يأخذنا المسافر معه في رحلة عبر الزمن ولكن من خلال ثلاثة أيام فقط من
الذاكرة , هي الأقوى معايشة في ذهن “حسن” خالد النبوي , الذي نجهل خلفيات
حياته عدى أحداث هذه الأيام الثلاث.
ورتب المخرج أحمد ماهر وهو نفسه كاتب السيناريو الأحداث بتسلسل
تاريخي, يشبه الفعل ورد الفعل والنتائج, والتي تمثل التيمة الثالثة التي
يصيغها الفيلم بشكل معقد من الرمزية الصريحة داخل أحداثه , الفيلم يحمل
أكثر من تيمة , التيمة الأولي هي الشكل الأولي للأحداث , حيث يسافر شاب في
العشرينات من عمره للعمل في مدينة بورسعيد كعامل في إحدي مكاتب التلغراف ,
فيقع في قصة حب رومانسية بسبب خطاب ترسله فتاة من أصل أرمني الي شاب معجبة
به ويعمل في مكتب والدها, ويحاول عرقلة وصول الخطاب إلى فؤاد ويقوم بالبحث
عن نورا داخل السفينة التي كانت تستقلها الي المدينة ثم ينتحل شخصية فؤاد
ويقوم بممارسة الحب معها غصباَ وبشكل حيواني علي حد تعبير نورا التي سريعا
ما تجد فؤاد الحقيقي أمامها ويقرران الزواج علي السفينة لتشتعل الأحداث كرد
فعل انتقامي من حسن علي هذه الزيجة.
وينقلنا المخرج إلى أحداث اليوم الثاني وقد بدأ الشيب يغزو شعر حسن
لكن قلبه مازال علي حاله ولم يشب, تعلقه المرضي بنورا تنتقل الي صورة
ابنتها التي ارسلت في طلبه دون سابق معرفة كي يتعرف معها علي جثة أخيها
التؤأم بعد غرقه , وتتساءل نادية عن سر الشبه الذي بينه وبين شقيقها علي ؟
, فينكر حسن هذا الشبه ويحاول الفرار من مواجهة جثة علي , حسن الذي يرى
صورة نورا في وجه ابنتها نادية ويجد رائحتها في فستان زفافها الذي كانت
ترتديه وهي معه تنتعش لديه الرغبة في تكرار مشاعره مع غرامه الابدي فهو
ونورا لم يجتمعا سوي لدقائق لكنه كان يعرفها منذ سنين من خلال خطاباتها
اليومية التي كان يستقبلها نيابة عن الحبيب الأصلي, والان تتجسد له نورا من
خلال ابنتها التي تطابقها في الشكل فيكرر فعلته معها ثم يزوجها لصديق أخيها
غير السوي نفسياً كي لا يلمسها رجل بعده, ولكن الزيجة تنتهي ايضا بحريق
يبعث لدى نادية نذيرا بالشؤم من هذه الحياة بأكملها , نتواصل مع هذا
الاحساس من خلال هذه اللقطة التي تقوم فيها نادية بتوديع الحياة من خلال
نظرة يأس تدفعها لمحاولة الانتحار غرقاً في البحر وهنا ينتهي اليوم الثاني
من ذاكرة حسن, لكن من الواضح ان تجربة الانتحار لم تنجح ويعاود شاب في
العشرينات من عمره الاتصال بحسن ( عمر الشريف ) وها قد أصبح كهلا أصابه
الشيب مظهراً وجوهراً وهجرته الرغبة وتمكن منه إحساس بالوحدة الذي ينكسر
فور مقابلته “علي” , فيحاول المحافظة علي هذه العلاقة التي تنكسر سريعاً
ليعود وحيداً من جديد بعد موت ابنه الاول علي الذي أنجبه من نورا بعد
معاشرتها غصباً قبل زواجها من فؤاد بساعات وهي التي انجبت نادية من زوجها
فؤاد .
هذه مجرد تيمة ظاهرية وتغليف درامي معقد لتيمات اخري حملها الفيلم ,
هذا التشوية الذي يلحق بالمجتمع العربي اختصره المخرج في ثلاث أحداث
تاريخية متتالية ,ربما كانت التيمة الثانية للفيلم هي الأكثر تعقيداً فعلى
الرغم من أن المخرج صرح بها مباشرة من خلال إختياره لثلات سنوات من عمر
البطل وهي خريف 1948 وخريف 1973 وخريف 2001 , والدلالات السياسية في الفيلم
تفسر نفسها وهي حلقات متصلة للصراع الصهيوني في المنطقة العربية منذ وجودة
كأمر واقع علناً عام 1948 ثم تبعات هذا الوجود عام 1973 وأخيراً نتائجه
التي حصدها العالم كله عام 2001 بعد تدمير برجي مركز التجارة العالمي ,
التيمة الثالثة التي كانت ميزان الاحداث والتي ظهرت بشكل متكرر سواء عبر
الحوار او عبر الاحداث الختامية للفيلم هي تيمة الخوف وصراع الانسان مع
ذاته للتخلص من هذا الخوف الذي أصبح سمة عربية , “حسن” الذي كان يحلم
دائماً بالعمل في المطافيء ليقضي علي خوفه من النار , نراها متجسدة في
الحفيد الابن الذي يعمل عسكري مطافيء , وفي الابن الاول الذي مات غرقاً في
البئر حباً في المغامرة كما كان والده يهوي المغامرة وهو شاب عندما صعد الي
اعلي المركب ثم سقط وكان علي وشك الغرق , تيمة اخري تحمل التفاؤل قدمها
المخرج في الابناء فرغم ان الاب يحمل جينات الخوف جاء الابناء يحملون جينات
القدرة علي التخلص من جينات هذا الخوف .
المسافر فيلم مرهق ذهنياً عند مشاهدته ولا تكفي مشاهدته مرة واحدة لكن
المتلقي سيشعر بالحاجة او الرغبة في مشاهدته مرة أخرى, عندما يتخلص من
صدمة المشاهدة الأولي ويبدأ وعيه في استيعاب تفاصيل دقيقة جدا هي عصب
الفكرة والتي يستحيل استكمال فهم الأحداث وتتابعها دون فهمها ودون ان تفك
رموز هذه التفاصيل, وقد يقرأ البعض الفيلم بطرق عدة, صحيحة كانت ام خاطئة ,
فالمخرج قدم لنا حصيلة سينمائية كالدواء المركب غلفها بجمال الصورة
وانتقاء حجم اللقطات التي جذبت انتباهي عند المشاهدة الاولي بشكل لم التفت
فيه للحوار والذي استعدته مرة اخري عند المشاهدة الثانية للفيلم , فكل لقطة
كانت تضيف بعداً جمالياً ودرامياً علي الأحداث وعلي الحوار الذي بدأ ضعيفاً
ومملاً بل وتقليدياً في الجزء الأول من الفيلم ثم بدأ يتصاعد تدريجياً حتي
لا يمكن فصله عن الصورة قدمت مجموعة لوحات تشكيلية, بدون الحوار , فالصورة
التي ظل جمالها طاغ علي الحوار رافقها ارتفاع لغة الاداء المتميز عند خالد
النبوي للمرحلة العمرية الاولي والثانية لشخصية حسن , الذي إتهمه البعض
بتقليد اداء الفنان عمر الشريف الذي يمثل المرحلة العمرية المتقدمة لشخصية
حسن , فخالد النبوي واحد من اذكي الممثلين الذي شاهدتهم في السينما المصرية
فهماً لطبيعة تطور الشخصية , في المرحلة العمرية الاولي من شباب حسن بطل
الفيلم لم نشهد هذا الاداء المقلد لشخصية عمر الشريف ولكن في المرحلة
العمرية الثانية بدا النبوي التمهيد لظهور المرحلة العمرية الثالثة التي
جسدها عمر الشريف , والطبيعي هو ان يعطينا المخرج ايحاءا مستمرا ان الشخصية
لم تتغير , والتقليد هنا جاء من خلال بعض التفاصيل البسيطة في الاداء
الجسدي وليس الاداء التمثيلي الذي يميز ممثلا عن أخر .
الاداء في بداية الفيلم عند خالد النبوي وسيرين عبد النور وعند شريف
رمزي في نهاية الفيلم لا تكتمل الا من خلال الحوار الذي يتصاعد حد الاشتباك
وايهام المشاهد حد الوقوع في الحيرة وصولاً للحظة الصدمة والمفاجأة , وهي
معرفتنا بنسب الابناء غير الشرعيين والشرعيين, صاحب الحوار ايضا جمال
الصورة وخصوصا في الثلث الاول من الفيلم الذي طغي عليه اللون الاصفر دلالة
علي مضي هذا الزمن بل وتهالكه , ثم الجزء الثاني الذي عبر عن تناقض متوازن
بين صورة القتامة التي تعبر عن النهاية وبين صورة الاضواء المكثفة والتي
تعبر عن بداية جديدة , اما الجزء الاخير فكان اكثر مرونة وواقعية من
الاجزاء السابقة , وخرج بنا الي الحياة بشقيها دون استخدام موجه للغة
الصورة , بل ترك الصورة حرة تعبر عن نفسها في الشوارع الخالية من الناس وقت
أذان المغرب في نهار رمضان , ومظاهر الاحتفال بالصلاة بين الناس اللذين
يقيمونها علي الارصفة , والتناقض البارز بين هوية الناس في السبعينات
مقارنة بما وصلنا اليه الان , رغم ان المخرج مر سريعاً علي تصوير شكل
المجتمع في السبعينات لكنه كثف هذه الصورة التي وصلنا اليها في الالفية ,
اي انقسام المجتمع الي الديني والاديني وانتشار الظواهر الاجتماعية
والتدين الظاهري عند كثيرين .
المسافر
قصة واخراج : أحمد ماهر
بطولة : عمر الشريف , سيرين عبد النور , خالد النبوي , عمرو واكد ,
شريف رمزي
إنتاج : وزارة الثقافة المصرية 2009
البديل المصرية في
28/09/2011
24 مخرجة ضمن مبادرة "سينمائيات عربيات"
بمهرجان بغداد السينمائي
رانيا يوسف - القاهرة
أعلن مهرجان بغداد السينمائي الدولي عن مبادرة "مخرجات عربيات"، وهي
مبادرة جديدة أطلقها المهرجان لعرض أفلام المخرجات السينمائيات من أنحاء
العالم العربي. وقال د.طاهر علوان مدير المهرجان في تصريحات صحافية ان هذه
المبادرة تهدف الى دعم المرأة المخرجة السينمائية من المحيط إلى الخليج بكل
الطرق والوسائل المتاحة، وأن الحاجة إلى أن تلعب المخرجات السينمائيات
العربيات أدوارا أوسع في المشهد السينمائي العربي والأقليمي والعالمي
دفعتنا إلى تأسيس تقليد مهم وهو أن نسلط الضوء على هذا المنجز بصرف النظر
عن العمر والخبرة والمنجز على أمل أن تتطور هذه المبادرة الى ماهو أوسع
باتجاه دعم السينما التي تصنعها المرأة العربية.
وأضاف علوان أن هذه الدورة من المهرجان ستحتفي بـ(24) مخرجة سينمائية
عربية على أن نعلن عن مسابقات وجوائز تمنح للمخرجات العربيات في الدورات
المقبلة، مشيرا إلى أن هذه الدورة ستكون نواة لهذا المشروع.
وقال مدير المهرجان إننا نطمح ابتداء من هذه الدورة، والدورات
المقبلة، إلى أن تلتقي الخبرات والتجارب وتلتقي وجهات النظر وتتحاور،
وتتفاعل مع بعضها في نقطة التقاء يمكن اختصارها بالقول: نعم نحن نستطيع ان
نصنع سينما جديدة ومستقلة تعكس أفكارنا وتعبر عنا، وابتداء من هذه الدورة
سيتحول هذا المهرجان إلى فضاء حر للمبدعات في العالم العربي، يعرضن فيه
ابداعهن.
وجاء في بيان صحفي أصدره المهرجان أن أجيال السينمائيات العربيات سيكن
على موعد مع الإحتفاء بهن وتسليط الضوء على رؤاهن ووجهات نظرهن وتجاربهن،
ماذا يقلن عن المجتمع والحياة وحقوق المرأة والمستقبل والسياسة والفن
والثقافة وغير ذلك، إنه فضاء مفتوح يتسع لجميع السينمائيات في العالم
العربي، ومبادرة مفتوحة لكي تتطور بمقترحات المخرجات العربيات أنفسهن وباقي
السينمائيين.
وتشارك
من مصر اثني عشرة مخرجة، ومن العراق مخرجتان، وكذلك تونس والمغرب ولبنان
والجزائر، بالإضافة إلى أربعة مخرجات خليجيات سيتم الإعلان عنهن بالاتفاق
مع مهرجان الخليج السينمائي في بيان منفصل.
فارييتي العربية في
28/09/2011
"الرجال الأحرار" يرصد مقاومة العرب ضد النازية
فيلم فرنسي يكشف دور المسلمين في إنقاذ
اليهود خلال الحرب العالمية
دبي -
mbc.net
لا يزال الغموض يحيط بالدور الذي لعبه المسلمون في إنقاذ حياة بعض
اليهود في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، لكن فيلما جديدا بدأ عرضه في
باريس أمس يلقي الضوء على هذا الدور الذي لا يعرفه كثير من الفرنسيين.
وفيلم "الرجال الأحرار" للمخرج إسماعيل فروخي يتناول قصة قدور بن
غبريت -مؤسس مسجد باريس- الذي دافع عن اليهود والمتطوعين في المقاومة أثناء
الاحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. بحسب صحيفة "النهار"
الجزائرية.
وتدور أحداث الفيلم حول الشاب الجزائري يونس المهاجر في فرنسا الذي
يدير تجارة في السوق السوداء، وتقبض الشرطة على يونس، وتجبره على التجسس
على المسؤولين عن مسجد باريس الذين تشتبه السلطات النازية وحكومة فيشي في
أنهم يساعدون اليهود ومقاتلي المقاومة الفرنسية بمنحهم شهادات بأنهم
مسلمون، ويتتبع الفيلم حكاية يونس الذي يؤدي دوره الممثل الجزائري طاهر
رحيم، وتحوله من إنسان ساذج إلى مقاتل من أجل التحرير.
ويأمل مخرج "الرجال الأحرار" في أن يساهم الفيلم في تغيير نظرة الناس
إلى المسلمين الذين انخرطوا في المقاومة، لكن كتب التاريخ تجاهلتهم إلى حد
بعيد، وقال فروخي لـ"النهار": لقد "كانوا رجالا استقروا في فرنسا، وتطوعوا،
وهذا أمر بالغ الأهمية، وهذا يعني أن المسلمين أيضا كان لهم دور في تاريخ
فرنسا، ولكنهم ظلوا مستبعدين حتى الآن.
واستطرد المخرج: "لم أر قط أي صور أو وثائق.. لم أرَ أيا من ذلك. لا
توجد أي أفلام مصورة، وأرى أن من المهم أن نقر بذلك، وأن نتعلمه في
المدرسة".
وتختلف تقديرات المؤرخين لعدد اليهود الذين أنقذهم إمام مسجد باريس؛
إذ يقول البعض إن ما فعله قدور بن غبريت أنقذ قرابة 1600 شخص من الموت،
بينما لا يزيد العدد عن 500 شخص في تقدير ألان بواييه المستشار السابق
لوزارة الداخلية الفرنسية للشؤون الدينية، ويصف المؤرخ بنجامين ستورا الذي
قدم المشورة في الجانب التاريخي لصناع فيلم "الرجال الأحرار" اليهود الذين
أنقذهم المسجد قائلا: "كان هناك.. يهود سفارديم يتحدثون العربية ومختنون.
تمكنوا من الحصول على شهادات تثبت أنهم ينتمون إلى الدين الإسلامي، وربما
كان ذلك ما أنقذ حياتهم. هذه الحقيقة معروفة جيدا. لا توجد وثائق تذكر، لكن
توجد روايات شهود".
وعثر دليل بوبكر -المدير الحالي لمسجد باريس- على خطاب حرر عام 1940
يبين مدى الشكوك التي كانت تساور سلطات حكومة فيشي في قدور بن غبريت.
الرسالة كتبها وزير في حكومة فيشي، وقال فيها إن سلطات الاحتلال
النازي تشتبه في أن المسجد يمنح شهادات ليهود على أنهم مسلمون، وقال بوبكر:
"جاء لي من هذه الورقة رمز، وأمر من السلطات الألمانية كتبوا إلى مسجد
باريس أن الأئمة والدارسين في مسجد باريس كانوا يوزعون بعض الشهادات
لشخصيات وأشخاص وناس يهود كأنهم مسلمون".
الـ
mbc.net في
28/09/2011
هل يؤثر "سوق الثورات" سلبا على الوثائقي ؟؟
أمل الغول - القاهرة
سجلت المخرجة 30
ساعة بأكملها طوال أيام الثورة المصرية الثمانية عشر، ولم تعرض سوى
الهتافات
المتكررة للثوار المعتصمين في ميدان التحرير... هذا ما يبقى في ذهنك بعد
خروجك من
عرض الفيلم الوثائقي "انا والأجندة" للمخرجة نفين شلبي، والذي استغرق 48
دقيقة.
يعتمد الفيلم على السرد التاريخي للثورة والعاطفية الشديدة دون أن
يحمل
نقطة ارتكاز بعينها، بل يعرض خطوات الثورة وما صاحبها من خطابات سياسية
تلعب على
تعاطف المشاهد مع الذكريات.
وكما يبدو واضحا أن الفيلم جاء كرد فعل على الثورة
وكأنه فيلم تعليمي لحفظ التاريخ للأجيال القادمة، مثله مثل موضة كتيبات
الثورة
المصرية دون بحث حقيقي أو تحليل يضيف جديدا سوى شغل فراغ على
رفوف المكتبات
المصرية.
كان بإمكان المخرجة أن تعرض حياة كاملة للثورة سواء في الليل أو
النهار، كمشاعر المعتصمين وحيرتهم وشجاراتهم وطعامهم وضحكهم، وتفاصيل
إنسانية بسيطة
طالما كانت أحجية بالنسبة لمن لم يحضر الثورة، دون تكرار الصراخ بالهتافات
التي
تنضح بها المواقع الإلكترونية وتعج بها الفضائيات العربية، فلم تضف المخرجة
جديدا
للمشاهد سوى أنها صورت بكاميراتها الخاصة اللحظة الحية، وهنا يلح التساؤل
أين
الرؤية التي على أساسها صورت و"منتجت" المخرجة الإبداعية..؟
وعامل الإحباط الآخر
في الفيلم انه اعتمد على مقابلات للجماهير المعتصمة تشتكي من الجوع والفقر
وكأن
دافع الثورة هو المكبوت الاقتصادي رغم أن المكبوت السياسي ومكبوت الحريات
والجنس
والدين كانت الدوافع الحقيقية وراء الثورات العربية ومن ثم
يضاف إليها المكبوت
الاقتصادي، فقد كانت ثورات وعي أكثر مما هي ثورات جوع ويأس كما يريدنا
الفيلم أن
نستخلص.
أما علاقة الفيلم بعنوانه "أنا والأجندة" فقد كان أكبر المآخذ لأنه
عنوان ابتعد في معناه عن نسيج الفيلم ككل، فأن تتكلم الشخصيات الرئيسية في
الفيلم
ومنها نيهار طبيبة أسنان وزوجها الطبيب رامي عن الأجندات أمرا غير كاف كي
يتم ربط
لقاءات الفيلم مع روح الأجندة كتيمة رئيسية فيه.
وأن يحمل نيهار ورامي لافتات
كتب عليها "أجندتي حريتي وأجندتي كلمتي ومستقبلي" لا يفسر
تعقيدات مفهوم الأجندة
على أرض الواقع، فالأجندة مفهوم دينامكي متغير يحتاج ذكاء في العرض، وليس
الاكتفاء
بالتلفظ بالكلمة على لسان طبيب ورئيس المخابرات الأسبق عمر سليمان وبعض
المتظاهرين،
الأمر الذي يجعل وكأن المخرجة احتارت في حبكة الفيلم فقررت ان تكون "الاجندة"
الوحدة الموضوعية للقاءات ولقطات مفككة.
وتتبعت
المخرجة شخصيات الفيلم الرئيسة منذ بداية الفيلم حتى نهايته دون أن تجعلها
تستحوذ
على مشاهده، ويبدو جليا أنها شخصيات من طبقة راقية لم تتواصل بعمق بمعاناة
ما قبل
الثورة، فقد كانت شخصيات ضعيفة في تعبيراتها عن الثورة
وأسبابها، ما يتناقض بطبيعة
الحال مع الشخصيات الهامشية والعابرة في الفيلم والتي جاءت حية من اعتصام
ميدان
التحرير والتي هي بالأساس طبقة متوسطة كادحة تُعتبر مفجرة الثورة.
وما يجب أن
ينتبه إليه العديد من صناع أفلام الثورات وما بعدها أن كون موضوع الفيلم
الوثائقي
عن هذه الثورة أو تلك ليس أمرا كافيا لنجاحه، فيجب الحذر من أن يستهلك سوق
الثورات
رؤى المخرجين وصانعي الأفلام من دون وجود مقاربة إبداعية وذكية
وجديدة لما نقدمه عن
هذه الثورات.
الجزيرة الوثائقية في
28/09/2011
الوثائقي والهواة والثورة
عبد الكريم قابوس - تونس
المهرجان الدّولي
لفيلم الهواة بقليبية "أقدم المهرجانات العربية. بدأ سنة 1966 محتشما وهاهو
يعقد
دورته السادسة والعشرين من 3 إلى 10 سبتمبر 2011. ودورته هذه هي أوّل دورة
يعقدها
المهرجان بعد ثورة 14 جانفي التي كامت فجر الربيع العربي.
تشرف على المهرجان
أعرق جمعية أهلية للسينمائيين الهواة في إفريقيا والوطن العربي وهي الجامعة
التونسية للسينمائيين الهواة المتناثرة نواديها عبر البلاد. ومما يميز هذه
الجامعة
وهذا المهرجان هو الاستقلالية والحرية في التعبير وتخطي
الحواجز حتى أن المهرجان
يعرض أفلامه دون المرور بمصلحة الرقابة على الأفلام وذلك يشكل تقليدا أرساه
الشاذلي
القلبي أول وزير ثقافة في تونس المستقلة الذي كان يرى في السينما أداة فنية
فاعلة
وقد أكد ذلك في مقال شهير أتى كافتتاحية العدد الثاني من
المجلة السينمائية "المسرح
والسينما" التي أسسها المرحوم الطاهر الشريعة أب السينما التونسية.
ويعتبر
المهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية كسوق عكاظ بصري تتقارع فيه تجارب
الهواة
الباحثين على طرق تعبيرية حرّة وبديلة... وها هو اليوم يعقد دورته الأولى
بعد
الثورة التي شارك فيها في يوم 14 جانفي أمام وزارة الداخلية
جلّ أعضاء الجامعة
التي كان مقرها مقابل الوزارة الرمز ـ رمز القمع والمنع والفساد.
وانفتح
المهرجان منذ عدّة سنوات إلى جانب المسابقة الوطنية والمسابقة الدولية على
مسابقة
خاصة بأفلام المدارس.
كان كاتب هذه السطور ينظم دوما ورشة تدريب على الوثائقي
منذ25 سنة و يبحث دوما في المهرجان عن مخيال الشباب الذين مرّوا عبر تلك
الورشة
وكانت كل سنة النتيجة مفرحة. لكن ولا ندري عند مشاهدتنا لأفلام
هذه الدّورة لماذا
كانت هذه المفارقة لما بدت أفلام هذه السنة، أقصد الوثائقية ، وكأنها
تاركة نوعا
من الحسرة إلا في ما قل وندر.
كانت هذه الأفلام كما يلي:
الأرواح
المحترقة ـ إخراج جهاد بن حسين (40'26 د)، الثورة في عيون الأطفال ـ
إخراج شكري
العرفاوي ونجوى خشيمي (5د) ، الأرضية التحتية ـ إخراج زياد ليتيم (20'9د) ،
على
الطريق ـ إخراج عدنان المدّب (8د) ، شوشة أغنية المخيم ـ محمد
خامس شاود(45'10)
،
ولد حومتي ـ إخراج هدفه بن يوسف (5د) ، الطريق ـ إخراج أيمن عيسى (11'12)
كما تم
عرض فيلم محترف وهو من لمخرج سينماتي ورجل تلفزيون عمل السنوات في قناة
أوربيت وهو
فيلم "الصور المتحشرجة" إخراج الحبيب المستيري (5د) عن تاريخ
هواة
السينما.
ماذا قدّمت هذه الأفلام؟
الوثائقي يحتل نهائيا
مكانته
كانت الأفلام الوثائقية مستبعدة من مهرجان قليبية ومن
مخيلة الهواة وذلك لعدّة سنوات ومرجع ذلك هو أن السينمائيين الهواة كانوا
تواقين
إلى التجريبية وإلى خطاب سينمائي مخالف للمحترفين وبديل عن
السائد وربما ترجع نزعة
الهروب من الوثائقي لما كانت للأفلام الوثائقية في الستينات والسبعينات من
وجهة
دعائية وتلميع صورة الدولة.
غير أنه في عام 1973، عندما كان صاحب هذا المقال
عضوا بلجنة التحكيم في هذا المهرجان دافع على فلم عنوانه الغربال وهو من
إخراج شاب
هو اليوم تحت العدالة أعني المهدي مليكة ابن أخت زين العابدين بن علي وكانت
تمثل
فيه أم الرئيس التونسي المخلوع ولم نكن يومها نتصور ما سيحدث
بتونس منذ 1987 وهذا
في حدّ ذاته موضوع فلم وثائقي وقد دافعت على ذلك الفلم بإيماني
بالوثائقي... وها هو
اليوم يصبح نصف إنتاج الهواة وثائقيا وهذه السنة جله حول ثورة 14 جانفي
.
وهذا
نصر في حدّ ذاته لأنّ أجمل مخزون للتراث عن طريق البصريات لا يمرّ إلاّ عبر
عيون
الشباب الخصبة وأساسا عن طريق الوثائقي.
حسرة
...
وانتظار
من بين هذه الأفلام ما هو مكتمل ومنها المتحشرج ومنها
البسيط والسهل الممتنع وكلها تصب في ساقية واحدة وهي ساقية البحث عن متحف
افتراضي
للثورة عن طريق الصورة وهذا في حدّ ذاته مكسب.
فيلم على الطريق وهما اثنان ألأول
لعدنان المؤدّب أتي بسيطا متعثرا وغير مكتمل وكأنه مجموعة من
اللقطات بدون فكرة ولا
منهج بل يعتمد كما أتى في فيلم المحترف حاتم بن الشيخ لا خوف بعد اليوم
الذي يعرض
اليوم في شاشات باريس، يشبه نوعا من الانقضاض على الثورة بصريا.
أما الفلم
الثاني على الطريق لمخرجه الشاب أيمن بلحسين فقد أتى فيه من الغضاضة
والرهافة ما
جعله يتميز لأنه نابع من تجربة لأن المخرج كان يعمل ضمن جمعية تجمع القوت
والغذاء
للعائلات التي كانت تأوي المهاجرين الليبيين بالجنوب وصاحب
عملية
نقل المعونات من
تونس إلى المدينة الصامدة ذهيبة على الحدود التونسية الليبية وصور أكثر من
عشر
ساعات واختار منها بعض الدقائق الحلوة ـ المرّة التي أتت وكأنها "صوناتا"
جميلة
ومتواضعة وكل ذالك بصفر من المليمات. طوبى لهذا النوع من المخرجين
الشبان.
وانفرد فيلم الثورة في عيون الأطفال إخراج شكري العرفاوي ونجوى خشيمي
بفكرة بسيطة وذكية وهي التحوّل إلى مدينة الرقاب، إحدى معاقل الثورة،
والقيام
باستجواب الأطفال فكانت الكلمات متعة في العذوبة ولمحة من
فلسفة الأطفال.
وإن
كانت الأفلام الأخرى تتأرجح بين العادي أو التجريبي الساذج فإن فيلم
الأرواح
الملتهبة لمخرجه جهاد بن سليمان بدا تحفة وعملا متكاملا أدى بالفلم للحصول
على ثلاث
جوائز (الجائزة الثانية للمسابقة الدولية، وجائزة النقاد
وجائزة قدامى
الهواة)
والفلم بكل بساطة يسجل لهفة مواطني مدينة حمام الأغزاز أين يوجد
النادي
الذي أنتج الفلم لإطفاء حريق شب بغابة دار شيشو المجاورة التي كانت بمكانة
كارثة في
الوطن القبلي وقد كان الفريق يطفئ النار بيد ويصور النّاس يحاربون النار
باليد
الأخرى.
الفيلم قطعة ثمينة من الصدق والصدقية وما يجب أن يكون عليه الوثائقي،
فيلم جدير بأن يعرض على كل القنوات العربية لو ساعدته إحداها على تمويل
إعادة
التركيب وإثراءه.
هذا هو المشهد الوثائقي في مهرجان قليبية الدولي لفيلم
الهواة.. تموقع في التاريخ وصدق في الأداء وبحث عن تعبيرية طازجة.
الجزيرة الوثائقية في
28/09/2011 |