كانت من أوائل الفنانين الذين شاركوا في ثورة 25 يناير، في وقت التزم فيه
بعض النجوم الصمت بينما دافع البعض الآخر عن نظام فاسد، وبعد الثورة أسست
حزب «المساواة والتنمية» الذي تترشح عنه للانتخابات البرلمانية.
إنها الفنانة تيسير فهمي التي تكشف، في دردشة مع «الجريدة»، دوافع ترشحها
ومدى تأثير عملها السياسي على مشوارها الفني.
·
لماذا ترشحت لنيل مقعد في مجلس
الشعب في هذه المرحلة بالذات؟
قبل الثورة قامت الحياة السياسية على الحزب الواحد والتزوير، بالتالي كان
من الصعب خوض التجرية في ظل هذا المناخ، لكن بعد الثورة اختلف الوضع
وازدادت مساحة الحرية والتغيير، لذا أنشأت حزب «المساواة والتنمية» ثم قررت
الترشح لمجلس الشعب الذي تسنّ فيه القوانين وتتمّ عبره مراقبة أداء
الحكومة.
·
ما الهدف من وراء خطوتك هذه؟
مساعدة البسطاء على إيصال صوتهم إلى المسؤولين والمشاركة في تحسين مستوى
معيشتهم وتوفير فرص عمل للشباب.
·
ما أبرز خطوط برنامجك الانتخابي
الذي تسعين إلى تنفيذه في حال نجاحك؟
أنا مهمومة بالإنسان المصري البسيط وأسعى إلى رفع الظلم عنه بعد عقود من
الفساد. في مقدمة الخدمات، الاهتمام بالصحة والتعليم المجاني ورفع الحدّ
الأدنى للأجور ليحيا المواطن حياة كريمة كونه نواة الاقتصاد والتنمية،
إلغاء الامتيازات التي يحصل عليها عضو مجلس الشعب، إذ يفترض أنه ترشح لخدمة
المواطن وليس للحصول على امتيازات مالية أو حصانة يحتمي بها، المساواة
والعدالة بين المواطنين من دون تفرقة بين نوبي أو سيناوي أو قاهري، بمعنى
التوزيع العادل للخدمات على مستوى الجمهورية وللثروة وتوفير الوظائف والفرص
لأفراد المجتمع.
·
ما تقييمك للمشهد السياسي اليوم
وغياب الأمن وأداء الحكومة وتوقيت الانتخابات؟
ثمة مخطط منظم لبث روح اليأس بين الناس وإجهاض الثورة ومطالبها للعودة إلى
الوراء وإبقاء الحال على ما هي عليه، وغياب الأمن المتعمد هو جزء من هذا
المخطط، لكن بالصبر وسياسة النفس الطويل والثبات على مطالب الثورة ستمرّ
المرحلة الانتقالية وتحقق الثورة أهدافها على رغم محاولة قتلها.
·
يتردّد أن مستواك الاقتصادي لن
يجعلك تشعرين بالبسطاء، فما ردّك؟
غير صحيح، فعندما نزلت إلى ميدان التحرير أثناء الثورة كان ذلك لأجل شعب
مصر، ولأردّ الجميل إلى «الناس الغلابة» الذين صنعوا من ابنة الطبقة
المتوسطة فنانة تنعم بالرفاهية.
·
ما فرصك في النجاح، خصوصاً أن
الحزب ما زال وليداً؟
لا تعنيني فرصتي في النجاح، سأخوض المعركة الانتخابية لأجل الشباب الذين
يساندونني بهدف تحقيق أحلامنا في حبّ مصر.
·
هل تنوين اعتزال الفن والتفرغ
للسياسة أم ستوفقين بين الاثنين؟
ليس الأمر اعتزالا بقدر ما هو أولويات. تمرّ مصر بمرحلة انتقالية خطرة
وتحتاج إلى جهد كل مواطن مخلص. ليس مهماً أين أقف، بل ما سوف أقدّم للوطن
في هذه الظروف، وأنا اخترت أن أكون بين الناس وأساهم في البناء لنعبر هذه
المرحلة. هنا لا بد من إنكار الذات وعدم التفكير في شيء بخلاف ذلك، بالتالي
المشاريع والقرارات مؤجلة إلى أن نعبر هذه المرحلة.
·
هل لهذا الأمر علاقة بنجاحك في
الانتخابات؟
أبداً. حتى إن لم أوفق فيها سأستمر في خدمة الناس والمشاركة في بناء الوطن.
أما الفن والأعمال الخاصة فهي مؤجلة إلى أجل غير مسمى. أنا متفرغة للعمل
السياسي راهناً والعودة إلى الفن مرهونة بعبور المرحلة الخطرة وليس الفوز
أو عدم الفوز في الانتخابات.
·
هل نفهم من كلامك أنك لن تشاركي
في أعمال فنية قريباً؟
أنا مشغولة حالياً بالأحداث السياسية والصراعات والتناقضات التي تعيشها
مصر، ليست المسألة مصر وحدها فالموضوع أكبر من ذلك، خصوصاً أن الخارطة
السياسية تدار بخطة محكمة على منوال واحد لإرجاعنا إلى عهود الظلام.
·
حملت أعمالك الفنية الأخيرة صبغة
سياسية، فهل هي السبب وراء حماستك للعمل السياسي؟
مواقف الفنان السياسية جزء من شخصيته، بالتالي كان لها دور في خياراتي، ثم
ليس منطقياً أن أنشغل بقضية أو مشكلة وعندما تأتي الفرصة لمناقشتها أتقاعس،
عندها سيشعر المشاهد بعدم المصداقية لأن الأعمال تختلف عن الآراء، وإن كنت
أرى أن ما قدمته لم يكن كافياًَ للمشاركة بفاعلية مع الناس.
·
ثمة أصوات تطالب بإلغاء الرقابة
على الأعمال الفنية، فما رأيك؟
أنا مع حرية الإبداع وضد مصادرة الفكر أو الرأي. قامت الثورة لأجل الحرية
والديمقراطية، لكن ثمة ثوابت دينية وعادات وتقاليد وأخلاق تحكمنا وأنا ضد
الانحلال والإسفاف تحت مسمى الحرية.
قُدمت أعمال فنية كثيرة بعد الثورة لم تخلتف عن تلك التي عرضت قبلها.
لأن تنفيذها بدأ قبل الثورة، بالتالي كان التغيير فيها صعباً. عموماً، نحن
في بداية الثورة والتغيير قادم وسيطاول الفن حتماً وسنرى أعمالاً جادة تليق
بالحدث، لكن بعد فترة ليست بقصيرة.
·
انخرط فنانون في العمل العام بعد
الثورة، كيف تقيمين تجاربهم وهل يكفي العمل الفردي أم لا بد من عمل جماعي؟
في السابق، كان المناخ غير صحي للمشاركة في العمل العام، وبعد التغيير قرر
الجميع المشاركة احتفاء بما حدث، فعلى كل من يرى في نفسه القدرة على خدمة
الوطن والناس ألا يتقاعس عن ذلك سواء كان فناناً أو صحافياً أو مواطناً
عادياً، المهم ما يقدمه ويسهم به في هذا التوقيت بالذات.
الجريدة الكويتية في
28/11/2011
أصل واحد ووجوه كثيرة!
كتب: رولا عسران
«لن أعيش في جلباب زكي»، شعار يرفعه البعض من نجومنا الشباب الذين وضعتهم
الجماهير وأقلام النقاد، قهراً أو سهواً أو عمداً، في دوائر الاتهام
بتقليدهم الراحل المبدع أحمد زكي. في مقدمة هؤلاء: محمد رمضان، عمرو سعد،
آسر ياسين ومحمود عبد المغني. حتى نجل الراحل هيثم زكي لم يسلم من هذا
الاتهام.
هل أدَّت الملامح دورها في هذا التشابه/ الاتهام، أم أن روح زكي تلبست
هؤلاء النجوم، أم أن إعجابهم بفنه هو السبب في مساحات التشابه تلك؟ سؤال
آخر يفرض نفسه: هل تشهد الساحة الفنية فناناً على القدر نفسه من موهبة زكي؟
في مقدمة المتأثرين بفتى الشاشة الأسمر أحمد زكي ابنه هيثم، الذي شقَّ
طريقه في عالم الفن عبر فيلم «حليم» (آخر أعمال الراحل)، بعدما تعذَّر على
زكي أداء مراحل الشخصية العمرية كافة لسوء حالته الصحية.
استعان مخرج الفيلم شريف عرفة بهيثم لشبهه الكبير بوالده، فأدى دور
العندليب الأسمر في شبابه.
يحمل هيثم روح والده وشكله إلى حد كبير وبعض حركاته أيضاً، لكن لا يد له في
ذلك ويمكن القول إنه الوحيد الذي قد يُغفر له اقتراب أدائه من والده
الراحل. يقول هيثم: «والدي موهبة كبيرة مضافةً إليها خبرة طويلة، ولعل أحد
أهم أسباب انتقاد دوري في فيلم «البلياتشو» هو توقع الجمهور أن أكون على
مستوى والدي نفسه، وهو أمر غير صحيح بالطبع. المقارنة مستحيلة وغير جائزة
أصلاً، ناهيك بأنني لا أملك الخبرة الكافية، ولم أدرس فن التمثيل بشكل
متخصص. لذلك اجتهدت في تطوير أدواتي كممثل عبر حضور دورات تدريبية في مجال
التمثيل، خصوصاً قبل أن أبدأ في تصوير أي عمل جديد لتعويض عامل نقص
الخبرة».
يضيف هيثم: «ليس من المنطقي أن أكون نسخة عن أحمد زكي، لذا أجتهد في
الاستقلال بأدائي، ولا أرى في ذلك ما يعيب لأنني من المفترض أن أقدم
جديداً».
ممثلون شباب كثر يبدو عليهم التأثر بزكي واضحاً، أبرزهم عمرو سعد الذي يلفت
النقاد إلى تقليده الفاضح لعندليب الشاشة، لا سيما في مسلسل «شارع عبد
العزيز» حيث جاء أداؤه متشابهاً مع أداء زكي في فيلم «الهروب»، سواء في
الملابس أم الأداء الحركي.
الاتهام نفسه لحق بعمرو عندما قدَّم فيلمه «دكان شحاتة» حيث تقمص روح زكي
وملامحه من «الهروب» أيضاً.
على رغم أن عمرو سعد يستطيع أن يبتعد عن منطقة أداء زكي كما تؤكد أقلام
كثيرة، إلا أنه على حد توصيفها يصرّ على هذا، ربما كي يكسب تعاطف جمهور
الراحل الذي لم يملأ فراغه حتى الآن أي ممثل آخر.
محمود عبد المغني أيضاً أحد الممثلين الذين حاصرهم الاتهام نفسه في الأداء،
لكنه يقول: «لا أشبه أحداً، ولست أقلل هنا من قدر ممثل عظيم مثل أحمد زكي.
لكن يجب علىّ أن أطور أدائي دائماً وأن أنوع فيه، ولا أنكر كغيري أنني
تأثرت به وبتجربته التي تتسم بثراء شديد هو وغيره من نجوم، لكن تقليده أو
أن يكون أدائي متشابهًا لأدائه فهو ما أرفضه تماماً، خصوصاً أن جيل الشباب
يجب أن يرفع شعار التجديد ويتمسك به. أي أن نبدأ من حيث انتهى جيل الكبار
كي نستطيع أن نقدم تجارب تتسم بطبيعة مختلفة عن تجاربهم».
يقف محمد رمضان بحسب بعض النقاد على مسافة قريبة من أحمد زكي، منذ بدايته
في مسرحية «قاعدين ليه» مع النجم سعيد صالح حيث قدم شخصية شاب يحاول
الالتحاق بمعهد السينما ليصبح ممثلاً، وكان دوره كوميدياً يعتمد على تقليد
زكي في فيلم «أيام السادات».
الغريب أن رمضان لم يبتعد عن أداء «دور زكي» في معظم أعماله اللاحقة. حتى
إنه لم يتردد في قبول دور قدمه زكي في فيلم «النمر الأسود» الذي أعيد
إنتاجه للدراما التلفزيونية.
يجيب محمد رمضان عن سر تشبيهه بالنجم الراحل بقوله: «ربما لأني قدمت أدوراً
تتعلق مباشرة بالنجم أحمد زكي، ففي مسلسل «السندريلا» جسَّدت شخصية «أحمد
زكي»، لهذا السبب ربط الناس بيني وبينه. لا يضايقني هذا التشبيه وأعتبره
أمراً جيداً، بل شرفاً وتكريماً لي».
بدوره نفى آسر ياسين تقليده أحمد زكي مؤكداً أن هذا الكلام تردد في بداية
ظهوره، ثم اختفى بعدما بدأ يسلك طريقاً خاصاً به، مشيراً إلى أن تشابه أداء
أي ممثل جديد مع أداء زكي شرف للممثل بالطبع، لكنه يفضل أن يكون له أسلوبه
الخاص.
في هذا السياق، يوضح الناقد ياقوت الديب أن أي فنان يحاول تقليد زكي يفشل
دائماً لأن التقليد عمره قصير، بدليل أن أياً من الفنانين الشباب لم يعلن
صراحة أنه يقلد زكي، لكن الأمر يتعلق بنوعية الأدوار التي تكون قريبة من
شخصيات قدمها الراحل.
أما عن هيثم زكي فيؤكد الديب أنه لا يحاول تقليد والده، لكن الجمهور
والنقاد عقدوا مقارنة بينهما بسبب التشابه في الشكل والحركات بفعل الجينات
الوراثية، ما أدى إلى تعثر خطواته الفنية، لافتاً إلى أن أحد مبادئ نجاح أي
فنان هو أن تكون له شخصيته المستقلة البعيدة تماماً عن المقارنة مع زميل
له، حتى لو كان والده.
الجريدة الكويتية في
28/11/2011
أحمد زكي موهبة لا تغيب! 62 عاماً على ميلاده
كتب: القاهرة – هيثم عسران
«ناصر 56، البريء، الهروب، ضد الحكومة، اضحك الصورة تطلع حلوة، النمر
الأسود، السادات، حليم»… وأعمال أخرى كثيرة قدمها المبدع الراحل أحمد زكي
الذي تمر هذه الأيام ذكرى ميلاده (18 نوفمبر 1949 – 27 مارس 2005)، لتظل
هذه الأعمال دليلاً على أن مبدعاً شديد الخصوصية أغنى شريط السينما
العربية.
نظرة إلى أعمال هذا النجم وإلى آراء النقاد والسينمائيين فيه.
تنوعت أعمال زكي على مدى مشواره الفني بين السياسية والاجتماعية والكوميدية
أيضاً، وطرح في غالبيتها مشاكل المجتمع المصري، فعرض فساد جهاز الشرطة في
«زوجة رجل مهم» وقدَّم النموذج الشريف منها في «الرجل الثالث»، وعرض مشاكل
يعانيها الناس بسبب الروتين في الإجراءات الحكومية في «أربعة في مهمة
رسمية».
كانت لديه قدرة مذهلة على تقمّص روح أي شخصية يُعهد له بتجسيدها وليس
تقليدها، فبقدر ما أذهلنا شكلاً ومضموناً في أدائه الرائع لشخصية الزعيم
جمال عبد الناصر في «ناصر 56»، أدهشنا في «أيام السادات» بقدرته على تجسيد
الرئيس الراحل أنور السادات الذي يختلف قلباً وقالباً عن ناصر، وعلى الدرب
نفسها أيضاً جسَّد الدكتور طه حسين في مسلسل «الأيام».
رحل زكي في مارس (آذار) عام 2005 بعد معاناة مريرة مع المرض استمرت لعام
تقريباً، وكان آنذاك يباشر تصوير دوره في «حليم» الذي تناول سيرة العندليب
الأسمر عبد الحليم حافظ، وقدم من خلاله نجله هيثم زكي للمرة الأولى، فأدى
دور حافظ في فترة الشباب.
عُرض الفيلم بعد وفاة زكي بأشهر عدة، ولم يحقق نجاحاً كبيراً في دور العرض
السينمائية، على رغم ميزانيته المرتفعة.
يعتبر الناقد محمود قاسم أن أحمد زكي كان أحد أهم فناني جيله بسبب
اختياراته الجيدة، مشيراً إلى أنه مثل أي فنان لديه أفلام لا تليق بتاريخه
وقدمها للتواجد فحسب منها «ولاد الإيه»، لكنه في الوقت نفسه قدم أعمالاً
برزت فيها موهبته بشكل كبير مثل «البريء» وغيره.
يؤكد قاسم على أن ثمة عدداً كبيراً من المخرجين الذين تعامل معهم زكي نجحوا
في استغلال موهبته وتوظيفها على الشاشة، مثل رأفت الميهي ومحمد خان وداود
عبد السيد، لافتاً إلى أن زكي في بداية مشواره لم يتح له تقديم أدوار
حقيقية، لكنها كانت كافية كي تلفت الانتباه إلى موهبته، ومع بداية
الثمانينيات برز نجمه.
أما الناقد طارق الشناوي فيرى أن زكي اعتمد مبدأ الاحترافية خلال مشواره،
لذا تنوعت أدواره. كذلك نجح في تقديم أنماط اجتماعية مختلفة لمراحل عمرية
متنوعة أيضاً، أهلته جميعها إلى أن يترك بصمة خاصة على شريط السينما.
عملاق الفن
يؤكد الشناوي أن موهبة زكي لا تقل عن كثير من عمالقة الفن، حيث التلقائية
والإحساس الخاص بالشخصية والقدرة على التقمص: «باختصار، موهبته لها خصوصية
لم تشهدها الساحة كثيراً، تماماً مثل النجمة الراحلة سعاد حسني التي شاركته
أكثر من تجربة من بينها «شفيقة ومتولي» و{هو وهي»، وآخر أفلامها «الراعي
والنساء» الذي كان مباراة في التمثيل والإحساس بينهما ومجمل أبطال الفيلم،
ليظل علامة فارقة في مشوار كل منهما.
طارق يشير أيضاً إلى أن زكي كان في بداية مشواره الفني لا يتقبَّل النقد،
لكنه مع مرور الوقت وتقدمه في العمر، بات أكثر تفهماً لهذا الأمر، بل كان
حريصاً على الاستفادة منه في الأعمال السينمائية التي قدمها في العقد
الأخير من حياته.
بدورها، تؤكد الفنانة رغدة التي شاركت زكي مجموعة من أفلامه، ورحلة علاجه
وكفاحه مع المرض، أنه كان فناناً خاصاً وإنساناً مميزاً، إذ كان يتعايش مع
الشخصية إلى الحد الذي يصعب عليه الخروج منها، الأمر الذي عرضه لمشاكل صحية
ونفسية كثيرة.
في الأفلام التي اقتسما بطولتها، كانت رغدة تحرص على مراقبة قدرته المذهلة
على معايشة الشخصيات وتقمصها. كذلك أتاح لها اقترابها منه معرفة طريقة
اختياره لأعماله. تؤكد رغدة أن زكي كان يمضي وقته كله في العمل لاختيار
موضوع لافت وفكرة جديدة. حتى عندما داهمه المرض بدأ تصوير فيلم «حليم» وكان
يستعد لتصوير فيلم آخر بعده، لكن القدر لم يمهله.
مشوار حافل بالجوائز
على مدار مشواره الفني الممتد نحو 30 عاماً، حصد أحمد زكي جوائز عدة في
المهرجانات السينمائية الدولية، في مقدمها مهرجان القاهرة السينمائي حيث
فاز بجائزة عن دوره في «كابوريا» و{طائر على الطريق». أما آخر الجوائز التي
حصدها زكي من المهرجان فكانت عن دوره في «معالي الوزير» الذي عرض عام 2002
وجسد فيه النجم الراحل شخصية وزير فاسد.
كذلك حصد زكي من مهرجان الإسكندرية جائزة عن فيلمه «امرأة واحدة لا تكفي»،
وجائزة أفضل ممثل من «جمعية الفيلم» عن فيلمه «عيون لا تنام».
اللافت أن أحمد زكي أحد أكثر الفنانين حضوراً بأعمالهم في قائمة أفضل مائة
فيلم سينمائي تم إعدادها في الاحتفال بمئوية السينما المصرية عام 1996، إذ
شارك في ستة منها، هي: «زوجة رجل مهم، البريء، أحلام هند وكاميليا، الحب
فوق هضبة الهرم، إسكندرية ليه، أبناء الصمت».
الجريدة الكويتية في
28/11/2011
وجهة نظر: أحمد زكي: الولع بالفن
محمد بدر الدين
يقرّ نور الشريف: «أحمد زكي أقدرنا»، ويقول عمر الشريف: «لو تمكَّن أحمد
زكي من الإنكليزية لكان أحق بالعالمية أكثر من أي واحد فينا} وأطلق عليه
أقرانه وأهل الفن: {رئيس جمهورية فن التمثيل في مصر».
زكي قدوة ومثال لأبناء فنون الأداء كلهم، بالاقتدار والإخلاص للفن إلى حد
التفاني، بالدأب والتجويد والصقل المستمر للموهبة المتفجرة، والعطاء حتى
النهاية. يظل زكي نموذجاً للولع بالفن الجميل، فهو مثل عاشق هام بسيدة
أحلامه وشغف بها حباً، وكقيس مجنون ليلى كان زكي مجنون الفن! لذلك.
لعل أعظم أفلام زكي زكي نفسه! هل يوجد فنان مثله؟ حتى في ذروة المرض القاسي
الفتاك، وهو يعلم أن العد التنازلي بدأ نحو مغادرة الدنيا، كان يمثِّل
بأعصابه كافة وروحه، وما تبقى من نبضه، دور عبد الحليم حافظ في فيلم «حليم»
الذي أخرجه شريف عرفة وكتبه محفوظ عبد الرحمن، وكان هو مريضاً قرب نهاية
العمر، يجسد لحظات حليم وهو مريض قرب نهاية العمر! فتوحَّد فن النمر الأسمر
وفن العندليب الأسمر! وروح كل منهما، ونبضاتهما، ومرض ونهاية عمر كل منهما!
ينتمي أحمد زكي إلى مدرسة في تمثيل الشخصيات وتقمصها، تتوارى فيها كلياً
شخصية الممثل بقسماته وسماته، من دون أن يظهر منها شيء، لتحلّ محلها
الشخصية التي يؤديها، بملامح وسمات وروح جديدة، على خلاف أساليب تمثيل لا
تغيب فيها جوانب أو تعابير أو «لوازم» معينة، تظل تصاحب الممثل في كل شخصية
من الشخصيات التي يؤديها مهما تعددت!
لذلك لا علاقة بين سمات أية شخصية أداها، وبين، مثلاً، «أحمد سبع الليل» في
فيلم «البريء» للمخرج عاطف الطيب، مجند الأمن المركزي الغلبان المدرَّب على
عدم الدراية بشيء أو الإدراك لمعنى. تحركه أصابع بطش الضباط الكبار لتعذيب
المعارضين الوطنيين والشرفاء، مصدقاً أنهم أعداء الله والوطن، فيطاردهم حتى
يفتك بهم فهو أداة غباء ورعونة حتى النهاية. قبل النهاية بقليل، حين تشرق
في عقله وروحه لحظة ضوء تفضح له سذاجته وضلاله، فيحوّل سلاحه في لحظة
الختام إلى الظالم بدلاً من المظلوم، إلى السجان الضابط الكبير بدلاً من
الوطني البريء السجين!
لا علاقة بين سمات أية شخصية وقسماتها من الشخصيات التي أداها أحمد زكي في
السينما أو التلفزيون أو المسرح. في أفلامه، مثلاً، مع مخرجي جيل
الثمانينيات من القرن العشرين، جيل حركة التجديد الواقعي الجميل المحلق،
مثل عاطف الطيب (التخشيبة، البريء، الحب فوق هضبة الهرم، ضد الحكومة)،
وخيري بشارة (العوامة 70، كابوريا)، ومحمد خان (موعد على العشاء، أحلام هند
وكاميليا، زوجة رجل مهم، مستر كاراتيه). كذلك مثل مع المخرج شريف عرفة
(الدرجة الثانية، حليم)، ومع المخرج علي بدرخان (نزوة، الراعي والنساء)…
وغيرهم.
تظل «الثنائية» التي قدمها مع البارعة القديرة سعاد حسني آسرة دوماً، في
«موعد على العشاء» و{الدرجة الثانية» و{الراعي والنساء» والمسلسل الممتع
«هو وهي»، الذي كتبه العبقري صلاح جاهين عن نصوص المبدعة سناء البيسي
وبإخراج متمكِّن ليحيى العلمي.
قدَّم العلمي زكي مبكراً في أداء شخصية طه حسين في مسلسل سيرته الذاتية
الفذة «الأيام»، الذي افتتح به هذا النجم مشروعه النبيل لتعريف الأجيال
الجديدة بتاريخ أمتها، وأسماء من مراحل فيها، من جمال عبد الناصر في «ناصر
56» الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن وأخرجه محمد فاضل، إلى «أيام السادات» نص
أحمد بهجت وإخراج محمد خان، وكان يحلم بتقديم سعد زغلول وسواه.
لم يمهل القدر زكي ليقدم أحلامه وتطلعاته كافة، التي لم تكن تعرف حدوداً في
الفن الذي ولع به وتفانى فيه.
لكن ذلك كله، الفنان والفن، الولع والتطلع والاقتدار والإخلاص والأسلوب
الخاص… سيبقى كله مضيئاً أبداً، ملهماً، متجدداً سحره على الدوام.
الجريدة الكويتية في
28/11/2011 |