منذ عرضه في المهرجان الوطني للفيلم في المغرب وفوزه بجائزة لجنة
التحكيم، نجح
فيلم «النهاية» للمخرج المغربي الشاب هشام لعسري في جذب الانتباه إليه، حتى
انه
حُكي ان المهرجانات الخليجية الثلاثة، تنافست في ما بينها لاستقطابه، لكنّ
النتيجة
كانت بفوز مهرجان أبو ظبي به، مع انه خرج منه خالي الوفاض على رغم كل
الرهانات.
اليوم يعود «النهاية» الى المغرب، وتحديداً الى مراكش ليشارك
بمهرجانها الذي
ينطلق هذا المساء. والأكيد ان الجمهور المراكشي يترقب بشوق عرض هذا الفيلم
الذي
سبقته سمعة طيبة وإشادات نقدية كثيرة، خصوصاً ان لعسري اختار الجرأة
عنواناً في
الأسلوب والحبكة من خلال خط سينمائي لا يشبه السائد في السينما
العربية. كما اختار
الأبيض والأسود ليتناول نهاية حقبة لا عودة اليها.
«الحياة» التقت هشام لعسري في مهرجان أبو ظبي، وحاورته حول الفيلم.
·
لماذا اخترت العودة بفيلم
«النهاية» الى حقبة سياسية أصبحت من الماضي بموت
الملك الحسن الثاني؟
-
أقول دوماً ان فيلمي ليس فيلماً سياسياً، ومع هذا لا ادري لم
لا يصدقني احد،
فهو ولد من التقاء فكرتين اساسيتين: سيرتي الذاتية، والسيرة العامة. بمعنى
ان اليوم
الذي أعلن فيه موت الحسن الثاني عام 1999، كان يوماً فاصلاً بين مرحلتين،
بالنسبة
إلي كما بالنسبة الى كثيرين في بلادي. كانت لحظة مهمة جداً في
الشارع، ورأيت في
عيون الناس كيف تأرجحت مشاعرهم من الحذر الى الخوف فالحزن. مع حسن الثاني
كان الوضع
خاصاً جداً، فهو ذو شخصية كاريزماتية، ولكن بعد الاستقلال، وفي ظل ظروف
سياسية
عنيفة، وانقلابين فاشلين، اضحى حاكماً مستبداً، ما ادخلنا في
سنوات الرصاص في
السبعينات، والتي أدت الى أضرار كثيرة. وشيئاً فشيئاً تحولنا الى مجتمع
توتاليتاري
يسيطر عليه الخوف. كان مهماً جداً ان أتكلم عن هذه المرحلة في تاريخ
المغرب، لأنني
في النهاية بنيت قصتي من خلال هذه اللحظة التي طبعت نهاية تلك
الحقبة، كما طبعت
نهاية طفولتي ودخولي مرحلة النضوج والوعي. وبعد خمس سنوات من ذاك التاريخ
عرفت الى
اي مدى كانت تلك اللحظة مهمة في تكويني، وبتّ قادراً على صنع أفلامي
القصيرة. فمع
تولي الملك الجديد الحكم، تنفس الجميع الصعداء، وطردوا
خوفهــــم من ان يتحـــوّل
البلد الى ديكتاتورية عسكرية. وقـــد اجــاد الحسن الثاني لعب دور الرجل
السيئ،
وكان جلياً حرصه على ان يأخذ كل المشاكل معه الى القبر وألا يورثها لابنه.
كانت
هناك خطوات كثيرة في هذا الاتجاه لتسهيل عملية انتقال الحكم.
من هنا اراه مثل
كاليغولا بكل ما يحمله من سحر واستبداد في آن. ولا انكر انني حين أخبرت
والدتي عن
قصة فيلمي، كان جوابها: اطمئن لن أحرمك من فاكهتك المفضلة وأنت وراء قضبان
احد
السجون.
ليس فيلماً ضد السلطة
·
هل واجهت صعوبات رقابية بالتطرق
الى عهد الحسن الثاني؟
-
في مكان ما هناك وعي فني اهم من اي شيء آخر، فأنا لم أصوّر
فيلماً ضد السلطة،
لذا، لم أشغل بالي في ما اذا كان الفيلم سيُزعج هذا او ذاك. هناك رغبة في
المغرب
بأن نصنع سينما حقيقية. ولا ابالغ إن قلت ان احداً لم يسألني ماذا صوّرت،
او اعترض
على المضمون. طبعاً هناك لجان تقرأ السيناريو، ولكن لم يطلب
مني احد ان أضيف فكرة
او أحذف اخرى.
·
ولكن، ماذا عن الرقابة الذاتية؟
-
لم أُخضع الفيلم لأي رقابة ذاتية، وكان لي الحظ انني تعاملت مع
منتجة شجاعة
وثقت بي وأعطتني دفعاً لأعبّر عما أريد بعيداً من مخاوفي. وهنا اتذكر خوف
التقنيين
أثناء التصوير من بعض المشاهد التي بدت جريئة جداً في نظرهم، ولكن أحياناً
نكون
مجبرين على الذهاب بعيداً. طبعاً انا احترم الدستور ولا اتجاوز
مواده، ولكن بعد ذلك
لي الحرية في التعبير عن اي شيء اريده.
·
الى اي حد يقترب فيلمك من السيرة
الذاتية التي أشرت اليها؟
-
يمكن اعتباره سيرة ذاتية طوبوغرافية، لأن الاحداث تدور في
أماكن طفولتي. القصة
ليست قصتي، إنما قصة شاب يلتقي فتاة تحت حماية إخوة باتوا غريبي الأطوار
نتيجة
اختفاء والدهم. هو أشبه بفيلم بوليسي يجعله تراكم الخلفيات التاريخية
وطريقة
التصوير قريباً من الخرافة، خصوصاً ان الأولوية للأحاسيس لا
للسرد.
·
شخصيات فيلمك الرئيسة تفتقد
الأب. فهل غيابه يرمز الى غياب الملك؟
-
الملك هو أب الأمة. والمضحك، وغير المفهوم، الى حد ما، ان
الشارع المغربي كان
يكره الحسن الثاني، ومع هذا بكاه حين مات، انطلاقاً من فكرة انه أبو
الجميع، والأب
لا نختاره. يُمكن ان يكون قاسياً او مستبداً، لكنه يبقى أبانا. عندما رسمت
الشخصيات
أردت ان تكون فاقدة لأبيها. فـ «ميخي» والده انتحر. و «ريتا» وأشقاؤها لا
يعرفون
شيئاً عن مصير والدهم. أياً يكن الامر، بالنسبة إلي، وبعيداً
من السياسة، كان همي
ان أروي حكاية، وأذهب الى أعماق القصة.
وسيلة السينما
·
حكايتك بعيدة من مفاتيح السرد
التقليدي، خصوصاً لناحية غياب الحوار
والموسيقى. لماذا؟
-
حاولت أن أخبر حكايتي بوسيلة السينما نفسها في ظل غياب الحوار
والموسيقى
والتفسيرات. وكان هدفي ان أحقق مزاوجة بين الخرافي الذي يغوص في الخيال،
والواقعي
الأقرب الى الوثائقي. وكان مهمّاً بالنسبة إلي ان أبرز الصراع بين هذين
الخيارين.
·
يبدو جلياً تأثرك بسينمائيين
كبار مثل كوبريك في فيلم «البرتقال الآلي»
وداني بويل في «ترانسبوتينغ». فهل كان هذا ارادياً؟
-
بالنسبة إلي كسينيفيل، لا يمكن ان نصنع سينما ان لم نكن من
عشاق الفن السابع.
يجب ان نعرف ما الذي حقق قبلنا وأن نحاول ان نكتشف طريقنا. لدينا الحظ وعدم
الحظ في
آن، لأننا في عالم إما ان نحقق فيه افلاماً تجارية ضخمة من النوع الرائج
كما يفعل
الأميركيون والهنود والمصريون وإما أن نسلك الطريق الآخر. وما
سينقذنا في النهاية
هو فرادتنا. قد تلاحظين تأثير كل هؤلاء في فيلمي (فيلليني، بريسون، بونويل،
كوبريك). كما أحب إشارتك الى داني بويل، إذ اعشق سينما الاولاد البائسين
والعصابات
والفوضويين. ولكن، لا احب ان أصنع سينما وأنا افكر في السينما.
في المقابل احب فكرة
اشتغال لا وعينا على هذه الأفلام. ثم ان كوبريك هو مخرج المخرجين وأبونا
جميعاً.
باختصار الفيلم في نظري هو تجربة شخصية نضع
فيه مما هو فينا، وهذا ما حاولت ان
افعله مع متلقي «النهاية»، أي ان اجعله يضع عواطفه وذكرياته
وثقافته امام عينيه
اثناء مشاهدته الفيلم.
·
يقول فيلمك الكثير عن مرحلة
ماضية من تاريخ المغرب على رغم انه قليل
الحوارات، ألم تخش ألا يتقبله الجمهور، خصوصاً ان الأسلوب معقد
بعض الشيء؟
-
أحد العناصر الأساسية في الفيلم هو العمل على السينما من خلال
السينما، أي
استعمال ادوات الفن السابع فقط. عندما كتبت النسخة الاولى من السيناريو
كانت هناك
ثرثرة اكثر. ثم رحت أعدّل الأسلوب، وقررت ان أبتعد عن المسرح والموسيقى
والتقطيع
الكلاسيكي. وكان هناك تحد يومي حول كيف سأخلق مناخاً تركيبياً
غريباً. وراحت
تراودني مجموعة من الأسئلة التقنية. ففي العالم العربي، غالباً ما نتكلم عن
أزمة
السيناريو والصورة. من هنا كان هذا الفيلم بالنسبة إليّ فرصة لأذهب بعيداً
من
السياسي والشخصي وصولاً الى إدخال بعد ثالث هو سؤال السينما عن
طريق السينما،
خصوصاً ان هذا الفن حديث في بلادنا. ففي المغرب بدأنا في التسعينات نهتم
بهذا
المجال، واليوم ننتج نحو 20 فيلماً في السنة، علماً انني لا احب تصنيف
الأفلام وفق
الهوية، فالفيلم هو فيلم اياً كانت جنسيته. نحن نصنع افلاماً،
ونطرح اسئلة حول هل
سيفهم الجمهور الفيلم؟ وهل المشاهد المغربي حاضر لاستيعاب نوع كهذا من
السينما؟ اما
تجاوب الجمهور فمسألة أخرى.
«فيلم يشبهني»
·
ولكن، هل طرحت على نفسك هذين
السؤالين أثناء اشتغالك على «النهاية»، خصوصاً
انه فيلم يصعب استيعابه جماهيرياً بسهولة؟
-
كان هذا اختياري، إذ أردت ان اصنع فيلماً يشبهني. لم يكن همي
ان يصل الفيلم
الى ملايين المشاهدين، ولكن ان يهتم احد ما به، فالرابط العاطفي بين الفيلم
والناس
مهم جداً. والحال انني احب فكرة ان السينما تجربة تلعب على الأحاسيس لا على
الذهنيات العقلية. ولكن للأسف غالباً ما يحاول الناس ان يبحثوا
عن الرموز في
الأفلام بدلاً من ان يحوّلوا الأفكار الى مشاعر.
·
ينتمي فيلمك الى سينما المؤلف،
فهل انت من انصار السينما المستقلة؟
-
لا ارى انه يوجد سينما غير مستقلة. في النهاية كل مخرج يحقق
الفيلم الذي
يشبهه. منذ كنت في العاشرة من عمري، كنت أسير خطوة خطوة باتجاه ان اصبح
سينمائياً.
كتبت قصصاً وروايات ومسرحيات، وكان هدفي
الوصول الى حلمي. طبعاً هناك في المغرب
أفلام كثيرة تحقق نجاحاً جماهيرياً، على رغم انها حافلة
بالكليشيهات، وأقرب الى
المسلسلات منها الى السينما. من هنا ارى ان التلفزيون يجذب الى أسفل فيما
السينما
تجذب الى اعلى. لذا يقال، مثلاً، ان عملاً ما لا يمكن ان يمر على الشاشة
الصغيرة
لأنه لا يتوجه الى الجميع. ولكن ماذا يعني الجميع؟ يجب ان
نخترع دوماً طواحين هواء
لنتعارك ضد أوهامنا.
·
حدثنا عن مشاركة فيلمك الجديد
«99» ضمن مشاريع مرحلة التطوير في صندوق
«سند»
التابع لمهرجان ابو ظبي؟
-
ليس سهلاً إيجاد التمويل اللازم للأفلام في العالم العربي. من
هنا اهمية «سند»
الذي يساعد المخرجين على تحقيق اعمالهم، والأخذ بآراء اختصاصيين من حول
العالم،
علماً انني لا ابحث عن سينما بموازنات كبيرة. هو فيلم عن
النساء، وسيكون مختلفاً عن
«النهاية»
الذي تميز بطابع ذكوري حاد. والمهم بالنسبة إلي ان أحقق الفيلم الأكثر
ذاتية لا الفيلم الاكثر كمالاً.
الحياة اللندنية في
02/12/2011
سينما الفرص الضائعة
القاهرة – فريال كامل
لا يخفى على أحد أن المخرج خالد يوسف هـــو أحد فرسان الميدان. وذلك
منـــذ
شـــارك في تفعيل الثورة متضامناً مع رموز للفــن والشعر والأدب. ومنذ أيام
بدأ عرض
أحدث أفلام خالد يوسف «كف القمر» في دور العرض، والذي شارك المخرج في
كتابته مع
كاتبه الأثير ناصر عبدالرحيم.
استـــهل خالد الشريط بإهداء إلى أرواح الشهداء. وكلنا نعرف كم هي
غالية على
الشعب المصري، ما يدعو للتساؤل إن كانت الهدية بقدر وقيمة المهدى إليهم، أم
ان
الإهــداء مجرد تمسح بأرواح الأطهار. فدعونا نبحث عن الصدق في الطرح
والجديد في
المعالجة، دعونا نتعقب الروح الثورية – إن وجدت – في فيلم «كف
القمر».
فـــي قرية بائسة عند سفح الجبل تعيـش قمر (وفاء عامر) وأسرتها من
زراعة قيراطين
من الطين. تسكن بيتاً من الطوب اللبن. تبدو معتزة – كأهل الصعيد – بإنجابها
خمسة من
الصبيان. بينما يكدح الزوج تحت الشمس الحارقة في بيئة محفوفة بالمخاطر،
نشاهده ينقر
الصخر منقباً عن آثار الأقدمين ثم ما أن تنفتح ثغرة على الكنز الذهب حتى
يعثرون
عليه مضرجاً في دمائه. وما أن يوارى الثرى حتى تبات الأسرة
التي فقدت رجلها نهباً
«للصوص»
كما يطالبها العمدة برد قيراطي الطين لحاجته إليهما، فما يكون من الأم
المغلوبة على أمرها إلا أن تغالب مشاعرها وترسل أبناءها بعيداً الى القاهرة
لكسب
عيشهم قبل أن يحصدهم الموت جوعاً.
سؤال المصداقية
المثير للحيرة للوهلة الأولى هنا أن المخرج الذي أطلق صرخة عالية
لانقاذ كنوز
المتحف قبل شهور يضع جمهوره في موقف المتعاطف مع ناهب للآثار- هكذا بدا لنا
في
الفيلم – وإن كان في حقيقة الأمر أحد الغلابة الذين يكدحون لشق الصخر، ولا
يفوزون
بغير الفتات إن قيّد لهم أن يبقوا على قيد الحياة.
وتشاء المونتيرة غادة عز الدين أن تمر السنون في غمضة عين لتطلعنا على
مشهد رحيل
الأبناء وقد أضحوا رجالاً مفعمين بالصحة والفتوة (خالد صالح، حسن الرداد،
صبري
فواز، هيثم زكي، والأردني ياسر المصري).
وهنا يتساءل المرء: كيف سارت بهم الحياة في القرية وقد حاصرهم انعدام
الموارد من
لحظة مقتل الأب إلى أن أضحوا شباناً؟. لِمَ لمْ يرحلوا وهم في سن الصبا كما
عادة
النازحين من قرى الصعيد؟. في اعتقادي تكمن الإجابة في نظام النجوم إيماناً
من
المنتج بأن الأسماء اللامعة وسيلته لتنشيط شباك التذاكر وحصد
أعلى الايرادات.
وواقع الأمر أن تلك الأسماء ذاتها مع تقـديـرنا لها، بــــدت على
الشاشة شخصيات
فاقدة المصداقية. والحال ذاتها تنطـبق على كل من وفاء عامر التي فشل
الماكيير فشلاً
ذريعاً في إضافة سنوات إلى عمرها الحقيقي. وأيضاً غادة عبـدالرازق التي
تقوم في
الفيلم بدور صبية صعيدية تزف على غير رغبتها إلى من اختاره
أبوها بينما قلبها معلق
«بزكري»
أكبر الأبناء. والدارس لمجتمع الصعيد يعرف جيداً أن المرأة الصعيدية في سن
غادة عبدالرازق تزوج بناتها في سن لا تتعدى الخامسة عشرة.
وفي إطار غياب المصداقية ينسحب القول على اختطاف الأم «قمر» واحتجازها
في بيت
العمدة في مقابل أن يرد ابنها «زكري» غادة عبدالرازق والتي تزوجها من دون
موافقة
الوالد.
وحقيقة الأمر أن المجتمع في الصعيد يحيط شخص الأنثى عامة والأم بخاصة
باحترام
يصل لحد القدسية وأن الاساءة إلى شخصها فما بالك باختطافها يعد كبيرة من
الكبائر لا
يغسل عارها سوى بحور الدم.
وما يلفت النظر أيضاً أن الأبناء النازحين من الفقر والجوع يتمتعون
بالصحة
ويرتدون ملابس الأعيان وحقيقة الأمر لو مرت مصممة الملابس بأسواق قلب
القاهرة
لشاهدت مئات النازحين من الصعيد وقد برزت
عظامهم حيث يكلفون بالأعمال الشاقة ولا
يرتدون إلا مجرد ما يسترهم من الملابس المهترئة. ذلك كله قدم شخصيات فاقدة
الجاذبية، شخصيات طاردة لتعاطف الجمهور.
تهميش السوق
إلى قلب القاهرة المحتشد بالحركة والبشر يصل الأخوة الخمسة حيث يلحقهم
المخرج
بأعمال تسد رمقهم فيعمل «الرداد» في محل لعصير القصب. وياسر المصري حمالاً
في سوق
الخضر، بينما يعمل صبري فواز في مقهى ويعمل هيثم زكي بائعاً في محل لبيع
أشرطة
الأغاني. وهنا تحتم الضرورة الدرامية حدوث صدمة حضارية بين
النازحين من معقل الفقر
والتقاليد وأيضاً الخرافات وبين الواقع الجديد.
غيـر أن الكاتب المتمرس يغفل عن تلك الصدمة الحتمية التي تفجر الصراع
الدامي
وينجر إلى مسارات فرعية واهية متجاهلاً أحوال السوق ومشاكل العمل والعمالة.
يقع «الرداد» في حب عاملـة في مشغـل ولكـن حين
يفاجأ بها في أحضان شقيقه (زكري) تسودّ
الحياة في وجهــه ويقـرر الهجرة إلى ليبيا. ذلك بينما يقع هيثم
زكي – أكثر الأخوة
ملاءمة لدوره – بين براثن راقصة عابثة. يهوى رقصة التنورة، ويسير في أعقاب
الراقصة
أينما تكون في الملاهي والموالد.
وفي المشاهد الختامية نلتقي بـ «زكري» وقد أضحى مقاولاً يرتدي جلباباً من الصوف
الفاخر ذلك من دون أن نعبر برحلته الشاقة منذ أن كان يحمل «قصعة» المونة
صاعداً على «السقالة» إلى الأدوار العليا.
لقد كان في حوزة كاتب السيناريو أن يعـرض لنا فيلماً عظيماً على شاكلة
«فتوة»
صلاح أبو سيف في زمن الألفية الثالثة فهل ولى زمن المعالجات الجادة لكشف
خبايا
السوق ومعاناة العمالة باليومية.
في الفصل الختامي تصل الأخبار إلى «زكري» بأن الأم في النزع الأخير
وأنها ترغب
في رؤيتهم. وفي زمن المحمول يستأجر سيارة يطوف بها على إخوته في مواقع
عملهم لنفاجأ
بأن صبري فواز قد أضحى تاجراً للمخدرات، يصل الكف إلى القرية يحملون نعش
الأم إلى
مثواها الأخير وهنا ينتبهون إلى ضرورة بناء بيت الأسرة وتعلو
أغنية البداية من
أشعار الشاعر الكبير فؤاد حداد في محاولة من المخرج لإضفاء الطابع الملحمي
على
الفيلم لكن خالد يوسف وهو في عجلة من أمره أضاع الفرصة، كما أضاع غيرها
لأنه كما هو
معروف أن الأسلوب الملحمي ينسج الشعر الغنائي في النسيج الدرامي معلقاً
وداعماً
للأحداث، أما عن شريط الصوت فكان مزدحماً بالحوار حاشداً بالضجيج.
حينما يكون مخرج الفيلم مخرجاً متمرساً تخرج في مدرسة المخرج الكبيـر
يوسف شاهين
يتعين على الكاتب أن يواجهه بأن «كف القمر، حكاية كمثلها يحكي في الموالد
حكاية
تجاهلت الواقع وغفلت عن المنطق ووهن فيها الرمز.
والسؤال الآن موجه لفارس الميدان وزملائه عن وظيفة الأفلام بعد ثورة
25 كانون
الثاني (يناير).
الحياة اللندنية في
02/12/2011
خالد يوسف:
«كف القمر» تساؤل عن أسباب
الشتات العربي
القاهرة - سامي خليفة
يواصل المخرج خالد يوسف استقبال ردود الأفعال على فيلمه الجديد «كف
القمر». وهو
للمناسبة يشير إلى أنه ملّ الحديث عن خلافاته مع غادة عبدالرازق، مؤكداً
أحقية خالد
صالح في أن يسبق اسمه اسمها.
وفـي تصريحات خاصة لـ «الحياة» أوضح المخرج أنه يواصل حالياً استقبال
ردود
الأفعال على فيلمه الجديد المـعروض حالياً في الصالات المصرية، مؤكداً أن
هذا
العمـــل يمثـــل حالـــة سينمائيــة خاصة لديه وعمل مميز كونه
الأول له «بعد ثورة
25
كانون الثاني (يناير) المجيدة».
وأضاف خالد أن ما لفت نظره أثناء مناقشته أحداث الفيلم مع الجمهور أن
كل فرد من
هذا الجمهور خرج برؤية مختلفة عن الآخر، إذ ظن البعض أن شخصية (قمر) في
الفيلم ترمز
لمصر وآخرون قالوا إنها ترمز للأمة العربية، وهكذا اختلفت الآراء فيما يعني
أن
الفيلم حقق صدى واسعاً لدى الجمهور.
وعن الهدف الرئيسي الذي قصده خالد من الفيلم قال إنه أراد من خلال
العمل أن
يتساءل عن «أسباب الفرقة والشتات التي حدثت للوطن العربي في السنوات
الأخيرة وإلى
أي مدى من الممكن أن نعيد هيكلة العلاقة بين بلدان الوطن العربي في شكل
عام»، وأشار
يوسف إلى أن الفيلم لم يجب على هذه التساؤلات كون الإجابة تختلف من شخص إلى
آخر.
وحول إمكانية أن يكون هناك تعاون فني آخر بينه وغادة عبدالرازق قال
خالد إنه ملّ
الحديث عن هذه العلاقة كون هناك أشياء أهم كثيراً من استمرار الحديث، وعلى
رغم ذلك
عاد خالد ليجيب قائلاً إنه لن يعمل مع غادة مرة أخرى إلا بشرط واحد ألا وهو
اعتذارها عما قالته في شأن غضبها من حذف مشاهد لها من الفيلم
حيث إنها سواء تم
الحذف أو لم يتم فليس من حقها التدخل في عمله كمخرج.
وعن حقيقة حذفه مشاهد لغادة قال المخرج إن هذا لم يحدث واستشهد بأن
هناك أشخاصاً
بأعينهم سبق وشاهدوا الفيلم قبل اندلاع ثورة 25 (يناير) أي قبل حدوث أية
خلافات
بينه وبين غادة مثل الإعلاميين مجدي الجلاد وأحمد المسلماني وغيرهما وجدوا
أن
المشاهد أدرجت في الفيلم كما هي ولم يحذف منها واحد. أما في
شأن أسبقية وضع اسم
خالد صالح قبل غادة (وهو ما أثار غضب الأخيرة) قال إن هذا من الطبيعي أن
يحدث وإن
أياً من السينمائيين كان سيؤيده في رأيه مبدياً دهشته من غضب غادة وأنهى
حواره مع
الحياة متسائلاً لماذا غضبت غادة الآن من أن يسبقها اسم خالد
صالح في الوقت الذي لم
تغضب من أن سبقها اسم عمرو عبدالجليل في فيلم «كلمني شكراً»؟!
الحياة اللندنية في
02/12/2011
إبادة الفلسطينيين في رسالة سلام
مونتريال - علي حويلي
تقوم الكندية اللبنانية ماريان زحيل (مولودة في بيروت عام 1969) بوضع
اللمسات
الأخيرة على فيلمها الجديد «وادي الدموع
La Vallee des Larmes»
الذي تقول إنه سيصبح
جاهزاً للعرض في كندا ولبنان خلال العام المقبل. الفيلم من النوع الروائي
الدرامي،
مدته 96 دقيقة، وناطق باللغة الفرنسية.
ووقائع التصوير جرت في لبنان وكيبك على يد بيار مينيون أحد مشاهير
المصورين
السينمائيين في العالم. ويشترك في أداء أدوار الفيلم ممثلون كنديون وعرب
بينهم
مصريون (جوزيف أنطاكي) ولبنانيون أمثال زياد كرم ووفاء طربيه وليلى حكيم
ووليد
العلايلي وهيام أبو شديد وطلال الجردي.
الفيلم من إخراج وإنتاج وسيناريو زحيل المقيمة في مونتريال منذ 15
عاماً، وهي
تتكلم العربية والفرنسية والإنكليزية والألمانية. ومتخصصة في الإنتاج
المرئي
والمسموع. ولها عدة أعمال تلفزيونية وثائقية بثت على قنوات كندية وأوروبية،
فضلاً
عن عضويتها في عدة لجان تحكيمية عربية وأجنبية. وكان أول ما انتجته فيلم
«من نافذتي
من دون وطن
– De Ma Fenetre sans Maison»
الذي عرض في مهرجانات عربية وكندية.
رؤية مغايرة
خلافاً لأفلام سينمائية تناولت مجزرة صبرا وشاتيلا (وقعت إبان
الاحتلال
الإسرائيلي للبنان يومي 16 و17 أيلول 1982 وذهب ضحيتها حوالى 3500 مدني
فلسطيني
ولبناني قتلوا على أيدي الميليشيات اليمينية اللبنانية المتحالفة حينذاك مع
إسرائيل) وتوقف بعضها عند الجانب العسكري أو السياسي أو
الوثائقي الذي بات معروفاً
جيداً في الأوساط الفلسطينية واللبنانية والعربية وأمام المحاكم الدولية،
تؤكد زحيل
في لقاء مع «الحياة» أن «وادي الدموع» لم يتطرق إلى أي من تلك الجوانب. بل
هو
يتمحور «حول فكرة إنسانية بالدرجة الأولى» وفيه إدانة صارخة
لمجمل الانتهاكات
الفظيعة لحقوق الإنسان والتي تعرّض إليها أشخاص مدنيون أبرياء في الشرق
الأوسط
وخارجه ولا يزالون يعيشون في ظل معاناة وآلام يومية ينبغي تسليط الضوء
عليها وجعلها
مدخلاً لحل أممي شامل».
وتشير زحيل إلى أن هذه النزعة المثالية المتمثلة في منحى الفيلم
الإنساني هي
بمثابة «رد غير مباشر» على الفيلم الإسرائيلي «رقصة فالس مع بشير». وتكتفي
زحيل
بهذا القدر من المعلومات المقتضبة «حرصاً على عدم كشف المفاصل الأساسية
للفيلم
وغيرها من التفاصيل الدقيقة».
وفـــي السيـــاق ذاته ترى ناتالي كوبال بطلة الفيلم (ممثلة كندية
كوميدية
وواضعة الموسيقى التصويرية للفيلم) أن «الفيلم يبتعد عن الخطاب التقليدي
الذي
نتلقاه عندنا عن الأحداث التي تجرى في الشرق الأوسط».
أما وقائـــع الفيلــم فتـــدور حــول «علي» وهـــو شاب فلسطيني نجا
من المجزرة (ويقوم
بدوره زياد كرم) تتلقــى منــه مريم (كوبال) بحكم كونها ناشـــرة متخصصة
بجمع شهادات الناجين من الإبادات الجماعية في العالــم،
أوراقاً عدة ترد تباعاً إلى
مكتبها فـي مونتريال. ويتحدث فيهـــا عن مأساته كنمــوذج لمعاناة العديد من
فلسطينيي المخيمات. وتشاء الصدف أن تتعـرف كوبال على المصري جوزيف أنطاكي
(جوزيف)
الذي يتولى دهان المكتب الذي تعمل فيه. ويزودها هذا بمعـلومات وصور أخرى عن
مآسي
الفلسطينيين، الأمر الذي دفعها ليس إلى الاكتفاء بما يردها من رسائل
ومعلومات أو
الاطلاع على تقارير المنظمات الدولية أو ما ينشر على مواقع
الإنترنت وحسب، بل حتى
إلى السفر إلى لبنان وزيارة مخيم صبرا وشاتيلا ولقاء أفراد من أسرة «علي»
وغيرهم من
أبناء العائلات الفلسطينية. «فاكتشف، كما تقول، معلومات جد مؤثرة وغير
متوقعة تذكر
بفظاعتها ما خلفتــه حـــروب الإبـــادة القذرة في أكثر من منطقة في العالم».
ولدى
سؤال المخرجة عن الرسالة التي تود إبلاغها تقول: «على رغم أن الفيلم يؤرخ
لجانب مأسوي من مشكلة الشعب الفلسطيني المعقدة جداً، إلا أنه
في الوقت نفسه رسالة
سلام تناهض كل أشكال الكراهية والعنف والحقد تلافياً لغرسها في نفوس
الأجيال
الصاعدة».
الحياة اللندنية في
02/12/2011 |