لم تكن مفاجأة أن يحصل فيلم الفنان ""the
artist للمخرج الفرنسي "ميشيل هازايافيكس "علي جائزة الجولدن جلوب أفضل فيلم
كوميدي أو موسيقي، وأن تحصل بطلة "جين دي جاردين" علي جائزة افضل ممثل في
الحفل رقم 69 للجولدن جلوب التي اعلنت نتائجها مساء الاحد 15 ينايرالماضي،
وبالتأكيد سوف نعرف اليوم أو غدا عند إعلان ترشيحات الأوسكار أن الفيلم
ينافس بشدة بين عشرة افلام هي الافضل للعام المنصرم! فيلم الفنان عرض للمرة
الاولي في مهرجان «كان» وانطلقت شهرته منذ العرض الأول، ليستولي علي اهتمام
كل من الجمهور والنقاد، فهو من التحف الفنية، التي يندر أن يجود الزمان
بمثلها، ويستدعي حقبة شديدة الأهمية من تاريخ صناعة السينما، تلك التي بدأ
معها دخول الصوت علي الفيلم السينمائي، بعد أن ظل صامتاً يعتمد علي سحر
الصورة وقدرتها علي التعبير، والسرد دون الحاجة للحوار أو المؤثرات! في عام
1895 اخترع الاخوين لوميير، آلة السينما"الكاميرا"، وكان لهذا الاختراع دوي
عظيم، حيث اعتبره البعض نقلة حضارية كبيرة، غيرت شكل الحياة في القرن
العشرين، حيث قامت بالإمساك بكل لحظة مر بها التاريخ الإنساني، الحرب
العالمية الاولي، الثورات الشعبية، أهم الاحداث السياسية، إن عقدة الانسان
الدائمة هي في عجزه السابق علي الإمساك بعجلة الزمن، فلا يستطيع أن يعيد
مافات، ولايستقدم ماهو قادم من أحداث، ولكن آلة السينما منحته، هذه القدرة
العبقرية التي نتعامل معها ببساطة الآن، وعن طريقها تستطيع أن تستعيد شكل
الحياة في مصر أو في أي مكان من العالم من نصف قرن، لتتعرف علي شكل الحياة
والمباني ونوع السيارات والأزياء، بل تستطيع أن تسترجع صورة وصوت أناس
رحلوا عن العالم من عشرات السنوات، هذا إذا تعاملنا مع كاميرا السينما
كجهاز لتسجيل اللحظة ثم استعادتها، ولكن مع بداية السينما الروائية، اصبح
من الممكن أن نعود الي أزمنة أكثر قدماً من تاريخ صناعة السينما، فالافلام
الروائية تستحضر زمن الانسان الاول، أو ظهور السيد المسيح، أو حروب
الرومان، أو اكتشاف أمريكا كل هذا تتيحه لنا الافلام السينمائية، بما لها
من قدرة علي إعادة التاريخ من خلال الديكورات والازياء والماكياج وفن
التمثيل!أما المستقبل فقد منحتنا السينما وخيال صناعها عشرات الأشكال
والتصورات لما يمكن أن تكون عليه المستقبل القريب أو البعيد! فيلم الفنان
تدور احداثه في عام 1927 وفي مرحلة فاصلة بين السينما الصامتة، والسينما
بعد دخول الصوت عليها، وحتي يدخلك الي هذا العالم، يقدم المخرج ميشيل
هازايافيكس فيلمه بالأبيض والأسود، وعلي طريقة السينما الصامتة ايضا، حيث
نتابع علي الشاشة لوحات يكتب عليها القليل جدا من الجمل التوضيحية، مع
الاستعانة بموسيقي تصويرية، تصاحب كل الأحداث، وتمنحك التأثير الدرامي
المناسب، من المرح والحزن، والاثارة والغموض، حتي تتر الفيلم كتب عليه
أسماء المشاركين بنفس طريقة كتابة الأفلام القديمة، مع الاستعانة بنفس
أسلوب النقل بين المشاهد بين الاختفاء التدريجي الي الظهور التدريجي،
والمزج بين مشهد وآخر، هذا بالطبع بالاضافة الي اسلوب القطع السلسل،
والمونتاج المتوازي، وطريقة الانقاذ في اللحظات الأخيرة، علي طريقة "جريفيث"،
أي أن الفيلم نوستالجيا لزمن قديم نتابعه من خلال بعض افلام شارلي شابلن
التي سبق انتاجها دخول الصوت علي الشريط السينمائي! قطار الزمن يقدم الفيلم
حياة واحد من نجوم تلك المرحلة وهو النجم الوسيم ذائع الصيت"جورج فالنتين"،
يلعب دوره الممثل الفرنسي "جين دي جاردين"، وهو فتي احلام النساء، ويقدم
أفلاما تحقق لشركة الانتاج أرباحاً خيالية، والرجل مثل معظم نجوم السينما
علي مر العصور، يعيش في عالمه الخاص يتسم بالزهو والغرور، ويعتقد أن الزمن
يتوقف تحت قدميه، ولايخشي من أي نوع من المنافسة، فهو النجم الاول الذي
تسعي إليه كل شركات الانتاج، ويستطيع أن يفرض شروطه ويأمر فيطاع، يعيش جورج
فالنتين في قصر فاخر، مع زوجة جميلة وباردة المشاعر، ويلازمه كلبه الأمين
في كل تحركاته، بل انه يفرض ظهوره في أفلامه أيضا، وينافس الكلب في الإخلاص
للنجم الشهير، سائقه الخاص الذي يلازمه كظله ويعمل مديرا لاعماله وكاتماً
لأسراره، ولكن حياة "فالنتين"، تتبدل مع ظهور فتاة شابة في حياته "ريبي
ميللر"، وهي عاشقة لافلامه وتتمتع بموهبة تتمني أن تجد لها طريقا للشهرة،
ويمد فالنتين لها يد المساعدة، فتبدأ رحلة الصعود، وتقبل بأدوار متناهية
الصغر في بعض أفلامه، ثم يبدأ نجمها في الصعود، في الوقت الذي يحدث فيه
انقلاب في فن صناعة السينما، بدخول الصوت علي الافلام، ويقف فالنتين مثل
معظم نجوم السينما الصامتة، موقفا متشدداً، من دخول الصوت للأفلام، بل انه
يرفض التمثيل في تلك الأفلام باعتبارها سوف تهدد الصناعة، وهو نفس الموقف
الذي اتخذه في الحقيقة شارلي شابلن، ولكنه اضطر الي تغيير موقفه عندما أدرك
أن المستقبل للسينما الناطقة، أما فالنتين فقد اكتشف أنه اصبح فجأة خارج
الزمن، وأن شعبيته آخذة في التحلل، وأعرض المنتجون عن طلبه، وبدأت حياته في
الانهيار وهجرته زوجته، وأصبح وحده في خندق يقاوم قطار الزمن، الذي مر
سريعا دون أن يستطيع أن يلحق به، وعاقه غروره وكبريائه عن الاعتراف بخطأ
تقديراته، وقرر أن يغامر بكل مايملك وينتج فيلما يقوم بإخراجه وبطولته
ليؤكد قدرة السينما الصامتة علي المنافسة، ولكن تجربته تواجه بفشل عظيم،
ويخسر معها أمواله وشهرته، في الوقت التي تصبح فيه ريبي ميللر نجمة السينما
الناطقة، وتحقق افلامها نجاحا ورواجاً عالمياً، ومن باب الوفاء لرجل قدم
لها العون والدعم وهي في بداية حياتها، تحاول "ميللر"، أن ترد الجميل وتعيد
للرجل اعتباره، ولكنها تفشل المرة تلو الاخري نظرا لتعنته وغروره، روعة
الفيلم أنه يستخدم كل مفردات الماضي في تقديم فن طازج يتحدي الزمن، فالقصة
كما يبدو تميل للميلودراما، وهي رحلة صعود فتاة موهوبة يقابلها بالتوازي
رحلة انزواء وخفوت الاضواء عن نجم كان اسمه يملأ الدنيا ضجيجا، ثم أصبح في
خبر كان ، منبوذا وحيدا لايهتم بأمره إلا كلبه المخلص وسائقه الذي ظل
ملازما له، رغم انه اصبح لايتقاضي أجرا علي خدماته بعد أن افلس سيده، ولكن
هذه الحكاية التي لابد وأن تكون قد شاهدت مثلها في عشرات الافلام، يعاد
تقديمها بأسلوب فني شديد الروعة، ليؤكد للمرة المليون أن الفيلم السينمائي
لا يعتمد علي الحدوتة فقط، ولكن كيفية سرد تلك الحدوتة، باستخدام عناصر
السينما، سناريو، تصوير، ديكور، ماكياج، مونتاج تمثيل، موسيقي وإخراج !
الزهايمر وحصلت ميريل ستريب علي الجولدن جلوب كافضل ممثلة عن دورها في فيلم
«المرأة الحديدية»، ولاشك أنه سوف ترشح للأوسكار عن نفس الدور الذي قدمته
بإبداع منقطع النظير، لتجسد عشرين عاما أو يزيد من حياة مارجريت تاتشر رئيس
وزراء بريطانيا السابقة، التي كانت تلقب بالمرأة الحديدية، قدمت ستريب
مراحل من حياة تاتشر وهي سيدة طموحة في مقتبل الحياة، تعيش مع زوج تحبه
ويبادلها الحب ويدعم طموحها، ثم وهي سيدة في خريف العمر تعاني من الزهايمر
وقد اصبحت وحيده تعيش مع ذكريات الماضي، وتتحدث الي زوجها الذي رحل عنها
ولكنها تراه معها في كل مكان في المنزل، حتي قررت أن تتخلص من محاصرته لها
وتواجه نفسها بغيابه فجمعت كل ملابسه وأحذيته التي كانت تحتفظ بها وقررت أن
تستبعدها، ومع ذلك لم تستطع أن تتخلص من وجوده معها ربما لانها كانت تحتاج
له في سنوات الشيخوخة والعزلة أكثر من احتياجها له في أي وقت مضي، يمكنك أن
تتابع أروع نموذج في فن الأداء التمثيلي، ذلك الذي قدمته ميريل ستريب حتي
أن رعشة يديها، وهزة من رأسها أو ابتسامة خفيفة دون أن تنطق بكلمة كانت
كافية للتعبير عن معان ربما تستهلك صفحات لشرحها، استخدام الصوت في مرحلة
الشباب بما يحمله من قوة وتحد واصرار وثقة، ثم ارتعاشة نفس الصوت في وهن
وهي في مرحلة الذبول، حتي اللهجة التي استخدمتها وهي تنطق الانجليزية علي
الطريقة البريطانية المميزة، وشرب الشاي في فنجان حركة اليد أو طريقة المشي
والجلوس كلها وسائل تعبير عن الشخصية قدمتها ميريل ستريب في مهارة حاوي
يعرف أنه يستطيع أن يدهشك بما يقدمه حركات مذهلة لاتعرف كيف ومتي أتقنها !
سيريانا نال جورج كلوني جائزة افضل ممثل في فيلم درامي عن الأحفاد، وهي
الجائزة التي لم يكن يليق أن يحصل عليها سواه، رغم منافسة كل من براد بيت،
وليوناردو دي كابريو، قدم جورج كلوني حالة رجل من عائلة ثرية، تصاب زوجته
في حادث أثناء قيامها برياضة التزلج علي الماء، وينتج عن الحادث دخولها في
غيبوبة، ويصارحه الطبيب أن حالتها ميئوس من شفائها وعليه أن يدبر لحاله
ويستعد لرفع أجهزة الإعاشة وإعلان وفاتها رسميا، ويتقبل "مات كينج" الحقيقة
بقلب جريح، فلم تكن إليزابيث زوجته فقط بل حبيبة قلبه وأم طفلتيه، ويستجمع
الرجل رباطة جأشه ليخبر طفلتيه بالأمر ويعدهما لتقبل الحقيقة، يفاجأ بابنته
الكبري 17 سنة تخبره بأن والدتها كانت تخونه وكانت قد عقدت النية علي طلب
الطلاق منه !ويصاب الرجل بحالة من الغضب الشديد ولكنه في نفس الوقت،
لايستطيع أن يتخلي عن الزوجة المريضة ولايستطيع أن يحتمل عذابه، ويسعي
لمعرفة الرجل الآخر، والتقرب منه وعندما يلقاه يجده زوجاً وأب لأسرة صغيرة
تبدو سعيدة، فيتراجع عن فضح أمره أمام أسرته، ولكنه يسأله في مرارة وعلي
انفراد كيف تعرف علي زوجته، وماذا قدم لها ليغريها بترك أسرتها والارتماء
في أحضانه، ويخبره أنه لايمانع في أن يلقي عليها النظرة الاخيرة، ورغم هذا
الغضب إلا أن مات كينج، يودع زوجته بدموع ساخنة ويناجيها ويطلب منها الصفح
إن كان قد أساء إليها أو انشغل عنها وتركها تشعر بالوحدة ومن ثم تلجأ الي
حب رجل آخر، "الأحفاد" من نوعية الأفلام التي تعتمد علي التفاصيل الدقيقة
وعلي عبقرية أداء الممثل الذي يتقلب بين مشاعر الحب والغضب والإحساس
بالمسئولية والانكسار والكبرياء ، والتعالي عن الانتقام كل هذا في آن واحد!
وبدون شك سوف يحصل جورج كلوني علي الأوسكار ايضا عن هذا الدور، الذي سبق له
الحصول عليه في عام 2005 عن فيلم "سيريانا"، بينما تم ترشيحه ثلاث مرات!
جريدة القاهرة في
31/01/2012
المخرج العاشق.. والحب علي الطريقة
الفرنسية
بقلم : رفيق الصبان
أولي ثمار التعاون بين شركات الخليج الوليدة وبين الشركات الهوليوودية
الكبري، فيلم يحمل عنوان «الذهب الأسود»، ويتكلم عن المراحل الأولي لاكتشاف
البترول في الصحراء العربية والنزاع بين القبائل حول استغلال أراضي الصحراء
الممتدة التي تحوي في باطنها كنوزا غالية لا تقدر بثمن. المنتج الذي أشرف
علي إنتاج الفيلم رجل له باع طويل في تقديم الأفلام ذات الميزانية الكبيرة
والتي تتمتع بطابع ملحمي مميز، ويحمل تاريخه أسماء أفلام حققت نجاحا كبيرا
وأفلاما أخري لم تحظ بالنجاح، رغم شهرة ممثليها وجماهيريتهم.. إنه «طارق بن
عمار» الذي لجأ هذه المرة إلي الممثل الأسباني ذي الشهرة العالمية «أنطونيو
بانديراس» ليلعب دور البطولة في الفيلم بينما عهده لمخرج فرنسي كبير سبق له
أن قدم أفلاما رفيعة المستوي نالت عددا كبيرا من الجوائز.. وحققت نجاحا
نقديا وفنيا مشهورا وأعني به الفرنسي «چان چاك أفو» الذي سبق وأخرج فيلما
باسم «الوردة» المأخوذ عن قصة «إيكو» الشهيرة وفيلم «العاشق» المأخوذ عن
قصة «مرجريت دوراس» وفيلما ملحميا تاريخيا يعتمد علي الخيال وعلي بدء
الحروب بين البشر إثر اكتشاف الإنسان للنار وهو «حروب النار» هذه المرة يقف
«أفو» وحده تجاه الصحراء وسحرها وغموضها وخطرها وشخصياتها وشاعريتها
الصفراء التي لا تقاوم. القصة تبدأ بحرب بين قبيلتين هما «سالمة» و«القبيسة»
تتنازعان علي أرض صحراوية كبيرة تفصل بين مملكتيهما.. وينتصر أمير قبيسة
ويلعب دوره «بانديراس» علي غريمه.. ويتفقان علي هدنة تجعل من الأرض أرضا
حيادية لا يملكها أحد .. ورهاناً للسلام بينما يترك أمير سالمة ولديه
«صالح» و«عودة» رهينة عند ملك قبيسة. ويكبر الولدان ويرتبط الأصغر منهما
«عودة» بابنة الملك «ليلي» بينما يغتنم أخوه الفرصة في إحدي المرات لينجو
بنفسه ويعود إلي عشيرته ومملكة أبيه ولكنه يقتل بضراوة أثناء محاولته الهرب
.. ويقرر ملك قبيسة عقد قران ابنته علي «عودة» المثقف عاشق الكتب .. لكي
يمنع وقوع حرب بينهما.. خصوصا أنه قد أعطي الحق لشركة أمريكية بالبحث عن
البترول في هذه الأرض الصحراوية التي يفترض ألا يملكها أحد. ومن هذا
المنطلق تبدأ الأحداث.. تسير سريعا لتنقلب إلي أحداث دموية ومعارك ضارية
بين القبيلتين خصوصا بعد أن يذهب «عودة» مبعوثا من ملك قبيسة لإقناع أبيه
بالتنازل عن الصحراء المتنازع عليها التي تخبئ في أحشائها الدر الثمين كله.
الصراع الأزلي وهنا يضعنا السيناريو أمام قواعد التراجيديا المعروفة..
الصراع بين الحب والواجب، بين الطاعة الأبوية .. وبين المثل العليا في
إيقاع مهيب عرف المخرج كيف يرسمه وكيف يسلسله بقوة وتأثير. وبالطبع فإن
«عودة» يخضع لسلطان أبيه بينما ترفض «ليلي» طاعة أبيها وطلب الطلاق من
زوجها «عودة» الذي انضم إلي معسكر أبيه أي معسكر الأعداء.. ويبدأ الزحف من
كلا الجانبين للسيطرة علي الأرض. أمير سالمة بجيوشه التي تركب الجمال وتحمل
السيوف.. وأمير قبيسة الذي تحرسه الدبابات الأجنبية والطائرات.. ويرسم
المخرج خيوط معركة مدهشة بين الطرفين يثبت فيها قدرته السينمائية العالية
في إدارة معارك تخلب العين .. كما يتابع هذه المسيرة المأساوية في الصحراء
واستبداد العطش بجيش عودة والخيانات التي تواجهه ليقدم لنا مشهدا ملحميا
إثر مشهد يؤكد فيه قدرته علي الإدهاش البصري.. وعلي استغلال جو الصحراء
وسحرها وغموضها إلي أقصي ما يمكن. منتصف العصا الفيلم يحاول أن يمسك العصا
من طرفيها، إنه يدافع عن قيم الصحراء ومثالياتها ولكنه في الوقت نفسه لا
يستطيع أن يقف بوجه التقدم وجنون المال الذي يثيره وجود البترول تحت
الرمال. الجزء الأول من الفيلم يرسم خطوط قصة حب حلوة بين ليلي وعودة تتوج
في مشهد حب علي الطريقة الفرنسية حيث ترافق ليلي زوجها قبل سفره في سيارة
مغلقة بنوافذ كثيفة .. حيث تمارس معه الحب بينما الحرس الملكي يقفون أمام
باب السيارة المقفولة إنها نظرة فرنسية مليئة بالدعابة تتخلل هذا الفيلم
الذي يقدم لنا العادات العربية والقبلية بكثير من الحيادية مع شيء من
الإيجابية خصوصا في رسم شخصية أمير سالمة .. الذي يبدو لنا منذ البداية
تراجيديا شامخا مليئا بالكبرياء والعزة يدافع عن دينه وبلده ومبادئه بقوة
واقتناع وحكمة. الممثل الخليجي الذي لعب دور «عودة» بدا لي عجينة طيعة بيد
المخرج الفرنسي الذي أخرج منه كل ما يستطيع تقديمه بينما طغت شخصية
بانديراس علي مشاهد الفيلم التي يظهر بها واستطاع أن يعرض أمامنا حيرة أمير
بين مصلحة بلاده الآنية وبين مستقبلها الغامض مع إحساسه بأنه لا يستطيع هو
أيضا مقاومة الزمن والتقدم. إنه الصراع الحقيقي بين الدبابة والجمل كما
قدمها الفيلم في أجمل مشاهده. قد تحقق الجِمال نصرا موقتا مدهشا بفضل شجاعة
وإيمان أصحابها ولكنه نصر ستعقبه دون شك هزيمة يدفع الجميع ثمنها. هناك
مسحة حقيقية بدت في الفيلم من خلال الديكورات والأزياء التي بدت لي قريبة
جدا من الواقع مع «أسلبة» ضرورية لمثل هذا النوع من الأفلام. ورغم النهاية
التوثيقية التي وصل إليها الفيلم فإنه أيضا وبشكل مداري رسم لنا خطا عاطفيا
موازيا للخط العاطفي الأول ويمكن تفسيره بشكل رمزي وهو علاقة الأمير عودة
.. بأسيرته من حب الأميرة يحررها من عبوديتها وتنقذه من موت محقق ويرتبط
معها بعلاقة غامضة تفسرها النظرات تجعله ينسي تقريبا حبه الأول لزوجته
ورفيقة طفولته «ليلي» ولكن مربيه وحارسه ينبهه في اللحظة الأخيرة ويعيده
إلي صوابه .. بينما يبتعد جواد الأميرة المحررة بعيدا في الصحراء تاركة
عودة ينظر إليها بحسرة. المخرج العاشق مشاهد عاطفية مليئة بالشاعرية تعودنا
عليها من مخرج «العاشق» وهو يضعها في هذا الفيلم أمامنا وكأنها حبات لؤلؤ
متناثرة علي جسد زنجية عارية. الفيلم يحمل رسالة فيها بعض الشجن يجعلنا
نأسف علي رحيل عالم قديم مازال يصر علي الاحتفاظ بهويته وتقاليده وقدوم
عالم جديد بكل ما يحتويه من همجية وتسلق رغم الرداء الخارجي المبهر الذي
يتزين به. إنها تجربة سينمائية كبيرة أتاحت لمخرج كبير أن يحقق حلمه بتقديم
فيلم ملحمي علي الطريقة الأمريكية يحتوي علي كل المفردات المثيرة للشهية:
المغامرات والدسائس والمعارك والأصالة والديكور «الأكزوبكي» والخط العاطفي.
وفوق هذا كله الصحراء.. هذه الصحراء الساحرة الواسعة الغادرة الحنون
المتوحشة ذات الكبرياء. صحراء بدأ الفيلم بها وانتهي مقدما علي صفحتها
الصفراء الواسعة الممتدة آبار البترول العملاقة التي تبدو كنقاط سواء في
هذا البحر الأصفر القادر علي ابتلاع كل شيء.
جريدة القاهرة في
31/01/2012
سامي السلاموني. . نقطة التحول
بقلم
: .
لم يفكر السلاموني يوما في النقد السينمائي، كان مثل جيله يفكر في
كتابة القصة والقصيدة، لكن الشعر استعصي عليه فتركه غير نادم.. فالشعر مثل
الحب لا يمكن ان تحصل عليه بمجرد رغبتك فيه. ولم تكن القصة سهلة ولكنها لم
تكن مستحيلة.. استمر ثلاثة شهور كاملة يكتب اولي قصصه القصيرة، وعندما
انتهي منها اخذها وذهب الي الاستاذ عبدالفتاح الجمل الذي كان مشرفا علي
الملحق الأدبي والفني لجريدة المساء.. ولكنه سرعان ما تلقي اولي صدمات
حياته العملية في عالم الكتابة والابداع. لم يعجب عبدالفتاح الجمل بقصة
سامي السلاموني ولم يكن عبدالفتاح الجمل يخشي لومة لائم في الحق ولا يخاف
قول رأي بأكبر قدر من الخشونة وربما يصل لحد القسوة اذا لم يعجبه عمل تقدم
به احد. الميلاد والنشأة نصح عبدالفتاح الجمل السلاموني بأن ينظر حوله قبل
ان يكتب ولم يكابر السلاموني.. وادرك أنه كاتب مقال وليس كاتب قصة. ولد
سامي السلاموني في 12 مارس عام 1936 في احدي قري محافظة الدقهلية «سلمون
القماش».. الأب كان موظفا حكوميا مدمنا للسياسة ومتابعاً لها علي صفحات
الصحف والمجلات التي كان يرسل ابنه لشرائها وكان الابن يجلس بأي مكان
يقابله ليقرأها قبل ان يعود الي أبيه. ومن هنا وقع سامي السلاموني اسيرا في
هوي الصحافة، وتمني ان يكون واحدا من هؤلاء الذين يكتبون هذا الكلام الجميل
الجريء وبأفق واسع فقرر سامي السلاموني ان يكون صحفيا مهما كان الثمن. وبعد
ان حصل علي شهادة التوجيهية.. رحل الي القاهرة ليكون قريبا من حلمه.. ولكن
حدث ما يغير بعض الأحداث، وهو رحيل الأب في عز الشباب تاركا وراءه حفنة من
الصغار تعلقوا أمانة في عنقه، وهذا ما جعل السلاموني يشتغل ويدرس في وقت
واحد. قارئ عدادات عمل قارئا لعدادات الكهرباء.. وسكن قريبا من ادارة
الكهرباء في حي بولاق.. ووجد حجرة في بيت قديم غاية القدم، وكانت الحجرة في
الدور الرابع، وكان ينام ويأكل ويكتب ويقرأ ويستقبل فيها الأصدقاء. وحتي
بعد ان اصبح اشهر ناقد يحسب له الف حساب والكل يسعي في مجال السينما الي
كسب وده.. ظل في تلك الحجرة الصغيرة الي ان تقرر هدم البيت الذي يسكن فيه..
وهنا لم يجد السلاموني مفر الا ان يلجأ لبعض البنسيونات والفنادق
المتواضعة، الي ان تتدخل الكاتب الصحفي الكبير احمد بهجت واقنع محافظ
القاهرة انه من العار والخزي ان يظل افضل النقاد في تاريخ السينما المصرية
بلا سكن يستقر فيه. درس سامي السلاموني في معهد السينما ومعهد التذوق الفني
بعد ان انتهي من دراسته الجامعية في كلية الآداب قسم الصحافة. وقد وجد
مقاله النقدي الأول منشورا باهتمام بالغ لم يحظ به غير الكتّاب الكبار
والمحترفين.. وفي تلك الليلة سهر حتي الصباح يقرأ ما نشر له مئات المرات،
وانفق كل ما في جيبه علي شراء نسخ من الصحيفة ووزعها علي اصدقائه وجيرانه
وارسلها الي اهله في القرية. احتراف النقد والمثير للدهشة انه لم يكن يفكر
في احتراف النقد السينمائي، وكانت علاقته بالسينما مثل علاقة المتفرجين بها
_ الجلوس في الظلام.. الاندماج في الخيال ومنافسة البطل في عشق البطلة..
وهو ما جعله يفكر في ان يكون بطلا علي الشاشة. لكنه لم يتوقف طويلا عند هذا
الحلم فلا هو في وسامة وطول رشدي اباظة، ولا هو في جرأة عماد حمدي.. ولا
يملك قوة الشر التي يتمتع بها فريد شوقي. وانتقل الحلم الي الاخراج
السينمائي الذي درسه في معهد السينما، وجرب فيما بعد عدة محاولات تسجيلية
قصيرة، اخذت عناوين من كلمة واحدة وهي : - مدينة 1971 المعهد العالي
للسينما. ملل 1972جمعية الفيلم.كاوبوي 1973 شركة نفرتاري.الصباح 1982
المركز القومي للسينما.القطار 1989 المركز القومي للسينما. اللحظة
1991التليفزيون المصري. كما شارك في اعداد بعض البرامج التليفزيونية عن
السينما مثل: «نجوم وافلام» و«سينما الأمس واليوم» . منصة القضاء. حرص سامي
السلاموني في نقده السينمائي علي ان يكون مثل القاضي الذي يجلس علي منصة
العدالة متجردا من اي هوي شخصي.. كان يدفع ثمن تذكرة السينما من جيبه، وكان
احيانا كثيرة لا يكتب الا بعد ان يشاهد الفيلم اكثر من مرة. ولم يكن صديقا
الا لقلة قليلة جدا من النجوم عرفهم قبل ان يصبحوا نجوما مثل احمد زكي..
ولم تمنع صداقته مع هؤلاء النجوم من هجومه الشرس الحاد عليهم لو ادوا
ادوارا غير مقنعة. وهذا ما جعله من العصاميين الشرفاء الذين يأنفون من ان
يأتيهم المدد الا من عرقهم وكفاحهم المستميت. ولم يخطر في بال من هاجمهم
السلاموني ـ بالحق ـ انه أحد الظرفاء الساخرون من كل شيء..... بما في ذلك
نفسه شخصيا.. وسخريته كانت مريرة مثل سخرية «صلاح جاهين - بيرم التونسي
ومحمود السعدني»، لكنه لم يحول السخرية مثلهم الي كتابة ابداعية الا نادرا
عندما قرر بعد ان يئس من النقد السينمائي وفشل في جدواه في تغيير حال
الافلام ان يصدر مجلة اطلق عليها «الترمواي» او «الترام» كان ينشرها داخل
مجلة الاذاعة والتليفزيون التي كان معينا فيها.. وبعد يأسه من النقد
السينمائي ايضا كتب مقالات في الكرة.. عبر فيها بخفة ظل متناهية عما يجري
في ملاعب الرياضة الشعبية الاولي في مصر.. ولم يخف فيها انه كان متعصبا الي
حد الجنون الي الاهلي الذي كان يعتبره بمثابة الحزب الحاكم الحقيقي في
البلاد. كان سامي السلاموني عضواً بجمعية الفيلم ثم رئيسا لمجلس ادارتها من
عام 1972 الي 1977وعضو مجلس ادارة نادي السينما بالقاهرة. وكتب العديد من
المقالات والدراسات السينمائية في جريدة المساء ومجلات الطليعة والكواكب
والهلال والسينما والمسرح ونشرة نادي السينما. واصدر ثلاثة كتب غير دورية
هي :«كاميرا 78» و«كاميرا 79» و«كاميرا 80». جوائز وأوسمة كان يعمل ناقدا
سينمائيا بمجلة الاذاعة والتليفزيون حتي يوم وفاته.وحصل علي العديد من
الجوائز منها :جائزة السيناريو 1972 عن فيلم «مدينة».جائزة النقد الاولي
والثانية 1975 عن فيلمي «امرأة عاشقة» و«الرصاصة لا تزال في جيبي».جائزة
شرف شخصية 1984 من المركز الكاثوليكي المصري للسينما.جائزة احسن اخراج 1985
عن فيلم «الصباح».وسام شرف 1986 من جمعية الفيلم.جائزة افلام المجتمع 1986
عن فيلم «الصباح».الجائزة الفضية للافلام التسجيلية متوسطة الطول 1988 عن
فيلم «الصباح». ولانه كان لا يكف عن التدخين والغضب والسعي المستحيل لتغيير
العالم من حوله كان لابد ان يصاب بمرض القلب الذي ورثه عن ابيه.. ولانه كان
مهملا في حياته الخاصة فلا يأكل بانتظام ولا ينام بانتظام ولا يستجيب
للنصيحة من احد فإنه لا يكتشف ان شرايينه ضاقت وخدعته الا بعد فوات الآوان..
ومات بالسكتة القلبية في يوم 25 يوليو عام 1991. ـ فقد كان رحمه الله رجل
يعرف ـ أو يكاد ـ لكل معضل حلوله ولكل حق دليله، ولا يعرف للرجل وجهين، ولا
للحق ميزانيين، ولا للكرامة صورتين، ولا لقيمة الانسان معيارين.
جريدة القاهرة في
31/01/2012 |