«بركان الغضب».. عندما ينفجر!..
بشار إبراهيم
لم يكن من المناسب أبداً لانتفاضة الأقصى
الفلسطينية، عام 2000، وقد حظيت بالحضور الإعلامي الإخباري
الواسع، أن لا يكون لها
حضورها الموازي، «أو المناسب» في السينما العربية، وعلى رأسها السينما
المصرية،
التي تأخذ لنفسها عن جدارة اسم السينما العربية.. فمن المعروف أن انتفاضة
الأقصى،
ارتقت، حينها، إلى ما يشبه الحدث الذي لا يمكن تجاوزه، وأصبحت
الموضوع الأكثر
تداولاً وتعلقاً بالوجدان العربي والإسلامي، أو في شتى أنحاء العالم.. وهذا
ما كان
له أن يستدعي، بالضرورة، حضورها في شتى أنماط وأنساق التعبير الإبداعي
العربي،
فضلاً عن وسائل اتصاله، وفي مقدمتها السينما، في عصر من أبرز
سماته الحضور الطاغي
للصورة.
وعلى الرغم من أن السينما المصرية قدمت عدداً غير قليل من الأفلام
التسجيلية والوثائقية، والقليل جداً من الأفلام الروائية الطويلة، ذات
العلاقة
بموضوع الانتفاضة، إلا أن «بركان الغضب» لمازن الجبلي، يبدو
بمثابة الفيلم النموذج
الذي يمكن الحديث عنه، في هذا المجال، فهو فيلم مصري فلسطيني مشترك، يتناول
بشكل
مباشر القضية الفلسطينية، وخلاصتها المكثفة في انتفاضة الأقصى التي بدأت
منذ 28
أيلول/ سبتمبر 2000، واستطالت أحداثها حتى كادت تتجاوز ثلاث سنوات، ريثما
تأتي
الأحداث لتعصف بها.. خاصة وأن الفيلم يمتدّ بأحداثه بين ما قبل
وما بعد أحداث 11
أيلول/ سبتمبر2001!..
يقوم الفيلم باستعراض المقدمات التاريخية لنشأة القضية
الفلسطينية، وتطوراتها، من خلال ابتدائه بتقديم مشاهد وثائقية تتناول
الهجرة
اليهودية إلى فلسطين، منذ أوائل القرن العشرين، مروراً بالأمم
المتحدة، عندما أقرّت
تقسيم فلسطين عام 1947، ومن ثم إنزال العلم البريطاني، إيذاناً بانتهاء
الانتداب
البريطاني عند منتصف شهر أيار 1948، ورفع العلم الإسرائيلي معلناً قيام
دولة
إسرائيل!..
ويستفيد
الفيلم من «تيتراته» ليقدم صوراً فوتوغرافية لعدد من القادة الصهاينة،
بدءاً من
تيودور هرتزل: مؤسس الحركة الصهيونية، مروراً بعدد من «رؤساء الدولة»،
أمثال:
أفراهيم كاتسير، زالمان شازار، إسحاق بن زيف، إسحاق نافون، عيزرا وايزمان،
موشي
كتساف.. وعدد من «رؤساء الحكومة»، أمثال: دافيد بن غوريون، غولدا مائير،
ليفي
أشكول، مناحيم بيغن، إسحاق رابين، إسحاق شامير، شمعون بيريز،
بنيامين نتنياهو،
أيهود باراك.. دون أن يهتم الفيلم بالعناية بالتتالي التاريخي لظهور هؤلاء.
ربما في
إشارة إلى أنهم جميعاً كانوا في سياق مشروع صهيوني، صاعد إلى أهدافه
المحددة!..
وإذ يُداخل الفيلم فيما بين الصور الفوتوغرافية لهؤلاء القادة
الصهاينة، والصور السينمائية لمشاهد تبيّن تقدُّم الجيش الإسرائيلي، وهو
يحتل الأرض
الفلسطينية، فإنه يؤكد بالكتابة على الشاشة أن «كل هؤلاء أجمعوا على أن لا
تقوم
دولة فلسطينية».. فتترافق الكتابة المقروءة مع صورة فوتوغرافية
للجنرال الصهيوني
أرئيل شارون. لعل في ذلك دلالة إلى أن شارون هو التكثيف الأعلى، والخلاصة
القصوى،
للمسيرة الصهيونية، منذ أول مهاجر يهودي وصل أرض فلسطين، حتى اللحظة
الراهنة، التي
يُراد فيها استكمال دائرة النكبة المحيقة بالفلسطينيين، بأبشع
صورها، وأكثرها
قسوة!..
كما يريد الفيلم القول، من خلال مقدمته تلك، إن الفعل الاحتلالي لا
يتقدَّم بدون مقاومة، أو ممانعة فلسطينية، ولهذا فإن الفيلم ينتقل إلى عدد
من
المشاهد الوثائقية، التي تقدّم صورة الرئيس الفلسطيني، حينها:
ياسر عرفات، ومشاهد
من أرشيف الثورة الفلسطينية المسلحة، وصوراً حيّة من وقائع الانتفاضات
الفلسطينية
المتتالية، والتي اندلعت في العقود الماضية، ليصل إلى اقتحام شارون باحة
المسجد
الأقصى، ومن ثم يقدم عرضاً بانورامياً لمشاهد من انتفاضة
الأقصى، بما فيها من دموية
مفجعة، حيث يجري قتل الفلسطينيين، وسحل الجثث على الإسفلت، وصولاً إلى
مشاهد قتل
الفتى محمد الدرة!..
بعد ما هو تسجيلي وثائقي من مقدمة، تبدأ أحداث الفيلم
الروائية في مدينة تل أبيب، حيث يدخل فتىً، قوي البنية، بهوَ فندق فاخر،
ويتمكّن من
تنفيذ عملية اغتيال جنرال إسرائيلي، يبدو أنه يقضي إجازته في هذا الفندق..
يخرج
الفتى من الفندق، بيسر وسهولة.. ويتم الانتقال إلى غرفة اجتماع
قيادة أمنية
إسرائيلية مصغّرة، تناقش عمليات الاغتيالات التي تمّت في الآونة الأخيرة..
ونجد أن
الاعتقاد لديهم يتجه نحو خلية فلسطينية على رأسها «خالد شبيب»، ونرى صورة
الفتى
ذاته!.. سيقدم قائد الجلسة معلومات عن خالد، لنعرف أنه اعتُقل
لعامين في معتقل
أنصار، واستطاع الهرب.. هو نشيط للغاية، وأصبح رمزاً للشباب الفلسطيني..
ولذلك فإن «اعتقاله أصبح ضرورة، وضرورة ملحة»..
في مقرّ للمستعربين، وهم مجموعة من
الجنود الإسرائيليين، وضباط استخباراته، ممن يتخفّون بلباس
مدني فلسطيني الهيئة،
ثمة تعليمات حازمة بضرورة التخلُّص من «المخربين»؛ خالد ومجموعته..
والجنرال
الإسرائيلي يقول بحسم: «بدّيش حدا منهم حيّ.. بدّيش أسرى.. مهما كان
الثمن»!.. ولا
بد له من ثمَّ أن يتباهى ببسالة جنود إسرائيل.. أكبر وأقوى قوة
في المنطقة.. وأنه
لن يسمح لأحد بزعزعة هذه الثقة!..
المجموعة الفلسطينية في مكمنها.. أفرادها
يسهرون ويغنون لفلسطين.. ويتحاورون..
ثمة أحاديث «عن المستعربين الصهاينة.. كما عن
المقاومة.. واختلال ميزان القوى لصالح العدو.. وعن الشعب الذي
ما زال بخير.. الوحدة
الوطنية الراسخة.. وفلسطين لكل الفلسطينيين.. وياريت العرب يفكروا على هذا
النحو،
لكان وضعنا غير هيك.. عن الشعب الذي يموت كل يوم ليخلق معنى لشيء اسمه
كرامة».. وفي
المجموعة فتاة اسمها مريم، هي أخت جورج.. في محاولة من الفيلم
الإشارة إلى تنوع
إسلامي مسيحي في المجموعة.. وهي سوف تستشهد بين يدي أخيها، فيما بعد!.
بتشديد
الهجمات التي تستهدف «خالد»، تصدر أوامر قيادية فلسطينية، تطلب منه الخروج
إلى
لبنان (هكذا؟!..)، وفي طريقه سوف نتبين جانباً من معاناة الفلسطينيين..
امرأة تلد
على الحاجز.. منع المصليين من الوصول إلى المسجد الأقصى لصلاة
يوم الجمعة.. فيصلّون
عند الحاجز.. (لاحظ خلط الأماكن.. إذ أن معبر جنين يقع شمال الضفة، ولا
يؤدي إلى
القدس).. وخالد يمرّ من المعبر بلباس الجندي الإسرائيلي، مستفيداً من
إتقانه
العبرية، وأوراقه الإسرائيلية!..
من الجليل الأعلى، إلى جنوب لبنان، ينطلق خالد
عبر منطاد.. (يبدو أنه يجيد استعماله)!.. وهناك سوف يجد من
ينقله إلى بيروت، ومن ثم
إلى القاهرة، حيث يستقبله أبو أدهم، وهو رجل أعمال فلسطيني مقيم في مصر،
وينقله إلى
الإسكندرية، حيث يضعه في بيت أحد ضباط الأمن، نعرف أنه العقيد حسين شاكر،
وأن سارة
أخته فنانة تشكيلية، وناشطة في فعاليات طلبة الجامعة المصريين
المؤيدين
للانتفاضة..
أبو أدهم يلتقي رجلاً خليجياً، حيث يتلقّى منه دعماً مالياً
للانتفاضة، وتأكيداً منه على مواصلة الدعم «لأبو عمار، وشعبه».. يذهب خالد
لمقابلة
الخواجه روستي «غسان مطر»، وهو تاجر سلاح، وعندما يتسلم قائمة
المطلوبات المكونة من «300
قطعة آر بي جي، 2000 لغم ضد الدبابات، طن ديناميت، 10000 قنبلة يدوية»!..
يقول
روستي: «الطلبية ناقصها طيارات، وتحارب».. فيرد خالد بهدوء: «كل شي بوقته»!..
تسليم صفقة السلاح سوف
يتمّ خارج مصر، في البحر، خارج المياه الإقليمية.. وإذ يتحدث خالد عن
المراقبة
الدقيقة، يقول له الخواجه: «انتو اشتريتو أسلحة ومدافع من مافيا الجيش
الإسرائيلي».. أما أبو أدهم فيخبر خالد بتعقّد المسائل بعد ما
حدث في أمريكا (المقصود
هنا طبعاً أحداث 11 سبتمبر 2001).. وأن هناك في العالم من يعتقد «أننا
وراء ذلك».. والاستخبارات الإسرائيلية التي عرفت أن خالد وصل
إلى مصر، تحاول عرقلة
مهمته، ويقررون مراقبة مداخل الضفة والقطاع، كي لا يتمكّن خالد من العودة
بالسلاح..
سيتمكن خالد مستفيداً من مساعدات وتسهيلات عدة قُدِّمت له، بما فيها
من قبل بعض رجال الأمن المصريين، بنقل السلاح وإيصاله إلى بحر غزة.. وفي
مسمعه
يتردّد صوت سارة المُحبّة، والمستعدة للتضحية بحياتها في سبيل
أن تتحقّق مهمة خالد
بنقل السلاح إلى الشعب الفلسطيني.. لقد نجح خالد في مهمته.. عاد ومعه
السلاح..
وهاهو يطلق إشارة الوصول.. ويختتم الفيلم
أحداثه بصوت ياسر عرفات قائلاً: «يرونها
بعيدة، ونراها قريبة.. وإننا صادقون»!..
من الواضح أن فيلم «بركان الغضب»، وقع
في مطبّ تسطيح القضية الفلسطينية، ليجعل أمر حسمها يمكن أن
يتمّ من خلال تهريب
السلاح إلى الفلسطينيين، وكأن الفلسطينيين وحدهم (مهما بلغ تسليحهم) قادرون
على
تحرير فلسطين!.. كما أن الفيلم، على صعيد السيناريو والحوار، لا ينجو من
مأزق جعل
الشخصيات الفلسطينية كائنات أدبية، تنطق بالحكمة وترسلها في
الحوارات اليومية، مما
يفسد مصداقيتها، ويجعلها مليئة بالادعاء.. وبالكثير مما لا علاقة لها
بالواقع
الفلسطيني..
فيلم «بركان الغضب»، للمخرج مازن الجبلي، نموذج للفيلم الروائي
العربي، وهو يقارب القضية الفلسطينية، بكثير من النوايا الحسنة. ولكن: هل
تكفي
النوايا الحسنة، على افتراضها؟!..
الجزيرة الوثائقية في
19/09/2011
جائزة الجزيرة الوثائقية في مهرجان فانكوفر
حسن مرزوقي
في إطار انفتاحها على الإنتاج السينمائي الوثائقي
في العالم ومواكبتها للتجارب الوثائقية في دول بعيدة عن العالم العربي
جغرافيا كانت
الجزيرة الوثائقية حاضرة في مهرجان أفلام أمريكا اللاتينية الذي أقيم في
مدينة
فانكوفر الكندية. وامتد المهرجان في الفترة ما بين 1 و 11
سبتمبر الجاري. فقد تبنت
الجزيرة الوثائقية مسابقة ضمن مسابقات المهرجان تحمل عنوان مسابقة الجزيرة
الوثائقية. كما كانت الوثائقية من رعاة المهرجان المهمين. واعتبر منظمو
المهرجان أن
جائزة الجزيرة الوثائقية هي من أهم الجوائز المادية التي يمنحها المهرجان
للسينما
الوثائقية اللاتينية في أمريكا الشمالية
.
وتكفلت
الجزيرة الوثائقية بجائزة الأفلام الوثائقية الشبابية. ومنحت جائزة التحكيم
فيلم "السمبا
التي تعيش في داخلي" الجائزة الأولى للجزيرة الوثائقية وقيمتها 3500 دولار.
والفيلم من إخراج البرازيلية جورجيا غييرا
بيكسيي. التي أخذتنا بفيلمها نحو مكان
غاية في الخصوصية والحساسية الفنية إنها موسيقى السمبا. حيث
تنطلق رحلة المخرجة من
قاعة موسيقة في قلب ساحة الاحتفال بالكرنفال العالمي الشهير للسمبا في
ساوباولو في
البرازيل في هذا الميدان تتعرف المخرجة عن أصولها العائلية من خلال التعرف
على
تقاليد السمبا وتاريخ المهرجان.
ثم تنطلق جورجيا من قاعة الرقص نحو هضبة
"مغييرا" أين تتناثر أحياء الفقر وتتقاطع الطرقات الملتوية والمتداخلة.
وبانتقالها
هذا تحاول المخرجة أن تذهب بعيدا خلف ألحان السمبا من خلال البحث في تاريخ
ذلك
الحي. إنها تحاول من خلال تتبع ألحان السمبا صعودا ونزولا، البحث في شكل
حياة الناس
الصاعدة نحو الأمل النازلة نحو الفقر. فتصبح موسيقى السمبا علامة على تواصل
الحياة
وليس مجرد لحن موسيقي بالتالي فإن السمبا التي عرضها الفيلم لم تكن سوى
السمبا التي
تعيش في داخل جورجيا.
أما جائزة الجزيرة الوثائقية الثانية للأفلام
الوثائقية القصيرة فقد ذهبت إلى فيلم "أنا حر في كوبا "
لأندريا روغون التي تناولت
في فيلمها مفهوم الحرية في كوبا مركّزة على موضوع "الأنا" أو مسألة الفرد
في
المجتمع.. هل هناك فعلا إحساس "بالأنا – الفرد" في مجتمع تحكمه إيديولوجيا
تحث على
التفكير الجمعي والتعبئة الشعبية والتوجه الاشتراكي.؟؟ وتتم هذه المعالجة
من خلال
مجموعة من مواطني العاصمة هافانا.
يقول أحد المشاركين في الفيلم وهو صاحب مدونة
إلكترونية "الحرية في نظري هي أن أصرخ في أي مكان أختاره"..
وهذا الرأي يختزل
الروح التي يسير فيها الفيلم حيث إن الحرية في هافانا حسب المشاركين لا تتم
إلا في
الزوايا المغلقة ولا يمكن التعبير عنها في الهواء الطلق رغم أن الجميع يريد
التعبير
عن حريته.
تنضاف
هذه المشاركة للجزيرة الوثائقية في مهرجان أفلام أمريكا اللاتينية إلى
مجموعة
مشاركات سابقة مع مهرجانات عربية وعالمية لتقديم جوائز ورعاية مسابقات
وإقامة ندوات
علمية. وكل هذا النشاط يهدف إلى نشر ثقافة السينما الوثائقية واكتشاف تجارب
إبداعية
من شتى الثقافات في العالم. ذلك أن عالم الوثائقي قائم أساسا
على كسر حدود اللغات
والثقافات للبحث عن المشترك الثقافي العالمي. ويندرج هذا كله ضمن هدف
القناة
الأساسي وهو الانفتاح على العالم وتقديم منتوج فني وثقافي متنوع للجمهور
العربي.
لذلك فإن اكتشاف السينما الوثائقية في أمريكا اللاتينية يدخل ضمن خطة
القناة لتنويع
التجارب الوثائقية.
الجزيرة الوثائقية في
19/09/2011
قراءة في فيلم "بوسليم المجزرة المنسيّة"
كتمان
الحقيقة والحِدَادُ المستحيل
د. العادل خضر
يخرج
كلّ من شاهد الفيلم الوثائقيّ "بوسليم
المجزرة المنسيّة"
الّذي
أنتجته الجزيرة الوثائقية وأخرجته دعاء الأشقر مرتبكا وعلى ظمإ. فهو يعلم
أنّ ما
جرى في سجن بوسليم الرّهيب من مجزرة قد وقع وحدث بالفعل، ولكن الفيلم لم
يقدّم
الوثائق الملموسة والصّور المنتظرة الّتي تثبت الجريمة وتدين
المجرمين وتضعهم
رسميّا في قفص الاتّهام أمام ميزان العدالة. والسّبب بسيط جدّا. فصوت
الرّاوي، أو
الصّوت الخارجيّ (أو من خارج الإطار Voice off)
الّذي كان يقصّ ما جرى قد اعترف من
البداية باستحالة الاقتراب من السّجن. لا أحد يمكنه النّفاذ إلى داخل
العنابر
والزّنزانات، وتصوير ما فيها، فالحراسة شديدة والحصون متينة، تمنع دخول
الأخبار
والأسرار أو خروجها. ورغم الصّمت المطبق والتّعتيم الإعلامي
الكثيف يمكن أن نتساءل
ما الّذي أثار فضيحة بوسليم وفجّرها بعنف على غرار فضيحة سجن بوغريب
بالعراق، رغم
غياب الصّور والوثائق الّتي تثبت الجرائم وتؤكّد حدوث المجزرة؟
يوجد أمر لم
يقرأ له نظام القذّافي حسابا واستغلّه صنّاع الفيلم، وهو ذاكرة الضّحايا.
فمعظم
الشّهادات الّتي تكوّن مشاهد الفيلم وخيطه النّاظم هي شهادات الّذين نجوا
من
المجزرة كمحمّد بوسدرة، عميد السّجناء، وجمعة الشّلماني، إضافة
إلى شهادات عائلات
الضّحايا الّذين قتلهم كتمان الحقيقة وجعل حدادهم مستحيلا. لا شيء يثبت موت
من هلك
في المجزرة، ولا شيء يثبت وجودهم على قيد الحياة. فضحايا المجزرة لم يعترف
نظام
القذّافي بموتهم، ولكنّه لم يؤكّد وجودهم أيضا. فهذه المفارقة
العجيبة تجعل
الضّحيّة شبه ميّت، شبه حيّ، أو هو حيّ ميّت، لأنّ الموت، مثل الحياة،
يحتاج إلى
شهادة حتّى ينتقل الموتى رسميّا إلى عالم الأموات. وهذه الشّهادة لا يمكن
للأفراد
تقديمها، لأنّها من اختصاص الدّولة، أو من يمثّلها (كالطّبيب
الشّرعيّ)، فهي الّتي
تعلن بأنّ الجسد الحيّ قد صار جثمانا. وهذا ما امتنعت الدّولة من القيام به.
فعائلات الضّحايا مقتنعة بموت من سجن من
أبنائها، إلاّ أنّها لا تستطيع إقامة
الحداد أو تقبّل التّعازي طالما ظلّت الضّحيّة في حكم الفقيد
الغائب لا الميّت
رسميّا. وهذا في الحقيقة من أبشع أنواع التّعذيب الّذي يمكن أن يتعرّض له
الحيّ،
وهو أن يجعل حداده معلّقا ومستمرّا لا نهائيّا. فالكثير من أهالي الضّحايا
قد قتله
الانتظار، فمات كمدا وحسرة، أو أنهكه الأملُ القاسي، فأضنى الجسدَ
بالأمراض. فعبد
الهادي الغزالي والد الشّهيدين عبد الكريم وإدريس قد ضعف بصره
ووهن عظمه وأصبحت
النّفس، بعد اعتقال ابنه الثّالث في ثورة 17 فبراير، غير مطمئنّة. أمّا
والدة
الشّهيدين، نجيّة فرح، فهي تذكّرنا بأنّ كلّ الجروح تندمل إلاّ جرح بوسليم.
يلفت هذا الفيلم الانتباه بكثرة الأشهاد (جمع شاهد) أو الشّهود
والمشاهد
التّمثيليّة لوقائع الجريمة. وهي كثرة تعوّض ندرة الوثائق الّتي تثبت مجزرة
بوسليم
الفظيعة. وهي تتّفق تقريبا على نفس الوقائع. ففي نهاية الثمانينيّات وبداية
التّسعينيّات، دشّن نظام القذّافي دورة جديدة من الصّراع
السّياسيّ كان طرفها
الجديد هذه المرّة الإسلاميّين أو التّيّارات الإسلاميّة. يضمّ هذا السّجن
المدنيّ
والعسكريّ في عنابره مئات المساجين يعيشون في ظروف لا تحتمل، كالاكتظاظ،
حيث تضمّ
الغرفة الواحدة أكثر من عشرين سجينا، والعفونة المنبعثة من
الأجساد، والرّوائح
الكريهة الّتي تفرزها العنابر، والمعاملة غير الإنسانيّة، حيث يجرّد
السّجين من
كامل حقوقه المدنيّة والقانونيّة.
فهو
موقوف دون محاكمة ودون اتّهام واضح. فسجين بوسليم ليس مجرما يمكن أن يحاسبه
القانون
بجرمه، وليس عدوّا سياسيّا يمكن القضاء عليه، هو بكلّ بساطة معتقل إلى أجل
غير
مسمّى، في فضاء سجن منغلق تعطّلت فيه كلّ القوانين الّتي تضمن
الحدّ الأدنى من
الحقوق المدنيّة والإنسانيّة. هذا الوضع اللاّبشريّ قد حمل بعض الشّباب من
مساجين
العنبر 4 على التّمرّد، فضربوا الحرّاس وفتحوا الغرف، ولكنّهم لم يتمكّنوا
من
الهروب، فكلّ من خرج إلى الممرّ كان يرمى بالرّصاص. وقد أسفر
هذا التّمرّد على موت
ستّ سجناء وحارس. حضر بعد ذلك عبد الله السّنوسي، الرّجل الثّاني بعد
القذّافي،
والنّاصر المبروكي، وعبد الحميد مدير الاستخبارات لإنهاء التّمرّد. طلب
السّنوسي
السّجين بوسدرة، وهو أحد النّاجين من المجزرة، للتّفاوض. وافق
على كلّ المطالب
ماعدا عرض المساجين أمام المحاكم، وهو ما يعني أنّ قضيّتهم أصبحت بيد
القذّافي.
تؤكّد شهادات بعض النّاجين من المجزرة أنّ ما حدث في 28 يناير من
سنة 1996 لم يكن تمرّدا بل مسرحيّة أخرجتها إدارة السّجن لتبرير المجزرة،
كرمي
الأدباش من الخارج، للإشعار بوجود حركة غير عاديّة في السّجن.
يذكر بعض شهود العيان
أنّ إطلاق الرّصاص قد استمرّ ثلاث ساعات. وكانت الحصيلة ألفا ومائتي قتيل
من
السّجناء، لا أحد يعرف أين اختفت جثثهم. يؤكّد سعد العبيدي أنّ الضحايا قد
وضعوا
جميعا في مقبرة جماعيّة. غير أنّ تسرّب رائحة الجثث إلى الخارج
قد أكره الإدارة على
حفر حفرة عميقة داخل السّجن دفن فيها كلّ الموتى، وقد صبّ عليهم الإسمنت
لمحي
وجودهم تماما، وإخفاء آثار الجريمة. بيد أنّ النّظام لم يتمكّن من إخفاء
آثار
المذبحة تماما. فخارج السّجن يقبع أهالي المساجين ينتظرون
زيارة أبنائهم وأقاربهم.
وكانوا يحملون معهم الأطعمة، فيسلّمونها إلى إدارة السّجن الّتي كان
موظّفوها
يوهمون الزّائرين بأنّها كانت تقدّم إلى أبنائهم الأحياء.
في 8 يناير من سنة
2008
تحصّلت بعض العائلات من بنغازي على حكم مكّنها من الاطّلاع على أخبار
أبنائهم
ومعرفة مصيرهم. وهو ما أحرج نظام القذّافي الّذي بدأ يقدّم التّعويضات
الماليّة
لأهالي الضّحايا مقابل التّنازل عن رفع القضيّة. تشكّلت في الأثناء "رابطة
أهالي
شهداء بوسليم" الّتي كان يمثّلها وينسّق أعمالها فتحي تربل (تعرّض لمحاولة
اغتيال
في 2010). كان رفض التّعويض المالي حاسما، فالمال لا يعوّض خسارة الإنسان.
وبدأت
أصابع الاتّهام تتّجه إلى القذّافي والسّنوسي، وارتفعت أصوات الإدانة
وتكاثرت يوما
بعد يوم، مطالبة باستعادة جثمان الضّحايا، ومحاكمة الجاني (وهو
السنوسي ومعمّر
القذّافي).
يعتقد
الكثير من أهالي الضّحايا أنّ مجزرة بوسليم كانت شرارة الثّورة، فهم الّذين
كسّروا
حاجز الخوف. ولذلك انتهي الفيلم بعرض صور الضّحايا، وأسمائهم، وإصرار
عائلات
الضّحايا الشّديد على المطالبة برفات الشّهداء ومحاكمة
المجرمين.
تضعنا هذه
النّهاية، بعد خمس عشرة سنة من الصّمت، في أجواء الجريمة السّياسيّة الّتي
اقترفتها
أجهزة الدّولة. وهي جريمة مهما كان غطاؤها الميتافيزيقيّ هي من قبيل "ما لا
يبرّر"
و"ما لا يقبل"، لأنّه من المفروض أن تحمي هذه الأجهزة المواطن من كلّ
اعتداء، لا أن
تصبح مصدرا للشّرّ السّياسيّ حيث ينكّل بالإنسان دون مبرّر.
إنّ أشنع ما في هذه
المجزرة هو محاولة كتمان الحقيقة بمحي آثارها، ومنع أخبارها، وإسكات أصوات
المحتجّين، وشراء الذّمم والضّمائر، وإسقاطها حتّى تبقى المجزرة منسيّة لا
تطالها
العدالة، فتظلّ الجرائم بلا محاكمة، ويظلّ الحداد على الضّحايا
مستحيلا. غير أنّ
فيلم "بوسليم المجزرة المنسيّة" يؤكّد أنّ جريمة بوسليم تنتمي إلى صنف
الجرائم ضدّ
الإنسانيّة الّتي اقترفت في حقّ البشريّة. وهي إن انتمت إلى هذا الصّنف
فلأنّها
جريمة سياسيّة من المستحيل أن يلفّها النّسيان، وأكثر من ذلك، هي جريمة لا
يمكن أن
تسقط بالتّقادم وإن طال الزّمان، طالما ظلّ وراء الحقّ طالب.
الجزيرة الوثائقية في
19/09/2011
'رجال مجانين' يخطف جائزة 'إيمي'
ميدل ايست أونلاين/ لوس أنجلس (الولايات المتحدة)
النجمة البريطانية كايت وينسلت تضيف الى رصيدها جائزة أفضل ممثلة بدورها في
فيلم تلفزيوني.
فاز فيلم "رجال مجانين" بجائزة "إيمي" عن فئة أفضل مسلسل درامي، فيما
فاز مسلسل "عائلة عصرية" بجائزة أفضل مسلسل كوميدي في حفل أقيم في مدينة
لوس أنجلس الأميركية مساء الأحد.
وقدمت الحفل نجمة مسلسل "غلي" جاين لينش، واختير مسلسل "رجال مجانين"
Mad Men
الذي تدور أحداثه في نيويورك خلال الستينات، للفوز بجائزة "إيمي" عن فئة
أفضل مسلسل درامي للسنة الرابعة على التوالي.
وفاز المسلسل البريطاني القصير "داونتاون أبي"
Downtown Abbey الذي تدور أحداثه بمطلع القرن العشرين بجائزة أفضل فيلم تلفزيوني أو
مسلسل قصير بالإضافة إلى جوائز عن التأليف والإخراج، وفازت الممثلة ماغي
سميث عن فئة أفضل ممثلة في دور مساعد بمسلسل قصير.
وفازت النجمة البريطانية كايت وينسلت بجائزة أفضل ممثلة بدور رئيسي في
فيلم تلفزيوني أو مسلسل قصير عن دورها بمسلسل "ميلدريد بيرس"
Mildred Pierce، وفاز زميلها في المسلسل غاي بيرس بجائزة أفضل ممثل في دور مساعد عن
الفئة عينها، فيما فاز بجائزة أفضل ممثل في دور رئيسي بمسلسل قصير أو فيلم
تلفزيوني، الممثل باري بيبير من مسلسل "آل كنيدي"
The kennedys.
وفاز الممثل كايل تشاندلير بجائزة أفضل ممثل في مسلسل درامي عن دوره
في "أضواء ليلة الجمعة"
Friday night lights،
وفازت جوليانا مارغيليز عن فئة أفضل ممثلة بدور رئيسي في مسلسل درامي عن
دورها في "الزوجة الطيبة"
The good wife.
وعن فئة الكوميديا، فاز مسلسل "عائلة عصرية"
Modern Family، عن فئة أفضل مسلسل، وتتمحور أحداثه حول عائلة في كاليفورنيا، وفازت
الممثلة في المسلسل جولي بوين عن فئة أفضل ممثلة في دور مساعد في مسلسل
كوميدي، وفاز الممثل تاي بوريل عن فئة أفضل ممثل في دور مساعد.
وحصلت الممثلة ميليسا مكارثي على جائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي في
مسلسل كوميدي عن دورها في "مايك ومولي"، فيما فاز جيمي بارسونز بجائزة أفضل
ممثل في دور رئيسي عن الفئة عينها عن دوره في مسلسل "نظرية بيغ بانغ"
Big Bang Theory.
وحصل المخرج مارتن سكورسيزي على جائزة الإيمي الأولى له تقديراً
لإخراجه مسلسل "بوردووك إمباير"
Boardwalk Empire،
لقناة "إيتش بي أو".
وقدم الممثل تشارلي شين الذي تصدر عناوين الأخبار في الأشهر الماضية،
جائزة أفضل ممثل رئيسي في مسلسل كوميدي، واستغل الفرصة ليعبر عن أفضل
أمنياته لزملائه السابقين في مسلسل "رجلان ونصف" الذي طرد منه.
وقال شين "من أعماق قلبي، لا أتمنى لكم إلا الأفضل في الموسم المقبل،
لقد أمضينا 8 سنوات رائعة معاً وأنا على ثقة أنكم ستستمرون في تقديم أعمال
تلفزيونية عظيمة".
وكان شين طرد من المسلسل بسبب مشاكله مع الإدمان وسلوكه العصبي غير
أنه يقول إنه أقلع عن الكحول والمخدرات الآن.
ميدل إيست أنلاين في
19/09/2011 |