أنها الممثلة السينمائية الأسيوية الأكثر قرباً من أوروبا ومن فرنسا
بالتحديد،
فميشيل يوه هي السفيرة الرسمية لدار جيرلان الفرنسية العريقة في إنتاج
مبتكرات
التجميل. ويوه البالغة من العمر 49 سنة، هي بطلة الفيلم الجديد الذي أخرجه
السينمائي الفرنسي لوك بيسون بعنوان «ذي ليدي» (السيدة) والذي
يروي سيرة المناضلة
البورمية أونغ سان سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام. ويسلط سيناريو هذا
العمل
الضوء أولاً على الحياة الشخصية لسو تشي وعلاقتها مع زوجها البريطاني الذي
توفي في
بلده بينما منعت هي من مغادرة بورما كي تكون إلى جانبه في
أيامه الأخيرة من كفاحه
ضد المرض الخبيث. اضافة إلى تطرق الفيلم إلى الكفاح الوطني الذي قاد ولا
يزال حياة
سو تشي من أجل الحرية وضد الديكتاتورية.
وميشيل يوه هي إحدى أشهر بطلات السينما في هونغ كونغ. بدأت مشوارها
الفني بعد
اختيارها ملكة جمال ماليزيا لأن جذورها تعود إلى هذا البلد، وبعدما كانت
تنوي
احتراف الرقص الكلاسيكي حصلت على دور سينمائي في فيلم صيني ناجح فتح أمامها
أبواب
الشاشة الفضية واسعة. ولأن الأفلام هناك مبنية أساساً على
الحركة الموروثة عن
بطولات النجم الراحل بروس لي، تدربت يوه على كل أنواع الألعاب الرياضية
الأسيوية
وصارت خبيرة محترفة فيها، فلاحظها منتج أميركي وعرض عليها المشاركة في فيلم
«الغد
لا يموت أبداً» وهو من أفلام جيمس بوند. فوافقت يوه بطبيعة الحال وذاع
صيتها بعد
توزيع هذا العمل في العالم، فنالت بطولة فيلم «النمر والتنين»
الصيني الأوروبي
المشترك، وفيه جمعت بمهارة فائقة بين الحركة والرومانسية وبدت جميلة
وجذابة، مقدمة
الدليل على أنها امرأة حلوة ناعمة ذات صوت دافئ، وليست فقط عبارة عن جيمس
بوند
مؤنث. وأثبتت يوه قدراتها الدرامية والرومانسية ثانية في فيلم
«ذكريات غيشا» الذي
تقاسمت بطولته مع فنانتين صينيتين من الدرجة الأولى هما غونغ لي وزانغ زي
يي.
وفي باريس حيث أتت يوه كي تروج لفيلم «ذي ليدي» التقتها «الحياة»
وحاورتها.
·
هل يمكن اعتبار شخصية أونغ سان
سو تشي بفضل وجوهها المتعددة، من أقوى
أدوارك فوق الشاشة حتى الآن؟
-
شخصية سو تشي هي فعلاً وبلا أدنى شك أجمل وأقوى وأصعب أدواري
حتى الآن، وذلك
لأسباب عدة، منها، مثلما تذكره أنت، تعدد شخصية هذه المرأة من مناضلة في
سبيل
السلام إلى زوجة مخلصة تعشق رجل حياتها وتحب أولادها إلى ما لا نهاية وفي
الوقت
نفسه تختار كفاحها السياسي فضلاً عن حياتها العائلية كزوجة
وأم، ومن ذلك إلى نجمة
عالمية حصلت على جائزة نوبل للسلام وكتب عنها الإعلام الدولي في شكل مستمر.
ولكن
ربما أن الأصعب في الموضوع هو كونها موجودة بالفعل وعلى قيد الحياة وكان
علي أن
أبدو مثلها وفي الوقت نفسه من دون أن أقلدها.
·
كيف فعلت إذاً؟
-
شاهدت مئات تسجيلات الفيديو التي تظهر فيها، وذلك مرات ومرات،
ورحت أتمعن في
طريقة مشيها وأسلوبها في النطق وكيف تغيرت مع مرور الأعوام بسبب تعبها
الجسدي
والنفسي، وإن كانت التغيرات طفيفة إلى حد ما. لقد تشربت شخصية أونغ سان سو
تشي
تدريجياً أكثر مما قلدتها، وهذا ما صنع نوعية أدائي في الفيلم.
·
تخطبين باللغة البورمية في
الفيلم، فهل تتكلمينها أصلاً؟
-
لا أبداً وهي من أصعب اللغات. لقد تعلمتها على يد معلم خاص
لمدة شهور طويلة
كنت في خلالها أردد العبارات وأنا في سيارتي أو في الشارع أو في مطبخ بيتي
وحتى
وأنا في فراشي. لقد فعلت ما كان لا بد من فعله حتى أكون صادقة فوق الشاشة،
ونجحت
بما أن عدداً من الكومبارس في الفيلم كانوا من بورما وأكدوا لي
أنهم تخيلوا وهم
يسمعونني أنهم يعايشون أحد خطابات سو تشي.
·
هل التقيت بها شخصياً؟
-
نعم، ولكن وحدي بما أن لوك بيسون مخرج الفيلم لم يحصل على
تأشيرة دخول إلى
بورما.
·
هل قضيت فترة طويلة في صحبتها
إذاً؟
-
لا ليس أكثر من نصف نهار.
·
وكيف استقبلت هي فكرة الفيلم؟
-استقبلتها بحماس نظراً إلى أن شعارها الدائم هو «استخدموا حريتكم من
أجل أن
تروجوا لحريتنا نحن».
·
هل اقتنعت بك في دورها؟
-
لم تشاهد الفيلم بعد لكنها وضعت ثقتها في خيار المخرج والشركة
المنتجة، وقالت
لي إنها بعدما تعرفت إلي أدركت سبب الخيار المذكور وتأكدت من سلامته. أنها
لا ترغب
في مشاهدة الفيلم قبل فترة طويلة لأنه يصور اللحظات الأخيرة من حياة زوجها
الراحل
في لندن، بينما كانت هي في بورما. وهي لا تشعر بنفسها قوية إلى
درجة النظر إلى
مشاهد قاسية كهذه، وأنا أفهمها كلياً خصوصاً أنها لم تعشها في الحقيقة بما
أنها لم
تكن إلى جوار زوجها حينما لفظ أنفاسه الأخيرة. لقد شاهد أحد أبنائها الفيلم
وأبدى
لنا إعجابه وفخره أمام إخلاص العمل السينمائي لحقيقة حياة أمه.
·
ما هي تفاصيل حكاية الود الذي
يجمعك بفرنسا؟
-
بدأت العلاقة الودية بيني وبين فرنسا خصوصاً العاصمة باريس،
حينما زرتها كي
أروج لفيلم «الغد لا يموت»، وهو فيلم جيمس بوند الذي مثلت فيه إلى جوار
بيرس
بروزنان. لقد تعرفت بهذه المناسبة على مصفف الشعر الشهير ألان ديفير مزين
النجوم،
ومن خلال علاقتي معه وصداقتنا الفورية، زرت في صحبته أحلى ما
في باريس من أماكن
خلابة ومتاحف وملاه ومعارض، غير جمالها الطبيعي وروعة مبانيها. لكنني أعتقد
أن هناك
أساساً تركيبة كيماوية ناجحة بيننا، أنا وهذا البلد، تماماً مثل التركيبة
الموجودة
بين طرفين في أي قصة حب عادية في العالم. بعد ذلك صرت سفيرة
رسمية لدار جيرلان
الباريسية الفاخرة وتوطدت علاقتي بفرنسا أكثر وأكثر.
·
أنت امرأة جميلة وذات قامة تسمح
لك بمنافسة ألمع عارضات الأزياء العالميات،
خصوصاً أن جذورك الأسيوية تمنحك جاذبية مستحبة كثيراً في
الغرب، كما أنك سفيرة لدار
جيرلان للجمال والعطور الفاخرة، فما تصورك للجمال؟
-
الجمال الحقيقي هو ذلك الموجود في النفس وقرارة الذات وهو يشع
إلى الخارج بفضل
حلاوة الروح. ربما إنني جميلة في عين شخص وغير جذابة بالمرة في نظر غيره.
إنها
حكاية ذوق شخصي في النهاية، لا أكثر ولا أقل.
·
هل صحيح أنك بطلة حقيقية في
الرياضات الأسيوية؟
-
أجل فأنا تعلمتها شابة حينما لاحظت أن السينما الأسيوية في
حاجة ماسة إلى
ممثلات يمارسن الألعاب الرياضية الأسيوية مثل الرجال، وذلك من أجل تجديد
روح أفلام
الكاراتيه والكونغ فو وإدخال العنصر النسائي فيه على المستوى نفسه للرجال
وليس فقط
لتمثيل اللقطات العاطفية.
·
هل مارست هذه الألعاب خارج إطار
السينما؟
-
نعم، شاركت في بطولات ودورات كبيرة في الصين خصوصاً وفزت
بجوائز. كما حدث لي
في بدايتي الفنية أن أعمل كبديلة لممثلات أخريات في اللقطات الخطرة. وعلى
العموم
فأنا أديت المشاهد العنيفة كلها بنفسي في كل أفلامي لا سيما في فيلم جيمس
بوند
«الغد
لا يموت أبداً» ثم في «النمر والتنين» حيث كانت الحركات المطلوبة مني تتميز
بصعوبة كبيرة.
·
هل لا تزالين مستعدة لممارسة مثل
هذه الحركات في أفلامك المستقبلية؟
-
لا لأنني أصبت بجروح عميقة، وبما أنني أتقدم في العمر أفضل
الآن العناية بجسدي
والظهور في أدوار أكثر نعومة.
·
ما سبب قيامك بإنتاج فيلم
«الشمال البعيد» بنفسك؟
-
أسست شركة إنتاج «ميثيكال فيلمز» كي أتفرع مهنياً وفنياً،
ولأنني أجــد
تجربــــة الإنتاج السينمائي مثيرة وإن كانت مرهقة وتتطلب من صاحبها قدرة
تحمل
كبيرة وروح مغامــــرة عالية جداً. و«الشمال البعيد» هو أول عمل أنتجته
بواسطة
شركتي، وقررت أن ينتمي الفيلم إلى نوع المغامرات لأنني شخصياً
أعشق أفلام الحركة
والمشاجرات المبنية على صراع الخير ضد الشر، كما أحب أن يتميـــز البطل بكل
المواصفات الحسنة من شجاعـــة فوق العادة ووسامة أيضاً فــوق العادة
ورومانسية فوق
العادة، بينما لا بد من أن يتصف الشرير بسواد الروح وبشاعة المظهر وألا
يتمتع بأدنى
عذر لفعل ما يفعله. وباختصار أحب الحكايات القصوى التي تذكرني
بتلك التي كان يقصها
علي أبي قبل أن أخلد إلى النوم.
·
ماذا عن حياتك العاطفية؟
-
إنها عظيمة، فأنا سعيدة بعلاقتي بجان تود (رئيس الاتحاد الدولي
لرياضة
السيارات) الذي هو شريك حياتي، وأشكرك على سؤالك.
الحياة اللندنية في
02/12/2011
متعة... لكنها رصينة وموقتة
باريس - ندى الأزهري
يبدأ فيلم «زواج موقت» للإيراني رضا سركانيان، بموسيقى إيرانية آسرة
واعدة بعمل رصيـــن لا تقف رصانته مانعاً أمام المتعة، وتأتـــي المشاهد
الأولى على اتساق مع الموسيقى والفكرة الأولية عن الفيلم. دار قديمة واسعة
يتوسطها حوض ماء تحيط به أصص الأزهار وتسبح فيه بطيخة كبيرة تعد هي الأخرى
بمذاق لذيذ. تعبر هذا المحيط الأنيس نسوة في حركة سريعة توحي بالتحضير لحدث
سعيد هو الآخر، يحضر ابن العائلة الشاب الذي أنهى للتو الخدمة العسكرية
محدثاً صخباً مرحاً، يبدأ التعرف إلى الشخصيات بإيقاع يتناسب مع دور كل
منها.
الجد العجوز يصعد ببطء إلى السطح للأذان، خطيبة الشاب تقليدية بلباسها
وحركتها
وتفكيرها، طفلة طهران الزائرة أكثر انفتاحاً على الآخرين من صبية البلدة
الصغيرة،
المرأة التي ابتعدت عن محيطها الضيق هي أيضاً أكثر تفتحاً واستعداداً لمتع
الحياة... الدنيا.
في «زواج موقت» نمنّي النفس بفيلم ممتع من ذلك المنتمي لسينما المؤلف
في إيران. «لكن»،
التي لا بد ينتظرها القارئ بعد هذه المقدمة، هي هنا للأسف، فسرعان ما يبدو
جلياً أن إعطاء صورة «فولكلورية» عن إيران، هو المسيطر على العمل، وأن
مشاهد عدة
أقحمت لتخدم هذا الغرض.
البداية من البيت الكبير الذي تسكنه عائلة تقليدية، الأجداد والأحفاد
يتعايشون
في جو بدا أليفاً. ثمة مشروع زواج بين قريبين من أفرادها، تطيح وفاة الجد
العجوز
بالأحلام، فالتقاليد الاجتماعية تلزم التأجيل سنة حداداً. الشاب لم يعد
يطيق
الانتظار فما الحل؟ زواج موقت، يقترح عليه أحد الشيوخ. ثمة
قضية أخرى معقدة. الجد
أوصى بدفنه في قم (لم يذكر الاسم في الفيلم لضرورات رقابية إيرانية)، بيد
أن عوائق
إدارية تحول أمام ذلك، فما العمل؟ تبدأ رحلة العائلة مع الجثمان لتنكشف من
خلالها
محاولات الفرد المستمرة للالتفاف على كل ما يعيق النزعات
الفردية سواء منها المتعلق
بالتشريعات الدينية أو العادات الاجتماعية أو القوانين الإدارية.
سرد «إيران»
يبدو واضحاً أن سركانيان، في فيلمه الروائي الأول هذا كمخرج وككاتب
السيناريو،
ودَ نقل صور من طفولته احتفظ بها في الذاكرة عن البيت العائلي الكبير، وتلك
الحميمية التي تميز العلاقة بين أفراده، لكن تلك الأجواء والفضاءات
الداخلية التي
وفّق في تمريرها في القسم الأول من الشريط، سرعان ما تهاوت أمام رغبته في
«سرد»
إيران، في مقاربة لطقوسها الاجتماعية ومعتقداتها الدينية باعتماد أسلوب
«التوثيق»
المكثف.
ومن البداية حشدت المشاهد «التوثيقية»: ترميم قبة أثرية، زقاق ضيق
وبيوت قديمة،
مقهى تراثي ونرجيلة تبقبق مياهها، أذان الجد في البيت، حفلة طهور للصغيرين
مع ما
يرافقها من طقوس: وليمة، عرض مسرحي، فرقة موسيقية... وفاة الجد مع ما يتوجب
من
مراسم الدفن، درس في التيمم وخطاب رسمي عن حقوق المرأة في
الإسلام، تعاليم عن
الزواج الموقت...
رصد لليومي الإيراني قد يكون مقبولاً لو جاء في السياق، لو لم تتخمه
مشاهد أخرى
تتابعت على مدار الفيلم وجعلت الخط العام للسرد يتشعب في متاهات فرعية
مغلقة.
فالحديث عن هاجس الشباب الإيراني في
العلاقات الجنسية، في شرب الخمرة... وعن دور
الدين والعائلة في تنظيم حياة الفرد، مواضيع أكثر من كافية ولم
تنل حقها بمعالجة
معمقة.
وفي خضم العرض الفولكلوري لإيران، أقحمت شخصيتان لصحافيين فرنسيين
كانا يصوران
فيلما عن حقوق الإنسان والمرأة بخاصة في إيران، فزادتا الطين بلة. فهنا
كانت مناسبة
لسماع واعظة في مسجد تصرّح بعبارات خطابية من قبيل «لا توجد امرأة إيرانية
الآن، بل
هناك المرأة الإيرانية المسلمة...»! ثم لتجيء زيارتهما كنيسة
إشارة فجة لمشاهد غربي
على أن ثمة كنائس في إيران!
بطاقة سياحية
أما الإشارة إلى المعجزات في الحرم والاستخارة من القرآن التي يلجأ
الإيرانيون
إليها بكثرة، واحتفالات عاشوراء مع صرخات الفتيات الصغيرات المشاركات
والمحجبات
بالكامل، وقبور الشهداء... فلم تكن أكثر من بطاقة سياحية.
جاء التوثيق مبتوراً لا يُفقه منه شيء، ولا تتطلبه ضرورات السرد. وإن
كان
المشاهد الإيراني (الذي لن يشاهد الفيلم) يعرف تماماً المعاني التي تتضمنها
تلك
اللقطات ويمكنه الاكتفاء بما بان منها، فإن المشاهد الغربي لن
يدركها وقد قدمت بهذه
الصورة المسطحة، وستزيد من غموض الأمور لديه. أما على الصعيد البصري، فقد
لعب
المكان دوراً إيجابياً في بداية العمل حين كان الفضاء محصوراً بالبيت
الكبير وما
يحيطه لكن الانتقال نحو فضاء أرحب، لا سيما في القسم الثاني،
لم يضف شيئاً للصورة
فظلت مؤطرة لم تنفتح على المكان.
لمسات بلا حجاب
رضا سركانيان مخرج إيراني فرنسي يقيم في فرنسا. بعد «صراع» مع الرقابة
الإيرانية، حصل السيناريو على الموافقة وجرى التصوير بمشاركة إيرانية في
الإنتاج،
وكان مقرراً عرض الفيلم في مهرجان فجر 2010 وأعلن عنه في كتالوغ المهرجان
تحت عنوان
(أقرب
من الأقارب)، لكن المخرج لم ينتهِ منه في الوقت المحدد كما أعلن آنذاك.
بعدها علمنا أنه أخرج النسخة من إيران، ثم رغب في عرضها في قسم
الموزعين
المستقلين في مهرجان كان الأخير، لكن الوفد الإيراني اعترض معتبراً أنها
ليست
النسخة المتفق عليها مع المخرج. وكيف لها أن تكون؟!
في أحد المشاهد يبدو الشاب المجند وهو يمسد قدم أرملة أخيه، القادمة
لزيارتهم من
طهران، ثم تظهر تلك في مشهد آخر من دون حجاب. لكن هنا، لا يمكننا القول إن
المشهدين
كانا مقحمين. لقد أظهرا ما يمكن أن يعتمل في نفس شاب حين يلمس امرأة للمرة
الأولى
أو يراها كما هي جذابة مثيرة، مختلفة عن خطيبته التي لا تريد
حتى الكلام معه خوفاً
من الأعين وكلام الناس.
بالطبع نتفهم رغبة المخرج في إظهار لقطات جريئة هي في رأيه أكثر
تعبيراً عما
يختلج في نفس الشاب من لواعج الشهوة، لقطات كانت موفقة في الواقع، لكنها
ستحرم
الفيلم من العرض في إيران. فهل أدرك المشاهد الغربي الذي يعرض له الفيلم
حالياً في
الصالات الفرنسية، تضحية كهذه؟
ربما، فالفيلم حظي بإعجاب الكثير من النقاد في فرنسا.
الحياة اللندنية في
02/12/2011
«ليه
يا بنفسج؟» لرضوان الكاشف:
علي يعود
إلى الحارة برصاصة وخيبة
!
إبراهيم العريس
اللقطة في حد ذاتها تبدو للوهلة الأولى أقلَّ لقطات الفيلم جمالاً من
الناحية
التكوينية، فالديكور رمل صحراوي كأنه بلا نهاية، وهناك شيء من
الحرارة المتعبة
يخيّم على المكان، والأشخاص الثلاثة الذين
يشغلون حيزاً من ذلك الديكور الصحراوي
الأجرد، ينظرون الى اللامكان، ويعزفون على
آلاتهم الموسيقية من دون أن يعبأوا بما
إذا كان ثمة جمهور يستمع اليهم. والحقيقة
ان ليس ثمة جمهور في هذا المكان الصحراوي،
ولو اقتربت الكاميرا من وجوه العازفين للاحظت تناقضاً كبيراً بين التعابير
التي
تحملها هذه الوجوه وبين إيقاع العزف نفسه، فالعزف ينتمي الى عالم مرح لا شك
فيه،
والى رغبة في العيش ومواصلة الحياة رغم كل شيء. اما سمات الوجوه، فتنتمي
الى
الديكور الصحراوي وخوائه وحرارته القاتلة، فهل ننطلق من هنا لنقول
استطراداً إنه
نَدُرَ لفيلم أن حمّل مشهده الاخير كل هذه الدلالة التي تربطه بعنوانه؟
وبكلمات
اخرى: أن حمّله كل ذلك الحزن والأسى الذي ينبعث من مطلع أغنية صالح عبدالحي
المعروفة: «ليه يا بنفسج بتبهج وأنت زهر حزين؟».
>
هذا السؤال الذي يطرحه صالح عبدالحي، مغني الثلاثينات الشهير،
على البنفسج،
أوليس هو هو الذي يطرحه الفيلم على شخصياته الرئيسية الثلاث؟
واستطراداً، أوليس هو
هو السؤال الذي يتوجب علينا ان نطرحه على
كل أولئك المبدعين العرب الذين يسابقون
الزمن السميك والموت البطيء، ليُخرجوا من
صلب همومهم وهموم مجتمعاتهم اعمالاً تبهج
كالبنفسج؟ فيلم «ليه يا بنفسج؟» فيلم حزين، ونادراً ما اتسم عمل سينمائي
عربي
بمقدار الحزن الذي ينضح به فيلم رضوان الكاشف. والمخرج لا يحاول ان يخفي
مصدر حزنه:
إنه الإحباط الذي يعيشه ابناء أجيال أقبلوا على الحياة وهم مفعمون بالأمل،
لكن هذا
الامل سرعان ما تبدّى سراباً، وسرعان ما خابت الأحلام واستحال كل مشروع
للخروج
محاولة للضياع او الموت. وما موت علي بوبي، رابع الأصدقاء الذي لا نراه الا
في
اللحظات الاخيرة من الفيلم، سوى المؤشر على اتجاه الريح. والحال ان علي
بوبي هو
الشخصية الرئيسية في «ليه يا بنفسج؟»، ويتجلّى في غيابه أكثر مما في حضوره.
>
فهذا الهامشي الذي عرف كيف «يخرج من الحارة» باكراً، غدا
المثالَ
والأسطورةَ بالنسبة الى رفاقه، وغدت قصة نجاحه أملهم الوحيد.
ومن هنا نراه يطالعنا،
عبر غيابه الجسدي وحضوره الأسطوري، منذ
لحظات الفيلم الأولى. وبالنسبة الى أصدقائه
الثلاثة احمد وعباس وسيّد، لا بأس في ان يظل كلُّ شيء مؤجلاً، ولا بأس من
الغوص في
ألاعيب ومناورات الحياة اليومية، ريثما يتيسر لكل منهم سبيل ان يكون علي
بوبي
جديداً، ليصبح بدوره أسطورة النجاح عبر الخروج من الحارة، من حياة البؤس
والهامش،
ومن رتابة اليومي. هذا هو الأطار الأسطوري الذي يضع فيه رضوان الكاشف
شخصياته،
ويحركها ببطء في تصادم علاقاتها. يحركها في اليومي، وكل منها يتطلع الى
الاسطوري،
الى حكاية النجاح المقبلة. ولأن رسم اليومي الرتيب الذي لن يخرقه سوى
الخروج، هو
المحور الأساسي لفيلم «ليه يا بنفسج؟»، كان من المستحيل رسم حكاية تمفصل
الفيلم،
فوجود حكاية هنا لا يستقيم مع هامشية الاصدقاء، فالشرط الأساس للهامشية
خلوّها من
المفاجآت، من الحكايات. ومن هنا لم يكن غريباً ان يعلن رضوان الكاشف تأثره
بكتّاب
الستينات في مصر، فيهديهم فيلمه، فمن إبراهيم اصلان الى محمد البساطي، ومن
سعيد
الكفراوي الى يحيى عبدالله، مروراً ببهاء طاهر وغيره، صنعوا أدباً يقف ضد
الحكاية،
أدب مناخ، أدب انتظار، ورتابة الحياة، والتصادم بين الشخصيات وبين الواقع
والاحلام
تصادماً يمنع حدوث أيِّ تبدّل أساسي، ولو على صعيد التحوّل السيكولوجي
للشخصيات. ما
اراد هذا الأدب ان يقوله، وما سعى رضوان الكاشف (ومشاركه في كتابة
السيناريو
والحوار سامي السيوي) قوله، انما هو هذا اليومي الذي يتكرر الى ما لا
نهاية، مع وعد
دائم بالتغيير وتجدد الأمل رغم كل ضروب الاحباط. فهل نحن بعيدون جداً عن
المنتظر،
من دون أن يأتي ابداً؟
>
حول موضوعه هذا، بني رضوان الكاشف مناخاً تمثله حارةٌ هي اقرب
الى حارة
«الكيت كات»، التي رسمها داود عبدالسيد منطلقاً من «مالك
الحزين» لإبراهيم أصلان،
منها الى حارات نجيب محفوظ او صلاح ابو
سيف، فالحارة هنا هي العالم المغلق، العالم/
الرمز، الذي تسير فيه الحياة ببطء ورتابة من دون أي أمل بحدوث أي تغيير في
(أو من)
الداخل. الأمل الوحيد يكمن في الخروج من هذا العالم. امام استحالة تغيير
الداخل،
امام الرتابة المطلقة لهذا العالم الصغير -الرمز كما قلنا-، تصبح كل الآمال
منصبّة
على رهان الخروج. ولأن الخروج يرتبط بأسطورة النجاح كما مثَّلها -وسنرى
لاحقاً درجة
زيف هذا المثال- علي بوبي، يعيش اصدقاء «ليه يا بنفسج؟» الثلاثة في حلم
الخروج،
خالقين في انتظار ذلك نوعاً من التضامن بينهم وبين العديد من الشخصيات
الهامشية
الاخرى (وكل الشخصيات «في ليه يا بنفسج؟» هامشية على اي حال). وهذا التضامن
ينطلق
من خوف مشترك بين الاصدقاء الشبان من ان يؤول مصيرهم الى ما آل اليه مصير
النماذج
المطروحة امامهم: عيد الذي انتهت احلامه في ان يصبح مغنياً ذات يوم، فتنبه
نهائياً
الى انه ضرير، وتخلت عنه زوجته لتتزوج جاره. ومسعود سائق العربة الذي تحطمت
احلامه
في ان يكون أباً، لذلك راح يعتصر حزنه وخواء حياته كلها وهو يراقب أطفاله
يموتون
واحداً بعد الآخر.
>
ونسجل لرضوان الكاشف في مجال رسمه للشخصيات، أنه عرف كيف يوجِد
لكل شخصية
معادلاً، ورمز ذلك شخصية نادية التي عاشت
فترة مع فواز سارق الحمير، لتقع بعد ذلك
في حب احمد، لكنه يصدّها فتتزوج من صديقة عباس كي تظل قريبة منه، ثم تسرق
مع هذا
الاخير العربة التي وضعها احمد في تصرف اصدقائه وعيشهم المشترك، وكان ورثها
من
عمته. فبالنسبة الى الهامشيين، لا يجوز لأحد ان يمتلك شيئاً بمفرده. لكن
عباس
المتسرع وغير القادر على انتظار تحقق الحلم (الخروج) الى النهاية، يحاول ان
يخرق
قواعد اللعبة ثم يعود من دون امل، في الوقت الذي يعيش صديقه سيد علي حلم
الزواج
منها. ولئن كان علي بوبي يمثل بالنسبة الى اصدقائه حلم الخروج، فان «فتاة
القصر»
التي لا نراها الا عبر احلام احمد، تمثل ايضاً بالنسبة اليه حلماً يرتبط
بحلم
الخروج المستحيل. «فتاة القصر» وعلي بوبي، هما نقطتا الأمل بالنسبة الى
احمد. وأحمد
هو محط امل لوسي ونادية، ونادية محور غرام عباس وفواز. ان هذا التشابك
الازدواجي
الذي يطالعنا في كل لحظة من لحظات الفيلم، يطالعنا كذلك في التصرفات: نادية
تساعد
احمد على سرقة الحمار من فواز، بعدما كانت تواطأت مع فواز على سرقته! ثم
تساعد عباس
على سرقة العربة. وسيد يطرد من المختبر الذي يعمل فيه بعد انكشاف سرقته
للأرانب
ليأكلها مع اصدقائه... إلخ.
>
هذا التكرار للتصرفات، مع تحميلها في كل مرة دلالة مختلفة
تماماً عن
دلالتها الأولى، هو الذي يعطي لهذا الفيلم جزءاً من جِدّته
وطرافته. ففي عالم
الحارة (الرمزية) هذا، يجب ان تنتظم
الاحداث الصغيرة في توالد تصاعدي، وفي تشابه -ولكن
في اختلاف من ناحية المنظور والنتيجة- بعضها مع بعض، وذلك بهدف ضرب البعد
الوعظي الذي يفترض به ان يستدعي على الدوام رد فعل واحداً: فالسرقة مدانة
اساساً،
من الناحية الاخلاقية. ولكن المسألة تصطبغ بالنسبية حين ننظر إليها
انطلاقاً من
فاعلها او الغاية المتوخاة منها.
>
قد لا تكون هذه كلها، في نهاية الامر، سوى تفاصيل صغيرة. ولكن
في فيلم مثل
«ليه يا بنفسج؟» تصبح التفاصيل الصغيرة هي الاساس، لأنها
التراكم الذي يقود الى
الموقف النهائي، الموقف الذي يصبح تكثيفاً
لكل ما سبق، فحين تصل احلام الاصدقاء الى
ذروتها وتكاد تختمر لديهم رغبة الخروج للسير على منوال علي بوبي، يعود علي
بوبي الى
الحارة، ولكن ليس عودة المنتصر، بل عودة المهزوم. يعود وقد أصيب بطلقة رصاص
تقضي
عليه، وسط حزن أصدقائه وذهولهم. وهكذا، خلال أقل من دقيقتين، ينسف رضوان
الكاشف
الأساس الذي انبنت عليه احلام الاصدقاء. فما هو النجاح الذي حققه علي بوبي؟
لقد
كشفته اللحظات الاخيرة لنا مجرد لص خرج من عالم السرقات الداخلية الصغيرة،
غير
المؤذية في نهاية الامر (والتي يمارسها فواز أو سيد أو عباس أو اي فرد آخر
من افراد
الحارة)، الى عالم السرقات الكبيرة التي ان فشلت يُقتل القائم بها ويعتبر
خارجاً
على القانون، وإن نجحت يصبح صاحبها من رجال الاعمال وسادة المقاولات. وحالة
علي
بوبي تقول لنا إن النجاح استثناء، مجرد استثناء للقاعدة.
>
هذا هو الخط الذي رسم عليه رضوان الكاشف فيلمه الأول، هو الذي
درس الفلسفة
والسينما وعمل كمساعد مخرج في اكثر من عشرين فيلماً، قبل ان
يخوض هنا تجربته الأولى
فيكشف عن حساسية وأناقة في رسم المناخ، وعن
مقدرة تفوق المتوسط في التعامل مع
ممثليه (علماً بأن معظمهم يعتبر نجماً في
القاهرة، ومعروف كم ان التعامل مع النجوم
صعب!)، وعن إدراك للعبة التصعيد في الفيلم حتى لحظة التوتر الاخيرة. ويوم
خرج هذا
الفيلم من استديوهات القاهرة في العام1993 اعتبر رضوان الكاشف مخرجاً
واعداً غير ان
القدر كان له بالمرصاد إذ انتزعه الموت المبكر وهو في عز شبابه وعطائه، فقط
بعد ان
حقق أفلاما قليلة اخرى، من أبرزها «عرق البلح» و «الساحر».
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
02/12/2011 |