أنقذت الثورة المصرية مهرجان الإسكندرية السينمائي، حيث توجهت الأنظار
إلى الثورة ولم يلاحظ أحد أنه لم يكن هناك في الأصل مهرجان سينمائي.. بدأت
الفعاليات بالنداء الذي وجهه المخرج خالد يوسف مطالبا بالإفراج عن المصور
طالب معهد السينما فادي السعيد، ثم انتهت الفعاليات عندما صعد إلى خشبة
المسرح أغلب المشاركين في المهرجان من ضيوف وأعضاء لجنة تحكيم وهم يرتدون
تي شيرت مطبوعا عليه صورة لفادي السعيد!! لو أنك قررت تقييم المهرجان فنيا
ستجد أنه لم يكن هناك على أرض الواقع مهرجان.. كان المهرجان بلا أفلام
سينمائية إلا في ما ندر، حيث إن نصف العدد من الأفلام العشرة التي شاركت
بالمسابقة الرسمية تم عرضها على أسطوانات «دي في دي»، وعدد من هذه الأفلام
حصل على جوائز، مثل الفيلم الإيطالي «حياتنا» الحاصل على جائزة لجنة
التحكيم الخاصة، والمغربي «بيجاسوس» الحاصل على جائزة السيناريو.
رئيسة لجنة التحكيم المخرجة الإسبانية هيلينا تابرتا اعترضت على
الاستمرار في تقييم الأفلام كرئيس للجنة، نظرا لأن المهرجان سينمائي ولا
يجوز متابعة الفيلم على «دي في دي»، خصوصا وأن نصف الأفلام الأخرى تتم
مشاهدتها سينمائيا، مما يعني انتفاء العدالة في الحكم بين فيلم وآخر.
حاول خالد الصاوي إقناع أعضاء اللجنة ورئيسة لجنة التحكيم بالاستمرار
في المشاهدة بحجة أن الثورة هي العائق الأساسي للمهرجان، وأن إضراب
الطيارين المصريين الذي بدأ يوم 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في ليلة
افتتاح المهرجان هو الذي أسفر عن كل ما حدث من تأخر وتسيب في المواعيد، رغم
أن لائحة المهرجان تفرض وصول الأفلام قبل بداية المهرجان بأكثر من شهر..
الأخطاء التي ارتكبها المهرجان لا علاقة لها بالثورة المصرية، ولكن بعدم
الاكتراث والكسل الذي كان هو دائما الطابع المميز لمهرجان الإسكندرية، ليس
فقط هذه الدورة ولكن طوال تاريخ مهرجان الإسكندرية، وهو مرتبط دائما
بالفضائح!! يبدو أن رئيسة لجنة التحكيم لم تقتنع بأن الأمر خارج عن إرادة
القائمين على المهرجان، ولهذا غابت عن حضور حفل الختام، بينما نجح الصاوي
في إقناع باقي الأعضاء بالاستمرار في مشاهدة الأفلام سواء أكانت على أشرطة
سينمائية أم «دي في دي».
أصبحت الثورة المصرية هي المذنب والفاعل الرئيسي لكل إخفاقات مهرجان
الإسكندرية باعتبارها هي السبب في تأجيل أغلب الأنشطة الثقافية التي تولتها
وزارة الثقافة، ولهذا أصبح الرهان الذي أعلنه وتباهى به منظمو مهرجان
الإسكندرية أنهم أقاموا مهرجانا وهذا يكفي.. لا أدري ما أوجه البطولة في
إقامة تظاهرة ثقافية ثم لا تجد أي شيء له علاقة بالسينما أو الثقافة على
وجه العموم! صحيح أن طعم الثورة فرض نفسه على كل الأجواء ولكن أين السينما؟
لقد صارت الثورة وتبعاتها هي الشماعة التي يعلقون عليها كل تسيب وفساد شاب
المهرجان منذ أن أقيم حفل الافتتاح، ولم يستطع المهرجان الحصول على أفلام
قدمت عن الثورة المصرية، حيث إن فيلمي «18 يوم» و«الطيب والشرس والسياسي»
فضلا الذهاب إلى مهرجان أبوظبي الذي افتتحت فعالياته مساء أمس (13 أكتوبر)
وسوف يعرض مساء اليوم فيلم «الطيب والشرس والسياسي».
حتى الفيلم الروائي «أسماء» فضل مخرج الفيلم عمرو سلامة ومنتجه محمد
حفظي عرضه رسميا في مهرجاني أبوظبي ولندن.. الندوات تعتبر أحد أهم معالم
المهرجانات مثل مئوية نجيب محفوظ، التي كانت عنوانا مميزا للمهرجان، ألغيت
لأنه لم يحضر أحد من الجمهور ولا الصحافيين إلى مكتبة الإسكندرية، حيث كان
من المفترض إقامة هذه الاحتفالية بنجيب محفوظ!! بعد أيام قليلة تقام مئوية
لنجيب محفوظ في مهرجان أبوظبي، ويُعرض عدد من أفلامه، وبالفعل هناك دراسة
وأفيشات لأفلامه، وسوف تتضمن الدراسة ليس فقط القصص الروائية التي قدمت
لنجيب محفوظ سينمائيا، بل سوف يتم تناول أسلوب نجيب محفوظ في الكتابة
السينمائية، حيث إنه مارس أيضا الكتابة مباشرة للسينما في أفلام مثل «إحنا
التلامذة» و«جعلوني مجرما» و«بين السماء والأرض» وغيرها من الروائع الفنية،
فهي أعمال فنية ليست مأخوذة عن روايات أدبية لنجيب محفوظ أو غيره من الكتاب
ولكنها مكتوبة مباشرة للسينما.
هذا الجانب كان من المهم جدا أن يلقى عليه الضوء، خصوصا وأنه في
الاستفتاء الذي أجراه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن أفضل المبدعين في
المجال السينمائي احتل محفوظ ككاتب للسيناريو المرتبة الثانية في تاريخ
السينما المصرية، وجاء علي الزرقاني في المركز الأول.. أيضا علاقة نجيب
محفوظ بثورة يوليو، وهل كان رافضا للحكم العسكري في أعماله الروائية، مثلا
انتقد عبد الناصر لكنه في تصريحاته كان يدافع عنه، خصوصا وأنه كما هو معروف
أنه عندما صدر الاعتراض من الأزهر الشريف على نشر رواية «أولاد حارتنا» في
«الأهرام»، دافع عبد الناصر عنها ورفض إيقاف نشرها.. أما علاقته بالسادات
فلقد شابها أيضا الكثير من الشد والجذب، فلقد هاجمه السادات في خطاب شهير
قبل حرب 73 وفي نفس الوقت كان نجيب محفوظ من أكثر الأصوات التي دافعت عن
اتفاقية كامب ديفيد وتعرض بسببها للمقاطعة العربية التي طالت كل من كان
مؤيدا للسادات. وهكذا مثلا أضير نجيب محفوظ ماديا، حيث أصبحت شركات الإنتاج
تخشى من التعاقد معه، بل كانت بعض قصصه الشهيرة يتم تغيير عنوانها لتحمل
أسماء أخرى حتى لا يكتب اسمه على العمل الفني فيتم رفضه، مثل فيلم «دنيا
الله»، المأخوذ عن رواية له، تم بيعه للدول العربية باسم «عسل الحب المر».
مهرجان أبوظبي يحتفل بنجيب محفوظ وبشاعر الهند الشهير طاغور من خلال
دراسات وأفلام ومعارض صور، فماذا فعلنا نحن في مهرجان الإسكندرية؟.. لا
شيء.. مهرجان بغداد مثلا في دورته الثالثة التي انتهت فعالياته قبل أيام
وكان مواكبا لمهرجان الإسكندرية ولا يمكن لأحد مثلا أن يقول إن بغداد أمنيا
واقتصاديا مستقرة أكثر من القاهرة، فالدولتان مصر والعراق تعانيان من
الانفلات الأمني ومن صعوبات اقتصادية، وبالتأكيد معاناة العراق أكبر، ولكن
خرج مهرجان بغداد أكثر تنظيما رغم أن هذه هي فقط دورته الثالثة بينما
مهرجان الإسكندرية هذه هي دورته رقم 27، وكان قد أطلق أولى دوراته عام 1978
وتعثرت بعض فعالياته إلا أنه على الساحة العربية يعد المهرجان الثالث
الأقدم زمنيا، حيث سبقه فقط مهرجان قرطاج عام 1966 ثم مهرجان القاهرة 1976.
كان يبدو المهرجان وكأنه مجرد تسديد خانة للقائمين عليه، هم يريدون
إقامته لكي يقولون أقمنا مهرجانا، وبدأ الضغط الأدبي يأخذ مجراه على وزير
الثقافة عماد أبو غازي الذي واجه ضغوطا كثيرة تجبره على إقامة المهرجان..
كل ما فعله الوزير أنه وافق على التصريح به، أما المليون جنيه مصري (أقل من
200 ألف دولار) فلقد كان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق هو الذي اعتمدها
في العام الماضي بمجرد انتهاء الدورة السابقة، ولم يكن أحد من الناحية
القانونية يستطيع توجيه هذه الأموال إلى أي نشاط ثقافي آخر سوى بإعادتها
مرة أخرى إلى وزارة المالية، ولكن من الواضح أن الدولة لم تكن تملك إلغاء
هذه الدورة حتى ولو كانت هذه هي رغبتها، إلا أن وزارة الثقافة المصرية قررت
متابعة المهرجان فنيا وماليا من خلال تقارير يكتبها متخصصون عن المهرجان،
وهناك بالفعل مراقب مالي وفني للمهرجان، وأكد مدير المركز القومي للسينما
بأنه قد كلف المخرج مجدي أحمد علي بتقديم تقرير فني عن المهرجان.. مثلا
عندما قررت إدارة المهرجان عرض فيلم «الحاوي» ضمن الفعاليات الرسمية رغم
أنه سبق عرضه تجاريا قبل بضعة أشهر، رفض المركز القومي للسينما الذي يشرف
على المهرجان على اعتبار أن هذا مخالف ليس فقط للائحة مهرجان الإسكندرية،
بل لكل اللوائح والأعراف التي تتعلق بالمهرجانات، حيث لا يجوز عرض فيلم
رسمي في فعاليات المهرجان سبق عرضه تجاريا في نفس مدينة إقامة المهرجان!!
كان يبدو أن المهرجان يبحث عن ندوات، ولهذا رغم حالة الغضب العارم الموجه
ضد وزير الإعلام أسامة هيكل المتهم بإفساد الإعلام الرسمي وعودته إلى حضن
النظام بكل سلبياته، حيث أصبح هو لسان حال المجلس الأعلى للقوات المسلحة،
في ظل كل ذلك نرى أن المهرجان يوجه إليه دعوة للحضور وإقامة ندوة عن
السينما رغم أنه الوزير المتهم بمطاردة كل القنوات الفضائية التي تبحث عن
أي قدر من التحرر. وأتصور أن التقرير القادم الذي سوف يصدره قريبا المركز
القومي للسينما سوف يتضمن الكثير من السلبيات التي شابت هذه الدورة من
مهرجان الإسكندرية بحجة الثورة المصرية!! الثورة كان ينبغي أن تصبح دافعا
للسينما وليست طاردا لها، ولكن ما حدث أن المهرجان يعلن عن إقامة ندوة
تتناول الثورات العربية وتأثير السينما، ولم نقرأ دراسة تناولت هذا الحدث
مثلا ولكن مجرد كلمات عرجاء من عدد من الضيوف تصادف وجودهم بالمهرجان..
كانت الندوة مجرد تسديد خانة وكأنهم يقولون «هذه الدورة عملت اللي عليها
وتناولت الثورة والسينما»!! اختيار أفيش المهرجان جاء مباشرا ويخلو من أي
إبداع فني في التعبير عن الثورة والسينما، حيث شاهدنا مجرد شاب يصرخ في
أسفل الكادر، أما في أعلى الكادر فلقد وضعت صورة فتاة ولا شيء أكثر من ذلك،
وهكذا تم تسديد خانة أخرى عن السينما والثورة.. ومع الأسف لا يصنع ذلك
بالتأكيد مهرجان يتطلع لأن يصبح له مكان ومكانة على خريطة مهرجانات
الدنيا!! الناس لم يكن تعنيها السينما.. الحدث هو المسيطر منذ البداية،
ولكن ما دمنا في مهرجان سينمائي فإن التعبير ينبغي أن يصبح سينمائيا
بالدرجة الأولى، إلا أن ما سيبقى في الذاكرة هو أن المهرجان كان يخلو من
السينما منذ افتتاحه حتى الختام.
استطاع المخرج خالد يوسف أن يحرك مؤشر المشاعر في ليلة الافتتاح
لتتوجه إلى المصور فادي السعيد المقبوض عليه بتهمة تصوير حدث اقتحام
السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، لنصل إلى ليلة الختام ونشاهد أيضا أغلب
الضيوف من السينمائيين يرتدون تي شيرت مرسوم عليه صورة فادي، ثم يمسك
المخرج فوزي صالح الحاصل على جائزة المهرجان في الفيلم التسجيلي «جلد حي»
ويعلن أن الجيش يضرب ويقتل في الأقباط أمام ماسبيرو ويهتف ضد المجلس الأعلى
للقوات المسلحة وينزل من فوق خشبة المسرح ولا يحصل على جائزته. ولا أتصوره
كان حريصا عليها لأننا كنا بالفعل نعيش، ليس أجواء مهرجان ولكن في حدث
سياسي تحياه مصر بعد الثورة، وأقيم على هامش الحدث ما أطلق عليه البعض
تجاوزا مهرجان!! مساء أمس افتتح مهرجان أبوظبي دورته الخامسة، ويوم الـ25
من أكتوبر الحالي يفتتح مهرجان الدوحة دورته الثالثة، وفي الـ7 من ديسمبر
(كانون الأول) المقبل موعدنا مع أقدم المهرجانات الخليجية (دبي) في دورته
الثامنة، وستطل ثورات الربيع العربي تهيمن على كل هذه المهرجانات إلا أننا
بالتأكيد سوف نرى سينما!!
الشرق الأوسط في
14/10/2011
مزيد من المغاربة في تاريخ فرنسا
باريس - ندى الأزهري
مقالة في مجلة فرنسية كانت وراء بحثه المعمق عن دور جامع باريس في
حماية بعض
اليهود ومقاومي النازية في فرنسا الأربعينات. إسماعيل فروخي
المخرج الفرنسي ذو
الأصول المغربية يعود في «رجال أحرار» إلى
موضوع أثير عليه: الدين وأبعاده
الاجتماعية والثقافية في تركيبة الفرد.
في فيلمه الأول «الرحلة الكبرى»، لقاء روحي تنعقد أواصراه تدريجاً بين
أب وابنه
وهما في طريقهما إلى مكة، الهدف الطوعي للأول الإجباري للثاني.
يرافق الشاب والده
مرغماً في رحلة السفر الطويل، فيتعرف شيئاً
فشيئاً إلى هذا الشيء «الغريب» الذي
يدفع بإنسان للادخار طوال حياته، لتحمّل المشاق، لقطع المسافات من أجل
الوصول إليه،
وليكتشف الإيمان وهذه العلاقة الفريدة التي يمكنها أن تربط الإنسان بخالقه،
والابن
بأبيه.
وُلد إسماعيل فروخي في المغرب (1962) ونشأ في فرنسا. بدأ العمل في
السينما في
الثلاثين من عمره. أخرج فيلمين وكتب سيناريو أفلام عدة. في
فيلمه الجديد «رجال
أحرار» استوحى أحداثاً جرت، وشخصيات وجدت
حقاً... أراد من خلالها تسليط الضوء على
حقائق لا يعرفها الفرنسيون و اكتشفها هو ذاته بالصدفة كما قال. نسج
السيناريو حول
شخصيتين حقيقيتين هما مدير جامع باريس ومنسق العلاقات المغاربية - الفرنسية
خلال
فترة الحرب العالمية الثانية، ومغنٍّ يهودي جزائري اشتهر في تلك الفترة في
كباريهات
باريس.
تجري أحداث الفيلم أثناء فترة الاحتلال الألماني فرنسا. حيث كالكثير
من المؤسسات
الفرنسية التي تعاملت مع نظام الجنرال بيتان زعيم نظام فيشي
المتعاون مع المحتل
النازي، كذلك فعلت إدارة مسجد باريس، وإن
بدا في الفيلم أن هذا التعاون كان
ديبلوماسياً محضاً وليغطي فقط على نشاطات
الإدارة في تقديمها شهاداتِ الهوية. سي
قدور بن غبريت (ميشيل لوندال)، المسؤول عن
جامع باريس، يقيم علاقات طيبة مع
الألمان، وفي الوقت نفسه يوزع شهادات تثبت
انتماء أصحابها للديانة الإسلامية في
محاولة لإنقاذ حياتهم. كان المستفيدون من
تلك الشهادات يهوداً قدم بعضهم من بلاد
المغرب العربي، ولكن أيضاً فرنسيين
وجزائريين منتمين لصفوف المقاومة الفرنسية ضد
الاحتلال النازي. يلحظ بن غبريت تردد يونس
(طاهر رحيم) على المسجد، ويدرك مهمته.
فيونس بات بتكليف من الشرطة الفرنسية، جاسوساً رغماً عنه. قدم
هذا الشاب إلى باريس
في زمن الحرب الثانية، في البداية كان همه
منصبّاً على إعالة عائلته التي بقيت في
الجزائر وعلى تجميع بعض المال قبل العودة
إلى وطنه، لكن الظروف تدفعه في اتجاه
آخر.
وستحوّله الحرب وتكشف له ما لم يكن يعيره انتباهاً ولا اهتماما. لقد
وقع، نتيجة
عمله في ترويج بضائع السوق السوداء، في يد الشرطة التي عرضت
عليه صفقة للخروج من
السجن. قبِل التجسس على المسجد لمراقبة
مرتاديه وللتأكد من نشاطاته في توزيع وثائق
هوية مزورة، لكنه يصادف فيه المغني اليهودي الجزائري سليم الهلالي (1925 -
2005)
الذي يغنّي الموروث الشعبي المغاربي - الأندلسي. فيكون هنا المنعطف. لكن
تحولات
شخصية يونس من جاسوس إلى مقاوم لم تمرّ بخط متصاعد بل كان الشك يعيدها
أحياناً إلى
التفكير من جديد، وربما محاولة التراجع والعودة إلى مــوقف الحياد
واللامبالاة
بالدين وما يجري، كما حصل حين حاول الــتهرب من اصطحاب الطفلتين اليهودتين
لإنقاذهما. بقي التذبذب يصاحب الشخصية إلى لحظة التحول النهائي، حين قرر
الانضمام
للمقاومة وعدم الهرب إلى بلده.
الفيلم مشابه في بعض مشاهده أفلاماً عدة عن ترحيل اليهود أو إخفائهم
وحمايتهم من
قبل بعض الفرنسيين. كما أنه من خلال رسمه للحياة السياسية
والنقابية لفئة من
المهاجرين المغاربة الذين قدموا قبل الحرب
الثانية للعمل في النهضة الصناعية التي
كانت بدأتها فرنسا، يقترب من فئات بدأت
تقتحم أكثر فأكثر السينما الفرنسية (مع
أفلام بو شارب)... ولكن الفيلم لم يخلُ من
عناصر جديدة تمثلت في هذه اللوحة التي
رسمها لأجواء باريس والتي تجاورت فيها
الأديان الثلاثة تحت الاحتلال، وكانت
الموسيقى، والعربية - الأندلسية تحديداً،
هي العنصر الذي جمع بين المنتمين إليها.
الموسيقى بدت عنصراً فعالاً في عكس الحالة النفسية وتحولات الشخصية
الرئيسة، كما
أن الأغاني التي نسبت للهلالي والتي أداها مغنٍّ مغربي هو «بنهاس
كوهن»، طبعت
الفيلم بمناخ فريد. متعة إضافية قدمها
التمثيل الفذ لطاهر رحيم الذي حمل الفيلم على
عاتقه. طاهر رحيم درس السينما في فرنسا وكانت بداياته في 2005 في السينما
والمسرح.
وفي العام الفائت حصل هذا الممثل ذو الأصل الجزائري المولود في فرنسا
(1981)، على
جائزتي السيزار الفرنسية للتمثيل عن دوره في فيلم «النبي» لجاك أوديار، وهو
ما عدّ
سابقة في تاريخ منح هذه الجائزة.
كان لرحيم الدور الحاسم في شدّ المشاهد نظراً إلى أدائه البارع
وتقديمه الشخصية
بمهارة وحضور لا غبار عليهما، فكانت نظرته
تعكس تماماً حيرة فتى وتردده، براءته
وتهوره، فبدا شديد الإقناع في فيلم لم يكن
الإخراج فيه على مستوى «الرحلة الكبرى»
الفيلم الأول لإسماعيل فروخي، ولم يكن على مستوى الانتظار. فقد
افتقد التميز وربما
ضاعف من ذلك ضعف السيناريو القائم على فكرة
وجد السيناريو صعوبة في تطويرها ورفدها
بما يغنيها. لكن «رجال أحرار» يبقى عملاً لم تفتقد حبكته التشويق
والمتعة.
الحياة اللندنية في
14/10/2011
على الشاشات
مخرج «المسافر»: تأثرت بالمخرج الإيطالى فيلينى ولم أقتبس
أفكاره
رامى المتولى
«يقف عامل طباعة الأفلام بأحد معامل الألوان بإيطاليا بعد انتهائه من
عمله على أحد الأفلام، مشيدا بتقدم صناعة الفيلم الأمريكى على نظيره
الأوروبى، ويفاجأ عندما يخبره من يحيطون به أن الفيلم الذى انتهى من العمل
عليه هو فيلم مصرى».. الفيلم يحمل عنوان «المسافر»، والرواية لمخرجه أحمد
ماهر متحدثا عن تفاصيل الفيلم التى استغرق الإعداد لها عاما قبل بدء تصويره
وستة أشهر قبل تصوير كل مرحلة من مراحل الفيلم الثلاث، قائلا «فريق العمل
كان يضم متخصصين عن كل فترة زمنية تناولها الفيلم، يقوم بدراستها ويتابع
المنتجات التى كانت منتشرة فى وقتها، على سبيل المثال علبة عصير (قها) التى
ظهرت فى المطعم بالجزء الثانى من الفيلم، تمت إعادة تصنيعها بالكامل، حيث
إن هذه الماركة لم تعد تنتج الآن، كذلك الحال مع ماركات السجائر، والملابس،
واستعنا بترام أثرى كان موجودا فى المخزن ليحاكى الفترة الزمنية».
وعن تشابه مشهد سقوط بطل الفيلم «حسن» من الكوبرى ومشهد السقوط فى
فيلم «½8» للمخرج الإيطالى فيلينى ومدى تأثره بالسينما العالمية، أجاب
بمقولة للمخرج الأمريكى وودى آلن «كلنا أولاد (½ 8)»، فى إشارة إلى تأثر
جميع المخرجين فى العالم بمدرسة فيلينى، لكنه ليس اقتباسا أو تقليدا
لأفكاره، وسقوط حسن من الكوبرى يعبر عن تحرره من القيود ومن خوفه، وعن خالد
النبوى وسبب اختلاف أدائه فى الجزأين الأول والثانى من الفيلم، وظهوره فى
الجزء الثانى تحديدا فى أداء مقارب لشخصية عمر الشريف، حيث تصدر عمر الشريف
الجزء الأخير من الفيلم فى شخصية البطل حسن، عجوزا «فكرة التقليد غير
واردة، لأننا نعرف من الممثل غير ما يقوم به من أدوار، ولا نعرف الممثل فى
حياته الحقيقية، وأداء خالد النبوى فى الجزء الثانى من الفيلم ليس أكثر من
محاولة أو جسر ليقرب بين شخصية حسن فى السبعينيات، وحسن عام 2001، وشخصية
حسن فى السبعينيات هى نفس الشخصية التى ظهرت فى بداية الفيلم لكن مع مراعاة
البعد الزمنى بين التاريخ الأول عام 1948، والتاريخ الثانى عام 1973».
وأضاف «خالد قام بدور صعب وبذل مجهودا، لأنه قبل أن يؤدى دور شخصية
انهزامية مثل شخصية حسن، وفى الوقت الذى يسعى فيه عدد كبير من الممثلين إلى
الظهور من خلال أعمالهم كأبطال. خالد سعى إلى الاختلاف».
التحرير المصرية في
14/10/2011
"فتافيت ركام"
الفيلم الحائز على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان بغداد
رزق الغرابلي – غزة
"فتافيت ركام" ما هو إلا مادة إعلامية توثيقية بلغة سينمائية بسيطة
ترصد للأجيال جريمة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عبر أطفال كانوا عين
الحقيقة التي نجت لتروي فظاعة المشهد بتعابير وجوههم البريئة الصادقة
وبلهجتهم الطفولية المتلعثمة.
من أجل ذلك، حق لـ"فتافيت ركام" أن يحصد باسم "فلسطين" جائزة لجنة
التحكيم في مهرجان بغداد السينمائي الدولي، الذي عقد في العاصمة العراقية
بغداد.
ومنحت جائزة لجنة التحكيم الخاصة، للفيلم، للمخرج عبد الرحمن الحمران
من فلسطين، ضمن صعيد المسابقة الدولية للأفلام الوثائقية في المهرجان.
و"فتافيت ركام" فيلم وثائقي للمخرج عبد الرحمن الحمران ومن إنتاج
مؤسسة الثقافة والفكر الحر، ويوثق جرائم الحرب التي ارتكبتها آلة الحرب
الإسرائيلية خلال عملية الرصاص المسكوب أواخر عام 2008 على قطاع غزة من
وجهة نظر أطفال عايشوا تلك التجربة المريرة وفقدوا أحبتهم ودمرت بيوتهم.
وجاب الفيلم العديد من بلدان العالم من خلال مشاركته بالمهرجانات
الدولية والعربية، كان آخرها العام الماضي بمهرجان الأردن للأفلام القصيرة.
وقال مخرج الفيلم عبد الرحمن الحمران إن "فتافيت ركام" عبارة عن مشاهد
وليدة اللحظة والواقع ومن دون تحضير أو إعداد مسبق وشهادات لأطفال عايشوا
الحرب وذاقوا مرارتها.
واختتمت منذ أيام على قاعة المسرح الوطني في بغداد الدورة الثالثة
لمهرجان بغداد السينمائي الدولي بمشاركة 160 فيلما من 32 دولة.
وتميزت دورة هذا العام التي تعد الأضخم في تاريخ المهرجانات في العراق
بكونها الأوسع من جهة عدد الأفلام المشاركة ونوعية الأفلام المشاركة وكذلك
اعتماد لجان تحكيم عراقية وعربية ودولية.
وبالرغم من كل المصاعب، فقد حقق المهرجان حضورا عربيا ودوليا وساهمت
الفضائيات ووسائل الإعلام في شتى أنحاء العالم في تسليط الضوء عليه لكي
تكون هذه الدورة انطلاقة حقيقية تؤسس لتقليد سينمائي ثقافي يعيد للحياة
الثقافية والسينمائية العراقية بعضا من ألقها وحيويتها.
فارييتي العربية في
14/10/2011
«تاكسي بيروت»..
صورة سينمائية لعاصمة أصابها الزهايمر !
بيروت - هنا الحاج
يعالج فيلم «تاكسي بيروت» من إنتاج قناة الجزيرة الوثائقية للمخرج
اللبناني هادي زكاك، نظرة ثلاثة سائقي تاكسي من أجيال مختلفة الى بيروت،
مدينة الفوضى والإعمار. عاصمة مصابة بـ»الزهايمر» كما يحلو لزكاك ان يقول،
إذ انها العاصمة التي تفقد أجزاء من ذاكرتها بين يوم وآخر فيتحولّ تصوير
فيلم «ومهما كانت عملية التصوير سريعة» أرشيفا لجزء من ماضٍ تمتد إليه
أمواج العصرنة فتطمره تحت رمال لا تمت الى الهوية بصلة. وفي هذا الاطار
يقول: «ينسجم العمل لناحية الذاكرة وفقدانها مع نظرتي للتاريخ».
ويرسم زكاك صورة لبيروت من خلال عيون ثلاثة سائقي تاكسي ﻣﻦ
ﺃﺟﻴﺎﻝﻣﺨﺘﻠﻔﺔ «لأن هؤلاء يشهدون بشكل يومي على التغييرات التي تصيب
المدينة». المشروع هو جزء من سلسلة أفلام من إنتاج قناة «الجزيرة» التي
ترمي الى تقديم صور عن مدن عربية مختلفة. في بيروت يجوب ﺃﻣﻞ ﻭﻓﺎﺩﻱ ﻭﻓﺆﺍﺩ
ﺷﻮﺍﺭﻉ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ رحلات ﻳﻮﻣﻴّﺔ ﻳﻤﺘﺰﺝ ﻓﻴﻬﺎﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻭﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺮﺍﺣﺔ
ﺍﻟﻤﺆﺟﻠﺔ.
ﺍﻟﺴﺎﺋﻖ ﺍﻷﻭﻝ ﺭﺟﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ يدأب على العمل، ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻛﺎﻥﻣﻘﺎﺗﻼً
ﺳﺎﺑﻘﺎً، فيما السائق ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ كان يقيم ﻓﻲ ﺩﺑﻲ ﻭﻗﺮﺭ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﻟﻴﻌﻤﻞ.
وقد تعمد زكاك اختيار هذه النماذج الثلاثة «من أجيال مختلفة. فالاول يعكس
فقدان المواطن اللبناني لضمان الشيخوخة واضطراره للعمل مهما تقدّم سنه، أما
الثاني أي نموذج المقاتل فسببه ان القيادة تعكس نوعا من حرب مستمرة وقتال
يومي، فيما النموذج الثالث يبرز كم أن بيروت مضطرة لبيع نفسها».
صوّر العمل، ومدته 51 دقيقة، خلال عشرة ﺃﻳﺎﻡ توزعت ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﺎﺋﻘﻴﻦﺍﻟﺜﻼﺛﺔ
ﺧﻼﻝ ﻓﺘﺮﺍﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺍﻟﻠﻴﻞ كما ﺍﺳﺘﻌﻤل ﺁﻟﺘَﻲ ﺗﺼﻮﻳﺮ،
الأولى ﺭﻛّﺰﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺎﺋﻖ والثانية ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻛﺎﺏ ﻭﺭﺩﻭﺩ فعلهم بهدف إخفاء
الكاميرا لكي يبدو المشهد طبيعيا واقعيا فتركنا السخرية تطفو في الكثير من
اللقطات ففي النهاية ان بيروت تبعث على البكاء والضحك في آن واحد. ولاحظ
زكاك خلال التصوير ان «ﺍﻟﺴﺎﺋﻖﻳﺨﻒ ﻛﻼﻣﻪ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﻳﻜﺜﺮ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻠﻴﻞ»، ﻭان
«ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺑﻴﺮﻭﺕ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦﺍﻟﻠﻴﻞ. ﺑﺈﺧﺘﺼﺎﺭ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥّ ﺍﻟﻔﻴﻠﻢ
ﻳﺼﻮّﺭ 24 ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺑﻴﺮﻭﺕ».
ورأى زكاك ان «سائقي الأجرة ﻫﻢ ﻣﺆﺭﺧﻮﻥ ﻟﻜﻞ ﺗﻄﻮّﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻳﻔﻬﻤﻮﻥ
ﻓﻲﻛﻞّ المواضيع ﻓﻴﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺣﻞّ ﻛﻞّ المشكلات ويسدون النصائح، ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻤﺎء
ﻧﻔﺲﻟﻘﺪﺭاﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺎﺕ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﻤﻴﻞ ﺁﺧﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﻫﺒﻬﻢ
ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻨﺎء ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻌﺮ. ﺳﺎﺋﻘﻮ ﺍﻟﺘﺎﻛﺴﻲ ﻳﺨﻠﻘﻮﻥ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﻛّﺎﺏ ﻭﻳﺪﺧﻠﻮﻥ
ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭﻫﻢﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻧﺴﻴﺎﻥ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓﺘﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻦ
ﺧﻼﻟﻬﻢ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻑ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺠﺮﻱﻓﻲ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻭﻣﺎذا ﻴﺤﺪﺙ» لكأنهم صحف متنقلة.
وقال زكاك انه يحاول قدر الامكان «ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮّﺝ ﻓﻲ
ﺑﻴﺮﻭﺕﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﻓﻲ ﺑﻴﺮﻭﺕ ﻭﺇﻻّ ﻓﻠﻦ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﻇﻬﺮ ﺗﻠﻚ
ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ. فإذا ﻓﻜّﺮﺕ ﻛﻴﻒ ﺃﻋﻴﺶ ﻠﻦ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺃﻓﻼﻡ، ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻷﻓﻼﻡ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ ﺃﻋﻴﺶ».
فارييتي العربية في
14/10/2011 |