أثناء انتظاري لحضور العرض الخاص لفيلم الذهب الأسود جاءني رجل ضخم
الجثة مهيب الطلعة، وقدم لي نفسه بوقار وصوت أجش ولكني لم أستوعب ما قاله
إلا أنه في النهاية أشار إلي بأن أتبعه. ولم ينتظر ردي وانطلق مبتعدا فسرت
وراءه لا شعوريا، ربما خوفا أو احتراما. ثم وجدته يتوقف فجأة أمام إحدي
كاميرات الفضائيات ويشهر في وجهي الميكروفون ويسألني عن الفيلم الذي لم
أشاهده بعد. فلم أجد أمامي سوي أن أعيد كلمات عادل إمام في دور المحامي
الشهير " ماذا أقول وأي شيء أقول بعد كل ما قيل ..وما أكثر من قول قيل
بالقول أو لم يقال". كان مهيب الطلعة يسعي إلي أن يدفعني إلي تصريح يعبر عن
قيمة الفيلم وأهميته كحدث سينمائي كبير. ولكني صممت لأسباب غامضة علي أن
أخيب سعيه علي الرغم من أن الذهب الأسود فيلم سبقته دعايته. بل وأصبح عرضه
العام في مصر بالفعل أقرب للحدث السينمائي الكبير فهو من إنتاج التونسي
العالمي طارق بن عمار وتشارك في إنتاجه إيطاليا وفرنسا إلي جانب دولة عربية
هي قطر. وهو الذي تقدر ميزانيته طبقا لتصريحات منتجيه بأربعين مليون دولار
وقام ببطولته أنطونيو بانديراس وفريدة بنتو وأخرجه جان جاكوز أنود. وهو
علاوة علي كل هذا نال شرف أن يكون فيلم الافتتاح في مهرجان الدوحة تريبكا
الأخير. سوف يلفت انتباهك صور جميع الممثلين علي الأفيش بالأزياء العربية
التقليدية لسكان شبه الجزيرة. وسوف تتوقع أنك أمام فيلم يسعي للتعبير عن
العرب بعمق وفهم أكبر، ويتزايد هذا الشعور عندما تقرأ ملف الفيلم وتدرك من
خلاله أنه مشروع عمر المنتج طارق بن عمار الذي حلم بإنتاجه تقريبا منذ
بداية مشواره في السينما العالمية منذ قرأ رواية
the Heart
للكاتب السويسري هانس روشيه، وأعجب جداً بالقصة التي تناولت حياة القبائل
البدوية واكتشاف النفط الذي غير حياتهم وحياة العالم إلي الأبد، رأي بن
عمار في الرواية جميع العناصر الكلاسيكية لتقديم فيلم عالمي وملحمي من
شأنها أن تقدم أيضاً صورة إيجابية عن العالم العربي والإسلام، لم تتهيأ
الظروف لتحقيقها لسنوات طوال. وهو يقول " كل خمس سنوات كنت أقوم بتجديد
شراء حقوق الكتاب مرة أخري، واستمررت أقنع نفسي أني سأحولها لفيلم يوماً
ما، واستمر الأمر ثلاثين عاماً ليتحقق الحلم، وكنت دائماً أخشي أن أحداً
آخر يختار الكتاب ويحوله لفيلم، لكني لم أكن أهتم بالمال الذي أنفقه بل
أهتم أن أري هذه الرواية علي الشاشة وأنا مازلت علي قيد الحياة"، ويضيف بن
عمار" كنت في حاجة إلي مخرج يفهم خطوط الاحترام التي نحتاجها عندما نتعامل
مع العالم العربي، لم أكن أريد تفسير هوليوود ورؤيتها للعالم العربي، بل
كنت أريد ستايل هوليوود من حيث الجودة والحركة والأكشن ولكن تحتفظ بأصالة
العربي." خلطة سحرية لم يسعدني الحظ بقراءة الرواية التي أثارت كل هذا
الحماس لدي المنتج الكبير. لكن بإمكاني أن أدرك مقدما أن الخلطة السحرية
التي سعي لتحقيقها بن عمار بين ستايل هوليوود وأصالة العالم العربي من
خلالها هي بداية انطلاق لمشروع صعب جدا، يفترض أن يكون نابعا من فكر ورؤية
مخرج وكاتب سيناريو بالدرجة الأولي. فالرؤي الإنسانية أمور لاتحركها
الميزانيات الضخمة ولا النوايا الحسنة بقدر ما تشكل جزءا من صميم المبدع
وتكوينه وحسه الإنساني والحضاري وإيمانه اليقيني بالآخر وتقديره لميراثه
وتاريخه. وهي مسائل لا تتوفر إلا لفنان غربي يمتلك فهما عميقا للمواطن
العربي. ولا تتوقف حدود رؤيته له عند الشكل الخارجي أو الصورة السياحية
والفلكلورية التي صنعتها له السينما الهوليوودية عبر سنوات وسنوات. للوهلة
الأولي أنت أمام فيلم مشغول بكل ما هو خارجي وسطحي علي حساب ما هو جوهري
وعميق. وتكشف البداية عن هذا الحس السياحي وهذه الرغبة لدي المخرج في تحقيق
الأجواء العربية التقليدية والصورة الأيقونية. عهد ووديعة لم أسمع بحياتي
عن أمير يترك أبناءه وديعة مدي الحياة لدي غريمه لضمان عدم مخالفة العهد.
وهي أيضا فكرة سخيفة وغير مقبولة إنسانيا وبالتالي يبدو من البداية أن
الفيلم لا يدرك حدود الفهم الصحيح للعربي كتاريخ ولا كنموذج إنساني. وعلي
نفس المنوال تتواصل مع الأحداث صور المشربيات والبيوت الشرقية والحرص
الشديد علي جمال الملابس والأزياء وواقعيتها. وتظل الصورة خادمة لهذا
المنظور الجمالي فقط. فتكاد الأميرة التي تلعب دورها فريدة بنتو تصبح مجرد
قطعة اكسسوار في الكادر وخلف المشربيات ومن زوايا جانبية بلا ضرورة درامية.
ويقابل الحرص علي جماليات الصورة غياب تام لأي عمق في الشخصية مما يجعلك
تتساءل عن ضرورة الإستعانة بنجمة المليونير المتشرد التي انطلقت إلي
العالمية، بفضل إحساسها المرهف وملامحها الشرقية المعبرة. يتواصل الإهمال
الشديد للإنسان وخوائه في الفيلم مع الأحداث فولدي عمار يكبران. وسرعان ما
يموت الأكبر دون أن تعرف الكثير عنه، بينما يتزوج الأصغر بإبنة نسيب الذي
لا يشغله سوي السيطرة بهذه الزيجة علي البترول الذي بدأ اكتشافه في منطقة
حدودية مع غريمه عمار. صدق أو لا تصدق ويبدو الخلل الأساسي في رأيي في
شخصية هذا الابن الأصغر عودة الذي يعتبر البطل المطلق لهذا الفيلم والذي
يشغل ظهوره معظم مساحة السيناريو، بل إن السيناريو يكاد يتفرغ لمتابعته منذ
زيارته الدبلوماسية لوالده لإقناعه بالموافقة علي السماح بالتنقيب عن
البترول، ليتحول أثناء الزيارة إلي قائد لجيوش والده ضد حميه السلطان الذي
رباه. وهو يفعل هذا علي الرغم من اختلافه مع أهله وشيوخهم من الفقهاء
السلفيين وقدرته علي إفحامهم في الحوار . كما أنه يتحول أيضا بقدرة قادر من
قارئ نهم يكاد لا يترك الكتاب من يده، كصورة شكلية سطحية للمثقف، إلي فارس
مغوار يقود جيوش عشيرته ذات الفكر الرجعي المتزمت. ولكنك لن تجد مشهدا
واحدا أو موقفا يوضح أي تمزق يعيشه هذا الرجل بين ما تربي عليه وما تحول
إليه. فالفيلم لا ينشغل بالتفاصيل الإنسانية والرجل لا يزيد عن كونه ملابس
ومكياج واكسسوار وذقن وشنب وحنجرة أما الأبعاد التي تشكل جوهر الشخصية فلا
وجود لها . وفي ظل هذا الإغراق في الشكلانية لابد أن تسوق أحداث الفيلم إلي
معارك صحراوية شديدة الغرابة والطرافة، بين جيش يستخدم الخيول والجمال
يقوده عودة في مواجهة جيش يستخدم المدرعات والأسلحة الحديثة لهذا الزمن.
وعليك أن تصدق أو لا تصدق فجيوش الجمال في فيلم الذهب الأسود حققت ما عجزت
عن تحقيقه جيوش البلطجية في موقعة الجمل بميدان التحرير. نعم لا تتعجب
انتصر عودة بجيوشه المتخلفة بل ان جنوده سيطلقون عليه المهدي المنتظر لمجرد
اعتقادهم بأنه عاد للحياة بعد أن لقي مصرعه أثناء المعركة. وهم في الحقيقة
كان يجب أن يعتبروه المنتظر لمجرد انتصاره في هذه المعركة العبثية بإرادة
المخرج. الحقيقة أنني لم أشعر في حياتي بأنني لم أمارس أي تجني وأنا أختزل
وألخص أحداث فيلم ، بقدر ما ينتابني هذا الشعور في حالة هذا الفيلم. لم
يتبق سوي أن أحدثك عن حوارات جوفاء ولقطات أقرب للتابلوهات وقطعات محسوبة
بالكمبيوتر وإجتهادات من ممثلين كبار علي رأسهم بانديراس يحاولون أن يفعلوا
شيئا أو يقتنصوا أي لحظة أو موقف قد يوحي بشيء فيجعل للشخصية معني ويصنع
للأداء طعما. تعسر وارتباك في الحقيقة أن صناع الفيلم، ربما في انشغالهم
بقبض زكائب الدنانير القطرية، غابت عنهم فكرة أساسية من صميم مفهوم الفن
وهو أنه يجعلك تعيد النظر للحياة وان تتأمل التفاصيل وأن تتجسد في ذهنك
المعاني التفصيلية لبشر وشعوب وجماعات كنت تراهم مجرد أسراب مجردة، فهذا
قطيع من الفقراء وهذا قطيع من البدو وهذا سرب من النساء المتشحات بالسواد.
ولكن الفن بمقدوره أن يكسي هذه الصور المسطحة بالدم واللحم وأن يجعلك تعقد
علاقات وصداقات مع هؤلاء فتتألم لهم وتبكي من أجلهم وتغضب من بعضهم
وتخاصمهم وتصالحهم وتشعر بالانتصار في النهاية عندما يحالف التوفيق بطلك
المختار من بينهم. وهذا ما عجز تماما الذهب الأسود عن الوصول إليه.
جريدة القاهرة في
31/01/2012
سيما علي بابا.. فانتازيا صادمة
بقلم : آلاء لاشـــين
ليس من رأي كمن سمع.. هذا هو الحال في فيلم مكي الجديد «سيما علي
بابا» بكسره القالب المعتاد عليه في السينما المصرية فهو نوع من افلام
سينما ما بعد الحداثة التي تعتمد في احد روافدها علي اسلوب إعادة الاستخدام
حيث يتم توظيف اشكال قديمة في سياقات جديدة قد تتم في شكل ساخر أو بشكل غير
ساخر لكن تبدو الاستعارة اسلوبا معتمد في افلام ما بعد الحداثة ودائما
الهدف منها هدف كرنفالي استعراضي لا يهتم بالمعاني او الحقائق فسينما ما
بعد الحداثة لم تعد تتخذ من التعبير عن الواقع هدفا لها بل استبدلته بمبدأ
خلق عالم من الصور لم نشاهده في اي واقع فهي تشتهر بالدهشة والنوستالجيا
«الحنين الشديد للعصور الماضية بشخصياتها واحداثها» والباروديا «المحاكاة
الساخرة» وهما حالتان متناقضتان تنتابان المشاهد عند مشاهدة تلك الافلام.
حالة تضارب لقد أطلق العنان لخياله وخاض وتوغل في تقديم «الفانتازيا» التي
لم يعتد عليها الجمهور مما أصابه بدهشة خاصة عند اداء مجموعة العمل ادوار
حيوانات في الجزء الثاني من الفيلم محدثا حالة من تضارب الآراء وبعض
الانتقادات العنيفة كمن ألقي بحجر في المياه الراكدة. الفيلم يقدم قصتين
مختلفتين في فيلم واحد مثلما كان يحدث في سينما علي بابا التي كانت تقدم
فيلمين في برنامج واحد وهذا سبب تسمية الفيلم بهذا الاسم . القصة الاولي
كوكب ريفو الذي يموت قائده ويلجأ نائبه الي حزلقوم «أحمد مكي» من كوكب
الأرض للقيام بدور القائد لقوة الشبه بينهم حتي يتمكن من الاستيلاء علي
الحكم الا انه يتعاون مع المعارضة عندما يعلم بوجود مؤامرة لتدمير كوكب
الارض و في النهاية يتم كشف المؤامرة ويهرب حزلقوم للأرض في الوقت المناسب
. لم تقدم هذه القصة جديدا في مضمونها الا انها قدمت لونا جديدا بشخصيات لم
يسبق تقديمها في فيلم مصري من قبل «شخصيات الكائنات الفضائية» علي غرار
أفلام حرب الكواكب في السينما الأمريكية وهي تجربة جديدة.. اما النظرة
المتعمقة فنري ان القصة تحتوي علي بعد سياسي يتعرض لما يحدث في الانظمة
الديكتاتورية من صراع علي السلطة وقد يوحي هذا لما يدور علي الساحة في مصر
حاليا. القصة الثانية مزرعة يقيم بها مجموعة من الحيوانات يقعون تحت سيطرة
ضباع تفرض عليهم إتاوات شهرية وهم مستسلمون لهم الي ان يدخل مزرعتهم الديك
برابر «أحمد مكي» بغرض سرقتهم الا انه يتعاطف معهم ويقوم بتوحيد صفوفهم في
مواجهة الضباع ويتمكن في النهاية هو وباقي الحيوانات من هزيمتهم . الفكرة
جديدة شكلا وموضوعا أحدثت صدي واسعا لدي الجماهير بالظهور في شكل حيوانات
وأداء حركتها وأصواتها والبيئة المحيطة بها وهذا نوع من انواع الفانتازيا
ومن حق الفنان ان يقدمه وهذا النوع بالذات قد يلاقي قبولا من البعض ورفضا
من البعض الآخر ومن النادر ان يتفق عليه الجميع، القصة توجه رساله للمجتمع
علي لسان الحيوانات مضمونها الاتحاد والتكاتف في مواجهة المتآمرون علي
تفرقة أبناء الوطن الواحد كما هو الحال الان . وقد تكون هذة الفكرة مستوحاة
من كتاب «كليلة ودمنة » الذي كان يقدم الحكم والمواعظ علي لسان الحيوانات.
أداء الفنانين احمد مكي لم يقدم الجديد في شخصية حزلقوم في القصة الاولي من
الفيلم لانه لم يكن امامه سوي اعادة تقديم هذه الشخصية لان فكرة الفيلم
تقوم علي الشبه بينه وبين إحدي الشخصيات كما حدث في فيلم «لا تراجع ولا
استسلام» لانه لا يرغب في تقديم شخصية جديدة ثم يقوم بحرقها في هذه القصة
ونعتقد انه لن يقدم شخصية حزلقوم مرة أخري لأنه في نهاية القصة تركه معلقا
في الفضاء دون ان يحدد مصيره كما فعل في شخصية دبور عندما حلق شعره كنهاية
لهذه الشخصية في حين ان اداءه في القصة الثانية كان جيدا وأظهر فيه موهبة
جديدة في تقليد الديك وخاصة في مشيته وحركاته . ايمي سمير غانم كانت جديدة
وجريئة في تقديمها دور الفرخة بدارة وقد اجادت تقديم هذا الدور علي الرغم
من صعوبته لكونه دورا لم يقدم من قبل، هشام اسماعيل القائد اوجمانتين في
القصة الاولي والضبع في الثانية اثبت انه حقا ذو موهبة وان نجاحه في شخصية
فزاع لم يكن مصادفة. إجمالا جميع فريق العمل ادي الدور بشكل جيد بالرغم من
صعوبة ادوارهم . الديكور كان عنصرا رئيسيا ومؤثرا في هذا الفيلم فقد استطاع
اقناعنا اننا فعلا في كوكب آخر علي الرغم من ضعف الامكانيات حيث تشعر وكأنك
تشاهد فيلما أمريكيا عن الفضاء منذ أواخر السبعينات لكن كانت محاولة جيدة
بالنسبة لكونها فكرة غير معتادة في السينما المصرية وكان ديكور المزرعة في
القصة الثانية واقعيا ولم يغفل ادق تفاصيل البيئة الزراعية وظفت الالوان في
الفيلم بشكل درامي وساهمت في خدمة الأحداث والشخصيات . الملابس والماكياج
الملابس والماكياج توجا جهود الفنانين في تقديم هذه الشخصيات غير العادية
والتي لولاها لفشل ابطال العمل في اقناعنا بانهم كائنات فضائية او حيوانات
فاستخدم الماكيير ألوانا مختلفة للوجوه ودعمها بنتوءات متعددة في الوجوه
وتعديل في شكل الأذنين واندمجت معها الملابس الخاصة بالكائنات الفضائية وفي
الحيوانات استخدمت المناقير والأرجل وعرف الديك والفرخة والريش والشعر
والقرون بطريقة دقيقة ولم تغفل ايا من تفاصيل الحيوانات . الصــــــــوت
كان حوار الفيلم الذي كتبه شريف نجيب في القصة الأولي ملائما للجو العام
للقصة وواقعيا للمكان الذي تدور فيه الأحداث ولطبيعة الحدث المعروض علي عكس
ما كان عليه في القصة الثانية فكان الحوار غير مناسب في بعض الأجزاء
لإدخاله بعض الإفيهات المتداولة في الشارع المصري ضمن الحوار مما يجعلك
تشعر بأنهم علي دراية بجميع الإفيهات التي تتداول بين الناس ومن المفترض ان
هذا الحوار بين حيوانات وطيور ولا يجب إقحام مثل هذه الإفيهات بداخله ولكنه
كان يراد بذلك اضافة عنصر الكوميديا ضمن القصة حتي يحافظ علي التصنيف العام
للفيلم كفيلم كوميدي وهذا الاسلوب يسمي بالكولاج «الاقتباس من أعمال أخري»
وهو مرجعية أساسية في معظم أعمال مكي. الموسيقي التصويرية والمؤثرات
الصوتية وظفت المؤثرات الصوتية توظيفا دراميا داخل الفيلم باستخدام اسلوب
تضخيم وترفيع الصوت ليتوافق مع طبيعة الشخصيات ككائنات فضائية او كحيوانات
بالاضافة الي استخدام اصوات الحيوانات والطيور الطبيعية ضمن الحوار في حين
جاءت الموسيقي التصويرية كخلفية للاحداث ولم تضف شيئا لاحداث الفيلم.
الإخــــراج فكرة الفيلم جديدة وبها جانب كبير من المغامرة مما تطلب من
المخرج احمد الجندي جهدا كبيرا للخروج بالفيلم من الخيال الي الواقع، لم
يحدث تغيير كبير في فريق العمل الا انه تمكن من تقديم ادائهم بشكل جديد
وتوظيف كل منهم في الشخصية المناسبة له ودعمهم بالماكياج والديكور
والمؤثرات الصوتية ودمج كل هذا ليخرج الفيلم في صورة جيدة ومع اضافة عناصر
محدودة في كل تجربة جديدة إلا انه يتمكن من التغيير ويثبت مدي أنه هو وفريق
العمل متجددون في كل عمل جديد.
جريدة القاهرة في
31/01/2012
لكم فنكم.. ولهم فنهم... والجمهور
يحكم!
بقلم : سمير الجمل
البرنامج جديد ويتصدي لتقديمه ثنائي من شباب الثورة وجدتهما أمامي
بشكل مدهش.. إنها إسراء عبدالفتاح وأحمد خالد.. فما الذي يمكن أن يحدث إن
جرت المواجهة بين خالد يوسف المخرج السينمائي الكبير، وطارق الشناوي الناقد
الكبير أيضا وكأنهما جناحا الحرية في مجال الفن بلا حدود بينما كاتب السطور
له وجهات نظر أخلاقية في الفن وكان ضروريا في مستهل الحوار التأكيد علي
صفتي كأحد المؤلفين الذين كتبوا للسينما والتليفزيون والإذاعة والمسرح
لأنني لا أنتمي إلي تيار ديني أو حزب سياسي، ولست من رجال الوعظ والارشاد،
لكنها دائرة واحدة، نقف جميعا علي أطرافها بمسافات وأبعاد مختلفة وقلت أيضا
في البداية إن الخلاف يكاد ينحصر في أمور ثانوية بل وأراها تافهة وصغيرة
والسؤال الأكبر: هل التيار الديني سوف يسمح بالقبلات والمايوهات ومشاهد غرف
النوم؟ أم يتعامل مع الفن فقط من باب «النواشف»، وتلك والله مسألة مضحكة بل
ومهينة لمخرج في حجم خالد يوسف وكأننا لا نري في أفلامه إلا تلك المشاهد
وتفسيري لذلك شطارة خالد وشيطنته في تقديم هذه اللقطات الجريئة، وهو ما
دفعه لسؤالي: كيف أتحمس في استفتاء أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما لأفلام
من نوعية شباب امرأة وشروق وغروب والزوجة الثانية وزوجتي والكلب، ثم اهاجمه
في أسلوبه؟.. وكان جوابي بسيطا للغاية لأنك يا خالد لست صلاح أبوسيف أو
كمال الشيخ أو سعيد مرزوق، ولأن الزمان ليس هو زمان الأبيض والأسود،
والراديو الوحيد الموجود في بيت العمدة، فنحن نعيش في زمن النت والفيس بوك
والفضائيات والمجال المفتوح 24 ساعة لمن يريد وبلا حدود وباسهل الطرق وداخل
كل بيت تقريبا، ثم إن جرعتك غير جرعتهم، وجرأتك أيضا أزيد ومرة أخري يتواصل
النقاش حول حلال الدين وحرام الفن وقد اتفقت مع خالد وطارق علي أن النظر
إلي الفن بمقاييس الحلال والحرام يظلم الفن، ويظلم الدين أيضا، ووجهة نظري
في هذا أن التيارات الدينية مهما كانت مكانتها السياسية لن تستطيع أن تقاوم
تيار الاعتدال وهو الأقوي عند جموع المصريين، وهذا التيار في تصوري هو
المحك المجتمعي الذي يفرز بين فن محترم يأخذ بيد المجتمع إلي آفاق جديدة من
الحرية المسئولة وبين فن رخيص هدفه فقط التحرر والانفلات من كل قيد وهو ما
يسمي بالمفهوم الديني إشاعة الفاحشة وقد قالت دراسات واحصائيات في أوروبا
وأمريكا إن السينما ساهمت بنسبة تزيد علي 60% في نشر التدخين بين المراهقين
بصفة عامة والشباب بصفة خاصة، كما نشرت العديد من تقاليع النجوم في الملبس
وتسريحة الشعر والحركة. فالدراما تأخذك إلي حياة جديدة تضاف إلي حياتك
المحدودة مرة إلي الماضي ومرات إلي الحاضر، وأيضا إلي المستقبل نعم هي
تستند إلي الواقع لكن ما هي بواقع بل حياة أخري مصنوعة أساسها الايهام،
ومقولة إن السينما المثيرة هي الأكثر ربما غير صحيحة في الوقت الحالي بدليل
أن أكبر الإيرادات ومنذ سنوات تحققها أفلام أحمد حلمي وهي تكاد تكون نموذجا
لمصطلح «السينما النظيفة» الذي اطلقته منذ سنوات وتم تحرفيه ليتحول إلي
نكتة عن فيلم يخلو من لمسة وهمسة ورقصة وسرير، لأن المهارة في الفن تتجلي
في قدرات الفنان علي الايحاء أكثر من غيره بوسائل وحيل درامية، تحقق الهدف
دون تجاوز وانفلات والفن يجب أن يتكلم في كل شيء وأساس الدراما الصراع بين
خير وشر ونور وظلام وحب وكراهية وقوي وضعيف ولو أن الشر وسائله أكثر بريقا
لأن الشيطان هو الذي يراوغ الإنسان، ولا يحدث العكس وهو كما نعلم امبراطور
الشر كله. مع ذلك نقول بصريح العبارة: إن زمن المنع قد انتهي وأصبح موضة
قديمة، وليس أمام التيارات الدينية إذا كانت مدركة لقيمة الفن وأهمية
الصورة أن تقدم ما تريد وتترك غيرها يفعل ما يريد «لكم فنكم ولهم فنهم»،
والجمهور الذي يسعي إليه الجميع هو الفيصل والحكم، وفي الستينات وبينما
السينماالمصرية تقدم أجمل وأقوي ما لديها، كانت أيضا تقدم أفلاما أقل ما
توصف به من الإنتاج اللبناني والسوري المشترك إنها أفلام بورنو أو كل هي
مجموعة مشاهد عملوا لها فيلما وليس العكس أن نري مشهدا في فيلم، وكان الصوت
الأعلي للفيلم الحقيقي، ومع التطور الهائل الذي تعيشه تكنولوجيا صناعة
الفيلم والمسلسل ومع الانفتاح الرهيب وانتشار الفضائيات ونوافذ اليوتيوب،
وتوافر أجهزة المحمول التي يمكنها الآن أن تضع فيلما قصيرا يشارك في
مهرجانات دولية، مع كل هذا المتغيرات وفي ظل ثورة هدفها إعادة الكبرياء
الغائبة لبلد متحضر وشامخ ورائد، سيكون الصوت الأقوي للفن الهادف أو بمعني
آخر النظيف حتي لو كان هذا المصطلح يسبب الحساسية والهرش لبعض الفنانين،
وحتي لو كان هذا الفن هو كوميدي هزلي لا يهدف للتسلية فقط، فهل نفس حديث
الرسول - صلي الله عليه وسلم- أن تبسمك في وجه أخيك صدقة وأنك لو فرجت عنه
كربة فرج الله عنك واحدة من كربات يوم القيامة دون السخرية من صاحب العاهة
أو عيوب الشكل لأنها صناعة الخالق سبحانه، الذي لا ينظر إلي الأجسام
والمناظر لكن إلي القلوب والأفعال. رأيت في مقابلتي مع خالد يوسف خوفا علي
حريته، وأنا التمس له العذر، ورأيت قلقا عند طارق الشناوي يحاول تبريره
وهذا حقه، وكنت ولازال أري الأفق أكثر اتساعا من ضيق بعض الأمخاخ، وأري
وسطية مصرنا الفنانة الطاهرة بقرآنها وانجيلها، اشد باسا من جميع
المتشددين، والقاعدة في النهاية أن كل مجتمع ينضح بما فيه وإذا كنا قد
تغيرنا بعد الثورة، فإن الفن سيكون البوابة الأولي للتغيير نحو الأفضل
والأجمل والأرقي، حيث انتهي عصر الوصاية علي العقول خاصة تلك المبتكرة
الخلاقة التي هي اشبه بالمصاعد إما أن تأخذنا إلي ناطحات السحاب وإما أن
تهبط بنا إلي أسفل السافلين والعياذ بالله وفي كل الأحوال من أراد مصرنا
المحروسة بسوء أهلكه الله.
جريدة القاهرة في
31/01/2012 |