الدهشة التي يبديها البعض نظرا لتصدر فيلم «شارع الهرم» لقائمة
إيرادات أفلام العيد، هو المثير للدهشة حقاً! فمن المتوقع أن يقبل الجمهور
علي كل ما هو هلس وسطحي، بعد الأحداث الجسام التي عاشتها مصر طوال الأشهر
السبع الاخيرة! وهو أمر يتكرر أحياناً بعد الكوارث والأزمات والحروب، خاصة
في بلاد لا تعرف ثقافة مواجهة المخاطر بالعمل الدءوب وارتفاع الهمة، مثل
دول أوروبا التي ظهر فيها تيارات سينمائية مدهشة بعد ان تدمرت معظم المدن
الكبري في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكن في بلادنا ترتفع نسبة الاقبال
علي كل اصناف المخدرات، كما تزدهر الفنون الهابطة "السينما-
الغناء-المسرح"، ولو تابعت انواع الفنون التي سيطرت علي الساحة بعد هزيمة
يونية مباشرة، فسوف تتأكد أن الاقبال علي تلك النوعية هو نوع من الهرب من
مواجهة الإحباط واليأس، وللأسف فإن ثورة 25 يناير، التي جعلت العالم ينظر
الينا بإعجاب، وثقة، دخلت علي يد من يتولون شئون إدارة البلاد الي نفق مظلم
ومخيف، حول حالة الفخر والكبرياء التي كان يعيشها الشعب المصري الي حالة من
التوجس والريبة والخوف من المجهول، وفي هذه الأجواء المتوترة تكثر حالات
العنف، والتسيب، والرغبة في التدمير والهروب من الواقع! وقد نجحت الدعوي
الي مقاطعة فيلم «الفيل في المنديل» في عز إحساسنا بحلاوة النصر والثقة في
النفس، ولم يعر الناس دعاوي مقاطعة الافلام الرديئة المغشوشة التي يقدمها
السبكي وعلي رأسها"شارع الهرم" بعد أن تبدل الإحساس بالنصر ودخلنا جميعا
الي منطقة ضبابية تصعب فيها رؤية موضع قدمك، أو خطوط كفك! ألوان الفساد كل
شيء لدي بعض المهرجين قابل للابتذال والاستثمار، حتي الثورة ودم الشهداء!
ولن أتعامل بأي نوع من الرقة أو التحضر، إذا ما أطل علينا أحدهم وادعي أنه
قدوة أو نموذج يحتذي به! ولنبدأ الموضوع بهذا السؤال، هل يريد محمد سعد ان
يقنعنا أن قلبه "متشحتف" علي الثورة، وانه ضد كل ألوان الفساد التي طالت كل
شيء في حياتنا طوال الثلاثين عاماً الماضية؟؟ إذن لماذا لايدفع ضرائبه عن
الأجر الحقيقي الذي يحصل عليه، ويصر أن يكتب في عقوده أجراً وهمياً يقل عن
نصف أو ثلاثة أرباع ما يتقاضاه فعلاً؟؟ أليس هذا نوعاً قميئا من الفساد؟
ليس الاسم وحده هو مشكلة فيلم «تك تك بوم»، لكن مضمونه وما يحمله من أفكار
أقل مايقال عنها إنها مبتذلة! هي مقصدنا من هذا الموضوع. قطار الثورة أفهم
رغبة بعض السينمائيين في اللحاق بقطار الثورة، وتسجيل موقف بأنهم قدموا
أعمالا تواكب الأحداث، وهي رغبة شبيهة بما حدث مع بعض السينمائيين الذي
ابتذلوا حرب أكتوبر المجيده واختزلوها في فيلمين أحدهما باسم «بدور»،
والآخر باسم «الوفاء العظيم»، وسوف تكتشف انهما سقطا من ذاكرة السينما، رغم
أسماء كبار النجوم التي تحملها تترات كل من الفيلمين! وقبل نصر أكتوبر حدث
نفس الشيء مع ثورة يولية، التي جاءت دون سابق إنذار، وكانت السينما
المصرية، بعيدة عن طرح موضوعات لها علاقة من قريب أو بعيد بالسياسة، إلا في
أضيق الحدود وبأساليب يغلب عليها الرمزية، ثم حدث ان كان أحد الأفلام
الهزلية في طور التصوير، وفوجيء مخرج فيلم "عفريت عم عبده"، بقيام جماعة
الضباط الأحرار بالثورة التي اطاحت بالملك فاروق، واراد ان يحظي بشرف أن
يكون أول المنافقين لضباط الثورة فقام مع السيناريست أبوالسعود الابياري
بتغيير بعض المشاهد، وكانت قصة الفيلم تدور عن شبح عم عبده الذي قتله احد
المجرمين، فأصبح يطاردهم بعد موته، وإذا بتغيير في السيناريو يجعل الشبح،
يخبر احد الاشخاص بأن صحف الغد، سوف تحمل خبرا سوف يغير وجه التاريخ، وهو
أن مجموعة من الجيش المصري سوف تقوم بانقلاب أو ثورة تطيح بالملك وأعوانه!
طبعاَ غني عن الذكر ان الفيلم أصبح الآن في مزبلة التاريخ، رغم أنه من
بطولة شكري سرحان، واسماعيل يس ، وهاجر حمدي والثلاثة كانوا من نجوم
السينما في سنوات الخمسينات! محاولات الابتذال نعود الي فيلم «تك تك بوم»،
الذي فاق كل محاولات الابتذال ودخل في مرحلة الافتراء علي الثورة والثوار،
إما عن جهل وقلة وعي أو عن عمد ! هذا الفيلم تقع مسئوليته تماماً علي محمد
سعد، فهو الذي كتب له السيناريو والحوار، ولعب فيه كل الأدوار ولا استبعد
أبداً ان يكون قد قام بإخراجه، لإن اسم اشرف فايق علي التترات والافيشات لا
يعني بالضرورة إنه المخرج، ولكنه المحلل، الذي يتحمل وزر ما صنعه بطل
الفيلم! نتعرف في البداية علي" تيكا" أو محمد سعد، وهو صانع بمب في إحدي
الحارات الشعبية، ويختزل تيكا كل احلامه في الزواج من قطيفة "دره"، ابنة
حارته وحبيبة قلبه، ولأن تيكا قريب من قلب شباب الحارة، فهو يدخل بيوتهم ،
وفي إحدي المرات يلفت نظره، ان أحدهم كتب علي حاسوبه الشخصي، خطة تخطيط
الميدان، بشكل يوحي بمؤامرة للسيطرة علي ميدان التحرير، رغم أن الثورة لم
تبدأ من ميدان التحرير، ولكن من أمام جامع مصطفي محمود ثم تحركت الي كوبري
الجلاء، حيث وقعت الواقعة، وأول صدام بين الثوار ورجال الشرطة! المهم أن
ثورة 25 يناير تنطلق، اثناء احتفال تيكا بزفافه علي قطيفة، وتقع الحارة في
براثن عصابات البلطجية، يقودهم محمد لطفي، ورغم كل ما سمعناه عما فعله
البطجية اثناء الثورة، فلم يكن هناك حادث واحد، عن مجموعة منهم صعدت الي
الناس في مساكنهم، وكل ماحدث كان عمليات قطع طريق علي المارة والاستيلاء
عنوة علي أموالهم أو سياراتهم أو التكاتك "جمع تكتك"! مغارة علي بابا المهم
ان «تكا» أو محمد سعد يتصدي وحده لعصابات البلطجية، ويكتشف ويا للعجب انهم
يضعون كل ما يسرقونه من اموال ومشغولات ذهبية في مغارة تشبه مغارة علي
بابا! وهو تصور بالغ البلاهة! ثم يتم القبض علي تيكا، من قبل قوت الجيش،
ويتم اتهامه بالبلطجة، وفي السجن الحربي يلقي العجب العجاب، حيث يلتقي
الضابط المنفلوطي"محمد سعد نفسه" الذي شاهدناه في فيلم اللي باللي بالك،
أبوشفة مقلوبة، وقد تحول هذا الضابط الذي يحمل رتبة عميد، الي كائن مشوه
متوحش، سادي النزعة، يطلق الرصاص بشكل عشوائي علي مخاليق ربنا فيصيب منهم
من يصيب، ثم يتهم تيكا بقتل بعض الجنود، الي ان يثبت العكس، ويتم الافراج
عنه، في الوقت الذي يصل الي علمه، ان عصابة البلطجية التي يقودها محمد لطفي
سوف تهاجم، مستشفي سرطان الاطفال 57357، وفي الكوميديا قد تقبل بعض
المبالغات، والخروج عن المنطق، ولكن علي رأي أم كلثوم فإن للصبر حدود،
وللعبط حدود ايضا، فقد تصور خيال كاتب السيناريو اللي هو محمد سعد نفسه، ان
الاموال التي تتدفق علي المستشفي يتم رزم رزم تصل الي سقف خزانة، موجودة
داخل المستشفي ويمكن فتحها بأي طفاشة، ويصل تيكا للخزنة قبل ان تصل اليها
عصابة البلطجية، ويقف امام رزم الفلوس وهي مذهول، ويكاد شيطانه يلعب به،
ويحرضه علي سرقتها، أو سرقة ماتيسر منها، غير انه يلتقي طفلة من مرضي
المستشفي تنظر اليه في مسكنة وغلب، فيتراجع ويعود اليه ضميره، ولكنه قبل ان
يغادر المستشفي محاطاً بكم من اطفالها بنفس العصابة تهاجمه كإن مفيش في
البلد غيره، وقبل ان يطلق عليه زعيمها رصاص مسدسه، يفاجأ برصاصة تنطلق الي
ظهر البلطجي، من الضابط السادي مقلوب الشفة، وهو يقول لتيكا، الشرطة في
خدمة الشعب!!! طبعا الفيلم يخلو تماما من الضحك، اللهم إلا الضحك علي
المغفل اللي حايخش الفيلم، ويمتليء في نفس الوقت بكم هائل من الادعاءات،
فالحارة الكبيرة فيها محل صائغ قبطي هو لطفي لبيب، وشيخ جامع هو جمال
إسماعيل وخد عندك كلام في الوحدة الوطنية علي طريقة موضوعات الإنشاء في
المدارس الابتدائية الحكومية! وطبعا لا يمكن ان يفوت محمد سعد فرصة الغناء،
ولكن الشهادة لله، فقد تنازل في هذا الفيلم عن تلعيب مؤخرته وهو يغني «آه
لو كنت رئيس»! تخيل بعد خمس أو عشر سنوات عندما يشاهد طفل ما هذا الفيلم
علي إحدي القنوات الفضائية، ويعتقد ان ثورة يناير التي قام بها ملايين من
الشعب المصري بينهم شباب ورجال ونساء وشيوخ، نجحوا في خلع حاكم فاسد مستبد
وبطانته، من أجل حياة كريمة للجميع، لاشك ان هذا الطفل سوف يستقر في وجدانه
بعد ان يشاهد فيلم «تك تك بوم» ان الثورة لم تكن الا شوية بلطجية بيتخانقوا
مع بعض يتصدي لهم مواطن أبله وعبيط! مش ده يبقي ابتذال ولاله مسمي تاني!
جريدة القاهرة في
11/09/2011
«سواق
الميكروباص»
الإبداع بين
مطرقة السلطة وسندان الفساد
بقلم : ياقوت الديب
الحكمة تقول: "من الأفضل أن تمشي ببطء إلي الأمام علي أن تمشي مسرعا
إلي الخلف"، هكذا تكون فلسفة الفنان المبدع الذي يحفر اسمه بجدارة وعن
استحقاق ضمن قائمة العظماء من أقرانه والمتميزين من أمثاله، وهو بذلك يضيف
للتراث الإنساني ثقافة ومعرفة يتعلم منها الآخرون، ويشكل ناقوسا يدق في
عالم الغفلة والنسيان، قبل أن نفقد الوعي ويذهب عنا الإدراك، وعندها لايجدي
علاج أو ينفع ندم أو يفيد الحزن والبكاء علي اللبن المسكوب ... وقتها نكون
فقدنا الرغبة في التغيير أو الإصلاح والتعديل، بمعني أصح فقدنا الإحساس
بالحياة ذاتها، وبالتالي لانستحق أن نحياها أو نكون جزءا من مشوارها
الطويل. خطوات متأملة وبعد انقضاء سنوات الصبا واللهو والشباب، وبعد اكتساب
المعرفة بالعلم والثقافة، وبعد تجارب لكل منها جوانبها السلبية ومعطياتها
الإيجابية، يخرج علينا العمل الفني تجربة جمالية نعيشها نحن المتلقيين
بخبرات التلقي التي تختلف درجات التفاعل معها وردود الأفعال تجاهها، وتكون
النتيجة قبول تجربة الفنان المبدع نفسه أو رفضها، وبالطبع يتوقف هذا
التفاعل علي درجة الإجادة وبواعث التأثير.. الفنان السينمائي علي وجه
الخصوص ظني أنه الأولي بأن تحكم خطواته التأمل والتمهل والروية، لا أن
يتسرع أو يتحمس أو يتعجل الإنجاز قبل أن يملك أدواته أو ينضج فكره أو يتشكل
وعيه وادراكه، مهما تطلّب ذلك من الوقت أو طال الزمن قبل الإنجاز ... بهذا
المنطق المتزن كان مشوار المخرج التسجيلي "أحمد حسونة" الذي لم يتعجل الخطي
أو يستفزه ظهور عشرات الأسماء علي ساحة السينما التسجيلية والقصيرة في مصر،
رغم مرور سنوات طوال كان قد قضاها في البحث والتنقيب عن اللحظة المؤثرة
للإبداع وامتلاك ناصية اللغة السينمائية وبلوغ درجة رفيعة من النضوج
الفكري. خبرات فنية بعد أن انتهي "أحمد حسونة" من دراسته الجامعية عام
1985، درس فن الفيديوVideo
Art في سويسرا، كما حصل علي دبلومة في الإخراج السينمائي من أكاديمية
"نيويورك" في أمريكا، وعمل مساعدا للمخرج العبقري الراحل "رضوان الكاشف" في
فيلم "الساحر" بطولة الفنان "محمود عبد العزيز" ... هذا يعني أننا أمام
مخرج جمع من الثقافة والخبرات الفنية مايؤهله لأن يفرض نفسه ويضع اسمه مع
مصاف العظماء في السينما التسجيلية والقصيرة في مصر، بعد مسيرة مستمرة
حافلة وحبلي بالعطاءات والتجارب التي تهز الوجدان وتعيد صياغة الفكر وتشكل
وعيا ودافعا للتغيير ... نحن في أمس الحاجة إليه في خضم مانعيشه من حالة
ثورية في مصر منذ 25 يناير تفرض علي الفنان تفاعلا من نوع خاص ومشاركة من
منطلق جديد. الصعيد الجواني ومنذ بدايات "أحمد حسونة" نلمس أننا أمام مخرج
من معدن خاص وتوجه محسوب ورؤية لكل أركان الدنيا ومنابع الحياة في مصر، من
الصعيد الجواني نري: "حكايات من الصعيد" و"نساء من أسوان" و"عروس من
النوبة"، ومن التاريخ نري: "هنا جاء الفينيقيين" و"من عمق الأرض" و"أرض
الأجداد"، ومن مناطق مصر يطلعنا علي: "ميت رهينة" و"كورنيش مطروح"، ومن
قضايانا الاجتماعية والإنسانية يحلل ويرصد: "قصة الحب والكراهية" و"أطفال
في مهمة" و"ومازال التحقيق مستمرا" و"مستقبل بديل" و"مربع داير" و"مازال
دكتور الموت حيا" و"بطاقة الموت" و"سواق الميكروباص"، ويعلو صوته محتجا علي
أوضاع بائسة وحياة صعبة من خلال: "الصرخة" و"من أجل يوم جديد" . ومن منطلق
السينمائي الواعي بأدوات التعبير وأشكال الرؤية اختار "أحمد حسونة" الشكل
السينمائي بين التسجيلي والروائي القصير والطول الزمني لأفلامه بين القصير
والطويل ... هذا الشكل أو ذاك الذي يعكس وجهة نظره بسلاسة وبساطة حتي تصل
الرسالة الي المتلقيين بل يشركهم في الرؤية ويدفعهم علي التفكير والبحث عن
مناطق الخلل في المجتمع وبؤر الشر بهدف الكشف عن ممارسات التخلف والفكر
الجامد، أملا في تحقيق غد أفضل. النظام الفاسد فيلمه "سواق الميكروباص"
انتاج عام 2010 قبل تفجير ثورة 25 يناير العظيمة والمتفردة في تاريخ ثورات
الشعوب، ربما كان نبوءة ماحدث في يناير 2011، فقد كان "أحمد حسونة" من
الشجاعة والجرأة لتنفيذ هذا الفيلم، رغم كل القيود الحديدية والعراقيل
البيروقراطية التي تقف حجر عثرة أمام الفكر والإبداع في مصر، علي يد زبانية
النظام الفاسد في عصر الرئيس المخلوع، ربما كان "سواق الميكروباص" شاهدا
علي ماكانت تخبئه الأيام القادمة من ثورة وصلت دوافعها داخلنا الي ذروة
الاحتمال، وآن لها أن تعلن عن نفسها متحدية كل المخططات التآمرية للاستيلاء
علي قمة الحكم أو ما اصطلح علي تسميته مخطط التوريث المفضوح ... الفيلم
تعرض بشجاعة وشياكة الي سلبيات ربما بدت كمواقف عابرة بسيطة المعني، ألا أن
حقيقتها كانت ذات دلالة قوية علي أن شيئا ما كان لابد وأن يحدث، بغض النظر
عن القراءة السطحية حول قضية "سواق الميكروباص" وهل هو مفتر أم مفتري عليه؟
قراءة ساذجة الفيلم أعمق كثيرا عن تلك القراءة الساذجة التي قد يستسهلها
البعض منا، فمن خلال عالم سائقي الميكروباصات في مصر، كان هناك عالم آخر
يكشف عن فساد ضرب بجذوره كل أركان البلاد وطال بعفنه كل العباد، بعد أن وقع
"سواق الميكروباص" بين سندان صاحبة وبين مطرقة السلطة الممثلة في فئة ضالة
من بعض رجال الشرطة الفاسدين في زمن المخلوع وزبانية حكمه وطغمته الفاسدة،
أما شعب الميكروباص فلا حول ولا قوة، بعد أن ضاعوا وتاهوا بين العالمين،
وبعد أن استبيح استغلالهم وامتهان كرامتهم.. الفاسدون من رجال الشرطة
يضغطون بتمثيلية تطبيق القانون ولايستحرمون الرشوة وفرض النفوذ، وبدوره
"سواق الميكروباص" يصب جام غضبه علي مرتادي الميكروباص من الأفراد
والعباد.. إذن الأصل في الفساد والإفساد هي الدولة بنظامها الذي يسمح
بالرشوة والمحسوبية وفرض الإتاوة واستغلال المنصب، فلاعجب أن يتحول بعض
خربي الذمة والضمير في بلادنا الي بؤر للبلطجة والفتونة وفرض حالة من
الفوضي والعدم.. والأصل في ذلك هي الدولة نفسها، لقد وصلنا الي ذروة العفن
والفساد والإفساد في كل مناحي حياتنا بلا هوادة أو رحمة، فكان لابد أن
تتفجر الثورة ويخلع النظام رأس الأفعي، ويحدث ماحدث يوم 25 يناير. جماليات
سينمائية قدم "أحمد حسونه" فيلمه علي الشكل التسجيلي الطويل (49ق) والي
جانب الإخراج كتب له سيناريو بعيد عن الإطالة والغموض بلا زيادة أو نقصان،
فجاء في كل متكامل متماسك لأبعد الحدود، وتوالت مشاهده ولقطاته بسلاسة
وتشويق خال من التقعر أو الادعاء أولغة سينمائية مرتبكة كما يحلو للبعض من
السينمائيين بحجة التجريب والبحث عن غير المألوف. وقد اختار المخرج فريق
عمل فني أضفي علي الفيلم جماليات سينمائية تمتع الناظرين من خلال تصوير كان
وراءه "زكي عارف" يفيض حسا فنيا عاليا وحركة كاميرا متمكنة فلا اهتزاز ولا
تشويه ولا زوايا اعتباطية، لقد وصلت الصورة إلينا ممتعة ونقية بلا خدوش أو
رتوش . شريط الصوت والموسيقي والمؤثرات جاء صافيا مسموعا واضحا لاتشوبه
شائبة مما تعودنا عليه في السينما المصرية عموما، التي يشكل شريط الصوت
فيها أبرز عيوبها. والفيلم التسجيلي فيما يتعلق بالمونتاج لا يحتاج الي
حذلقة أو تكلف أو استعراض فارغ المحتوي، بقدر ما يحتاج الي صانع فنان ماهر
يعكس رؤية المخرج في بساطة وجمال فني بعيدا عن التشتيب وتعب العين وتوهان
العقل، هذا مانجح فيه المونتير "محمد سمير" وبتفوق. شجاعة مخرج لقد استطاع
"أحمد حسونة" أن يقدم لنا فيلما سينمائيا من العيار الثقيل في فكرته
ومعانيه، وفي فنياته وجمالياته، في زمن يصعب أن نري فيه سينما تنجح علي
المستويين: الفكري والفني، وبرغم كل الصعوبات الانتاجية والفنية والرقابية
التي واجهته إلا أنه بالمثابرة وروح التحدي قدم فيلمه بشجاعة تحسب له وعقل
مستنير يعرف ماذا يفعل، وكيف ينفذ.
جريدة القاهرة في
11/09/2011
سمير خفاجي صانع النجوم
بقلم : د.عمرو دواره
اسم لامع لنجم في مجال المسرح المصري والعربي بصفة عامة وفي مجال
المسرح الكوميدي بصفة خاصة، ويعده الكثيرون علامة الجودة في المسرح
الكوميدي وذلك سواء في مجال الإنتاج المسرحي (لتأسيسه وإدارته لكبري الفرق
الخاصة)، أو في مجال التأليف والاقتباس والتمصير (عن الفارس والفودفيل
الفرنسي والإنجليزي) يحسب له في هذا المجال أمانته وصراحته في ذكر مصدر
الاقتباس بوضوح وعدم مجاراة البعض الذين يقومون بالسرقات الأدبية ويحرصون
علي إخفاء المصدر الأجنبي حتي يتسني لهم الفوز بصفة المؤلف لتلك النصوص
التي يقومون باقتباسها!!، كما يحسب له تلك المقدرة علي التعاون الجماعي
والتأليف الثنائي من أجل تقديم النص المسرحي الكوميدي في أفضل صورة ممكنة،
ومن خلال قائمة أعماله يمكن رصد تعدد مشاركاته في التأليف أو الاقتباس مع
كل من الكتاب/ محمد دواره، عبدالمنعم مدبولي، بهجت قمر وأخيرا يوسف معاطي.
حس شعبي و"سمير خفاجي" والذي شرفت بالمشاركة في الاحتفال بعيد ميلاده
بمنتصف الشهر الماضي من مواليد 13 أغسطس عام 1930، وهو ينتمي إلي عائلة
ارستقراطية كبيرة ومع ذلك فهو يتمتع بحس شعبي أصيل، كما يتمتع بموهبة
قيادية رائعة أهلته لأن يصبح أحد كبار المنتجين بالمسرح المصري وأكثرهم
شهرة و انتشارا، ويكفيه فخرا أنه مؤسس ومدير لأشهر فرق القطاع الخاص خلال
النصف الثاني من القرن العشرين وهي فرقة "الفنانين المتحدين"، والجدير
بالذكر أن مشاركاته الانتاجية لم تقتصر علي انتاج 40 مسرحية فقط، حيث شارك
أيضا في انتاج تسعة مسلسلات (من بينها أحلام الفتي الطائر، أوراق الورد،
الشاهد الوحيد، أنا فين وإنت فين، زهرة الصبار)، وأربعة أفلام (من بينها:
الحب في الزنزانة، غريب في بيتي، عصابة حمادة وتوتو). قد بدأ عشق "سمير
خفاجي" للمسرح من خلال حرصه علي مشاهدة أعمال رائد الكوميدي الكبير الفنان/
نجيب الريحاني، كما بدأ شغفه بعالم المسرح يظهر جليا أثناء فترة دراسته
بكلية الحقوق - التي لم يستكمل دراسته بها - حيث عكف علي القراءة والترجمة
والاقتباس، كما عمل علي الاقتراب من كواليس المسرح والتعرف علي كبار نجومه
وأعمالهم وفي مقدمتهم الكاتب القدير/ بديع خيري. احتراف الكتابة يعد سمير
خفاجي أحد أغزر كتاب المسرح الكوميدي انتاجا وأكثرهم شهرة، فهو ينضم إلي
تلك الكوكبة من الأسماء اللامعة التي أثرت بإبداعاتها الكوميديا العربية،
والتي يندر أن يجود بها الزمان كثيرا، والتي تضم بالإضافة إليه مجموعة
المبدعين: أمين صدقي وبديع خيري وأبوالسعود الأبياري وبهجت قمر ويوسف عوف.
كانت بداية احترافه مهنة الكتابة بمشاركته في كتابة بعض اسكتشات برنامج
"ساعة لقلبك" بالإذاعة المصرية بمنتصف الخمسينات، ذلك البرنامج الناجح
والشهير الذي كان يضم نخبة من شباب الكوميديا حينئذ، وفي مقدمتهم أبو لمعة
(محمد أحمد المصري)، الخواجة بيجو (فؤاد راتب)، الدكتور شديد (فرحات عمر)،
شكل (محمد يوسف)، محمود (فؤاد المهندس)، زوجة محمود (خيرية أحمد)، الفلاح
فهلاو (أمين الهنيدي)، وهي المجموعة التي شاركها في آواخر الخمسينات من
القرن الماضي شارك في تأسيس فرقة "ساعة لقلبك المسرحية"، تلك الفرقة التي
أعد لها بعض النصوص الكوميدية ومن بينها دور علي غيرها، ما كان من الأول،
طلعالي في البخت، أنا مين فيهم، الستات ملايكة (بالاشتراك مع عبدالمنعم
مدبولي)، البعض يفضلونها قديمة (بالاشتراك مع محمد دوارة)، ويذكر أن أول
مسرحية قدمت من اقتباسه - كانت أثناء فترة دراسته - هي مسرحية ماكان من
الأول، والتي قدمت بعد ذلك بالمسرح الكوميدي (بمسارح التلفزيون) بعنوان
حالة حب، كما قدمتها السينما بعنوان إشاعة حب. مسرح التليفزيون كانت بداية
الستينات وبالتحديد عام 1962 مع تأسيس مسارح التلفزيون بشعبه المختلفة نقطة
انطلاق كبيرة للمبدع/ سمير خفاجي، حيث تطلب الأمر توافر عدد كبير من النصوص
الكوميدية، فقام "سمير خفاجي" بامدادها ببعض النصوص الكوميدية سواء شارك مع
بعض الكتَّاب في تقديمها أو انفرد بإعدادها ومن بينها: أنا وهو وهي، بص شوف،
جوزين وفرد (بالاشتراك مع عبدالمنعم مدبولي)، أصل وصورة، لوكاندة الفردوس،
ملكة الإغراء (بالاشتراك مع محمد دوارة)، أنا فين وانت فين؟ (بالاشتراك مع
بهجت قمر)، حالة حب (بالاشتراك مع أحمد شكري)، زيارة غرامية، نمرة 2 يكسب،
تسمح من فضلك، وجميع هذه المسرحيات قدمت خلال الفترة من عام 1962 إلي عام
1966، وقد حققت نجاحا جماهيريا كبيرا ساهم في ذيوع شهرة المشاركين في
تقديمها، ولكن للأسف فقد انتهت هذه الفترة الثرية في الانتاج عام 1966
بإصدار قرار ضم فرق التليفزيون المسرحية إلي مؤسسة فنون المسرح والموسيقي
والفنون الشعبية. بعد تأسيسه لفرقة "الفنانين المتحدين" عام 1966 اقتصر علي
تقديم نصوصه من خلال هذه الفرقة فقط، فقدم من إعداده واقتباسه بالاشتراك مع
بهجت قمر: أنا وهو وسموه ، حواء الساعة 12 عام 1966، سيدتي الجميلة، الزوج
العاشر عام 1967، حصة قبل النوم عام 1970، العيال كبرت عام 1978،
وبالاشتراك مع عبد الله فرغلي البيجامة الحمراء عام 1967، كما قدم أنها حقا
عائلة محترمة عام 1977، مطلوب للتجنيد (عام 1987)، بودي جارد (بالاشتراك مع
يوسف معاطي) عام 1999 . هذا وتجدر الإشارة إلي أن ثقة المبدع/ سمير خفاجي
في قلمه قد دفعته إلي عدم احتكار فرصة تقديم مؤلفاته بالفرقة، بل حرص علي
استقطاب ابداعات كبار المؤلفين والمقتبسين أيضا ومن بينهم علي سبيل المثال:
بهجت قمر، ألفريد فرج، نعمان عاشور، محمد دوارة، يوسف عوف، جليل البنداري،
أنور عبدالله، علي سالم، وحيد حامد، ناجي جورج، أسامة أنور عكاشة، أحمد
عفيفي، سمير عبد العظيم، فاروق صبري، مصطفي أبوحطب وإبراهيم الدسوقي،
بسيوني عثمان، أحمد عوض، يوسف معاطي. ساعة لقلبك بخلاف مشاركته لنجوم
برنامج "ساعة لقلبك" في تأسيس فرقة "ساعة لقلبك المسرحية" في نهاية خمسينات
القرن الماضي تحمَّل سمير خفاجي مسئولية تأسيس فرقة "الفنانين المتحدين" مع
نخبة من الكتَّاب ونجوم الكوميديا عام 1966 - عقب قرار ضم فرق التليفزيون
المسرحية إلي مؤسسة فنون المسرح والموسيقي والفنون الشعبية - وذلك حينما
قرر عدد كبير من نجوم الكوميديا الانسحاب من عضوية فرقة المسرح الكوميدي
بعد رفض طلباتهم الفنية والمالية. وقد قام "سمير خفاجي" بتمويل الفرقة
وإدارتها منذ البداية، وكانت أول عروض الفرقة بعنوان "أنا وهو وسموه" بطولة
الثنائي الشهير/ فؤاد المهندس وشويكار، وقد حققت هذه المسرحية نجاحا كبيراً
ثبت أقدام الفرقة، فاستمرت مسيرتها إلي الآن - أي لما يقرب من خمسين عاما -
وقد قدمت خلال مسيرتها الفنية أربعين مسرحية، وهو عدد كبير بلاشك حيث كانت
تقدم أحيانا في بعض المواسم أكثر من مسرحية من خلال شعبتين أو ثلاث شعب،
والجدير بالذكر أن بعض مسرحيات الفرقة قد عرضت لمدة قد تصل إلي ثماني
سنوات، ومن أهم المسرحيات التي استمر عرضها طويلا «شاهد ماشافش حاجة،
الزعيم، ريا وسكينة، الواد سيد الشغال، بودي جارد». يكفي أن نذكر أن قائمة
الأعمال المسرحية لفرقة "الفنانين المتحدين" تضم كلا من المسرحيات التالية
(طبقا لتاريخ الانتاج): «أنا وهو وسموه، كده يا كده، حواء الساعة 12،
البيجاما الحمراء، المغفل، بمبة كشر، الزوج العاشر، فردة شمال، زنقة الستات،
برغوت في العش الذهبي، سري جدا جدا، مجنون بطة، حصة قبل النوم، هاللو شلبي،
سيدتي الجميلة، غراميات عفيفي، اللص الشريف، مدرسة المشاغبين، قصة الحي
الغربي، وكالة نحن معك، العيال الطيبين، أولادنا في لندن، كباريه، شاهد ما
شافش حاجة، العيال كبرت، لعبة اسمها الفلوس، ريا وسكينة، الزيارة انتهت،
زقاق المدق، الواد سيد الشغال، مطلوب للتجنيد، علشان خاطر عيونك، نص أنا نص
إنت، البحر بيضحك ليه، شارع محمد علي، اثنين في قفة، الزعيم، كعب عالي،
كرنب زبادي، بودي جارد» كما شاركت الفرقة فرقة "الكوميدي المصرية" في انتاج
عرض إنها حقا عائلة محترمة، وأغلبها تعد علامات في مسيرة المسرح الكوميدي.
إنتاج سخي سمير خفاجي كمنتج لا يبخل أبدا في إنتاجه الفني، بل هو مغامر
حقيقي قد يقوم بصرف جميع مدخراته في سبيل تحقيق طموحه الفني، لذا فقد قد
حرص كمنتج أن يتعاون مع أفضل المبدعين في جميع المفردات المسرحية، فقد
تعاون في مجال الإخراج علي سبيل المثال مع كل من المخرجين: حسن عبدالسلام،
عبد المنعم مدبولي، فؤاد المهندس، كمال ياسين، نور الدمرداش، جلال
الشرقاوي، كرم مطاوع، سعد أردش، حسين كمال، سمير العصفوري، هاني مطاوع،
محمد عبد العزيز، محمد فاضل، شاكر خضير، مراد منير، عصام السيد، شريف عرفة،
وبالعرض الأخير رامي إمام. قد قام ببطولة أعمال الفرقة نخبة من كبار نجوم
الكوميديا من مختلف الأجيال، ويحسب له كمنتج اكتشافه لعدد كبير من المواهب
الشابة ومنحها الفرصة كاملة للتألق ومن بينهم علي سبيل المثال: سيد زيان،
فاروق فلوكس، أحمد زكي، يونس شلبي، هادي الجيار، المنتصر بالله، يوسف داود،
علاء ولي الدين، محمد الصاوي، محمد سعد، كذلك يحسب له قدرته علي إقناع بعض
النجوم للتمثيل لأول مرة علي خشبة المسرح ومواجهة الجمهور وفي مقدمتهم كل
من النجمة السينمائية نادية لطفي (عرض بمبة كشر) والمطربة الكبيرة/ شادية
(عرض ريا وسكينة)، مديحة كامل، ميرفت أمين، نيللي، ليلي علوي، معالي زايد،
وأيضا مهارته في إعادة عدد كبير من النجوم إلي خشبة المسرح وفي مقدمتهم:
هدي سلطان، عقيلة راتب، زهرة العلا، زيزي البدراوي، كريمة مختار، لبلبة،
صفية العمري، حسن يوسف، محمود المليجي، نور الشريف، فريد شوقي. الحصان
الفائز المتتبع لمسيرة هذا المنتج المثقف يمكنه أن يرصد بسهولة موهبته
وخبراته في الرهان علي الحصان الفائز دائما، فمن خلال جيل الستينات وبرغم
تألق أسماء عدد كبير من نجوم الكوميديا كعبدالمنعم مدبولي ومحمد عوض وأمين
الهنيدي وعبدالمنعم إبراهيم وأبوبكر عزت إلا أنه قد راهن علي تميز وتفرد
فؤاد المهندس، وخلال جيل السبعينات وبرغم بروز أسماء عدد من نجوم الكوميديا
كسعيد صالح وجورج سيدهم وسمير غانم وصلاح السعدني ويونس شلبي ومحمد صبحي
وسيد زيان وأحمد بدير إلا أنه قد تحمس لعادل إمام، وبالتالي نجد أن حماسه
لكل من فؤاد المهندس وعادل إمام قد تم ترجمته عمليا من خلال إنتاجه لأهم
عروض كل منهما. هذا ويمكن إجمال أسباب تميز وتفوق "سمير خفاجي" كمنتج في
النقاط الخمس التالية: - التذوق السليم المبني علي أساس من الثقافة
الحقيقية، وقد أهله هذا التذوق لتحقيق الاختيار الدقيق والأفضل لجميع عناصر
العمل. - القدرة علي التنبؤ الفني السليم، والقدرة علي الابتكار والتجديد
واقتحام مناطق ابداعية جديدة. - عشق المغامرة والمخاطرة، فهو قد يقامر
بجميع أمواله في سبيل تحقيق حلم فني يراوده. - القيادة الحكيمة، والتمتع
بالصفات القيادية، وبموهبة كسب ثقة وحب واحترام الآخرين. - امتلاك القدرة
علي النقد الذاتي الموضوعي، والتقييم الحقيقي لكل تجربة، والعمل الدائم علي
تصحيح المسار، ولذا فقد حرص علي التسجيل التليفزيوني للمسرحيات الناجحة
فقط. في النهاية لايسعني إلا أن أدعو الله باسم جميع عشاق إبداعات هذا
الفنان الحقيقي بأن يمنحه العمر المديد، وأن يمتعه بدوام الصحة والعافية
جزاء ماحرص علي اسعادنا طوال السنوات الماضية، وأن يمنحه القدرة علي
الاستمراية لتقديم ابداعات جديدة، ولاستكمال كتابة مذكراته التي تلقي بمزيد
من الضوء علي فترة من أهم فترات حياتنا الفنية.
جريدة القاهرة في
11/09/2011 |