رحلة في عالم الحب في السينما العالمية، ترصد أبرز نتاجات الفن السابع التي
توقفت في محطة الحب والرومانسيات العذبة... وهي دعوة للمشاهدة والقراءة...
والاستمتاع.
شخصياً شاهدت هذا العمل أكثر من عشرات المرات، من بينها مرتان على المسرح
في العاصمة البريطانية، حيث - ديرتي دانسنج - بفنها الاستعراضي المسرحي،
الذي يذهب بعيداً في طروحاته ومضامينه، ومن قبلها الاحتراف الرفيع المستوى
وفي جملة القطاعات، وفي مقدمتها رسم الاستعراضات والموسيقى، ومن قبلها لغة
الجسد، وحينما تم تحويل تلك المسرحية الى عمل سينمائي فان أول ما يدهشنا
ذلك الاختيار الذكي للنجم الراقص باتريك سويزي، الذي فقدناه في عام 2009،
بعد صراع طويل مع السرطان، ومشوار حافل بالانجازات السينمائية وان ظل
باتريك، يدهشنا بمقدرته على تطويع جسده حتى وهو في منتصف الخمسينيات، وقبيل
ايام من دخوله مراحل الاحتضار، ظل قادراً على تسخير قدراته الجسدية في جملة
الاعمال التي قدمها.
ولكنه في - ديرتي دانسنج - يؤسس، ويرسخ، ويؤكد بان الجسد حينما يرقص، فهو
الحب.
هكذا وباختصار شديد
هكذا حينما يمتلك مبدع مفاتيح شخصيته ودوره، فانه يحلق ويطير بعيداً في
فضاء الشخصية، يسخر لها كل شيء، فنه، وموهبته.. واقتداره.
واليوم حينما نعود لرصيد ذلك النجم، فاننا نتوقف عند عدد من المحطات، لعل
ابرزها «الشبح» (ذا غوست)، و «ديرتي دانسنج» وفي كل منها، هو الاقتدار بكل
معانيه.
ونذهب الى الفيلم، ولا نريد ان نذهب الى التفاصيل الروائية، بقدر ما نسعى
الى مساحة من الاختصار، لاننا امام عمل روائي متقن الصنع والحرفة، وهذا
يعني ضرورة التوقف عند قوائم المبدعين كل حسب تخصصه ومجاله.
ونتوقف عند الحكاية التي تذهب بنا الى قصة الصبية «فرانسيس «بيبي» هاوسمان
«جينيفر غراي» التي تذهب برفقة عائلتها لقضاء اجازة الصيف في منتجع
«كاتسكلنر» حيث يعمل هناك جوني كاسل «باتريك سويزي» مدربا للرقص يحاول ان
يذهب بعيداً في التعامل مع الجسد والموسيقى، مرحلة تحتاج الى المغامرة،
وتجاوز كل ما هو مألوف وتقليدي ومكرر.
حالة من الرقص، تستنفز الوعي، تفجر براكين الجسد وطاقاته.
صبية تم تجهيزها كي تتزوج من طبيب على طريقة والدها، ولكنها تجد نفسها
منجذبة الى تلك العوالم الخاصة بالرقص.
تذهب الى تلك الجولات اليومية، ولتجد نفسها تذوب في فضاءات الرقص، وايضا
الظروف التي تحيط بمدرب الرقص جوني، حتى انها تكذب على والدها من اجل
الحصول على المال، من اجل مساعدة صديقة جوني على القيام بعملية اجهاض، علما
بان جوني ليس هو الأب.
ومع الايام، تتحول الى شريكة جوني في الرقص والاستعراضات التي يقدمها، وهو
بدوره يعمل على تطوير قدراتها، حتى تتحول تلك الجلسات من التمرينات الى
علاقة حب حميمة، ساخنة، متقدة، بالحوار، وايضا بحب الموسيقى ونبض الجسد
واللهاث وراء تقديم حالة من التكامل الابداعي.
وكأن ذلك الحب وتلك العاطفة، لا تكتمل الا بذلك اللهاث الحميمي للجسد لبلوغ
اقصى درجات التكامل والاحتراف، متجاوزين كل شيء، ظروفهما، وهمومهما
وقضاياهما الشخصية، وانتماءاتهما الاسرية.
وتمضي الاحداث، حيث تمرض صديقة جوني الحامل، ويبادر والد «بيبي» من اجل
انقاذ حياة صديقة جوني.
وهنا يبادر الأب، بان ينصح او يمنع ابنته من التواصل مع تلك المجموعة، لانه
يريدها ان تعيش حالة من الرقي، بعيدا عن تلك الفوضى، والعلاقات العابرة.
وتمضي الرحلة، بين الرقص والرغبة وايضا الحب والتميز والرغبة في التحدي
وتحقيق الذات، كل ذلك وسط اجواء من الاستعراضات التي رسمت بعناية وصممت عبر
كوادر مبدعة، ونجوم ذابت في فضاء المشهديات لتسخر جسدها، الذي تحول الى
قصيدة جميلة في فضاء ذلك الفيلم الجميل.
وفي الحفل الختامي، يعترف جوني بدور «بيبي» في حياته، وايضا النجاحات التي
تحققت، كما يعترف ايضا بحبه الكبير لها.
ونعود الى باتريك سويزي، ذلك النجم الذي عشق الرقص، من خلال والدته باتسي
سويزي مدربة الرقص الاميركية الشهيرة وايضا الراقصة المبدعة وصاحبة المدرسة
المتخصصة في الرقص.
درس الفنون وتفرغ لها، وتزوج من الراقصة الاستعراضية ليزانيمي عام 1975.
خلال مشواره حقق العديد من الاعمال الاستعراضية في المسرح والسينما ايضا،
وتنوعت اعماله، من ابرزها «ديرتي دانسنج 1987» و«شبح 1990» و«بريك بوينت
1991» وغيرها من الاعمال السينمائية التي رسخت حضوره، كنجم ملتزم ومن قبلها
راقص محترف.
اما رفيقته في الفيلم فهي النجمة جنيفر غراي، وكانت بدايتها في هذا الفيلم
امام باتريك سويزي، والذي عادت لتقف امامه في فيلم «ريد داون» ومن اعمالها
«الطريق الى كريسماس» كا شاركت في العديد من الاعمال التلفزيونية من بينها
«أصدقاء».
السيناريو كتبته اليانور برغستين التي عملت في الافراح والسيناريو والانتاج،
وقد اعتمدت على نص مسرحي استعراضي في كتابة هذا العمل السينمائي.
ونصل الى محطة المخرج اميليو اردولينو، الذي توفي عام 1993 بعد ستة اعوام
من انجاز هذا العمل.
وعلى مدى سنوات عمره، قدم العديد من الاعمال السينمائية التي حصدت النجاح
والشهرة، وقد بدأ مشواره في الاعمال الوثائقية والتسجيلية، ونقطة الانطلاق
كانت مع «ديرتي دانسنج عام 1987»، وفي عام 1990 قدم الفيلم الكوميدي «ثلاثة
رجال وطفلة» في عام 1992 قدم «ستراكت» مع النجمة السمراء ووبي غولدبيرغ،
حيث مزج الموسيقى والرقص مع التقاليد الدينية، بعدها حاصره المرض.
ونعود الى فيلم «ديرتي دانسنج» الذي يورط المشاهد في متعة بصرية موسيقية
استعراضية، يتحول الابداع بداخلها الى حالة من التكامل.
وهنا لابد من التوقف امام الموسيقى الاصيلة التي صاغها الموسيقار جون
موريس، وايضا الازياء الجميلة التي صممتها هيلاري روزفيلد وهكذا الامر
بالنسبة الى التصاميم الذكية للاستعراضات.
ورغم ان الفيلم صور على مدى 8 اسابيع، كما جاء في التقارير المرفقة بالملف
الخاص بالفيلم، الا ان من يشاهد العمل، يعتقد بان العمل تم انجازه في وقت
واحد، وذلك للايقاع العالي والمتماسك التي نفذ به، والذي يجعلنا نتحول الى
اجساد ترقص وتتنفس، وتنبض، ويكون الخلاص هو الحب.
فما أروع الحب حينما يرقص الجسد.
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
11/08/2011
صناع السينما نجوم الزمن الجميل
أمينة رزق.. تاريخ سينمائي كامل
القاهرة - أحمد الجندي
إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون
أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف
بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن
العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو
التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية
متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة
المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته
وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة
الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى
بالشعبية.
ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها
ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم
التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم
ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع
السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن
أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال
والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن
وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.
مهما تحدثنا عن «أمينة رزق» فلن نعطيها حقها ولن نوفيها قدرها.. فهذه
الفنانة القديرة والكبيرة تاريخ فني كامل امتد لـ«80 عاما» فأصبحت رمزاً
للفن المصري والعربي.. بدأت مشوارها في المسرح وعمرها لم يتجاوز «13» عاماً
وأصبحت فيما بعد صاحبة تاريخ مسرحي حافل وعملت في كل المجالات الفنية.. وفي
السينما وقفت أمام كاميراتها لـ70 عاماً متواصلة منذ بدايات السينما
الصامتة وحتى النصف الأخير من التسعينيات.. قدمت ما يزيد عن 150 فيلماً
معظمها من أهم أفلام وكلاسيكيات السينما المصرية.. عاصرت طوال مسيرتها
السينمائية كل الأجيال.
رغم انها كانت النجمة والبطلة لأفلامها الأولى إلا انها تحولت بثقة وجرأة
إلى ادوار الأم وكانت في أوج نجوميتها وتألقها في منتصف الأربعينيات. بعدها
قدمت تاريخاً حافلاً بأدوار الأمومة وجسدت شخصيات لا تنسى في أفلام خالدة
وأصبحت أماً لكبار نجوم السينما المصرية بمختلف أجيالها واعتبرها النقاد
والجمهور رمزاً مشرفاً للأم المصرية والعربية.. ورغم انها كإنسانة لم تتزوج
ولم تكن أماً ولم تجرب بشكل حقيقي مشاعر الأمومة. فمن أين أتت بكل هذه
المشاعر وكل هذا الحنان كأشهر ام عرفتها السينما المصرية ؟!! هو سؤال عجز
نقاد السينما وباحثوها عن الإجابة عليه.. لذلك فأن أمينة رزق كانت وستظل
احد عباقرة فن التمثيل المصري والعربي واحد أهم رموز الفن المصري والعربي
وهي بكل تأكيد أم السينما المصرية.
ولدت «أمينة محمد رزق الجفري» وهذا هو اسمها كاملاً في مدينة «طنطا» عاصمة
محافظة الغربية وسط دلتا مصر أما يوم ميلادها فهو 15 ابريل 1910 ولم تذكر
أي مصادر عن أسرتها ولا عن أبيها شيئاً.. هل كان مزارعاً أو تاجراً أو
موظفاً ؟ لا احد يعلم لكن المؤكد ان الأب رحل مبكراً وهذا ما جعل «أمينة»
تترك بلدها مع أسرتها وترحل إلى القاهرة عام 1918 ولم يكن عمرها قد تجاوز 8
سنوات وكان رحيلها نابعاً من رغبة خالتها «أمينة محمد» والتي تكبرها بأعوام
قليلة والتي كانت تهوى الفن والتي أصبحت فيما بعد فنانة مسرحية وسينمائية
معروفة في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات.. وقد خضعت أمينة وهي
الطفلة التي لم تتجاوز الـ8 سنوات لرغبة خالتها وسافرت معها إلى القاهرة
لأن أمينة ايضاً كانت تشاركها حب الفن من خلال ترددها على السيرك وحفلات
المسارح الجوالة التي تقام في طنطا سنوياً أثناء الاحتفال بمولد العارف
بالله سيدي «احمد البدوي».
وفي القاهرة نزلت أمينة مع خالتها في حي «روض الفرج» وكان النزول في هذا
الحي مقصوداً لأنه كان شارع الفن المليء بالفرق الفنية والمسارح حين ذاك
وفي هذا الشارع تفتحت عيون أمينة على هذا العالم الفني المدهش والتحقت
أمينة ومعها خالتها بمدرسة «ضياء الشرق» بحي عابدين وعلى الأرجح إنهما لم
تكملا الدراسة لانشغالهما بالبحث عن وسيلة للرزق ولما كانت خالتها بداخلها
هذه الميول الفنية فقد وجدتا عملاً في فرقة «علي الكسار» الذي كان يقدم
مسرحياته على مسرح «روض الفرج» وشاركت أمينة وهي في فترة مبكرة من حياتها
مع «الكورسي» في فرقة الكسار التي كانت تقدم بعض العروض والاستكشات
الغنائية.
وبعد فترة لم تطول في التجوال بين الفرق الفنية في شارع روض الفرج تأتي أهم
محطة ونقلة فنية في حياتها عندما التحقت بفرقة «رمسيس» التي يملكها ويقدم
عروضها الفنان الكبير يوسف وهبي وكانت هذه النقلة الهائلة سببها الصدفة
البحتة عندما التقت هي وخالتها «أمينة محمد» في رحلة بالقطار مع «احمد
عسكر» سكرتير فرقة رمسيس وعندما علم بحبهما للفن واشتغالهما مع أكثر من
فرقة في روض الفرج قرر ان يقدمهما ليوسف وهبي الذي اسند لهما دورين صغيرين
في مسرحية «ديفيد كوبر فيلد» وكانت المرة الأولى التي تصعد فيها أمينة رزق
على خشبة مسرح رمسيس مع يوسف وهبي الذي أصبح فيما بعد أستاذها ومعلمها
الأول وكان ذلك في منتصف أكتوبر عام 1924.. بعد ذلك أشركها في مسرحية
«راسبوتين» واستطاعت ان تثبت وجودها كممثلة ما جعل يوسف وهبي يعتمدها هي
وخالتها أمينة محمد كفنانتين عضويتين في فرقته مقابل 4 جنيهات شهرياً.
لم يمض وقت طويل إلا وكانت أمينة رزق من أهم ممثلات فرقة رمسيس وتركت
خالتها «أمينة محمد» الفرقة بعد ان اكتشفت ان ابنة أختها أمينة رزق قد
تفوقت عليها وهي الأكبر سنا منها والأكثر موهبة كما كانت تظن. وما هي إلا
شهور قليلة ويحدث خلاف بين يوسف وهبي وبطلة فرقته الفنانة «روز اليوسف»
وتغادر على اثر هذا الخلاف مسرح رمسيس فما كان يوسف وهبي إلا ان اعتمد على
أمينة رزق لتكون بطلة لفرقة رمسيس رغم انها لم يمض على التحاقها بالفرقة
سوى فترة قليلة للغاية وخشيت أمينة رزق من ان تحتل مكان روز اليوسف التي
تعتبرها مثلها الأعلى.. لكن روز اليوسف بما تملكه من أفلام عالية أخبرتها
انها لا ذنب لها في خلافها مع يوسف وهبي وتمنت لأمينة رزق التوفيق كبطلة
جديدة لفرقة رمسيس ومن خلال هذه الفرقة قدمت أمينة رزق العديد والعديد من
المسرحيات على مدى سنوات عديدة وعندما حل يوسف وهبي فرقته انتقلت أمينة إلى
الفرقة القومية للتمثيل التي أصبحت فيما بعد «المسرح القومي» وأمضت أمينة
في مسرح الدولة ما يقرب من 25 عاماً وصنعت خلال هذه السنوات الطويلة
تاريخياً مسرحيات هائلا وحافلا بالعشرات بل المئات من المسرحيات مما لا
يتسع المجال هنا لتناوله بالتفاصيل لكن تكفي الإشارة إلى ان أمينة رزق هي
واحدة من سيدات المسرح المصري وفي مقدمة فناناته الكبار.
وفي عام 1928 كانت بداية عمل أمينة رزق في السينما وكانت السينما المصرية
في مرحلتها الصامتة وكان فيلمها الأول هو «سعاد الغجرية» الذي كان في نفس
العام والتاريخ الذي اشرنا إليه وكان من إنتاج شركة «الفيلم الفني المصري»
وكن يمتلكها ويديرها أجنبيان هما الايطالي «أماديو بوتشيني» والفرنسي «جاك
شوتز» الذي لم يكتف بالمشاركة في إنتاج الفيلم بل قام بإخراجه أيضاً وكان
الفيلم من بطولة فردوس حسن وعبد العزيز خليل. ولم يحقق الفيلم النجاح
الجماهيري المنتظر ونال هجوماً نقدياً لازعاً بسبب سوء مستواه الفني
وتصويره للمرأة المصرية بشكل لا يليق لذلك نالت أمينة رزق نصيبها من لهذا
الهجوم النقد. وهذا ما جعلها تبتعد عن السينما لعدة سنوات. قبل ان تبدأ
بدايتها الحقيقية وكانت من خلال فيلم «أولاد الذوات» أول فيلم ناطق في
السينما المصرية وكان من إنتاج وبطولة يوسف وهبي وإخراج محمد كريم. وحقق
الفيلم نجاحاً هائلاً وحظيت أمينة رزق على إشادة النقاد ما اعتبرته رد
اعتبار لها على مغامرتها الأولى في فيلم سعاد الغجرية التي كانت مع أجانب
تمثيلاً وإشارفاً وإخراجاً وكان هذا الفيلم بالفعل البداية الحقيقية لأمينة
رزق في السينما.
وفي عام 1935 وعندما أراد يوسف وهبي ان يخوض تجربة الإخراج السينمائي قدم
فيلم «الدفاع» وكان من بطولته وإنتاجه واختار أمينة لتشاركه بطولة الفيلم.
والغريب انها لعبت في الفيلم دور الراقصة «فتحية» التي يقع في غرامها كل
الرجال.. والفيلم كان مقتبساً من الرواية الشهيرة «غادة الكاميليا» وأدهش
دور أمينة رزق النقاد الذين اعتادوا عليها في الأدوار المسرحية الوقورة وهي
هنا في هذا الفيلم تثبت انها أنثى قادرة على الرقص والحب وثارة الرجال ولكن
رغم ذلك أثنى النقاد على أدائها في الفيلم واعتبره استكمالاً لنجاحها في
فيلم «أولاد الذوات».. بعدها انطلقت أمينة رزق سينمائياً لتقدم خلال الفترة
المتبقية من الثلاثينيات ثلاثة أفلام أخرى هي «ساعة التنفيذ» 1938 من إنتاج
وبطولة وإخراج يوسف وهبي «قيس وليلى» 1939 شاركها البطولة بدر لاما وأخرجه
شقيقه إبراهيم لاما والفيلم الثالث حمل اسم «الدكتور» وشاركها البطولة
سليمان نجيب وكان الإخراج لنيازي مصطفي وكان هذا عام 1939 أيضاً.
نأتي إلى حقبة الأربعينيات في مشوار أمينة رزق السينمائي التي كانت حقبة
زاخرة بالإحداث وبايتها بفيلم «قلب امرآة» 1940 مع المخرج توجو مزراحي.
وقدمت خلال هذه الحقبة «22» فيلماً وحاولت خلال هذه الحقبة أيضاً ان تخوض
تجربة الإنتاج السينمائي لتحذو حذو فنانات مصر المنتجات أمثال آسيا وفاطمة
رشدي وعزيزة أمير وبهيجة حافظ فتشارك في انتاج فيلم «قبلة في لبنان» عام
1945 وتؤسس شركتها للإنتاج السينمائي وتنتج فيلم «ضحايا المدينة» 1946
وقامت ببطولته وشاركها البطولة يحيى شاهين وأخرجه نيازي مصطفى.
وخلال هذه الحقبة تبلغ أمينة رزق مرحلة النضج الفني وتتنوع أدوارها ما بين
الفيلم البدوي مع المطرب محمد الكحلاوي في فيلم «أحكام العرب» عام 1947 وما
بين الأدوار الاجتماعية كما في أفلام «البؤساء» 1943 مع المخرج كمال سليم
والمأخوذ من الرواية العالمية الشهيرة التي تحمل نفس الاسم للأديب الفرنسي
«فيكتور هوجو» كما جسدت دور الزوجة والحبيبة لكن يظل أهم ما في هذه المرحلة
هو بداية تجسيدها لدور الأم وكان هذا في فيلمين من أهم أفلام هذه الحقبة هي
«الأم» 1945 مع المخرج عمر جميعي- و«ليلى في الظلام» مع توجو مزراحي عام
1944 ومن أشهر أفلام أمينة رزق خلال هذه المرحلة «قلب امرأة» عام 1940 مع
المخرج توجو مزراحي- «عاصفة على الريف» 1941 من إخراج احمد بدرخان «أولاد
الفقراء» 1942 بطولة وإخراج يوسف وهبي - «كليوبترا» 1943 مع المخرج إبراهيم
لاما «الطريق المستقيم» وهو من أفلامها المهمة التي جسدت خلالها دور الأم
في هذه المرحلة من مشوارها السينمائي وشاركها بطولته يوسف وهبي وأخرجه توجو
مزراحي عام 1943 «برلنتي» 1944 بطولة وإنتاج يوسف وهبي «ملائكة في جهنم»
1947 مع المخرج حسن الإمام «السعادة المحرمة» 1948 مع المخرج السيد زيادة
وشاركها بطولة هذا الفيلم محسن سرحان واختتمت هذه المرحلة بفيلمين مع
المخرج احمد كامل مرسي عام 1949 الأول كان يشاركها بطولته سليمان نجيب أما
الفيلم الثاني فحمل اسم «كل بيت له راجل» وكان من الأفلام القليلة للغاية
التي لعب فيها محمود المليجي دور البطولة المطلقة.
ونأتي إلى حقبة الخمسينيات والتي تعد من أهم المراحل السينمائية في مشوارها
السينمائي الذي امتد لما يقرب من 70 عاماً متواصلة قدمت خلاله ما يقرب من
150 فيلماً. لنرى ان دور الأم التي قدمته في سن مبكرة من عمرها وفي أفلام
الأربعينيات مع المخرجين أمثال عمر جميعي وتوجو مزراحي قد ترسخ أكثر خلال
هذه المرحلة وهي تعد من الممثلات المتفردات في السينما المصرية اللواتي
دخلن الى ادوار الأمومة في سن مبكرة واقتحمت هذه الأدوار بجرأة لم نعهدها
في ممثلات ونجمات كثيرات غيرها. وهذا الدخول المبكر في مرحلة الأمومة جعلنا
ربما من الصعب ان نقسم أدوارها الى مراحل سنية فهي ومنذ البدايات المبكرة
جداً نراها محاطة في أدوراها وأفلامها بأطفالها ثم بعد ذلك نراها أم الشباب
وشابات ثم أما لرجال وسيدات وبدأ هذا التطور الطبيعي لادوار الأم التي
قدمتها خلال مسيرتها السينمائية أشبه بأنها تمثل دورها الطبيعي في الحياة
مثل أي امرأة تبدأ مراحل الأمومة الأولى وهي أم لأطفال ثم شباب ثم رجل وبعد
ذلك تصبح أماً لأحفاد !! وهكذا أخلقت أمينة رزق بقدرتها على الطبيعة في
الأداء وبحنانها الصادق الصافي نموذجاً منفرداً للأم المصرية والعربية على
شاشة السينما وهذا ما جعل النقاد يرونها الأم الأولى في السينما المصرية أو
«أم السينما المصرية».
ومن أشهر أفلامها خلال حقبة الخمسينيات «مصطفى كامل» 1952 مع المخرج احمد
بدرخان- «قلبي على ولدي» مع بركات- «حب في الظلام» مع حسن الإمام- «بائعة
الخبز» من إخراج حسن الإمام أيضاً والأفلام الثلاثة عام 1953-«أربع بنات
وضابط» بطولة وإخراج أنور وجدي عام 1954-«أين عمري» 1956 مع المخرج احمد
ضياء الدين- «صوت من الماضي» مع المخرج عاطف سالم- واختتمت هذه المرحلة
بواحد من أهم أدوارها على شاشة السينما في واحد من أهم أفلام السينما
المصرية وهو فيلم «دعاء الكروان» 1959 مع المخرج بركات.. وفي هذا الفيلم
الذي يعد من كلاسيكيات السينما تقدم أمينة رزق دور أم من منطقة بدوية تعاني
من قسوة الحياة والظروف وهي تحاول حماية ابنتيها اللتين في سن الشباب ويرى
النقاد ان أمينة رزق في هذا الفيلم وصلت بأدائها إلى درجة غير طبيعية من
الصدق والأستاذية رغم الميلودراما التي صبغت دورها وتجلت كل العناصر التي
جسدتها في مرحلة الأمومة منذ منتصف الأربعينيات وحتى آخر أفلامها في أدائها
لدورها في هذا الفيلم.
وكما ختمت الخمسينيات بهذا الفيلم الرائع الأسطوري نراها تفتح حقيبة
الستينات بأحد أهم أدوارها السينمائية أيضاً وذلك من خلال واحد من
كلاسيكيات السينما المصرية «بداية ونهاية» 1960 الذي أخرجه صلاح أبو سيف عن
رواية شهيرة لنجيب محفوظ.. في هذا الفيلم نجد أمينة رزق أماً لأربعة من
الأبناء ثلاثة شباب وفتاة وتواجه الأسرة التي تقودها الأم بعد رحيل الأب
قسوة الحياة وانعطافاتها القاسية ويتأرجح أداء أمينة في هذا الفيلم بين
القوة والضعف. الإيجاب والسلب فهي وان كانت تحاول تحمل صعاب الحياة وقسوتها
وتساير الظروف إلا انها تفشل في اكتشاف طبيعة أبنائها ما يجعلها تواجه
مصائر غامضة لهؤلاء الأبناء وفي هذا الفيلم أيضاً بلغت أمينة رزق القمة في
الأداء وهي غارقة في أجواء ميلودراما قاسية فرضتها الأحداث فتأرجحت بعبقرية
بين قمة القوة الي قمة الضعف والسلبية والعكس ويرى النقاد ان دورها في هذا
الفيلم لا يقدر عليه سوى ممثلة كبيرة وقديرة.
ونستعرض سريعاً أهم أفلامها خلال الستينيات لنرى أفلاماً مثل «نهر الحب»
1960مع عز الدين ذو الفقار- «مولد مع الماضي» 1961 من إخراج محمود ذو
الفقار- «التلميذة» 1961 مع حسن الإمام- «الشموع السوداء» 1962من إخراج عز
الدين ذو الفقار- «كلهم أولادي» 1962 للمخرج احمد ضياء الدين- «رسالة من
امرأة» 1962 لصلاح أبو سيف- «شفيقة القبطية» 1963مع حسن الإمام- «حكاية
جواز» 1964 مع المخرج حسن الصيفي- «أرملة وثلاث بنات» من إخراج جلال
الشرقاوي- «المماليك» مع المخرج عاطف سالم- «الوديعة» من إخراج حسين حلمي
المهندس. والأفلام الثلاثة عام 1965 «-شيطان الليل» 1966 مع نيازي مصطفى-
وتختتم هذه المرحلة بواحد من أهم أفلامها أيضاً ومن أهم الأفلام المصرية
وهو «قنديل أم هاشم» الذي أخرجه عام 1968 كمال عطية وقام ببطولته شكري
سرحان وسميرة احمد وكان الفيلم مأخوذاً عن واحدة من أشهر روايات الكاتب
الكبير يحيى حقي.
هنا لابد ان نتوقف قليلاً لنشير إلى القدرة الفنية لهذه الفنانة الكبيرة..
فعندما تحولت إلى ادوار الأم في متصف الأربعينيات. كانت تؤدي أمام الكاميرا
أداء مسرحياً عنيفاً خصوصاً في الأجواء الميلودارجية للإحداث.. وبنفسها
ودون أشارة من احد تنبهت أمينة رزق لخطر هذه الأداء في السينما وعلى
شاشاتها.. وبدأت تغير تماماً من نمط أدائها وتحولت إلى الهدوء والرصانة
وساعدها على ذلك ملامحها ورقتها التي اعتبرت من مظاهر المرأة المصرية
الحنونة ثم اكتسبت هذه الملامح بروح شفافة أكسبتها المصداقية لأدوارها..
وقد ارجع النقاد وبراعتها في أداء ادوار الميلودرما إلى فهمها الدقيق
للشخصية المصرية والعربية واستيعابها لتفاصيل الوجدان الشعبي المليء بروافد
الحزن كما يعكسها الفولكور المصري. بجميع أشكاله الفنية وهو بالطبع حزن
نبيل غاية في النبل لأنه يجدد النفس ويطهرها ويفتح مداركها ويعيدها إلى
منابع الإنسانية التي تطمسها الإحداث اليومية.
ونأتي الآن إلى مرحلة وحقبة السبعينيات لنرى انها وكما اعتادت طوال مسيرتها
في تجسيد ادوار الأم تحرص على التنوع الشديد في الأدوار. صحيح انها في كل
الحالات أم.. لكنها مختلفة تماماً في دور إلى أخر فهي الأم الارستقراطية
أحيانا.. الفقيرة في أحيان أخرى.. ومرة هي الأم القوية المسيطرة ومرة هي
الأم الضعيفة المستسلمة لأقدارها وفي كل هذه الحالات والأجواء والبيئات
والثقافة مختلفة ومتباينة وكما أنهت حقبة الستينيات بفيلمها الشهير «قنديل
أم هاشم» تبدأ السبعينيات بواحد من أهم أدوارها عندما جسدت شخصية «حليمة
السعدية» مرضعة الرسول «صلى الله عليه وسلم» في الفيلم الشهير «الشيماء»
عام 1972 مع المخرج حسام الدين مصطفى والنجوم احمد مظهر وسميرة احمد التي
جسدت شخصية «الشيماء» وكانت أمينة رزق في هذا الدور تدرك أهمية الشخصية
التي تجسدها. فأكسبتها أبعاداً روحية شفافة وجوانب نورانية تليق بالشخصية
وظهر هذا واضحاً على الشاشة ما يدل على تمتعها ببراعة فائقة في فهم أبعاد
وتفاصيل شخصياتها.. ومن أهم أفلامها خلال هذه المرحلة «بمبة كشر» 1974 مع
المخرج حسن الإمام «أخواته البنات» 1976 مع بركات- «لا وقت للدموع» 1976
«الشياطين» 1977 مع حسام الدين مصطفى- «السقا مات» 1944 مع صرح أبو سيف-
«المجرم» 1978 مع أبو سيف أيضاً وبالطبع هناك الفيلم الشهير «أريد حلاً»
عام 1975 مع بركات وفاتن حمامة ورشدي أباظة. وقدمت خلاله دوراً لم يتجاوز
على الشاشة سوى «4» دقائق جسدت خلال هذه الدقائق القليلة دور زوجة وأم
تواجه قسوة المجتمع والظروف الصعبة والجحود والإهمال وقد نالت عن هذا الدور
الصغير التي جسدته بعبقرية فائقة جائزة الدولة في التمثيل.
وفي المرحلة الأخيرة من هذا المشوار السينمائي الحافل الطويل لهذه الفنانة
القديرة والذي استمر طوال الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات تقريباً نرى
أمينة رزق حريصة بشدة على تنوع أدوارها والأداء العبقري لها فنرها في فيلم
«أمهات في المنفى» 1981 مع المخرج محمد راضي وفيلم «الطوفان» 1985 من تأليف
وإخراج بشير الديك.الأم التي تواجه جحود الأبناء ونكرانهم فتعاني الإهمال
وتموت في النهاية ويقتلها الأبناء في الفيلم الثاني..وتغير بوصلتها تماماً
عندما تقدم أداء كوميدياً راقياً ومفاجئاً ازهل النقاد وهي تجسد شخصية «أم
محمود حميدة» تلك السيدة الفقيرة التي تواجه قسوة الحياة بسخرية لازعة وذلك
في فيلم «قشر البندق» 1994 مع المخرج خيري بشارة.. ونفس الأداء الكوميدي
وهي أم لـ«راغدة» تلك الفتاة الشرسة وذلك في فيلم «استاكوزا» مع المخرجة
إيناس الدغيدي عام 1996 والفيلم رؤية عصرية لرائعة شكسبير «ترويض النمرة»
وكانت أمينة رزق هنا أم ارستقراطية ثرية تعمل سيدة أعمال وشتان بين
الشخصيتين التي لم يجمعهما إلا الأداء الكوميدي العبقري لأمنية رزق.. ومن
أهم أفلامها خلال هذه المرحلة الأخيرة من مشوارها السينمائي «العار» 1985
مع محمد راضي- «التوت والنبوت» 1986 مع نيازي مصطفى- «الأنثى» 1986 من
إخراج حسين الوكيل- «صراع الأحفاد» 1989 مع المخرج عبد اللطيف ذكي وكانت في
هذا الفيلم «الجدة» لعدد من الأحفاد منهم نور الشريف وصلاح السعدني-
«المولد» و«الكيت كات» 1991 مع داود عبد السيد وهو من أهم أفلامها الأخيرة
وكانت أماً لمحمود عبد العزيز الذي يعد هذا الفيلم من أهم أفلامه- «ارض
الأحلام» 1993 مع داود عبد السيد أيضاً- «ناصر 56» 1996 مع المخرج محمد
فاضل.
وفي أعوامها الأخيرة وحتى وفاتها في عام 2003 قدمت أمينة رزق عدداً من
أدوارها التلفزيونية وابتعدت عن السينما بعد مشوار حافل بها استمر «70»
عاماً قدمت خلاله رصيداً وتاريخاً سينمائياً حافلاً.. كما قدمت تاريخاً
مسرحياً وإذاعياً حافلاً لتكون من القلائل أصحاب التاريخ الطويل في كل
المجالات الفنية. ولتصبح أمينة رزق رمزاً من رموز الفن المصري والعربي عاشت
له ولم تنشغل بغيره فهي لم تتزوج ولم تكن أماً رغم كل عبقريتها في ادوار
الأمومة.. وأصبحت أمينة رزق مدرسة فنية قائمة بذاتها اعتمدت خلالها على
الإخلاص لفنها والبساطة في أدائها.. وقد حصلت على عدد لا يعد ولا يحصى من
الجوائز والأوسمة والتكريمات طوال مشوارها الفني الطويل وكانت عضواً في
مجلس الشورى المصري.. لكنها اعتبرت حب الناس واحترامهم لها أهم جائزة
وتكريم حصلت عليه في مسيرتها الفنية الطويلة.
النهار الكويتية في
11/08/2011 |