حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جلال بالسعد:

سأظلّ أنتج أعمالي بروح الهواية

تونس صالح سويسي

 

جلال بالسعد مخرج تونسي يُدَرِّس مادة السينما والتصوير الفوتوغرافي بالجامعة التونسية،. هو عضو قديم بالجامعة التونسية للسينمائيين الهواة متحصل على العديد من الجوائز في المسابقات الوطنية للسيناريو في عديد المهرجانات الوطنية والدولية للسينمائيين الهواة، من أهم أعماله "بوعايلة" "فرايجي" أو "Zappin" dix courts, dix regards "عزيز" . وشريط "أنا العصفور" هو آخر إنتاجاته و ثالث شريط وثائقي.

·        لننطلق من آخر أعمالك "أنا العصفور"

هو شريط وثائقي يدوم 26 دقيقة .هو في الحقيقة وثائقي - روائي، في جزئه الوثائقي يتحدث عن المولعين بتربية العصافير ويدخل عالمهم وهو عالم جميل وممتع، وتخلصت اثر ذلك للحديث عن رمزية القفص ورمزية العصفور و الجدلية القائمة بينهما. أما الجانب الروائي في الشريط فهو المتعلق بطفولتي وعلاقتي بالعصفور والشبه بيني وبينه، وهو جزء من سيرتي الذاتية اذ كان العصفور سجين القفص فيما كنت سجين أزقة المدينة الضيقة حيث عشت طفولتي، أزقة ترفض الحياة الفردية و تغذّي الحياة الجماعية. سجن ثان أردت التخلص منه بهذا الشريط هو سجن المقابر التي سيطر بياضها الصامت وسكونها الرهيب على طفولتي. إذن رأيت أنه جاء الوقت للتخلّص من هذين السجنين والتحرر منهما نهائيا كما تحرر التونسي من صمت أطبق عليه لسنوات طويلة.

·        وهل عرض الشريط خارج إطار المهرجانات؟

الشريط ظهر في مارس/ آذار 2012 وشارك في عدد من المهرجانات ,وآخر جائزة كانت جائزة العمل الأول في أيام نابل للسينما العربية، كما ظفر بجائزة لجنة التحكيم في أيام الفيل التونسي في مارس / آذار الماضي. وقد تمّ عرض الشريط في عدد من العروض الخاصة والتي أحبذها لأنها تجمع المهتمّين بالشأن السينمائي كما تأتي بجمهور تلمذي وطلابي وهذا مهمّ جدا بالنسبة للمخرج لأنها فرصة ليسمع ردود الفعل وهو ما اعتبره رجع الصدى الذي على ضوئه يمكن أن تتطوّر التجربة بما يراه المتلقّي المتخصص وحتى العادي.

·        وقبل "العصفور" ماذا في تجربة جلال بالسعد؟

أنجزت سنة 2001 شريطا وثائقيّا بعنوان "بوعايلة وهو فيلم قصير من ستة وعشرين دقيقة وشارك في المهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية وتحصل على الجائزة الأولى في المسابقة الوطنية، ثمّ قدمت عملا ثانيا في مجال الاحتراف من خلال فيلم "فرايجي" "Zapping"سنة2006 ويتحدث عن التلفزيون وكيف يمكن أن يصبح سلاحا في وجه المتلقّي. وبالمناسبة أنا لا أعتبر نفسي مخرجا محترفا بل مازلت هاويّا وسأظلّ كذلك لأنني بالأساس عاشق للسينما وأسعى لأن آخذ نصيبي من هامش التعبير من خلال الكاميرا. لذلك كل ثلاث أو أربع سنوات أنجز شريطا، بعد ذلك قدمت شريط "عزيز" وهذا الشريط يتحدث عن تأثير العنف على الأطفال.

·        هل نفهم أنك تدين الشاشة الصغيرة من خلال أعمالك؟

نعم أنا أدين التلفزيون من خلال ما أقدمه من أعمال سينمائية لأن لديّ مشكلة معه، أنا لا أتفرج عليه إلاّ أحيانا قليلة جدا وعلى الأخبار فقط لكن التلفزيون بمفهومه الشرقي لا يعنيني أبدا، والتلفزيون في بيتي هو مجرد ديكور فقط لأن بناتي أيضا أصبحن مثلي لا يتابعنه بكثافة، وأنا أرى أن هذا الجهاز أصبح أداة لتدمير العقليات ولمهاجمة الأذهان ليصبح الإنسان مجرد مستهلك لا أكثر. إذن "Zapping" و"عزيز" عملان لإدانة الشاشة الصغيرة

·        فترات متباعدة بين أفلامك، هل هو مشكل تمويل أم اختيار منك؟

طبعا مشكلة التمويل مطروحة لأن الشريط الوثائقي القصير لا حياة له بعد إنتاجه لأنه لا جدوى ولا مردودية مادية من ورائه ولا يمكن إيجاد منتج يراهن على الأعمال الوثائقية التي لا تعرض في القاعات ولا في التلفزيونات ولا يجد إقبالا من المتفرج، وبالمقابل يسعى خلف الأعمال الإعلانية مثلا، لذلك يجد المخرج نفسه مجبرا على البحث عن الفكرة التي تأخذ وقتها حتّى تتخمّر ثم البحث عن منتج تقنعه ليراهن على الشريط وينتجه وبذلك من الطبيعي أن تصل الفترات بين أفلامي إلى أربعة سنوات وأكثر ،ثمّ كما أكدت سابقا أنا لا أحترف السينما أي هي ليست مورد رزقي اذ لا يقلقني ألاّ أنتج بشكل متواصل.

·     أشرفت على إحدى ورشات أيام نابل للسينما العربية، كيف وجدت الشباب الذين أطرتهم وهل كان لديهم رغبة في العمل على إنتاج أعمال وثائقية؟

يشهد الفيلم الوثائقي في السنوات الأخيرة إقبالا هامّا من الشباب، ولاحظنا جميعا كيف أصبح عدد كبير منهم مدونين يلتقطون الصور ومقاطع الفيديو، وتأكد هذا خاصة مع الثورة التونسية، حيث أحسّ الجميع أننا أمام مرحلة مفصلية ولحظة فارقة في تاريخ البلاد ويجب أن نترك أشياء يشاهدها أبناؤنا فيما بعد. وهنا المسألة ستختلف عمّا كنّا نسمعه من أجدادنا حول حرب التحرير مثلا لأن الصورة اليوم هي سيدة الموقف.

لذلك وجدنا أنّ الجميع أصبحوا مخرجي أشرطة وثائقية، أي أنّ الجميع تقريبا عرفوا القيمة التاريخية والعلمية للتوثيق بكل أشكاله. واليوم تأكدنا أن الرغبة لدى الشباب كبيرة جدا لتعلّم وإنجاز أعمال وثائقية وخلال الورشة في هذا المهرجان كان عدد المشاركين كبيرا جدا وهو ما يؤكد تلك الرغبة و أيضا قيمة الفيلم الوثائقي والدليل أن الورشة أنتجت أربعة أفلام وثائقية وثلاثة أعمال مونتاج صور وهذا جيّد جدا في ثلاثة أيام ولو أنني ساعدتهم في تنسيق تلك الأعمال والتحضير لها.

·        ولكن ألا ترى أن الكثيرين اليوم أصبحوا يستسهلون الأمر ويصورون أشياء يسمونها أفلاما وثائقية؟

ثمة فرق واضح بين الربورتاج والفيلم الوثائقي، مثلا يصوّر الواحد منهم اعتصاما لعمّال السكة الحديدية ثم يأتي ويقول هذا شريط وثائقي ، هذا خطأ .ثم إنّ كثرة العروض الوثائقية الجيدة ستجعل المتلقّي يفرّق بين هذا وذاك، يبدو انه جهل بالمصطلح أو جهل بالميدان لا أكثر.

·        وحتى نختم هذا اللقاء، ما هو جديدك؟

لديّ شريط وثائقي جديد من 52 دقيقة جاهز ولكنني لم أجد من ينتجه أو يموّله إلى حد الآن، ومن خلاله أحب أن أقدم تاريخ البلاد انطلاقا من اليوميّ الذي يعيشه الناس ومن التجارب الفردية والذاتية، حيث أردت أن أقول أن الفرد يمكن أن يعبّر عن المجموعة يعني انه ليس من الضرورة أن تتابع تاريخ شعب كامل، بل يمكن أن تتابع حياة فرد واحد وطريقة حياته وأحاسيسه وتجاربه لتحكي البلاد.

عملي يقدم عائلة من أربعة أجيال تعيش في نفس المكان، تابعتهم وتابعت التناقضات التي تحكم علاقاتهم. أربعة أجيال ليس بالشيء الهيّن فيمكن من خلالها تقديم مقاربة هامّة حول تاريخ بلد بأكمله من خلال هذه العائلة التي حافظت على ترابط أجيالها رغم الاختلافات الجوهرية أحيانا.

الجزيرة الوثائقية في

13/09/2012

 

"يامن عاش":

الوثائقي التونسي في مهرجان فينيسيا

أمير العمري 

من تونس عرض خارج المسابقة في الدورة الـ69 من مهرجان فينيسيا السينمائي، الفيلم الوثائقي الطويل "يامن عاش" للمخرجة هند بوجمعة وهو أول أفلامها ومن إنتاج كل من درة بوشوشة والحبيب عطية.

هذا فيلم شجاع الأفلام الوثائقي التي لا تعرف المساومات ولا أنصاف الحلول ولا التوقف عند بعض النقاط وإغفال الأخرى، فهو فيلم "بروفيل" لشخصية هامشية، تعيش مرحلة ما بعد الثورة، ولا تخشى أن تتحدث بصراحة وتواجه الكاميرا عن أدق تفاصيل حياتها، موجهة نقدا شديدا وتلقائيا بلسان امرأة غير متعلمة، إلى حكومة ما بعد الثورة بل وللنظام السياسي كله الذي تعتبره نظاما ظالما مصنوع فقط من أجل إرضاء الأثرياء والمحافظة على مصالحهم.

الفيلم يتابع منذ المشهد الأول، قصة سعي تلك المرأة المنبوذة اجتماعيا (عايدة) مع ابنها (فوزي) الذي يبدو مصابا بدرجة من درجات التخلف العقلي، والاثنان يحاولا وينجحان في اقتحام أحد المنازل لكي يجدا سقفا يحميهما من التشرد. لكن سرعان ما يطردهما صاحب المنزل منه فيعاودان المحاولة، وينتهي بهما الأمر للسكن مع بعض الاصدقاء أو الأقارب في منزل يبدو أيضا أنه تم الاستيلاء عليه من أصحابه الذين تركوه.

يبدأ الفيلم من يوم 14 يناير 2011، يوم هروب الرئيس زين العابدين بن علي من تونس والإعلان عن "سقوط النظام". ويتابع محاولات تلم المرأة المتوردة، التي تشعر أنها متحررة من القيود، قيود الزوج والأسرة والعشيرة والنظام، لكنها في الوقت نفسه، ضحية النظام.. والتغيير السياسي لم ينعكس على حياتها كما كانت تأمل، لكنها لم تفقد الأمل في ما يمكن أن تأتي به الثورة.

محاولات مستحيلة

الكاميرا تصاحب عايدة طوال الوقت، من محاولتها مناشدة المسؤولين في البلدية تسهيل حصولها على مسكن، حيث أنها لا تعمل ولا عائل لها، لكن السلطات أوقفت العمل بسبب أحداث الثورة والمواجهات المستمرة في الشوارع.

وفي مشهد شديد الغرابة تحاول عائدة كسر جدار في مبنى من مباني الحزب الدستوري المنحل، حزب الرئيس السابق بن علي الذي فر ومنذ فرراره والبلاد تعيس مرحلة انتقالية مضطربة، ولكن يتعين على عايدة وأمثالها، أن يدفعوا الثمن.

يعتمد الفيلم على التسجيل الحي لمشاهد تعيشها عايدة مع ابنها فوزي، يتشاجران كثيرا، تفقد عايدة أعصابها بسبب اصرار فوزي على مشاهدة التليفزيون مع رفع درجة الصوت بطريقة لا تحتمل، لكن المشاجرة تنتهي بأن يقوم بتحطيم جهاز التليفزيون.. هكذا أمام الكاميرا التي لا تتحرك بل تظل ثابتة وكانها مصرة على اقتحام حتى أشد اللحظات خصوصية في حياة الشخصية التي ترصدها.

ففي أحد المشاهد تحاصر الكاميرا عايدة وهي تستدرج لكي تروي تفاصيل شديدة الخصوصية من حياتها، عندما تروي على استحياء ومداراة كيف تعرضت في طفولتها للتحرش الجنسي من قبل والدها، وكيف أن لديها ثلاثة أبناء آخرين يعيشون في ملجأ نتيجة حكم صادر من السلطات ضدها باعتبار انها غير مؤهلى لتولي مسؤولية تربيتهم بسبب ماضيها السيء.. كامرأة مارست السرقة وسجنت لفترات محدودة.

الكاميرا الذكية تتسلل حتى إلى داخل سجن النساء، لتسجيل شهادات النساء والفتيات السجينات عن ما يجري في ابلاد من وجهة نظرهن وتأثيره عليهم وكيف جاءوا إلى السجن.. في إدانة دامغة لمجتمع عاش تحت القهر سنوات طويلة ممتدة، وكانت الثورة تمثل أملا كبيرا لانعتاقه.

نقد الواقع

عايدة تواصل نقد الواقع ما بعد الثورة، وتعبر عن عدم ثقتها في سياسات حزب النهضة الإسلامي رغم كل شعاراته البراقة.. وهي تبدو رغم تلقائيتها وبساطتها كامرأة من الشارع، شديدة الوعي سياسيا بما يدور حولها، تلحص كلماتها في عبقرية ضمير الشعب التونسي.

ينتهي فوزي إلى السجن بسبب قيامه بسرقة جهاز تليفون محمول وهو ما ترى عايدة أنه ظلم كبير، فهم "يتركون كل من نهب وسلب الملايين والمليارات في العهد السابق ويقتصون من شاب صغير يسرق تليفونا لكي يشتري ما يقيه شر الجوع"!

هذه هي فلسفتها، وهي قد تبدو مقنعة في سياق الفيلم الذي يوضح كيف أهلمت الثورة هؤلاء الذين كانوا السبب في إشعالها ونجاحها.

الفيلم ينتقل مع عايدة من موقع إلى آخر، ومن موقف لموقف آخر، في شهادة بصرية وصوتية شديدة التأثير إلى حد الصدمة أحيانا.

صحيح أنه يعتمد على الحوارات، وعلى اللقطات القريبة لوجه عايدة، تحبسها الكاميرا وتراقب كل انفعالاتها، لكن المخرجة تمزج الكثير من المشاهد التسجيلية المباشرة من أحداث الثورة واستمرار المواجهات بين الشرطة والشعب، وتعليق عايدة والسجينات في سجن النساء عن كيفية تعامل الشرطة مع الشعب بنفس الطرق التي كانت سائدة قبل الثورة، أي بالضرب والتعذيب والإهانات وتلفيق التهم.

شبه الروائي

فكرة الوثائقي في فيلم "يامن عاش" لا ترتبط فقط بالتسجيل المباشر بل بطريقة شبه روائية تتبعها المخرجة هند بوجمعة في طريقة بناء الفيلم: الأداء المباشر المتفق عليه مسبقا أمام الكاميرا.. إعادة تمثيل الحياة الحقيقية أحيانا.. تجسيد مواقف محددة.. الابتعاد تماما عن استخدام أسلوب الراوي أو التعليق الصوتي، كما يكاد الفيلم يخلو أيضا من الموسيقى، والتركيز على رؤية أحادية من جانب عايدة، دون اللجوء إلى تحقيق التوازن المعتد في التقارير التليفزيونية، عن طريق الاستماع لشهادات أخرى قد تكون مناقضة أو متباينة.

نحن لا نسمع هنا ما يمكن أن تقوله السلطات أو الشرطة أو الجهات الحكومية المسؤولة، فالقضية الواضحة من البداية بكل بساطة هي: كيف يمكن للإنسان الفقير الذي لا يملك شيئا أن يعيش في مجتمع قامت فيه ثورة على الظلم؟

فيلم "يامن عاش" وثيقة بصرية مهمة لمجتمع لايزال في مرحلة تفاعل.. قد يستمر لسنوات قادمة أيضا.

الجزيرة الوثائقية في

13/09/2012

 

حول «براءة المسلمين»:

الفعل ورد الفعل

محمد رُضا 

تسبب «براءة المسلمين» في تداعيات مختلفة أدّت إلى مقتل أبرياء بصرف النظر عن مواقعهم الرسمية. كريستوفر ستيفنز، قبل أن يكون سفيراً هو إنسان بريء من الفيلم كبراءة الذين قُـتلوا معه. الذي حدث لا ينصف الإسلام ولا يرد على الأوغاد الذين صنعوا الفيلم، بل يمدّ نار التطرّف بالمزيد من الوقود لا في جانبنا فحسب، بل في الجانب الآخر أيضاً.

شاهدت مقاطع على «اليوتيوب» وبالنسبة لمن شاهد عشرات ألوف الأفلام في حياته، فإن الحكم على العمل شكلاً ومضموناً لا يستغرق أكثر من مدّة عرض التريلر (دون الثلاث دقائق). بل يسهل الحكم عليه من لقطات قليلة وبالتأكيد يكفي ما عرض لتقييمه فناً، فإذا هو فيلم دجيتال رديء الصنعة، ومضموناً، إذ هو عمل سفيه ويقصد الأذى.

قصد الأذى ليس تعبيراً عن رأي.

في خضم ما حدث تعالت آراء تقول أن أميركا مبنية على تعدد الآراء وحرية الرأي الفردي او الجماعي، وهذا صحيح، لكنها مبنية أيضاً على احترام الآخر. هذا في دستورها وليس تحصيلاً حاصلاً. وتبعاً لذلك هناك عدّة نقاط مهمّة عليها أن تستحوذ على انتباه كل من ينشد سلاماً عادلاً ويسعى لمد العالم بما يحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى: الحب.

الرأي:

الرأي ليس رأياً الا إذا قام على ثوابت وحقائق وعلم. هذه الثوابت تمنح صاحب الرأي الحق في تكوين رأيه. لا أستطيع (او غيري) إطلاق رأي لمجرد أنني منتم إلى وجهة نظر، ولا هو رأي إذا ما كان مُـساقاً من جهاز يولد الحقد في الذات ويصيغ سباباً في أشكال شتّى وهذا هو وضع ومستوى ذلك الشريط.

أنظر إلى مبنى قديم. لا أستطيع أن أقول أنه أثر فني او مجرد مبنى قديم الا إذا اشتغلت على معلوماتي في هذا الجانب لأتبيّن ما إذا كانت عناصر فنية ومعمارية وتاريخية معيّـنة تستطيع أن تمنحه صفة "مبنى أثري" أم لا. بالتالي، القول أنه أثري في حين أنه مجرد بناء قديم ليس رأياً بل وجهة نظر تحتاج إلى رأي يحتاج إلى علم.

حريّة الرأي:

في فيلم «صائد الغزلان» الذي حققه مايكل تشيمينو حمل على الفييتناميين وليس على الأميركيين الذين ولجوا حرباً رآها آخرون آنذاك ويجمع اليوم معظم الناس بأنها لم تكن ضرورية. هذا موقف سياسي (بقدر ما «براءة المسلمين» موقف سياسي) لكن مخرجه بناه على أوضاع حقيقية: الفييتناميون مارسوا العنف على الأسرى الأميركيين على النحو الذي شاهدناه في الفيلم. هذه حقيقة بالتالي رأيه قائم عليها.

في المقابل فإن أفلام برايان دي بالما عن العراق وفرنسيس فورد كوبولا عن فييتنام ومايكل مور عن الوضع الاقتصادي العابث في الولايات المتحدة هي أيضاً قائمة على حقائق، وبالتالي فإن الآراء فيها قائمة عليها.

لكن ما يتحتم على الفيلم او على أي عمل يخرج من المرء حيال سواه، الإلزام به هو التالي: عدم زج الرأي بالدعوة إلى نشر الحقد والبغضاء وهذا ما أقدم عليه صانعو ذلك الشريط. بمعنى أنه لو قام تشيمينو بالدعوة إلى نحر كل فييتنامي على الأرض الأميركية او مباركة مثل هذه الخطوة لو وقعت فإن ذلك هو سوء استخدام لحرية الرأي يقع ضمن المسؤولية. ولو أن مايكل مور طالب في فيلمه الحديث «الرأسمالية، قصة حب» بمهاجمة المسؤولين عن الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة بحرق ممتلكاتهم لتم وضعه في السجن او تعرّض- وأنا لست محامياً عليماً- للمساءلة في أقل تقدير وأكثر من ذلك لخسر قضيّته.

القضيّة هنا

لا يحمل «براءة المسلمين» قضية بالمعنى الكامل للكلمة. صفاته هي الضغينة والكذب والأذى. وهو قصد أن ينتشر في ذكرى الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، رغم أن العمل عليه انتهى قبل أشهر، وقـُصد التجريح والشتم وترويع غير المسلمين ومنحهم ذرائع للكره… كل ذلك مناف لأي دين ولأي عقيدة ولأي حضارة ولأي مفهوم. كل ذلك وفي كل جزء منه حيواني بربري وليس إنسانياً.

بنفس النفَس لو أن ملحدين او منتمين إلى أي من الأديان الأخرى صنعت شريطاً يصوّر النبي عيسى بن مريم على هذا النحو او يقدّمه كمخنّـث (ردّاً على تقديم النبي محمد صلى الله عليه وسلّم كمعتد جنسي على الأطفال) لقامت قيامة المسيحيين وإن لم تقم فإن في ذلك خطأ ما. لكن لا شيء… لا شيء على الإطلاق يبرر أن نقتل ونحرق ونؤذي أي فرد (بمن فيهم صانعي الفيلم إذا ما وصلت إليهم أيدينا) ردّاً على كل ذلك.

لقد خضنا، كمسلمين، هذا الطريق من قبل عندما قام رسّـام كاريكاتوري دنماركي بالتطاول على نبيّنا الكريم فتظاهرنا وقاطعنا وركضنا في كل الاتجاهات و… لم نحقق شيئاً يذكر من كل ذلك.

لماذا نكتب على أنفسنا أن نكون فاشلين؟

لم نحقق شيئاً يُـذكر ولم نترك تأثيراً إيجابياً يتلقّفه الغربيون ويفهمونه ويؤيدوننا عبره لأن ردود أفعالنا عادة ما تنزل إلى الدرك نفسه عوض أن تعلو وترتقي عنه. هنا، ليس القصد أن لا نأبه، او أن نبتسم ونقول "مهما فعلوا فنحن على حق وديننا الحنيف أعظم من أن يطاله الباغضون"، لا بل القصد هو أن نكون على درجة أعلى من المناعة والذكاء والمعرفة بحيث يأتي الرد مقنعاً وعلمياً مهما كان الفعل المضاد سفيهاً وناقصاً.

الصورة السينمائية عن العربي او عن المسلم (او المسلم العربي بكلمة واحدة) توظّف في مكوّناتها ما هو مُـتاح للتوظيف من عناصر البيئة والمجتمع الذي يعيش فيه. فإذا كانت تلك البيئة عنيفة (ويجب أن نعترف أن بيئات عديدة في أكثر من مجتمع عربي هي بيئات عنيفة) وإذا كانت منغلقة وعاطفية تقودها الغرائز (قبل شهر، كما أوردت الوكالات، سقط قتلى وجرحى في الجزائر خلافاً على بطيخة) فإن الناتج هو صورة جاهزة للاستخدام السينمائي او الأدبي او أي وسيط آخر.

والعكس بطبيعة الحال هو صحيح.

هل يمكن أن نصنع فيلماً عن فنلندا نتحدّث فيه عن عصابة لقتل الحيوانات؟ او عن مؤسسة علمية كبيرة موجودة في بنغلادش؟ هل هو من باب المنطق أن نحقق فيلماً يقلب الحقائق فإذا بفييتنام هي التي غزت أميركا وليس العكس؟ بنفس المعيار وبنفس المنظور لا يمكن للغرب الحديث عن مجتمع عربي متحضّر يعيش في رفاهية علمية وثقافية يُـحسد عليها كون هذا العيش ليس متوفّراً. الممكن، في المقابل، لأفراد او لجماعات الحديث عن جماعة مسلمة تنفّـذ عمليات إرهابية، او أن تتحدث عن اضطرار المسيحيين للهجرة من العراق وسوريا ومصر ولبنان خوفاً من مستقبل كان عليه أن يكون آمناً.

التقصير شامل والأسباب قويّة الرسوخ تتطلّب قفزة فوق المعطيات وثورة في التفكير على النحو الذي تحقق لبعض دول الخليج، لأجل تعميق حس بالانتماء إلى ثقافة واعية هي التي تشترط أي نوع من ردّ الفعل الذكي والمؤثر إعلامياً الذي يمكن به مواجهة أعمال من هذا النوع. لو كانت الثورة الثقافية الشاملة والوعي الاجتماعي العام متوفّران لما أمكن ولادة جيل الكره الحالي عندنا على الأقل. إذ لا يوجد فعل من دون رد فعل، فإن الفعل الأسبق لتلك الرسوم والفعل الأسبق لذلك الشريط كان السير في درب التطرّف والإيعاز بأن الحياة المثلى على الأرض هي على المنوال العنصري والشعوبي والطائفي ذاته. كان نشر البغضاء للآخر (وهذا الآخر قد يكون مسلماً معتدلاً) ثم التسبب في نشر البغضاء بين شعوب الأرض حيالنا. هل كنا نعتقد مثلاً أن نشتد ونتطرّف في بلجيكا او فرنسا او ألمانيا (حيث هناك وقائع في هذا الشأن) من دون أن نواجه ردّ فعل معاد لنا يردّنا إلى الخلف عوض أن يتقدّم بنا؟

سابقاً، ما كانت هناك علامات على جانبي الحدود تشير إلى بدء فهمنا للدور الذي تستطيع به السينما إفادة قضايانا وفي مقدّمتها اليوم ودائماً القضية الفلسطينية، لكن اليوم، ضاعت الخطط وانتهكت الإنجازات وبات الرد على الفعل لا يقل إدانة لنا عن الفعل نفسه. بات نفخ في الهواء القول أن أفلام محمد لخضر حامينا وعمر أميرالاي ونبيل المالح ومصطفى العقاد ويوسف شاهين وإيليا سليمان ولطيف بن عمّـار ورضا الباهي ومحمد ملص ومي المصري ومارون بغدادي وميشيل خليفي وحفنة آخرين هي التي غيّرت في الطريقة التي ينظر إليها العالم إلينا وليس السياسة او الدين. الآن، ننسف كل شيء. نصف هؤلاء رحل ونصفهم الآخر قليل العمل والأمور آلت إلى من يرى الثقافة والفنون حراماً وكل من يقوم بها سيدخل النار. كيف بالله لا نفشل وكيف يمكن والحال هذه أن ننتصر في أي من معاركنا حتى وإن كانت على الورق؟.

الجزيرة الوثائقية في

13/09/2012

 

رواد التجريد في السينما

رافائيل باسان ــ  ترجمة : صلاح سرميني 

كانت الرغبة في عزل، وممارسة فناً صافياً، ونوعياً واحدةً من الأهداف التي حاول السينمائيّون، الفرنسيون خاصةً، تحقيقها.

في بداياتها، لم تكن السينما القصصية فناً، وظهرت تيارات فكرية قوية دعمت منحها الشرعية، وبعد كتاباتٍ عديدة، وضع المُنظر"ريشيوتو كانودو"، السينما بعد العمارة، الموسيقى، الرسم، النحت، الشعر، الرقص، وأصبحت الفنّ السابع(7).

في عام 1915 أقدم "آبل غانس" رائد التعبيرية(8)، وتبايناتها في السينما الصافية، على إخراج " La folie du Docteur Tube"، فيلم خيال علميّ قصير، وفيه يكتشف عالمٌ مجنونٌ طريقةً في تغييّر أشكال الأشخاص، بالنسبة للسينمائيّ، كانت الفرصة مناسبة جداً في إستخدام عدساتٍ تُشوّه الصور إلى درجة إحداث موتيفاتٍ لا شكلية بدءاً من صورٍ واقعية، وقد ساهم الفيلم في وضع حلقة وصلٍ ـ بدون قصدٍ رُبما ـ بين أعمال "جورج ميلييّس"، وأولئك الطليعييّن التاريخييّن في العشرينيّات، وسوف نلاحظ بأنّ عدداً من السينمائيين كحال "جان آبستاين"، "مارسيل لوهربيّيه"، أو "جيرمين دولاك" أدرجوا مشاهد غير تصويرية في أفلامهم.

البعض، مثل "هنري شوميت" (Jeux de reflets et de vitesse عام 1925) أنجزوا "أفلاماً صافية" عن طريق صوراً من الواقع : الأفلمة الإيقاعية لوجوهٍ، شوارع، وأشياء تُساهم في إحداث التجريد بدءاً من عناصر محددة.

في عام 1927 كتبت "جيرمين دولاك" حول هذا الوضع :

ـ "أستحضر راقصة، إمرأة ؟ لا، خطٌ يقفز في إيقاعاتٍ متناغمة، أقدم عرضاً ضوئياً، مادةً محددة، لا، إيقاعاتٍ منسابة، المُتعة التي تمنحنا إياها الحركة في المسرح، لماذا نحتقرها على الشاشة.

هارمونية الخطوط، هارمونية الضوء، خطوط، مساحات، أحجام تتطوّر مباشرةً، بدون إثارتها بشكلٍ مصطنع، محتفظةً بمنطق أشكالها، متخلصةً من أيّ معنى إنسانيّ مباشر، ومن الأفضل لها بأن تتسامى نحو التجريد، وتمنح فضاءاتٍ أوسع للأحاسيس، والأحلام : السينما الشاملة"(9).

وهكذا، بمُقتضى تلك الأفكار، أنجزت "جيرمين دولاك" ثلاثة أعمالٍ رئيسية :

Disque 927 في عام 1928.

Thèmes et variations في عام 1928.

Étude cinématographique sur une arabesque في عام 1929.

في بداية الثلاثينيّات، الطليعيون القدامى (المُتعددي المجالات الفنية، والمُتأسّسة على برامج، وبياناتٍ تنظيرية) دخلوا التاريخ، وصول الصوت إلى السينما رفع بنسبةٍ مُعتبرة تكاليف الفيلم، وبدأت التجارب الطليعية المُعتمدة على الداعمين الأثرياء من فاعلي الخير تعاني من التمويل، ومع ذلك، سينمائيون متفردون كحال المناضل القديم "أوسكار فيشينغر"، والقادمون الجدد "لين لاي"، و"نورمان ماكلارين" أعادوا الحياة إلى الفيلم التخطيطيّ التجريدي الذي تهجّن بالتواصل مع ممارساتٍ متنوّعة مرتبطة بهؤلاء الفنانين، ومحيطهم أيضاً.

دخول الصوت إلى السينما سمح لـ "فيشينجر" بالعمل على التزامن بين الصورة، والصوت، وهكذا توجه نحو "السينما المُطلقة"، ومنح أعمالاً إبداعية مهمّة مثل :

Komposition in Blau في عام 1935.

Allegretto في عام 1940.

متأثراً بالفلسفة الجرمانية، كان "فيشينغر" مهموماً في أعماله بالعثور على "روح الموسيقى" تلك التي تحدث عنها "نيتشه"، وأشرنا إليها أعلاه (في الجزء الثاني من هذه القراءة : ثُريا التجريد خلال قرن).

في سنوات الثلاثينيّات، وبسبب صعوبات إيجاد دعم لإنجاز أفلاماً بحثية، تجاوزها النيوزلاندي "لين لاي" المُقيم في لندن، وبدأ يرسم، وينقش موتيفاته مباشرةً على شرائط شفافة.

كان A Colour Boxعام 1935 الشريط الأول المُكتمل الذي أنجزه عن طريق تلك التقنية، وإذا إعتبرنا بأنّ هذا الفيلم قد أحدث قطيعةً مع المنهج، والخلفية الثقافية لتجربته الأولى Tusavala (لقطاتٍ مرسومة بالأبيض، والأسود، ومن ثم إعادة تصويرها فيما بعد) نجد، على الأقلّ، بأنه حافظ فيه على ثراء، إختلاف، وعضوية خطوته التشكيلية، الخطوط، والأشكال المُتداخلة مع موسيقى شعبية لا تبحث عن تزامنٍ دقيق، ولكن تعادلات بصرية.

لم يكن "لين لاي" مكتشف ما نُسميه "السينما المُباشرة"(10)، فقد إستخدم "مان راي" تلك التقنية منذ " Le retour à la raison" عام 1923، ولكنّ النيوزلندي "لين لاي" هو الذي نظمّها حتى نهاية حياته، "نورمان ما كلارين" ـ الذي سبق "لين لاي" مع Hand Painted Abstraction عام 1933 فيلمه الأول المرسوم مباشرةً على الشريط الحساس ـ هو السينمائي المُعاصر لـ "لين لاي" الذي إستخدم أكثر طريقة التحريك المُباشر، ولكن، بدون أن يجعل منها إستثناءً كما الأخير.

في بداية الأربعينيّات، عندما وصل "ماكلارين" إلى نيويورك، عرف بأنّ مديرة "متحف كوكنغهايم" للرسم الغير موضوعيّ، لا تشتري فقط لوحاتٍ تجريدية، ولكن أيضاً أفلاماً من نفس النوع.

تسلح بالجرأة، وإقترح بأن يبيعها أعماله، ولكنه، لم يكن يمتلك أيّ فيلم في حوذته، عاد إلى بيته، ورسم فيلميّن قصيرين، إشتراهما المتحف فيما بعد.

"تختفي تلك القصة المُعاشة خلف Dots و Loops عام 1940، وبما أنني لم أكن أمتلك نقوداً لشريط الصوت، قررتُ بأن أرسم الأصوات مثل الصور"(11).

في الخمسينيّات، وبعد الفيلم بدون كاميرا، أدخل "ماكلارين" الصوت المُصطنع، والذي دفع الإمكانيات الدلالية بعيداً :

Blinkity Blank (في عام 1955 يُنشئ بناءً معقداً من التقطعات البصرية تُقرّبه من "بيتر كوبلكا"، و"بول شاريتز").

Synchromy (في عام 1971 تعادلات دقيقة جداً من معادلاتٍ متكافئة بين الأصوات، والصور المنقوشة على الشريط).

على العكس من زميله الإيكوسي، كان "لين لاي" يستخدم شرائط أفلاماً قديمة، ومهملة (جمالية مرتكزة على إعادة تدوير عناصر موجودة مسبقاً، نعثر عليها في عددٍ من ممارسات التجريب، وبشكلٍ خاصّ عند "الحروفييّن")، وبقي أيضاً، مثل "فيشينغر"، مخلصاً لنموذج معين من البحوث المُرتبطة بروح الطليعيين، سمحت له، بدءاً من الستينيّات، الدخول بسهولةٍ أكثر من "ماكلارين" في تاريخ السينما التجريبية.

"جيم دافيز" (1901- 1974) رائدٌ في الفنّ المشهديّ (وبشكلٍ خاصّ في علاقاته مع اللون)، لم يمارس التجريد السينمائي كما الحال عند "هانز ريشتر"، و"أوسكار فيشنغر"(تحريك المساحات، أو الأشكال المرسومة بحرية)، ولا كما "لين لاي"، أو "نورمان ماكلارين"(رسم، ونقش على الشريط الحساس)، ولكن، بمزج، وبناء، وإنجاز إنعكاساتٍ، وتدفقات ضوء، ومع فيلميّهLight and Reflections عام 1952، وFathomless عام 1964 وصل إلى أناقةٍ قصوى في عمله : لمسات جديدة من الضوء، تُضاف إلى الأولى، وتبدو المحصلة النهائية وكأنها نوعٌ من طبقاتٍ طينية غير مادية مصفوفة فوق بعضها، وقبل 40 عاماً من "هوغو فيرلاند"، أو "فيليب كوت" نجده في Death and Transfiguration عام 1961 يُهجن عناصر جسدية مصوّرة، وتشكيليّة غير مادية.

في عام 2002، كتب "دونيز ريوت" في موسوعة "الأنسكلوبيديا العالمية" :

"في دلالاته الأربعة، التجريد عملٌ شكليّ يبني المعطيات بمُقتضى أربع عملياتٍ ذهنية متباينة تماما :

التبسيط، التعميم، الإختيار، العرض التخطيطيّ، وهي تتوافق مع أربع سياقاتٍ معرفية : التفكر، التصوّر، التصنيف، التشكيل.

وبينما فكر"ليوبولد سورفاج" مسبقاً بالسياقات الثلاثة الأولى، فقد تجاوزت أعمال الأخوين "جيمس، وجون وايتيني" منذ بداية الأربعينيّات مرحلة التشكيل:

"تكتشف الأفلام الأولى لـ"جيمس وايتني" بدقةٍ شديدة الإمكانيات الشكلية بمُقتضى تعديلاتٍ تمّ التخطيط لها بعنايةٍ فائقة، ومرسومة وُفق النموذج النظريّ لـ "أرنولد شونبرغ" في التأليف الموسيقي.

Twenty-Four Variations (1940-1942) الذي تمّ تصويره بشريط 8 مللم، يستخدم أشكالاً هندسية أولية ـ دوائر، مستطيلات، مثلثات ـ تظهر، وتختفي (كما حال أشكال " Diagonal Symphony لـ"فيكينغ إيغيلينغ") تعديلات ألوان، وتداخل موتيفات، ومشاهد تنتج إنعكاساتٍ، وتنويعاتٍ حول تيمة بصرية إرتكازية"(12).

لاحقاً، جعل هذا السينمائي من النقطة عنصره التشكيلي الرئيسي، ومع Lapis عام 1963 قدم فيلماً خلاباً مستوحى من النموذج التأمليّ للرسم، والتلوين بطريقة الـ"ماندالا" (مصطلحٌ في اللغة السنسكريتية، ويعني الدوائر، والأشياء المُقدسة المُحيطة بالإله المعبود).

إستخدم "جيمس وايتني" دعامة تحريك مبرمجة وضعها أخوه "جون"، الذي أنجز بدوره في عام 1967 فيلماً بأكمله عن طريق كمبيوتر تناظريّ، Homage to Rameau فيلمٌ قصيرٌ أراد من خلاله أن يحقق تآزراً جديداً بين الصور، والأصوات، حيث بدت له تلك التي ظهرت عند "فيشينغر" ضعيفة جداً، لأنها مرتكزة على المُحاكاة.

هوامش المؤلف :

(7) ـ مصنع الصور، 1995، صفحة 71.

(8) ـ تيارٌ طليعيٌّ فرنسيّ، لاحقاً أطلق عليه "هنري لانغلوا"، و"جورج سادول" إسم "تعبيرية"، يجمع سينمائيين "شكلانييّن" مثل (مارسيل لوهربييه، جيرمين دولاك، آبل غانس، لويّ دولوك، جان آبستاين) ويؤكد على الصورة فقط لخلق معناها، وهارمونيّتها.

(9) ـ جيرمين دولاك، كتابات حول السينما (1919-1937)، نصوص جمعها، وقدمها "بروسبير هيليريه" (Paris Expérimental، مجموعة كلاسيكيات الطليعة، 1994، صفحة 89).

(10) ـ كي نتجنب أيّ غموضٍ معجميّ مع تيارٍ سينمائيّ تسجيليّ ظهر خلال الفترة 1958 -1962 في الولايات المتحدة، وكيبك، بعد وصول كاميراتٍ جديدة، وخفيفة إلى الأسواق، وكان يهدف إلى إلتقاط الواقع مباشرةً لنقل أخلاقه.

في هذا النصّ، وفيما يتعلق بأعمال "ماكلارين"، و"لين لاي"، سوف نستخدم طوعياً مصطلحات "منقوشاً، مخططاً، ومرسوماً مباشرةً على شريطٍ حساس".

(11) ـ رافائيل باسان، نورمان ماكلارين، صمت برومثيوس (دفاتر Paris Expérimental رقم 17، 2004 )، صفحة 16.

(12) ـ وليام موريتز، فنّ الحركة، تنسيق "جان ميشيل بوهور"(إصدارات مركز جورج بومبيدو،1996)، صفحة 461.

الجزيرة الوثائقية في

13/09/2012

 

''زبانة'' يعدم في الخمسينية بمقصلة سينمائية

ضـاويـة خلـيفـة – الجـزائـر 

بعد خمسين سنة من استقلال الجزائر عاد المخرج السينمائي ''سعيد ولد خليفة'' لفتح دفاتر الماضي وفضح ممارسات الاستعمار الفرنسي بأدواته الوحشية، اللاإنسانية و الغير شرعية في حق شهداء الواجب الوطني، من بينهم ''أحمد زهانة'' المدعو ''زبانة'' أول شهيد أعدم بالمقصلة التي توقفت لمرتين، و أتت الثالثة برأس البطل أرضاً، حكم نُفذ رغم بطلانه لتنكشف بذلك عورة من عورات فرنسا الاستعمارية التي كان التاريخ بالمرصاد لها لتدوين هذا الحكم المنافي للقانون، وصمة عار كتبت في تاريخ فرنسا الاستعمارية.

الفيلم جاء ليكشف للعالم ما فعلته دولة المستعمر بالأرض و الشعب، فرنسا التي نفذت حكمها في حق الشهيد زبانة بتاريخ 19 يونيو 1956 رغم المعجزة الربانية التي أوقفت المقصلة لمرتين، لكن و كما جرت العادة أدارت ظهرها للحقيقة و القدر و اعترضت على القدرة الإلهية واستأنفت تنفيذ الحكم و كأن شيئاً لم يكن و لهذا ارتبط اسم زبانة بالمقصلة التي طالت أيضا صديق الثورة الجزائرية المناضل الفرنسي ''فرنار ايفتون''، الذي كان أول شهيد أجنبي يعدم بالمقصلة.

ففيلم ''زبانة'' كان فاتحة العروض السينمائية المدرجة في إطار الاحتفالات الخاصة بخمسينية استقلال الجزائر و المخلدة لتاريخ شهداء ثورة نوفمبر ، في انتظار باقي الأعمال التاريخية المخصصة لشخصيات أخرى.

فيلم ''سعيد ولد خليفة'' عن زبانة الذي لم يأتي بالجديد سوى ما هو معروف و متداول، و بالتالي كانت القطرة التي أفاضت الكأس و النقطة التي توقف عندها كثيرا الإعلاميون و المهتمون بجديد السينما الجزائرية خلال العرض.

نقص المراجع يخون ولد خليفة و ميهوبي ...

''زبانة '' المشروع السينمائي الذي انتظره الكثير آتى و بعد طول انتظار مخيبا للآمال و صادما في نفس الوقت، بل مقزما لمكانة الرجل و كفاحه، فالبعض وصف محتواه بالفارغ كونه لم يأت بأي جديد لا عن حياة الشهيد زبانة ولا عن نضاله بعدما صرح كل من كاتب السيناريو ''عزالدين ميهوبي'' و المخرج ''سعيد ولد خيلفة'' بأنهما اعتمدا على بحث دقيق و مطول و شهادات بعض رفقاءه من بينهم ''سعيد سطمبولي'' ومحاميه ''زرطال''، إلا أن من تابع العمل لم يلمس أي شيء من هذا القبيل، ليجد أن ''ولد خليفة'' سجل مرورا بسيطا و خاطفا على ثلاث، أربع محطات رغم أهميتها في ثورة التحرير، محطات كانت آخرها الأكثر فنية و تأثيرا في الجمهور و يتعلق الأمر بالأيام الأخيرة للشهيد زبانة، لحظة إعدامه بالمقصلة التي جعلت ''السي حميدة'' اسما بارزا في مسار الثورة التحريرية، فالعمل جاء خاليا من حماسة الثوار و المجاهدين، وغاب عنه عنصر التشويق و الإثارة التي تجعلنا نتوقع و نترقب ما يحدث بعد كل مشهد، و غابت كذلك الروح السينمائية و نسيم الثورة و التضحية، و كان مؤسفا في هذه الحالة أن لا تنصف السينما شهيد المقصلة الكولونيالية، و المؤسف أكثر أن المخرج لم يأتي بأي متعة سينمائية فكان فيلمه كالجسد بدون روح، و برر السيناريست ميهوبي ذلك بندرة و صعوبة الحصول على المزيد من المعلومات التي تتعلق بحياته و نضاله القصير، حيث ألقي عليه القبض ثمانية أيام بعد اندلاع الثورة التي أعطيت رصاصتها الأولى في الفاتح نوفمبر 1954، في حين سجل الثامن من نفس الشهر و السنة اعتقال الرجل رفقة مجموعة من الفدائيين في معركة ''غار بوجليدة'' التي لم ينجح المخرج في نقلها للمشاهد بل اكتفى بتناولها من خلال لقطة لا تعكس حجم المعارك الحقيقة التي شهدتها الثورة الجزائرية، و قد ذهب البعض ممن التقتهم الجزيرة الوثائقية إلى حد اعتبار أن الفيلم قزم كثيرا الشهيد زبانة الذي يعتبره الجزائريون من الرموز الكبرى للثورة.

وإن كان ضروريا التنويه بالجهد المبذول من قبل فريق العمل من الكاتب و المخرج إلى أبسط تقني وممثل، إلا أن الفيلم لم يشبع فضول الجزائريين و لم يروي تعطشهم لمعرفة حقائق جديدة عن تاريخ ثورتهم، وهم الذين يعرف عنهم تعلقهم الكبير بثورتهم و برموزهم من المجاهدين، الشهداء و الوطنيين، فالعمل الذي انتهى حيث كان يجب أن يبدأ - أو بالأحرى حيث كان يجب أن ينتقل بالمشاهد إلى أحداث أخرى ذات أهمية تلت تنفيذ الحكم على زبانة- لم يتعمق في مسار الرجل قبل وإبان الثورة، فقد انطلق حسب التسلسل الزمني من عملية بريد وهران التي شارك فيها ''السي حميدة'' وهو الاسم الثوري لأحمد زبانة، و التي تمت سنة 1949 فاكتفى بالإشارة إليها من خلال ما تداولته الصحف الفرنسية وتعاطيها مع الحادثة دون التفصيل فيها تمثيلا تفصيليا باعتبارها محطة هامة في المسار النضالي، حيث تم إظهار قصاصات بعض الجرائد التي وصفت زبانة بالإرهابي، مرورا بإلقاء القبض عليه ب''غار بوجليدة'' وصولا إلى فترة سجنه بسركاجي بالعاصمة، في حين تجاوز ''ميهوبي'' و''ولد خليفة'' الحياة العائلية للشهيد، و اكتفيا بظهور واحد لوالدته التي أتت لزيارته بالسجن، كما أنهما لما يبرزا كيف كان لانضمامه لصفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية أثر في تنمية الروح الوطنية، و بعدها التحاقه بالحركة الوطنية والدور الذي لعبه قبل الثورة، وفي سياق متصل كشف ''ياسين العلوي'' منتج الفيلم أن المفاوضات لا زالت جارية مع التلفزيون الجزائري لبث العمل في شكل ست حلقات، لهذا يقول ''لم نستطع أن نجسد كل مراحل حياته و نضاله في الفيلم لأن الصناعة السينمائية لديها قواعدها و معاييرها التي يجب الالتزام بها و بالتالي يمكن التعمق في ذلك خلال الحلقات التي ستعرض على المشاهد في حال وصل الطرفان إلى اتفاق يرضيهما، فكل تلك الأحداث لا يمكن تجسيدها فيما يقارب الساعتين من الزمن و هي مدة العرض''.

وقد أظهر الفيلم كيف أن فرنسا أصرت على محاكمة زبانة محاكمة عسكرية لا ميدانية رغم المحاولات المتكررة لمحاميه بإقناع السلطات بذلك، بعدما اتهمته بقتل حارس الغابات، و اكتفى بمرور بسيط لرسالة نقلت شفويا لمحاميه زرطال من جبهة التحرير الوطني التي قالت أن رأس ''أحمد زبانة'' و ''عبد القادر فراج'' ثاني شهيد أعدم بعده سيقابل بقتل 200 فرنسي في حال نفذت فرنسا حكمها، فالمخرج لم يقف عند ردة فعل الشعب بعد تنفيذ الحكم في حق ''زبانة و فراج'' وهذا كان سيضيف الكثير للعمل.

و اشتكى ''عزالدين ميهوبي'' نقص المراجع التاريخية، مؤكدا أن كل ما شاهده الجمهور هي حقائق تاريخية تم توظيفها توظيف فني، جمعها و اشتغل عليها مدة أربعة سنوات بالاعتماد على المحيط العائلي الذي أمدهم ببعض الجوانب في حياة زبانة و كذا المناضلين الذين رافقوه ك''سعيد سطمبولي'' الذي قال ميهوبي أنه يملك ذاكرة جيدة ووصف لهم معلومات دقيقة، و في معرض حديثه أكد أن الشيء الجديد الذي جاء به الفيلم هو المقارنة بين ''قيموكي'' و ''زبانة''، ليظهر كيف ينظر الفرنسيون إلى مقاوم فرنسي يحارب ضد النازية على أنه مقاوم في حين ينظر إلى زبانة الذي هو في نفس وضعه على أنه إرهابي و من خلال هذه المقارنة أراد ميهوبي أن يدين الاستعمار بأدواته العنصرية.

وقد أرجع سعيد ولد خليفة قلة الحوار إلى طبيعة شخصية ''أحمد زبانة'' - باعتباره الشخصية التي حركت العمل - الذي كان قليل الكلام، و ليجعل المشاهد يقترب أكثر من حياة و ظلمة السجن و يجعله يلامس المعاناة النفسية التي كان يعيشها زبانة و رفقاءه في سجن برباروس، وفي حديثه للجزيرة الوثائقية أكد أن الحرب التي دامت 8 سنوات لم تكن عسكرية فحسب بل دامت كل هذه المدة لأنها حظيت بدعم من السياسيين، وفي هذا السياق قال: ''السياسية الفرنسية التي خسرت العديد من الدول في تلك الفترة بقيت لها حظوظ استعمارية قائمة على الجزائر، فاستعملت كل الأساليب للحصول عليها، فاشتغالي أردت أن ينصب كذلك على الناحية السياسية، فمثلا مجلس الوزراء كان به كاتب دولة إفريقي الذي أصبح فيما بعد رئيس ساحل العاج، و هنا يتضح أن الاستعمار آن ذاك كان يستعمل أدوات جهنمية لبلوغ أهدافه، كان يستخدم رجل سياسي من العالم الثالث ليستعمر و ليهيمن على مواطن جزائري من العالم الثالث فالناحية السياسية كان مهمة جدا لي بالنسبة لي''.

وقد وفق الممثل الشاب القادم من مسرح الموجة بمستغانم ''عماد بن شني'' في أول إطلالة سينمائية له، حيث جسد وبنجاح شخصية زبانة، الدور الذي تحصل عليه بجدارة بعد أن فشل حوالي 400 شاب تقدم للكاستينغ في الظفر به، فملامح ''عماد بن شني'' كانت الأقرب، حيث بدا أنه اشتغل كثيرا على الدور لاسيما أنه عاد لبعض المراجع المتوفرة لمعرفة شخصيته و بعض ملامحه كقلة الحديث و إتقانه للهجة أصحاب الغرب الجزائري فالاثنان ينحدران من منطقة الغرب، و قد أكد بن شني أن هذا العمل مكنه من التعرف من جديد على عظمة هؤلاء الرجال الذين يتشرف أي جزائري بتجسيدهم في أعمال فنية، وفي ذات الوقت لم يخفي تأثره و باقي الطاقم بما فيهم التقنيين الفرنسيين بمشهد المقصلة الذي أعيد عدة مرات و لم يصور إلا بعد أربعة أيام أو أكثر، و تخوفه طيلة فترة تصوير المشهد كان من إمكانية حصول أي حوادث مفاجئة.

فيلم ''زبانة'' في سطور :

الفيلم أنتج من قبل شركة ليث ميديا، بمساهمة من الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، و المركز الوطني لأبحاث حول الحركة الوطنية و ثورة أول نوفمبر، و بدعم و إشراف من وزارتي الثقافة والمجاهدين.

من أصعب المشاهد التي لم يجد فريق العمل سهولة في تصويرها هي لقطة تنفيذ حكم الإعدام بالمقلصة فالتأثر كان كبيرا وصل بالفريق أن يذرف دموعا طيلة ثلاث أيام حيث كانت في كل يوم يعاد تصوير المشهد الذي يتوقف قبل أن يبدأ من شدة التأثر فالكل استحضر صورة من اقتيد للمقصلة و هو يصرخ '' تحيا الجزائر حرة''.

لم يرد لا السيناريست عز الدين ميهوبي و لا المخرج سعيد ولد خليفة الكشف عن الميزانية التي خصصت للعمل، و اكتفى ميهوبي بالقول أن دم الشهداء لا يقدر و لا يقاس بأي ثمن...

تفوق الجانب التقني على الطرح التاريخي و الفني للعمل، و كان لإخفاق ولد خليفة و ميهوبي أثر وانعكاس سلبي على المضمون ككل.

كلمة حق تقال أنه من الشجاعة و المجازفة أن يقع اختيارهما على الشهيد ''زبانة'' الذي لم يعش كثيرا الثورة، و في ظل النقص الرهيب للأرشيف و المعلومات الضرورية عن حياته و كفاحه، فلو تعلق الأمر بشخصية أخرى كديدوش مراد، حسيبة بن بوعلي ... لاختلف الأمر لأنهم الأوفر حظا من ناحية الأرشيف والمراجع مقارنة بزبانة.

الجزيرة الوثائقية في

13/09/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)