ضعيفاً فخرجت صورته يشوبها الشحوب وتُلطخها كثير من الرتوش؟
والآن تستعد «مدينة النور» لتشهد الدورة الأولى من مهرجان الأقصر للسينما
المصرية والأوربية في الفترة من 17 – 22 أيلول (سبتمبر) الجاري، والذي ترجع
فكرته إلى 3 أعوام سابقة، وتقوم على تنظيمه مؤسسة نون للثقافة والفنون التي
شارك في تأسيسها عدد من السينمائيين والنقاد من بينهم المخرج داوود عبد
السيد وسلمي الشماع ويوسف شريف رزق الله وماجدة واصف ويترأسها المخرج محمد
كامل القليوبي.
على رغم الصعوبات التي واجهت إدارة المهرجان، خصوصاً في ظل الظروف
الحالية التي تمر بها مصر، كان التحدي الرئيس هو إعلان وزارة الثقافة فجأة
عن تخليها عن الاستمرار في دعم المهرجان وبالتالي عدم دفع باقي المستحقات
المالية في اللحظات الأخيرة. إذ قبل عشرين يوماً فقط من بدء المهرجان أعلنت
الوزارة وقف الدعم «لعدم وجود موازنة مخصصة لذلك» - وفق ما ذكره القليوبي-
ما تسبب في «حرج كبير» لهم، لأن القرار جاء بعد إرسال دعوات لأكثر من 100
ضيف أوروبي و150 ضيفاً مصرياً من فنانين وإعلاميين وصناع السينما. وقالت
ماجدة واصف رئيس المهرجان إن الجمعية المنظمة للمهرجان وقّعت مع الوزارة في
عهد الوزير الأسبق عماد أبو غازي اتفاقاً يقضي بمنح المهرجان 2.2 مليون
جنيه مصري (حوالى 361 ألف دولار) وإن المهرجان تسلم في آذار (مارس) الماضي
500 ألف جنيه على أن يتسلم بقية المبلغ قبل انطلاق المهرجان بشهر، لكن
الوزارة لم تلتزم بالاتفاق. وحض القليوبي وزارة الثقافة على الالتزام بدعم
المهرجان «حتى لا نتعرض جميعاً لفضيحة دولية كبرى من الممكن أن تتأثر بها
قطاعات أبعد من السينما»، مشدداً على أن إقامة المهرجان بالشكل اللائق
«التزام دولي لمصر». في حين أكدت واصف أن عدم تدارك هذا الأمر قد يسبب
«فضيحة دولية كبرى لمصر في وقت لا تحتمل فيه مثل هذا الأمر» في إشارة إلى
دور المهرجانات في الجذب السياحي بعد نحو 20 شهراً من الركود في قطاع
السياحة منذ اندلاع ثورة 25 كانون الثاني (يناير) التي أنهت حكم الرئيس
السابق حسني مبارك في شباط (فبراير) 2011. بينما أعلنت الوزارة أنها ستبذل
جهوداً مكثفة مع وزارة المال لحل أزمة دعم الثقافة للمهرجان، مُؤكدة أنها
أسهمت بـ 600 ألف جنيه دعماً، وأسهمت بالمطبوعات، وفرق قصور الثقافة، كما
تبذل جهداً كبيراً لزيادة الدعم.
مواصلة الطريق
على رغم ذلك المأزق غير المتوقع، قرر المنظمون مواصلة الطريق بشتي
السبل، فعلى رغم أنه حتى كتابة هذه السطور لم تكن وزارة الثقافة - وفق ما
صرحت به ماجدة واصف - قدمت سوى ما يقترب من نصف الدعم الذي اتفقت عليه، لكن
أهل المهرجان ما زالوا يطرقون عدداً من الأبواب في القطاع الخاص ورجال
الأعمال في محاولة للتغلب على أزمة التمويل والدعم المالي، وبقية المعوقات
التي تهدد إلغاء المهرجان والعمل على تذليلها، والتوصل إلى حلول في شأنها
لإقامة ذلك الاحتفال السينمائي في موعده بمشاركة «64 « فيلماً من «21» دولة
أوروبية بالإضافة إلى مصر.
تنقسم عروض أفلام المهرجان إلى فعاليات عدة، إذ تضم مسابقة الأفلام
المصرية والأوروبية الطويلة 10 أفلام من 10 دول هي: مصر «بعد الموقعة»،
فرنسا «ثلوج كليمنجارو»، ألمانيا «باربارا»، فنلندا «الابن البار»، صربيا
«الصندوق»، استونيا «ابنة حارس القبور»، رومانيا «الدب»، واليونان «سمك
وشيبسي»، البرتغال «رحلة إلى البرتغال»، ومن أسبانيا يشارك المخرج بيدرو
بيريز روسادو بأحدث أفلامه «ولاية» (دموع من رمال). أما مسابقة الأفلام
المصرية والأوروبية القصيرة فتضم 40 فيلماً روائياً من 20 دولة.
يترأس لجنة التحكيم الأفلام الطويلة المخرج المصري سمير سيف، وتضم
اللجنة في عضويتها المنتج الفرنسي جاك بيدو، والناقدة الألمانية بربارا
لوري، والممثلة البرتغالية تيريزا فيللافيرد، والمخرج الكرواتي برانكو شميت.
أما الأفلام القصيرة فيشارك في لجنة تحكيمها الكاتبة المصرية مريم نعوم،
والناقد والمستشرق الروسي الدكتور أناتولي س. شاخوف، والناقد والمؤرخ
السينمائي الفرنسي جاك كيرمابون.
بعد الموقعة
تُشارك مصر بالشريط السينمائي الطويل ليسري نصرالله «بعد الموقعة»
والذي سبق له أن شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» في أيار (مايو)
الماضي، فأعاد مصر إلى «كان» السينمائي الدولي بعد غياب 15 عاماً منذ شارك
المخرج الراحل يوسف شاهين بفيلم «المصير» عام 1997 في المسابقة الرسمية
للدورة الخمسين للمهرجان وحصول شاهين على السعفة الذهبية في الدورة نفسها
عن مجمل أعماله.
يتناول فيلم «بعد الموقعة» جوانب من الأحداث التي تلت الاعتداء بالخيل
والجمال على المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة في الثاني من شباط
(فبراير) 2011 وهو الاعتداء المعروف باسم «موقعة الجمل». والفيلم من بطولة
منة شلبي وباسم سمرة وناهد السباعي وفرح.
على صعيد آخر، اختار المهرجان السينما الإنكليزية لتكون ضيف شرف
الدورة الأولى، وذلك لكونها من أكثر الصناعات السينمائية انتشاراً ورسوخاً
بين الإنتاج السينمائي الأوروبي. فيعرض لها 9 أفلام منها فيلم الافتتاح
«صيد السلامون في اليمن» للمخرج لاس هولستروم وبطولة إيوان ماكريجور
وإيميلي بلانت وعمرو واكد. ويعرض فيلم «البرتقال والشمس المشرقة» في حضور
مخرجه البريطاني الشاب جيم لوتش. إلى جانب تنظيم مجموعة من ورش التدريب على
الفنون السينمائية المختلفة كالإخراج والتصوير وكتابة السيناريو وغيرها
بمشاركة متخصصين من بريطانيا. كما سيتم تنظيم ندوة حول الهوية الثقافية
للسينما البريطانية ومختلف التحديات التي تواجه صانعي الأفلام الإنكليز في
مواجهة التأثير الطاغي للسينما الأميركية عليهم.
كذلك تقام عدة ندوات أخرى منها «حرية التعبير في مصر» حول مستقبل حرية
التعبير في مصر بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير). وندوة ثانية عن «تحويل
الأعمال الأدبية إلى أعمال سينمائية» يديرها المخرج محمد القليوبي بحضور
الأديب بهاء طاهر. ويُقام لقاء خاص يحضره مجموعة من صناع السينما في مصر
وأوروبا ويديره المنتج وكاتب السيناريو محمد حفظي حول التحديات والعقبات
التي تواجه تصوير الأفلام الأجنبية في مصر، بالإضافة إلى لقاء خاص آخر عن
«إنتاج الأفلام القصيرة في مصر وأوروبا» وتديره المخرجة هالة جلال وتتناول
فيه ما وصل إليه سوق إنتاج الأعمال الروائية القصيرة، والعقبات التي تواجه
المخرجين المصريين والأوروبيين وسبل الاستفادة من التجارب المختلفة لدى
الجانبين.
من جانب آخر سيتم تكريم الفنان أحمد حلمي تقديراً لمشواره الحافل
بالإنجازات في فترة قصيرة، في دلالة تُؤكد انحياز منظمي المهرجان – وفق
تعبير القليوبي - للسينما التي يقدمها حلمي ولنوع وأسلوب الأداء التمثيلي
الكوميدي الذي ينتهجه. كذلك اختار منظمو المهرجان الروائي المصري البارز
بهاء طاهر ليكون رئيساً شرفياً للدورة الأولى. جدير بالذكر أن صاحب «واحة
الغروب» هو أحد أبرز أعلام المدينة الجنوبية العريقة والذي يحرص على دعم
الحركة الثقافية والفنية فيها بأنشطة متعددة منها التبرع بأرض ورثها عن
والده لإقامة قصر للثقافة هناك. فهو من مواليد 1935 لأبوين ينحدران من
الكرنك – الأقصر التي تقع على بعد نحو 690 كيلومتراً جنوب القاهرة وتدور
فيها أحداث بعض أعماله التي ترجمت إلى كثير من اللغات، تلك المدينة التي
كانت عاصمة لمصر في عصر الإمبراطورية (نحو 1567-1085 قبل الميلاد) والتي
تضم كثيراً من أشهر الآثار الفرعونية، إذ تحتضن مجمع معابد الكرنك،
والأقصر، كما تضم عدداً كبيراً من مقابر ملوك وملكات الفراعنة.
يُذكر أن جميــع العروض داخل المسابقة الرسمية وخارجها سيُصاحبها
ترجمة للغة العربية وذلك من أجل تشجيـــع حقيقـــي لأهـــل الأقصر
لمتابعــــة الفعاليات بالكامل، ولتعزيز الوعـــي السينمائي في صعيد مصر،
وهو ما اعتبرته ماجدة واصف رئيس المهرجان من أهم الأهداف التي أقيم من
أجلها مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية.
الحياة اللندنية في
14/09/2012
«أم الغائب» يحصل على منحة برنامج الفيلم الوثائقي
القاهرة – نيرمين سامي
حصل مشروع الفـــيلم الوثائقي «أم الغائب» على منحة لتطوير السيناريو
من برنامج الفيلم الوثائقي التابع للصندوق العربي للثــــقافة والفنون
بمشاركة من مؤسسة صــاندانس للأفلام الوثائقية. وهي المنحة الثانية التي
حصل عـــليها الفـــيلم بعد حصــوله مطلع هذا العام على منـــحة من مؤسسة
شاشة في بيروت. الفيلم إنتـــاج شركة الــبطريق للإنتاج الفــني التي أسسها
الممــثل المـصري محمود حميدة.
وشارك مشروع الفيلم في مهرجان دربان في سوق الأفلام التسجيلية
Durban Film Mart في جنوب إفريقيا. ومن خلال هذه المشاركات يحاول
منتجا الفيلم أحمد فـــوزي صالح وإيمان حميدة الوصول إلى اتفاقات للإنتاج
المشترك مع منتجين من أوروبا وأميركا من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولات
لإيجاد طرق لتمويل مرحلة التصوير سواء بالحصول على دعم جديد أو توزيع
الفيلم لمحطات التلفزة الأجنبية، خصوصاً أن سوق الفيلم الوثائقي في مصر
والوطن العربي محدود وضيق.
يذكر أن للمنتجين تجربة سابقة ناجحة مع فيلمهما الوثائقي «جلد حي»، إذ
نجحا في تسويقه إلى محطات تلفزة أوروبية عدة منها الـ «بي بي سي». يتناول
فيلم «أم الـــغائب» حكاية امرأتين في صعيد مصر، كلتاهما تعاني عدم الإنجاب
بما يهدد زواجها وكرامتها.
وعلى رغم أن حنان وسعدية تنتميان إلى ديانتين مختلفتين، إلا أن نظرة
محيطيهما واحدة، تتلخص بالرفض والتوجّس. كما أن سبلهما تتقاطع عند «أم
منصور»، القابلة العجوز التي تحاول مساعدتهما على الإنجاب من خلال طقوس
قديمة متغلغلة في صعيد مصر المنسي.
أما نادين صليب مخرجة العمل، فهي ولدت في القاهرة عام ١٩٨٤، بدأت
العمل كمساعد مخرج في السينما التجارية عام ٢٠٠٦ بعد أن تخرجت في
الأكاديمية الدولية لعلوم الإعلام، ولكنها تركت المجال التجاري واتجهت
للسينما المستقلة عام ٢٠٠٩، إذ عملت كمساعد في فيلم «آخر أيام المدينة»
للمخرج تامر السعيد، وبعد ذلك شاركت في الكثير من الورش الفنية، إذ أتيحت
لها الفرصة بإخراج أفلام تسجيلية قصيرة شاركت في مهرجانات عدة. وهي الآن
تستعد لإخراج أول فيلم تسجيلي طويل «أم الغائب»، الذي حصل على منحتين
للإنتاج من مؤسسة الشاشة في لبنان ومنحة الفيلم التسجيلي من آفاق.
الحياة اللندنية في
14/09/2012 |