مستحيلة الكتابة عن
نتاج إبداعي، تجاوز منطق الأمور، وغاب في إبداع التأمّل الإنساني، وسط
انهيارات
شتى. الصُوَر المتلاحقة، المليئة بكَمّ هائل من اللقطات الموسيقية الضاجّة
في صميم
العقل وعمق الانفعال، تحول دون إسقاط تنظيرات وتحاليل نقدية،
لأنها بدت خارج أي
إسقاط، وأقوى من أي تحليل. لهنيهات متفرّقة، تُصبح بعض اللقطات عصيّة على
الإدراك
الخجول لمُشاهد قابع في عتمة الصالة، وساع لإيجاد معادل كتابيّ للغة معقودة
على
الصمت غالباً، أو مرتكزة على إيقاع بديع للصُوَر، أو منفتحة
على موسيقى ذاهبة إلى
أقصى الصدمة. ساع لإيجاد معادل كتابيّ للغة مقبلة إلى المشهد من داخل
الغليان
الفردي، بعيداً عن معجزة الإلقاء، لأن معجزة الإلقاء نفسها عاجزة عن تحرير
خطابها
الدرامي من جماليات الصُوَر المنثورة هنا وهناك.
صُوَر. لا شيء آخر غير الصُوَر.
مشاهد. لقطات. مونتاج. إضاءة. موسيقى. تلاعب بديع بها كلّها، بهدف إعادة
خلق العالم (أو بهدف إعادة طرح سؤال خلق العالم)، على
الوتر الحسّاس لمخرج يُطلّ على السينما
بين فينة وأخرى، لكنه يُطل قوياً وصادماً وجميلاً. التقنيات في
خدمة النصّ. في خدمة
الصُوَر تحديداً. الحوارات استكمال «هامشيّ» لما يجول في التفكير الباطني
للشخصيات.
للمخرج نفسه. الأداء التمثيلي «جانبيّ». أي
أن التمثيل حاجة درامية، في مقابل تكثيف
مدوّ لصُوَر متلاحقة، هي عبارة عن لقطات وتصاميم إيحائية، تعيد
رسم العالم، بل
تُقدِّم ولاداته الصاخبة، في متتاليات ملوّنة، تشي بكونها ريبورتاجات
صحافية عن
عالم البحار أو الفضاءات أو غليان الطبيعة، قبل أن تذوي هادئة إثر نسجها
البديع
ملامح الولادة (الخلق) تلك. بل الولادات هذه.
صدمة
ليس ازدراءً، بل
عجزاً عن اختراق الحواجز التأملية التي سوّرت الحكاية المنعدمة الوضوح
أصلاً، إذا
اعتُمِدت قراءة تقليدية للنصّ. ليس ازدراءً القول بشعور عابر أمام مشاهد
عدّة،
بأنها ريبورتاجات صحافية عن البحر والمياه والبراكين
والانقلابات الطبيعية. التعبير
المُستخدم هنا لا يتعالى على النصّ البديع ولا يزدريه إطلاقاً، بل يحاول أن
يجد
مُبرِّراً لعدم القدرة على اختراق مريح للصنيع الفني هذا. صخب الموسيقى
(مقطوعات
لبيدريك سْمتانا وفرانسوا كوبوران وباتريك كاسيدي وزبيغنياف
برايزنر وجان سيباستيان
باخ وجون تافنر وهكتور برليوز) مردّه قوّة الانقلابات الطبيعية الممتدة إلى
النفس
البشرية الواقفة على الحافة.
أو عند أعلى منحدر قاتل ومخيف. الألوان (مدير التصوير:
إيمانويل لوبيزكي) الموحية بفرح وضجّة وروعة، تتحوّل سريعاً إلى سياق مركّب
للمعنى
الأقسى لولادات لا تنتهي. لميتات لا تنتهي أيضاً. التعامل مع الموسيقى
(ألكسندر
ديبلا) والألوان وتقنية التوليف (هناك خمسة فنانين ولّفوا
«شجرة الحياة»: هانك
كورفان وجاي رابينوفيتش ودانيال ريزاندي وبيلي ويبر ومارك يوشيكاوا)
والإضاءة
وألعابها والتركيب البصري ومتاهاته الجمالية، التعامل مع هذا كلّه محتاجٌ
إلى شخصية
قوية، قادرة على الصمود أمام الالتباسات التي تزنر بنياناً شاهقاً من
التأمّل
الفلسفي، والغموض المحيط بمسارات إنسانية وخلل أخلاقي. قوّة
النصّ محتاجة إلى قوة
إدراك. أي أن الصنيع الفني مهتمّ بإحداث صدمة تلو أخرى: في صناعة الصورة
السينمائية. في الاشتغالات التقنية. في السرد الحكائيّ. في
العلاقات الإنسانية
والبشرية القائمة بين الشخصيات. في البحث المعمَّق في شؤون الحياة والموت.
في الغرق
الإيمانيّ داخل متاهات معلّقة، تعيد طرح الأسئلة نفسها في دائرة منغلقة على
نفسها،
بقدر ما هي مفتوحة على ظلال الشقاء الفكريّ العاجز عن تحرير
الجسد والروح من وطأة
الأسئلة تلك. الصنيع الفني راغبٌ في إثارة الفتنة: ضرب القيم القائمة، من
خلال
الدوران الدائم حولها. والافتتان أيضاً، الذي يعني جمالاً لا يوصف، يُحيل
على سؤال
الخيبة من واقع الانكسار العنيف للتوهان البشريّ حول الذات
وأفكارها الخائبة من
اللاأجوبة.
هذا كلّه مستلّ من مُشاهدة أولى لـ«شجرة الحياة» للأميركي تيرينس
ماليك (إخراجاً وكتابة سيناريو). مُشاهدة أولى لا ترتقي إلى العمق
التأمّلي، الذي
اعتاد ماليك الاشتغال عليه في أفلام سابقة له، أبرزها «خيط
أحمر رفيع» (1998)
و«العالم الجديد» (2005). هذا كلّه لا يتعدّى كونه جزءاً يسيراً من غنى
النصّ،
وجمال الصورة، وبراعة السينمائيّ في دفع الجالس في عتمة الصالة إلى التسمّر
أمام
الشاشة الكبيرة (كم يتمنى المتسمِّر أمام الشاشة الكبيرة أن
يُشاهد فيلماً كهذا في
صالة أفضل تجهيزاً تقنياً وأحدث وأكثر تطوّراً، للتمتع بجماليات الألوان
والتصوير
واندماج الموسيقى بها)، بحثاً عن خلاص شخصي له من قوّة الحكاية وضغط
الصُوَر
المتلاحقة. التأمّل؟ إنه فعل ذاتي أراده تيرينس ماليك (مواليد
أوتاوا، إلينوا،
تكساس، 30 تشرين الثاني 1940) حواراً مفتوحاً مع الذات عبر الصورة
السينمائية.
التأمّل في أحوال الذات وسط تمزّقها
والعالم معاً. وسط انقراض الأجوبة التقليدية،
وعجز الأجوبة الحديثة عن إشباع الرغبة في المعرفة. بل في
الخلاص. وسط بشاعة اللحظات
وجمال الكينونة الفردية. «شجرة الحياة» دعوة مفتوحة إلى إسقاطات كثيرة. إلى
إسقاطات
نابعة من انفعال ذات المُشاهد، وهواجسه وانكساراته وخيباته وأتراحه
وهذياناته، في
مقابل كَمّ لا بأس به من «موبقات» الفرح، وأدران الرذيلة
المبطنة في ممارسة
الطبيعة، أحياناً، وحشيتها على الناس. الغليان الحاصل في جوف الطبيعة،
انعكاسٌ لرفض
الطبيعة موقعها وسط جنون الأرض وهلوسة البشر.
نشيد
لا يُمكن اختزال
شيء. لا يُمكن الاسترسال في تحليل لا ينتهي. «شجرة الحياة» ممتدة من داخل
تيرينس
ماليك إلى أقصى الأسئلة وأقساها. ممتدة من عقل مترنح بين تأمّلات لا تنتهي
وأسئلة
تتكرّر، وبين مساحات شاسعة من الحراك الهادئ والمبطّن أمام
روعة الكاميرا في
استخلاص تفاصيل وتصوير أشياء، وخلط اللقطات بين أزمنة وأمكنة وحالات.
قيل فيه
إنه «ملحمة كونية». إنه «نشيد حياة». لكنه حمل نظرة متقاطعة بين تكوّن
البشرية
والمراهَقَة الصعبة لصبيّ في خمسينيات القرن الفائت. ليس عبثاً اختيار
الخمسينيات.
إنه زمن الانقلابات والأسئلة والتكوّن
أيضاً. لكن، يُمكن القول إن «شجرة الحياة»
قصّة عائلة مقيمة في تكساس (مسقط رأس ماليك) في خمسينيات القرن الفائت تلك.
أبوان (براد بيت وجيسيكا شاستن) وثلاثة أولاد (هانتر
ماك كراكن ولارامي إبّلير وتي
شيريدان). علاقة صدامية وقاسية ربطت الأب بأولاده الثلاثة
هؤلاء. بابنه البكر جاك
تحديداً (كراكن، وشون بن في مرحلة عمرية لاحقة). بامرأته أيضاً، الصامتة
والمنسحبة
إلى داخلها. بذاته وكيانه وحدود الانتماءات الظاهرة، التي قالها علناً كأنه
يُخفي
الأعظم المحجوب. قصّة عادية عن عائلة عادية، في لحظة تحوّل اجتماعي وسياسي
وثقافي،
عرفته الولايات المتحدّة الأميركية في الفترة تلك. غير أن
تيرينس ماليك لا يسرد قصة
عادية. فلا الحكاية مهمّة، ولا آلية سردها أيضاً. هناك ما هو أقوى وأجمل
وأهمّ:
الأسئلة المُكرَّرة (عن الخلق والحياة
والكذب والفاشية والمخفيّ في العلاقة) تدور
في الإطار نفسه. بدءاً من المقاطع المستلّة من «سفر أيّوب»
(الإصحاح الثامن
والثلاثين، الآيات 4 ـ 7) التي افتتحت النصّ السينمائي: «أين كنتَ حين
أسّستُ
الأرض؟/ أخبر إن كان عندك ذكاء./ من أقرّ الأحجام، هل تعلم،/ من مدّ الخيط
عليها
فقاسها؟/ على أي شيء رست قواعدها؟/ من الذي أرسى حجر زاويتها/
حين كانت كواكب الصبح
تغني جَذلاً/ وأبناء الله جميعهم يصرخون فرحين؟». هذا مدخل إلى عالم تيرينس
ماليك.
هذه دعوة إلى الغرق في ثنائية الخلق
والخراب. لكن، لا أجوبة ولا نهايات مؤكّدة. حتى
الأمور هذه كلّها ليست مهمّة في النصّ الحكائيّ لـ«شجرة
الحياة». هناك الصُوَر،
الترجمة البصرية لما يعتمل في داخل تيرينس ماليك، المخرج والإنسان معاً، من
قلق
وارتباك وبحث عن مجهول قد يكون خلاصاً. الترجمة البصرية للغليان القابع فيه.
للأحلام الأوهام الهواجس. للباطن المنزوي في باطنيته حتى التُخمة. كأن
الفيلم مرآة
النفس الباطنية. مرآة اللاوعي المتناغم ووعي ذاهب بصاحبهما إلى أقصى
الانفلات من
قيد الحياة.
التأمّل. أصوات رواة يقولون ويسألون ويُحاججون ويغضبون بلطف وهدوء.
أصوات رواة هم شخصيات مجبولة بالقهر والألم
والخيبة. بالحصار المدوّي لسلطة أب، أو
لسلطة خالق. أصوات ترافق العين في تفتيت المحجوب والمخفيّ
والواضح، وتنتهي في إشعال
مزيد من القلق الذاتيّ في نَفْس المُشاهد وأرواحه المرتبكة وارتعاشات قلبه
وجسده
أمام المجهول، الذي أكّده «شجرة الحياة» في بحثه اللامتناهي عن الأشياء
والتفاصيل.
السفير اللبنانية في
05/10/2011
الافتتاح الليلة مع تيرينس مالك: مهرجان بيروت السينـمائي
يستضيف العمالقة
... وانتقلت «الكروازيت» إلى السوديكو
عثمان تزغارت
هذه السنة تستطيع كوليت نوفل أن تشعر بالرضى. لقد جمعت في مهرجانها
أبرز روائع السينما العالميّة خلال الموسم الأخير. أعمال لبيدرو ألمودوفار،
وغاس فان سانت، وناني موريتي، وفيم فندرز تعرض للمرة الأولى في العالم
العربي، ضمن «بانورما دوليّة» تقطع الأنفاس. رياح السوق العالمية المؤاتية
أسهمت في رفد الدورة الـ11 من «مهرجان بيروت الدولي للسينما» بأعمال
العمالقة. أمّا نسائم الربيع العربي، فحمّلت المسابقة الرسميّة أعمالاً
تعبق بالسياسة
أبرز عشرة أفلام يستضيفها ضمن «البانوراما الدولية» حطّت على
الكروازيت، بدءاً بشريط الافتتاح «شجرة الحياة» لتيرينس مالك الذي نال
«السعفة الذهبية»، وصولاً إلى فيلم الختام «ميلانخوليا» للارس فون تراير.
من الطبيعي أن يغرف «مهرجان بيروت الدولي للسينما» من «كان»، بوصفه «قلعة
سينما المؤلف». الأفلام التي تستعيدها «البانوراما الدولية» تعكس بامتياز
انشغالات الراهن المعاصر وهمومه، إلى جانب كونها تحمل تواقيع سينمائيين
مرموقين. ويبرز ذلك عبر تيمة تحضر في غالبية الأعمال، وإن اختلفت طرق
مقاربتها، وهي القلق الوجودي الطاغي على حياتنا المعاصرة.
يفتتح تيرينس مالك التظاهرة الليلة مع «شجرة الحياة». اختار السينمائي
الأميركي أسلوباً ملحمياً، يُخَلخِل كليشيهات السرد السينمائي. يعود بنا
إلى بداية الخليقة، مخصّصاً 11 دقيقة من أجمل مشاهد الفيلم ــــ وأكثرها
إبهاراً ــــ لتصوير الانفجار الكبير ونشأة الكون. لا شكّ في أنّ أي محاولة
لتلخيص الشريط أشبه بالمهمة المستحيلة. هو ينطلق من قلق وجودي يؤرّق
والدَيْن بعد وفاة أحد أبنائهما. لكنّ القصّة تتراجع لتتحوّل إلى مجرد
خلفية لمنحى تأملي تجريدي يسائل أسرار الخلق والحياة والموت. يعزز مالك ذلك
برؤية إخراجية بالغة التعقيد، وهذيان سردي محكم. نجد القلق الوجودي
والانشغال الميتافيزيقي ذاته في شريط الختام «ميلانخوليا» للارس فون تراير.
ظُلم هذا العمل في «كان». الجدل في تصريحات صاحبه الاستفزازية
(«الأخبار»، 20 أيار/ مايو 2011)، صرف الأنظار عن شريط يُعدّ من أنضج ما
قدّمه المعلّم الدنماركي. تدور الأحداث في فلك التأملات الهاذية حول ماهية
الوجود، ومستقبل الإنسانية، انطلاقاً من قلق حبيبين يستعدّان لزفافهما.
لكنّ فون تراير سرعان ما يطلق العنان لسرد هذياني يربط مخاوف بطليه
وهواجسهما بتأثيرات كوكب غامض يدعى «ميلانخوليا»، يستعدّ للارتطام بالأرض.
لكنّه لا يسلك منحىً ملحمياً هنا، بل تلقي الروح الإسكندنافية بظلالها على
الشريط، ليغرق تدريجاً في البرود، والقتامة، والتشاؤم.
على تخوم القلق ذاته، تنسج السينمائية الاسكتلندية لين رامسي عملها
«يجب أن نتحدّث عن كيفن» (7و 9/10). رغم أجوائه المتوترة والقاسية، يبقى
الشريط أبعد ما يكون عن العوالم القاتمة لفيلمي مالك وفون تراير. أبهرت
النجمة تيلدا سوينتون النقّاد بأدائها في هذا العمل، من خلال شخصية إيفا،
وهي أم عُصابية، تناضل من أجل تربية ابنها المراهق المشاغب كيفن. وقد نحتت
المخرجة الاسكتلندية من خلال العلاقة الإشكالية بين الأمّ وابنها بورتريهاً
نفسياً واجتماعياً، ينضح بالسخاء والدفء الإنساني، رغم ما يحيط به من عنف
وتوتر.
قلق من نوع آخر ينقله الإيطالي المشاكس ناني موريتي في شريطه «لدينا
بابا» (7 و8/ 10)، مع النجم ميشال بيكولي في أحد أجمل أدواره. يؤدّي هنا
دور كاردينال يُنتخب لمنصب بابا الفاتيكان، لكنّ الشك يستبد به، ويدفعه إلى
التنازل عن البابوية، خشية ألا يكون في مستوى التحدّي. ضمن أهمّ خيارات «البانوراما
الدولية» فيلمان آخران تجمع بينهما تيمة رسم بورتريهات نفسية لشخصيات قلقة
وإشكالية. في «الجلد الذي أسكنه» (10/ 10 ــــ عرض غالا/ «بلانيت أبراج»)،
يغوص الإسباني بيدرو ألمودوفار في عُقَد بروفيسور في الطب (أنطونيو
بانديراس) يقرّر التخصص في الجراحة التجميلية، إثر تعرّض زوجته لحروق
شوّهتها.
لقد أبدع ألمودوفار في نحت بورتريه نفسي معذّب، مطلقاً العنان لصنعته
الشكلانية. يقدّم هنا عملاً أجمع النقاد على أنّه الأكثر نضجاً وإبهاراً
منذ رائعته
Talons Aiguilles (1991).
المنحى النفسي ذاته يطبع جديد غاس فان سانت «بلا راحة» (8/ 10). يقدّم صاحب
«ميلك» (2008) هنا بورتريهاً مزدوجاً لشخصين، لا يجمع بينهما شيء في
الظاهر: أنابيل شابة جميلة وجذابة، لديها حبّ جارف للحياة، لكنّها تعاني من
السرطان. إينوك شاب بكامل صحته، لكنّه فقد أي رغبة في الحياة منذ وفاة
والديه. علاقة حب عاصفة تنشأ بين البطلين، ويغوص فان سانت في هلوساتهما، في
رؤية إخراجية قائمة على الغموض والإبهار، تذكّر إلى حدّ كبير بأجواء رائعته
«فيل» («السعفة الذهبية» ــــ 2003). هذا ليس كلّ شيء على البرنامج الذي
استطاع اللعب على غواية الأسماء الشهيرة... للمرة الأولى ربما، يجتمع هذا
الكمّ من عمالقة السينما في صالات بيروت.
«مهرجان بيروت الدولي للسينما»: الافتتاح 7:00 مساء اليوم، «مسرح
كركلا» ــــ حرش تابت (بيروت).
تتواصل العروض مساء كلّ يوم حتى 13 تشرين الأول (أكتوبر) في «أمبير سوديكو»
(بيروت).
للاستعلام: 01/616706
www.beirutfilmfoundation.org
من البرنامج
«غضب» ــ تاكيشي كيتانو:
غداً < 21:30
مرّ العمل على «كان» 2010 كنسخة يابانية من «عرّاب» كوبولا. يغوص
السينمائي الياباني في عالم المافيا والجريمة المنظّمة في بلاده. في عالم
عشائر ياكوزا، لا مكان للأبطال، إذ يحتلّ الانتقام والخيانات المتبادلة بين
كبار اللاعبين في السوق المالية كامل الفضاء (عرض ثانٍ بعد غد ــــ س.
19:30).
«بينا» ــ فيم فندرز:
7/ 10 < 21:30
يلاحق المعلّم الألماني طيف مواطنته الراحلة. مع رفاق دربها من راقصين
وأصدقاء، يستعيد المحطات الأبرز في تجربة الكوريغراف التي غيّرت تاريخ
المسرح الراقص. فيلم ثلاثي الأبعاد، يخرج راقصي بينا من مسرح ويبرتال الذي
أسّسته إلى فضاءات المدينة (عرض ثانٍ 10/10ـــ س: 17:00).
«صيف حارق» ــ فيليب غاريل :
8/ 10 < 19:30
أنجيل (مونيكا بيلوتشي) وفريدريك عاشقان، لكنّ الخوف يغذّي علاقتهما.
تدور الأحداث في روما. البطلة ممثلة، تلوم حبيبها التشكيلي لأنّه لم يعد
ينظر إليها... وهو يلومها على خيانة مفترضة. يقتبس غاريل الكثير من أجواء
«الاحتقار» رائعة جان لوك غودار. (عرض ثانٍ 12/ 10 ـــ 9/ 10)
«تاكسي بيروت» ــ هادي زكاك :
8/ 10 < 17:00
بيروت، مدينة دائمة الصخب، كثيرة البناء والفوضى، يحاول المخرج
اللبناني الشاب اكتشافها بعيون ثلاثة سائقي تاكسي من أجيال مختلفة. أمل،
وفادي، وفؤاد يجولون في المدينة بحثاً عن الزبائن، ويناضلون لكسب لقمة
العيش. زاوية جديدة لمقاربة العاصمة يقترحها زكاك في ثاني أعماله الوثائقية
بعد «درسٌ في التاريخ».
Cairo exit
ــ هشام عيساوي:
11/ 10 < 19:30
تشعر آمال بالحرية حين تركب الدراجة خلف حبيبها المسلم طارق. هل تفرّ
معه إلى إيطاليا بحراً أم تبقى في مصر مع عائلتها المسيحية؟ تراقب الشابة
مصير شقيقتها وهي تقدّم تضحيات كثيرة لتربية ابنها، وتتأمل صديقتها وهي
تستعدّ للخضوع لعملية لاستعادة عذريّتها، قبل الزواج (عرض ثانٍ 12/ 10 ــ
س. 21:30)
«وداعاً بابل» ــ عامر علوان :
10/ 10 < 19:30
حين ترك الرقيب فرانك أميركا متوجهاً مع جيشه لغزو العراق، كان
مقتنعاً بأنّه سينفّد مهمّة سامية... غير أنّه سرعان ما أدرك النيّة
الحقيقية خلف الاجتياح الأميركي للعراق. في شريط عامر علوان (الصورة) يعود
إلى عائلته في نيويورك آملاً أن يترك أشباحَ الحرب خلفه، فإذا بها تعود
لمطاردته (عرض ثانٍ 12/ 10 ــ س. 21:30)
الأخبار اللبنانية في
05/10/2011
موعد مع الـ«حاوي»... إبراهيم البطّوط
زياد عبد الله
«بقيت غاوي بعز الجرح أنا ما ابكيش.. بقيت عارف أطلع من ضلوع الفقر
لقمة عيش..». تتردد هذه الكلمات في ثالث أفلام إبراهيم البطوط إلى أن تصير
أغنية. وإلى أن نصل إلى تلك الأغنية في النهاية، ستكون الأبواب مشرعة أمام
التجريب وكل ما يزيد من ترسيخ تجربة هذا السينمائي المصري الذي نشاهد عمله
ضمن «مهرجان بيروت الدولي للسينما» (9 و12/10).
مع كلمات الأغنية، ستكون فرقة «مسار إجباري» ضائعة لا تعرف ما الذي
ستفعله بها. وفي الوقت نفسه لا يمكن اعتبار الفيلم مبنياً كما لو أنه قطعة
من موسيقى الجاز. يمضي السيناريو في هذا السياق مع تشعبات وتفرعات سرعان ما
تعود إلى خط ناظم يجمع العوالم والشخصيات، مقدّماً فيلماً متماسكاً يقول ما
يودّ قوله. البطوط لم يشتغل «حاوي» وفق سيناريو مكتوب. كان السيناريو في
رأسه على حدّ تعبيره «الحوار لم يكن ارتجالياً بالمعنى المفهوم، لكن كان
يُتّفق عليه أثناء التصوير». والنتيجة هي الفيلم نفسه الذي صوّر في
الإسكندرية وكان كل ممثليه من المدينة. وهنا يمكن المضي مع خطوط السرد
وخروج الشخصية الأولى من السجن. تتبعها الكاميرا وهي تقول لنا كل شيء، ثم
تأتي الشخصية الثانية المتمثلة في ذاك الذي يمشي في شوارع الإسكندرية برفقة
حصانه الذي يكون على شفير الموت، ثم ذاك العائد إلى الإسكندرية بعد غياب
طويل، فيسكن في «بانسيون» صغير، مروراً بابنته التي لا تعرفه ويتواصل معها
بعد أن يسعى إلى مقابلتها من خلال العمل، وصولاً إلى الراقصة التي تتعرض
لما تتعرض له من إذلال وسوء فهم. فيلم البطوط مفتوح على كل الاحتمالات،
ستلتقي الشخصيات وترتبط، وتكون حركية الأحداث توالدية، والسرد غير خاضع
لسياق تقليدي، والأجواء كفكاوية. ثمة تدوير في الأحداث، يؤسّس للشخصيات
بحيث تأتي فاقعة المعالم، وحمالة عوالم خاصة. ستمضي أحداثها ومصائرها في
سياق المعالم الواضحة لها. شخصية ذاك الرجل وحصانه كافية لوضعنا أمام
جماليات بصرية. وكل ما يقدمه هذا الرجل من أحداث هو علاقته بالحصان، والشغف
به، وهو يمضي به في شوارع الإسكندرية ثم يصل به البحر حيث يغسله. ومع هذا،
يمكن لالتباس الوثائق التي ينبغي للخارج من السجن أن يسلّمها أن تأخذ
مساراً بوليسياً يظلّ معلّقاً من دون أن يكون ذلك إخلالاً بما نشاهده من
متعة بصرية خاصة.
الأخبار اللبنانية في
05/10/2011
الذاكرة أسيرة «الأنفال» و«الفزاعات»: غربان فوق كردستان
العراق
زياد عبد الله
بين «الأنفال» و«الفزاعات»، أكثر مما للجغرافيا أن تقوله عن كردستان
العراق. إنه الوثائقي مقابل المجازي: الأول يعيدنا إلى الفظائع التي عاشها
الشعب الكردي، بينما الثاني يأخذنا إلى ماض عاش في ظلّ الفزاعات، وصولاً
إلى الحاضر الذي لم ينجح في الخلاص منها.
«الأنفال ــــ شظايا من الحياة والموت» (12/10) للمخرج السوري الكردي
المقيم في سويسرا مانو خليل. فيلم مدجج بالوثائق، بدءاً من مراسلات حزب
البعث العربي الاشتراكي وتعليماته بخصوص «الأنفال»، الاسم الذي أطلق على
حملة إبادة الشعب الكردي التي قادها حسن علي المجيد، وصولاً إلى الصور
الأرشيفية للمجازر، ومعها الناجون من تلك المجازر. سنكون أمام فظائع وصور
مريعة، وأغلب القتلى من الأطفال، لا بل أغلب الصور التي نراها تكون لأم
ميتة تعانق طفلها القتيل. وهنا يمسي فعل المشاهدة مجابهة مع مجزرة لا يمكن
إلا العودة إليها ووضعها أمام أعيننا. إنها في هذه المنطقة وما يفصلنا عنها
أقل من ثلاثين سنة. الفيلم يؤكد حقيقة ملتبسة. فإذا كان في «حلبجة» قد قُتل
5 آلاف بالسلاح الكيميائي، فعملية «الأنفال» قتل فيها أكثر من 182 ألف
كردي. رقم نازي بامتياز، لوثة دموية عجيبة، ينهيها مانو خليل بمشهد وجه تلك
الفتاة الكردية الجميلة، ثم بمشهد لأناس يجلسون في حديقة آمنة وهادئة في
أربيل، حيث الأمل بألّا يتكرر ذلك أبداً. أما في «حي الفزاعات» الروائي (7
و 8/10)، فيسعى العراقي الكردي حسن علي محمود إلى تقديم مجاز خاص بكردستان
العراق، يجده في الطيور، وتحديداً الغربان التي تربّت على أكل جثث القتلى
في الحروب التي تحيط بسكان القرية التي يقدّمها الفيلم ويكثف من خلالها
كردستان العراق. تتحول الطيور إلى لعنة تأكل كل ما يبذره حما الذي يعمل لدى
الإقطاعي أو السيد الذي يتحكم في كل شيء في القرية. ومع نثر البذار، تأتي
الطيور التي تربّت على الحرب ومصّ الدماء.
الرمز واضح، ثم تحول كل ما في القرية من البشر إلى فزاعات، كما هي
نهاية الفيلم، باستثناء الإقطاعي وخادمه. ويكون ذلك المستوى الأول من
الفيلم، مع وجود مستوى ثان يتمثل في شيء من الكاريكاتورية والدراما
التلفزيوية التي أساءت كثيراً إلى المستوى الأول المقدم بحرفية عالية
وبلاغة بصرية تقول كل ما يودّ الفيلم قوله من أن اللعنة ما زالت تلاحق
الأكراد.
الأخبار اللبنانية في
05/10/2011
السينما العربيّة المستقلّة في موقع الصدارة
يزن الأشقر
إلى جانب عروضه العالمية، يستضيف «مهرجان بيروت الدولي للسينما» سلسلة
عروض عربيّة، تتوزّع على ثلاث مسابقات هي «مسابقة الأفلام الروائية»،
و«مسابقة الأفلام الوثائقية»، و«مسابقة الأفلام القصيرة». في ظل تسابق
مهرجانات الخليج على استقطاب العروض الأولى لهذه الفئة من الأفلام، لا يعد
المهرجان البيروتي بمفاجآت كبيرة، لكن أقلّه سيتمكّن الجمهور المحلي من
متابعة أفلام تحمل توقيع عبد اللطيف قشيش، وإبراهيم البطوط، وزينة صفير،
ومجموعة أخرى من السينمائيين العرب المستقلين.
ضمن مسابقة الأفلام الروائية التي تتنافس على جائزة «ألف» لأفضل فيلم
روائي «شرق أوسطي»، يشارك التونسي عبد اللطيف قشيش بـ«فينوس السوداء»
(6و9/10). يروي العمل قصة خادمة سوداء تنتقل من جنوب أفريقيا إلى لندن
بحثاً عن المال، لتجد نفسها مستخدمة في كرنفال، بطريقة مهينة. من مصر،
يشارك الشريط المثير للجدل «الخروج من القاهرة» (12/ 10) لهشام عيساوي،
وتتمركز حبكته حول قصة حب عابرة للطوائف. كذلك يعرض إبراهيم البطوط «حاوي»
(10 و12/ 10 ــــ راجع الصفحة المقابلة)، أبرز إنتاجات السينما المستقلّة
في مصر العام الماضي. يشارك في مسابقة الأفلام الروائية أيضاً «مدن
الترانزيت» (12/ 10) لمحمد الحشكي، ويحكي قصة ليلى العائدة من الخارج وهي
تحاول إعادة ترتيب حياتها في عمَان المتغيرة. ومن إيران يشارك فيلم «أحب
طهران» (11/ 10) لساهاند صمديان، يتناول فيه وضع الشباب الإيراني اليوم.
ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية الشرق أوسطية، تعرض ثمانية أفلام، من
بينها «بيروت عالموس» (5 و13/10) لزينة صفير. تروي المخرجة اللبنانية سيرة
والدها إيلي صفير، صاحب صالون الحلاقة الرجالي. ومن خلال ذكرياته، تفتح
الباب على تاريخ بلد بأكمله. ومن لبنان أيضاً، يشارك شريط «تاكسي بيروت»
لهادي زكاك، ويلاحق يوميات ثلاثة سائقي أجرة، في محاولة لفهم كيفية تفاعلهم
مع العاصمة. على البرنامج، شريط «كولا» للعراقي يحيى العلاق، و«الأحمر
والأبيض والأخضر» (11/ 10) للإيراني نادر داوودي، و«هذه صورتي عندما كنت
ميتاً» (10/ 10) للأردني من أصل فلسطيني محمود المساد. مسابقة الأفلام
القصيرة ستضمّ 16 شريطاً، ستة منها لبنانية، ويتوزع الباقي على إيران
والأردن، إضافة إلى أفلام مشاركة من العراق ومصر والبحرين وتونس والمغرب
وتركيا.
يذكر أنّ المخرج الإيطالي لوكا غوادانينو يرأس لجنة التحكيم التي تضم
الناقدة السينمائية كريستينا بيتشينو، والمخرجة الفرنسية كارين ألبو،
والمخرجة العراقية ميسون الباجه جي، إضافةً إلى الكاتبة السعودية رجاء
الصانع. لا شك في أن الدورة 11 من مهرجان بيروت تشي بتنوّع كبير، سيسمح
بالاطلاع على نماذج مختلفة من آخر إنتاجات السينما العالمية. كذلك فإنّ
معظم الأفلام الـ«شرق أوسطية» (مع تحفّظنا الشديد على التسمية ذات الوقع
المشبوه) المشاركة تتناول مواضيع سياسية... برنامج حافل إذاً، تحت المجهر
النقدي للجمهور اللبناني.
الأخبار اللبنانية في
05/10/2011
إيران اليوم
محمد الأمين
تحضر السينما الإيرانية بقوّة في الدورة الـ11 من «مهرجان بيروت
الدولي للسينما». ضمن مسابقة الأفلام الروائية التي تتنافس على جائزة «ألف»
لأفضل فيلم روائي «شرق أوسطي»، نعثر على «أحب طهران» (11 و12/10) للمخرج
الإيراني لسهند صمديان، و«ماندو» لإبراهيم صعيدي (11 و12/10). ضمن مسابقة
الأفلام الوثائقية تشارك الإيرانية المقيمة في أستراليا نورا نياسري بفيلم
«تحت الجسر» عن وسط بيروت.. تقول نياسري: «الكثير من الأبنية التاريخية لم
تُمحَ تماماً ولو تعرّض قسم منها للدمار. شركات البناء هي التي أزالت هذه
المعالم التاريخية، عوضاً عن ترميمها (...) ما جعل سكان بيروت يشعرون
بالغربة في مدينتهم».
في المسابقة ذاتها، يشارك شريط «الأحمر والأبيض والأخضر» (10 و11 /
10) للإيراني نادر داوودي الذي يتناول الأسابيع الثلاثة الأخيرة من
الانتخابات الرئاسية الماضية. في مسابقة الأفلام القصيرة يشارك 16 فيلماً
إيرانياً قصيراً، منها «كنت أحب أن ينتظرني أحد في مكان ما» (الصورة) لبابك
أميني. يطرح العمل قضايا الفردية ضمن سياق اجتماعي قاس. أما المخرجة الشابة
هانا مخملباف، فتقدم في فيلم «حياة كلب» صورة أكثر بانورامية وجرأة لموضوع
يعد قليل الأهمية في الحياة الإيرانية. تتناول مخملباف القوانين التي تمنع
وجود الكلاب في الشوارع والأماكن العامة، وحتى الاحتفاظ بها داخل البيوت.
الفيلم لا يمثل اهتمامات الشريحة المتطلعة إلى الحداثة في إيران، بقدر ما
يعكس هموم شريحة تعيش في أبراج عاجية.
خارج أقسام المسابقة، يعرض المهرجان ثمانية أفلام قصيرة للمخرج
الإيراني سيف الله صمديان، منها «جيمي هندريكس في طهران» (12/10) و«يوم
صيفي حار». يعدّ صمديان اسماً كبيراً في عالم التصوير الفوتوغرافي، ومن
الوثائقيين المميزين في بلاده. تتنوع المواضيع التي يتناولها في أعماله
الوثائقية، لكنها تتمحور حول البعد الاجتماعي في إطاره الواسع، مثل بهجة
مواطنين إيرانيين بصعود منتخب بلادهم إلى نهائيات كأس العالم 1998 في
فرنسا، ومعاناة سكان طهران في انتظار حافلة نقل في يوم شتوي، أو الأجواء
الفجائعية بعد الزلزال الذي ضرب مدينة بم قبل سبعة أعوام.
الأخبار اللبنانية في
05/10/2011 |