اذا كان الحلم الأمريكي خاصة الثراء من الممكن أن يتحقق على موائد
القمار في لاس فيجاس أو بورصة وول ستريت فى نيويورك، فهوليوود بالنسبة
لآخرين وسيلة أخرى لتحقيق هذا الحلم بالإضافة الى بريق الشهرة. إلا أن طريق
هوليوود وعر والنجاح فيه إذا تحقق قد يحدث فجأة دون سابق إنذار أو تدريجياً
بعد سلسلة من التوقعات والإحباطات وتحديات الزمن. وإن كانت الموهبة، كما قد
يعتقد البعض، هى جواز سفر للنجاح إلا أنها أحيانا مجرد إستثنائية. هوليوود
هذه التي أكتب عنها هي هوليوود الأستوديوهات التي بالتالي ليست إلا فروعاً
لمؤسسات عالمية لا تمت للفن بصلة سوى أنها تمتلك وتحتكر وتسيطر، لا يمكن
إنكار أن هوليوود تمثل أيضاً نافذة للعالمية يسعى وراءها الآلاف من أصحاب
الموهبة أو مدعي الموهبة أو تجار المواهب، فالنجاح فى دفاترها يساوي الثراء
الفاحش والفشل هو الضياع الكامل. واذا كانت قصص الناجحين إعلاميا منتشرة
فقصص ضحاياها تكاد تكون مخفية، وقد أخترت القصة التالية لأنها تجسد النجاح
واليأس معا.
في إبريل 1996 انتحر المخرج دونالد كامل بطلقة رصاصة من مسدسه صوبها
الى رأسه مسببا نزيفاً بطيئاً قبل أن يموت، وكان قد طلب من زوجته بينما
يلفظ أنفاسه الأخيرة وهي فى حالة ذعر شديد، أن تضع وسادة تحت رأسه حتى لا
يلوث السجاد الذي إستلقى عليه. وبينما أسرعت الزوجة المسكينة الإتصال بمن
يمكن إنقاذه، إلتقط كامل مرآة صغيرة ليراقب تعبيرات وجهه وهو يغادر الحياة
فقد كان مخرج حتى النهاية. كان كامل من أصول أسكتلاندية وعائلة ميسورة
الحال، جذبته السينما أولاً في إنجلترا ثم هوليوود. بدايته كان اشتراكه فى
إخراج فيلم "أداء" سنة 1970 مع نيكولاس روج ليصبح الفيلم فيما بعد من
كلاسيكيات الستينات. كان "أداء" فيلماً جريئاً فى تعامله مع الجنس والجريمة
والتحولات التى طرأت على المجتمع البريطاني من الثورة الموسيقية والتمرد
الأخلاقي بين الشباب (جنس، تدخين الماريجوانا، موضة الميني سكيرت)، مما
أكسب الفيلم شهرة عريضة عبرت عبر المحيط إلى هوليوود. بهذه البداية الصارخة
أعلن كامل تمرده على السينما السائدة وانفراده كمخرج في 1977 بفيلم "بذور
الشيطان" من بطولة جولي كريستي عن إخصاب كومبيوتر امرأة لتنجب عبقرياً. هذه
الخرافة، تحت مظلة الخيال العلمي، أوسع الهوّة بين المخرج وهوليوود خصوصاً
بعدما حقق إيرادات متواضعة علماً بأن معظم تمويل السينما البريطانية في تلك
المرحلة كان هوليوودي المصدر، لكن ما لم تستطع هوليوود أن تتغاضى عنه
تماماً حقيقة أن الفيلم شهد رواجاً بين المعجبين والنقاد الأوروبيين كعمل
فني. مهما يكن من أمر، مرت تسع سنوات قبل أن تمنحه هوليوود فرصة إخراج
جديدة عبر فيلم "بياض العين" مطمئنة لسيناريو ينتمي إلى النوع البوليسي،
إلا أن هذا لم يحجب عالم كامل المميز والكابوسي الذي فرض نفسه على الفيلم
وأكد خصوصيته كمخرج فى أعين النقاد الأميريكيين بالذات.
على أن هوليوود فى نهاية المطاف لا تقدر إلا الإيرادات وبالتالي همشت
دونالد الذي تمكن بعد خمس سنوات أن يجد جهة إنتاجية أوهمته بمساندة طموحاته
الفنية والنتيجة كانت فيلم "الجانب المتوحش" في العام 1992 ولم يكن يدري
أنه سيكون فيلمه الأخير. فالفيلم حافظ على عالم دونالد السينمائي وعلى
أسلوبه المميز فى خلق جو من التوتر بين الجنس والجريمة فقدم فيلما قد يبدو
على السطح تقليديا إلا أنه شديد الخصوصية. تراجيديا التجربة الحقيقية لم
تكن على الشاشة بل فى الحياة نفسها حين إكتشف دونالد بعد تسليمه الفيلم
تجاهل الشركة المنتجة (نيو إيماج) لرؤيته وأعادت مونتاج الفيلم بغرض إبراز
الجانب الجنسي والإكتفاء بتوزيعه على أشرطة الفيديو مما أدى الى حالة
الإحباط والإكتئاب التى قادت دونالد لإنهاء حياته. ما لم يعش ليرى بعد أربع
سنوات من رحيله هو حماس وتدخل شركة توزيع أخرى لإقتناء حقوق الفيلم
والإستعانة بالمونتير الأصلي لإعادة توليفه الى النسخة التى تمثل رؤية
المخرج الأصلية.
هوليوود التي نشأت بتجارة النسيج وانتهت بتجارة الأحلام، ترعرعت مع
سياسة العمولات حيث نسبة العمولة فى التعاقد أصبح المنهج الأساسي فى
التعاملات، وهو الشريان التاجي لصناعة السينما هناك، بدءاً من عمولة وكلاء
الفنانين والفنيين الى عمولة شركات الإنتاج الى عمولة شركات التوزيع إلى
عمولة أصحاب دور العرض وأحيانا عمولة شركات الشئون القانونية، في النهاية
كل شيء يستقر حسب العمولة وهذا أمر واضح كالشمس، وكم من عمولات أسقطت
حكومات إلا هوليوود فهي تتنفس بها وتعيش عليها.
مثال عبثي لهذا المناخ هو تجربة المخرج البريطاني مايك فيجيس مع فيلمه
"مغادرة لاس فيجاس" سنة 1966 الذى نال الممثل نيكولاس كايج الأوسكار عن
دوره فى الفيلم، فقد كانت ميزانية الفيلم حوالي ثلاثة ملايين دولار فقط
حققها المخرج بتصويره الفيلم في أربعة أسابيع الى جانب إستعماله فيلم خام
سوبر 16مم بدلا من الـ 35مم المعتاد توفيراً للتكاليف، وبالرغم من نجاح
الفيلم الهائل فنياً وتجارياً، محلياً وعالمياً، الا أن دفاتر هوليوود
إفتقدت ذكر أي أرباح بحجة أن ما أنفق على تسويق الفيلم كان أضعاف ميزانيته
المتواضعة، بينما سلسلة العمولات تسربت الى جيوب العديد من المستفدين من
الفيلم.
فارييتي العربية في
25/12/2011
فنانون: أحداث شارع مجلس الوزراء أفسدت فرحتنا بالانتخابات
شيماء مكاوي
أكد عدد كبير من نجوم الفن، أن أحداث شارع «مجلس الوزراء» الأخيرة
أفسدت فرحتهم بنجاح المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات، وأن هناك
أصابع خفية وقوى لا تريد لمصر التقدم والاستقرار.. وإليكم تفاصيل ما قالوه.
? تساءل الفنان شريف منير قائلا:«لا أعرف ماذا يحدث فى مصر الآن»؟
خاصة بعد الانتخابات الأخيرة، فعندما أجرينا الانتخابات شعرنا نحن كمصريين
بأننا نتقدم ولكن ما كل هذا الشغب ولماذا يحدث فى مثل هذا الوقت بالذات؟
نحن نحرق تراثنا ونحرق تاريخنا العريق وممتلكاتنا دون أى سبب مقنع، وأنا
واثق أن ما حدث مؤخرا ليس بأيدى مصريين شرفاء أو ثوار شرفاء، فالشهداء هم
من يبنون الوطن وليس من يهدموه!
? وعقب السيناريست وليد يوسف على تلك الاحداث بقوله: لك الله يامصر لا
يمكن أن أقول أكثر من ذلك، فالمنقذ الوحيد فى هذا الوقت هو الله عز وجل،
لأن الأحداث تفاقمت ونحن ننحدر بالدولة وأخشى من الانهيار، الذى ربما يحدث
من تكرار مثل هذه الأحــداث الـمؤسفـة التى اعتدنا عليها أسبوعيا وتصيب
شريانا حيويا فى قلب مصر بالشلل التام، فشارع قصر العينى به العديد من
المصالح والشركات الحكومية وغير الحكومية، فنحن نتأخر ولا نتقدم.
وأضاف: الهدف من وراء تلك الأحداث الأخيرة هو تعطيل تقدم الدولة خاصة
بعد نجاح التجربة الانتخابية التى كانت بداية خطوة الاستقرار بالنسبة لمصر.
? وقال الفنان سامح الصريطى: لم تكتمل فرحتى بالانتخابات، فميراث مصر
القديم أتلف تماماً جراء الحريق الأخير، فكل المؤلفات والمقتنيات منذ عام
1798 حتى اليوم أتلفت تماماَ جراء الحريق، احتراق هذا المبنى العريق بهذا
الشكل معناه أن جزءا كبيرا من تاريخ مصر قد انتهى!
«وهذا كان الهدف منه عرقلة مسيرة الشعب نحو الديمقراطية خاصة بعد
النجاح غير الطبيعى للمرحلة الأولى والثانية من انتخابات مجلس الشعب،
بصراحة حاجة تفرح وبتثبت إننا شعب محترم ومنظم وبنحب الديمقراطية وبنسعى
ليها وبتأكد إن الفترة اللى فاتت ماكناش بنروح ننتخب علشان كنا عارفين إن
الحزب الوطنى كان بينجح رجالته حتى لو ماجابوش ولا صوت وكنا متأكدين إن
صوتنا مالوش لزمة وهاينجحوا اللى هما عايزينه بالتزوير والبلطجة لكن دلوقتى
الوضع اختلف وصوت كل واحد فينا هايفرق».
? وقالت الفنانة شيرى عادل: سنكون أحسن شعوب الأرض بإرادتنا وتوحدنا
وعلى الرغم من التشاؤم الذى أجده وخاصة بين زملائى داخل الوسط الفنى من
كثرة الاحتجاجات والاعتصامات والخلاف السياسى وأحداث الشغب الأخيرة التى
حدثت أمام مجلس الوزراء فإننى بطبعى إنسانة متفائلة، وأذكر قبل الثورة كنا
نسأل أنفسنا يا ترى الناس بتحب البلد دى زى زمان؟ يا ترى الانتماء لسه
موجود؟ يا تري؟ يا ترى؟ كلها أسئلة أجابت عنها ثورة 25 يناير التى وحدت
قلوب المصريين وإرادتهم وجمعتهم على حب مصر، فتأكدت أن الانتماء موجود
وبشكل كبير، وإننا قادرون على صنع المستحيل وسنتغلب على كل مايحدث مثلما
تغلبنا على ماسبق.
أكتوبر المصرية في
25/12/2011
الفيلم الوثائقى «تحرير 2011» ثلاثة وجوه للثورة المصرية
محمود عبدالشكور
إحدى أجمل مفاجآت الموسم السينمائى لعام 2011، العرض التجارى للفيلم
الوثائقى المصرى «تحرير 2011 - الطيب والشرس والسياسى» الذى يوثق ّبطريقة
قوية وذكية وساخرة لصفحات من ذاكرة ثورة يناير. يقدم الفيلم الذى يمكن
اعتباره أيضا من أفضل أفلام 2011 ثلاثة وجوه للأيام التى هزت مصر من خلال
ثلاثة أفلام متكاملة، كل فيلم يحاول أن يجيب عن تساؤل كما ينبغى لعمل
تسجيلى ناضج، كل فيلم يمزج بين الرؤية الذاتية لمخرجه والمواد الوثائقية
والشهادات الحية، وكل فيلم ينتصر للفن قبل أن ينتصر للميدان ليصبح لدينا فى
النهاية تجربة ناضجة للغاية لا تشعر خلال مشاهدتها بلحظة ملل واحدة، وتمتلك
بعد انتهائها صورة متعددة الأوجه لثورة شعب وغباء نظام.
الجزء الأول أخرجه تامر عزت وعنوانه الطيب، سؤال هذا الجزء كيف ثار
الشعب الطيب وقدم التضحيات طوال 18 يوما مع التركيز على ما حدث فى «دولة
ميدان التحرير» التى أصبحت تمثل مصر الحقيقية الحرة. يعتمد هذا الجزء على
مشاهد توثيقية مهمة لمواجهات 25 و28 يناير الدامية، وشهادات حية لعدة نماذج
مثل متظاهرة، وطبيبة فى المستشفى الميدانى، ومصوّر عاد إلى وطنه ليوثق
فوتوغرافّياً أحداث الثورة ومطرب الثورة رامى عصام، وشاب أصابته رصاصة
مازال يحتفظ بها داخل جسده وشاب سجل تعليقات المتظاهرين على ورق أبيض.. إلخ،
لا تقدم هذه الشهادات مرة واحدة ولكن بشكل متداخل عبر مونتاج رائع، ومن
خلال مزج بين لقطات الثورة وتصوير نفس الشخصيات فى مكان الحدث بعد التنحى.
هذا هو الجزء الأقوى والأكثر تأثيرا لدرجة أننى بكيت أثناء مشاهدته انهيارا
لعظمة هذا الشعب، ربما كان هذا ينقص الجزء بعض اللقطات عما كان يجرى فى نفس
الوقت فى الإسكندرية والسويس لاستكمال الصورة، وربما كانت تنقصه مشاهد مهمة
للجان الشعبية لكنك فى النهاية أمام عمل متماسك ومبهر، الجزء الثانى بعنوان
«الشرس» للمخرجة أيتن أمين وسؤاله حول كيف ولماذا انهارت الشرطة فى مواجهة
المسيرة نحو التحرير، إنه الزاوية الأمنية التى تقدم شهادات مهمة لضابط فى
الأمن المركزى والأمن العام وأمن الدولة، أحدهم وهو النقيب «مصطفى جمال»
وافق على الظهور بوجهه وبزيه الرسمى، وتمتزج مع هذه الشهادات مشاهد مرسومة
وكليبات للمظاهرات وللاقسام التى تم حرقها، معظم الكلام يدور حول المعاناة
بين التعاطف مع المتظاهرين وأداء الواجب. ينقص هذا الجزء مناقشة
الاختفاءالشامل للشرطة بعد يوم 28 يناير ولكن الفكرة نفسها مهمة وذكية
وتستكمل أبعاد الصورة.
أما الجزء الثالث وعنوانه «السياسى» للمخرج عمرو سلامة فهو الأكثر
ظُرفا وسخرية إذ يحاول الإجابة عن أسباب تحوّل مبارك إلى ديكتاتور، يرصُد
الفيلم من خلال شهادات ولقطات مصورّّّّّّة أقوال شخصيات مثل البرادعى
ومصطفى الفقى ود. أحمد عكاشة والخطوط التى يقطعها الديكتاتور وصولا إلى
نهايته.
ربما كان يستحق هذا الجزء أن يحمل اسم «الغبى» لأنه لو كانت هناك
سياسة وسياسى ما كانت هناك ثورة «تحرير 2011» عمل ناضج كبير وقوى ومؤثر
ستزيد قيمته لأنه حافظ على ذاكرة الثورة.
أكتوبر المصرية في
25/12/2011
"شرلوك هولمز 2"..
توليفة لعبة الأمس بقواعد اليوم
محمود عبد الشكور
تابعتُ بإعجاب الجزء الثانى من سلسلة إعادة الإحياء السينمائى لشخصية
المخبر الأشهر شارلوك هولمزالتى حملت عنواناً طويلاً هوSherlock
Holmes .. a Game of Shaddows
، وكنت قد شاهدت الجزء الأول بنفس الدرجة
من الإعجاب والتوقف للبحث والتحليل.
مصدرالإعجاب هو النجاح فى بعث شخصية قديمة لتُقدّم فى ثوب معاصر
تماماً حتى تكون قريبة من جمهور القرن الحادى والعشرين، وحتى تستفيد من
إمكانيات السينما، وكان الممتع حقاً اكتشاف آليات هذه التوليفة الجديدة
أكثر من تفاصيل الحكاية فى الفيلمين رغم أنهما من الأعمال الممتعة.
أول سمات هذا الاستدعاء لشخصية هولمز هو الجمع بين الحركة الذهنية
والحركة العضلية. شخصية هولمز التى ابتدعها سير آرثر كونان دويل تبدو أقرب
الى لاعب الشطرنج الذى يخوض بالأساس صراعاً ذهنياً بينما تحتاج السينما،
وبالذات أفلام تلك الشخصيات المستعادة، أداءً حركيّاً موازياً، وقد تحقق
ذلك بامتياز فى الجزءين الأول والثانى.
السمة الثانية هى تقديم مفردات أكثر حميمية عن الشخصية تجعلها أكثر
شباباً وحيوية، وقد نجح الجزء الثانى بالذات (لعبة الظلال) فى إثراء
العلاقة بين هولمز ورفيق مغامراته الدكتور واطسن، ولعب التوافق بين شخصيتى
بطلى الفيلم روبرت داونى (هولمز) وجود لو (واطسن) دوراً كبيراً فى تحقيق
هذا الهدف.
أمّا السمة الثالثة فتعتمد على استغلال القفزة الهائلة سواء فى
إمكانيات خدع الجرافيك أو فى المؤثرات الصوتية أوفى الإمكانيات الإنتاجية
التى تتيح تنفيذ كل ذلك بأفضل الفرق الإحترافية، ولاشك أن الخيال الخصب
الخلاّق للمخرج جاى ريتشى مسؤول بشكل كبير عن هذه الصورة الجديدة المختلفة
لأشهر مخبر سرى.
السمة الرابعة والأخيرة هى التصرّف الكبير فى الخروج من مفردات محيط
الشخصية الأصلى الى مفردات معاصرة تماماً. ليس هذا التطور وقفاً على هولمز
بل شاهدناه أكثر من مرة فى تناول رواية "الفرسان الثلاثة"، سواء فى نسخة من
التسعينيات كان الفرسان بملابسهم يلعبون الكونج فو على طريقة نجوم السينما
الآسيوية، أو فى نسخة جديدة من الفرسان الثلاثة شاهدناها هذا الموسم أيضاً،
ورأينا فيها منطاداً عملاقاً يُطلق الرصاص مثل الطائرة مأخوذاً من بعض
مخترعات ليوناردو دافنشى النظرية.
فى الجزء الثانى بالتحديد من هولمز سنجد أشياء لا يمكن أبدأ أن تنتمى
الى زمن الأحداث فى العام 1891 مثل المدافع الرشاشة والقذائف الصاروخية
وعمليات التجميل الدقيقة لاستنساخ الوجوه بنفس الملامح!
بل إن الحبكة العامة لفيلم "لعبة الظلال" تنتمى أكثر الى القرن
العشرين قرن الحروب العالمية.
لعبة الظلال
تدور الحكاية حول قيام رجل الفيلم الشرير مورياتى (جيرد هاريس)، وهو
عالم رياضيات حاد الذكاء، بالتخطيط لإشعال حرب عالمية أوروبية، وذلك بتوفير
كل مستلزمات تلك الحرب من الضمادات القطنية الى الأسلحة والقذائف الصاروخية
المتقدمة جداً.
تبدو هذه الحبكة أيضاً أقرب الى حبكة فيلم جديد فى سلسلة أفلام جيمس
بوند مثلاً، ولكنها تُقدم هنا بمزيج من لعبة الذكاء ولعبة الحركة، تتحول
اللعبة هنا الى مزيج من إيقاع القرن التاسع عشر الهادئ، وإيقاع الألفية
الثالثة الصاخب والفوضوى تقريباً.
لا يقنع مُشاهد هذه السنوات الأولى من القرن الحادى والعشرين بأن يجلس
شرلوك هولمز أمام غريمه مورياتى فى مباراة للشطرنج طوال الوقت، بل لابد من
الحركة العنيفة البدنية التى قام داونى وجيرد هاريس بأدائها بنفسيهما
إمعاناً فى الإقناع.
عندما يعود هولمز الى الشاشة لابد أن يضيف الى لياقته الذهنية لياقة
بدنية عالية، لابد ألاّ يقنع بوطنه بريطانيا، وعليه أن يطوف مع لُغزه
المحيّر من بريطانيا الى فرنسا الى ألمانيا الى سويسرا.
عليه أن يكون فى رشاقة بوند وفى خفة ظل جان بول بلموندو وفى ذكاء
المفتش كولومبو، الشخصيات القديمة لا تعود أبداً دون الإستفادة من شخصيات
عصرها الجديد، وهذا ما حققه سيناريو ميشيل مولرونى وكيران مولرونى.
أرجو ألا يُفهم من كلامى أن شخصية هولمز كما رسمها آرثر كونان دويل
تستعصى على المعالجة السينمائية، فهذا غير صحيح، إنما أردت القول أن تلك
الشخصيات ديناميكية بالأساس، وثرية جداً، ومأخوذة من روايات متقنة الحبكة،
كما أنها تعتمد على التفاصيل التى لا غنى عنها فى أى سيناريو جيد ومشوّق.
كل ذلك يشكّل القاعدة التى ينطلق منها خيال الذين يستعيدون الشخصية
الى عصرنا لتكون شخصية آنية وحيّة حتى لوكانت أزياؤها ليست كذلك، لولا ان
هذه الشخصيات قابلة للتطوير ما كانت ناجحة أو مقنعة، ومن يدرى فربما أصبح
هولمز ساحراً للنساء فى أجزاء قادمة ليكون أكثر قُرباً من المتفرج!
علاقة قديمة
رأينا فى لعبة الظلال بقايا علاقة قديمة لهولمز مع فتاة جميلة تخلّص
منها موريارتى، ما يستحق أن يظل من الشخصية الأصلية يجب أن يبقى، وما يجب
إضافته فليلعب دوره بلا تردد أو خوف.
من عالم القرون الغابرة هناك المبانى والديكورات والأزياء والجماعات
الفوضوية التى كانت تقوم بتنفيذ الإغتيالات والإنفجارات فى أوربا فيما يشبه
العمليات الإرهابية المعاصرة، وهناك بدايات بدائية افتراضية ربما لبعض
المخترعات مثل جهاز الأكسجين الصغير الذى سينقذ حياة هولمز فى نهاية
الفيلم.
ومن عالم هولمز القديم لا استغناء أبداً عن قدرته على الربط بين
تفاصيل يستحيل الربط بينها إلا لصاحب خيال واسع وتجسد ذلك خريطة ضخمة
بالأماكن العابرة للقارات، والأحداث العابرة للخيال، والتفسيرات العابرة
للتوقعات.
هولمز فى الحقيقة هو الأصل الذى خرجت من عباءته شخصية أشهر مخبر
تليفزيونى هو كولومبو التى لعبها بيتر فولك، ولكن الممثل الفذّ الذى رحل
مؤخراً عن عالمنا لم يستطع أبداً أن ينقلها بنجاح الى السينما، ربما لأن
صناع السينما فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات لم يفطنوا الى أن
كولومبو يحتاج فى السينما الى العقل والجسد معاً.
يكتشف هولمز فى "لعبة الظلال" أن هناك ما يربط بين اغتيالات فى أوروبا
والصين، وخريطته التى يعرضها على الدكتور واطسن مُقتحماً عيد زواجه
تذكّرنا على نحو ما بالتعليمات التى كان ينقلها قائد المهمة المستحيلة فى
المسلسل الشهير الى فريقه المعاون.
أما اللمسات الإضافية التى تُعطى الشخصية لوناً وطعماً مختلفاً فهى
علاقته الخاصة مع الدكتور واطسن، التي تأخذ هنا ما يقترب من فكرة الصديق
اللدود، وبينما يسافر واطسن مع زوجته مارى فى طريقهما لقضاء شهر العسل،
يقرر مورياتى أن يرسل فريقاً للاغتيالات لقتل أقرب أصدقاء هولمز.
من اللمسات أيضاً ظهور شقيق لهولمز أكبر سناً يعمل دبلوماسياً، سيساهم
فى إنقاذ مارى عروس واطسون عندما يلقيها هولمز فى الماء من نافذة القطار،
وسيلعب شقيق هولمز أيضاً دوراً محورياً فى إفشال محاولة إشعال الفتنة بين
الدول الأوربية فى سويسرا.
ربما طالت قليلاً المشاهد الإفتتاحية، ولكن منذ ظهور دكتور واطسون
والأحداث تسير الى الأمام مدعومة بمشاهد حركة مدهشة الإتقان تثبت براعة جاى
ريتشى كمخرج، من هذه المشاهد مثلا محاولة الاغتيال بالأسلحة الحديثة
النارية فى القطار المنطلق والتى تنتهى بفصل بعض العربات واشتعال النار
فيها.
ومنها محاولة اغتيال المرأة الغجرية سميزا على يدى أحد القتلة
المحترفين، وفى الحالتين أنت أمام معركة معاصرة تماماً يمكن أن تجد
تتابعاتها فى أى فيلم أكشن معاصر.
أسلحة معاصرة
لا ننسى أيضاً المطاردة الهائلة بين جنود مورياتى المسلحين وبين
الثلاثى هولمز وواطسن وسميزا فى غابة ضخمة، تُستخدم فى هذه المطاردة أسلحة
معاصرة يستحيل أن تصدق وجودها فى نهاية القرن التاسع عشر.
حتى مشهد النهاية حيث يسقط مورياتى وهولمز معاً من النافذة ينتمى الى
عالم أفلام الكوميكس الخارقة، رغم أن المشهد يبدأ بمبارة للشطرنج تذكّرك
على نحو ما بعالم أفلام الجريمة الذكية على طريقة أجاثا كريستى.
طبعا لن نصدّق أن هولمز الذى أنقذ أوربا من حرب محتملة قد مات بعد
سقوطه، ولكن تظل مسألة اكتشاف واطسن لعودته ظريفة للغاية، إذ بينما يُنهى
واطسن تسجيل ما حدث على الآلة الكاتبة، تدخل إليه هدية فى علبة تحمل جهاز
التنفس الصغير الذى نفهم منه أنه كان وسيلة هولمز للبقاء على قيد الحياة
بعد سقوطه وسط الثلوج.
يخرج واطسن باحثأ عن هولمز، فيدخل الأخير متنكراً، يجلس الى الآلة
الكاتبة ليسجل على الورق بنفسه كلمة النهاية.
لاغنى عن اللعبتين معاً : لعبة العقل ولعبة الجسد، التفاصيل
والمشاغبات تقوم بالمهمة الأولى، والمعارك والمطاردات تقوم بالمهمة الثانية
بدعم من موسيقى لا تُنسى، ومؤثرات بصرية، وسمعية متقن، ومونتير محترف،
ومخرج يقوم بتحليل الحركة الى لقطات ثابتة فى مشاهد الفلاش فوروارد حيث
يتخيّل هولمز عادةً تفاصيل المعركة التى لم تحدث بعد، ثم نراها بعد ذلك فى
صورة مختلفة، فيتضاعف التأثير الحركى ليعادل التأثير الذهنى.
يلتقى هولمز النموذج الأدبى مع فن السينما فى منطقة هامة جداً وهى
قدرة الخيال على إعادة صياغة الواقع وعمل منطق متماسك مواز يكون هو حلّ
اللغز نفسه، وهو أيضاً الفن كله.
فطن كاتبا سيناريو لعبة الظلال الى ذلك ، وفطنا الى أنه من المستحيل
أن تعود شخصية قديمة الى السينما (مهما بلغت درجة تعلّق الناس بها) دون
إضفاء لمسات معاصرة جداً عليها، لذلك كانت التوليفة سابقة الشرح والتفصيل،
ولذلك أيضاً عبر هولمز بسهولة الى جيل القرن الحادى والعشرين.
هذا هو الدرس الذى يجب أن يستفيد منه صنّاع أفلام الإستعادات لشخصيات
شهيرة خيالية أو أدبية، وهذا ما أطمح أن أراه فى الفيلم المصرى الجديد
المأخوذ عن ألف ليلة وليلة، والذى سيكون أول فيلم مصرى ثلاثى الأبعاد.
الإبهار وحده لا يكفى إذ لابد أن تعرف أيضاً كيف تلعب لعبة الأمس ولكن
بقواعد اليوم.
عين على السينما في
26/12/2011 |