حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

روزا ....اصداء الحب وتراجيديا الحرب

طاهر علوان

 

امرأة في شبه متحف مهجور ، تدور في فضاء تجمدت فيه الحياة ، ولم تبق الا اصداء بعيدة لبقايا حروب وصراع عرقيات ، امرأة لايدرك احد كم مرت عجلة الحرب على كيانها كي تحطمها ولكنها بقيت مثل حمامة الرعب والقلق متشبثة ببقائها الصامت شاهدة على رعب اللحظة ، ولكنها غير مدركة ان الحرب عندما تمر فأنها تحفر انفاقها في الجسد والروح وماذا ترى المرأة ذلك الكائن المتراعش تفعل وعاصفة الحرب لاتبقي ولا تذر ؟.

انسانية متشظية ووجود يكتنفه الرعب هو جانب من جوانب حياة "روز" (الممثلة اغاتا كوليزا ) الشاهد الصامت على ازمنة الحرب ..وهكذا هي القصص الكامنة تحت طبقات الحروب وثقلها تبقى تتجدد مطلقة اصواتا لم نصغ لها جيدا ، لصرخات وعذابات ولتمنحنا خلاصة قصص لم نسمعها ومعاناة لم نعشها ولا شاركنا فيها . تمضي عقود وعقود وانسان الحرب وضحيته واحد هو ذلك الوقف في المنتصف ، في منتصف المسافة بين وجودنا الراهن المأزوم بين ذلك الماضي المحمل بالقسوة والشقاء الذي اسهم في صنع الحاضر واعطاه شكلا او في الأقل اسهم في ذلك .

روزا هي رائعة المخرج البولندي "ووجيش سمارزويسكي " الذي سبق واتحف مشاهديه بأفلام اخرى مهمة من اهمها :الزواج ، منزل الشيطان فضلا عن سلسلة "اللندنيون " ، هذا الفيلم الذي نحن بصدده كان قد حصد اهم جوائز السينما البولندية هذا العام وشارك مؤخرا في مهرجان السينما الأوربية العاشر في بروكسل وقوبل باهتمام وحفاوة كبيرة .

روزا تلخص جانبا مماخلفته الحرب العالمية من مآس وصراعات بل ان بيتها الريفي المتهالك ومزرعتها يرويان فصولا مما خلفته تلك الحرب المروعة ، مزرعتها فيها حقلان هما حقل للألغام من مخلفات الحرب وحقل البطاطا ، وهي تعيش بينهما متأقلمة مابين مخلفات الماضي وبين ما يوفر لها اسباب العيش والبقاء على قيد الحياة .

هي هناك شبه منسية ، تعيش وحيدة حتى يأتيها ذلك الجندي "تاديوس" ( الممثل ميشال سيزرتيك ) العائد من الحرب حاملا صورة قديمة تجمعها بزوجها الألماني وخاتم الزواج الذي كان في يده ، فقد مات الزوج وجاء هذا الجندي السابق بملابسه الرثة حاملا تلك الرسالة ، تتشبث به ان يبقى فهو اول انسان يمر بها ويمكن ان تثق به لأنه صديق زوجها ، تغريه بأنها ستدفع له ان هو ساعدها في قلع البطاطا لكنه يرفض ويتركها باتجاه القرية حيث مازال الصراع على اشده بين نزعة البولنديين لتأكيد ذاتهم وسيطرة بقايا الجيش الأحمر السوفيتي الذي حررهم من النازية ، ومايلبث "تاديوس " ان يقفل راجعا الى روزا ليجدها ملقاة على الأرض والكدمات تملأ وجهها بعد ان مر عليها جنود الجيش الأحمر واغتصبوها .

يشعر "تاديوس" بمسؤولية ضمير ازاء تلك المرأة المعزولة المحطمة ...انها تدفع ثمن انتمائها الى عرقية "المورانز" التي كانت بالأمس خاضعة لسيطرة الألمان فصارت تابعة لبولندا ولكن خاضعة لقبضة الجيش الأحمر الروسي ...لهذا تكون روزا مثالا صارخا للمرأة المنبوذة فهي متهمة بكونها المانية بمعنى انها امتداد لجرائم النازية وانه ساندت النازيين على ابادة البولنديين وهي منبوذة من جانب آخر لأن الجيش الأحمر اقام معسكرا لأحدى كتائبه على ارض مزرعتها الصغيرة وكانت هي تعيش في احضان الضباط الروس ...

يكتشف تاديوس ان هذه المرأة تعيش صامتة في جحيم متنوع اقله حقول الألغام التي تحف بمزرعتها من كل جانب ولهذا يبدأ رحلة ازاحة تلك الألغام مستندا الى خبرته العسكرية ...ولكنه يطور الأمر بعد تعرض روزا الى هجمات متكررة من طرف الجنود الروس والبولنديين على السواء ، اذ يحيط المنزل بألغام هو صنعها لكي تؤمن على حياتها ، ويدرب روزا على كيفيه تفجير الألغام اذا ماتعرضت الى الخطر وبالفعل يتولى تخليصها بهذه الوسيلة عن قطيع من الجنود الروس الذين دأب الضابط المسؤول عنهم على المرور وايذائها .

تتطور القصة الى دراما هائلة تسببها تلك المرأة التي يتهمها الجميع بالخيانة وانها امرأة كريهة وسيئة السمعة ولكنها تروي لتاديوس خلفيات مايشاع عنها من قصص وكيف ان نساء القرية تعرضن الى حفلات اغتصاب جماعي من طرف جنود الجيش الأحمر وهي لم تكن طرفا فيه لوحدها ولم يكن لها خيار في استيطان الجيش الأحمر لأرضها .

يقرر تاديوس ان تكون تلك المرأة امرأته التي يدافع عنها ويحميها ويشاركها حياتها البسيطة لكن الوحشية والأيذاء لاتتوقفان ، مشاهد متكررة ، الجار الفلاح الذي لايملك شيئا ينتزع الجنود منه البقرة التي يملكها ويعتدون عليه بالضرب المبرح وعلى زوجته ، يتصاعد احساس تاديوس بوقع الظلم المحيط به وينجح في القيام بأعمال انتقامية ضد جنود الجيش الأحمر بحكم مهاراته كمحارب قديم لكنه يبقى هو الآخر ملاحقا بماضيه ..انه مطالب بالمثول امام السلطات ليكشف من هو ...واما روز فتصاب بالسرطان ويواصل هو رشوة السلطات لتركها وشأنها ولشراء الأدوية المنومة والمهدئة لإسكات الام روزا وعذاباتها...

المفاجأة هي ان روزا كانت تخبئ ابنتها في قبو لا يراها احد ، فهي شابة جميلة من جهة ومن اب الماني من جهة اخرى وبذلك تكون لقمة سائغة للجيش الأحمر وللبولنديين على السواء ...

ساعة ان يقرر تاديوس تسليم نفسه الى السلطات بعد وفاة روزا ولإنقاذ ابنتها من الترحيل الى المانيا حيث يمكن ان تحاكم وتقتل يقرر تاديوس الزواج منها ثم تسليم نفسه للسلطات البولندية وهناك تبدأ رحلة شقاء اخرى لامثيل لها على ايدي تلك السلطات التي تتهمه بالعمالة والتخابر ويتعرض الى اشكال من التعذيب وقطع اذنه ...ليعود بعد ذلك بسنوات بحثا عما يربطه بروزا ، ابنتها التي تركها في مهب الريح.

تتداخل في الفيلم مساحة هائلة من الاستذكارات والنبش في اوجاع وجراحات الماضي فكل المشاهد القاسية التي تعرضت لها روزا تمتزج بحاضر قلق ومضطرب ولا تستطيع ان تفرق بين الحاضر الذي مازال بلا شكل فجراحات الحرب لما تندمل بعد وخرابها مازال شاخصا في كل مكان فضلا عن العدوانية التي طبعت الجميع ممن عصفت بهم عاصفة الحرب .

الدراما الفيلمية التاريخية التي صنعها هذا المخرج البولندي البارع اعادت قصص اجواء الحرب العالمية الثانية وهزاتها الارتدادية على النسيج الاجتماعي وهي تمضي في نخر الذات الإنسانية وتشويهها وانتزاع كثير من قيمها الافتراضية .

واما من الجهة الأخرى فأن المرأة من خلال روزا كانت تدفع قدما باتجاه قراءة ذلك الواقع المر من خلال عيني امرأة وحواسها وعاطفتها وضعفها ومكابداتها ، فعجلة الحرب مضت تسحق كيانها الرخو وتكتم صراخها الذي تكرر في العديد من المشاهد القاسية .

ورغم قتامة الصورة فأن بقعة الضوء الجميلة ومساحة الأمل قد تمثلت في علاقة الحب الصامت التي نشأت بين تاديوس وروزا وحقا لا تجد سببا في طمعه بها وهي المرأة المعذبة المحطمة الملاحقة بثلاثة اسباب احلاها مر وهي كونها انثى فقدت كثيرا من جمالها وقوتها وشباباها وكونها تمثل عرقية لاوزن لها بل انها عرقية متهمة بالخيانة الوطنية لصالح النازية وكونها متهمة بالعمالة للجيش الأحمر ضد بولندا فالأتهام بالخيانة يلاحقها من كل جهة وهي تدفع الثمن في حياة مهددة ...

وسط هذه القسوة تنشأ قصة الحب وكأن سلوك تاديوس ليس دفاعا عن حبه في منحاه العاطفي بل دفاع عن قيمة انسانية وجد نفسه مطالب بالدفاع عنها في ظل اجواء من الظلم والهمجية التي دفعته الى ذلك الموقف الشجاع الذي دفع ثمنه لكنه لم يتراجع عن قضية آمن بها ...

الفيلم بكل عناصره الصورية وبناءه السردي يشكل كلا متكاملا لعمل ابداعي متميز وانساني وعميق حافل بالتحولات ومهارة الصنعة السينمائية سواء في البناء الصوري او الصوتي او في الدراما المتأججة والصراع المتصاعد ...هو فيلم ينتمي الى تلك الأفلام التي تبقى في الذاكرة ويستحق فيلم كهذا ان يحتفى به لا ان يبقى في الظل وسط الحمى الهوليوودية الطافحة التي تستحوذ على الأصوات والتجارب الأخرى التي تبحث في داخلها عن الأنسان وتحاكي الأنسان في تحولاته ومكابداته.

الجزيرة الوثائقية في

10/09/2012

 

لندن.. بابل هذا العصر

أمستردام – محمد موسى  

يروي الشاب الذي كان يقف أمام محله للقصابة حكايته لفيلم "لندن :بابل حديثة": " حصلت على عمل بعد إسبوع من وصولي لندن، بعد شهرين بدأت محلي الخاص، خلال عام إشتريت شقة صغيرة قريبة، أعيش فيها الآن مع عائلتي" ثم يوجه سؤاله للكاميرا بلكنته الاوربية الشرقية: " في أي مكان في العالم يمكن أن يحصل هذا لغريب مثلي..؟". كادر الكاميرا الليلي للمقابلة كان يقطعه المارون في الشارع اللندني المزدحم، بشر من كل الجنسيات والسحنات في طريقهم إلى بيوتهم او أشغالهم في المدينة الواسعة، التي لا تشبه باريس او روما في فخامتها، وأسرارها تتكشف تباعا، ومجدها ليس دائما معلقا على بنايات فخمة. كما إن لندن تختلف عن مدن أوربية عريقها بتحولاتها وتبدلاتها المستمرة المتواصلة، حيث تتغير كل عقد تقريبا وجوه كثير من أحيائها ويحل سكان جدد محل سكان مغادرون إلى وجهات جديدة. فعندما ترك أبناء الطبقات العمالية الأنكليز أحيائهم في بدايات القرن الماضي، حل بدلهم يهود اوربا الشرقيين، وعندما غادر اليهود، جاء الأفارقة وسكان المستعمرات البريطانية، وعندما ترك هؤلاء جاء الهنود والباكستانيين في سبعينات القرن الماضي، والآن ينتشر عرب واوربيين شرقيين وبشر من كل العالم في أحياء المدينة العديدة، التي قدموا اليها باحثين عن مستقبل آخر في المدينة "الايقونة"، والتي مازال يطلق عليها "عاصمة الضباب"، رغم إنها ودعت ضبابها منذ عقود طويلة ليحل بدل عنه أبخرة الأكل الصيني والهندي.

إذا كان سمة لندن الحديثة هو التغير، فهذا جعل القبض تسجيليا على "لندن" واحدة صعب بمكان، فعندما يبدو إن المدينة إقتربت من الإستقرار وعثرت على نموذج إجتماعي وأحيانا إقتصادي خاص، يحدث شيء جديد في العالم، يصل تأثيره سريعا الى "لندن"، لذلك يبدو مشروع فيلم "لندن: بابل حديثة" للمخرج جوليان تمبيلر، والذي عرض في الصالات السينمائية البريطانية أثناء اولمبياد لندن، ووصل إلى شاشات هيئة الاذاعة البريطانية ( بي بي سي) أخيرا، مشروعا طموحا الى حد كبير، خاصة إنه يقدم قرنا طويلا كاملا من عمر المدينة في ساعتين تسجيليتين، مركزا كثيرا على هجرات بشر من حول العالم الى "لندن"، وكيف غير هؤلاء هوية المدينة، من دون أن يهز هذا التغيير من مكانة المدينة التي كانت تحكم العالم، قبل أن تفقد سلطاتها وماضيها الاستعماري، لتتحول الى مدينة مفتوحة، ملهمة، يعشقها كثيرين ويتوجه إليها ملايين كل عام للسياحة والعمل، منهم من يبقى فيها حياته كلها.

تكاد المادة الإرشيفية تشكل معظم عماد الفيلم التسجيلي، الذي يستعيد أفلام قديمة من نهايات القرن التاسع عشر للمدينة بسكانها "البيض" من الإنكليز ومهاجرين قليلين من الجزيرة البريطانية نفسها، توجهوا إلى لندن، عندما ضاقت بهم قراهم ومدنهم في إسكلندا، إيرلندا وويلز. من إرشيف ما قبل الحرب العالمية الاولى، هناك أفلام صورت لجنود بريطانيين كانوا متوجهين إلى الجبهات الفرنسية والألمانية. تعقب تلك المشاهد، أفلام أخرى لبعض من هؤلاء الجنود يعودون مقطوعي الاطراف من الحرب التي لم تعرف الاسلحة الحديثة الفتاكة، لكن جنودها شهدوا الويلات في حروب الاسلحة البيضاء القاسية. من حسن حظ الفيلم إنه وجد سيدة تجاوزت المائة من السنوات، وشهدت عظام الأحداث في مدينتها، لتعلق على تلك الصور. تتذكر السيدة اليهودية، المهاجرة هي الاخرى الى لندن، دموع امهات الجنود العائدين من الحرب العالمية الاولى، وتتذكر أيضا فقر سنوات العشرينات في المدينة، التي تقول إحصائية وقتها إن ما يقرب من نصف أطفالها لم يكونوا يملكون أحذية. كما تتذكر السيدة المسنة جيدا صعود الحركة الفاشية البريطانية، والتي كانت متعاطفة مع صعود الفاشيات في اوربا.

لندن التي هزمت الفاشية، كادت طائرات النازية أن تكسر ظهرها خلال الحرب العالمية الثانية، وعندما أنتهت تلك الحرب بهزيمة النازية، بدت المملكة العجوز وكأن عليها ان تواجه تحديات جديدة مختلفة، فمستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس بدأت بالغليان بفعل الثورات الوطنية المطالبة بالإستقلال، والمهاجرون من تلك البلدان بدؤوا يطرقون أبواب المملكة ولندن بالتحديد. يستعيد الفيلم التسجيلي مشاهد من الهجرات الواسعة الاولى لبريطانيا، والتي لم تمر أبدا دون معارضة شعبية، أخذت اشكال سياسية عبر نشاط أحزاب بريطانية يمينية إرتكز خطابها السياسي دوما على ترهيب البريطانيين من الهجرات والمهاجرين. مع كل موجة هجرة جديدة، كانت "لندن" النموذج الناجح الذي يستند عليه المروجين لفتح بريطانيا واوربا أمام الغرباء. هذا لا يعني إن طريق لندن كان دائما سهلا، فالفيلم التسجيلي يقدم أيضا مشاهد من أعمال الشغب التي ضربت المدينة في كل عقد من السنوات تقريبا. أعمال الشغب تلك، والدمار الذي تلحقه، كانت، بعنفها الكبير، وكأنها ترمم روح المدينة وابنائها وتعدهم لتحديات السنوات القادمة.

كحال مجموعة من الافلام التسجيلية الكبيرة في السنوات الآخيرة، إعتمد فيلم " لندن: بابل حديثة " بمعظمه على المواد الإرشيفية، لكنها لا تقتصر هنا على المواد الارشيفية المسجلة وقتها لنشرات الاخبار التلفزيونية او لدواعي الارشفة العامة والخاصة، الفيلم يستعين أيضا بتراث السينما البريطانية الروائي، وكأن هذا الأخير أصبح لا ينفصل عن التراث "المسجل"، بقبضه على روح الزمن المنقضي وأبطاله، كما إن الأفلام الروائية التي صورت قبل الحرب العالمية الثانية خارج الاستديوهات أصبحت من الوثائق عن المكان والمدن قبل تدميرها في الحرب تلك. فيلم " لندن: بابل حديثة " يختلف أيضا عن افلام مثل :" السيرة الذاتية لنيكولاي تشاوشيسكو " و " سينا " واللذان تتبعا شخصيات تاريخية معروفة ضمن مسار زمني تصاعدي واضح، فيلم " لندن: بابل حديثة " ينطلق من بداية زمنية محددة لكنه إمتلك حرية أكبر، من جهة إختيار المواد الإرشيفية، لتقديم مايراه مناسبا لوصف التبدلات والتحولات التي طرأت على المدينة.

يذهب كثير من جهد مخرجي الأفلام التسجيلية التي تعتمد على المواد الإرشيفية على التوليف والذي يمنح الأفلام بالنهاية الروح والإيقاع الخاصين، والذان يقتربا في فيلمي " السيرة الذاتية لنيكولاي تشاوشيسكو " و "سينا" من التراجيديا، فيما إبتعد توليف فيلم " لندن: بابل حديثة "، بشكل حاسم عن إستخدام الصور والأفلام الشهيرة، وربط ما توصل إليه من مواد إرشيفية أقل شهرة عبر موسيقى عصرية إنتج كثيرا منها في إستديوهات لندن الموسيقية. يمجد الفيلم المدينة، المتعددة الطبقات، والتي تنوء الآن بمسؤولية حمل أوزار العالم.الذي تجمع عينات من سكانه تحت السماء التي تكثر فيها الغيوم بالعادة ولا ينقطع مطرها الا قليلا.

الجزيرة الوثائقية في

10/09/2012

 

لما حكت صهباء "حاملة الجمرة"

غزة - تامر فتحي 

تبدو بهيئتها وفكرها وحياتها العريضة وبيتها المنسق وكأنها نغمة منفردة لا مثيل لها في غزة، قال لها محمود درويش "أنتِ كالديناصورات، فمثلكِ إنقرض من زمن"، وقالت عنها رفيقاتها في سجن القناطر "أنها النسمة التي هونت عليهن قسوة السجن"، وقال لها زوجها الشاعر معين بسيسو في إحدى قصائده " أعطيكِ كنز المارد المخبوء في السّحب وكلّ ما أعطاني العدو والصديق " وقالت هي عن نفسها في الفيلم الوثائقي الذي كتبته وأخرجته نجاح عوض الله وانتجه تليفزيون فلسطين" أنا حاملة الجمرة". إنها صهباء البربري أول مناضلة شيوعية وسجينة سياسية في تاريخ فلسطين.

يوثق فيلم "حاملة الجمرة" الذي يعد شهادة تاريخية على فترة مهمة في تاريخ غزة تحديداً وفلسطين عموماً، حياة صهباء البربري وكيف تحولت من فتاة غضة إلى مثقفة ثم إلى شيوعية ثم إلى مناضلة ثم إلى سجينة ثم إلى امرأة قوية تزوجها فيما بعد الشاعر الفلسطيني المعروف معين بسيسو.

مخرجة الفيلم نجاح عوض الله، زوجة الشاعر الفلسطيني خالد جمعة، لم يعنِها كثيراً كون صهباء زوجة الشاعر المعروف، بل إنها مرت سريعاً على حياتهما المشتركة، على الرغم من تشابهها مع بطلة فيلمها في الزواج من شاعر، إلا أن الشاعر ظل مجرد خلفية طوال الفيلم، جذبتها أكثر صهباء المرأة المناضلة القوية القابضة على الجمر، لدرجة أنها صدرت فيلمها بعبارة: " هل عليّ دائماً حين السؤال من هي صهباء البربري أن أضيف هي زوجة الشاعر معين بسيسو؟! هي صهباء ولها حكاية....." .

"احكي يا الراوي احكي حكاية، مادابيك اتكون رواية، احكي لي عن ناس زمان" هكذا مصحوبا بصوت الجزائرية سعاد ماسي يبدأ الفيلم ثم نرى يد صهباء النحيلة المعروقة وهي تدير الجرامافون ليخرج صوت أسمهان القديم قدم أول الحكاية التي تحكيها صهباء منذ ثلاثينات القرن الماضي حين ولدت، قدم صوتها العميق الصادر من جسد نحيل محدودب قليلا، قِدم شعرها الرمادي، قِدم صور طفولتها في حي الدرج في غزة هاشم، غزة القديمة التي يوجد بها قبر هاشم بن مناف جد الرسول عليه السلام، غزة تجارة البهارات والبخور ومعاصر الزيتون القديمة، حيث كان لجدها طاحونة سمسم تملأ أرجاء الحي برائحة السمسم، وإليها كانت تذهب حفيدته صهباء هي وأخوتها في الصباح ليقبلوا يده و ينالوا منه مصروفهم قبل ذهابهم إلى المدرسة. ثم حدثت النكبة وشاهدت صهباء هجرة اللاجئين إلى غزة عن طريق البحر، وشاركت مع جدتها وعمتها وأمها في تقديم المساعدات وخياطة الملابس لهم، ومنذ ذلك الحين - كما تروي صهباء- لعبت القضية الفلسطينية دوراً مهماً في حياتها.

إلا أن مرض أبيها كان سبب في انتقال الأسرة إلى القاهرة حيث استكملت دراستها الثانوية في مدرسة الأميرة فوقية (الأورمان حالياً)، وهناك تفتحت مداركها، وقرأت لميخائيل نعيمة وجبران وغيرهم من الكتاب ومع إلتحاقها بكلية الآدب في قسم الاجتماع بجامعة القاهرة ومن خلال أخيها فاروق البربري تفجر وعيها السياسي وبدأت تتعرف على الحياة السياسية في مصر: عن الإخوان المسلمين والشيوعين وبإيعاز من أخيها انغمست أكثر فأكثر في النشاط الطلابي حتى صارت عضواً في رابطة الطلاب الفلسطينين وهناك صارت شيوعية.

وفي أثناء زيارتها هي ومجموعة من طلاب الجامعة للمعتقلين في سجن القناطر على خلفية أحداث هبة آذار (مارس) 1955 الرافضة لتوطين اللاجئين في سيناء أو ما كان يعرف "بمشروع سيناء"، تعرفت صهباء على معين بسيسو الذي كان ضمن المعتقلين وكانت تراه لأول مرة وحينها سألها عما ستفعله بعد تخرجها فقالت له "بدي أرجع غزة، لأني أريد أفيد الطالبات والمجتمع الفلسطيني بما تعلمته". بعد ذلك بعام خطبها معين بسيسو.

عند عودتها لغزة عملت صهباء مدرسة في المدرسة التي تعلمت فيها في صباها، أرادت أن تكون معلمة استثنائية، حاولت صقل قدرات الفتيات وتفتيح مداركهن الثقافية وبث القيم الوطنية فيهن، عملت – كما تروي في الفيلم – على تنشئة جيل جديد من الفتيات قادر على تحديات القضية الفلسطينية، إلا أن هذا العمل انقلب عليها فيما بعد. فمع تصاعد الحملات العدائية ضد الشيوعين خاصة بعد فشل انقلاب العقيد عبد الوهاب الشواف في 8 مارس 1959، فى الموصل ضد عبد الكريم قاسم، تم تحريك مظاهرات ضد الشيوعيين في مناطق كثيرة في الوطن العربي من بينها غزة وأخذت الطالبات في الهتاف ضد مدرستّهن الشيوعية والتنديد بها ووصل الأمر أن رفعن أحذيتهن في ووجهها ولكم أحزن هذا صهباء - وإلى الآن رغم مرور عقود لا يزال ذلك يحزنها-. بعد ذلك قاد عبد الناصر حملة اعتقالات موسعة ضد الشيوعيين في مصر وسوريا والعراق طالت شيوعيين فلسطينيين فى قطاع غزة كان من بينهم معين بسيسو وخطيبته صهباء ثم تم نقلهم للسجن الحربي.

إثنان وأربعون يوماً قضتها صهباء في الحبس الإنفرادي في السجن الحربي، سجن الرجال، في زنزانة فوق غرف التعذيب حيث كانت تسمع أنات المسجونين وأصوات الكلاب وهي تنهش أجسادهم، وكان هذا تعذيباً في حد ذاته. بعدها تم نقلها إلى سجن النساء في القناطر مع شيوعيات مصريات منهن إنجي أفلاطون وثريا شاكر وجين سيداروس والممثلة محسنة توفيق، وهنا بدأت فترة من أغنى الفترات في حياة صهباء البربري قالت عنها أنها فادتها أكثر من قراءة مئة كتاب. تعلمت الانجليزية على يد صديقتها جين سيداروس، وعلمتهن التطريز الفلاحي الفلسطيني المعروف، وطبخت لهن "المقلوبة" وأكلات فلسطينية أخرى، وكانت تغسل الأرز المطبوخ بالماء وتعيد طبخه بالزبدة التي كانت تنزعها من الحليب المقدم لهن في السجن، كن لها رفيقات ومعلمات وكانت لهن "بلسم" –كما جاء على لسان رفيقاتها في السجن.

بعدها خرجت صهباء من السجن وعادت إلى غزة واستأنفت حياتها ثانية برغم نبذ الجيران وفصلها من عملها، إلا أن ذلك لم يكسرها، وظلت تواجه في شجاعة مجتمع تربص بها وأراد لفظها لكونها شيوعية. بعدها تزوجت من معين وبدأت حياة لم تعرف الاستقرار، تنقلت مع زوجها وأطفالها الثلاثة من غزة إلى القاهرة إلى بيروت وهكذا من بلد إلى بلد، لكنها وبقوة وصلابة حافظت على أسرتها ووفرت لمعين الجو الملائم كي يتسنى له إنجاز عمله الشعري والأدبي وكانت –كما وصفها أصدقاء مقربون - بمثابة الجندي المجهول في حياة الشاعر.

هكذا نجحت المخرجة نجاح عوض الله بلغة بصرية بسيطة بلا تكلف في صناعة فيلم إنحاز للجانب التوثيقي في المقام الأول، فلقد استخدمت تعاقبات الشروق والغروب وفصول السنة ولقطات لشوارع غزة والقاهرة ولقطات للجدة صهباء مع حفيدتها جيفارا كفواصل بين حكي صهباء ورفاق لها ساهموا في قص مشوارها بالفيلم.كما جاءت اختياراتها الموسيقية من كلاسيكيات عربية ومن ألبوم "تماس" لسمير ووسام جبران موفقة، واستطاع المونتاج في تسع وأربعين دقيقة هي مدة الفيلم بالإمساك دون ملل بالخيوط المحورية لتاريخ الشخصي لامرأة غزية مناضلة لا تزال تتمسك بشيوعيتها التي كفر بها العالم وصارت كالجمرة في مجتمعها الذي تحكمه سلطة ذات مرجعية دينية.

وتصف المخرجة نجاح عوض الله للجزيرة الوثائقية صعوبة تتبع خيوط حياة صهباء بين مدن القاهرة ورام الله وغزة، والبحث عن رفيقات صهباء في السجن اللواتي كن سعيدات بالحديث عنها، موضحة أن تصوير الفيلم تم في ظل جهد ذاتي سواء على مستوى السفر، او الكتابة أو تتبع خيوط الحكاية، وكذلك الانتاج قائلة: "واجهتني عقبة الانتاج فمثل ما يحدث في كل القنوات الحكومية التي توافق على انتاج فيلم من مماطلة وبيروقراطية وضعف تمويل والاعتماد فقط على اشياء لوجستية بسيطة مثل توفير الاضاءة وكاميرا، ولولا تصميمي وعنادي واهتمامي بصهباء وروح الفيلم لما تم انجاز الفيلم فالتأجيل كان مغامرة غير محسوبة".

وتضيف أن صهباء ذاتها رفضت الفيلم في البداية، فلم تتخيل فيلما عنها دون الحديث عن زوجها الشاعر معين بسيسو، كما هي معتادة، معتبرة ان قصتها متواضعة امام قصص الاخرين رغم ان عندها ما يُروى.

ولفتت عوض الله إلى أن صهباء سرعان ما اقتنعت بفكرة الفيلم وبدأت تُخرج لها أرشيفيها وصورها وقصاصات ذلك الزمن، موضحة أنها بدأت تسجل حكايتها في البداية ولمدة سنة كاملة على اشرطة "كاسيت"،ما ساعدها في وضع بنية الفيلم، وبمجرد موافقة صهباء على الفيلم بدأ التسجيل بالكاميرا، مضيفة : "كنت معنية ان قصتها ما تضيع، فالزمن لن ينتظرنا إلى الابد".

الجزيرة الوثائقية في

10/09/2012

 

النوم في العسل

فجر يعقوب 

قبل اللقاء مع الرئيس المصــري محمد مرسي دار حديث عن وجود قائمة بأسماء 120 فناناً معدة من وزارة الثقافة المصرية بغية إيجاد «مخارج» كما يبدو للأزمات الناشبة بين عدد منهم، وبين بعض الدعاة المتشددين على بعض الفضائيات الدينية. مصادر الوزارة أكدت أن مكتب الرئاسة هو من طلب اعداد هذه القائمة، وترك له مسألة اختيار المئة من بينها، كما ورد في الأخبار.

الحديث عن اللقاء يأتي في وقت تتصاعد حدة الأزمة بين بعض الدعاة المتشددين الذين انتعش ظهورهم على فضائيات بعينها أخيراً، والفنانات اللواتي لقين من التعنيف اللفظي ما يكفي لدعاوى قضائية قد تطول وتمتد إلى سنوات. قد تبدو الأمور إلى هنا طبيعية، وتركن إلى نوع من تسوية أو هدنة طالما أن الأمر أصبح بيد عليا مثل مؤسسة الرئاسة، ذلك أن طلب اللقاء يجيء بمبادرة منها، وهذا أمر حسن يمكن الشغل والتأسيس عليه بما فيه مصلحة الطرف الأكثر تضررا، وبخاصة أن الوسط الفني والثقافي والاعلامي أصبح الآن في «عين العاصفة» التي تلت انتخاب الرئيس مرسي. والأهم أن الرئاسة قد تفاجئ الجميع في مرحلة لاحقة، فتكف يد هذه الفضائيات عن مواصلة صب الزيت على النار عبر مواصلة التهجم على الفن وأهله.

ما يبدو غير طبيعي هو سلوك بعض أهل هذا الوسط الذين تردد أنهم لم يشاركوا في اللقاء تحت أعذار شتى منها السفر خارج البلاد لأسباب شخصية أو الارتباط بأعمال فنية الخ... بالطبع عدم الرغبة بلقاء من هذا النوع هو حق شخصي لا نقاش فيه، وليس من حق أحد ابداء رأي مخالف من حيث المبدأ. ولكن قضية من هذا النوع كانت تستأهل التفرغ لها بغية المحاججة والدفاع عن ضرورة الفن في حياة المجتمعات العربية عموما والمصرية خصوصا، وتسجيل النقاط في مرمى الخصم، لا أن يترك الحبل على الغارب لمن هبّ ودبّ، حتى يغيّر في سلوكيات الناس ويقرر ما هو خير لهذا المجتمع أو ذاك. لن يكون صعباً ابداء ملاحظات بهذا الحجم حول «تنصل» الفنانين الذي كانوا حتى اللحظة يقعون مباشرة تحت نيران خصومهم من اللقاء. ليس هناك أعذار طالما أن المسألة أصبحت قضية رأي عام أو تكاد. ليس صراع الزعيم عادل إمام وإلهام شاهين وهالة فاخر ونور الشريف وسماح أنور وفاروق الفيشاوي مع حفنة دعاة متشددين مسألة شخصية حتى يتمنع بعضهم عن حضور اللقاء، وبخاصة أن هذا البعض «استنجد» أخيرا بالرئيس مرسي. ولن يبقى المشاهد على حاله، وهو يتابع الهام شاهين تصاب بالذهول بعد أن راعها الفيديو الذي عرضته عليها هالة سرحان في برنامجها «ناس بوك» على فضائية «روتانا مصرية»، ويظهر فيه الداعية الاسلامي عبدلله بدر، وهو ينال من شرفها وعرضها، وبدا أنها تشاهده للمرة الأولى وكأنها تنام في العسل.

الحياة اللندنية في

10/09/2012

 

«الباص الأسود» يفضح التمييز الاسرائيلي ضد المرأة

قيس قاسم 

يقارب عنوان الوثائقي التلفزيوني الإسرائيلي «الباص الأسود» حياة النساء الإسرائيليات المنحدرات من عائلات يهودية أرثوذوكسية متشددة، وحالة الزنوج الأميركيين قبل عقود حين كانوا يُجبرون على الجلوس في المقاعد الخلفية من الحافلات العامة، بما ان المقاعد الأمامية كانت مخصصة للبيض فقط.

في إسرائيل اليوم وفي حافلات «المهادرين» المخصصة للمتدينين، يجرى تمييز من نوع آخر بين الرجل والمرأة، حيث يمنع على الأخيرة الجلوس في المقاعد الأمامية، خشية تدنيس طهارة الرجل الذي قد تقع عينه عليها وهي تجلس في المكان ذاته، على ما يفتي حاخامات أتباع الاتجاهات الأصولية في الديانة اليهودية. في وثائقي المخرجة الإسرائيلية أنات يوتا زوريا تلعب امرأتان يهوديتان الدور الرئيس لتجسيد الشعور الفظيع بالدونية الذي تحسه المرأة اليهودية والتي يصعب على كثيرات التعبير عنه صراحة خوفاً من عواقب دينية واجتماعية قاسية كما تعرضت له سارة وشولاميت، إذ طردتا من بيتيهما وقاطعهما الأهل لأنهما رفضتا الخضوع للقواعد والطقوس الصارمة المتعارضة مع روح العصر وفضلتا العيش حياة سوية يرفض الأرثوذوكس اليهودي مواكبتها. يسجل الوثائقي يوميات المرأتين في عزلتهما الاجتماعية وكيف تعملان على كسرها عبر نشاط متنوع لتحفيز المجتمع على مناقشة الأفكار القديمة والرجعية التي تتبناها حركات دينية سياسية متشددة مثل حركة «شاس» (اتحاد السفارديم حراس التلمود) أو التلموديين، وتحاول فرض نفوذها على قطاعات واسعة من المجتمع الاسرائيلي. فالقضية كما يُبينها البرنامج لم تعد محصورة بقناعات دينية بل تتعداها الى رؤية وموقف من المرأة وحق التعبير والخصوصية الفردية. ولهذا يذهب «الباص الأسود» الى كثير من المناطق المظلمة في الحياة الاسرائيلية ويُظهر التناقض الصارخ بين المتشددين وبقية المؤمنين اليهود وبين تيارات تريد مشاركة المرأة في الحياة اليومية وأخرى تريد تحجيمها والتعامل معها ككائن ناقص ومصدر لإغواء الرجل وإفساد ايمانه الديني. الشابتان المنتميتان الى طوائف متشددة دينياً قررتا تركها، لهذا تعرفان الكثير عنها وعن أفكارها، ما يعطيهما قوة المحجاجة على أكثر من مستوى، في الشارع أو عبر صفحات الإنترنت التي تعد سارة واحدة من الناشطات فيه، حيث تتبادل الآراء والنقاشات مع عدد كبير من الناس وتتباحث الأمور من وحي تجربتها الحياتية، في حين تلعب كاميرا شولاميت دور الموثق للواقع المحبط للشابة اليهودية وبخاصة لتلميذات المدارس الدينية الأصولية.

كانت تجابه على الدوام بخوف الفتيات من كاميرتها الفوتوغرافية لأنهن لا يردن التعرض للمساءلة أو المحاسبة كما نرى ضعف حججهن حين يتعلق الأمر بشروط لباسهن الذي يتعمد الحاخامات تحديد مواصفاته؛ بالخشونة والقبح حتى لا يلتفت الشباب اليهن.

أكثر وقت البرنامج انشغل بتصوير تفاصيل التنقل بالباصات المقسمة بين الجنسين وتسجيل جزء من النقاشات الحادة التي تجرى داخله يومياً، حول الكثير من المسائل الدينية والحياتية، وفي إحدى المرات رصد الوثائقي تحرك رجال دين يعارضون وجود الباصات نفسها في مدن تدعي التحضر وكيف تطور النقاش بينهم وبين متشددين يهود الى مشادة كلامية ثم الى شجار عنيف.

بعيداً من الحافلات يناقش البرنامج علاقة المرأة بالرجل ضمن شروطها الدينية المتشددة ويعري عبر حوارات مفتوحة وصريحة واقعها على أكثر من مستوى، وكيف يحاول رجال الدين تفسير النص التوراتي لمصلحتهم، دون المرأة والتي وصلت الى مستوى من بحث التفاصيل الجزئية في الحياة الجنسية وحكرها على الزوج وأخرى مثل: أسبقية الاستحمام وعدم امتداح طبخ الزوجة حتى لو كان طيباً وغيرها من أمور تبدو زائدة وتهدف في النهاية الى التقليل من قيمة المرأة بإسم النص التوراتي. في المقابل أعطى «الباص الأسود» صورة مؤلمة لحياة الرافضين الخنوع لإرادات المتشددين، فتأثير هؤلاء لا يزال قوياً في كثير من العائلات اليهودية ولهم اليد الطولى في الموقف من كل ما يمس حياتهم وحياة أطفالهم، لدرجة أن سارة قررت يومياً مسح كل ما كتبته على صفحات الأنترنت خوفاً على طفلها الذي ربما سيُحمّل مستقبلاً وزر موقفها المعارض، وحزن شولاميت لم يكن أقل من رفيقتها، فالحنين الى أهلها ووحشة عزلتها يدفعانها الى البكاء، ومع كل ذلك ما زالتا مصرتين على موقفهما من «الباص الأسود» وضرورة إلغاء وجوده من حياتهما.

الحياة اللندنية في

10/09/2012

 

آنا كارنينا رائعة تولستوي في السينما مرة أخرى

ترجمة: أحمد فاضل  

وأخيرا التأم شمل كيرا نايتلي مع المخرج جو رايت في الحصول على أحدث تكييف لقصة بطلة مأساة تولستوي آنا كارنينا .

كيرا نايتلي قالت في معرض حديثها عن دورها هذا أنها ستعيد قراءة الرواية للعب آنا على الشاشة في فيلم جو رايت الجديد ، واستطردت ساخرة :

- يا إلهي من الملاحظ أن تولستوي يضمر شيئا تجاه آنا كارنينا ، وقد يكون كارها لها من خلال هذا الحشد العدائي المقدم منه لبطلة روايته !

المخرج جو رايت اتخذ نهجا مبسطا لمادته بوضعه أغلب شخصيات الرواية الذين سيظهرون في الفيلم على مسرح الواقع على أساس أن الأرستقراطيين الروس الذين عاشوا في القرن التاسع عشر كما لو كانوا هكذا ، وقال ايضا انه يصور الحب بجميع مظاهره حتى وهو يؤدي في النهاية الى الخراب والانتحار ، نايتلي بدورها قالت مع أن آنا كارنينا كانت امرأة جميلة واجتماعية إلا انها أخطأت حينما لبت نداء هواها وتوسعت في غرامياتها فكانت سببا في تدمير حياتها مبينة كذلك أنها واثقة من الحكمة الدنيوية التي تقول بحتمية ذلك العقاب .

نايتلي صورت ببراعة كيف التقت كارنينا بضابط سلاح الفرسان فرونسكي" آرون تايلور جونسون " العابث ليجد مشاعر مختلفة تعيش داخله تجاه هذه المرأة المتزوجة ليعيش معها حبا حقيقيا ما لبثت أن تعيش ضعفا عاطفيا أمام حبه يوقظ في نفسها مشاعر كانت ميتة فيكتشف الزوج المخدوع اليكسي كارينين " جود لو " هذا الحب بينهما فيرفض طلاقها بعد طلبها منه ويماطل بينما يتجه الاثنان للهرب معا على أمل أن يرضخ الزوج لهذا الفعل ويقوم بطلاقها ، هذه الأخبار سرعان ما يتناقلها المجتمع المخملي في بطرسبورغ فتتعرض كارنينا وفرونسكي للسخط والغضب ، لكنهما يصمدان بانتظار ما سيسفر عنه قرار الزوج الذي يفاجأهما بمنع الزوجة من حضانة ولدها الوحيد سيرجي التي تحبه بجنون والذي يقول له والده أن والدته قد ماتت ، حينها تتحطم آمالها وتنقلب حياتها الى جحيم ويصبح همها الوحيد استعادة ولدها ولكن دون جدوى ، عند ذاك يبدأ الحب موته المعلن بينها وبين فرونسكي لتجد نفسها عاجزة عن استمرارها في هذه الحياة بعد أن حاصرتها المآسي والذنوب فلم تجد مخرجا سوى الانتحار .

رواية " آنا كارنينا " قفزت مبيعاتها في السنوات الأخيرة بعد اختيار أوبرا وينفري ونادي الكتاب الأمريكي لها كواحدة من أعظم قصص الحب في عصرنا ، كما نشرت عنها مقالات بأقلام نسائية على موقع وينفري على الإنترنت تمجد بها وبكاتبها ، لكن كيرا نايتلي قالت غير الذي قيل بحق كارنينا التي اتخذ تولستوي أمامها موقفا مشبوها كما عبرت ، اما هنري ترويا الكاتب الفرنسي يكتب في سيرة تولستوي الذاتية متناولا الحديث عن روايته وبطلته قائلا : ( وهو بالتأكيد لم يمنح آنا كل الوقت لتقول كل ما بداخلها، بل جعلها فقط رافضة لواقع حياتها التي انتهت تحت عجلات القطار ، وكأن تولستوي كان ينظر إليها كونها جثة مشوهة منذ البداية لإمراة أعطت كل ما تملك من أجل الحب ، وانتهت مبتذلة ، قبيحة في موتها هذا ) .

خلال القرن الماضي كانت هناك عشرة من الممثلات لعبن صخب وابتذال آنا كارنينا وعلى الرغم من وجود بعض التعديلات التي طرأت على الرواية الأصلية ، لكن ذلك لم يمنعهن من التألق في أداء دورهن كغريتا غاربو وفيفيان لي وصوفي مارسو ، الأسطورة غاربو لعبت آنا مرتين الأولى في فيلم صامت حمل عنوان " الحب " عام 1927 أمام جون جيلبرت ، والثاني عام 1935 أمام فريدريك مارش ، وقد علق أحد نقاد السينما آنذاك ان غاربو استطاعت تجسيد دورها ببراعة لأنها ذات شخصية طاغية كشخصية كارنينا التي عاشت مأساويتها بواقعية والذين شاهدوا الفيلم وجدوه فخما جدا مع أن الكاتب الأمريكي ديفيد تومسون قال حينما كتب سيرة حياة المنتج السينمائي المعروف ديفيد سلزنيك أنه شكا له اقتطاع اجزاء كبيرة من الفيلم من قبل الرقابة التي كانت لاتسمح بظهور مشاهد ساخنة في السينما ، ومع أن الرواية جاءت ب 800 صفحة إلا أنها اختزلت الى 89 دقيقة بسبب حذف الكثير من تفاصيلها ، انها نقطة خلافية يقول عنها تومسون لأن قصة مكثفة ومفصلة بشكل معقد كآنا كارنينا لتولستوي لايفسح المجال لتكييفها بشكل كامل على الشاشة مهما بلغت قوة انتاجها ، هذا ما نقله عن سلزنيك الذي يؤكد حقيقة بديهية أن هوليوود غير مستعدة لقبول الروايات العظيمة كما حدث لقصة " ريبيكا " التي أخرجها العبقري الفريد هيتشكوك عام 1940 للكاتبة دافني دو مورييه .

هذه المرة ومع سيناريو توم ستوبارد يأتي فيلم " آنا كارنينا بإسلوب منمق ومحافظا على الأجواء الحقيقية للرواية التي تعامل ستوبارد معها بحنكته المعروفة حيث أظهر كيف يتم التعامل في أمور غاية في الحساسية كالخيانة الزوجية والطلاق والمرض والإذلال الجنسي والاجتماعي والانتحار أخيرا ، آنا كارنينا ليست قصة حب وحدها بل هي واقع شائك وشرس يستدعي كل هذا العدد الكبير من الممثلات للفوز به وتجسيده ، انها بطلة حتى وهي تعيش مأساتها ، براقة ، اجتماعية ، منكوبة ، وليست مجرد صورة للرغبة كما نتصورها ، ومع ما يقرب من 150 سنة مضت على كتابتها فقد قالت نايتلي أنها مثيرة للجدل حتى مع من أدى دورها في السينما من قبل ، وهذا هو السبب الذي يجعل الجماهير تقبل على مشاهدتها ولن نضطر الى الانتظار وقتا طويلا حتى نرى آنا أخرى على الشاشة .

الفيلم سيتمكن الجمهور من مشاهدته في السابع من أيلول من العام القادم .

كتابة / جيفري مكناب / الأربعاء 29 اغسطس آب 2012

عن صحيفة / الاندبندنت اللندنية

موقع "أدب فن" في

10/09/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)