في ربيع 2003 بعد سنة ونحو ستّة أشهر على كارثة أيلول/ سبتمبر 2001
توجّه المخرج اللبناني الذي يعيش ويعمل في لوس أنجلوس إلى موعد مع رئيسة
شركة إنتاج صغيرة كانت حققت بضعة أفلام ناجحة . في طريقه اتصل بكاتب صديق
له كان عبّر له عن رغبته بالعمل سويّا ووصل الاثنان إلى الموعد المحدد .
إذ جلس الثلاثة في الاجتماع، استطلعت رئيسة الشركة رأيهما بالحادثة
الإرهابية واتفق الثلاثة على أنها تتطلّب نوعية من الأفلام التي تقدّم
المسلمين والعرب في صورة ايجابية بعيداً عما عانته الجاليتان من ردّات فعل
من قِبل الرأي العام ومعظم الإعلام السائد . المنتجة الأمريكية أرادت سلسلة
من الأفلام التسجيلية التي تتحدّث عن شخصيات أمريكية نموذجية تشرّبت
وامتزجت بالحياة الأمريكية وهي رأت أن المخرج وكاتبه يستطيعان العمل على
هذا المشروع لأنهما عربيان- أمريكيان .
المخرج وافق مبدئياً، أما الكاتب فعبّر عن رأي مخالف . ما حدث في عام
2001 كانت له علاقة وطيدة بالسياسة الأمريكية تجاه فلسطين وعدم رغبتها في
التعامل السوي بين الفلسطينيين وبين الكيان العبري . انتفضت المنتجة من هذا
الكلام ورفضته . وهنا أدرك الكاتب أن الحوار انتهى فهو ليس مقتنعاً
بالاشتراك في موقف لا يعنيه، ويرى أنها تريد عملاً مُصاغاً للتعامل مع عدد
محدود من الناس عوض الدخول في صميم المشكلة .
لو تم المشروع لكان أحد إفرازات سينما ما بعد الحادي عشر من سبتمبر،
لكنه لم يتم . المنتجة صرفت النظر عنه والمخرج التفت إلى أعمال أخرى، أما
الكاتب فترك الولايات المتحدة بعد حين ولم يعد . يقول الآن: “المسألة هي
أنني كنت أريد أن أعيد الأمور إلى أصولها، ولو تفهّمت وجهة نظري لاستطعنا
تقديم عمل أبعد من النطاق المرسوم سلفاً” .
وبالنظر إلى ما أنتج من أفلام ما بعد ذلك التاريخ الذي كان له أثر
كوارثي في لحظته، ثم طوال السنوات اللاحقة، فإن الأفلام القليلة التي
تناولت جدّياً الحادثة لم تحصد الا الحد المعتدل من الاهتمام . أهم هذه
الأفلام وأكثرها شيوعاً في الوقت نفسه، فيلم المخرج الوثائقي مايكل مور
“فهرنهايت 11/9” الذي عالج فيه موقف الإدارة الأمريكية من الكارثة وركّز
على تقصير الرئيس السابق جورج و . بوش وكيف قام وإدارته بتلفيق تهمة حيازة
العراق لأسلحة دمار شامل لأجل صرف النظر عن القضيّة برمّتها وتحقيق مآرب
أخرى.
الفيلم من إنتاج 2004 وآنذاك لم تكن الصورة اكتملت كما هي اليوم . من
ذلك الحين وهناك أفلام متفرّقة تتبنى نظرية وجود مؤامرة داخلية، وهي نظرية
عوض أن تندثر مع الأيام، ككل “نظريات المؤامرة” عادة، نمت وترعرعت وهناك
اليوم مؤمنون بها أكثر ممن آمن بها في السنوات الأولى للكارثة .
“هوليوود” لم تقدّم أياً من هذه النظريات . وإذا ما أمعنا، فإنها لم تقدّم
على أي فيلم يتيح الحديث عن الناس العاديين الذين سقطوا ضحية لما حدث، سواء
أكان مؤامرة داخلية او عملاً خارجياً . القليل الذي تناول الحدث المؤلم
اتخذ شكل الدراما التشويقية . أوليفر ستون قدّم “وورلد تريد سنتر” عام 2006
وتعامل مع شخصيات عادية تجد نفسها مدفونة تحت الأنقاض، لكنه لم يستطع الا
اتباع طريق الإنتاج الكبير الذي لا يمكن الإحساس بمعاناة شخصياته الا من
خلال منظور أنه قصّة تُروى للغاية .
الأفضل منه صُنعاً كان فيلم بول غرينغراس “يونايتد 93” عام 2006
وتحدّث عن بطولة الركّاب الأمريكيين الذين كانوا على متن تلك الطائرة التي
هوت حين حاول ثلاثة “إرهابيين” خطفها . والفيلم يأخذ بتقرير اللجنة الرسمية
التي شُكّلت للتحقيق في الحادثة، وهو التقرير الذي يشكك كثيرون اليوم في
صدقه، كونه لم يذكر أن أحداً لم يجد حطاماً للطائرة حيث ذكرت التحقيق
الرسمية أنها سقطت فيه .
باقي إسهامات “هوليوود” توجّهت نحو حرب العراق ذاتها، لكن، وباستثناء
“أسود كحملان” لروبرت ردفورد (2007)، فإن أحداً منها لم يكترث لتحليل سياسي
لا للكارثة ولا للكوارث التي تبعتها .
غيبسون في مرمى النيران مجدداً
حين أعلن الممثل والمخرج مل غيبسون عزمه تحقيق فيلم عن محارب يهودي
اسمه يودا ماكابي، هاجمته جهات يهودية عدّة من باب أنه كان أهان اليهود
علناً قبل نحو ثلاث سنوات حين قال إنهم “مسؤولون عن كل حروب العالم” . ووجد
عديدون منهم أن الممثل يحاول تلميع صورته التي تأثرت كثيراً بذلك الحادث
وما تلاه بعد ذلك حين تعالى الخلاف بينه وبين شريكته السابقة .
رغم ذلك، فإن مل غيبسون يؤكد اليوم أنه واثق من أنه سيحقق هذا الفيلم
وأن شركة “وورنر” وافقت معه على هذا . أكثر من ذلك، يؤكد الممثل المعروف
أنه ينوي إنجاز فيلم تاريخي عن الشخصية الحقيقية حتى ولو عارضه الرأي العام
اليهودي في ذلك .
ويودا ماكابي محارب ثار ضد الاحتلال اليوناني في عام 166 قبل الميلاد
وحقق انتصارات في عدد من المواقع في ذلك الحين، قبل أن يُهزم سنة 160 قبل
الميلاد ويموت في رحى معركة في بيت زكريا جنوب غرب القدس .
وبما أنه شخصية بطولية، فإنه من الطبيعي أن يكترث اليهود لمن يقوم
بتشخيصه وبل أن يشعر بعضهم بأن قيام غيبسون، دون سواه، بتمثيل الدور هو
استمرار للإهانة التي شعروا بها حينما قال ما اعتبر أنه “معاد للسامية” في
حين أنه قد يكون أقرب إلى رأي سياسي لم يتبلور على نحو صحيح .
أكثر من ذلك، وكما هي العادة في الكثير من الأوقات، فإن الحكم هنا على
الشخص وليس على المشروع، لأن الفيلم لم يتخطّ عتبة الكتابة بعد . لا أحد
يستطيع الحكم على عمل ما زال غير معروض بصرف النظر عن مواقف أصحابها او
توجّهاتهم .
والأهم بضع حقائق ينظر إليها بعض المتابعين لفصول هذه الحكاية التي
ستتبلور خلال الأسابيع المقبلة حينما ينتهي جو استرهاز من كتابة السيناريو،
وفي مقدّمتها أن مل غيبسون مأخوذ بتحقيق أفلام عن شخصيات بطولية و-تحديداً-
عن شخصيات بطولية تاريخية . فهو قدّم من إخراجه “قلب شجاع” وحقق أيضاً
“عشاء المسيح الأخير” ثم “أبوكاليبتو” وكلها مزيج من المواضيع الخيالية
والواقعية بمواقف بطولية مختلفة .
ما لا ينساه المعنيون من اليهود ليس أنه اتهمهم، تحت تأثير الكحول،
بأنهم مسؤولون عن الحروب في العالم، بل ما هو أعمق من هذه الكلمات وأبعد
منها . وما يخشونه ربما هو تكراره لموقفه السابق منهم حينما أنجز في عام
2004 “عشاء المسيح”، الفيلم الذي لم يخش لومة لائم حينما أشار بوضوح إلى
دور اليهود في موت المسيح عليه السلام، حسب الرواية التي يتبنّاها مئات
ملايين المسيحيين حول العالم، فاليهود في فيلمه كانوا تآمروا ضد المسيح،
وحاولوا تأليب الآخرين عليه، والتشكيك في مصداقيّته وجهّزوا لصلبه .
هذه الرسالة لم تفت المؤسسات الصهيونية واليهودية في الولايات المتحدة
ومنها مؤسسة “سيمون واينتثال سنتر” وصرّح رئيسها مارفن هير قائلاً إن
غيبسون شوّه اليهود عندما قدّمهم، في ذلك الفيلم، ك “أغبياء وحمقى” .
غيبسون في نهاية المطاف ربما كان يريد أن يستعيد ثقة الوسط السينمائي
به بعد أن اهتزت نتيجة مواقفه المعادية لا لليهود فقط، بل للسود والمرأة
عموماً . من المحتمل أنه يريد أن يبيع اليهود فيلماً يمجّد بطلهم المحبوب .
إذا لم تكن هذه غايته، فإنه على الغالب سيقدّم عملاً يحذر المضي في أي
اتجاه محدد . هذا بالطبع الا إذا كانت المسألة حرباً يخوضها بناء على مبادئ
لا يريد التخلّي عنها . في كل الأحوال سنستمع إلى المزيد حول هذا الفيلم
مستقبلاً .
أوراق ومَشاهد
صورة ضد صورة
“جوهرة النيل” فيلم من إخراج لويس تيغ وكتابة مارك روزنثال ولورنس كونر
حول المغامرين جاك (مايكل دوغلاس) وجوان (كاثلين تيرنر) اللذين ينتقلان من
الأمازون حيث أمضيا المغامرة السابقة “مغازلة الحجر” الى بلد عربي غير
واقعي (صور الفيلم في المغرب) سعياً وراء الحصول على جوهرة لا يُعادلها ثمن
ينافسهما عليها مغامر شرس اسمه رالف (داني ديفيتو) . في هذا البلد العربي
زعيم جائر يعامل شعبه كماشية، ووجود هذين المغامرين مدعاة لتحفيز الناس على
الثورة . في أحد المشاهد نرى الشعب (كما هو معبّر عنه بنحو 100 كومبارس)
ينحنون للزعيم الجائر، وفي مشهد آخر، بعد النجاح في إقصاء الزعيم الجائر
وتعيين خليفة له نراهم ينحنون للجديد بإجماع مشابه . هل وصلت الفكرة؟ لا
شيء يغيّرنا . نحن نتوسّل عبادة الفرد خصوصا إذا ما كان زعيماً؟ لا أمل
فينا ونستحق ما يجري لنا؟
خرج هذا الفيلم في الآونة ذاتها التي أخرج وأنتج فيها السينمائي
الراحل مصطفى العقاد ما هو اليوم أفضل فيلم عن ثورة عربية، وما هو رد مفعم
على ما جاء في ذلك الفيلم وعشرات سواه من تشويه .”عمر المختار” او “أسد
الصحراء” فيلم عن الثائر الليبي الشهير، الذي نتابعه في مطلع الفيلم وهو
يدرّس الطلاب القرآن الكريم واللغة العربية . الأحداث بعد ذلك ستلهيه عن
هذا الدور وسنراه ينظّم القتال ضد جنود الاحتلال الإيطالي ويبلي بلاءً
حسناً في التصدّي لذلك الاحتلال والذود عن الثورة والوطن متسبباً في فشل
العمليات العسكرية الأولى لسحق المقاومة . في النهاية يتم القبض على عمر
المختار وشنقه كما لو أن ذلك سيسكت صوت الشعب . المشهد الأخير ذو دلالة
كبيرة: صبي يلتقط نظّارة القائد الليبي الكبير التي كان يستخدمها للقراءة .
حين سأل العقيد مصطفى العقاد عن مغزى هذه اللقطة النهائية قال له المخرج:
“هذا لتأكيد دور الثقافة والمعرفة في إنجاح الثورات” .
الفيلم لم يعجب القذّافي، كما كرر أكثر من مصدر، ووصفه بأنه عبارة عن
فيلم “وسترن - ليبي” .
“عمر المختار” ليس جيّداً فقط بسبب هذا المشهد او ذاك المشهد ولا بسبب
موضوعه فحسب، بل بسبب الكيفية التي تم بها إرساء هذا الموضوع . هناك أنواع
كثيرة في مجال التعامل مع المواضيع المختلفة من دون أن يكون هناك نوع أفضل
من آخر، وإذا كانت صحوة النقاد العرب الأخيرة أيقظتهم على أن ليس كل
الأفلام الأمريكية أفلاماً سيئة لمجرد أنها هوليوودية، فإنه ليس كل الأفلام
ذات الحس والمعالجة الذاتيّتين جيّدة لمجرد أنها كذلك . وإذا كان ديفيد لين
مقبولاً، فإن المقبول أيضاً مخرج عربي يسبر الدرب نفسه ولو أنه لا يبتكر
المنهج بنفسه .
في الحقيقة ديفيد لين، على جودة أعماله، لم يبتكر الفيلم الملحمي بل
سبقه إليه أكثر من عشرة مخرجين من السينما الصامتة وحدها . وهو، كما نعلم،
عالج الثورة العربية في “لورنس العرب” - الفيلم الأشهر له عندنا كونه
أنصفنا من ناحية وانتقدنا من ناحية أخرى .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
18/09/2011
"البوابة" :
الصورة الحقيقيّة للإسلام والمسلمين
صالح سويسي - تونس
وفّق المخرج التونسي المقيم في جمهورية التشيك، علي
المرزوقي إلى حد كبير في تقديم صورة حقيقية عن الشعب التونسي من خلال فيلمه
الوثائقي القصير "البوابة". تلك الصورة التي ترسخت منذ ثلاثة
آلاف عام أو تزيد،
والتي احتكرها واختزلها نظام الرئيس التونسي السابق في نمطيّة ممنهجة تكرّس
الوجه
الواحد والصوت الواحد.
ما أراده المرزوقي منذ اللحظة الأولى في عمله هو توجيه
رسالة واضحة المعالم تقول إنّ التونسي، عربي مسلم، مسالم بطبعه ومحبٌّ يقبل
الآخر
كما هو دون حسابات مسبقة أو ترتيبات، يكفي أن يحس أنّ الآخر في
حاجة إليه حتى يمد
يديه ويقف معه وقفة أخ بعيدا عن المزايدات العرقية والعقائدية واللغوية.
الصورة
والصورة الأخرى
ينطلق الفيلم الذي يدوم قرابة العشرين دقيقة
بصور عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في برجي التجارة
العالمية في نيويورك
بالولايات المتحدة الأمريكية، ليفهم المشاهد فيما بعد أنّه كان تقديما
للصورة
المسبقة التي يحمله الغرب عن الإسلام والتي تفاقمت بعد تلك التفجيرات التي
قيل أنّ
تنظيم القاعدة قد تبنّاها وقتها. وهو ما أعطى انطباعا أنّ المسلم هو رديف
الإرهابي
والعابث بكل القيم الإنسانية ثمّ يتدرج في سرد أشكال ذلك الانطباع السائد
من خلال
بثّ صور لتفجيرات ميترو الأنفاق بلندن والتي خلّفت عديد الضحايا الأبرياء،
ليصل إلى
حادثة تدمير تماثيل بوذا من قبل طالبان والتي خلّفت استياء
عالميا عظيما. ليجد
المشاهد نفسه مباشرة أمام صفحة من صفحات فيس بوك فيها دعوة للاعتصام في
شارع الحبيب
بورقيبة من أجل إسقاط نظام بن علي المستبد ومن ثمّ مشاهد من شارع بورقيبة
فعودة
لصفحة فيسبوكية أخرى، ومن ثمّ انطلق قارئ النص في الحديث عن
الشرارات الأولى
للثورات العربية بداية العام الحالي أو ما يسمّى بالربيع العربي. من تونس
مرورا
بمصر ما جعل النظرة الغربية للشعوب العربية تأخذ شكلا آخر مغايرا تماما لما
كان
سائدا، هذه الشعوب التي تمرّدت ووقفت في وجه الطاغية في تونس
ومصر ثم في ليبيا في
مرحلة قادمة في انتظار ما سيحدث في سوريا واليمن وبدا الغرب في صورة الذي
يقدّر ذلك
التوق إلى الحرية وتلك الرغبة في الانعتاق من بوتقة الظلم والمهانة.
وفي الوقت
الذي بدأت فيه تونس تترقب ما سيأتي به قادم الأيام في ظل وضع داخلي وإقليمي
وعالمي
متوتر تندلع مواجهات مسلحة في ليبيا البلد المتاخم لها والذي تربطه بها
علاقات
متشعبة اقتصادية وسياسية وإنسانية أيضا. هذه الثورة المسلحة في
ليبيا سترخي بظلالها
حتما على الوضع في تونس وخاصة جنوبها وتحديدا مجالها الحدودي، حيث عرفت
المعابر
الحدودية نسقا متسارعا جدا من تدفق الآلاف بل مئات الآلاف من الفارين من
جحيم الحرب
سواء من الليبيين أو الجنسيات الأخرى المقيمة في ليبيا بغرض
العيش والعمل، ووصل عدد
الجنسيات التي تدفقت على الحدود ما يقرب من 45 جنسية فيهم المسلم والمسيحي
وفيهم
أيضا البوذيون والسيخ.
مدّ تضامنيّ
أذهل العالم
وهنا يبدأ الفيلم في سرد ردود فعل التونسيين إزاء
هذا الكمّ الهائل من الأنفس البشرية التي غزت الحدود دون سابق إنذار ودون
أية
تحضيرات تذكر. في ساعات قليلة وجد التونسيّون أنفسهم أمام سيل
من الأجساد المنهكة
والجائعة والهاربة من شبح الموت. كان لزاما أن يتصرف التونسيّون بما أتيح
لديهم رغم
الظرف العصيب الذي تمرّ به البلاد.
وبالرغم من عدم وجود أية جمعيات أو منظمات
أهلية في المنطقة لاستقبلا تلك الأعداد الهائلة إلاّ أن ما حدث
يدعو فعلا للدهشة
وهو ما أكده الفيلم فيما طوال ردهاته. حيث تجولت الكاميرا في منازل
التونسيين وفي
مخيمات اللاجئين وخاصة مخيّم الشوشة أضخمها وأكثرها تنوعا الذي ضمّ جنسيات
مختلفة
مثل البنقلاديش والصومال والهند ومالي السودان واريتريا ومصر
وغينيا منهم هم مسلمون
ومنهم من أهل الكتاب ومنهم من لا ينتمون إلى أيّة ديانة ولكنّ هذا التنوع
العقائدي
والعرقي لم يمنع التونسيين المسلمين من تقديم العون والمساعدة لكل وافد على
تونس
طالبا للأمان ولم يكن ذلك يخضع لاعتبارات العرق والجنس واللون
بل كان تجسيما
لتعاليم الإسلام في سماحته ونبل مقاصده. كان فعلا إنسانيا بالأساس فقد
تحركت كل
جهات البلاد لتساهم في ذلك المدّ التضامني الذي أعطى درسا لكل العالم وسوّق
صورة
نبيلة عن الإسلام والمسلمين.
صورة مكثّفة وتفاصيل
اشتغل
المرزوقي على الصورة فكثّفها ونوّعها وقد اعتمد في ذلك على ناصر اللطيّف
وإمكانيات
التلفزيون التونسي الرسمي. الصورة كانت أهمّ ما ميّز العمل إن لم نقل أهمّ
ما فيه،
فقد عاينت عين المخرج من خلال عدسة الكاميرا تفاصيل دقيقة وتلقّفت لحظات
حميمة
وكلمات قد تبدو عابرة لكنّها مربكة، من خلال الصورة تتوالى
الأحداث والمعلومات
تباعا دون ملل ولو أنّ النص المصاحب بدا في أحيانٍ كثيرة تقريريّا مباشرا
يذكر
بنشرات الأخبار، وهنا كان يمكن للمرزوقي الاعتماد على نص أكثر حميمية
وتفاعلا مع
الصور المتتالية في نسق تصاعديا يبعد أدنى شعور بالملل، رغم
الطابع التوثيقي للعمل.
وكان يمكن أن يبتعد عن "تهمة" التقريرية باعتماده صوتا آخر لقراءة النص غير
خالد
نجاح الذي ارتبطت صورته وصوته بنشرات الأخبار في التلفزيون التونسي.
وبما أنه لا
وجود للمصادفة في العمل الإبداعي، وفي سؤالٍ حول مدى مطابقة عنوان الشريط
مع رغبته
في تقديم الصورة الحقيقية التي أرادها للتونسيين يقول علي المرزوقي أنّه
تعمّد
العنوان وأشار أنه أراد أن يقول أن "تونس كانت عبر تاريخها الطويل الذي
يمتد لآلاف
السنين بوابة أمام كلّ الأعراق والأجناس والأديان، بل وتعايش فيها الجميع
على قدم
المساواة وبمحبة فائقة جعلتها فعلا أرض التسامح واللقاء...".
وفيما يتعلّق باختياره
التأكيد خلال الشريط على غير المسلمين وأهل الكتاب وتحديدا
البوذيّون والسيخ وهل
أنّ لزواجه من بوذية تأثير على هذا الاختيار قال أنّ "تعامل التونسي مع
المسلم أو
المسيحي سيكون عاديا جدا ومن منطلق التوحيد على الأقل، ولكن حينما يتعلّق
الأمر
بديانة أخرى أو شكل آخر من أشكال التعبّد فإنّ الأمر يختلف
حتما، ولكن ما لاحظناها
على مدى أيام التصوير كان عكس ذلك تماما.." ويضيف "كان تعامل التونسي
مثاليا لأبعد
الحدود وسعى للتواصل مع كل الأعراق والأديان وحتى الطوائف وبكل الطرق
الممكنة ما
جعل مخيّمات اللاجئين تبدو عالما مصغرا يعيش فيه الجميع في
سلام وتسامح ورغبة في
التواصل.."
أمّا عن مدة الشريط التي لم تتجاوز العشرين دقيقة وأنّه كان بالإمكان
تقديم عمل من ساعة أو تزيد نظرا لطرافة الموضوع وتوفر المادة وخاصة على
مستوى
الصورة قال المرزوقي أنّ "الهدف ليس في حجم العمل بقدر ما هو
في الرسالة التي
سيوجهها للعالم والصورة التي ستصل إلى الآخر عن المسلم المعتدل والمتسامح
والقابل
للآخر بدون حسابات مسبقة.."
نوبل
للسلام
الشريط فكرة وسيناريو وإخراج علي المرزوقي وإنتاج
التلفزيون التونسي، أدار التصوير ناصر اللطيّف وتعليق خالد نجاح، وحضر
العرض الخاص
الدكتور شنيتي الأمين العام للهلال الأحمر التونسي الذي أشاد
بالشريط مؤكدا أنه "قدم
صورة رائعة عمّا حدث ويحدث في مخيمات اللاجئين بالجنوب التونسي.." مؤكدا في
ذات السياق أنّه تعهد بتسويق الشريط في كل البلدان العربية في مرحلة أولى
إلى حين
ترجمته إلى لغات أخرى. وفي هذا الإطار قال المرزوقي أن سيتمّ
الشريط ترجمته على
الأقل للفرنسية والإنجليزية مع إمكانية ترجمته بلغات أخرى من بينها العبرية
وذلك
بالتعاون مع معهد بورقيبة للغات الحية.
ودائما مع "البوابة" حيث علمنا أنّ
الشريط سيتمّ تقديمه في إطار ترشيح الهلال الأحمر التونسي
لجائزة نوبل للسلام، علما
أنّ الأخير نال مؤخرا عددا من الجوائز العالمية كان آخر الميدالية الذهبية
لملكة
إسبانيا.
الجزيرة الوثائقية في
18/09/2011 |