حينما تسلم المخرج الهندي الأصل تارسام سينغ مهمّة تحقيق فيلم عن
سيناريو لتشارلز وفلاس بارلابانيديس، كان في سبيله لمقابلة مهمّة لا علاقة
لها بذلك المشروع . فهو كان على موعد مع أركان شركة “ريلاتيفتي ميديا”
لمناقشة مشروع فيلم آخر كانت الشركة أودعته الرف منذ سنوات . الفيلم كان
بعنوان “اليد” ولو أنه من غير المعروف ما إذا كان نسخة مستحدثة من فيلم رعب
كلاسيكي بالعنوان ذاته من الخمسينات من القرن العشرين . واختيار المخرج
سينغ تم بناء على حقيقة أنه حقق فيلم رعب جيّداً وداكناً، وداكن جداً
بعنوان “الحجرة” حين باشر عمله مخرجاً لأول مرّة وذلك سنة ،2000 خلال
الحديث ورد ذكر فيلم مختلف تماماً بعنوان “الخالدون” قائم على الأساطير
اليونانية القديمة . وأبدى تارسام رغبته في قراءة السيناريو مبدياً عدم
ميله لإنجاز فيلم رعب آخر مردداً أنه يبحث عن مشروع تاريخي كبير .
الأيام بعد ذلك توالت، وتارسام سينغ قرأ السيناريو وبعث على الفور
برغبة رسمية في إنجاز هذا الفيلم . وما لبثت الشركة أن وافقت على رصد نحو
75 مليون دولار لإنجازه وها هو الآن معروض على شاشات العالم حاملاً إلى
المشاهدين مغامرة يونانية أخرى من عالم قديم دائماً ما اعتبر عجينة من
الفانتازيا والفلسفة والكثير من المغامرات الخارقة للمعتاد . والملاحظ أنه
في السنوات الأخيرة ارتفع عدد الأفلام المتعاملة مع هذا العالم القديم
وخصوصاً تلك التي تقع أحداثها في اليونان أو انطلاقاً منها . فشاهدنا في
السنوات القليلة الماضية، أعمالاً مثل “صدام الجبابرة” و”300” و”الخالدون”
الحالي، في حين أن الرقعة الأوسع من هذه الأفلام، تلك التي تعاملت مع
حكايات مستلهمة من العالم القديم وخارج اليونان وجزرها هي أكثر عدداً وتشمل
“ثور” الذي استوحى ذلك العالم ووضعه فوق كوكب بعيد، و”الفايكنغ إريك”
و”كونان المدمّر” و”تروي” و”ألكسندر” من بين أخرى عديدة .
الخمسينات كانت مرتعاً لأفلام القتال الإغريقي والروماني عند إطلاق
عدد من تلك الأفلام التاريخية التي استحوذت اهتمام جمهور ذلك الحين . على
الجانب الإغريقي، كان هناك “ألكسندر العظيم” الذي حققه روبرت روزن من بطولة
رتشارد بيرتون وفردريك مارش وكلير بلوم سنة 1957 وذلك قبل بضع سنوات من
قيامه بلعب دور مارك أنطوني في ملحمة تاريخية أخرى هي “كليوباترا” لجوزف .
مانكوفيتز سنة 1963 . حتى من قبل هذه التواريخ كانت السينما الإيطالية
مشغولة بتحقيق بعض الأعمال التي تصب في الخانة ذاتها، ففي عام 1953 حقق
ماريو كاميريني فيلماً عنوانه “أوليسيس” أسند بطولته إلى مزيج من
الإيطاليين (تتقدّمهم روزانا بودستا وسيلفانا مانجانو) والأمريكيان (مع
كيرك دوغلاس وأنطوني كوين) .
لاحقاً، سنة 1962 ظهر فيلم ضخم بعنوان “300 اسبرطي” لرودولف ماتي وفيه
سرد لحكاية الثلاثمئة اسبرطي الذين دافعوا عن مضيق يوناني ضد غزو الفرس .
المادّة ذاتها استخدمها المخرج العنصري زاك سنايدر في فيلمه “300” قبل
أربعة أعوام أو نحوها، إذ بينما سادت روح رياضية معتادة نسخة 1962 وجدنا
سنايدر وقد استغل الموضوع لكي يقذف العرب والفرس على حد سواء بتنميط لا
يُقصد منه سوى التنفيث عن حقد عنصري واضح حتى ولو كان قوامه الكذب الواضح .
والستينات كانت كذلك مسرحاً للعشرات من أفلام هركوليس وماشيستي
والأولى ما زالت تتردد في أفلام تاريخية إلى حين قريب أحدثها فيلم تلفزيوني
صوّر سينمائياً سنة 2005 من إخراج روجر يونغ وبطولة بول تلفر وتيموثي
دالتون وليلي سوبييسكي .
ولم تكن الأساطير والحكايات التاريخية، يونانية أو رومانية، بعيدة عن
اهتمام كبار المخرجين: فديريكو فيلليني حقق “ساتيريكون” (1972) وبيير باولو
بازوليني قدّم “أوديبوس ركس” (1967) وستانلي كوبريك أنجز “سبارتاكوس”
(1960) وإذا ما وافق ديفيد فينشر على العرض المقدّم له حالياً فسينجز
فيلماً رومانياً- فرعونياً جديداً بعنوان “كليوباترا” بناء على رغبة
الممثلة أنجلينا جولي .
وتاريخ علاقة أنجلينا جولي بهذه الشخصية تعود إلى عامين مضتا حينما
أعربت عن رغبتها في تمثيل الشخصية التي كانت اليزابث تايلور لعبتها في فيلم
جوزف مانكوفيتز المذكور، وعندما فاز المخرج فينشر بترشيحات الأوسكار في
العام الماضي عن فيلم “شبكة اجتماعية” عبّرت جولي عن رغبتها في أن يحقق
حلمها هذا .
وفي حين أن “صدام الجبابرة” هو إعادة صنع لفيلم مماثل من الثمانينات،
فإن التنقيب عن أساطير الإغريق وحروب الرومان يعد بأن الكثير من صفحات هذا
التاريخ ما زالت مطوية .
سلسلة "تويلايت" تغازل الشباب
قريباً ما ينطلق فيلم آخر من سلسلة
Twilight Saga
التي كانت أنجزت نجاحاً كبيراً سنة 2008 حين عرض الجزء الأول منها، والتي
تكرر نجاحها سنة 2010 بعرض الجزء الثاني .
الفيلم الجديد هو
The Twilight Saga: Breaking Dawn - Part 1
والعنوان يُفيد بالطبع أن هذا الجزء لن يكون خاتمة الأجزاء على
الإطلاق . وأن أبطاله، ومن بينهم روبرت باتنسون وتايلور لوتنر وكرستن
ستيوارت سيعودون مراراً وتكراراً إلى أن يجد الجمهور نفسه وقد اعتاد هذه
الأعمال أكثر مما يجب .
ما هو مشترك في هذه الأفلام الثلاثة هو التوجه إلى الجمهور الشاب
وطريقة ذلك كانت، ولا تزال، الإتيان بممثلين وممثلات دون العشرين وتأليف
نسيج رومانسي بحيث يرتبط الحب بين فتاة سليمة من فيروس وبين أحد الشبّان
المصاب به، وكمثال واضح هناك الممثلة الشابّة كرستن ستيوارت المولودة في
العام 1990 والتي كانت في الثامنة عشر من عمرها حين لعبت بطولة الجزء
الأول، وهي لعبت أول أدوارها وهي في العام 2000 لكن أكثر أفلامها شهرة هو
ذلك الذي لعبت فيه دور ابنة جودي فوستر في ''غرفة الفزع''
Panic Room
حين كانت في الثالثة عشرة من عمرها .
ويعدنا الفيلم الجديد بأن ينقل الأحداث من التمهيدات السابقة ورصف
الأجواء إلى مرحلة جديدة، وسنرى كرستن وهي تُزف لمصاص الدماء باتيسون كما
رغبت دوماً . هذا ما سيضعها، كالعادة، في خطر السقوط تحت أنياب زوجها لكنه
يواجه مأزقاً آخر، فهو يريد الذود عنها ضد مصاصي الدماء الآخرين .
بعد هذا الفيلم لدى كرستن ستيوارت عملين جديدين .
أوّلهما هو ما انتهى تصويره قبل أسابيع قليلة، فيلم عن رواية لجاك
كرواك بعنوان “على الطريق” وهذا فيلم من إخراج وولتر ساليس الذي سبق له وأن
حقق فيلم طريق من قبل هو “مفكرة الدراجة” قبل خمس سنوات لكن الفيلم الجديد
مختلف تماماً، فهو دراما عاطفية تتوزّع بطولتها فوق عدد كبير من الممثلين
المعروفين ومن بينهم كرستن الأخرى، وكرستن دانست، لجانب فيغو مورتنسن، ستيف
بوشيمي، وسام رايلي . الفيلم الآخر يحتوي أيضاً على عدد كبير من الوجوه وهو
لا يزال في التصوير بعنوان ,snow
White and the Huntsman
وهو استلهم من حكاية “سنو وايت” التي شوهدت في فيلم “ديزني” الكرتوني
الكلاسيكي ليتحدّث عن صيّاد شرس يخطف سنو وايت إلى الغابة لقتلها، فإذا به
يقع في حبّها ويدافع عنها ضد الأشرار .
في هذا الفيلم هي في البطولة كونها تؤدي شخصية سنو وايت، أما الممثلون
المحيطون بها فمن بينهم كريس همسوورث وتشارليز ثيرون وإيان مكشاين .
أما تايلور لوتنر وروبرت باتنسون فقد انتهيا من تصوير الجزء المقبل من
هذه الحلقات قبل أن يفترقا كل صوب مشاريع مختلفة . أمام لوتنر فيلم يباشره
قريباً بعنوان “حجز” وبعده مشروع مع المخرج غس فان سانت لا يزال بلا عنوان
.
أوراق ومَشاهد
الصفعة
“ماذا تعتقد أنك تستطيع أن تفعل؟”
يقول محافظ البلدة لبيلي جاك بصلّف واضح وبلكنة متعالية وعنصرية كون
بيلي جاك هو نصف أبيض ونصف هندي أحمر . يرد عليه بيلي: “سوف أرفع قدمي هذه
وأضرب بها وجهك” وقبل أن يدرك المحافظ مدى جدّية بيلي، يفعل ذلك بسرعة
ويقين ويوجّه ضربة قدم تطيح بالمحافظ أرضاً ويمضي .
ذلك مشهد من فيلم “بيلي جاك” (1971) الذي أنجز نجاحاً هائلاً وغير
متوقّع وأخرجه ت . س . فرانك، الذي لم يكن سوى اسم مستعار لتوم لفلن ممثل
شخصية بيلي جاك . وحين وقوع ذلك المشهد البسيط في تركيبته التنفيذية،
القائم على شحن المشاهد بالتأييد لبطل الفيلم الذي يحاول الدفاع عن أطفال
من الهنود الحمر قام ابن المحافظ بإهانتهم، فإن الناتج هو انفجار ارتياح
كبير وهم يرون المحافظ يتلقّى على الوجه صفعة من قدم .
هذا ما يذكّرنا بواحدة من أشهر صفعات السينما، تلك التي وجهها الممثل
سيدني بواتييه إلى محافظ آخر اسمه شوبرت (الممثل وليام شالرت) في فيلم
نورمان جويسون “في حرارة الليل” (1967) . في ذلك المشهد يتوجه التحري فيرجل
تيبس (بواتييه) إلى منزل المحافظ وبصحبته الشريف غيلبسي (رود ستايغر) .
المحافظ يستقبلهما جيّداً ويتباهى بمزرعته الصغيرة . إنه يعتبر نفسه
منصفاً، لكنه في داخله ينتمي إلى المفهوم العنصري السائد في ذلك الجنوب
الأمريكي، وحينما يسأله فيرجل أين كان وقت وقوع جريمة القتل، يأبى المحافظ
أن يحقق معه شرطي أسود، فيصفع فيرجيل فما يكون من التحري الأسود سوى توجيه
صفعة أقوى تحط كزلزال نفسي كبير على وجه المحافظ الذي ينسحب مكسوراً .
المشهد برمّته لا قيمة تسلسلية سردية للفيلم، فالمحافظ بريء تماماً
ولا علاقة له بالجريمة التي وقعت، لكنه درامياً مكتوب (من قبل سترلينغ
سليفانت) بقدرة تأثيرية بحيث يطغى ذلك على أهمية وجوده من عدمها .
ويستطيع المرء أن يؤلّف فيلماً من ساعة ونصف الساعة، مأخوذ من مشاهد
صفع وردت في ألوف الأفلام، لكن قلّة منها التي تبقى في البال لاعبة دوراً
اجتماعياً هادفاً كهذين المثالين .
م . ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
20/11/2011
للمخرج المغربي إسماعيل فروخي
«رجال أحرار».. فيلم يعــــاين نجاة اليهود على أيدي
المسلـمين
زياد عبدالله
هناك الكثير من الأزقة والمساحات المتوارية في التاريخ، ولعل الفيلم
يأتي لينتشلها ويخرج بها من الظلمة إلى النور، ولتكون هذه الظلمة فعل غياب
سرعان ما تصبح عبر تسليط الضوء فعل حضور له أن يكون مدوياً إن كان الحامل
الفني لذلك مستوفياً لشروطه الإبداعية، وعليه نكون أمام رواية موازية
للتاريخي والإحصائي.
تلك المساحات المتوارية لها أن تكون في حدث تاريخي خصصت له آلاف
الأفلام، ومع ذلك يبقى التواري حاضراً، خصوصاً إن كان هذا الحدث هو الحرب
العالمية الثانية، وحين نقول آلاف الأفلام فإن هذا تماماً ما نقصد به عدد
الأفلام الكثيرة التي تناولت تلك الحرب الفاصلة في تاريخ البشرية، لكن
الفيلم الذي سنقدم له هنا يدفعنا لسؤال مفاده: ما الذي مازال لدى العرب
ليقولونه في هذا الخصوص؟ ونحن نرى منذ ما يقرب الخمس سنوات إجابات متعددة،
ولنا أن نحصر ذلك ربما في المغرب العربي مع أول من قال لنا جديداً عن الحرب
العالمية الثانية ألا وهو المخرج الجزائري رشيد بوشارب، حيث قدم عام 2008
فيلمه الشهير «بلديون»، ووضعنا أمام مساحة تاريخية مجهولة تماماً متعلقة
بالجنود الجزائريين أو الشعوب المستعمرة من قبل الفرنسيين عموماً الذي
أسهموا في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، ومساحة البطولات والتضحيات التي
قدموها لتحقيق هذا الهدف، والنكران والظلم اللذين لحقا بهم رغم تضحياتهم
التي سرعان ما غمرها النسيان، ووضعت رهينة عنصرية لا تعرف الرحمة ولا
الوفاء لمن ضحوا بحياتهم من أجل فرنسا، مع استحضار نقطة اشكالية تتمثل
بعلاقة الاحتلال بالمحتل، والمفارقة التاريخية المتمثلة بتحول بلد استعماري
كفرنسا إلى بلد محتل أسهمت في تحريره الشعوب التي يحتلها الفرنسيون أنفسهم.
هذه المفارقات التاريخية، خصوصا المغيب منها، له أن يكون الرهان
الأكبر الذي يحمله جديد المخرج المغربي اسماعيل فروخي «رجال أحرار»، فهنا
أيضاً سيسلط الفيلم الضوء على جانب مغيب من تاريخ الحرب العالمية الثانية،
ومعه أيضاً فصل من فصول العلاقة بين المسلمين واليهود إبان الاحتلال النازي
لفرنسا، عبر نبش تاريخ جامع باريس الكبير ودوره في توفير الحماية لليهود من
المحرقة النازية، وذلك من خلال استعادة قصة حقيقية متعلقة بشخصيات معروفة
مثلما هو الحال مع المغني الجزائري اليهودي سليم هلالي (1920 - 2005)،
ونجاته على أيدي العرب المسلمين المقيمين في فرنسا من معسكرات الاعتقال
النازية.
سنقع مع بداية الفيلم على شخصيته الرئيسة يونس (طاهر رحيم) الذي نتعرف
اليه كـ«تاجر شنطة»، إن صحت التسمية، يوفر الاشياء المفتقدة من جراء الحرب
والاحتلال، وهو غير معني بكل ما يجري من حوله، وهمه الاساسي الحصول على
المال وإرساله إلى أهله في الجزائر.
تشكل الطبلة التي يقايضها أحد المشترين من يونس مفتاح عبوره إلى عالم
المغني الجزائري سليم هلالي (محمود شلبي)، ومع بيعه تلك الطبلة لسليم تنشأ
علاقة بينهما، بينما يتورط يونس مع الاستخبارات الفرنسية المرتبطة
بالنازيين الذين يساومونه على بقائه في فرنسا -كونه مهاجراً غير شرعي -
لقاء تحوله إلى مخبر يجمع لهم المعلومات، خصوصا تلك المعلومات المتعلقة
بأنشطة جامع باريس الكبير، وما يقوم به من حماية لليهود باستصداره شهادات
ميلاد مزيفة لليهود تقول إنهم مسلمون.
سنتابع في الفيلم تورط يونس في العمل المقاوم والتغيرات التي تطاله من
جراء ما يعيشه ويكون شاهداً عليه، سيكتشف أمره إمام الجامع، وسيتحول إلى
عون له في مساعدة اليهود، إضافة للعب الجامع دوراً في حماية المقاومين
وتوفير المكان ليختبئوا فيه من النازيين الذين يلاحقونهم، كما أن يونس ومن
خلال قريبه المنخرط في المقاومة، والذي سرعان ما يقتل على أيدي النازيين،
سيضعنا أمام الدوافع الرئيسة التي تحرك هؤلاء المقاومين العرب، وذلك عبر
تبنيهم شعار مفاده «إسقاط الفاشية والاحتلال».
سيكون جامع باريس الكبير بؤرة للأعمال النبيلة، سيساعد اليهود ويحميهم
ومن ثم سيسعى إلى تسفيرهم بعيداً عن المخاطر المحدقة بهم، ولعل قصة المغني
سليم هلالي ستكون القصة الرئيسة في هذا الخصوص، فالنازيون لن يكتفوا بتصديق
أن سليم مسلم من خلال شهادة ميلاد إسلامية قدمها له الجامع ليصدقوا أنه ليس
يهودياً، بل سيقودونه إلى المقبرة التي دفن فيها والديه ليتأكدوا من ذلك،
لكن حتى هذا التفصيل سيكون مأخوذاً بالاعتبار، حيث سيكون لوالديه قبرهما في
المقبرة الاسلامية، كما سيفعل يونس بناء على توجيهات إمام الجامع.
هذه المفارقة التاريخية ستكون رهان فيلم الفروخي الرئيس، ولعل الأهمية
الكبرى التي تحملها متأتية من واقعية تلك القصة المستعادة، ونحن نتكلم عن
صراع مرير ممتد لأكثر من 70 سنة بين اليهود والعرب، مع حضور الدور العربي
مجدداً في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، وتلك الفكرة النبيلة المتمثلة
باسقاط الفاشية والاستعمار، ومع سقوط الأولى فإن الجزائريين سيحتاجون لأكثر
من 20 سنة ليحققوا استقلالهم، فهم سيسعون جنباً إلى جنب مع الفرنسيين
لاسقاط الفاشية، وليتخلى عنهم الفرنسيون بعد ذلك، ويبقوا طوال المدة التي
تلت سقوط النازية والفاشية تحت رحمة الاستعمار الفرنسي، والذي لم يقابل تلك
التضحيات والدماء العربية الزكية التي سالت على الأرض الفرنسية إلا بمحاولة
الحفاظ على الاستعمار ومجابهة مساعي التحرر بكل أصناف القتل والتدمير،
والذي أفضى إلى مقتل مليون ونصف المليون شهيد جزائري لتحقيق الاستقلال.
الإمارات اليوم في
20/11/2011
«إل غوستو».. الموسيقى تروي تاريخ الجزائر
زياد عبدالله
يستجيب الفيلم الوثائقي لمادة وثائقية بعينها، يمضي خلفها في استحضار
كل ما يساعد على تسجيلها وإعادة إحيائها من جديد بما يتسق مع الذاكرة،
وتلقينها درساً لئلا تقع في مطب النسيان، وإيجاد المساحة الملائمة التي
تضمن للمشاهد معاينة ما يجهله أو حتى ما يعرفه، ودائماً من خلال الاستجابة
لنداء التوثيق وغاياته النبيلة.
المادة التي تتبعها المخرجة الجزائرية صافيناز بوصبابا في فيلمها
الوثائقي «إل غوستو» (جائزة أفضل مخرج عربي في مسابقة الأفلام الوثائقية في
الدورة الخامسة من أبوظبي السينمائي) متمركزة حول موسيقى «الشعبي»
الجزائرية، ولكنها سرعان ما تتحول ملاحقة تلك الموسيقى وروادها وكل ما له
علاقة بها إلى تفرعات كثيرة ومتشعبة لا تأتي إلا من الهم التسجيلي المتمثل
بإحياء هذه الموسيقى وتسليط الضوء عليها، فالفيلم أولاً وأخيراً عن هذه
الموسيقى، لكن وعند الانتهاء من مشاهدته فإننا سنكون حيال تاريخ الجزائر
إبان الاحتلال الفرنسي والثورة عليه وما بعد الاستقلال، وصولاً إلى أيامنا
هذه، ولعل حضور كل ذلك لن يكون إلا على ألسنة عازفي ومؤلفي ومغني تلك
الموسيقى، وانعكاس كل تلك الأحداث على تلك الموسيقى.
تقول بوصبايا إن قصتها مع فيلمها بدأت من المرآة، وللتوضيح فهي ولدى
شرائها لها من أحد الباعة في حي «القصبة» الشهير فإنها ستتعرف الى واحد من
رواد موسيقى الشعبي، ما سيجعلنا نحن المشاهدين نعيش من خلال الفيلم مساحة
وثائقية غنية ونحن نلاحق تجميع أولئك الرواد ومصائرهم وحكاياتهم، وكل ذلك
برفقة مادة أرشيفية جميلة ستكون الموسيقى والأغاني عنصرين حاسمين فيها، لا
بل إننا سنكون أمام المكون الاجتماعي للجزائر من خلالها، وكما أسلفنا فإن
تاريخ الجزائر سيمضي يداً بيد برفقة هذه الموسيقى.
المقصود بالمكون الاجتماعي للجزائر سيكون حاضراً من خلال مكون موسيقى
«الشعبي» نفسها، فهي خليط بين الموسيقى العربية والبربرية واليهودية،
وعازفوها ومغنوها ليسوا إلا من المكونات سابقة الذكر، والذين سيلقون مصائر
مختلفة، فالعازفون الجزائريون اليهود سيكونون قد غادروا الجزائر، بينما
عازفون آخرون من اصول فرنسية فإنهم سيخرجون مع الاستقلال ليعودوا إلى فرنسا
والتي لن تعني لهم شيئاً، كونهم ولدوا وعاشوا كامل حياتهم على أرض الجزائر،
لا بل إنهم كما سيورد أحدهم سيعيشون غربة معكوسة لدى عودتهم إلى فرنسا
البلد الذي احتاجوا بذل الكثير ليتمكنوا من التأقلم والعيش.
أسماء مثل الحاج العنقا ستتكرر كثيرا في الفيلم، كونه رائد هذا اللون
الغنائي، سيكون الانتصار لقيم الحياة حاسماً في كل ما نشاهده، إنها
الموسيقى من تقرر للحياة أن تكون على هذا القدر من الجمال والتسامح، إنها
موسيقى تختلط فيها من حيث روحانيتها التراتيل اليهودية بالتلاوة القرآنية
بوصفهما مصدرين أيضاً لتوليفة تلك الموسيقى.
ومع نهاية الفيلم سنكون شهوداً على إعادة تجميع جميع من شاهدناهم
أثناء الفيلم من عازفين، وعليه سنجد أن عنوان الفيلم سيكون اسم الفرقة التي
أعيد تشكيلها أي«إل غوستو» ما يعني المزاج، سنكون شهوداً على عودة الحيوية
والتدفق لمن كانوا منسيين ومهملين من رواد هذه الموسيقى، سيجتمعون من جديد
في فرنسا، ومن ثم سنشاهد لقاءهم في مطار «شارل ديغول»، ومن ثم سهراتهم التي
يستعيدون فيها ماضيا كانوا يحسبونه غير موجود إلا في ذاكراتهم الخاصة،
وصولاً إلى الحفلة الأولى التي يقيمونها، ومن ثم مواصلتهم ذلك عبر سلسلة من
الحفلات التي مازالت متواصلة وحاضرة.
الإمارات اليوم في
20/11/2011 |