لم أعد أستغرب ما يفعله كتّاب السيناريو فى الأفلام المصرية حيث
يستطيعون أن يصنعوا أى شئ فى سبيل الحصول على "العيدية"، وذلك بسلق الأفلام
وتقفيلها بسرعة لتعرض فى موسم الفطر أو الأضحى قبل أيام القحط والجدب.
ورغم ذلك لم أستطع أن أمنع نفسى من الدهشة وأنا أشاهد أحدث سلعة من
مصانع الفبركة والإستسهال والكسل العقلى والإبداعى وهو فيلم "أمن دولت"
الذى قام ببطولته المطرب حمادة هلال، وكتبه نادر صلاح الدين، وأخرجه أكرم
فريد.
الفيلم يجمع بين عوالم غريبة لايمكن أن تجتمع بسهولة إلا بدرجة واضحة
من الفهلوة، وإلا كيف يمكن أن تقدّم حكاية فيها عالم ونوادر شخصية المفتش
كلوزو التى قام هانى رمزى بتمصيرها من قبل فى فيلمين، مضافاً إليها مقالب
ومتاعب فيلم "الدادة دودى" الذى كتبه أيضاً نادر صلاح الدين، وقامت ببطولته
ياسمين عبد العزيز، ثم تحشر فى النهاية مشاهد وصور عن ثورة 25 يناير
المصرية، ولا تنسى أن حمادة هلال سيغنى ثلاث أغنيات إحداها فى فرح شعبى
والثانية فى عيد ميلاد.
موضع الدهشة ليس فقط فى الخلطة المتنافرة ولكن فى صعوبة تصنيف نوع
الفيلم، وإن كان يمكن أن نصنّفه تجاوزاً، بأنه فيلم كوميدى اجتماعى نفسى
غنائى سياسى أُنتج بروح أفلام والت ديزنى وبرعاية الثورة المصرية وبدون
الحصول على موافقة وزارة الداخلية أو أمن الدولة التى لم تعد موجودة أصلاً.
صدقونى ليست سخرية، وستدركون ذلك عندما أحكى لكم ما شاهدت، ولكن ليس
قبل أن أشير الى أن حمادة هلال من أفضل المطربين الجدد قدرة على التمثيل
بطريقة مقبولة، كما أنه يمتلك قبولاً واضحاً بسبب ملامحه التى يمكن أن
تصادف مثلها فى أى حارة مصرية، بالإضافة الى أن صوته جميل يصلح لتقديم
أغنيات شعبية وعاطفية معاً، تجاربه السابقة فى السينما معظمها كوميدية
خفيفة باستثناء فيلم واحد لعب فيه دور ملاكم رغم جسده النحيف بعنوان "حلم
العمر"، وله فيلم سابق ضعيف المستوى بعنوان "الحب كدة" مع نفس المخرج أكرم
فريد.
أما مؤلف الفيلم نادر صلاح الدين فيمتلك دون شك القدرة على كتابة
المشاهد والمواقف الضاحكة، ولكن دون أن يستطيع حتى الآن أن يصنع فيلماً
متماسكاً وقويا مثل تلك الأفلام الكوميدية الحقيقية التى كانت تقدمها أفلام
الأبيض والأسود، ولذلك ستجد فى رصيد نادر أفلاماً مثل "اللى بالى بالك"
و"الدادة دودى" المشار اليه، كما ستجد أفلاماً مثل "كود 36" و "زهايمر"
الذى قام ببطولته عادل إمام، وكلها أفلام فيها مشاهد ومواقف ضاحكة جيدة،
ولكنها لا تخلو من ملاحظات مزعجة وأساسية.
قضية الفيلم
ماهى قضية فيلم أمن دولت؟ الحقيقة أن قضية الفيلم تتغير حسب الظروف،
فى المشاهد الأولى نحن أمام ضابط غبى وفاشل ينجح بمحض الصدفة فى كل مرة على
طريقة المفتش كلوزو، ولكن بدرجة شديدة الإفتعال والسذاجة.
الضابط حسام الفرشوطى (حمادة هلال) سينجح فى الإيقاع بإرهابى انتحارى
فى أحد الفنادق عندما يطلق عليه النار بطريق الخطأ ، فتتم ترقيته الى رتبة
رائد فى أمن الدولة فينجح بالصدفة فى مشهد شديد الافتعال، فى الحصول على
اعتراف إرهابى آخر فشل التعذيب فى الحصول على اعترافاته.
وفى مشهد ثالث سنعرف أن حسام لم يكن يريد أصلاً دخول كلية الشرطة،
ولكن والده عضو مجلس الشعب أصرّ على ذلك استكمالاً لدائرة النفوذ، فى هذا
الجزء نقترب كثيراً من التناول الكاريكاتيرى لرجل البوليس معدوم الكفاءة
الذى ينجح رغم فشله على طريقة سلسلة أفلام "الفهد الوردى".
ولكن حسام يكلف بمهمة حماية عائلة سيدة دبلوماسية مصرية وأولادها
الخمسة، ويضطر للإقامة معهم فى فيلا واسعة فنقترب تماماً خلال ها الجزء وهو
الأكبر في الفيلم، من مقالب فيلم "الدادة دودى" بعد تحويل الدادة الى ضابط،
ومن الرفض المتوقع الى الصداقة مع الأطفال والدفاع عنهم، يسير كل شئ فى
مساره الطبيعى المتوقع الذى يمتزج فيه الظرف بالإستظراف، والضحك
بالإستضحاك.
وبينما يبدو فيلم "الدادة دودى" محدد الموضوع وأكثر تركيزاً، فإن هامش
الفهلوة فى حكاية حسام ومهمّته أكبر وأوضح، لك أن تعرف أولاً أن السيدة
الدبلوماسية التى لعبت دورها عزة بهاء تُقدّم بوصفها "مندوبة فى الأمم
المتحدة"، ولك أن تعرف ثانياً أن سر طلب حمايتها هو تهديد إسرائيل لها،
لماذا؟ لأنها ستعدّ تقريراً يفضح الدولة الصهيونية التى شبعت فضائح.
لا توجد أى تفصيلات لأن على المتفرج أن يحرك خياله قليلاً فيختار
للمندوبة منظمة معينة تابعة للهيئة الدولية، ثم يعدّ لها تقريراً يزعج
إسرائيل ويخيفها، ثم عليه بعد ذلك أن يتخيّل أن إسرائيل لن تهدد مباشرةً
السيدة المندوبة فى الخارج، ولكنها ستختار تهديد أولادها الذين يحرسهم
الضابط الفاشل.
المدهش أننا سنأخذ معظم الوقت فى تهديد الأطفال للضابط وليس تهديد
عملاء اسرائيل الذين لن يقتحموا الفيلا إلا بعد نصف الفيلم وذلك للحصول على
ساعة يدّ الدبلوماسية لمجرد تخويفها وإثبات قدرتهم على دخول المكان!
دراما اجتماعية
سنصبح فى مشاهد الفيللا ثم مدارس الأولاد أمام دراماً اجتماعية نفسية
بعد دخول أخصائية نفسية جميلة تلعب دورها شيرين عادل، تحاول الإخصائية أن
تشخّص متاعب كل طفل من الأطفال الأربعة (الخامس رضيع)، ويحاول الضابط
الفاشل حلّها بينما يحاول أيضاّ أن تجعلها تحبه فى مشاهد معدودة وشحيحة.
ستختفى تقريباً حكاية انتقاد ممارسات أمن الدولة التى لن نتذكرها إلا
بتليفونات متباعدة بين حسام ورئيسه الصارم (سامى مغاورى)، لن نتذكر أمن
الدولة أيضاَ إلا لسبب غريب هو أن السيدة المقصود حماية أطفالها اسمها
دولت. وشوف انت بقى لما يكون ضابط أمن "دولة" مسؤولا عن حماية أمن "دولت"
وأولادها، كدة الفيلم ح يبيع، اكتب يا تهامى وانتج ياوديع!
ما يزعج أيضاً أن معظم مشاهد الفيلا تنتمى الى نوعية المقالب السمجة
والثقيلة، كأن يحْلق الأطفال نصف شارب الضابط حسام، وكأن نشاهد عملية تغيير
لفافة الطفل الصغير وكأننا فى غرفة العمليات، وكأن يمسك طفل صغير المسدس
الحقيقى للضابط ويطلب منه خلع ملابسه، وكأن تظهر جدة الأطفال وهى تردد طوال
الوقت "عايزة آخد الحقنة"، وكأن يتسلّق الضابط الجدار فيسقط على الأرض بعد
أن اعتبروه لصاً.. إلخ
طبعاً لا تنتظر تدرّجاً مقنعاً من شخصية حسام الضابط الفاشل الى حسام
الذى يقوم تقريباً بدور الأب والأم والدادة معاً، وفى الوقت الذى تنتظر فيه
أن ينقذ حسام الأطفال من مؤامرة إسرائيل يكشف الفيلم فجأة عن وجهه الثورى
السياسى.
اسطوانات التعذيب
يعرف حسام أن أحد أبناء دولت ضد ممارسات أمن الدولة ويستخدم الإنترنت
لنشر اسطوانات التعذيب المدمجة المعروفة، وفى مواجهة عاصفة بين حسام ورئيسه
يطلب منه الأخير ترك موضوع حماية أسرة دولت بسبب الإنشغال برقابة الثوار
الشباب "بتوع الفيسبوك"، ولكن حسام الثائر يقدم استقالته، ويعود الى
الفيلا.
ما سيحدث هو أن الذى سيحمى الفيلا من عملاء إسرائيل هم الأطفال الذين
يستعيدون مقالب فيلم "وحدى فى المنزل"
Home Alone، ويشاء السميع العليم أن يهلّ علينا يوم 25 يناير
حينما تندلع الثورة المصرية (مشاهد أرشيفية)، ويساهم حسام وأولاد دولت فى
اللجان الشعبية، ثم تعود الأم/ المندوبة لاستلام أولادها، وتتزوج الأخصائية
النفسية من حسام الفرشوطى الذى لا أعرف بالضبط ماذا سيعمل بعد استقالته من
الداخلية.
تلون سينمائي
هذا فيلم متلوّن يحدد موضوعه كل ربع ساعة، فيخرج هذا الخليط الساذج
بكل العيوب البدائية المتكررة: أطفالٌ يتكلمون مثل الكبار استجداء للضحك،
وبطل ينتمى الى مدينة فرشوط الصعيدية بمحافظة قنا فيتكلّم هو ووالده (أحمد
حلاوة) ووالدته باللهجة الفلاحى، وضابط ينتهز الفرصة فى أحد الأفراح فيغنى
للمعازيم مثل شعبان عبد الرحيم ويطلب من الجميع أن يفرحوا و"يضربوا نار"،
وحوار بين حسام والأخصائية النفسية الجميلة يقول فيه أنه كان يتمنى أن يكون
كذا أو كذا من الوظائف دون أن يحلم مثلا بأن يكون مغنياً من باب تفسير
مواهب الضابط المفاجئة.
الحقيقة أنه من العبث أن نتوقف عند التفاصيل بينما لا يوجد بناء
أصلاً، ولكنى أردت فقط الإشارة الى مدى الفهلوة والإستسهال الذى تُكتب به
الأفلام، وخصوصاً الأفلام الكوميدية التى لا تعنى عند كثير من مؤلفى
السيناريوهات أكثر من مشاهد الهزار الحوارية تحت شعار "ساعة الحظ ما تتعوضش"!
هناك ملاحظة هامة يتفق فيها "أمن دولت" مع فيلم "الدادة دودى"، فمن
الواضح أن قلب الفكرة والموضوع الأصلى فى الفيمين هو العلاقة مع الأطفال فى
دراما بسيطة تشبه عالم أفلام وولت ديزنى، وقد كان هناك (فى الفيلمين) جمهور
كبير من الأطفال الذين جاءوا مع أهلهم بعد أن شاهدوا مقدمة الفيلم
الدعائية، بينما توجد فى الفيلمين مشاهد لاتتناسب مع الأطفال.
أريد القول إن الفيلم لابد أن يعرف جمهوره، ولذلك تسير أفلام ديزنى
منذ مرحلة الكتابة على منهج اختيار ما يناسب عمر الجمهور، أما "أمن دولت"
فهو فيلم لكل بنى الإنسان قاطبة، وكل واحد يأخذ "الحتة" اللى تعجبه،
وبالهنا والشفا، عيد بقى وكل سنة وانت طيب.
فى كل مرة أقول لن أندهش مما يُكتب ويصوّر ويُسلق ويُنتج، ولكنى أعود
فلا أستطيع الوفاء بالوعد، لكنى أعلن منذ الآن أننى أتوقع جزءاً ثانياً من
"أمن دولت" يناقش "كوكتيلاً" من القضايا مثل أزمة أنابيب البوتاجاز والتطرف
السلفى والملف النووى الإيرانى، والعاقبة عندكم فى الأفلام!
عين على السينما في
20/11/2011
حكيم نوري و"القتل الرحيم": ارتباك وضعف وقلة حيلة!
بقلم: حسن بنشليخة
يعتبر فيلم "حد الدنيا" لمخرجه حكيم نوري، والذي يعالج "القتل الرحيم"
Euthanasia،
عبثاحقيقياولا يوجد فيه ما يستحق لا القراءة ولا الكتابة ولا تصلح الأوراق
التي حرر عليها إلا حطبا لتسعير نيران التدفئة.
بدا السيناريو ضعيف البناء من أوله إلى آخره وكأنه موضوع إنشائي من
المدارس الابتدائية كُتب من طرف طفل لم يتجاوز سن الثانية عشرة، واخرج في
يوم واحد، وسيسقط من الذاكرة في يوم واحد.
انه فيلم فاشل ومخجل على كل المستويات وبكل المقاييس ولا تتوفر فيه
أدنى العناصر الفنية ولا يحتاج حتى المشاهد العادي أن يتوفر على أية ثقافة
سينمائية أو تحليلية ليكتشف جهل ألف باء الكتابة والإخراج والتمثيل
والتصوير و المونتاج والماكياج... كل ما في الأمر، أننا أمام عمل لا علاقة
له بالسينما ولا يصمد حتى أمام اضعف الأفلام التي أخرجها المخرج بنفسه.
وليس موضوع الفيلم وحده هو المشكلة بل المشكلة هي في حالة الفقر
الثقافي الشديد والمعلومات الخاطئة عن تفاصيل العملية السينمائية. ويستحق
هذا الفيلم أن يفوز بجائزة أردأ فيلم لأنه حقا يجسد ذيل السينما المغربية،
ويرسخ حقيقتها التي تنحدر من سيء إلى أسوأ وتتعرض للضياع والإنكار وتُستغل
كقناع لنهب المال العام.
قصة الفيلم
ولنتأمل قصة فيلم "حد الدنيا" لنكتشف بلاهتها المبنية على الصدف
والمفاجآت السخيفةDeus ex) (machina.
والقصة هي قبل كل شيء قصة حب (خالية من كل مشاعر الحب) بين سليم (حكيم
نوري) وبشرى (حنان الإبراهيمي)، تتطور لاحقا لتتطاول على موضوع "القتل
الرحيم" الذي "يبرر" إنهاء عذاب المصاب بمرض عضال.
لكن السيناريو مؤثث بمتاهات الحوار والسذاجة المفرطة والمشاهد الزائدة
التي لا علاقة لها بالموضوع. فزوجة سليم تنسحب من حياته فجأة بعد خصام
بينهما. وبشرى تدخل عالم سليم فجأة بعد حصولها على شغل في مكتبه. ويقع سليم
فجأة في حب بشرى لكنه يتخوف من فارق السن، ويأتيه الجواب فجأة ويحل لغز
السن، في لقطة زائدة ولا أهمية لها، على لسان عاهرة ترمى خارج سيارة على
قارعة الطريق فتطمئنه، بعدما يسعفها، بان السن لا يعيق أية علاقة ودية.
وتقوم علاقة حميمة بين سليم وبشرى، ولا تقف السخافة عند هذا الحد،
فبشرى تسقط فجأة مريضة بمرض السرطان وتنسحب من عالم سليم فجأة وتختبئ منه
ولا ندري لماذا. إلا انه يعثر عليها في عملية ضبط تجسسية خسيسة على هشام
(أخ بشرى من الرضاعة)، ويأخذها إلى المصحة التي يشتغل فيها هشام كممرض (يا
للعجب!). ويختفي سليم فجأة ويرجع إلى المصحة ليعثر، هذه المرة، على بشرى
ميتة بعد أن عطل هشام عمل أجهزة الآلة الاصطناعية ليضع حدا لمأساتها وينتهي
الفيلم فجأة!
مغالطة
ما هذا اللعب والهزل؟ أهكذا يناقش موضوع في غاية الأهمية والتعقيد
بمغالطة وجهل كبيرين؟ ما نعيبه على المخرج هو طريقة معالجتهموضوع "القتل
الرحيم" الذي أثار جدلا ونقاشا واسعا بين الأوساط القانونية والطبية
والأخلاقية والدينية لمدة ثلاثين سنة على الأقل قبل صدور أول قانون ينظم
القتل الرحيم وفق حالات وشروط دقيقة.
وجميع القوانين والتشريعات في كل بلدان العالم لا تقر بـه لأي سبب من
الأسباب، وتوجب العقاب عليه كجريمة على من يقوم به.ولا
يحق لأحد أن ينهي حياة إنسان آخر إلا بناء على طلب مكتوب يتقدم به المريض،
أو من يمثله شرعاً، لا لأحد إلا لطبيبه لأنه الوحيد القادر علىتقييم وضعه
الصحي.
وعلى الطبيب أن يتقدم بطلب إلى محكمة متخصصة للحصول على الموافقة
المسبقة لوضع حد لحياة المريض. وينقسم الأطباء أنفسهم في الرأي بين معارض
ومؤيد حول الموضوع ولا يمتلك أحد منهم صلاحيات قانونية أو أخلاقية أو
إنسانية لتنفيذ "القتل الرحيم".
ورغم أن هولندا وبلجيكا شرعتا "للقتل الرحيم"، بقواعد معينة وقوانين
صارمة، فإنهما تواجهان موجة غضب شعبية عارمة تتهمهما بإصدار هذا القانون
للتخفيف من عبء مصاريف الميزانيات الصحية.وتعاقب
بريطانيا بالسجن كل من ساعد شخصا على قتل نفسه 14 عاما وكذلك فإن عقوبة
الحبس تلاحق منفذي"القتل الرحيم" في اغلب دول أوربا.
وسُجن الطبيب الأمريكي المشهور جاك كفوركين، الملقب "طبيب الموت"
ثماني سنوات في الولايات المتحدة لأنه ساعد شابا على إنهاء حياته. إذن كيف
يعقل أن يحاول هذا المخرج أن يقنعنا بان ممرضا بسيطا دون مؤهلات قانونية أو
ثقافية أو أخلاقية وبمعرفة طبية محدودة للغاية ومن دون أن يستشير رأي طبيب
واحد أن ينهي حياة إنسان؟ إنه هراء لا أكثر!
عن الأداء
ونضيف إلى ضعف السيناريو التخاذل والارتباك في أداء الأدوار. ولنقف
عند حنان الإبراهيمي التي جسدت دور بشرى ولم تستوعبه بالتمام، ولا نعتقد
أنها مؤهلة على الإطلاق لتقمص دور في غاية الأهمية لأنها أبانت عن ضعف وقلة
فهم وعدم المقدرة على تحمل مسؤولية بطولة تفوق كل قدراتها الذهنية،
التخيلية والفنية، ولم توفق في أي مشهد وبأدنى قدر ممكن من أدوات التعبير
لا في نظراتها ولا في حركاتها ولا في تقاسيم وجهها للبوح عما يجيش في النفس
من الم وضيق. وجاءت لغتها الجسدية من شهيق وزفير مصطنع وهي تتألم وكأنها
تعاني من أعراض الحمل في الشهر الأول.
أما المخرج فلم يتحكم في زمام الفيلم نظرا لقلة نضجه ومعرفته بالموضوع
ولم يكن قادرا على تتبعه فجاء العمل عاريا من أي معنى. وما لم ينتبه إليه
هو أن جوهر القصة عرض لحالة مرض مزمن وكان لابد من التقاط الأحاسيس
والمشاعر الإنسانية وتأزم نفسية المريض.
وما لم يدركه انه دخل أكثر الساحات تعقيدا في صناعة السينما التي لا
يتقنها المخرجون المغاربة ولا الممثلون على السواء لقلة خبرة جُلّهم وضعف
تكوينهم أو انعدامه.
ويفترض في السينما التي تريد أن ترصد لنا حالة نفسية (حد الدنيا
كمثال) أن تحرك ديناميتها اللقطات القريبة
(close up shots)لان هذه التقنية هي الوحيدة القادرة على التقاط الأحاسيس بالتركيز على
الشيء المراد تصويره لانتشال قيمة التأثير الدرامي سواء للأحداث أو
للشخصيات، والاستغناء عن كل التفاصيل الأخرى المحيطة بالمشهد الدرامي
وجعلها خارج حدود الصورة (الإطار) لفسح المجال للمشهد الدرامي فقط بجذب
انتباه المشاهد إليه.
وتتميز هذه التقنية بنوعيتها في شد الأنظار إلى لغة الجسد المرئية
التي تعبر عنها الملامح لتكشف عن روح الشخصية ومزاجها ومواقفها الذهنية.
وقد أدى عدم إلمام المخرج بتفاصيل التقنيات الحديثة إلى خسارة الفيلم حيث
غامر في عالم الصورة الدرامية بسرد حياتي مبسط وفي أجواء غير مقنعة
باستخدام تقنيات لا مدلول لها فضلا عن أداء الممثلين الهزيل (بمن فيهم حكيم
نوري) فكانت النتيجة كارثية.
وفيلم "حد الدنيا" ليس أكثر من سلسلة صور متلاصقة متحركة، 80 في
المائة منها التقطتها الكاميرا في مكتب البطل سليم، والشقة التي تسكنها
البطلة بشرى. وهناك على الأقل اثنا عشر مشهدا في مكتب سليم يوازيه عدد من
المشاهد في بيت بشرى اعتمدت فيها الكاميرا على نفس التقنيات (اللقطة العامة
الشاملة) وعالجت عناصر الفيلم من نفس الزوايا وبنفس الحركات.
سينما ساكنة
وبقدر من الملل، توثق لنا الكاميرا سليم جالسا دائما في مكتبه (لقطة
عامة شاملة) تدخل عليه بشرى أو السكرتيرة الأخرى وتتحرك الكاميرا من اليمين
إلى الشمال. وبعد القطع المفاجئ، ينتقل المخرج إلى مشهد آخر دون مقدمات أو
توضيح أو تفسير ليرجع إلى المكتب وتتحرك الكاميرا هذه المرة من الشمال إلى
اليمين وهكذا دواليك. وعلى نفس الوتيرة والإيقاع، تتحرك الكاميرا في بيت
بشرى حيث تجلس على الأريكة مع هشام وتتحرك الكاميرا من الشمال إلى اليمين
وفي اللقطة التالية تتحرك الكاميرا من اليمين إلى الشمال وتشعر العين
بالإرهاق لتكرار نفس الأسلوب الذي قد يتسبب للمشاهد في الغثيان.
هذا إذا ما أضفنا إلى كارثة ضعف الإخراج كارثة أخرى تتعلق بتأرجح
الحوار بين الممثلين (كلهم مغاربة)، من الدارجة المغربية المترهلة إلى
الفرنسية الركيكة. ولو دققنا في عمر حوار كل مشهد لاستنتجنا انه لا يتعدى
الدقيقتين أو الثلاث على طول الفيلم. وبما أن السيناريو يفتقر إلى السياقات
والأنساق وضعف الكتابة، لم يعرف المخرج كيف ينتقل من مشهد إلى آخر فلجأ إلى
الكثير من المزج والاختفاء والظهور التدريجي للصورة (Fade inFade out/
) كتقنية للربطبين المشاهد التي لا طعم ولا رائحة بينها. وتناسل المزج
باختلاف سلالته النوعية في رقم قياسي لا يقل عن 65 مزجا لحشر المشاهد. ولا
نعرف مخرجا واحدا في تاريخ عالم السينما وظف هذا الكم من المزج على
الإطلاق.
أما عملية المونتاج فقد أفسدت ذوق المشاهد وكانت دون المستوى المطلوب
إلى حد التشكيك في القدرات الاحترافية اللازمة. ونختم حديثنا بالموسيقى
التصويرية التي تكررت وحداتها الصاخبة والرديئة برتابة بالغة.
عين على السينما في
20/11/2011
مهرجان كربلاء الأول للفيلم القصير: مغامرة وتحدي
عباس خلف علي - كربلاء
أقام ملتقى سينمائي كربلاء للفترة من 16-18 نوفمبر/ تشرين
الثاني2011، ولأول مرة في تاريخ المدينة مهرجانه السينمائي الأول تحت شعار
"من أجل سينما شبابية واعدة" بمشاركة العديد من الأفلام القصيرة التي
تنوعت جهات إنتاجها بين مؤسسة فنية ومجتمع مدني وأفراد، فكان بحق تظاهرة
فنية ليس بنوع الأفلام المشاركة أو في تعدد المستويات والأساليب الفنية
ومدارسها أو في الأفكار التي تبنتها بل في حدود مبادرات الشباب إزاء التحدي
والمغامرة حيث تكون لها نكهة خاصة.
إذ تعيد لذاكرة المدينة عروض الأفلام التسجيلية والوثائقية
والريبورتاجات/ التقارير التي لا يمكن مشاهدتها إلا في المناسبات الدينية
والوطنية.. وحتى هذا النزر اليسير انقطع بعد ذلك لظروف الاحتلال، ولم يعد
للسينما داخل المدينة أي أثر يذكر.
هذا المهرجان، وان كان حجم مشاركة الأفلام فيه متواضع قياسا لطبيعة
المهرجانات المعروفة إلا أنه يعد خطوة رائدة في ميدان صناعة الأفلام لهذه
المدينة، وانفتاحا حقيقيا يحسب للملتقى الذي أخذ على عاتقه إنشاء الفكرة
وتنفيذها ذاتيا والاعتماد على الجهد الخاص والفردي، لذا نتمنى في هذا
السياق أن يستمر هذا الملتقى في عطائه وأن تكون الجهات المعنية داعمة
وراعية له لأنه لا يمثل أشخاصا بقدر ما يعني ثقافة مدينة وفكرها وحضارتها،
وهذا هو الأهم الذي تطمح إليه نخبة الملتقى التي حرصت على إقامة المهرجان
لأنها تدرك أن طموح أي تجربة فلميه لا يمكن أن يكون أقل من التفكير في قوة
تأثير الصورة التي صارت الآن لغة العصر ووسيلته التعبيرية بين الذات
والعالم.
إن التجارب المساهمة في هذا المهرجان، وان كانت تخطو خطوتها الأولى في
عالم الفيلم القصير الرحب الذي تعددت فيه الأغراض والمزايا، تبقى في حدود
الإمكانيات التي توفرت لها. ورغم جديتها في تناول الموضوعات المختلفة إلا
أن مسألة الحرب وما تمخض عن الاحتلال من انعكاس شديد الوطأة على البنى
التحتية للمجتمع كان واضحا وجليا في أغلب الأفلام المشاركة في المهرجان.
التقلبات السياسية والفراغ الأمني ومعاناة الفرد.. كل هذه الصور جعلت
من السينمائي شاهد عيان، أو راوٍ عبر كاميرته عما يجري على ارض الواقع. وما
يهمنا هو كيفية معالجة الفيلم لهذه الآثار ومدى تأثيره وفاعليته بعد
استلهامها وتوظيفها سينمائيا.
إن معظم الأفلام الشبابية لم تفلت أبدا من التلاقح مع بعضها من حيث
مكونات الفلم التسجيلية أو الوثائقية أو الرببورتاجية/ التقريرية، وان
تظاهر بنوع من التجاوز أو الاختلاف في طريقة البناء الفني فإنه يبقى في
الواقع محاولة تستحق الثناء في المشوار السينمائي الطموح.
في تقديرنا أن أي مخاطبة بصرية تعد أداة تعبير عن قضايا الأمة خصوصا
ونحن نعيش الآن حالة من الغليان وموجات من التوتر والغضب التي تشهدها
الساحة العربية في كل كان، وهنا يأتي دور السينما بوصفها أحد أهم المرتكزات
الفنية التي تستخدمها الشعوب لمواجهة الاستبداد والاستلاب. ومن هذا المنطلق
نشعر أن مجرد وجود مثل هذا التفكير كسلوك إنساني يمنح القدرات على أن
تتبلور تدريجيا وخصوصا لدى الشباب الطامح نحو الحرية التي يبتغيها في عالم
لا يضمن الطمأنينة.
العروض:
الأربعاء 16/11
عرض في الجلسة الصباحية أربعة أفلام وهي على التوالي:
1- فيلم "حكاية من مدينتي" مدة العرض 15 دقيقة، إخراج باسم جهاد
إنتاج فضائية كربلاء.
2- فيلم "أبواب وشبابيك"، مدة العرض 25 دقيقة، إخراج علاء مجذوب،
إنتاج التجمع الثقافي من اجل الديمقراطية.
3 – فيلم "أزهار وشظايا" مدة العرض 24 دقيقة، إخراج حسين فالح، إنتاج
ذاتي.
4 – فيلم "المخبر" 6 دقائق، إخراج محمد معارج، إنتاج مؤسسة الباتس
كروب.
الخميس 17/11
تم عرض الأفلام التالية:
1 – فيلم "رغبات مؤجلة" 15 دقيقة، إخراج عمار الياسري، إنتاج ملتقى
سينمائي كربلاء.
2 – فيلم "الفرن" 18 دقيقة، إخراج علاء مجذوب عبود، انتاج ملتقى
سينمائي كربلاء.
3 – فيلم "من يلام" 8 دقائق، إخراج محمد الحديثي، إنتاج أكاديمية
الفنون الجميلة.
4 – فيلم "رصاصة واحدة لاتكفي"، 23 دقيقة، إخراج أحمد جبار، ومن إنتاج
أكاديمية الفنون الجميلة.
5 – فيلم "حكاية أبو علي"، 10 دقائق أخراج علي الهاشمي، إنتاج
أكاديمية الفنون الجميلة.
الجمعة 18/ 11
عرضت الأفلام التالية:
1 – فيلم "رجل المرور" ثلاثون دقيقة أخراج حسنين الهاني إنتاج
فضائية كربلاء.
2 – فيلم "الامتحان" 8 دقائق إخراج وعد الله عز الدين إنتاج نقابة
فناني نينوى.
3 – فيلم "شروق" 25 دقيقة، إخراج بدر الجوراني، إنتاج التجمع الثقافي
الديمقراطي.
4- فيلم "الوجه الآخر" 8 دقائق، إنتاج منظمة الأمل في كربلاء.
5 – فيلم "الحدود" 7 دقائق، إخراج ياسر رعد إنتاج مديرية شباب ورياضة
كربلاء.
نتائج المهرجان
قرار الهيئة المحكمة المؤلفة من الناقد السينمائي رضا الطيار والروائي
والناقد السينمائي عباس خلف علي والناقد والروائي محمد علي النصراوي:
توصلت لجنة التحكيم إلى تشكيل ثلاثة حقول فنية لاستيعاب نمط وأسلوب
الفيلم حيث حقق فيلم "أزهار وشظايا" للمخرج الشاب حسين فالح المرتبة الأولى
في حقل فيلم الفكرة أو فيلم وجهة النظر/ التجريبي.
وجاء فيلم "الحدود" اخراج ياسر رعد بالمرتبة الثانية وفيلم "المخبر"
للخرج محمد معارج ثالثا. أما في حقل الفيلم الروائي القصير أو الفيلم
القصصي حصل فيلم "رغبات مؤجلة" للمخرج الشاب عمار الياسري على المرتبة
الأولى في حين حصل فيلم "رصاصة واحدة لا تكفي" للمخرج احد جبار على
المرتبة الثانية.
وجاء فيلم "الامتحان" إخراج وعدالله عزالدين بالمرتبة الثالثة في حين
حصل فيلم "حكايات من مدينتي"، إخراج باسم جهاد على المرتبة الأولى في حقل
الفيلم التسجيلي أو التقرير الوثائقي.
وجاء فيلم "أبواب وشبابيك" إخراج علاء مجذوب بالمرتبة الثانية وحصل
فيلم "الشروق"، إخراج بدر الجوراني على المرتبة الثالثة.
بعد ذلك تلي البيان الختامي الذي أكد على ضرورة أن يكون المهرجان
تقليدا سنويا ثم أوصى أن تكون الدورات القادمة للمشاركات أوسع مما هي عليه
الآن وأن تكون هناك رعاية وتفهم ووعي تام تنظر من خلاله الجهات المعنية
بجدية إلى دور السينمائي الحضاري كمساهم فعلي في بناء الأوطان.
عين على السينما في
20/11/2011 |