بحماس شديد وبخطى محددة تخوض الفنانة هند عاكف تجربتها الانتخابية الأولى
بعد أن رشحت نفسها لانتخابات مجلس الشعب . ورغم قوة المرشحين لمجلس الشعب
والمنافسين لها فإنها كانت، واثقة من الفوز، خاصة بعد مجهود بذلته، وطريق
طويل لخدمة العمل الاجتماعي والخيري، لتعلن من خلال موقفها السياسي هذا أن
السياسة والفن وجهان لعملة واحدة، ألا وهي خدمة الوطن . في حوار طويل
التقينا هند عاكف قبل أيام من بدء الانتخابات .
لماذا قررت خوض الانتخابات البرلمانية والدخول في معترك السياسة بشكل عام؟
لأننا بصراحة نحن كوسط فني أو حتى إعلامي كنا نتعرض للحجب والتعتيم طوال
الفترة الماضية قبل ثورة يناير، فكان أي عمل فني يتناول السياسة أو القضايا
التي تخص الوطن والشؤون الداخلية للبلاد يقابل بالرفض التام والاضطهاد
الكبير من قبل الحكومة والنظام السابق، وهو ما واجه الكثيرين من زملائي،
وأنا عن نفسي سبق أن قدمت عدة أعمال فنية تعرضت لقضايا سياسية وفساد، كلها
قوبلت بالرفض، وكان آخر هذه الأعمال على سبيل المثال العرض المسرحي “خيل
الحكومة” الذي ناقش فكرة الخصخصة بشكل سياسي، وقد تم تعطيله أكثر من مرة،
وحارب مخرج العرض فؤاد عبد الحي ليتم عرضه، وبالفعل تم عرضه لمدة شهر واحد
فقط على مسرح الدولة، وليس هذا العمل الوحيد الذي واجه الرفض فهناك “فارس
بلا جواد” للفنان محمد صبحي و”دستور يا أسيادنا”، وكذلك الحال بالنسبة
لأعمال سينمائية كثيرة للفنان هاني رمزي أذكر منها فيلم “ظاظا رئيس
جمهورية”، فكان أي عمل فني يتعرض لجوانب سياسية يعامل أسوأ معاملة في حالة
ظهوره للنور من الأساس، لذا من المهم جداً أن يكون للفنانين صوت داخل
البرلمان المصري يعمل من أجل نهضة الفن وإظهار دوره التنويري الحقيقي .
لكن كان من الممكن عرض وجهة نظرك السياسية وآرائك من خلال عمل فني بدلاً
من خوض مجال السياسة؟
أنا لا أنظر لجانب معين دون آخر، وأي جانب من الممكن أن يخدم مصر لن أتردد
أبداً في خوضه والدخول فيه ما دام بإمكاني الخدمة، لذلك أعتقد أن الفن
والسياسة وجهان لعملة واحدة، ومن الممكن أن أترك الفن إذا شعرت بأن عملي
السياسي سوف يخدم بلدي بشكل أفضل، فأنا أضع مصر نصب عيني ولا ألتفت لأي شيء
آخر حتى لو كانت مصلحتي الشخصية .
لكنك من وجهة نظر الكثيرين متأخرة في مجالك الفني، والبعض يتذكرك فقط
لكونك من أسرة الراحلة نعيمة عاكف، لذلك ألم يكن الأفضل أن تحققي
نجاحاً جيداً في الفن أولاً ثم تتجهين لأي جانب آخر بعده؟
أعتقد أن الفن أو السياسة أمور تخضع لاختياري الشخصي، وليس من حق أحد أن
يحاكمني أو يوجه لي اللوم، وأعتقد أن هذه آراء غير واعية، فليس مطلوباً مني
أن أكون نجمة شباك حتى أرشح نفسي في الانتخابات البرلمانية، يكفي أن أكون
على علم ودراية بمشكلات المواطن البسيط ومشكلات زملائي الفنانين حتى أخوض
التجربة .
هل إقدامك على التجربة تقليد للفنانة الكبيرة فايدة كامل؟
ليس معنى دخولي الانتخابات ومشاركتي في العمل السياسي أنني أقلد أياً من
الفنانين الذين كانت لهم تجارب واضحة من قبل في المجال السياسي، وهم كثيرون
مثل الفنانة مديحة يسري أو الفنان حمدي أحمد ومن قبل الفنانة أمينة رزق
وغيرهم الكثيرون، ولو شبهني البعض بأنني أقلد الفنانة فايدة كامل فهذا فخر
كبير لي لأن الفنانة فايدة كامل استطاعت أن تخدم وطنها بالفعل في وقت من
الأوقات، وأتمنى أن أفعل ذلك.
هل تهابين المنافسة؟
في الفترة الأخيرة وربما من قبل ذلك كنت أحرص دائماً على الالتقاء
بالجمهور في الشارع والتحدث معهم للتعرف إلى آرائهم، وكانت المفاجأة
الكبيرة أنني وجدت بين جمل الكثيرين ما يحثني على المشاركة في الانتخابات
لكوني حريصة على العمل الخيري، وسبق لي أن سافرت إلى رفح وتعرضت لحادث رهيب
لا ينسى، وأيضاً قدت حملة ضد “فيرس سي” وأقوم بشكل دائم بزيارة دور المسنين
والملاجئ وغيرهما، ما جعل لي وجوداً في الشارع المصري، ولو كان موقف
المنافسين قوياً فأنا أيضاً موقفي قوي وثقتي أن الله لن يضيع مجهودي وسوف
يكافئني لأن هدفي هو خدمة وطني، وليس لي أطماع شخصية، فأنا لست مرشحة لمنصب
نقيب الممثلين مثلاً لأخدم نفسي كممثلة .
سبق أن ذكرت أنك من الممكن أن تعتزلي الفن من أجل السياسة، هل هذا صحيح؟
هدفي خدمة وطني وهو الأساس، فما المانع إذا شعرت بأن وطني يحتاجني أن أخدم
بشكل آخر، فلن أتردد، لأنني في الأساس مواطنة مصرية قبل أن أكون فنانة، وهو
هدف يستحق التقدير في حد ذاته، ولو التفتنا إلى الانتقادات اللاذعة
والمعرقلة لن نتقدم أبداً وأنا مستاءة جداً من حالة الرفض والهجوم التي
يواجهها الفنان المصري دائماً مع كل تجربة جديدة أو خطوة مختلفة يقدم
عليها، وأتمنى أن تنتهي هذه الحالة ليصبح الشعب المصري بكل فئاته وطوائفه
سواسية أمام القانون والمجتمع .
كيف ترين الفترة المقبلة بعد الانتخابات؟
الثورة لم تنته بعد، وما زال أمامنا الكثير من الخطوات لإتمام نجاح الثورة
التي أشاد بها العالم كله، ولكنها لم تكتمل بعد، وما زلنا ننتظر من ورائها
الكثير، ولكن حتى الآن هناك أمور غير واضحة، وأعتقد هذا هو السبب في كثير
من حالة التوتر وعدم الاستقرار التي نعيشها، لكن ما نتمناه أن تنتهي
المسألة بشكل أفضل وتستقر الأوضاع.
الخليج الإماراتية في
07/12/2011
"الهانم"
صاحبة الملامح الأوروبية
تربعت على عرش المسرح المصري
دولت أبيض الأرستقراطية
القاسية
القاهرة - “الخليج”:
كان دور الجدة التي تجد صعوبة بالغة في التواصل مع أحفادها في الفيلم
الشهير “إمبراطورية ميم”، هو آخر دور تقدمه الفنانة الراحلة دولت أبيض،
لتتوج به مسيرة فنية حافلة امتدت لنحو نصف قرن بدأت في السينما بعد سنوات
مع المسرح - في العام 1930 بفيلم “زينب” وانتهت بفيلم “إمبراطورية ميم” عام
،1972 قبل رحيلها عام 1979 .
دولت أبيض هي الفنانة الكبيرة والعظيمة التي شاركت زوجها جورج أبيض
رحلة الحياة والكفاح المرير في المسرح وعلى مسرح الحياة نفسها، اشتهرت في
السينما المصرية بأداء دور الأم القاسية أو الحماة التي تسوم زوج ابنتها أو
زوجة ابنها سوء العذاب، وكان مظهرها الارستقراطي يؤهلها للقيام بهذه
الأدوار وأيضاً دور الزوجة المتسلطة . كانت قادرة على أن تقدم هذه الأدوار
على الشاشة بإتقان كامل، ساعدها في ذلك مرونة في الجسم ووجه معبر فيه من
القسمات الأوروبية الكثير، وقد ورثت هذه الصفات والسمة من أمها ذات الأصول
الروسية .
ولدت دولت حبيب بطرس قصبجي في 29 يناير/كانون الثاني 1894 في مدينة
أسيوط، في جنوب مصر، لأب مصري من أسيوط، ولأم من أصل روسي، وموهبة التمثيل
عند دولت أبيض كانت واضحة منذ أن كانت طالبة، حيث لعبت أدواراً كثيرة في
مسرح المدرسة .
انتقل والدها وهي في سن الطفولة إلى الخرطوم عاصمة السودان، حيث كان
يعمل مترجماً في وزارة الحربية، فالتحقت بمدرسة الراهبات في الخرطوم، وتلقت
دروساً في الفرنسية وفي الدين على مذهبها الكاثوليكي المسيحي، ومن الطبيعي
أن تتقن الطفلة دولت الفرنسية خاصة أن مدارس الراهبات في الخرطوم كانت
تابعة للإرساليات الفرنسية، ما قادها إلى قراءة الأدب الفرنسي ومعرفة
الحركة المسرحية هناك، والاطلاع على المسرحيات التي كتبها رواد الكلاسيكية
الجديدة مثل راسين وكورناي وغيرهما، فعشقت دولت المسرح وداومت على مشاهدته،
حيث كان المسرح المصري يقدم هذه الأعمال في بداياته .
لم تكن دولت أبيض تفكر يوماً في أن تكون ممثلة، وإن كانت عاشقة
للمسرح، لكن الصدفة لعبت دوراً أساسياً في أن تصبح النجمة دولت قصبجي . فقد
حضرت حفل عرس ابنة خالتها على أحد أقارب المخرج عزيز عيد، الذي لفتت الفتاة
الحلوة، قريبة العروس، نظره بجمال وجهها ومرونة جسمها وملامحها التي تجمع
بين جمال الشرق الروحي وجمال الغرب، فصاح: “وجدتها” . وقال لها: أنت لم
تخلقي إلا لتكوني نجمة في المسرح، وأقنعها وأقنع أهلها بأن تكون ممثلة رغم
أنها من عائلة محافظة، غير أن ثقتهم بعزيز عيد جعلتهم يوافقون خاصة أن هناك
صلة نسب بينهم وبينه .
في المسرح بدأت دولت أبيض حياتها مع عزيز عيد في الفرقة التي كونها
سنة ،1917 فقدمها في مسرحية “خللي بالك من إميلي” وهي من أشهر مسرحيات
الفودفيل الفرنسي من تأليف جورج فيدو، ونجحت دولت في هذا العمل، ما شجع
عزيز عيد لأن ينسب لها بطولة عمل آخر هو “الكونتيسة”، وبعد عدة أعمال مع
مكتشفها عزيز عيد انتقلت إلى فرقة نجيب الريحاني، وشاركت في عدة أعمال .
لعبت الصدفة دوراً مهماً في حياتها، حيث شاهدها ملك التراجيديا - في
ذلك الوقت - جورج ابيض فوجد فيها ضالته كممثلة تصلح لأداء الأدوار الصعبة
في كلاسيكيات المسرح، فلم يتردد وقام بضمها على الفور إلى فرقته المسرحية
عام 1918 .
قدمت دولت مع جورج مسرحية “أوديب ملكاً”، حيث قامت بأصعب دور في
الرواية “يوكاستا” وهو دور مركب صعب يحتاج إلى قدرات تمثيلية هائلة مع قدر
من الهيبة التي تمتاز بها الملكات التاريخيات، وكان نجاح دولت في هذا الدور
جواز المرور لها لتكون بعد ذلك أقدر ممثلة تقوم بدور الملكات أو سيدات
المجتمع الارستقراطي أو سيدة البيت، الهانم، المتسلطة، سواء على زوجها أو
على من يحيط بها من خدم وحشم .
تنقلت دولت في أكثر من فرقة مسرحية بعد ذلك، وكان أكبر نجاح لها بعد
عملها مع عزيز عيد، دورها الخالد في مسرحية “شهرزاد” التي قدمتها مع فرقة
سيد درويش، بعدها استعان بها عملاق الكوميديا نجيب الريحاني لتعمل في
فرقته، حيث اشتركت معه في عدة أعمال مسرحية ناجحة منها: “ريا وسكينة” التي
نالت شهرة كبيرة في ذلك الوقت، خاصة أن حادث الشقيقتين “ريا وسكينة” كان
حديث العهد، وشبه معاصر لكتابة هذه المسرحية، وقدمت دولت دور فتاة ثرية
وجميلة كانت إحدى الضحايا، ونالت تعاطفاً كبيراً من المشاهدين .
عادت دولت بعد ذلك للعمل مع جورج أبيض الذي كان قد تبدل إعجابه بها
كفنانة لها قدرات خاصة، لتلفت نظرة كفتاة رقيقة هادئة رومانسية، ففاتحها في
أمر الزواج منها، فوافقت على الفور، وتم زواجهما في عام ،1923 ليكون الزواج
الثاني في حياة دولت، حيث كانت قد مرت بتجربة سابقة لم تستمر طويلاً، غير
أنها أثمرت عن طفلة لها أطلقت عليها اسم “إيفون”، عاشت معها وزوجها جورج،
إلى أن أنجبا طفلة أخرى أطلقا عليها اسم “سعاد” .
بعد الزواج قررت دولت أن تغير اسمها الفني من “دولت قصبجي” إلى “دولت
أبيض” لتكون مع زوجها ثنائياً في البيت والمسرح، وعندما كون يوسف وهبي فرقة
“رمسيس”، كان جورج أبيض شريكاً له فانضمت بالطبع دولت للفرقة، وازدهرت فرقة
“رمسيس” خاصة أنها ضمت عشرات النجوم ممن كانوا ملوك المسرح في ذلك الوقت،
حيث تولى إخراج مسرحيات للفرقة في بداياتها عام 1923 عبقري المسرح عزيز عيد
الذي كان أول من اكتشف دولت وقدمها للحياة الفنية، فاستطاع أن يخلق منها
فنانة مختلفة عن كل فنانات جيلها، فقدمت مع زوجها ويوسف وهبي في فرقة
“رمسيس” العديد من روائع المسرح العالمي خصوصاً مسرحيات “عطيل، الأب
ليونار، الجريمة والعقاب، وكليوباترا” .
في عام 1935 كوّنت الدولة المصرية فرقة مسرحية خاصة بها، وأطلقت عليها
“الفرقة القومية” بغرض ترقية فنون المسرح، فانضمت دولت ومعها جورج إلى
الفرقة وقدمت على خشبتها العديد من الأعمال الرائعة، غير أنها قررت وزوجها
جورج أبيض الاستقالة من الفرقة القومية عام ،1944 وقاما ببناء دار عرض
سينمائي ومسرحي في منطقة حدائق القبة بجوار منزلهما، وأطلقا عليها “سينما
ومسرح هونولو”، وقررا أن يكون هذا المسرح خاصاً بهما لتقديم روائع
المسرحيات العالمية، لتصبح سينما ومسرح “هونولو” من أشهر دور العرض في مصر
آنذاك، يقدمان خلالها أعظم أفلام الأربعينيات والخمسينيات، إلى أن احترقت
دار العرض ضمن أحداث حريق القاهرة عام ،1951 ودمرت تدميراً كاملاً .
كان حظ دولت أبيض في السينما أفضل كثيراً من حظ زوجها عملاق المسرح
جورج ابيض، فكانت من أوائل الممثلات اللواتي عرفتهن الشاشة الفضية، بدأت مع
الفيلم الصامت “زينب” عام ،1930 وهو الفيلم الذي أخرجه محمد كريم عن قصة
الدكتور محمد حسين هيكل، وقامت فيه دولت بدور “زينب”، ومع ظهور السينما
الناطقة توالت الأفلام التي شاركت فيها دولت أبيض مثل “أولاد الذوات” مع
يوسف وهبي عام 1932 و”الوردة البيضاء” مع محمد عبد الوهاب عام ،1933 ومن
إخراج محمد كريم، و”الدكتور” مع سليمان بك نجيب عام 1939 و”قلب امرأة” مع
أمينة رزق عام ،1940 و”مصنع الزوجات” عام ،1941 و”دنيا” مع الفنان أحمد
سالم وراقية إبراهيم، و”خفايا الدنيا” و”ابن البلد” و”الموسيقار” مع
المطربة لور دكاش ويعقوب طانيوس وإخراج السيد زيادة، ثم فيلم “دايماً في
قلبي” أول فيلم أخرجه مخرج الواقعية صلاح أبو سيف بطولة عقيلة راتب والوجه
الجديد آنذاك عماد حمدي، ثم مع أحمد سالم فيلم “المنتقم”، ومع محمد البكار
في فيلم “قلبي وسيفي” و”محسوب العائلة”، وهو الفيلم الذي ظهرت فيه نجاة
الصغيرة وهي طفلة، ثم توالت أفلامها بعد ذلك، منها “من القلب للقلب” بطولة
ليلى مراد وكمال الشناوي، ومما يذكر أن هذا الفيلم صور مرتين، الأولى بطولة
صباح وكمال الشناوي وكانت معهما دولت أبيض أيضاً، ثم احترق الفيلم فأرادت
منتجته إعادة تصويره فاشترط بعض الممثلين الذين لعبوا أدواراً في الفيلم
المحترق أن يحصلوا على أجورهم كاملة، وفضل البعض أن يتعاون مع المنتجة
ويعيد التصوير بلا مقابل، وكانت منهم دولت أبيض، ومثلت مع زوجها جورج فيلم
“الأب”، ومع الفنان حسين صدقي فيلم “الشيخ حسن”، و”الحب العظيم” .
وفي نهاية مشوارها مع السينما لعبت أدوارا في أفلام “المراهقات، غرام
الأسياد، والحقيقة العارية” حتى ختمت مشوارها السينمائي والفني بدورها مع
سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في “إمبراطورية ميم” عام ،1972 لتبتعد بعده
عن الأضواء تماماً حتى رحيلها في الرابع من فبراير عام ،1978 لترحل بعد أن
كانت قد أشهرت إسلامها وزوجها جورج ابيض وابنتيهما في عام 1953 .
حصلت الفنانة الكبيرة على عدة جوائز وشهادات تقدير منها جائزة التمثيل
الثانية عام 1925 والجائزة الأولى في الكوميديا سنة 1925 وحصلت على وسام
الدولة في الفنون في عيد العلم من الزعيم جمال عبدالناصر ،1960 وكانت في
آخر أيامها تهتم بتربية أحفادها من ابنتيها سعاد ابيض وإيفون، كما كانت
تقضي معظم أوقاتها في القراءة والاستماع إلى القرآن الكريم، كما قالت في
آخر حديث إذاعي لها قبل الرحيل .
الخليج الإماراتية في
07/12/2011
«السيد
اركادين» لأورسون ويلز:
الملك
والشاعر وسرّ الحياة الغامض
ابراهيم العريس
في اللحظات الأولى لعرض فيلم «السيد اركادين - تقرير سري» الذي حققه
أورسون ويلز
بين العامين 1953 - 1954، تظهر على الشاشة كتابة تقول: «في ماضي الأيام كان
هناك
ملك قال لشاعر: من بين كل ما أملك، ما الذي يمكنني أن أعطيك. فأجابه
الشاعر: كل شيء
إلا سرّك». الملك، رمز القوة والسلطة. الشاعر رمز الفن والصدق.
والسر، رمز غموض
الحياة وسحرها. هذه الأمور الثلاثة يضعها اورسون ويلز في أول فيلمه، كنوع
من
التذكير بالسينما التي أحب دائماً أن يصنعها. هي، لمن يريد ان يتذكر،
الأمور
الثلاثة التي تسيطر على فيلمه الأول «المواطن كين»... من هنا
كان من الواضح ان
المخرج الأميركي - الشاب في ذلك الحين - انما كان يريد ان يعيد الى أذهان
متفرجيه
أقانيم فيلمه الأول. والحال أن ثمة الكثير من القواسم المشتركة يجمع بين
الفيلمين،
الى درجة ان كثراً اعتبروا «السيد اركادين» مجرد تكملة لـ «المواطن كين».
والحال أن
ثمة ما هو أكثر من القاسم المشترك بين الفيلمين: هناك الخلفية الفكرية التي
دفعت
أورسون ويلز الى تحقيقها، مع فارق يزيد على عشر سنوات بينهما، فنحن نعرف،
طبعاً، أن «المواطن كين» انما هو في حقيقته «تنويع»
على حياة سيدة الصحافة اليمينية في أميركا
الأربعينات ويليام راندولف هيرست، وعبره تنويع على مسألة
السلطة والبراءة وأسرار
الحياة والغوص في الماضي. وقد كان هيرست نفسه أول من أدرك ان أورسون ويلز
يقدّم في
فيلمه أسئلة مقلقة حول ثروته وماضيه وعلاقته بطفولته. ومن هنا ما أن عرض
الفيلم حتى
أقام الصحافي المليونير على الفنان دعوى قضائية، واعتبر الأمر
فضيحة في الحياة
الاجتماعية الأميركية ما بعدها من فضيحة. والآن إذا تركنا هيرست و «المواطن
كين»
جانباً لنقفز أكثر من عشر سنوات في الزمن،
سنجد ان لـ «السيد اركادين» علاقة أكثر
من وثيقة بسيد آخر من سادة المال هو هذه المرة بازيل زاهاروف،
تاجر الأسلحة الغامض
الذي كان ملء الأسماع والأبصار في النصف الأول من القرن العشرين.
*وحكاية فيلم «السيد اركادين» لها علاقة أساسية، بزاهاروف هذا. ففي
أوائل
الخمسينات وخلال تجوال له في أوروبا بعدما أنجز فيلم «عطيل» في المغرب ونال
عنه
سعفة مهرجان «كان» الذهبية، التقى اورسون ويلز بالكونت زاهاروف، فوعده هذا
بأن ينتج
له فيلمه المقبل، ثم دعاه لكي يقوم بكتابة سيناريو الفيلم في قصره الفسيح
في روما.
وبالفعل لبّى ويلز الدعوة الكريمة وأقام في قصر الكونت وأنجز الكتابة خلال
أسابيع
ضخّه فيها مضيفه بالمال والأطايب... وفي النهاية سلّم اورسون ويلز المخطوطة
الى
الكونت، ثم ذهب ليسهر مع بعض أصدقائه، فيما انفرد زاهاروف في
جناحه لكي يقرأ على
مهل ولذة. آخر الليل حين عاد ويلز من سهرته، وجد حقائبه مرمية عند باب
القصر وفهم
انه مطرود... وكان رد فعله الوحيد انه استغرق في ضحكة عنيفة وسط الليل
البهيم، فهو،
بعد كل شيء، كان يتوقع ما حدث، تحديداً لأن السيناريو الذي كتبه كان عبارة
عن أسئلة
قلقة وبحث غامض في ماضي... مضيفه، تماماً كما كان فعل في
«المواطن كين» بالنسبة الى
ماضي هيرست.
>
طبعاً هذا الحادث لم يردع ويلز عن تحقيق فيلمه... بل نراه وقد
صوّره بسرعة
لاعباً بنفسه دور العملاق الغامض، السيد اركادين... نافياً، على أي حال، أن
يكون قد
توخّى من فيلمه الاساءة الى الكونت أو الى ماضيه. كل ما في الأمر أنه أراد،
مرة
أخرى، أن يقدم امثولة عن السلطة والطبيعة البشرية، من دون اي
اعتبار لموقع الخير
والشر في الأمر. بل ان المدهش في هذا الفيلم هو ان المتفرج يفتن بشخصية
اركادين (على رغم انه شرير) ويحتقر شخصية
التحري فان ستراتن (على رغم انه ليس شريراً).
>
ثمة في «السيد اركادين» حكاية، يرويها اركادين بنفسه، ويمكنها
ان تفسر لنا
هذا الفيلم - بل كل سينما اورسون ويلز - وهي حكاية العقرب والضفدعة.
فالعقرب أراد
أن يجتاز نهراً وطلب من الضفدعة أن تحمله على ظهرها عابرة به. لكن الضفدعة
تقول له:
لا... لأنني إن حملتك على ظهري، فستعضّني وتقتلني. فيجيبها العقرب: لو
عضضتك سوف
تموتين وأغرق أنا معك بالتالي. هنا تقتنع الضفدعة وتنقل العقرب محمولاً على
ظهرها... وعند منتصف المسافة تشعر بألم حاد في ظهرها وتبدأ
بالغرق قائلة للعقرب: «لقد
عضضتني، لكنك سوف تغرق معي... فأين هو المنطق في ما فعلت؟»، ويجيبها العقرب: «أعرف هذا... لكنني ما كنت قادراً على منع
نفسي من عضّك... انها طبيعتي». هذه
الحكاية التي يرويها اركادين في الفيلم تكشف ان ويلز كان لا يتورع عن
الإعجاب
بالأشرار والمحتالين والطفيليين، شرط ان يكونوا من العظمة حيث يقول الواحد
منهم:
«أنا
هكذا... كما أنا». كان مفتوناً بالشرير الذي يقرّ بأنه شرير. صحيح ان الشر
كان
يغيظه... لكن الشرير الذي لديه من القوة ما يجعله يقرّ بأنه شرير كان يسحره.
>
مثلما هي الحال في «المواطن كين»... تروى لنا الأحداث التي
تشكل محور «السيد
اركادين» على لسان شخصية في الفيلم في عملية عودة الى الوراء (فلاش باك)...
وهذه الشخصية هي التحري فان ستراتن الذي يسأل رجلاً عجوزاً خائفاً منذ أول
الفيلم (هو جاكوب زوك) أن يفضي اليه بسر اركادين...
وابتداء من هنا يبدأ ستراتن رواية
الأحداث لنا. والأحداث المروية تتعلق طبعاً بالتحري الغامض
الذي نعرف ان ثمة رجل
عصابات جريحاً في ميناء نابولي في إيطاليا يريد ان يثأر منه... وستراتن
يلاحق قضية
اركادين هنا راغباً في معرفة أسرار ماضيه، لأن في الأمر ملايين الدولارات
يمكن
كسبها. لكن، من يعرف شيئاً حقيقياً عن ماضي اركادين؟ المهم ان
ستراتن يطارد اركادين
من مدينة الى أخرى ومن حفلة الى أخرى، حتى يكتشف ان نقطة ضعفه هي ابنته
رينا (تماماً كما ان طفولة هيرست في «المواطن
كين» كانت هي نقطة ضعفه). وذات لحظة في
الفيلم وإذ يدرك اركادين حذق اللعبة من حوله، يدعو رجل
العصابات الجريح ويطلب منه
ان يبحث عن سره مقابل 10 آلاف دولار، مفضياً اليه بأنه في عام 1927، كان
بدأ يحقق
ثروته انطلاقاً من مبلغ 200 ألف فرنك سويسري. فماذا عما كان قبل ذلك؟...
وتبدأ
التحقيقات حتى الوصول الى العجوز صوفي في المكسيك التي يتبين
انها كانت حبيبة
اركادين، ومنها سرق المبلغ الأساسي. عند هذا الحد يكون جزء من سر اركادين
قد كشف...
لكن اركادين ليس من الذين يستسلمون
بسهولة... وهكذا يختفي عارفو سره ورفاقه القدامى
واحداً بعد الآخر، وصولاً الى زوك... أما اركادين فإنه في خضم
ذلك كله يهرع الى
اسبانيا لكي يلتقي ابنته قبل ان يكشف الآخرون (غي فان ستراتن تحديداً) سرّه
أمامها.
ويلتقي اركادين بابنته في الطائرة ويطلب
منها ألا تصغي لأي شخص يروي لها أي شيء
عنه، فتصرخ به قائلة: لقد فات الأوان... ولا يكون منه إلا أن
ينتحر قافزاً من على
الطائرة الى البحر... أما رينا فإنها لن تغفر لفان ستراتن تسببه في انتحار
أبيها...
>
هذه الأحداث التي تشكل متن هذا الفيلم الغريب، قد لا تبدو مهمة
كثيراً
بالمقارنة مع دلالاتها، وما أراد اورسون ويلز قوله، ولا سيما تأمله حول
السلطة وسر
الحياة. ومن هنا اعتبر «السيد اركادين» واحداً من الأفلام الأساسية
ومفتاحاً لفهم
سينما ويلز وفلسفته. وأورسون ويلز (1915 - 1985) هو طبعاً، ذلك
السينمائي الأميركي
العالمي الكبير، الذي لا يزال الكثير من أفلامه (مثل «المواطن كين» و
«الظمأ الى
الشر» و «عطيل» و «ماكبث» و «السيد اركادين» و «سيدة من شانغهاي»، ومعظمها
مثّل فيه
وأخرجه وكتب له السيناريو، بل أنتجه حقاً)، لا يزال يعتبر من أمهات الأفلام
العالمية.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
07/12/2011 |