إحدى مشاكل الفيلم الوثائقي الذي ينتج في العالم
العربي أو حتى في أوروبا اليوم تتمثل في بعدين: الأول تأثير التصوير بغرض
العرض في
التليفزيون، والثاني: غياب الخيال، والبعد "الدرامي" في
الوثائقي. وسوف يتوقف البعض
أمام كلمة "الدرامي"، ولكن قبل ذلك دعونا نشرح المقصود بتأثير
التليفزيون.
بعد
مشاهدة نحو عشرة أفلام وثائقية في مهرجان دبي (الدورة الثامنة) من اخراج
سينمائيين
من العالم العربي، لاحظت أن طابع الريبورتاج التليفزيوني، يغلب على الفيلم
التسجيلي
والوثائقي، فالبعض أصبح يعتقد أن مجرد الحصول على بعض
التسجيلات الصوتية والصور
الفوتوغرافية وبعض الوثائق السينمائية المصورة المحدودة للغاية كفيل بعمل
فيلم "وثائقي"
جيد، في حين أن المساحة الأكبر من الفيلم تشغلها عادة المقابلات المصورة
الطويلة التي تنتقل من شخصية إلى شخصية بدون حتى استخدام أوليات بناء
المشهد أي
اللقطات التي تفصل بين وجه شخصية والوجه الآخر للشخصية الأخرى،
أي ما يعرف بـ
cut away
ويصل الحديث والحكي التفصيلي الذي لا يتوقف الى درجة لا يمكن أن
يتحملها
المشاهد الجالس أمام شاشة العرض في دار السينما، وهذا هو الفرق بين مشاهد
السينما
ومشاهد اتليفزيون، فالثاني يمكنه أن يتجول، يعد الشاي والقهوة، أو يتناول
العشاء،
أو حتى يرد على التليفون في غرفة الجلوس في منزله بينما يشاهد
"الريبورتاج".
ولاشك أن مخرج الريبورتاج أو التحقيق التليفزيوني، غير مخرج
الفيلم التسجيلي والوثائقي، ففى حين يعتبر الأول حرفيا يجتهد في تركيب
المادة معا
في سياق معلوماتي مقنع، يكون الثاني مبدعا، يخلق لنفسه مساحة من الخيال من
خلال شكل
السرد أو السياق السردي
narrative
وقد يتوقف ويستخدم أيضا الممثلين أو ما يسمى
بـ"إعادة التجسيد"
reconstruction
أو يطلب من شخصية أو أكثر من شخصيات فيلمه العودة
معه الى مكان وقوع الأحداث لكي يتذكر وهو يعاين ثم يروي امام الكاميرا وهو
يسير أو
يتوقف ويسأل اناسا عن أمر ما يراه في الواقع وربما يكون قد أصبح مختلفا عما
كان
عليه. وهنا تصبح الشخصية الحقيقية (وهي شاهد على الأحداث أو
طرف مباشر في الحدث)
شخصية تقوم بالأداء التمثيلي على نحو ما أيضا، ولا ترتبط بالتلقائية التامة
التي
نقول إنها لصيقة بأفلام الواقع أو الأفلام التسجيلية (التي يفترض أنها تسجل
الواقع).
ولعل أفضل نموذج على ما نذكره هنا الفيلم الفرنسي "هنا نغرق
الجزائريين- 17 أكتوبر 1961" للمخرجة من أصل جزائري ياسمينا عدي.
هذا
الفيلم لاشك أنه جاء تأثرا بما جاء في الفيلم الفرنسي "الخارجون عن
القانون" من
إخراج الجزائري الأصل رشيد بوشارب، للمرة الأولى في السينما، ونقصد بهذا
أحداث ذلك
اليوم الاستثنائي في تاريخ الثورة الجزائرية عندما دعت جبهة
التحرير أبناء الجالية
الجزائرية في باريس وضواحيها للخروج في مسيرات احتجاج على حظر التجوال الذي
فرضته
السلطات عليهم، وكانت نتيجة ذلك الخروج الكبير بعشرات الآلاف، أن قامت قوات
الأمن
الفرنسية بمحاصرة أبناء الجالية الجزائرية داخل محطات مترو
الأنفاق، وفي الشوارع،
وألقت بالعشرات منهم في مياه نهر السين لكي يموتوا غرقا في عمل وحشي يندى
له جبين
الديمقراطية الفرنسية.
هذا الحدث الاستثنائي الكبير كان يمكن، بل كان ينبغي أن
يقدم في الفيلم الوثائقي كحدث "درامي" أي يتم التمهيد له بعناية، والتدرج
في الكشف
عن تفاصيل ذلك اليوم العصيب، وصولا إلى عرض الوثائق المتوفرة أو التي
توفرت، أو
استخدام اعادة التسجيد مع الشرح الصوتي، في حالة غياب الوثائقي
التي تصور هذا الحدث
تحديدا.
أما ما حدث في الفيلم أننا جلسنا نشاهد الكثير جدا من المقابلات
المصورة
مع شخصيات كانت شاهدة عما وقع أو شاركت في الحدث نفسه ونجت منه بطريقة ما،
وهذا هو
الجسم الرئيسي للفيلم، أي المقابلات التي نرى فيها أشخاصا إما جالسين على
مقاعد، أو
واقفين بجوار النهر وغير ذلك.
ولا يعتمد الفيلم على الكثير من الوثائق المصورة
بقدر ما يعتمد على تسجيلات صوتية لعدد من المكالمات التليفونية بين رجال
الشرطة
ورؤسائهم أو زملائهم، مع القليل من اللقطات الحية من الأرشيف،
أو الصور
الفوتوغرافية الثابتة.
ولم تقدم المخرجة الجانب الآخر من الحدث، كما لم تنجح في
دفع أي شرطي ممن شاركوا في الحدث في الحديث أمام الكاميرا بحيث تأتي شهادته
دامغة
على جحم التورط الفرنسي المباشر في هذه التراجيديا.
هذا النوع من الأفلام، بسبب
فقر مادته، لا يملك التأثير الحقيقي للفيلم الوثائقي، لأنه
يخلو بالضرورة من البناء
المثير للاهتمام، اكتفاء بتقديم الكثير من المعلومات التي تمتليء بالتواريخ
والأسماء والأماكن والاجترار.. بحيث لا تترك أمام المشاهدين مساحة كافية
للتوقف
والتأمل والتفكير والوصول إلى استنتاجات، ويخدم التعليق الصوتي
المصاحب للفيلم،
وجهة نظر أحادية منحازة بالضرورة من البداية الى قضية جبهة التحرير، دون أن
يعني ها
أن الحياد كان مطلوبا أمام حدث جلل كهذا، بل إن الحياد الشكلي أو البناء
السينمائي
المتوازن كحيلة فنية، يكون عادة أكثر إقناعا للمتفرجين من
البناء الصاعد الذي يتجه
نحو وجهة واضحة مقصودة من البداية.
التأكيد على
الذات
في الوقت نفسه يمكن ملاحظة أن عددا كبيرا من الأفلام
الوثائقية التي شاهدناها في مهرجان دبي السينمائي يظهر مخرجوها في الكثير
من
مشاهدها بل وهناك أيضا مخرج يظهر في معظم مشاهد فيلمه إن لم
يكن كلها، بافتراض أن
ما شاهدناه تصلح لتسميته كلمة "مشاهد" في حين أنها لا تزيد عن حوارات
الكراسي، أي
أن المخرج يجلس مع والده أو صديقه أو قريبه على مقعدين ويتحدثان أمام
الكاميرا!
كان هذا على سبيل
المثال سمة ملحوظة من سمات الفيلم الأردني "عمو نشأت" للمخرج أصيل منصور
الذي فشل
رغم فكرته اللامعة أن يعمقها ويضعها في سياق سينمائي مثير للاهتمام بأي
درجة أو
صورة من الصور، فكله مبني على الحوارات التفصيلية التي تحرف في
الكثير من الأحيان،
عن الفكرة الرئيسية، للانجراف في قضايا فرعية حول الملكية والميراث والأرض
التي
يتناوع عليها الأشقاء، والفشل التام في النهاية في تقديم "بورتريه" حقيقي
للشخصية
التي يبحث البطل- المخرج نفسه عن جذورها وما كان يحيط بها من قصص وحكايات
بل
وتناقضات أيضا، وهي شخصية "العم نشأت" عم المخرج.
ويظهر أحمد رشوان في فيلمه عن الثورة المصرية
"مولود في 25 يناير"، كما يظهر عمر الشرقاوي وكريم الحكيم مخرجا فيلم
"نصف ثورة" في
فيلمهما، وتظهر هبة يسري مخرجة فيلم "ستو زاد.. أول عشق" في فيلمها عن
المغنية
شهرزاد، ويظهر المخرج اللبناني سيمون الهبر في فيلمه "الحوض الخامس"، ويظهر
المخرج
خالد شميس (من جنوب افريقيا) في فيلمه "الإمام وأنا".. وهكا
وكأن الأمر أصبح "تقليعة"
أو "موضة"، للتأكيد على فكرة السرد الذاتي أو العلاقة بين المخرج وبين
المادة أو الموضوع أو الشخصية موضوع الفيلم، والملاحظ أن معظم هذه الأفلام
عبارة
عن بورتريهات لشخصيات معينة، ولا تستلزم بالضرورة وجوب اظهار ذلك البعد
الذاتي.
والملاحظ مثلا أن من الممكن استبعاد ظهور المخرجين من أفلامهم والاكتفاء
بالتعليق
الصوتي من خارج الصورة في معظم هذه الأفلام دون أن يخل هذا بالفيلم بل
يساعد في
جعله أكثر رصانة وأقل مراهقة، باستثناء فيلم "عمو نشأت" الذي
لا يصبح له وجود من
الأصل في حلة الاستغناء عن ظهور مخرجه في سياقه، حتى أن من الممكن أن نطلق
عليه
فيلم "العم أصيل منصور"!
الملحوظة الأخيرة أيضا تتعلق بوجود قاسم مشترك أعظم بين
معظم هذه الأفلام يتمثل في أنها ممولة جزئيا أو حصلت على دعم مالي من مؤسسة
"إنجاز"
في مهرجان دبي السينمائي، الأمر الذي يدعونا إلى ضرورة إعادة النظر بالكامل
في
الأسس التي يقوم عليها تقديم الدعم: هل يخضع الأمر للمصادفات، أو لوجود
عناصر من
بلد عربي معين لذهاب النصيب الأكبر من الدعم إلى جنسية معينة
من الأفلام بغض النظر
عن مستواها مثلا؟
هذا السؤال نتركه مفتوحا فربما يملك أحد غيرنا الإجابة
عليه.
الجزيرة الوثائقية في
25/12/2011
اختتام مهرجان وهران للفيلم العربي
الفيلم
القصير المخبر التجريبي المثمر للشباب السينمائي العربي
ضاوية خليفة – وهران
تعطرت
وهران و على مدار أسبوع كامل بعبق الشباب العربي المبدع الذي أثبت كفاءته
في سابع
الفنون و كشف عن إمكانيات هائلة سواء من ناحية الطرح ، أو الموضوع أو
الإخراج ،
عندما التقى مجموعة من المخرجين الشباب بمتحف السينما الجزائرية المكان
الذي مر
عليه كبار الفن و السينما، شباب أكد أن المستقبل سيكون لهم و
مشيد بانجازاتهم،
فنظرات و ملامسات الإبداع الفني كانت واضحة تعد بغد أفضل، حتى و إن تعددت
المواضيع
و الرؤى فالأهم هو خطوة المخرجين الشباب الذين حملوا في أعمالهم الهم
الإنساني و
واكبوا ما تعيشه المجتمعات، فختام سلسلة الأفلام التي وقعتها
الثنائية المغربية
بامتياز من خلال فيلم عديل فاضيلي '' حياة قصيرة '' و '' أمواج الزمن ''
لعلي بن
جلون ، كانت قد أعلنت الجارة تونس افتتاحها بفيلم '' قاع البئر '' لمعز بن
حسن الذي
يصور تعلق الأم بولدها الميت وعيش هذه الأخيرة على ذكراه لدرجة أنها تتصرف
و كأنه
على قيد الحياة، عرض اتبع ب''غدا الجزائر '' لأمين سيدي بومدين
الذي عاد بالحضور
إلى تاريخ الخامس أكتوبر من سنة 1988 الذي يرتبط أساسا بالعشرية السوداء و
الدوامة
التي عاشتها الجزائر، و بقصة الممرضة و الكاتب سجل المخرج المصري '' محمد
رمضان
''
مشاركته في المهرجان بعدما اختار لفيلمه القصير '' حواس '' عنوانا.
توالت العروض و توالت معها الأحلام برؤية مستقبلية رفعها يحي مزاحم من
خلال ''
دار العجزة '' التي أرادت أن تسترق من المستقبل صورة الجزائر سنة 2030
بصبغة
كوميدية هادفة، في حين اقترب طرح الجزائرية 'ياسمين شويخ'' في فيلم الجن و
فيلم
الموريتانية '' سالمة منت الشيخ الوالي '' من العادات
المتداولة في المجتمعات
العربية خاصة ، ففي الوقت الذي اختارت مخرجة الجن أن تبرز تحدى ''عنبر''
للجني الذي
يسعى ليسكن روحها من خلال انصياعها لجملة العادات و التقاليد التي تتغلب
عليها قوة
الإرادة و العزيمة ، كان فيلم '' المصاصة '' للموريتانية ''سالمة منت الشيخ
الولي''
يرصد إحدى الخرافات المتداولة في المجتمع الموريتاني رغم تقدم العلم و
الفكر على
مثل هذه الشعارات و الأساطير الوهمية التي صنعها شك الإنسان و مع الوقت سلم
بها ،
بينما طرح المخرج المصري الشاب '' محمد شوقي '' إشكالية الماضي و الحاضر ،
المفقود
و الموجود في ''السندرة''، و مع التجربة المصرية دائما نبقى
حيث وفق ''هيثم صقر''
في إيصال رسالته لجمهور السينماتيك التي اختصرت حياة الإنسان و يومياته في
دقيقة
واحدة بإشارة و دلالة واحدة '' بيب ''، و بفيلمه الحاصل على الجائزة
الرفيعة
بالمهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف حضر المغربي عبد الإله
الجوهري لوهران
ب''كليك و دكليك''، الذي يتناول الموضوع من زاوية التدين في المجتمع
المغربي ، أما
المخرج السعودي ''عبد العزيز نجيم'' غاب هو و ناب عنه فيلمه الذي تتشكل
أحداثه من
حكاية شاب يبحث عن صديقه الذي اعتزل الناس و المجتمع ، و في
ذلك دلالات اختار أن
يقدمها '' نجيم '' بصيغة الأبيض و الأسود ، و ''الحنين'' كان من و إلى
فلسطين التي
جاءنا منها ''أسامة بواردي'' بقضية و موضوع عن امرأة فلسطينية في عقدها
السادس
تحاصرها الوحدة ويناديها الحنين في غياب للماضي و الحاضر .
هي أعمال و أخرى
جاءت لتؤكد وجود طاقات و مشاريع صناع العرض و الفرجة السينمائية
المستقبليين الذين
يتمتعون برؤى إخراجية و بتقنيات فنية عالية و بمواضيع واقعية، فكان النقاش
يرفع في
كل مرة لغد و أعمال أفضل ، لا هدف لها سوى الارتقاء بالصناعة
السينمائية العربية ،
وسط وعي جماهيري بأهمية الصورة السينمائية التي تسعى لرصد متغيرات المجتمع
بكل
جزئياته و أدق تفاصيله .
فيلم
الدقيقة الواحدة مشروع يقترب من الحلم
ومن النشاطات التي فرضت
نفسها في الدورة الخامسة للمهرجان ورشة الدقيقة الواحدة التي
أشرف عليها السينمائي
الجزائري المقيم بهولندا '' كريم طرايدية ''، الذي أراد استثمار تجربته و
خبرته من
خلال تلقين بعض المبادئ السينمائية لهواة السينما، حيث استفاد من الدروس
النظرية و
التطبيقية أزيد من 20 شاب، قدموا من مختلف ولايات الوطن،
استكمالا للتكوين الذي
تلقاه هؤلاء من قبل سواء في المعاهد أو الورشات التكوينية ، و تضمنت ورشة
فيلم
الدقيقة الواحدة سيناريوهات مكتوبة حولت بعد 5 أيام إلى أعمال على أرض
الواقع ،
تمخضت عنها 10 أفلام قصيرة سيفرج عنها في الطبعة المقبلة من المهرجان كتتمة
للعمل
.
ويعد ''كريم طرايدية'' من الأسماء السينمائية الجزائرية المعروفة
بهولندا على
وجه الخصوص، فقد أشرف على إخراج عدة أفلام رشحت السينما الهولندية إلى
جوائز عالمية
في أكبر المهرجانات الدولية، و سنة 1998 ترسخ اسم طرايدية ب'' العروس
البولندية
''
الفيلم الذي وضعه في الصف الأول للمخرجين السينمائيين في هولندا ،
سيما بعد حصول
فيلمه ''العروس البولوندية '' على عديد الجوائز، منها جائزة الجمهور
بمهرجان
روتردام السينمائي الدولي وجائزة العجل الذهبي بمهرجان الفيلم الهولندي و
يذكر أن
فيلم ''العروس البولندية'' هو أول فيلم روائي في رصيده بعدما سبقت ذلك
تجارب أخرى
في الأفلام القصيرة أو الوثائقية.
كف القمر
...
من رحم الواقع
من صعيد مصر أتى خالد يوسف لوهران بقصة أبناء
قمر، في عمل أعاد صور الوحدة الأسرية التي أراد المخرج إسقاطها
- حسب الحوارات
والرسائل التي يبعثها طاقم العمل - على أحوال الوطن العربي ، في دعوة للم
الشمل
العربي ، بحكم أن ما يجمع الإخوة أكثر مما يفرقهم ، و هو المبدأ الذي جمع
أبناء قمر
الخمسة بطولة '' وفاء عامر '' و خالد صالح ''، بعدما فرقتهم ظروف الحياة ،
حيث يرصد
العمل رحلة الأبناء و شقاءهم في دهاليز الحياة ، فعلى قدر تقاسيم وجه قمر
التي تحلم
برؤية أبناءها كالعملة الواحدة على قدر المعاناة التي تبعث رسائل و وصية
للعالم و
الإنسانية ، و ما زاد من جمالية العمل الجانب الموسيقي الذي
رافق العديد من المشاهد
في لوحة اجتمعت فيها الصورة السينمائية و النغمة العربية التي كانت من
جهتها تعبر
عن الموضوع بلغة شاعرية موسيقية .
وقد أشادت الفنانة السورية جمانة مراد التي
شاركت في ''كف القمر'' بالجمهور الكبير الذي شاهد العرض و صفق
له مطولا تعبيرا عن
إعجابه بالعرض ، فتحدثت عن تفاصيله و عن خصوصية التجربة التي قالت أنها
تختلف عن
الأفلام الأخرى، فقد اعتبرت جمانة أنه على الفنان تقمص شخصيات مختلفة
لاكتشاف
قدراته فأنا – تقول جمانة – ''أحب التنويع في الأدوار و أميل
إلى الأدوار الصعبة،
كالدور الذي أسنده لي خالد يوسف، الذي يعد من أبرز المخرجين في مصر فضلا عن
كونه
تلميذ المخرج الكبير يوسف شاهين'' .
ماجد... و
يتم الطفولة و الإنسان
مع اقتراب العد التنازلي لعمر الدورة
الخامسة من المهرجان بدأت المنافسة تشتد ، و بدأ البعض يرشح
ويتوج الأفلام حسب
معرفته ، قناعته و ادراكاته ، وفي ظل كل هذه التوقعات التي تتغير يوميا،
دخل مجال
المنافسة الرسمية العرض المغربي '' ماجد '' المستوحى من قصة واقعية ،
تناولت في
طرحها وفي عمقها قصة الطفل ماجد ، الذي تتجلى فيه كل معاني
البراءة و الطفولة
بعدما عاش اليتم – أصعب المراحل التي تؤثر في الإنسان – فلم يعش طفولته و
أجكل
سنوات حياته بل قضاها في بيع الكتب وتلميع الأحذية ، وبعدها يقرر البحث عن
ذكرياته
في رحلة مليئة بالأحداث و الأخطار
..
فيلم ''ماجد '' الحاصل مؤخرا على جائزة
أحسن سيناريو بالمهرجان الوطني للفيلم المغربي و كذا جائزة
الصقر الفضي بمهرجان
الفيلم العربي بروتردام ، رشحه جمهور المهرجان لنيل إحدى جوائز الوهر
الذهبي بعدما
شد الانتباه سيما و أن المخرج وفق في استحضار عنصر المصداقية في تمثيل قصة
اليتيم
الباحث عن أحلام و نور الطفولة بإحضاره و منحه الدور المذكور
لطفلين من دار الأيتام
و هو ما جعل العمل يصل إلى الجمهور و يخلق لديه نوع من المتعة الفرجة
السينمائية
الهادفة.
علواش يجعل
من المحظور و المحرم نورمال
في تناقضات كثيرة كالتناقضات التي
حملها الفيلم الذي غير الكثير بعد عرضه عنوانه فأصبح يسميه ب
'' ماشي نورمال '' أي
غير عادي ،تابع الجمهور الجزائري ثاني الأفلام التي تمثل السينما الجزائرية
في
المهرجان الذي أعاد مرزاق علواش لوهران بعد 20 سنة ، فأتى للباهية بفيلم لم
يرتقي
إلى ذوق الجزائريين ، لا من ناحية الطرح و لا من ناحية المضمون و لا من حيث
الرؤى
التي أراد فرضها بطريقة لا تتماشى و تقاليد المجتمع الذي يتخذ
من الإسلام الدين
الأكثر انتشارا في الجزائر، فكثيرون الذين أعابوا عليه الطريقة التي قدم
بها موضوعه
و قالوا أنها تصفية حسابات ليس إلا مع وزارة الثقافة الجزائرية وجريدتين
جزائريتين ....
، فالعمل افتقد إلى تسلسل منطقي في سرد الأحداث و افتقر أيضا للحوار خاصة
أن
بعض الممثلين لم يوفقوا في الأدوار التي أسندت إليهم فإبداعهم و حضورهم
القوي على
الركح لم يكون بنفس القوة خلف الكاميرا ، فضلا عن سقوط مخرج '' حراقة '' في
تصويره
المبالغ فيه الجانب السوداوي للجزائر سيما استعمال بعض ممثليه لعبارات لا
يتداولها
سوى الشباب في الشارع، فراح تارة ينتقد المهرجان الثقافي الإفريقي الذي
أقيم منذ
عامين بالجزائر- لدرجة أن أحدهم قال بما أن المهرجانات هدر
للمال فلماذا تصنع أفلام
و تشارك بها في المهرجان - وتارة أخرى يبيح ممارسة القبلات و ما جاورها من
سلوكيات،
فالجمهور الذي غصت به قاعة السعادة خرج تعيسا دون أن يجد الفرجة
السينمائية، في
الوقت الذي كان الكثير ينتظر و يعول على فيلم '' نورمال ''
لتشريف السينما
الجزائرية في مهرجان الفيلم العربي ، إلا القلة الذين أعجبوا بطرح علواش ،
فأحد
السينمائيين قال '': لا يوجد شي عادي في الأفكار التي طرحها بل كان بإمكانه
تقديم
الموضوع بشكل أفضل و بطريقة فنية تخدم العمل أكثر مما تسيء
إليه و إلى المخرج ''،
الذي دخل في مشاحنات بعد رفضه الرد على أسئلة الكثير من
الإعلاميين و احتقاره لهم
قبل أن يقاطع هؤلاء اللقاء الصحفي بخروجهم من القاعة
.
أسماء ... مثال للصبر و تقمص للدور بامتياز
بعبارات
الثناء و بملامح الصدق و الوفاء لقضايا الإنسانية و بتصفيقات كانت الأصدق
تعبيرا ،
ترجم جمهور مهرجان وهران إعجابه بالفيلم المصري '' أسماء '' الذي جسدته
الممثلة
التونسية هند صبري ، وقد استوحى مخرجه عمرو سلامة فكرة هذا
العمل الاجتماعي
الدرامي من قصة واقعية ، استطاعت على إثرها هند صبري النجاح في دورها رغم
أنها لم
تتمكن من الالتقاء بالفتاة التي استوحى سلامة العمل من حياتها بسبب وفاتها
، فقد
تناول عمرو سلامة القصة هذه مسلطا الضوء على عزلة شخصية ''أسماء'' المصابة
بداء
فقدان المناعة المكتسبة، خوفا من نظرة المجتمع إليها و عدم
تقبله للأمر فضلا عن
قسوة الناس و تجاهلهم لها وحرمانها من كافة الحقوق حتى الحق في العلاج، ومن
هنا
تبدآ رحلة البحث عن بصيص آمل .
العمل قدم رسائل بالغة الأهمية و زود المشاهد
العربي بحقيقة الداء و أراد من خلاله عمرو سلامة تصحيح رؤية
المجتمع للمعاملات التي
تدخل المصاب بالمرض في دوامة و عزلة لا نهاية لها.
هل ألوين
...
نبد للعنصرية و للطائفية
تألق اسم المخرجة اللبنانية نادين
لبكي في مهرجان الفيلم العربي بعمل متميز و ببينة فنية ، رصدت
من خلال البيئة
اللبنانية الكثير من القضايا الإنسانية التي إن اختلفت فإنها بشكل أو بأخر
تشترك
فيها وتوحدها الإنسانية .
''هلا
لوين '' تساؤل ختمت به لبكي عملها طرحت
انطلاقا منه فكرة التعايش بين الأقباط و المسلمين بين المسيحية و الإسلام،
بعيدا
عن الفرقات الدينية و الطائفية و تجنبا لأي فتن ، العمل الذي ابتعد عن
الرمزية حمل
الكثير من المعاني و الدلالات والرسائل كمنع تدخل الأطراف
الأجنبية في الشؤون
الداخلية للديار ، فنادين لبكي التي غابت عن عرض فيلها بوهران نسجت العمل
بطريقة
فنية بسيطة كبساطة عشية الأهالي اللبنانية بشيء من الكوميديا التي أضافت
نكهة للعمل
الذي سعت من وراءه لنبد الطائفية و إعلاء لغة السلام اللغة
الإنسانية و العالمية و
ظهر ذلك بشكل قوي في أحد المشاهد التي ختمت العرض عندما تصبح المسلمة
مسيحية و
العكس بالعكس قبل أن توجه رسالة جوابها عند كل فرد منا '' هلأ لوين '' ...
بمعنى
إلى أين
.
حبيبي راسك خربان و
مسك الختام
وبالسينما الفلسطينية أسدل ستار المنافسة الرسمية
بالفيلم الروائي الطويل ''حبيب راسك خربان'' الذي يروي قصة حب جمعت فتاة
وشاب
جامعيين يدرسان في إحدى جامعات الضفة الغربية ، تحكم عليهما
الحياة العودة إلى قطاع
غزة، وهنا يكون ويتشكل تحدي كل منهما لعادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني ،
فعلاقة
الحب التي تجمعهما والتي تنتهي بالزواج رغم كل الصعاب، تؤكد في الأخير أن
الحب
يتغلب على كل الصعاب.
للإشارة فان فيلم ''حبيبي راسك خربان'' للمخرجة سوزان
يوسف تحصل مؤخرا على جائزة المهر الذهبي بمهرجان دبي السينمائي ، كأفضل
فيلم عربي ،
فضلا عن جائزة النقاد الدولي للفيلم الروائي وجائزة المونتاج
، ويعد هذا تجربة
سوزان يوسف في الفيلم الطويل .
وبالفيلم الفلسطيني تكون قد اكتملت عروض الأفلام
المتنافسة على جوائز الوهر الذهبي هذا العام حيث اتسمت الأفلام المقدمة في
الأيام
الأخيرة بالجدية في الطرح و الباسطة في تقديم الموضوع للمشاهد
بعدما توجه الجمهور
معظمها بالمدح و الثناء .
الجزيرة الوثائقية في
25/12/2011 |