حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"تانيا هيد": المرأة المزيفة

عاشت احداث الحادي من عشر من سبتمبر دون ان تعشها وخدعت العالم كله!!!!

طاهر علوان

 

لم تنقطع الوثيقة السينمائية عن مرافقة الحدث الأضخم منذ الحرب العالمية الثانية وظلت وفية لمتطلبات الحشد والشحن الأعلامي في مواكبته وهو احداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر التي كانت وماتزال ركنا مهما من اركان الذاكرة الجمعية للمجتمع الأمريكي وقسما كبيرا من الرأي العام العالمي حتى اشيعت في اطار تلك الحملات السياسية والتغطيات الأعلامية عبارة عالم مابعد ذلك الحدث وعالم ماقبله في اطار الحرب على من يسمون اولئك الأشرار الذين يستهدفون الحلم الأمريكي ...ومع القصص والأفلام والمؤتمرات المصدقة والمكذبة على السواء في تصميم واخراج الموضوع ومدى عقلانيته وواقعيته ومطابقته للحقائق العلمية والهندسية فقد كانت هنالك مابين ذلك قصص تراجيكوميدية ومنها قصة تلك الفتاة الأسبانية ذائعة الصيت "اليسيا ايستيف هيد" التي عرفت في طول الولايات المتحدة وعرضها على انها ايقونة ضحايا جريمة الحادي عشر من سبتمبر والصوت الأقوى من بين الناجين والتي شكلت قصتها اختصارا لقصص العشرات من الناجين من تفجير وانهيار البرجين .

هذا الفيلم الوثائقي الذي حمل عنوان Tania Head :the 9/11 fakerيحكي فصولا مثيرة من تلك القصة ، "تانيا هيد" هو الأسم الأمريكي لتلك الفتاة والفيلم من اخراج جيمس بلوميل ويعد واحدا من اجمل الأفلام التي واكبت تألق تانيا هيد وانطفائها ، الفتاة القصيرة والبدينة التي يبدأ الفيلم معها وينتهي بها وهي تحشد المجتمع الأمريكي كله للتعاطف مع اسر الضحايا وتأطير حياة الناجين من الواقعة والذين ماانفكوا وهم يعانون من مشكلات نفسية واجتماعية وتداعيات خطيرة من جراء الصدمة وهول ماجرى.

"جيري بوكاد" و "كاري كوين سيلفيا" و "سينثيا شيفيرد" ليسوا الا نماذج من الشخصيات التي شاءت الأقدار ان تنجو بأعجوبة من الموت ولكل قصته في كيفية خروجه من المبنى سالما او انه غادر في الدقائق الأخيرة قبل الأنفجار المهول وانهيار المبنيين مثل هيكلين كارتونيين او مبنيين من الرمل .

كل من الناجين شارك تانيا هيد رواياتها المؤثرة وصدق بها واشاعها وساندها لأن ميزة تلك الروايات انها جمعت اركان الوقائع المؤثرة كلها ، فأذا كان لكل واحد من الناجين قصة منفردة فأن لتانيا القصص كلها : انها كانت في مركز التجارة العالمي تعمل في احدى الشركات المالية ساعة وقع الأنفجار وانها تعرضت الى اصابات شديدة واحترقت ذراعها بالكامل وان شريكها وزوجها المستقبلي كان يعمل في البرج المقابل وقتل هناك فيما كانت وهي تنازع الموت تحت الركام تسترجع خيالاتها وهي مرتدية بدلة العرس وسط الأحتفال بزواجها ، هذه القصص المأساوية التي ماانفكت ترويها تانيا ادمت قلوب المجتمع الأمريكي واوجعتهم لواقعيتها ودقة تفاصيلها وفرادتها وانسانيتها ولم يكن من احد يخالطه ادنى شك ولو واحد من المئة في صدقيتها بل ان روايات تانيا هي من افضل الوصف لمجريات الواقعة وتفاصيلها الدقيقة ومشاهد الضحايا من زملائها من حولها .

يتابع الفيلم هذه الواقعة من زواياها المتعددة ويرافق تانيا وهي تكتب يومياتها وتروي ذكرياتها في مشاهد مؤثرة متتابعة .

بعد عامين من احداث سبتمبر كان الناجون مازالوا يعانون كوابيس تلك الواقعة الأليمة ومضاعفاتها عندما قررت تانيا وبضعة نفر من الناجين تشكيل جمعية لهؤلاء سرعان ماتجد اصداءها الواسعة وينضم اليها قرابة 500 شخص من الناجين ثم لتنتخب هي بالأجماع رئيسة لتلك الجمعية ويذيع صيتها في طول الولايات المتحدة وعرضها وتحتشد الماكنة الأعلامية الجبارة للترويج لها باعتبارها ايقونة الناجين وانها علامة من علامات الضمير الأمريكي الحي.

تروي تانيا انها كانت تعمل في الطابق 78 من المبني قبل انهياره وذلك معناه انها كانت بصحبة 17 شخصا من الناجين الذين كانوا يعملون في نفس الطابق.

تقول في احدى رواياتها المؤثرة لما جرى :

" لقد دفعتني قوة ما هائلة ان انهض وانتشل نفسي من وسط الحطام والنار ، وماكانت تلك الا القوة الروحية لشريكي فيما كان هو في طريقه الى الجنة ".

يظهر الفيلم جوانب مهمة من نشاطات تانيا للفت نظر الرأي العام للموضوع الفاجع ، بل انها بحسب رواية زملائها كانت تدفع للجمعية من جيبها لتسيير نشاطاتها وكان هذا يثير الدهشة في اخلاص تلك المرأة لقضيتها ثم لتجد الدعم الكافي من لدن السلطات فضلا عن التبرعات مما ساعد في ارتقاء الجمعية الى مستويات من الأداء اكبر واكبر ثم لتنشيء مركزا لعلاج الناجين جسديا ونفسيا.

تقول تانيا بحضور عمدة نيويورك الأشهر جولياني وطاقم من كبار المسؤولين :" لقد نظرت من حولي وشعرت وكأنني في فيلم رعب ، الموتى فوق بعضهم البعض ، رائحة الجلد المحترق تنتشر في المكان ، وسط هذا الهول كنت افكر في شريكي وذكريات الزواج وتخيلت نفسي وانا ارتدي ثوب العرس واقسم بالأخلاص له".

من وجهة النظر النفسية يروي الطبيب سيبيرت المتخصص في المعالجة النفسية للناجين من الواقعة ان تانيا تمثل النموذج الفريد للناجين فهي واجهت احداثا مروعة وشارفت على الموت وهي تعيش مأساة فقد زوجها المستقبلي وهي مازالت تحمل جراحات ماجرى ولكنها انسانة قاومت كل ذلك ونجحت في ان تكون نموذجا فريد واستثنائيا في كل جانب من جوانب قصتها .

في الذكرى الثانية لأحداث سبتمبر تقرر تانيا انشاء ورشة عمل لكتابة مذكرات ومشاعر الناجين وكانت هي في صدارة من كانوا يبثون قصصهم المأساوية ...تقول :" لقد فقدت نصفي الثاني ، اني اشعر بخسارة فادحة ...شريك حياتي وها انني اكتب له وهو لايرد علي ".

ويعلق الجميع من شركاء في الحدث وصحافيين واعلاميين ومجتمع مدني ان تانيا كانت الشخص الأكثر معاناة والأكثر تعبيرا عن معاناة الناجين من موت محقق .

يقول عدد من زملائها انها كانت تتجنب الجلوس والحديث بشكل مباشر مع الناجين من نفس الطابق الذي كانت فيه ساعة وقع الحدث الجلل ويقول آخرون انها تتجنب الأفصاح عن تفاصيل تتعلق بشريكها او خطيبها فلا اسمه العائلي واضح ولا هي نشرت صورته كما انها تارة تسميه شريكي وتارة زوجي وتارة صديقي وكان الجميع يجد لها العذر فهي امرأة مصدومة ومشوشة من هول ماجرى .

لكن صحفيا في نيويورك تايمز مازال حيا يرزق كان قد التقى جميع الناجين من الواقعة وذلك في شهر ايار مايو 2002 وبدافع الفضول الصحفي عاد الى اسماء جميع من التقاهم ولكنه لم يجد اسم " تانيا " قط من بين الناجين .

عندها وبدافع الفضول الصحافي ايضا يبدأ في استجواب عدد من الناجين ويخبرهم ان استجوابه شخصي وبتكتم شديد وفيه مزيد من الأسئلة عن شخصية تانيا هيد : منذ متى تعرفها ، هل شاهدت صورة لزوجها ، هل تعرفه، كم من الزمن عملت مع تانيا في ذلك الطابق الى ماهنالك من اسئلة .

في السابع من شهر ايلول من العام الماضي 2011 يكتمل عمل ذلك الصحفي في التحري عن تانيا وشخصها وتاريخها لتعلن صحيفة نيويورك تايمز مايشبه الصدمة للرأي العام ان "تانيا هيد " ليست الا شخصية كاذبة ومزيفة ولا اساس لها وانها مجرد امرأة فائقة الذكاء والشيطنة استطاعت بمهارة خداع الملايين في الولايات المتحدة بمن فيهم ساسة كبار واجهزة احترافية عالية المستوى .

شكل ذلك صدمة كبيرة للجميع ثم لتمضي التحريات الى ماهو ابعد من ذلك : ان تانيا ليست مواطنة امريكية اصلا بل اسبانية وان اسمها ليس تانيا هيد بل "اليسيا ايستيف هيد" وانها لم تكن قط موجودة في الولايات المتحدة لا في يوم ولا في شهر ولا حتى في عام وقوع احداث الحادي عشر من سبتمبر بل كانت مجرد طالبة في قسم ادارة الأعمال في برشلونة .

وماتلبث الصحافة الأسبانية ان تلتقط القصة وينشر الصحافي الأسباني زافي كاسكسا معلومات صادمة اخرى ان هذه الفتاة هي سليلة اسرة من المحتالين فوالدها وشقيقها يقبعان في السجن وذلك لأرتكابهما اعمال احتيال واختلاس بملايين الدولارات ادت بهم الى السجن .

في هذه الأثناء تكون تانيا قد استقلت الطائرة هاربة من موقع الحدث ومن الملاحقة القضائية لينتهي بها المطاف الى جهة غير معلومة وليتلقى من كانوا معجبين بها يوما رسالة نصية قصيرة مفادها ان تانيا قد انتحرت فعلا ......لكن من دون دليل مؤكد ما دفع الكثيرين الى القول ربما كان هذا فصل اخر من فصول قصة الخداع الطويلة التي اتقنتها تانيا هيد وصدقها المجتمع الأمريكي بأسره بفضل الأعلام الذي روج لها واقنع الجميع بقصتها المزيفة جملة وتفصيلا في حملة تلفيق فريدة من نوعها في مايشبه الدراما الترجيكوميدية .

الجزيرة الوثائقية في

06/09/2012

 

روّاد الفلم التسجيلي

لندن / عدنان حسين أحمد 

تناولنا في مقالٍ سابق "أسرار المختبر الإبداعي" للناقد الأردني عدنان مدانات، وتقصّينا من خلال تلك الدراسة سيرته السينمائية الذاتية بوصفه "مُخرجاً" وناقداً سينمائياً. وعلى الرغم من أنه لا يُحبِّذ وصفه بالمُخرج السينمائي لأنه تخلّى عن هذه المهنة وكرّس جلَّ حياته للنقد والتنظير السينمائيين، إلاّ أننا نجد أنفسنا مضطرين لتسميته بالمُخرج السينمائي طالما أننا نتناول تجربته الإخراجية المحدودة التي اقتصرت على أربعة أفلام تسجيلية قصيرة، وفلم خامس لم يجد طريقه إلى النور.

إنَّ ما يفسّر عودتنا إلى كتاب "السينما التسجيلية- الدراما والشعر" لعدنان مدانات هو احتشاده بالموضوعات الفنية، والرؤى النقدية، والمفاهيم النظرية التي لا يستوعبها مقال واحد من جهة، كما أن الكتاب يتضمن دراساتٍ نقديةً متخصصة من جهة أخرى تنظّر لروّاد الفلم التسجيلي في العالم من بينهم دزيغا فيرتوف، جون غريرسون، والتر روتمان ويوريس إيفنس وسواهم من المخرجين الذين تركوا بصماتهم على خريطة الفلم التسجيلي.

سبق لمدانات أن أصدر كتاباً نقدياً تنظيرياً أسماه "بحثاً عن السينما" 1974، وقد احتوى الفصل الثالث منه على أطروحته الجامعية التي تمحورت حول "الفلم التسجيلي، منهجه وتاريخه"، كما تكشف تلك الأطروحة القيّمة مكانة السينمائي فيرتوف، وأهميته، ودوره الإبداعي الذي فتح حواراتٍ موّسعة بين النقّاد والمنظّرين لهذا الفن الجديد آنذاك.

التسجيلي والروائي

يعرِّف السينمائي الروسي دزيغا فيرتوف السينما التسجيلية بأنها "شعر الوقائع"، فيما وصفها السينمائي الهولندي يوريس إيفنس بأنها "ضمير السينما"، مُشيراً إلى أنها وسيلة تعبير فنية عن الواقع. أما غريرسون فيقول عنها "المعالجة الخلاّقة للواقع"، لكنه يقسِّم هذه المعالجة مستويين أعلى وأدنى، إذ يحتوي المستوى الأعلى على المغزى، والمعالجة الخلاّقة، ووجهة نظر المخرج، أما الأدنى فهو الذي يؤدي وظيفة إخبارية تعكس الواقع.

يتوصل الناقد الحاذق مدانات إلى أن بدايات السينما الروائية تكمن في السينما التسجيلية، ويستشهد في اللقطات الأولى للأخوين لوميير التي عُرضت في أواخر القرن التاسع عشر مثل "وصول القطار إلى المحطة"، "طفل يتناول الإفطار"، و "خروج العمّال من المصنع"، ويبرِّر ذلك بالقول بأنّ هذه اللقطات جميعها مخادعة، لكنها تُخفي بين طيّاتها احتمالات نشأة السينما الروائية. ففي لقطة وصول القطار إلى المحطة وضع الأخوان لوميير أمهما على رصيف الانتظار، أي أنها "مثلّت" دور امرأة تقف بين المنتظرين، كما وضعا طفل أحدهما على مائدة الطعام الإفطار، وقد "مثّل" الطفل هذا الدور بشكل من الأشكال، كما لا يستبعد مدانات أن يكون احتمال خروج العمّال من المصنع مدبّراً لمصلحة التصوير. وهذا يعني بأنّ المخيلة الروائية قد تسللت إلى الفلم التسجيلي. وفي السياق ذاته يقدّم لنا مدانات مثالاً آخر لا يقل أهمية عن الأمثلة السابقة وهو فلم "نانوك ابن الشمال" لروبرت فلاهرتي الذي تقوم رؤيته الفنية على الملاحظة الطويلة للشخصية الرئيسية، وبأقل قدر من التقطيع المونتاجي، أي أن الواقع يفصح عن نفسه بواسطة المواد المصورة التي تمتلك بذاتها قوّة تعبيرية، ولا تتوسل بالمَنتجة لكي تضفي عليها دلالة رمزية ما. لا يستبعد مدانات أن يكون فلاهرتي قد طلب من الصيّاد نانوك أن يعيد تمثيل بعض الأحداث من حياته اليومية، وهذا يعني، من بين ما يعنيه، أنّ المخرج قد عمل على تحقيق فلم تمثيلي "روائي" ضمن فلمه التسجيلي الذي استغرق العمل فيه سنة كاملة.

لا يسع المجال للتوقف عند كل الأمثلة التي أوردها مدانات، ولكننا سنشير بعجالة إلى الفلم الصامت الذي أنجزه المخرج الألماني والتر روتمان ويحمل عنوان " برلين سمفونية المدينة الكبيرة" 1927 الذي صوّر فيه وقائع حياة المدينة خلال نهار كامل، ونجح في تركيب بنية سردية بواسطة الصور الواقعية التي تروي الأحداث الدقيقة لحياة الناس.

يتوقف مدانات عند أهم فلمين تسجيليين أنجزهما المخرج الهولندي يوريس إيفنس وهما "الجسر" الذي عُدّ "سمفونية بصرية" ودراسة فنية قيّمة للإيقاع المرتبط بحركة القطع والوصلات الحديدية التي يتكوّن منها الجسر. وفلم "المطر" الذي وُصف بأنه "قصيدة مرئية" ترصد حبّات المطر التي تشكِّل لوحاتٍ فنيةً على المظلات الواقية من المطر حتى تبدو هذه التشكيلات وكأنها مصنوعة بأنامل فنان تشكيلي مبدع.

العين السينمائية

يتوفر بعض فصول هذا الكتاب، ومُلحَقه على وجه التحديد، على معلومات قيّمة عن السينمائي الروسي فيرتوف الذي تخصص به مدانات، كما أشرنا سابقاً، وتبنّى بعض آرائه النقدية والتنظيرية المهمة في مجال الفلم التسجيلي. يشير مدانات إلى ظهور الجريدة الإخبارية المُصوَّرة في فرنسا عام 1908 بواسطة شركة "باتيه" التي رفعت شعار "نرى كل شيء، ونعرف كل شيء"، ثم تبعتها شركة "غومون" وقد أفضى هذا الأمر إلى اكتشاف أولى طرائق المونتاج، لكن مدانات يرى أن تلك الجريدة السينمائية ظلت تقصر دورها على الوظيفية الإخبارية الإعلامية آنذاك.

يذكر مدانات بأنّ فيرتوف قد عمل في عام 1918 بقسم الأخبار تلبية لدعوة صديقه ميخائيل كولتسوف، ثم ترأس قسم المصوريين الحربيين، وبعد ذلك أشرف على الجريدة الإخبارية وأخرج عدداً من الأفلام الإخبارية القصيرة التي كان يركّبها من وثائق سينمائية مصورة. لقد زادت هذه التجارب المبكرة من قناعة فيرتوف بدور السينما التسجيلية وأهمية المونتاج بشكل خاص كأساس في تعزيز اللغة السينمائية. كان تجارب فيرتوف رائدة وكبيرة في هذا الصدد، إذ أصدر "40" عدداً من المجلة السينمائية "الأسبوع السينمائي"، قبل أن يُصدر مجلة "الحقيقة السينمائية" عام 1922 وكان يحطِّم في كل عدد تقاليد الأخبار المصورة السابقة ويبتكر أشياء جديدة، وهذا هو سرّ تميّز فيرتوف عن السينمائيين المجايلين له. يقول فيرتوف عن العين السينمائية: " إن المرتكز الأساس هو اعتبار آلة السينما كعين السينما التي هي أكثر كمالاً من العين البشرية، وذلك لأجل دراسة فوضى الظواهر المرئية التي تملأ الكون".

يتناول مدانات فلم "الرجل ذو الكاميرا السينمائية" 1929 الذي يُطلَق عليه "السمفونية البصرية"، ويحلل جماليات خطابة البصري مع الأخذ بعين الاعتبار أنه أول محاولة لخلق فلم من دون سيناريو مسبق أو عناوين توضيحية أو مشاركة ممثلين.

حقق فيرتوف، كما يذهب مدانات، في فلم "سمفونية الدمباس" شيئين مهمين وهما "تسجيل المؤثرات الصوتية خارج الأستوديو وإجراء أول مقابلة سينمائية وعرضها على الشاشة بعد أن كان الأمر مقتصراً على الفلم الروائي وعن طريق ممثل". فلأول مرة بدأ الإنسان ينطق في الفلم التسجيلي ويعبِّر عن أفكاره ومشاعره الأمر الذي جعل السينما التسجيلية قادرة على النقاذ إلى أعماق النفس البشرية.

أجرى فيرتوف سلسلة من التجارب المهمة الأخرى التي تمتد منذ عام 1918 وحتى عام 1930 وختمها بالقول: "كل منْ يحب فنّه يبحث عن جوهر أصوله التقنية". وأكدّ بأن الفلم الجيد يصنع من مواد جيدة تماماً مثل البيت الجيد الذي يُصنع من آجرّ جيد، لكن بناء الأول ناجم عن الحذاقة المونتاجية علماً بأن المونتاج عند فيرتوف قائم على العين السينمائية والقوانين التي اجترحها لأسس مونتاج الصورة والصوت في الفلم التسجيلي. ونظراً لأهمية موضوع العين السينمائية سنقتبس الفكرة التالية التي دبّجها فيرتوف حيث يقول:"أنا العين السينمائية، إنني أصنع إنساناً أكثر كمالاً من آدم، إنني أصنع آلاف البشر المختلفين حسب رسوم وجداول مسبقة مختلفة. أنا العين السينمائية، آخذ من أحدهم يديه، الأقوى والأمهر، ومن الآخر آخذ قدميه، الأسرع والأرشق، ومن الثالث آخذ رأسه، الأجمل والأكثر تعبيراً، وعن طريق المونتاج أصنع الإنسان الجديد الكامل". يطوّر فيرتوف إمكانياته حينما يكتشف الكاميرا المخفيّة التي ترصد الحدث وتسجِّله بحياد تام ومن دون أي زيف أو اختلاق، وهو الذي أفضى إلى مفهوم "تصوير الحياة فجأة"، ويرى فيرتوف بأن التكرار مستحيل على وجه الأرض.

يخلص مدانات إلى القول بأنّ فيرتوف كان يرفض كتابة سيناريو أدبي للفلم التسجيلي لأنه يقيّد المجموعة الفنية السينمائية، ويرى أن أساس الفلم التسجيلي هو المادة الواقعية. أما تعريفة النهائي للمونتاج فهو "التنظيم الفكري والجمالي للمادة المُصوَّرة".

جدير ذكره أن فيرتوف قد أخرج عدداً كبيراً من الأفلام التسجيلية نذكر منها "الذكرى السنوية للثورة"، "تاريخ الحرب الأهلية"، "الجزء السادس من العالم"، "ثلاث أغنيات عن لينين"، "ثلاث بطلات"، "في جبال ألا تاو" و "أخبار اليوم". لم يقتصر دور مدانات على التخصص بالتجربة الإبداعية لفيرتوف، وإنما تعداها إلى ترجمة كتابه القيّم "الحقيقة السينمائية والعين السينمائية". وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن كتاب "السينما التسجيلية- الدراما والشعر" قد سدّ فراغاً في المكتبة السينمائية العربية التي تحتاج إلى هذا النمط من الدراسات التحليلية المعمّقة.

الجزيرة الوثائقية في

06/09/2012

 

سينما النوع في مواجهة سينما المؤلـّف

هل يجب أن نختار؟

محمد رُضا 

أمضيت الشهر الماضي بأسره، وحتى موعد سفري في السابع والعشرين منه إلى مهرجان فينيسيا وأنا أشاهد من ثلاثة إلى أربعة أفلام قديمة يومياً. كل مساء، بعد نهاية ساعات من الكتابة، أفتح صالة السينما على شاشة الكومبيوتر العريضة او على شاشة التلفزيون ذاتها وأختار من بين ما هو متوفّر من أسطوانات أفلام قديمة، او من بين ما هو متوفّر من أفلام على الإنترنت ما يحلو لي: أفلام وسترن أميركية مجهولة على أفلام كبار المخرجين الأوروبيين. كلاسيكيات كانت مفقودة على أفلام نالت جوائز ومنها إلى إكتشافات من سينمات مختلفة. النوعية ليست ذي بال. لن أحكم على أي فيلم من غلافه، مهما كان المفهوم السائد عنه او عن نوعه.

مع نهاية ذلك العدد من الأفلام وجدت نفسي أتساءل ما إذا كانت سينما المؤلّـف هي نتيجة وضع غير ذاك الذي قبلناه عن ظهر قلب ودافع بعضنا عنه بأسى. هذا التساؤل تجدد حين كنت أتحدّث مع مخرج تسجيلي فقال لي أن السينما الروائية الوحيدة التي يتابعها هي تلك المنتمية إلى سينما المؤلّـف وأنه لا يشاهد "السينما الأخرى مطلقاً" كما قال.

السينما الأخرى هي "سينما النوع» Genre والكلمة تطلق على الأفلام المقسّـمة إلى تصنيفات درامية او حسب أصناف وأشكال الدراما فيها. وهي إحدى عشر نوعاً:

أكشن Action

مغامرات Adventure films

كوميديا Comedy films

البوليسية Policier and Crime films

دراما Drama

التاريخية History?/? Periodical Films

الرعب Horror films

الموسيقية والغنائية Musicals

الخيال العلمي Science Fiction Films

الحربية War films

الوسترن Western films

لكن هناك أنواعاً متفرّعة من الأنواع الأساسية المذكورة، فالفيلم نوار قد يكون منتسباً للأفلام الدرامية او للأفلام البوليسية. الأفلام الفانتازية قد تكون أيضاً من نوع الأكشن، وأفلام الكوميكس تنتمي بالضرورة لنوع الأكشن في حين أن أفلام السير الذاتية إما تاريخية او درامية محضة، وأفلام الوحوش هي فصيل الخيال العلمي. أما الميلودراما فتلك التي تحتوي على منتخبات من بعض هذه "الدراميات" معالجة بالممبالغات العاطفية او الإستعراضية.

هوليوود استندت على هذا المنوال من التقسيمات لما كان موجوداً من قبل في عالم الروايات الأدبية وأدب "البالب فيكشن" والسائد في القرن التاسع عشر كان القول بأن "فلاناً يستعد كتابة رواية تاريخية" او أن "الرواية السابقة للكاتب فلان كانت من النوع الكوميدي" (الى آخره). وهذا لا يزال سائداً ومنتشراً بين الأفلام منذ مطلع القرن العشرين عندما صار ضرورياً التعريف بماهية الفيلم الجديد المنتج.

إلى جانب أن التعريف بالنوع هو طريقة سهلة للتعامل مع الجمهور الذي عادة ما يختار ما يعجبه من أنواع ولا يستجيب لأعمال يجهل كينوناتها، فإنه تحديد يشبه أضواء مدارج المطارات في الليل. فالطائرة تستخدم تلك الأضواء الخاصّة المصفوفة تباعاً لكي تقلع او تهبط وتعرف متى ستترك المدرج الرئيسي لتتوجّـه إلى آخر جانبي تتوقّف عنده. من دونها هناك اجتهاد غير محبب قد يؤدي إلى كارثة. في السينما الأميركية، تم النظر إلى عدم وجود دليل من النوع ذاته كاف لتحقيق فيلم لا يمكن أن يرتفع عن الأرض لأنه غير محدد النوع.

تحديد النوع ضرورة للتفاهم مع الجمهور بفئاته المتعددة. يتبع ذلك ضرورة تأمين أفضل "النوع" طالما أن ذلك ممكناً. فأنت كمنتج لفيلم "وسترن" مثلاً، تريد إنتقاء العناصر الرئيسية التي تستطيع تأمين شروط النوع وهذا يتضمّـن إختيار المخرج المناسب والخبير بهذا النوع او الممارس له- بنجاح- في مرّات سابقة.

هذا ما يلج بنا إلى عمل المخرج في هذا الإطار.

فيلم «الدكتاتور العظيم» لتشارلي تشابلن فيلم "نوع" لجانب أنه فيلم ممتاز مضموناً وشكلاً. ولو أن هناك نسخة تم صنعها فرنسياً تحت إدارة المخرج كلود زيدي مثلاً، لكان الفيلم رديئاً (تبعاً لأفلام زيدي عموماً) لكنه يبقى فيلم "نوع". المسألة تختلف فيما لو قام ميشيل هنيكه (تجاوزاً لكل منطق) بتحقيق هذا الفيلم، فهو سيحققه على نحو مختلف تماماً ما قد يجعل الكوميديا مأساة او ما يجعلها نتاج الفكرة او المضمون وليس الحدث الماثل.

إذاً، أحد الفوارق الرئيسية هي الحدث وتتابعه مكوّناً "أحداثاً" والأحداث تكوّن الفيلم. في فيلم "النوع" فإن القصّـة وأحداثها تأتي في المقدّمة لأنها تتضمن الشروط التي سيُـباع الفيلم بسببها إلى الجمهور. لدى المخرج- المؤلّـف وسيلة للإختلاف: عوض التركيز على القصّـة وأحداثها سيركّـز على الفكرة وشخصياتها. سيعالج المادة بمنظوره كفنّـان لديه رؤية خاصّـة او موضوعاً يستند إلى تجربته فيه (كما الحال مع فيلم فرانسوا تروفو «400 ضربة»). المخرج النوعي ينتمي إلى تعليمات لا يمكن اللعب فيها، المخرج - المؤلّـف أكثر حريّة منه.

لكن في المقابل، جون فورد، ألفرد هيتشكوك، هوارد هوكس، فرد زنمان، وليام وايلدر، وهم مخرجو أنواع معروفون، لا يقلّون إبداعاً عن لويس بونويل او فرنسوا تروفو او الإنكليزي توني رتشردسون او مواطنه كن راسل او الأميركي ستانلي كوبريك.

لكن كل هؤلاء على جانبي الحدود وبصرف النظر عن اختلاف رؤيتهم لدور الفيلم ودورهم في الفيلم مبدعون. غير المبدعين، بالتالي، لا يمكن لهم أن يكونوا جميعاً من فئة واحدة. ليس كل المنفذين لتعاليم الاستديوهات في هوليوود مبدعين ولا كل المخرجين الذين يحققون أفلامهم تبعاً لرؤاهم مبدعين. ما يعني أن التصنيف الذي يؤازر هذا الفريق ضد ذاك ليس صحيحاً.

ما هو صحيح، حقيقة أن كل سينما غير هوليوودية وغير هندية اليوم مليئة بأفلام تنضوي إلى فئة الأفلام الذاتية او سينما المؤلّـف وهذا يفتح النقاش أمام ما إذا كان العديد من المثقّفين والسينمائيين العرب يقومون بالوقوف وراء تصنيف خاطيء فعوض تقسيم الأفلام إلى جيد ورديء، يقسمونها إلى ماهو "تقليدي" و"مؤلّـف" بغض النظر عن وجود الصالح والطالح فيهما معاً.

الجزيرة الوثائقية في

06/09/2012

 

نجوم السينما ومواقفهم السياسية

لوس أنجليس: محمد رُضا  

مع خروج فيلم «الصحبة التي تحتفظ بها» (The Company You Keep)، يعاود الممثل - المخرج روبرت ردفورد الإطلال على نوعية التشويق السياسي الذي عرف به سابقا. الفيلم الجديد يتحدث عن ناشط سياسي راديكالي من السبعينات، (ردفورد نفسه)، يحاول اليوم الهرب من تهمة هو بريء منها، ولو أنه ليس بريئا من انضمامه إلى مجموعة «نضالية» آلت على نفسها تغيير النظام الأميركي، في وقت كانت فيه المظاهرات المناهضة للعنصرية ولفيتنام والمؤيدة لحركات تحرر حول العالم، نشطة على قدم وساق في أكثر من مدينة وعاصمة حول العالم.

قصة الفيلم المأخوذة عن رواية لنيل غوردن، كتب لها السيناريو لم دوبس - كاتب بضعة أفلام مثيرة للاهتمام مؤخرا، من بينها ثلاثة من إخراج ستيفن سودربيرغ؛ هي: «كافكا»، و«الليموني»، و - مؤخرا - «أحمق» (Haywire)، وردفورد يؤدي الدور المحوري، ومعه من الممثلين جولي كريستي - في عودة نادرة هذه الأيام، وبرندون غليسون، ونك نولتي، وسوزان ساراندون، وكريس كوبر، وشايا لابوف. وإذ نتابع الممثل وهو يحاول الإفلات من ملاحقة الـ«إف بي آي»، يتبادر إلى أذهاننا دوره في فيلم سيدني بولاك «ثلاثة أيام من الكوندور» (1975) حين لعب دور موظف في مؤسسة معلومات تعمل قريبا من الـ«سي آي إيه»، يجد نفسه الموظف الوحيد الباقي على قيد الحياة بعدما تم اغتيال كل رفاقه. في ذلك الفيلم، يحاول الهروب من مطاردة القتلة أنفسهم قبل أن ينجح في مواجهة المسؤول وتهديده بفضيحة يحاول التكتم عليها.

في واقع الأمر، نجد أن روبرت ردفورد من أكثر نجوم الأمس إصرارا على تحقيق أفلام ليبرالية الاتجاه تعكس خضم المواجهات السياسية بين اليمين واليسار وبين نظم حياة تثير رغبته في الاحتجاج. هو الهارب من السجن الذي يثير عداوة بلدة فاسدة سياسيا ومرتاحة ماديا في فيلم آرثر بن «المطاردة» (1966)، وهو الذي يأتي إلى بلدة صغيرة ليغلق محطة هي معيل تلك البلدة قبل أن يغير موقفه، مدركا آثار ذلك على البيئة الاقتصادية للبلدة في «هذه الملكية مدانة» [إخراج سيدني بولاك - 1966]. بعد ثلاثة أعوام، نراه في فيلم، من تلك التي قلبت النظرة التقليدية للغرب الأميركي، هو «بوتش كاسيدي وسندانس كِد» [جورج روي هيل - 1969)، ثم في دور شريف مضطر إلى ملاحقة خارج عن القانون، معانيا في ذلك مواقف عنصرية، وذلك في غمار أحداث «أخبرهم ويلي بوي هنا» [إبراهام بولونسكي - 1969].

ونبضه السياسي لم يتوقف في السبعينات، فوجدناه في «المرشح» [مايكل ريتشي - 1972] حول مرشح يريد الانتصار على نظام سياسي قائم على مصالح شخصية، وفي «كيف كنا» [سيدني بولاك - 1973] حيث يلعب شخصية مناهضة للتغيير، يقع في حب راديكالية (باربرا سترايسند)، في تعاون آخر مع المخرج الراحل بولاك. وبعد «ثلاثة أيام من الكوندور»، لعب بطولة فيلم سياسي آخر بعنوان «كل رجال الرئيس» [ألان ج. باكولا - 1976] المتمحور حول فضيحة «ووترغيت»، ليتبعه بعد ثلاث سنوات بدور رجل رافض للحياة العصرية، وللنظام ضمنا، تلاحقه صحافية (جين فوندا)، وذلك في «الفارس الكهربائي» للمخرج بولاك أيضا. وهو كاشف الفساد الإداري في أحد السجون في «بروبايكر» [ستيوارت روزنبيرغ - 1980].

اختيارات ردفورد لا تتوقف عند هذا الحد، بل يمكن لنا إيراد أمثلة أخرى لأفلامه ذات الرسالة المناوئة للسائد طوال التسعينات والعقد الأول من القرن وإلى اليوم.

هذا التعامل مع السياسة لم يكن هوى ردفورد وحده، بل هناك عدد لا بأس به من نجوم السينما الذين أرادوا التعبير عن مواقفهم السياسية في الستينات والسبعينات وإلى اليوم. وإذا كان شون بِن معروفا اليوم بمواقفه اليسارية الحادة، فإنه حديث العهد في هذا النطاق من التعامل مع الشؤون السياسية قياسا بجاك نيكولسون، وجين فوندا، وكلينت أيستوود، ووورن بايتي من بين آخرين.

جين فوندا بارزة في هذا الشأن، إذ إلى جانب أفلامها الروائية قامت بالاشتراك في عدد، ولو محدودا، من الأفلام التسجيلية والطليعية المعادية للموقف الرسمي للولايات المتحدة، خصوصا بالنسبة إلى حرب فيتنام، أبرزها الفيلم الفرنسي «كل شيء على ما يرام» Tout va bien للمخرج المعروف بمثل هذه المواقف حيال كل شيء جان - لوك غودار (1972).

قبل هذا الفيلم، لعبت بطولة «يقتلون الجياد، ألا يفعلون؟» They Kill Horses، Don›t Theyالذي دار حول مسابقة رقص لإرضاء النخبة، على المتسابق فيها الرقص حتى آخر نفس، والفائز هو من يبقى وشريكه وحيدين في الحلبة. الفيلم الحديث «لعبة الجوع» [إخراج غاري روس - 2012] ليس بعيدا عن فكرة ذلك الفيلم الذي اقتبسه سيدني بولاك عن رواية لهوراس ماكوي سنة 1969. سنجد جين فوندا في فيلم من نوع التشويق السياسي أيضا، عنوانه «كلوت» [ألان ج. باكولا - 1971]، لاعبة دور فتاة ليل مهددة بالقتل من قِبل سياسي. وهي عادت للموضوع الفيتنامي حين لعبت شخصية الزوجة التي أفسدت الحرب كيانها العائلي في «العودة للوطن» Coming Home أمام الممثل جون فويت (الذي بات اليوم من أشد الممثلين اليمينيين)، وهو من إخراج هال آشبي (1978). وهي المدافعة عن حقها في الأرض ضد المستغلين في «وسترن» حديث بعنوان «يأتي فارس» Comes a Horsman [ألان ج. باكولا - 1979]، ثم في الفيلم المناهض للمختبرات النووية «وباء صيني» [جيمس بردجز - 1979].

جاك نيكولسون كانت لديه تلك الفلتات بدوره. هو المتمرد على المؤسسة في «إيزي رايدر»، إخراج دنيس هوبر (1969)، وفي «خمس مقطوعات سهلة» لبوب رافلسون (1970)، وخصوصا بالنسبة لتلك الفترة فيلم «التفصيلة الأخيرة» لهال آشبي (1973) الذي لعب فيه دور مجند من البحرية يقرر عدم الانصياع إلى الأوامر العسكرية وهو أيضا من إخراج هال آشبي (1973) - المخرج الذي قدم لاحقا «الوجود هناك» Being There مع بيتر سلرز (سنة 1979) في دور حدائقي يمنح البيت الأبيض نفحا من الحقيقة لم يعتدها الرئيس. ويكفي نيكولسون موقعا في هذا الشأن قيامه ببطولة «واحد طار فوق عش الوقواق» لمخرج عادى النظام في بلده الأول (تشيكوسلوفاكيا)، ثم أنجز ما ينتمي إلى يسار الخط حين أخذ يعمل في هوليوود وهو ميلوش فورمان.

وورن بايتي اسم كبير آخر في هذا المجال، وظف نجوميته لصالح مواقفه السياسية، منذ أن لعب «بوني وكلايد» لآرثر بِن (1967)، وصولا إلى فيلمه المعادي للحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء وهو «بولوورث» الذي أخرجه بنفسه سنة 1998، ومرورا بفيلم «حمر» (1981) الذي أخرجه بنغمة معادية للشيوعية حول الصحافي جون ريد الذي كان يساريا أميركيا انتقل لموسكو، حيث اكتشف حقيقة الوضع هناك. لكن أهم أفلامه في مجال التشويق السياسي كان، ولا يزال، «المنظار الموازي» The Parallax View وهو من تحقيق ألان ج. باكولا سنة 1971.

كلينت أيستوود يكاد يكون النجم الكبير الوحيد الذي حافظ على موقفه السياسي (ولو أنه انتقده بنفسه بعد ذلك حين حقق «غير المسامَح» (1992) ثم «غران تورينو» 2008). قبل ذلك، أثار انتقاد الليبراليين بدءا بفيلم «هاري القذر» الذي أخرجه دون سيغال سنة 1971، وفيه يخرج أيستوود عن القانون الذي يراه هشا ورحيما حيال المجرمين.

جولة في سينما العالم

* أخيرا سيرى «فجر أحمر» النور عندما يتم عرضه بصفته فيلم اختتام مهرجان «أوستن للسينما الفانتازية» في نهاية هذا الشهر. إنه الفيلم الذي تمت إعادة صنعه عن فيلم سابق، أخرجه حينها (1984) جون ميليوس، وقام ببطولته باتريك سوايزي، ولي تومسون، وتشارلي تشين، إلى جانب آخرين. الفيلم الجديد دخل أنابيب اختبار وثلاجات تجميد عدة من قبل أن يصبح جاهزا هذا العام، فالمشروع بدأ قبل ثلاث سنوات، وتم تصويره سنة 2010، وأعيد تصوير بعض مشاهده وإدخال بعضها الآخر الكومبيوتر لتغيير بعض الملامح سنة 2011. وفي حين تناول فيلم ميليوس حكاية جنود روس يحتلون أميركا وانتشار المقاومة المسلحة بين الأميركيين لدحر الغزاة، تم التفكير أولا، وفي إعداد النسخة الجديدة، في غزاة صينيين، ثم تم تغيير بزاتهم العسكرية ليصبحوا كوريين شماليين خوفا من معارضة السوق الصينية.

* الفيلم آيل إلى النجاح غالبا. الوقت مناسب والظرف السياسي (السياسة الأميركية الخارجية على المحك)، وهو اختبأ عن الظهور لفترة طويلة، مما يجعله اليوم محط اهتمام وفضول قسم كبير من المشاهدين. كذلك الحال بالنسبة لفيلم سويدي - دنماركي جديد اسمه «علاقة ملكية» تم عرضه في إطار مهرجان «توليارايد» الأميركي خلال الأيام الماضية. وكان مبرمجا لعرضه مرتين، لكن هذا لم يكن كافيا بسبب الزحام عليه في كلا المرتين، نما استوجب إدراجه في الجدول مرة ثالثة. تابعت «التريلر» الذي لا يمكن أن يقول شيئا يذكر عن القيمة الفنية للفيلم، فبدا أن هذا الفيلم التاريخي، الذي يقود بطولته ماس ميكلسن، آيل إلى دخول مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي.

* وعلى ذكر الأوسكار، هل يدخل فيلم ترنس مالك الأخير «إلى العجب» المسابقة؟ ثم هل يدخلها بصفته فيلما أميركيا أو ضمن الأفلام الأجنبية؟ السؤال طبيعي، لأن نصف الفيلم بالفرنسية وعلى المتخصصين أن يحصوا نسبة اللغة الإنجليزية حتى يمكن تحديد ملاءمته لهذا القسم أو ذاك.

* في العروض التجارية الأميركية من اليوم فيلم بعنوان «ضوء اليوم البارد» (The Cold Light of Day) لمخرج اسمه مبروك المشري. وهذا الاسم مر على المتابعين قبل سنتين عندما قام بإخراج وكتابة فيلم عاد به جان - كلود فان دام إلى الأضواء بعنوان «JCVD» (الأحرف الأولى من الممثل). هذه المرة، يوفر المخرج تشويقا تقع أحداثه بين نيويورك ومدريد حول مضارب بورصة شاب (هنري كافيل) يخوض مغامرة لاسترجاع أفراد عائلته التي تم خطفها. في الفيلم أيضا، بروس ويليس، وسيغوني ويفر، ورشدي زم.

* والموضوع نفسه، مع اختلافات، في فيلمين جديدين قادمين: «مخطوفة 2» الذي يتم فيه خطف زوجة بطله ليام نيسون (في «مخطوفة» تم اختطاف ابنته) وهذا مبرمج للعرض في الشهر المقبل، و«مسروقة» مع نيكولاس كايج، يبحث عن ابنته التي تم خطفها ووضعها في صندوق سيارة مقابل فدية.

بين الأفلام

* أم بين ابنين

* «يمّا» إخراج: جميلة صحراوي أدوار أولى: جميلة صحراوي، سمير يحيى، علي زاريف النوع: دراما ريفية | جزائري (2012).

تقييم: (3*) (من خمسة) في ثاني فيلم روائي لها (والرابع منذ أن حققت فيلمها التسجيلي الأول «الجزائر، الحياة مهما يكن» سنة 1998)، تعاود المخرجة والكاتبة الجزائرية جميلة صحراوي انتقاء موضوع يمت بصلة لما يحدث في الجزائر من صراع بين الأمن والمتطرفين. وكانت في «بركات»، قبل ستة أعوام، أقدمت على تقديم وجه آخر منه، بطلته (رشيدة براقني)، امرأة تنطلق للبحث عن زوجها الذي خطفه متطرفون في ظل أوضاع سياسية وأمنية غير مستتبة.

«يمّا»، (تعني «الأم»)، مختلف في الطريقة التي تتعرض فيها المخرجة، (التي تعيش في باريس)، إلى ذلك الشأن العام. فهي إن كانت في «بركات» انطلقت في رحلة تجوب أعالي الجبال القروية ثم تهبط منها إلى بلدات أكبر ومنها إلى الساحل، حيث تنهي فيلمها بإعلان حالة من التمرد على الوضع برمته - تقوم هنا بتحديد المكان من مطلع الفيلم وحتى نهايته. إنه مكان منبوذ في منطقة جبلية عالية ومنعزلة. في مطلع الفيلم (لقطة نهارية ساطعة على جبل)، تتقدم من بعيد جارة وراءها ابنها الميت. إنه من قوات الحكومة وسقط في موقعة (تسبق الفيلم) بين القوات النظامية والمتطرفين. تصل إلى بيتها وتغسّل الجثة وتحفر القبر وتووري جثة ابنها. نتعرف بعد ذلك على ابنها الآخر علي (علي زاريف) وتصده بعيدا حين حاول الاعتراض على دفنها جثة ابنها. علي يعين حارسا (سمير يحيى) قطعت الحرب يده اليسرى، لكنه ماهر الآن في استخدام اليد اليمنى في شؤون الحرث بعدما وجد الأم (تؤديها المخرجة نفسها) تقوم بذلك، بل يمد لها قناة الماء من البئر فإذا ما زرعته أينع ثمارا بعد أشهر قليلة.

خلال ذلك، يحاول ابنها علي التقرب إليها أحيانا بطريقته الخشنة والعدائية، لكنها تواصل صده وعزوفها عن التواصل معه، وفي انسياب روائي سليم (ولو بطيئا) ندرك السبب: ابنها علي يحارب في مجموعة من المتطرفين الإسلاميين، والأم تعتبره مسؤولا عن قتل أخيه المنتمي إلى قوات الأمن النظامية. يحاول علي التأكيد لها أنه ليس مسؤولا، لكنها في هذا الشأن وفي كل شأن آخر، أكثر صلابة وعنادا من أن تستمع له.

يفرض المكان نفسه سريعا. جميلة صحراوي كمخرجة لديها إدراك كامل لما تريد تحقيقه وكيف. وبمساعدة مدير تصويرها الفرنسي رافاييل أو بيرن (الذي كان مساعد مصور فقط في فيلمها السابق)، تنجز فيلما بديعا في لغته البصرية والجمالية. الإيقاع بطيء لمحاكاة إيقاع الحياة الرتيب في البلدة. لكن ما لا تحسبه بنجاح أن قيامها بدور الأم (على نجاح المهمة) يترك يدها مغلولة في استكمال المحيط الدرامي الذي تنشده. يترك في المشاهد قدرا من الاعتقاد بأنها صنعت الفيلم، ليس لإيمانها برسالته وحدها، بل رغبة منها في بطولته أيضا.

شباك التذاكر

* «الامتلاك».. فيلم رعب جديد أنجز إيرادا مقبولا، في حين حط فيلم أكثر انتماء إلى سمة الإنتاجات الرئيسية، وهو «بلا قانون»، في المركز الثاني بإيراد مبدئي..

1 (-) The Possession: $17،725،294 (2*) 2 (-) Lawless: $9،674،349 (3*) 3 (1) The Expendables 2: $8،802،636 (2*) 4 (2) The Bourne Legacy: $7،248،265 (3*) 5 (3) ParaNorman: $6،550،735 (2*) 6 (6) The Odd Life of Timothy Green: $6:100،644 * 7 (5) The Dark Knight Rises: $5،880،688 (4*) 8 (4) The Campaign: $5،445،851 (2*) 9 (-) 2016: Obama›s America: $5،103،382 * 10 (9) Hope Springs: $4،700،441 (3*)

سنوات السينما

1927 السنة الرسمية لنطق السينما

* سنة 1927، كان العام الذي عادت فيه السينما إلى سلسلة ملحوظة من التحف الكبيرة. فيه أنجز الفرنسي آبل غانس «نابليون»، وحقق الكوميدي الأميركي باستر كيتون تحفته الكبيرة «الجنرال». فيه أيضا قام الألماني ف. و. مورناو بإنجاز فيلمه الأميركي الأول «شروق»، وقام مواطنه فريتز لانغ بتحقيق «متروبوليس».

لكن إلى جانب هذه الأعمال وما سواها من تلك الشامخة إلى اليوم، هو عام نطقت فيه السينما رسميا عبر فيلم رفعه بعض النقاد (بلا موجب فعلي) إلى مصاف تلك الأفلام، هو «مغني الجاز» للمخرج ألان كروسلاند. لم يكن نطقا كاملا، بل حمل الفيلم نصيبا من المشاهد الصامتة، وهو يحكي قصة موهوب غناء يهودي يقوم بطلاء وجهه ويديه باللون الأسود ليتماثل والمغنين الأفرو - أميركيين حينها. على أن التاريخ يتجاهل حقيقة صغيرة في هذا المجال: ألان كروسلاند كان حقق فيلما نطق جزئيا أيضا هو «دون جوان» وذلك في سنة 1926 - لماذا إذن، لم يتم اعتبار ذلك العمل بمثابة الفيلم الذي نطق أولا؟ محاولة للجواب في الأسبوع المقبل.

الشرق الأوسط في

07/09/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)