حلت الذكري المئوية الأولي لأديب مصر ونوبل "نجيب محفوظ" يوم الحادي
عشر من هذا الشهر، ولم يبد في أفق الثقافة المصرية مظاهر احتفاء لائقة من
أي نوع أو أية ملامح للتذكر ترتفع لمقام هذا العملاق وقامته في الأدب
العالمي، والروائي الفذ الذي لن يجود بمثله الزمان، وهي ذكري لن تتكرر إلا
بعد مائة عام نكون جميعا بمن ولدوا اليوم في رحاب الله وقد نكون من
المرحومين بفضله، ولم يولد بعد من سيحتفل بمئوية "نجيب محفوظ" الثانية
اللهم بعد ربع قرن من الزمان علي أقل تقدير، ووقتها سوف يكتشفون مدي عقوقنا
نحو هذا الرجل، اذ أنهم لن يجدوا في سجلات التاريخ مايشفع لنا هذا القصور
المقيت. وهذا يعني فشلنا الذريع للاحتفاء بشوامخ عظماء الرجال في مصر،
وللأسف يبدو هذا السلوك المعيب احد سماتنا تجاه من يضيف لتاريخنا الأدبي
والعلمي والثقافي جهدا وفكرا وعلما، بل قد يصل الأمر لأن نفشل في استثمار
ماورثناه عن شوامخنا، أو الحفاظ علي هذا الميراث الحضاري والإنساني الضخم
وهو ملك للبشرية جمعاء ... ومنهم "نجيب محفوظ" الذي تشرفت بالاقتراب من
عالمه من خلال أول كتاب شاركت في إصداره بعد نوبل تحت عنوان "الرجل والقمة"
مع مجموعة من الزملاء نقاد السينما في مصر جائزة للسينما وقد لا أكون
مبالغا اذا تصورت أن السويدي "ألفريد نوبل" (1833 - 1896) لو كان معاصرا
للسينما ولرجل مثل "نجيب محفوظ" لخصص جائزة لأحد نوابغ السينما ورجالاتها
اضافة لجوائزه في:الكيمياء والفيزياء والطب والاقتصاد والسلام، ومن
المفارقات أن "نوبل" توفي يوم 10 ديسمبر، ونحن في نفس اليوم نحتفل بالمئوية
الأولي لميلاد أديبنا الروائي الكبير الذي شكل منفردا ظاهرة مازال صاحبها
يتمتع بالسبق والريادة والخصوصية، وعلي أقل تقدير يستحق أن يسجل بكم
عطاءاته وتنوعها في السينما بموسوعة "جينيس"
Guinness
World Records
للأرقام القياسية، حيث إنه كأديب ساهم وشارك بفاعلية في عشرات الأفلام
والتي بلغت بالتحديد 63 فيلما روائيا طويلا منذ عام 1947 وحتي عام 1978،
منها مايزيد علي الأربعين فيلما أخذت عن رواياته، علي مدي مالايزيد علي
الثلاثين عاما فقط، وهذا مالم يفعله أعتي عتاة الأدب في أي مكان من العالم
حتي يومنا هذا، فجل ماساهم به سواه لم يزد عن بضع أفلام ومنهم: "أميل
زولا"، "فيكتور هوجو"، "تشارلز ديكنز"، "دستويفسكي"، و "أرنست هيمنجواي".
علاقة "نجيب محفوظ" بالسينما تعود لعدة سنوات قبل أن تتعرف عليه كأديب
روائي تنهل من رواياته وإبداعاته، فالرجل بدأ مع أحد عمالقة السينما في مصر
ممن اتسمت أعمالهم بالواقعية وهو المخرج الكبير "صلاح أبو سيف" في فيلم
"المنتقم" عام 1947، ودخل "محفوظ" عالم السينما مشاركا في كتابة سيناريو
هذا الفيلم مع "أبو سيف"، وظني أن الدخول للسينما عن طريق السيناريو يتطلب
في الأساس: ملكة القص الروائي، ومنطقية ترتيب الأحداث، وموهبة وصف الحالة،
وخبرة رسم الشخصيات بأبعادها: الفيزيقية والاجتماعية والنفسية، وتكامل
الرؤية، وامتلاك ناصية البناء الدرامي الذي يشكل العمود الفقري لأي عمل
فني، سواء كان فيلما سينمائيا أو مسرحية أو عمل تشكيلي أو مقطوعة موسيقية
أو دراما تليفزيونية. ولما نجحت التجربة الأولي جاءت الثانية في فيلم
"مغامرات عنتر وعبلة" لنفس الثنائي: "محفوظ" و "أبوسيف"، لكن هذه المرة كتب
"محفوظ" القصة مشاركة مع "عبد العزيز سلام"، ثم توالي عطاء "نجيب محفوظ"
للسينما بالمشاركة في كتابة السيناريو مع مخرجين كبار أمثال "صلاح أبو
سيف"، "توفيق صالح"، "عاطف سالم"، "السيد بدير" بلغت عشرة أفلام من أهمها:
"ريا وسكينة" عام 1953، "الوحش" عام 1954، "الفتوة" عام 1957 وكلها من
اخراج "صلاح أبو سيف"، كما قام "محفوظ" بكتابة السيناريو منفردا لثلاثة
أفلام هي: "الطريق المسدود" عام 1958 اخراج "صلاح أبو سيف"، "أنا حرة" عام
1959 اخراج "أبو سيف" أيضا، و "احنا التلامذة" عام 1959 اخراج "عاطف سالم"،
و شارك في كتابة قصة فيلمي: "مغامرات عنتر وعبلة" مع "عبد العزيز سلام"، و
"الاختيار" عام 1971 مع "يوسف شاهين". وكتب "محفوظ" ست قصص مباشرة للسينما
هي: "ريا وسكينة"، "الوحش"، "درب المهابيل" عام 1955 اخراج "توفيق صالح"،
"ساحر النساء" عام 1958 اخراج "فطين عبد الوهاب"، "بين السماء والأرض" عام
1959 اخراج "صلاح أبو سيف"، "ذات الوجهين" عام 1973 اخراج "حسام الدين
مصطفي"، وقام باقتباس فيلمين: "ثمن الحرية" عن مسرحية "مونسرا" لمؤلفها "ايمانويل
روبليس" عام 1964 اخراج "نور الدمرداش"، "دلال المصرية" عن رواية "البعث"
لتوليستوي عام 1970 اخراج "حسن الإمام". عطاء متميز أما العطاء المتميز لـ
"نجيب محفوظ" للسينما المصرية فقد تمثل في نقل معظم رواياته الأدبية الي
السينما والتي بلغت 41 فيلما روائيا طويلا، وهو رقم لم يتحقق لأي أديب
سواه، ليس في مصر بل علي المستوي العالمي . وكان المخرج "صلاح أبو سيف"
التي استندت واقعية أفلامه علي واقعية روايات "نجيب محفوظ" الي حد بعيد علي
المستويين الاجتماعي والسياسي، وهو صاحب النصيب الأوفر من هذه الأفلام،
والتي بلغت اثني عشر فيلما، فإلي جانب ماسبق ذكره قدم "أبو سيف" نقلا عن
روايات "محفوظ": "بداية ونهاية" عام 1960، "القاهرة 30" عام 1966، ثم يجيء
المخرج "حسن الإمام" في المرتبة الثانية بعدد ثمانية أفلام لعل أبرزها:
ثلاثية "بين القصرين" عام 1964، "قصر الشوق" عام 1967، "السكرية" عام 1973
الي جانب "زقاق المدق" عام 1963، "أميرة حبي أنا" وغيرها من الأفلام. ومع
المخرج "حسام الدين مصطفي" قدم سبعة أفلام تنسب الي مايسمي بـ "أفلام
الحركة" أو (الأكشن) وأبرزها: "الطريق" عام 1964، "وكالة البلح" عام 1982،
"شهد الملكة" عام 1985، "التوت والنبوت" عام 1986، "الحرافيش" عام 1986
أيضا. أما المخرج أشرف فهمي" فقدم من روايات "نجيب محفوظ" خمسة أفلام من
أهمها: "الشريدة" عام 1980، "الشيطان يعظ" عام 1981، "وصمة عار" عام 1986
.وللسينما نقلا عن روايات "نجيب محفوظ" قدم المخرج "حسين كمال" أفلام:
"ثرثرة فوق النيل" عام 1971، "الحب تحت المطر" عام 1975، "نور العيون" عام
1991. وللمخرج "علي بدرخان" قدمت السينما عن روايات "محفوظ": "الكرنك" عام
1975، "أهل القمة" عام 1981، "الجوع" عام 1986. أما المخرج "كمال الشيخ"
فقدم فيلمي: "اللص والكلاب" عام 1962، "ميرامار" عام 1969، وقدم المخرج
"عاطف الطيب" فيلمي: "الحب فوق هضبة الهرم" عام 1986، "قلب الليل" عام
1989، الي جانب العديد من الأفلام التي تعد من علامات السينما المصرية مثل:
"خان الخليلي" عام 1966 للمخرج "عاطف سالم"، "السراب" عام 1970 اخراج "أنور
الشناوي"، "المذنبون" عام 1976 اخراج "سعيد مرزوق"، "أيوب" عام 1984 اخراج
"هاني لاشين". تفرد وثراء وهذا الكم الهائل من الأفلام التي أخذت عن روايات
صاحب "نوبل" الروائي العالمي "نجيب محفوظ" إن دل علي شيء فإنما يدل علي
تفرد هذا الرجل بين أقرانه من أدباء العالم، وثراء رواياته بتناول القضايا
الملحة في حياة الشعوب وتحليلها بميزان الألماس، وتوفر الحس السينمائي
العالي والخبرة العملية لدي "محفوظ"، ودقة تصوير الحارة المصرية وتفحص وجوه
أهلها، وغني الحوار والمونولوجات بالصور البلاغية، وعمق الرؤية الفلسفية
للكون والحياة والإنسان، وسعة الثقافة والأفق المعرفي بالحضارتين:
الفرعونية والإسلامية عكس مايتصور ضيقي الأفق من الجهلاء والشوفينيين
المتشدقين بالدين والأحكام التي تنم عن جهالة وظلمة عقل وضيق أفق ومحدودية
فكر ... يقول "محفوظ" في كلمته أمام لجنة "نوبل": "أنا ابن الحارتين
الفرعونية والإسلامية"، وفي احدي الندوات يقول: "ان أي مشروع حضاري عربي
لابد أن يقوم علي الإسلام وعلي العلم" وتشهد روايته "أولاد حارتنا" نفسها
علي ذلك فيما يتعلق بإسلاميته التي لاتقبل الشك، والتي يعلق "محفوظ " بنفسه
عليها قائلا: "انني حريص دائما علي أن تقع كتاباتي في الموقع الصحيح لدي
الناس، حتي وإن اختلف بعضهم معي في الرأي، ولذلك لما تبينت أن الخلط بين
الرواية والكتاب قد وقع فعلا عند بعض الناس، وأنه أحدث ما أحدث من سوء فهم،
اشترطت ألا يعاد نشرها إلا بعد أن يوافق الأزهر علي هذا النشر". وعلي جانب
آخر من جوانب عطاء أديب "نوبل" أخذت السينما المكسيكية روايتين من أقوي
رواياته مصرية وحولتهما الي فيلمين: الأول بنفس الاسم المصري "بداية
ونهاية" من اخراج "أرتورو ريبستين" عام 1993، والثاني تحت اسم "زقاق
المعجزات" عن روايته "زقاق المدق" من اخراج "خورخي فرنس" عام 1994 بطولة
"سلمي حايك" في دور "حميدة" بنت الزقاق، وقد علق بشكل غير مباشر أديبنا
الكبير عندما شاهد الفيلم المكسيكي "ريبستين" أنه للأسف وجد أن هذا الفنان
المكسيكي أي "ريبستين" قد فهم أدبه سينمائيا أفضل مما فعل أي سينمائي عربي"
كما يذكر الناقد "ابراهيم العريس" في كتابه " كتاب نجيب محفوظ سينمائيا".
يبقي لنا أن نشير الي أن عملاقا بقامة "نجيب محفوظ" وقامته التي لم يصل
اليها أديب مثله في علاقته بالسينما، حق عليه منا أن نحتفل بمئويته بما
يليق به، فهو كما يقال الذي سيبقي نجيبا في أخلاقه ومحفوظا بإبداعاته
الخالدة والباقية مابقيت الحياة علي الأرض، وفارسا كان نصل القلم سيفه،
وظني أنه مازال هناك الكثير من ابداعاته القصصية والروائية والأفكار
الفلسفية مايمد السينما المصرية بموضوعات عشرات الأفلام: الروائية الطويلة
والقصيرة والوثائقية .... فكما يقول "بلزاك" إن الرواية هي التاريخ غير
الرسمي للأمم، نقول إن الفيلم السينمائي هو المرآة التي تعكس صورة الأمم
وصوتها .... فهل ننتبه؟
جريدة القاهرة في
20/12/2011
حرافيش محفوظ ..بين القهر والثورة
بقلم : د.وليد سيف
الملاحظ أن الملحمة الشهيرة لكاتبنا الكبير نجيب محفوظ لا تحمل في
عنوانها اسم أحد أبطالها أو اسم عائلة الناجي التي توارث أبناؤها الفتونة
والبطولة. كما أنها لا تحمل عنوانا يرتبط بالفتوات الذين يدور بينهم الصراع
الظاهر ولكنها تحمل فقط اسم الحرافيش. واللافت أيضا أنها تكاد تنتهي بالكشف
عن دورهم الحاسم للصراع طبقا لنص الرواية:" تدفق الحرافيش من الخرابات
والأزقة، صائحين ملوحين بما صادفته أيديهم من طوب وأخشاب ومقاعد وعصي.
تدفقوا كسيل فاجتاحوا رجال السبع الذين أخذوا وبسرعة انقلبوا من الهجوم إلي
الدفاع....أحاط الحرافيش بالعصابة انهالوا عليهم ضربا بالعصي والطوب فكان
السعيد من هرب وفيما دون الساعة لم يبق في الحارة إلا جموع الحرافيش
وعاشور. " بالتأكيد لم يكن التعريف الدقيق للحرافيش أو أصلهم التاريخي
ملزما لكاتبنا حين قدم روايته التي تحمل اسمهم. فقد استطاع كروائي متمكن من
أن يعيد صياغتهم ويشكلهم ويخضعهم لخدمة رؤيته الفنية وأن يجعلهم يمثلون
قطاعات أكبر من الفقراء والمهمشين والمشردين والمعدمين. وجاءت السينما
بالتالي لتقدمهم علي نفس الصورة الأدبية والدرامية التي صاغها كاتبنا
الكبير. ولكن تفاوت وضوح صورتهم ومساحة ظهورهم وحجم تأثيرهم من فيلم لآخر
ضمن أفلام عديدة تناول كل منها حكاية من حكايات الملحمة الشهيرة. وطبقا
لكتاب حكايات الشطار والعيارين للدكتور محمد رجب النجار:" الحرافيش هم فئة
من الطبقات الدنيا كثيرة العدد استغلت تشجيع المماليك للتيار الصوفي الداعي
إلي الزهد، فانخرطوا في هذا التيار طمعا في رزق ثابت مما كان يوقف علي هذه
التكايا، بعد أن كانوا يتكسبون من مصاحبة الجيوش عند الجهاد. وأنهم في إبان
الفتن الداخلية لم يتورعوا عن التلصص- من اللصوصية- فكانوا ينهبون بيوت
الأمراء والمماليك فقط. ذلك ما انتهوا إليه علميا وواقعيا إبان الحكم
العثماني لمصر أيام الغزو الفرنسي لمصر. " قبل الحرافيش عودة أفلام الفتوات
في مطلع الثمانينات لم تأت مرتبطة بالملحمة الشهيرة. بل كانت البداية مع
فيلم «فتوات بولاق» 1980 وهومأخوذ عن القصة رقم 22 ضمن مجموعة القصص التي
نشرت في الأهرام بعنوان «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ. وشهد نفس العام عرض
فيلم «الشيطان يعظ» عن قصة لمحفوظ أيضا بإسم «الرجل الثاني» ضمن مجموعة
قصصية حمل الفيلم اسمها. والحقيقة أن الأصول القصصية «لفتوات بولاق» وكذلك
«الشيطان يعظ» تشكل إحداهما إرهاصات ملحمة الحرافيش بينما تشكل الأخري أحد
تداعياتها. فمشروع الحرافيش العظيم هو ملحمة كبري لتاريخ الصراع بين الخير
والشر بأسلوب درامي وبطابع شعبي واستلهام حقيقي للواقع والتراث المصري.
ويبدو أن هذين الفيلمين لفتا نظر السينما إلي كتابات محفوظ في هذا المجال
والتي تركزت بقوة في رائعته الملحمية. فلم ير السينمائيون في البداية من
الرواية غالبا سوي هذا الوجه العنيف الذي يتيح لهم تقديم معارك حامية
ودموية. وتوالت موجة أفلام العنف بغزارة اعتبارا من منتصف الثمانينات. وكان
في طليعتها الأفلام المأخوذة عن رواية «الحرافيش» ومنها «شهد الملكة»
و«المطارد» و«التوت والنبوت» و«الحرافيش». وكان من بينها أيضا فيلم «الجوع»
للمخرج علي بدرخان والسيناريو له ومصطفي محرم وطارق الميرغني. من الفرجة
إلي الجوع جاء فيلم «الجوع» مختلفا عن أفلام الحرافيش السابقة في رؤيته
ومضمونه، وإن تشابه معها في كثير من أحداثه. وكانت غالبية الأفلام الماخوذة
من الملحمة لا تري فيها سوي دعوة للحاكم لإقامة العدل. وهي توجه ذلك الحاكم
في مضمونها المباشر البسيط إلي أن حماية الوطن والدفاع عنه هي مسئوليته هو.
وكانت هذه الأفلام تهمش تماما دور الحرافيش أو فقراء الحارة الذين كثيرا ما
يكون لهم اليد الطولي في حسم الصراع في النص الأدبي. لا تختلف معظم الأحداث
الرئيسية في فيلم «الجوع» كثيرا عن غالبية افلام الحرافيش التي اعتمدت كل
واحدة علي حبكة إحدي حكايات الملحمة العشرة. فالبداية مع فرج الجبالي -
محمود عبدالعزيز- العربجي الفقير الصعلوك في أول مواجهة حقيقية مع فتوة
الحارة الرهيب. وتسفر المعركة عن انتصار الصعلوك وسقوط وهم قوة الفتوة/
الحاكم التي لا تقهر. وعندما يتولي فرج أمور الفتونة بمباركة ودعم الحرافيش
يبدأ كأي حاكم عادل يدعو الجميع للعمل ويعلن انه لن يميز أحدا علي أحد بل
إنه هو نفسه سوف يأكل من عمل يده. ويرفع شعار العفة وطهارة اليد في إشارة
ملفتة إلي الشعار الذي رفعه المخلوع المقصي في بداية عهده . ولكن مع توالي
الأحداث تتغير الشخصية تماما ويصبح الفتوة العادل صورة بالكربون من سابقه
الطاغية. ومع تمادي الطاغية الجديد في غبائه وجبروته يظهر من بين الحرافيش
بطل جديد ولكن بطولته هذه المرة ليست في قوة ذراعه وضربة نبوته وإنما في
إحساسه بالفقراء الذين سبق له أن سرق من أجلهم علي طريقة روبن هود أوأدهم
الشرقاوي. لهذا فهو عندما يمتلك السلطة يدعو لإلغاء الفتونة وأن يحمل كل
حرفوش نبوته. فهل ستتحقق المدينة الفاضلة أم أن الأشرار المتربصون سوف
يعيدون الوضع إلي ما كان عليه ؟. يبدأ فيلم «الجوع» بلافتة مكتوب عليها
القاهرة 1887 وإذا لاحظنا أننا لا نجد أي إشارة أوصورة لاحقة تعبر عن هذا
التاريخ طوال الأحداث، فإنه يصبح من المؤكد أن هذا التاريخ الذي يقترب من
زمن عرض الفيلم بمائة سنة سوف يعبر عن الزمن الذي يعاصره الجمهور، بل ويؤكد
أن أحوالنا لم تتغير بعد مرور قرن كامل. المكان بتفاصيله أيضا لا يخفي
دلالاته الرمزية خاصة في التقيد التام به كوحدة لا تخرج عنها الأحداث وبما
يضمه من طبقات وما يدور فيه من صراع واضح لمصالح اقتصادية بالدرجة الأولي.
إن حارة الجوع هي شريحة لمجتمع كامل في ظروف تاريخية معينة. تدور الأحداث
في زمن المجاعة وهوالخطر الذي عاد يهدد البلاد في زمن عرض الفيلم لولا وجود
السد العالي الذي نجح مخزونه في إنقاذنا من كارثة حقيقية. ولكن في فيلم
«الجوع» ليست المجاعة هي التي تؤدي إلي ثورة الحرافيش. ولكنها لعبة التجار
الجشعين التاريخية. فهم يخفون السلع في مخازنهم ليجوع الناس أكثر وترتفع
أسعارها أكثر وأكثر. وتأتي هذه الأحداث في ظل التحول الكامل للفتوة
وانحيازه الكامل بل وانتمائه الطبقي الجديد للأثرياء واتفاق مصالحه الجديدة
مع التجار وضد مصالح الناس الذين باركوا فتونته ليحقق لهم العدل. دعوة
تحريضية كان تحول البطل وارتداده عن صفوف الحرافيش في الأفلام السابقة
للجوع غالبا نتيجة لصراع مع أو حول مجموعة من النساء. وغلب علي معظمها قصة
البطولة الفردية أوالحكاية التقليدية للحرفوش الذي يتحول إلي فتوة. كما
يتغلب كثيرا طابع الدراما العائلية وكانه يحكي لنا حكاية أسرة بكل ما تمثله
من خصوصية ومن مشكلات ذات طابع محدود. ويلعب الخط العاطفي دوره كثيرا
ويتلاقي معه الدفاع عن العرض كثيرا من قبل الفتوة الشاب حين يطمع الفتوة
الكبير في حبيبته أو زوجته أو العكس حين تقع حبيبة الفتوة الكبير في غرام
الصغير. وكلها ملامح وخطوط موجودة في الحرافيش ولكنها ليست هي محور الحكاية
أو الهدف وهي تتواري كثيرا في الأهمية خلف المضمون الحقيقي للنص وبعده
الفكري ومضمونه السياسي الذي يظل غائبا أوباهتا في معظم الأحوال. علي جانب
آخر ينبع الصراع في فيلم «الجوع» من مصالح اقتصادية أساسا وتصبح المرأة /
يسرا مجرد أداة في هذا الصراع. تلعب دور الغواية لإخراج الفتوة من عالمه
الفقير وزوجته الدميمة وبيته الكئيب. الحرافيش أوالمهمشون طبقا للناقد
زكريا عبدالحميد هم الذين حملهم الفيلم في مشهده الأخير الجميل والمشحون
دراميا ورمزيا مسئولية التصدي ومواجهة مستغلي الأزمات من التجار والأعيان
والدفاع عن مصالحهم. وعلي جانب آخر لا يفوت الناقد بحسه الموضوعي رغم حماسه
للفيلم الإشارة إلي أهم سلبياته" تأتي مشاهد التحول إلي الثورة أقصر وأسرع
وأكثر غموضا وأقل إقناعا، فلا يكفي أن تجوب البطلة - سعاد حسني - علي بيوت
الفقراء لتوقظهم لإنقاذ فرج. كما كان وقوع أحداث الثورة في الليل في إضاءة
شبه مظلمة للفنان محمود عبدالسميع ورغم جمالياتها البصرية إلا أنها لم تكن
كافية لتحقيق الرؤية الواضحة والتعرف علي محتويات الكادر." يري د. النجار
في كتابه المشار اليه " إن تصور الكاتب الكبير للدور الذي يمكن أن يلعبه-
الحرافيش- فيما لوعادوا إلي العصر الحديث الواقع مرة أخري فيذكر" إن أفضل
من رسم شخصية اللص المتمرد بالمعني السياسي الاجتماعي والاقتصادي ومدي
تعاطف العامة معه في أدبنا المعاصر هوالروائي الكبير نجيب محفوظ في روايته
«اللص والكلاب» وفي ملحمته العظيمة الحرافيش حيث الحرافيش عنده هم أولئك
العامة من الشطار والعيارين من أصحاب المهن الهامشية والعاطلين
والمعدمين..الذين ينبغي أن يعود صراعهم من جديد وأن يتمسكوا بأسباب القوة
العصرية. الفيلم بلاشك هو في مضمونه ورسالته دعوة تحريضية للجماهير علي
الثورة وخطاب نقدي موجه لهم بأسلوب فني ذكي باعتبارهم من صنعوا الطغاة
وتركوهم يتجبرون دون أن يحاولوا التمرد تحت وهم الخوف واستحالة تغيير
الواقع. إن استجابة الفتوة للغواية هي ليست حكاية رجل خدعته امرأة أو زوجة
متجبرة زينت لرجلها أن يورث أبناءه دولة وكأنه يورثهم محلا للبقالة. ولكنها
بداية رحلة حاكم استسلم للغواية، التي دفع إليها دفعا من قبل أصحاب المصالح
واضطر من اجلها إلي الخضوع لسلسلة من التنازلات. وهكذا جاء هذا الخطأ
التراجيدي هو بداية المأساة التي استفحلت ووصلت إلي ذروتها بسبب غياب أية
ممارسة ديمقراطية أو مقاومة ديكتاتور ينشأ ويكبر ويستفحل دون معارضة أو
مواجهة او ردع. فهل بلغت الرسالة؟.
جريدة القاهرة في
20/12/2011
أفلام استطاعت أن تهز الرأي العام ضد عنف النظام
"سوريا الحرة السينمائي الأول" يتحدى قرار
السلطة بتأجيل مهرجان دمشق
بيروت - جيلان الفطايري
عندما قررت السلطات السورية تأجيل تنظيم مهرجان دمشق السينمائي بسبب
مقاطعة بعض الفنانين له، عمل بعض الفنانين السوريين على إطلاق "مهرجان
سوريا الحرة السينمائي الأول" كبديل على صفحة خاصة على "فيسبوك"، يتنافس
فيه 12 فيلماً من وحي الثورة ضمن هذا المهرجان الذي انطلق يوم الجمعة
الماضي.
وفي هذا العالم الافتراضي بقيت هوية المشاركين والمنظمين للمهرجان طيّ
الكتمان خوفاً من سطوة النظام، أفلام متنوعة لا تتجاوز مدة الواحد منها 10
دقائق ما بين الوثائقي والدرامي والكرتوني تشارك في المهرجان، وطيلة 4 أيام
متتالية عرضت الأفلام ليتمكن الجمهور من التصويت على الفيلم الذي اختاره،
وفي 23 من الجاري سيعلن عن الفيلم الرابح.
وإبان اندلاع الثورة السورية نشطت حركة التصوير لتوثيق الأحداث وروح
إبداعية تجلت من خلال أفلام استطاعت أن تهز الرأي العام ضد عنف النظام،
فجاء هذا المهرجان "ليكرم من خاطر بحياته في سبيل تصوير المظاهرات وتوثيق
الانتهاكات التي يمارسها الجنود والشبيحة بحقّ الشعب السوري"، كما ذكر بيان
على صفحة المهرجان.
وهذا المهرجان بنظر المنظمين سيساهم في رسم ملامح سوريا جديدة حرة
وديمقراطية عبر فن حر يختزن أبعاداً إنسانية واجتماعية وسياسية على عكس
الفن المسطح الذي فرضته رقابة الأمن طيلة الاعوام السابقة.
ويعتبر المنظمون هؤلاء المبدعين امتداداً لفنانين كعمر أميرالاي
وأسامة محمد ومحمد ملص وهالا العبدالله وهيثم حقي الذين ساهموا برغم ضغوط
السلطة عليهم في صياغة سينما حرة تتماهى مع الثورة التي انبثقت براعمها من
أفكارهم وتمردهم.
وقال إبراهيم خالدي ( أحد المنظمين) لـ"العربية.نت": "إن هذا جزء من
اللعبة الديمقراطية حيث إن قرار الاختيار يعود إلى الشعب فقط وهذا المهرجان
يشبه سوريا الجديدة إذ إن الإبداع لا حدود له".
وبحسب خالدي، فإن اللجنة المنظمة اختارت فيلم "حرية" للمخرج فيليب
حوراني كأفضل عمل إبداعي في المهرجان، وأثنى على القيمة الفنية لهذا الفيلم
الروائي، فبرأيه استطاع المخرج ببساطة أن يعبر عن فكرة الثورة.
وقصة الفيلم تدور حول شاب يرسم لوحة فنية عن مسار الثورة، ويبدأ
بمشاهد فنان يرسم أشخاصاً على وقع صدى هتافات تطالب بالحرية، يليها مشهد
آخر وهو يلطخ اللوحة ببقع حمراء رمزاً للدماء التي تسيل من الثوار وطلاب
الحرية وبشكل انسيابي تتحول الرسوم على اللوحة إلى علم سوريا.
وصرّح الناشط السوري حسان، والمقيم في الامارات العربية المتحدة،
بأهمية المشاركة في هذا المهرجان التي تضاهي - بنظره - قوة النزول إلى
الشارع للمطالبة بالحرية وإسقاط النظام، واختار كذلك فيلم "حرية" لكونه
الفيلم الأكثر تعبيراً عن الثورة، على حد قوله.
أما النحات السوري محمد عمران، المقيم في فرنسا، فاكتشف انطلاقة هذا
المهرجان عن طريق "فيسبوك" فسارع إلى المشاركة بالمهرجان عبر تنفيذ فيلم
كرتوني ابتدعه مع زميله داني ابولوح، واعتبر أيضاً أن المهرجان يتصدى
لاحتكار السلطة للفن في سوريا.
وتحدث لـ"العربية.نت" عن فيلمه "قصة سورية قصيرة" الذي اعتبره مرآة
للأحداث في سوريا، وهو عبارة عن شخصيات كرتونية تقف واحدة تلوة الاخرى
"كرمز لوعي الشعب للتحرك والنهوض من أجل الحرية مهما اشتد القمع وعلا صوت
الرصاص" الذي يصدح في الفيلم بين الحين والآخر.
ويترافق نهوض الشخصيات الكرتونية مع صور حقيقية للجيش السوري يطلق
النار باتجاه المتظاهرين، وينتهي الفيلم بأحد القناصة من الجيش وهو يصوب
بندقيته نحو عدسة الكاميرا ويطلق رصاصة باتجاهها.
يُذكر أن المهرجان السينمائي عفوي انطلق من دون تمويل ولا ميزانية
يشبه الثورة التي لم تنطلق إلا كردة فعل تلقائية.
العربية نت في
20/12/2011
تصوير 36 فيلما روائيا فرنسيا مهدد
بالتوقف
بسبب إجراءات قضائية ضد شركات المنتج التونسي طارق بن
عمار
باريس: «الشرق الأوسط»
كاد آخر أفلام المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي أن لا يجد طريقه إلى
صالات العرض في فرنسا، قبل أيام، بسبب أزمة تواجه شركات فرنسية للإنتاج
والتوزيع السينمائي واستدعت توجه اتحاد العاملين في صناعة السينما إلى طلب
الدعم من الرئيس نيكولا ساركوزي. وتم إنقاذ فيلم «هوغو غابريل» لسكورسيزي
بفضل بضع نسخ منه تمت طباعتها في العاصمة الإيطالية روما.
سبب الأزمة التصفية القضائية التي أصدرتها محكمة التجارة في ضاحية
نانتير، شمال باريس، الخميس الماضي في حق مجموعة «كانتا» للاتصالات
والشركات الإنتاجية الصغيرة المختلفة المتفرعة عنها، والتي تعود غالبية
أسهمها للمنتج التونسي الأصل طارق بن عمار. وتهدد هذه الأزمة 36 فيلما
طويلا قيد الإنتاج، حاليا، بينها «أستيريكس في خدمة صاحبة الجلالة» الذي
يتطلب خدعا بصرية مكلفة، والجزء الثالث من الفيلم الذي حقق في السابق رواجا
كبيرا «الحقيقة لو كذبت»، و«الخائن» للممثل والمخرج جان دوجاردان.
ولفت تييري دو سيغونزاك، رئيس اتحاد العاملين في صناعة السينما، نظر
ساركوزي إلى خطورة الأزمة التي تحتاج إلى تدخل عاجل بسبب التوقف الجماعي
لعدد من شركات الإنتاج وما سيترتب عليه من آثار اقتصادية وثقافية حاسمة
بسبب عرقلة العمل في عشرات الأفلام، قيد التحضير. هذا عدا عن الأضرار
الجانبية الكبيرة اللاحقة.
طارق بن عمار، 62 عاما، الذي هو ابن شقيق وسيلة بن عمار، زوجة الرئيس
التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، تمكن طوال السنوات الثلاثين الماضية من
بناء سمعة طيبة كمنتج سينمائي ناجح في فرنسا ورجل أعمال درس الاقتصاد
الدولي في جامعة جورجتاون في واشنطن، وعمل مستشارا لشخصيات عربية ولمجموعة
«فيفندي» الصناعية الكبرى. وهو قد أسس شركته «قرطاج فيلم» للإنتاج
السينمائي وتمكن من بناء استوديوهات واسعة في ضاحية الحمامات ثم في بن عروس
في تونس، وإقناع عدد من كبار المخرجين العالميين أمثال الإيطالي روسيليني
ومواطنه ماركو زفيريلي والأميركي ستيفن سبيلبرغ بتصوير أفلامهم هناك،
مستفيدين من التنوع الخلاب في الطبيعة هناك، ما بين صحراء وشواطئ وحقول
خضر. كما توطدت علاقة بن عمار مع الأوساط السينمائية في باريس بحيث قلده
الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران وسام الشرف، عام 1984، اعترافا بجهوده في دفع
عجلة الإنتاج السينمائي في فرنسا.
دخل طارق بن عمار شريكا بحصص عالية النسبة في الكثير من المشاريع
المالية والتلفزيونية، منها مساهمته في قناة «نسمة» المغاربية و«تي في بريز»
التي تتخذ من مقاطعة بريتاني، غرب فرنسا، مقرا لها. وتوج رجل الأعمال
التونسي نجاحاته حين عمل، بين عامي 1996 و1998، مديرا لأعمال المغني
الأميركي الراحل مايكل جاكسون، وأنتج له جولة غنائية عالمية تضمنت 52 حفلا
موسيقيا. لكن المتاعب المالية أطلت برأسها هذا الشهر، بعد أن بدأ العاملون
في شركته إضرابا عن العمل بسبب احتمال إعلان إفلاسها واحتجزوا نسخ فيلم «هوغو
كابريه» للمخرج سكورسيزي، وحالوا دون وصولها إلى صالات العرض. هذا ويذكر أن
«الذهب الأسود»، أحد آخر الأفلام التي اشترك في إنتاجها طارق بن عمار مع
رؤوس أموال قطرية، يعرض حاليا في الصالات الفرنسية ويثير الانتباه بضخامة
إنتاجه التي تعيد إلى الأذهان الفيلم التاريخي «لورنس العرب».
الشرق الأوسط في
20/12/2011 |