رحلة في عالم الحب في السينما العالمية، ترصد أبرز نتاجات الفن السابع التي
توقفت في محطة الحب والرومانسيات العذبة... وهي دعوة للمشاهدة والقراءة...
والاستمتاع.
اي حب ذلك الذي جاءت به المخرجة النيوزيلندية جين كامبيون لتدهش به العالم
وهي تتعاطى مع موضوع الحب من منظور الخلاص من صمت الذات - عبر حكاية تحمل
الكثير من الدلالات - فالصمت والخرس القدري لا يعني صمت الاحاسيس والوجدان
والمشاعر، وعلى خلفية ذلك الصمت الاكبر يأتي الحب ليعصف بكل شيء حيث البوح
بلا حدود والانعتاق بلا قيود هكذا هو فيلم «بيانو» او درس بيانو.
لقد ذهبت لتقديم هذا الفيلم ضمن هذه السلسلة، لما يحمله من مضامين وقيم درس
بيانو أو بيانو لاعتبارات عدة، لعل في مقدمتها، انه الفيلم الذي منح اول
امرأة جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينما الدولي وكان ذلك عام 1993،
واتذكر جيدا، يوم عرض ذلك الفيلم في القاعة الكبرى في قصر المهرجانات
بمدينة كان، وما انتهى الفيلم حتى صرخ عدد من النقاد دفعة واحدة «بالم
دور»، اي السعفة الذهبية.
بالإضافة الى القيمة الفنية والفكرية العالية المستوى، حتى استطاعت تلك
القادمة من عوالم المسرح في نيوزيلندا ان «تنطق الصمت» عبر الشخصية
المحورية التي جسدتها النجمة الاميركية هولي هنتر في تلك التحفة
السينمائية.
وقبيل الفيلم، نعرج الى المخرجة جين كامبيون، تلك المبدعة التي حطت رحالها
اولا في عالم المسرح ومنه الى الفنون التشكيلية ومن ثم السينما، حيث عمرت
بخلفية صقلتها الايام والتجارب والبحث الدؤوب عن النصوص والشخصيات التي
ابدعها صناع الادب الكبار، لترحل الى عوالمهم، تدهشنا بقراءتها للنصوص
وحرفيتها في استنباط المعاني وتفعيل الدلالات ومنها قيم فكرية وابداعية
أشمل وأبعد وأخصب.
في مسيرة تلك النيوزيلندية عدد مهم من الاعمال ومنها «بورترية» و«النجمة
الساطعة» وغيرها من التحف، التي راحت كل منها تؤكد حضورها، وبصمتها ولغتها
السينمائية التي تذهب بعيدا في لغة التحليل.
ونذهب الى حيث الفيلم واحداثه الذي تبدأ مشهدياته في العام 1850، مع وصول
امرأة اسكتلندية (صامتة) ومعها ابنتها (فلورا) الى سواحل نيوزيلندا، وسط
اجواء معتمة، ضبابية، مقرونة بصقيع البرودة في شتاء تلك المستعمرة
البريطانية السابقة.
لا شيء يميز تلك المرأة سوى صمتها وابنتها، وايضا آلة (البيانو) التي
حملتها معها كل تلك المسافات البعيدة، من اجل الوصول الى نيوزيلندا، حيث
ستتزوج من رجل ثري نيوزيلندي هو (سيتوارت) ويجسده (الاسترالي سام نيل).
وهو (سيتوارت) من اصول انكليزية استوطن تلك الاراضي الجديدة، وتم ترتيب
امور زواجهما المرتقب من خلال والده، بعد رحيل زوجها الموسيقي، الذي ترك
لها ابنة (فلورا - تقدمها وبتميز كبير الممثلة الشابة آنا باكوين).
ومع وصولها يكون باستقبالها زوجها المرتقب (سيتوارت) ومعه كم من العالمين
في املاكه ومصالحه من سكان نيوزيلندا الاصليين ويطلق عليهم (الماوريون)،
ويرافقه في رحلة استقبالها جاره القاسي الملامح، ذو الاصول الماورية جورج
(يقدم الشخصية النجم القدير هارفي كتيل) والذي يتميز بكمية الوشم الذي يغطي
ملامحه وجسده، وهو يعود الى معتقدات اثنية ماورية (نسبته الى السكان
الاصليين) ولكنه في الحين ذاته، يظل صامتا، الاماندر، عبر نظرات وتعابير
تعطي اشارات ومواقف واضحة من هذا الموضوع وتلك القضية، خصوصا، حينما يعلن
الزوج (ستيوارت) ان البيانو - ثقيل ولايمكن حمله كل تلك المسافات
والمرتفعات لبلوغ منزله، ولهذا يود سيتوارت ان تمضي القافلة، من دون
«البيانو» وهنا تحسن «آدا هولي هنتر» المرأة الصامتة، انها فقدت قلبها،
وايضا شيئاً من علاقتها مع الرجل الجديد في حياتها، وكان ذلك الموقف وذلك
الاستقبال وترك اعز ما تملك، هو ايذان بما هو قادم من مواقف وايام ولحظات،
خصوصا، وان البيانو يترك تحت المطر تضربه الريح والامواج، وكانت امام
مؤشرات لما ستصل اليه حالة صاحبته، التي دخلت ومنذ طفولتها الاولى في مرحلة
من الصمت بحثا عن امل، وحب، وحياة جديدة.
ولكن الايام تقود (آدا الى ديار الغربة، هنالك في اقصى الاراضي، بعيدا عن
ارضها، ووطنها وحتى قارتها.
وحينما يأتي قرار الرحيل الذكوري الذي اقره (ستيوارت) وترك ذلك البيانو،
يأتي رفض وصراخ (ادا) الصامت، والذي يتحول الى كلمات تكتبها تارة وتغنيها
تارة اخرى ابنتها «فلورا».
ولكن حينما تأتي الاوامر، لا مجال الا لمزيد من الصمت والغرق داخل الذات،
بل ان زوجها يذهب بعيدا، حينما يقوم ببيع ذلك البيانو الى جاره (جورج ذو
الاصول الماورية) والذي يتحمل الكثير من اجل نقل ذلك البيانو لان جورج
اكتشف تلك العلاقات التي تربط بين تلك السيدة الصامتة (آدا) وبين البيانو،
في حين لم يفهم زوجها سيتوارت مثل ذلك الأمر.
وهنا تذهب «آدا» بعيداً في تعاملها مع زوجها، حيث القسوة المفرطة وايضاً
عدم الاهتمام به، بعد قراره الجاهل والخالي من الاحاسيس لطبيعة العلاقة
التي تربط زوجته الصامتة مع هذه الآلة التي تبعث الحياة والنغم.. والامل.
ويوم بعد آخر، تبدأ «آدا» بالذهاب الى جارها «جورج باينس» من اجل ان يأخذها
الى البيانو لتعزف عليه، لانها لم تعرف أي معنى للحياة، وعبر الاشارة تارة
وعبر الحس الجياش تارة أخرى، توصل «آدا» تلك الاحاسيس الى «جورج» الذي
يحملها الى حلمها الضائع الى «البيانو».
وتبدأ العزف لتحلق في فضاءات النغم تعيش لحظة اللقاء مع آلة البيانو وكأنه
الحبيب والعشيق والأمل والحلم، في اللحظة ذاتها يسري النغم الى كيان ذلك
الجار القاسي الملامح، الذي لم يعرف الحب.. والنغم.
وهنا يطلب منها ان تعطيه دروساً في العزف سرعان ما تتطور الى ابعاد ومضامين
جديدة، حيث يعرف ذلك الجار مكانة «البيانو» عند جارته الصامتة، ليبدأ
بتقديم عروضه الاغوائية الجنسية الملامح، فهو يريدها جسداً مقابل ان يعيد
لها البيانو، وهي ترفض ذلك الامر وهنا يعيد بلورة مضامين جديدة لطلبه
الاساسي، وهو الجسد حيث يبدأ منحها في كل لقاء يتم بينهما احد المفاتيح
الصوتية للبيانو، ونفهم ان كل اتصال جسدي يقابله احد المفاتيح فالى أي بعد
والى أي تضحيات تذهب تلك المرأة الصامتة من اجل استعادة البيانو الذي تحبه
والذي فرط به زوجها الجديد، ليلقي بها الى متاهات لعبة جديدة، تتنازل
خلالها عن الجسد مقابل الامل، والجسد مقابل الحلم.. والجسد مقابل النغم.
ولكن ذلك الاتصال يتطور حيث نبدأ باكتشاف الاحاسيس الجميلة في نفس ذلك
الجار، الذي يتجاوز لغة «الجسد» الى لغة الحس والانتظار والترقب، ويدخل الى
عوالم تلك المرأة الصامتة، التي تسحره بصمتها وارادتها في الثبات والتضحية.
ومع تداعي المشهديات وتطور العلاقة يبدأ في المقابل غضب زوجها «ستيوارت»
بالذات حينما يتفجر الشك بداخله، بل حينما يتأكد من ذلك الشك، وعندها يقوم
بقطع احد اصابع زوجته «آدا» وفي واحد من اكثر المشاهد اثارة وقسوة وايضاً
تحدي من قبل الزوجة وحينما لا يفلح ذلك العقاب يواصل قسوته، وهي لا تلتفت
الى كل ذلك، لانها تعيش عوالمها الداخلية، من صوت ونغم.
وتصل الى المشاهد الاخيرة، حينما تحصل «آدا» على البيانو فتقرر ان تحمله
معها الى البحر، وهناك تقوم بما يحقق حلمها الاكبر، حيث ترمي بذلك البيانو
الى عرض البحر، ولكن بعد ان تكون قد ربطت قدمها به، ليسحبها الى قاع البحر،
هناك حيث تبدأ بعض المفردات الهامسة، وكأنها تبكيه وتبكي نفسها وتاريخها
واحلامها الماضية، وحينما نعلم بانه استقر في قاع البحر وبلا رجعة، تبدأ
بفك الرباط عن قدمها، لتنطلق صعوداً الى حياة جديدة، مع ابنتها فلورا
وصديقها «جورج» الذي جعلته يحب الحياة والنغم، ويحبها كما احب صمتها
وعوالمها التي يفهمها زوجها السابق.
سينما ذات ملامح خاصة وسينما ذات اجواء خاصة وسينما ذات فكر خاص.
وأداء رفيع المستوى، للنجمة هولي هنتر وهي تتقمص شخصية «آدا» الصامتة وعن
هذا الدور فازت بالاوسكار، كما هو شأن الطفلة «فلورا - آنا باكوين» والتي
فازت هي الأخرى باوسكار افضل ممثلة مساعدة.
ورغم قسوة الشخصية التي قدمها سام نيل «الزوج» الا ان حضوره كان ايجابياً
في تقمص تلك الشخصية القاسية، والتي تأتي ضمن السياق العام للاحداث
والشخصيات المحددة والتي تحمل كل منها دلالات ومعاني كبيرة وكثيرة.
سيناريو بواقع وحرفية اخراجية عالية المستوى تصدت لها النيوزلندية المقتدرة
«جين كامبيون» حيث استطاعت ان تؤمن لهذه التجربة السينمائية كم من المعطيات
التي تضافرت لتصنع تحفة.
تحفة كل المبدعين الذين شاركوا بها، اضافوا بصمات كبيرة لها، ومنهم
الموسيقار «مايكل نيمان» الذي صاغ معالجة موسيقية ظل البيانو محورها
الاساسي.
ويبقى أن نقول...
فيلم «درس بيانو» حينما ينطق الصمت وحينما تنتفض الاحاسيس لتفجر المعاني
الكبيرة عبر الحس والرغبه والكلمة.
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
01/08/2011
صناع السينما نجوم الزمن الجميل (1- 26)
يوسف وهبي .. فنان الشعب
القاهرة - أحمد الجندي
إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون
أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف
بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن
العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو
التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية
متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة
المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته
وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة
الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى
بالشعبية.
ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها
ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم
التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم
ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع
السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن
أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال
والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن
وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.
قالوا عنه: «مبعوث العناية الالهية لانقاذ فن التمثيل» ووصفوه بأنه «الفنان
المؤسسة» وصاحب مدرسة فنية قائمة بذاتها والرجل مسرح لكل العصور وانه من
أكثر الفنانين تأثيرا في حركة وتاريخ الفن المصري كله.. وحمل ألقاب «عميد
المسرح العربي» و«فنان الشعب» وهي ألقاب رسمية صدرت من جهات فنية وثقافية
انه الكبير والقدير يوسف وهبي «ابن الذوات» الذي تمرد على عائلته
الارستقراطورية وترك حياة العز والرفاهية من اجل الفن الذي أحبه وتعلق به
وقت أن كان الفنان أو الممثل اقل فئات المجتمع احتراماً ومهنة لا تشرف
صاحبها.. تحمل الكثير من المتاعب والعقبات لكن كابر وكافح واجتهد حتى جعل
مهنة الفن من أكثر المهن احتراماً ويحصل على رتبة «الباكوية» من الملك
فاروق ويصبح «يوسف بك وهبي».
واذا كان الجميع يعرف عن انه في مقدمة مؤسسي المسرح العربي الحديث ومن أهم
صانعي نهضته فربما لا يعرف الكثيرون أن يوسف وهبي من كبار صناع ومؤسسي
السينما المصرية.. فهو صاحب أول ستديو تصوير سينمائي «رمسيس» وهو صاخب
الأفلام التي شكلت البواكير الأولى للسينما المصرية.. وصاحب كم كبير من
الأفلام وسجل سينمائي حافل انتاجاً وتأليفاً وتمثيلاً واخراجاً فهو كان
مؤسسة سينمائية قائمة بذاتها وهو في النهاية تاريخ حافل بالأحداث والنجاحات
امتد لما يزيد عن 40عاماً ما شكلت الحلقات الأهم في حركة الفن المصري.
ولد «يوسف عبدالله وهبي» يوم 14يونيو عام 1898 بمحافظة الفيوم لأسرة
ارستقراطية ثرية وكان الابن الأصغر للأسرة حيث سبقه 5 أخوة ذكور هم عباس-
عثمان- محمد - محمود- اسماعيل، وأخذا اسمه من اسم نهر شهير في محافظة
الفيوم اسمه «بحر يوسف» أما الأب فهو «عبدالله باشا وهبي» وكان يعمل كبيرا
لمهندسي الري في صعيد مصر والأم هي «شفيقة هانم فهمي» ابنة «علي باشا فهمي»
وبدأ يوسف تعليمه في «كتاب العسيلي» في الفيوم بحكم ما كان شائعا في ذاك
الزمن حيث كان الكتاب محو أول مراحل التعليم ولم يمكث الطفل الصغير يوسف
طويلا في الفيوم حيث انتقلت الأسرة جميعها -وبحكم عمل الوالد- محافظة سوهاج
في صعيد مصر والتحق يوسف هناك بمدرية سوهاج الابتدائية واظهر نبوغاً مبكراً
في دراسته وهو في هذه السن المبكرة.. لكن الشيء الذي فتح وعيه على عالماً
مختلفاً تماماً سيصبح في ما بعد هو كل عالمه الذي سيقضي فيه عمره كله، كان
حضور فرقة جوالة للتمثيل الى مدينة سوهاج وهي فرقة «سليم قرداحي» وكان
فناناً لبنانياً يطوف بفرقته محافظات مصر.
حضر هذا الفنان اللبناني الى قصر عبدالله باشا وهبي يدعوه هو وعائلته
وأصدقاءه من أعيان سوهاج لمشاهدة عرض الفرقة ولبى الأب الدعوة وكانت المرة
الأولى الذي يشاهد فيها يوسف هذا الفن وفي مذكراته التي صدرت في السبعينيات
في عدة أجزاء وحملت عنوان «عشت ألف عام» يقول يوسف وهبي «في تلك الليلة
ولدت في هواية التمثيل- لم انم قبل أن اعلق على عامود في سريري ملاءة
واعتبرتها ستار المسرح.. أنها ليلة لن أنساها فقد غيرت مجرى حياتي.. ليلة
مولد حب الفن في أعماقي ومن يومها بدأ يوسف يقلد الشخصيات التي كانت تعرضها
فرق التمثيل الجوالة التي كانت تأتي الى محافظة سوهاج مثل شخصيات «عطيل»
و«رميو» وغيرهما.
ولم تطل اقامة أسرة عبدالله باشا وهبي في سوهاج فسرعان ما انتقلت الى
القاهرة بعد أن ترقى الوالد وأصبح كبير مهندس الري في عموم القطر المصر
كله.. واستقرت الأسرة في منزل بحي «المنيرة» وهو هي الأسر الثرية
والارستقراطية في ذاك الزمان.. والتحق يوسف بمدرسة عابدين الابتدائية وفي
هذه المدرسة تعرف على صديق طفولته «محمد كريم» الذي سيصبح فيما بعد المخرج
السينمائي الشهير محمد كريم والتي امتدت صداقتهما عمرهما كله.
التقت هواية يوسف مع هواية صديقه فكان كريم مغرما بالسينما ومعه عرف يوسف
مشاهدة الأفلام القصيرة الصامتة التي كانت هي الموجودة حينها فلم تكن
السينما وقتها ناطقة أو عرفت الأفلام الطويلة وبدأ يوسف وكريم ومن خلال
مداولتهما على الأفلام في سينما رويال وأولمبيا القريبة من سكنيهما متابعة
كل ما يكتب عن السينما وكان يعلقا أفيشات الأفلام في غرفة نومهما وتعلقا
بنجوم السينما الأجانب في ذات الوقت جون سنكلر وتفولا كارتر.
ومع مرور السنوات بدأت موهبة وحب الفن بداخله تكبر وتعلم العزف على البيانو
من شقيقه الأكبر محمود وهبي وتعلم دروس الموسيقى من كبار الموسيقيين الذين
كانوا يأتون الى منزله لان الوالد كان من هواة الموسيقي.. وحصل يوسف على
الشهادة الابتدائية وانتقل الى مدرسة السعيدية الثانوية وهناك التقي بصديق
جديد جمعهما حب الفن والتمثيل هو مختار عثمان وكان مثله ينتمي لعائلة ثرية
وفي هذه المدرسة التقي بالعديد من الأصدقاء الذين أصبحوا من المشاهير مثل
الشاعر عزيز أباظة والكاتب والمفكر فكري أباظة وبدأ الثلاثي محمد كريم
ومختار عثمان ويوسف وهبي التردد على مسارح وكازينوهات شارع عماد الدين الذي
كان شارع الفن في ذاك الزمان ليتعلق يوسف أكثر وأكثر بهذا الفن ويدرك أن
هذا العالم هو عالمه ومستقبله كله.
واثناء مشاهدته لعروض الفرق المسرحية في شارع عماد الدين تعرف يوسف وهبي
على عدد من الفنانين الشباب وقتها أمثال حسن فايق وسليمان نجيب ومحمد توفيق
وبدأ يكتب ويلحن الاسكتشات الاستعراضية التي تقدم في بعض حفلات السمر
والتحق بعدها بفرقة أنصار التمثيل وشارك في بعض عروضها ثم تعرف على الممثل
محمد عبدالقدوس زوج السيدة روزاليوسف الممثلة المشهورة في ذلك الوقت بفرقة
عزيز عيد الذي ضمه الى فرقته وقدم معها أولى مسرحياته بشكل احترافي وكانت
مسرحية «جنجل وبوبو» وقبلها كان قد قدم دور عجوز في السبعينية وهو أول
أدواره على المسرح في مسرحية العرائس التي قدمتها فرقة هواة التمثيل.
من هذا التاريخ بدا يوسف يشق طريقه في عالم الفن والتمثيل وهو سعيد
بانتمائه الى العالم الذي يحبه لكن السعادة لم تكتمل فسرعان ما عرفت عائلته
بما يفعله فقد كانت كل مشاركته الفنية سراً وبعيداً عن أعين الأسرة.. فما
كان من الأب الارستقراطي الا أن أرسله الى مدرسة الزراعة بمشتهر وهي مدينة
بعيدة عن القاهرة حتى يبعد ابنه عن الفن لأن ذلك يعتبراً عاراً على الأسرة
العريقة فمهنة التمثيل في ذاك الزمان كانت من المهن التي لا تشرف أصحابها
وكانوا يطلقون على الممثل لقب «المشخصاتي» وكانت الأسرة لا تزوج بناتها من
هؤلاء المشخصاتية!
وفي مدرسة الزراعة بمشتهر التي هي كلية الزراعة الآن عاش يوسف وهبي أصعب
فترات حياته فهو غير مئتلف مع هذه الدراسة بعيد عن الفن الذي يعشقه فترك
الدراسة وعاد للقاهرة ومارس نشاطه الفني كممثل وكاتب لمنلوجات وملحن
لاستعراضات الفرق المسرحية والحفلات الغنائية وما أن علم الأب لهذه الخطوة
حتى طرده من المنزل في هذه الفترة عاش يوسف حياة صعبة للغاية فعانى من
التشرد والافلاس المستمر فحياة الفنانين في ذاك الزمان كانت صعبة للغاية
ولم تكن سهلة أو ميسرة، وهذا جعله يفكر بجدية في السفر لأوروبا لدراسة الفن
بعيدا عن أبواب الفن في القاهرة التي بها كل هذه المعاناة وأيضا لأنه أدرك
مكانة الفنان في أوروبا عندما شاهد موكب فنانة المسرح الفرنسي الشهيرة
«سارة يرنار» التي كانت تزور مصر بدعوة من الخديوي لتقديم عدة عروض مسرحية.
بصعوبة بالغة يدبر يوسف نفقات السفر ويسافر الى ايطاليا وهناك في ميلانو
يواجه العديد من الصعوبات كمغترب لا يعرف الايطالية لكنه يتغلب على كل هذه
الصعاب ويتمكن من الالتحاق بمعهد «فيلودراماتيكا- ميلاو» الذي تخرج منه
فطاحل وأساطيل التمثيل في ايطاليا ويشارك هناك الى جانب الدراسة في بعض
العروض المسرحية والأفلام السينمائية في أدوار صغيرة بعد أن تعلم اللغة
الايطالية ويطلق على نفسه اسماً فنياً هو «رمسيس» وكان اسما جذابا للأجانب
الذين يعشقون كل ما هو فرعوني وفتح عليه هذا أبواب عديدة للمشاركة أكثر في
أعمال مسرحية وسينمائية ايطالية.
بعد أن أمضى يوسف في ايطاليا أكثر من 3 سنوات عاد الى مصر وكان والده قد
توفي فحزن عليه حزنا شديدا لكنه ترك له ميراثاً كبيراً «ما يوازي 12 ألف
جنيها ذهبياً» وكان هذا المبلغ وهذا الميراث يساوي ثروة طائلة ويعلن يوسف
انه سيخصص ما ورثه لاحياء حركة مسرحية وفنية متطورة تواجه المسرح الهزلي
الذي كان سائداً وقتها.. وبالفعل ينشئ «فرقة رمسيس» التي تعد في مقدمة
الفرق المسرحية الجادة التي تقدم مسرحاً راقياً محترماً يعتمد على نصوص
جادة وتقنيات فنية متطورة وضم اليها نخبة من نحوم التمثيل في ذلك الوقت
أمثال «حسين رياض- زينب صدقي- روزاليوسف- أحمد علام» وبعدهم أمينة رزق التي
أصبحت من نجوم الفرقة واسند الادارة الفنية للفرقة الى المخرج عزيز عيد.
وافتتحت الفرقة عروضها بمسرحية «المجنون» وكانت من تأليفه وبطولته واخراج
عزيز عيد وكان هذا في عام 1923 بعدها توالت مسرحيات الفرقة بنجاح هائل وغير
مسبوق واجتذبت كل الراغبين في مسرح فني راق.
وكانت هذا بداية لمشوار يوسف وهبي في المسرح والذي وصل الى ما يزيد عن 250
مسرحية قدمها هذا الفنان الكبير جميعها من بطولته ومعظمها من اخراجه
وتأليفه ويرى عدد من نقاد وباحثي المسرح أن فرقة رمسيس تعد البداية
الحقيقية للمسرح المصري الراقي والجاد وهذا ما جعل من يوسف وهبي «عميد
المسرح المصري» وبعد كل هذا التاريخ المسرحي والنجوم التي تخرجت من مسرحه
وفرقته والأجيال التي تعلمت منه فن المسرح وبالطبع المجال لا يتسع هنا
للحديث بتفاصيل أكثر عن مشواره ورحلته وتاريخه المسرحي الطويل الممتد لما
يقرب من 60 عاماً من «1923-1962» عندما قد آخر مسرحياته «سيبك من الدنيا»
التي أخرجها وقام ببطولتها.
ونأتي الآن الى مشواره السينمائي لنجد أنه أيضاً مشوار سينمائي حافل وممتد
فهو من رواد السينما الأوائل وفي مقدمة صانعيها كمؤلف ومنتج ومخرج وممثل
قدم ما يزيد عن 90 فيلماً ويبدأ هذا المشوار بواقعة سينمائية مهمة حدثت معه
عام 1962 وكان وقتها قد أصبح فنانا مسرحيا مشهورا وصاحب فرقة مسرحية ناجحة
وهذه الواقعة تدل على ذكائه وحسن تصرفه وبُعد نظره، وذلك عندما تراجع عن
تمثيل دور النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» في مشروع فيلم بعنوان «حب
الأميرة» تدور أحداثه حول حياة الرسول الكريم وكان صاحب العرض والمشرف على
هذا المشروع المخرج اليهودي التركي «داود عرفي» الذي كان يقيم في مصر وأخرج
العديد من الأفلام خلال هذه الفترة المبكرة من عمر السينما المصرية.. ويلمح
يوسف بذكائه الأهداف الخبيثة وراء هذا الفيلم ويرفض العرض باصرار بل يبلغ
عن المشروع كله «مشيخة الأزهر» والتي ألغت مشروع هذا الفيلم تماماً واكتسب
يوسف من وراء هذا الموقف وهذه الوقعة مزيداً من الجماهير والاحترام.
بعد هذا التاريخ بعامين وفي عام 1928 يتجه يوسف وهبي الى السينما ليس فقط
كنجم وممثل بل كمنتج ومؤسس لصانعة ويقوم ببناء وتأسيس ما اسمه «مدينة رمسيس
للفنون» وذلك قبل انشاء ستديو مصر بعدة سنوات وضمت هذه المدينة الفنية التي
أقيمت على مساحة «17 فدانا» ستديو تصوير سينمائي مزود بكل التقنيات الحديثة
وبالطبع ضمت المدينة مرافق فنية واجتماعية أخرى فكان بها مسرح وأكشاك
للموسيقى ودار سينما ومحطة اذاعة واعتبر هذا المشروع من أكبر وأهم
المشروعات الفنية في مصر وقتها وكان ستديو رمسيس السينمائي بمدينة رمسيس من
أرقى وأهم استديوهات.
وفي عام 1930 يتم تصوير المشاهد الداخلية لفيلم «زينب» ليكون أول الأفلام
التي يتم تصويرها داخل ستديو رمسيس ويكون أول فيلم يقوم بانتاجه يوسف وهبي
ويعد باكورة انتاج شركة رمسيس التي أسسها باسم «رمسيس فيلم» وهو أيضا أول
الأفلام المصرية المأخوذة عن رواية أدبية فالفيلم مأخوذ عن رواية «زينب»
للدكتور محمد حسين هيكل، وبذلك يكون يوسف وهبي فضل الريادة في اللقاء الأول
بين الأدب والسينما من خلال فيلم «زينب» الذي أخرجه محمد كريم وقام ببطولته
زكي رستم وسراج منير وبهيجة حافظ ورغم أن هذا الفيلم يحمل رقم «9» في تاريخ
انتاج السينما المصرية الا أن بعض مؤرخي ونقاد السينما يعدونه البداية
الحقيقية للسينما المصرية فقد كان فيلما مصريا خالصا انتاجا واخرجا وتمثيلا
وتصويرا وحقق الفيلم نجاحا هائلا وأعيد انتاجه ناطقا في 1522 واخراجه أيضا
محمد كريم.
ولم يمر وقت طويل على عرض فيلم «زينب» الصامت والنجاح الذي حققه الا وألحت
على يوسف وهبي فكرة انتاج فيلم مصري ناطق وبالفعل بدأ الاعداد لفيلم «أولاد
الذوات» الذي يعد أول فيلم ناطق في السينما المصرية وفي هذا الفيلم خاض
يوسف وهبي تجربة التمثيل السينمائي لأول مرة وشارك بطولة الفيلم أمينة رزق
ودولت أبيض وسراج منير وكان الفيلم من تأليف يوسف وهبي وانتاجه أما الاخراج
فكان لمحمد كريم وتم تسجيل الصوت في ستديو «بيتسون» في باريس وعرض الفيلم
في 14مارس عام 1932 وهذا اليوم يمثل حدثا مهماً في تاريخ السينما المصرية
بعدما أصبحت تساير السينما العالمية وتحولت من سينما صامته الى ناطقة
وليوسف وهبي فضل الريادة في هذا الحدث والنقلة التاريخية المهمة للسينما
المصرية.
بعد النجاح الكبير والمدوي لفيلم» ابن الذوات» الناطق لم يكتف يوسف وهبي
بالتمثيل والتأليف والانتاج فقط بل دخل الى مجال الاخراج وكان فيلم الدفاع
عان 1935 هو أول أفلامه كمخرج سينمائي تم توالت أفلامه التي قدمها ممثلا
ومنتجا ومؤلفا ومخرجاً ومن أهمها «المجد الخالد» 1937- «ساعة التنفيذ»
1938، «أولاد الفقراء» 1942، «جوهرة» 1943- «برلنتي» 1944، «سيف الجلاد»
1944 «غرام وانتقام» 1944- «سفير جهنم» 1945، «بنات الريف» 1945 «يد الله»
1946- «ملاك الرحمة» 1946، «شادية الوادي»1947- «القناع الأحمر»1947- «رجل
لاينام» 1948- «كرسي الاعتراف» 1949 - «بيومي أفندي»1949- «الافكاتو مديحة»
1950- «أولاد الشوارع»1951 - «بنت الهوى» 1953- «البيت الطاعة» 1953.. يعد
هذا الفيلم توقف يوسف وهبي عن الانتاج والاخراج والتأليف السينمائي لمدة
9سنوات ثم عاد اليه في الستينيات من خلال ثلاثة أفلام هي «الخيانة العظمى»
1962- «الاستعباد» 196- «أيام زمان» 1963.. بعد هذا الفيلم توقف تماما عن
الاخراج والتأليف والانتاج واكتفى بالتمثيل فقط حتى نهاية مشواره الفني لكن
لابد من الاشارة الى ثلاثة أفلام مهمة في مشواره كمؤلف وممثل ومنتج واسند
اخراجه للمخرج توجو مزراحي وهي «ليلة ممطرة» عام1939- «ليلى بنت الريف»
1941- «ليلي بن المدارس»1941.. اضافة الى فيلمه الشهير «الطريق المستقيم»
1943 الذي كتبه وأنتجه وقام ببطولته واخراجه توجو مزراجي أيضا.
أما بقية الأفلام التي اكتفى يوسف ببطولتها أو التمثيل فيها فقط من
الـ72فيلما التي قدمها للسينما أهم هذه الأفلام «غزل البنات»1949 من اخراج
وبطولة أنور وجدي - «حبيب الروح» اخراج أنور وجدي- المهرج الكبير 1952 مع
يوسف شاهين- «حياة أو موت» 1954 للمخرج كمال الشيخ «عهد الهوى» 1955 اخراج
أحمد بدر خان- «بحر الغرام» حسين فوزي 1955- «الملاك الصغير» 1958 كمال
الشيخ- «حبيبي الأسمر» للمخرج حسن الصيفي 1958- «الناس اللي تحت» 1960 مع
المخرج كامل التلمساني- «اشاعة حب» 1960 للمخرج فطين عبدالوهاب- وكان هذا
الفيلم الأخير من أهم أفلامه التي أثبتت خلالها انه رغم عبقريته في أداء
المليودراما قادر على أداء الكوميديا وقد تبع هذا الفيلم بعد ومن الأفلام
التي قدم فيها الكوميديا مثل كبار نجومها ومن أهم هذه الأفلام الكوميدية
«شنبوخ المصيرة» مع المخرج حسام الدين مصطفى عام 1968 - «البحث عن
فضيحة»1973 مع المخرج نيازي مصطفى- «اعترافات زوج» 1964 مع المخرج فطين
عبدالوهاب.
ونواص استعراض أهم أفلامه اللي اكتفى فيها بالتمثيل لنرى أفلاما أخرى تمثل
علامات في مشواره السينمائي مثل «ميرمار» 1964 اخراج كمال الشيخ- «دلع
البنات»1969 مع المخرج حسن الصفتي- «الاختيار» 1971 للمخرج يوسف شاهين-
«عشاق الحياة» 1971 مع المخرج حلمي حليم- «زمان يا حب» 1973 من اخراج نيازي
مصطفى- «حكايتي مع الزمان»1973 مع حسن الامام- «الرداء الأبيض» 1975مع
المخرج حسن رمزي- «اسكندرية ليه»1979 مع يوسف شاهين- «دماء على الثوب
الأبيض» 1982 لحسن الامام.. وكان آخر الأفلام في مشواره السينمائي الحافل
فيلم «السلخانة» عام 1982 مع المخرج احمد السبعاوي. وبعد هذا الاستعراض
السريع لهذا المشوار السينمائي الحافل لهذا الفنان والمبدع الكبير لابد من
الاشارة الى عدد من النقاط المهمة ومنها أن يوسف وهبي لم يكن مجرد نجم
سينمائي يقوم ببطولة الأفلام بل هو فنان رائد وصانع سينما ومن أهم رواد هذا
الفن في مصر على الاطلاق وتمثل ذلك في مسيرته التي قام فيها ببناء أسس هذا
الفن وتطويره من خلال بناء ستديوهات فبعد انشائه ستديو رمسيس عام 1928 ساهم
في انشاء «استديو نحاس» 1948 وهو من أهم ستديوهات السينما المصرية ومازال
يعمل حتى اليوم، كما كان له -كما اشرنا- فضل ادخال الصوت على الفيلم المصري
فحول السينما المصرية من سينما صامته الى ناطقة كما انه أول من دشن علاقة
الأدب بالسينما من خلال فيلم «زينب»1930.. كما أن دوره في حركة الانتاج
السينمائي لا يمكن تغافلها وأفلامه الأولى التي قدمها في بدايات السينما
الناطقة لا يمكن أبدا اهمالها أو التعالي عليها لأنها كانت مفرطة في
الميلودراما. بل لابد من دراستها وفهمها لأنها هي التي دفعت تقاليد السينما
المصرية ومفرداتها التكنيكية التي مازالت سائدة حتى اليوم «وهذا ما أشار به
الناقد السينمائي الراحل سامي السلاموني». وفي النهاية لابد أن نقول ان
يوسف لم يكن مجرد فنان مسرحي سينمائي وانما كان مؤسسة ومدرسة فنية كبرى
أثرت في حركة الفن المصري وساهمت بشكل كبير في صنع نهضته وقد تخرج من
مدرسته ومؤسسته الفنية أجيال وأجيال من الفنانين والفنيين المسرحيين
والسينمائيين أصبحوا نجوما فيما بعد وهذا ما جعل يوسف وهبي يتحول الى
أسطورة من أساطير الفن المصري.
وللمكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها يوسف وهبي فأنه اصبح موضع تقدير
واحترام كل الشعوب العربية وكل الحكام العرب بل وكان يلقى الاحترام من كثير
من دول العالم وحصل على العديد من التكريمات والأوسمة والنياشين والألقاب
منها لقب «الفنان الشعبي» و«عميد المسرح المصري» ولقب «البكوية» من الملك
فاروق عام 1944 والدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام 1975 كما شغل
العديد من المناصب الفنية العليا في المؤسسات الفنية في مصر.
ومن أهم الأوسمة والجوائز التي حصل عليها: وسام ولقب «كوندي توري» عام 1926
من الزعيم الايطالي «موسوليني» - الميدالية الذهبية للفاتيكان عام 1927-
وسام ملك المغرب عام 1935- وسام تونس عام 1935- وسام الارز اللبناني عام
1945- وسام الاستحقاق من مصر عام 1964 منحه له الرئيس «عبدالناصر»- وسام
الفنون التونسي منحه له الرئيس بورقيبة عام 1967- وسام الفنون الأردني
ومنحه له «الملك حسين» عام 1970- «قلادة الجمهورية» وهو أعلى وسام أو جائزة
مصرية ومنحها له الرئيس «السادات» عام 1973- اضافة الى كم كبير من الجوائز
الفنية عن العديد من أفلامه ومسرحياته.
وقال عنه زملائه وتلاميذه من الفنانين «انه أستاذ الأساتذة وعالم كامل من
الفن والثقافة والابداع والعبقرية تعلم منه كل من اقترب منه» وقال عنه
النقاد والمؤرخون «هو في مقدمة رواد نهضة الفن المصري والعاشق الأول للفن
والابداع وهو قبل كل ذلك وبعده فنان لكل العصور».
ومن كلمات وأقول يوسف وهبي التي بقيت حتى اليوم «ما الدنيا الا مسرح كبير»
وقال أيضا « فن التمثيل من أرقى الفنون ومن أشرفها والذنب في حالة الاساءة
اليه تقع على من يسيء اليه».. وقال: «زهرنا في عصر كان فيه الاقطاع وكانت
فيه المظالم وكان الاستعمار والاستعباد والفساد فكان واجبنا أن نحارب كل
هذه العيوب ولم يكن الفن لمجرد المتعة بل حاولنا نشر رسالة اصلاح ومن أجل
ذلك لجأنا الى مختلف الوسائل لنحقق هذا الاصلاح».. وقال «عملت قدر استطاعتي
لكي اقنع أمتي بتقدير فن التمثيل واحترامه».
أما على مستوى حياته الخاصة فقد تزوج يوسف وهبي ثلاث مرات.. زواجه الأول
كان أثناء دراسته للفن في ايطاليا وكان من مغنية الأوبرا الأميركية «لويز
لند» وكانت زميلته في المعهد ثم أصبحت مغنية أوبرا كبيرة بعد ذلك.. أما
زواجه الثاني فكان من السيدة الارستقراطية الثرية «عائشة فهمي» وكان هذا
بعد عودته من ايطاليا وبزوغ نجمه كفنان كبير.. أما زواجه الثلاث والأخير
فكان من السيدة هانم منصور واستمر زواجه بها «40 عاماً» وفي 17اكتوبر عام
1982 رحل عن دنيانا هذا الفنان الأسطوري عن عمر ناهز 84عاما وقد ترك لنا
تراثا وتاريخا فنيا حافلا لن يمحوه الزمن وسيبقى يوسف وهبي «فنان الشعب»
رائداً كبيراً وأحد صناع نهضة الفن المصري.
النهار الكويتية في
01/08/2011 |