في عام 1931 كانت السينما قد صارت ناطقة منذ عامين على الأقل، لكن ذلك لم
يغر
واحداً من كبار مبدعي الفن السابع في ذلك الحين، وهو تشارلي شابلن، الذي
كان اعتاد
كتابة أفلامه وإخراجها وتمثيلها وأحياناً انتاجها بنفسه ناهيك عن كتابة
موسيقاها.
بالنسبة الى شابلن، كان فن السينما يعني فن الصمت والحركة والإيماء ونظرات
العيون
التي، إذ تصوّر، يمكن ان تقول ألف حقيقة وحقيقة. ويمكن ان تعبّر دونما حاجة
الى اي
كلام عن كل المشاعر والأفكار. اذا كان شابلن (مثلما ستكون حال الشخصية
المحورة في
فيلم «الفنان» الذي اتى صامتاً وبالأسود والأبيض في مسابقة مهرجان «كان»
الرسمية
منذ شهور فأدهش المتفرجين في زمن الشاشات العريضة والأصوات المجسّمة وشاشة
الأبعاد
الثلاثة) ضد الكلام، وسيستمر في موقفه هذا طوال سنوات مقبلة. ويقيناً انه
حين قرر،
اخيراً، ان على افلامه ان تنطق مثلما تنطق بقية افلام الناس، كشف عن مقدار
ما كان
هو أصلاً على حق في موقفه. أضعف أفلامه كانت تلك التي نطقت. وأفلامه مذ
نطقت فقدت
نكهتها الأولى وسحرها، وإن لم تفقد قوتها التعبيرية وقدرة صاحبها على
ابتكار
المواضيع، ووضع الشخصيات في اطار ذي دلالة دائمة. ونعرف ان هذه الدلالة هي
التي
جعلت من افلام تشارلي شابلن، والصامتة منها على وجه الخصوص، بعض اكثر
الأفلام
الإنسانية العمق في تاريخ فن السينما. فن القرن العشرين بامتياز.
>
في عام 1931، إذاً، وفي وقت كان مئات الملايين من رواد السينما في طول
العالم وعرضه ينتظرون متلهفين أفلاماً تنطق امام اعينهم وآذانهم، قدّم
شارلي شابلن
واحداً من روائعه السينمائية، مصرّاً على ان يكون صامتاً، مثل العشرات
الطويلة
والقصيرة التي سبقته. وكان الفيلم الجديد في عنوان «أضواء المدينة»، هذا
التعبير
الذي سيستعار مراراً وتكراراً بعد ذلك، وفي شتى المعاني والمناسبات. وعلى
رغم ان
سينما تشارلي شابلن توحي، ما ان تذكر، بالهزل والفكاهة، فإن فيلم «أضواء
المدينة»
يبدو في نهاية الأمر فيلماً حزيناً، ولا يخفف من حزنه كون عنوانه يعد بكل
ذلك القسط
من الضوء. فأضواء المدينة، بالنسبة الى شابلن، اضواء خادعة مزيفة، لا سيما
ان بطلة
فيلمه، الفتاة التي يجب على المتشرد شارلو (شابلن) ان يحبها كما يحدث له في
كل فيلم
آخر من افلامه، فتاة عمياء غير قادرة على التمتع بذلك الضوء الموعود. ومن
هنا
يتأرجح الفيلم بين الحزن والفرح، بين الضحك والكآبة، بين النور والعتمة،
وفي شكل
كان جديداً في ذلك الحين. ولم تكن المرة الأولى التي يلجأ فيها شابلن الى
هذا
الأسلوب في مجمل الفيلم، لكنها كانت واحدة من مرات اولى ينبع فيها الحزن
والفرح
معاً، من شخصية اخرى في الفيلم غير شخصيته.
>
في هذا الفيلم الطويل، الذي تلعب فيه دور «حبيبة» شارلو، الفاتنة فرجينيا
شيريل، يواصل شارلو سيرته كمتشرد أفاق يعيش متنقلاً من مكان الى آخر ومن
موقف الى
آخر. إنه هذه المرة عاطل من العمل، يحدث له ذات ليلة ان يلتقي بائعة زهور
فقيرة
سرعان ما يتبين له انها عمياء. وهو في الوقت نفسه يرتبط بصداقة مع ثري
مليونير غريب
الأطوار يتّسم بمنتهى درجات الكرم والأريحية حين يكون ثملاً. اما حين يصحو،
فإنه
يتحول الى وحش ضار. خلال المرحلة الأولى من الفيلم يحاول شارلو خوض مهن
عدة، فيعمل
في جمع القمامة أولاً، ثم ملاكماً محترفاً، لكي يحصل على شيء من المال
يساعد به
حبيبته على إجراء عملية جراحية قد تنقذها من العمى. لكنه في الحالات كافة
يفشل، ما
يدفعه الى ان يأخذ من صديقه الثري مبلغاً كبيراً من المال يأمل ان ينقذ وضع
حبيبته
به، لكن الرجل يدرك، إذ يفيق من سكره، ما حدث فيشي بصديقه الشريد الى
الشرطة التي
تقبض عليه وتودعه السجن. وفي السجن يمضي صاحبنا فترة يخرج
بعدها ليجد ان فاتنته
الحسناء قد شفيت من مرضها وصارت قادرة على الإبصار. وبالطبع لا
تعرفه الفتاة لأنه
لم يكن قد سبق لها رؤيته. اما هو فإنه اذ
يشعر بأنه سعيد من اجلها يتابع مسار حياته
في انتظار غرام مقبل و... فيلم مقبل.
>
كما أشرنا، من الواضح ان هذا الفيلم يتسم بمسوح تراجيدية خالصة، وإن كان
يضم بين الحين والآخر، بعض المشاهد واللقطات الهزلية الاستثنائية والتي
تندرج كما
يمكننا ان نتوقع في السياق المحبب لسينما شابلن، تلك السينما التي كانت،
خلال اواسط
القرن العشرين سينما الناس الطيّبين في شكل أو في آخر، والتي وحده شابلن
كان يعرف
كيف يدمجها وسط فيلم مأسوي من هذا النوع. واللافت هنا ان شابلن، على رغم ان
الفيلم
صامت، حرص على ان يستفيد الى حد ما من الاختراعات الناطقة الجديدة، فأضاف
إلى لغته
السينمائية المعهودة، موسيقى ومؤثرات صوتية لعبت دوراً في الفيلم لا بأس به،
وكان
هذا تجديداً اساسياً في السينما الشابلينية تلقّاه يومها معجبوه بكل فرح
وترحاب على
العكس مما فعلوا مع الحوارات التي راحت بعد ذلك تحضر في أفلام هذا الفنان
وتثير
نقمة جمهوره وابتعاده بالتدريج...
>
اذاً، كعادته في افلامه السابقة، اشتغل شابلن هذه المرة ايضاً على اسلوب
سينمائي يقسم فيلمه الى فصول لكل واحد منها عالمه. ومن هنا كان يمكن الناقد
الفرنسي
الكبير جورج سادول عند حديثه عن «اضواء المدينة» ان يقف ليعدد «الفصول»
التي «لا
يمكن نسيانها» في هذا الفيلم: الافتتاح الصاخب، أول الفيلم، تمثال الازدهار
الذي
سرعان ما نجده نائماً عند قاعدته، المتشرد شارلو الذي يبدو واضحاً ان دلالة
حضوره
تزعج القوم المحتفلين - مشهد اللقاء بين المتشرد وبائعة الزهور، حــيث انها
سرعان
ما تعتقد انه ثري وابن عائلة نبيلة حين ينزل من سيارة صديقه الغني - مشهد
الثري
السكير حين يريد ان ينتحر فإذا به يربط حجراً بحبل الى عنق شارلو بدلاً من
عنقه
ويرمي به في الماء - اللقاء الأخير بين شارلو الخارج من السجن والفتاة وقد
صارت
مفتحة العينين، انها الآن تشاهد بدلاً من الشاب الأنيق الذي كانت تتصوره
يوم لم تكن
تبــصر وصــنعت منه في خيالها حبيباً لها، متشرداً بائساً عاطلاً من العمل
يسخر منه
الصغار. ومهما يكن من أمر، فإنها بالتأكيد ستتعرف إليه في النهاية وتقول
له: «الآن
صار في وسعي ان أرى».
>
ومن الواضح هنا ان هذا يشكل في مجمله وفي تفاصيله، عالماً شاء شابلن ان
يعبّر من خلاله عن التفاوت الاجتماعي في اميركا، في ذلك الحين حيث كانت
الأزمة
الاقتصادية الخانقة قد بدأت تضرب الطبقات المتوسطة والبائسة سواء بسواء،
وقد فهم
الفيلم على ذلك النحو، على رغم ان مبدعه حاول قدر امكانه ان يقدم اطروحته
الاجتماعية والسياسية ربما، خلف قناع الهزل وحكاية الغرام. والحقيقة انه
يتعيّن
علينا ألا يفوتنا في هذا السياق واقع ان شابلن وفي شكل عام وإنما بمقدار
متفاوت بين
فيلم وآخر وبين حقبة زمنية وأخرى، كان من بين همومه الدائمة في افلامه ان
يدمج في
هذه الأفلام أبعاداً سياسية واجتماعية تنحو على الدوام منحى تقدمياً
موارباً او
مباشراً. ونحن نعرف استناداً الى استعراض تاريخ هذا الفنان في الولايات
المتحدة
وحتى مغادرته اياها مطروداً، انه دفع غالياً ثمن تلك المواقف حيث حورب تحت
ذرائع
كثيرة ووصل الى حدّ تحمل قسوة لجنة النشاطات المعادية لأميركا (المعروفة
باسم لجنة
السيــناتور ماكـارثي، لكـنّ هذه حكاية أخرى بالطبع).
>
ولم يكن هذا، جديداً، بالطبع على شابلن الذي، منذ بداية إمساكه بمقاليد
افلامه ومواضيعها بين يديه، حرص على ان يقدم، على الدوام، وفي شكل متفاوت
الوضوح،
نوعاً من التوليف الذكي بين الهزل الذي يتقنه والرصد الاجتماعي الذي كان
يشغل باله،
هو الذي عاش طفولة بائسة في ازقة لندن العتيقة قبل ان ينتقل ممثلاً مراهقاً
مبدعاً
الى الولايات المتحدة حيث رافق السينما منذ بداياتها وأبدع افلاماً قصيرة
ومتوسطة،
قبل ان يحقق سلسلة من افلام طويلة ستظل من اروع ما عرفه فن السينما، ومنها: «الصبي»،
«الأزمنة الحديثة»، «أضواء المسرح»، «الديكتاتور»، و «البحث عن الذهب».
ونعرف طبعاً ان تشارلي شابلن عاش وربّى اطفاله مع زوجته الأخيرة اونا ابنة
الكاتب
المسرحي الأميركي الكبير يوجين اونيل في اوروبا ولا سيما في سويسرا حيث مات
ودفن
عام 1977.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
01/08/2011
سلسلة تسجيلية ترصد عودة الشباب البريطاني الوطن الأم
محمد موسى
بعد النجاح الذي ناله الفيلم التسجيلي (أفغانستان: نساء ، زفاف ، حرب وأنا
)
والذي عرض العام الماضي في التلفزيون البريطاني ، وبيع بعدها إلى عدة
محطات
تلفزيونية أوروبية، عرضت القناة التلفزيونية الثالثة لهيئة الإذاعة
البريطانية
مؤخرا، فيلم ( مكان خطر لمقابلة العائلة) والذي يسير بالاتجاه نفسه للفيلم
السابق،
لينضم فيما يبدو، إلى سلسلة من الأفلام التسجيلية، التي تركز
على حياة الشباب
البريطاني المسلم، الذي ولد أو قضى معظم حياته في بريطانيا،
والعلاقات التي تصل إلى
التعقيد بين أبناء هذا الجيل مع بلدان الآباء الأصلية.
يرافق الفيلم الأول
بطلته الشابة "نيل" ، إلى العاصمة الأفغانية "كابول"، فيما يعود بطل الفيلم
الثاني "دين"
إلى اليمن؛ كلا الزيارتين لن تكونا عاديتين على الإطلاق، بسبب أوضاع
البلدين
الأمنية، والتي إستدعت فريقين أمنين بريطانيين ليرافقا شخصيتا الفيلمين
الرئيستين
في رحلتهما إلى بلاد الأجداد؛ هذه الاحتياطات الأمنية والتي
أشار إليها الفيلمين في
مناسبات مختلفة، فرضها بشكل أساسي وجود فرق تصوير أجنبية مع شخصيتي
الفيلمين،
فالوضع الأمني في أفغانستان أو اليمن ليس بهذا السوء، الذي يفرض حراسة
أمنية على
أيّ زائر يحمل جنسية أجنبية، خاصة إذا كان هؤلاء الزوار من أصول البلد
نفسه،
ويحملون سحنات أبنائه ويتكلمون لغتهم. الأمر الذي جعل تناول
الترتيبات الأمنية
مناسبة، لتضخيم مهمة الشخصيتين الرئيسيتين والفيلمين أيضا.
يبدأ الفيلمان بمشاهد
للبطلين من حياتهما اليومية في بريطانيا؛ تعيش الفتاة الأفغانية المرحة
والمولودة
في "كابول" منذ أكثر من خمسة عشر عاما مع عائلتها الصغيرة في العاصمة
البريطانية
لندن؛ فيما يسكن البطل اليمني والمولود في بريطانيا، في مدينة "شفيلد" في
وسط
انجلترا، مع والدته اليمنية ووالده البريطاني.
هناك الكثير الذي يجمع البطلين:
العائلة التي تنتمي للطبقة المتوسطة، والتي بدت راضية كثيرا بخيارها بالعيش
في
بريطانيا.علاقة الشخصيتان ببلدان الآباء، والتي لا تحمل الرفض
أو التعالي الذي
يحمله بعض أبناء المهاجرين، أو إصباغ المثالية الممتزجة بتلبس دور "الضحية"
عن تلك
البلدان، والتي يحملها آخريين.
بدت علاقات الشخصيتين مع بلدان آبائهم، وكما
وصفوها في مقدمة الفيلمين صحية كثيرا، هم وجدوا مكانهم في بلدهم الجديد،
لكن
علاقتهم مع البلدان "الأصلية"، مازالت مشبوبة بالعاطفة، وتثير الفضول،
وتفجر الكثير
من الأسى، بسبب ما تمر به تلك البلدان من مشاكل أو مآسي.
يستمر التشابه بين
شخصيتي الفيلم الرئيستين حتى بعد وصولهما إلى أفغانستان واليمن، فكلاهما
مازال يملك
شبكة الأقارب الواسعة هناك، وعن طريق أولئك الأقارب، سنتعرف
على الكثير من التفاصيل
المهمة عن الحياة اليومية في البلدين، وسيوفر هؤلاء الأقارب بمعضلات حياتهم
المستعصية، النافذة على مجتمعات مغلقة وإلى حد كبير بوجه الإعلام الشائع.
تركز
الفتاة الأفغانية في فيلم (أفغانستان: نساء، زفاف، حرب وأنا) ، على حال
الفتيات
والنساء الأفغانيات؛ وتتعرض البطلة التي لم تتخلى عن مرحها،
حتى في أكثر المواقف
سوداوية، إلى حياة النساء الأفغانيات بعد انتهاء حكم الطلبان.
إذ تزور سجن نساء
، تقابل بطلات برنامج تلفزيوني من برامج تلفزيون الواقع، تلقين بعد ظهورهن
التلفزيوني لتهديدات بالقتل، ويعشن تحت حماية الشرطة الدائمة.
كما تقابل
برلمانيات أفغانيات، يتحدثن بحزن عن مشاعر الاحتقار والكره، التي يواجهنها
من
زملائهن الرجال في البرلمان الديمقراطي.
كما تزور الفتاة التي لم تتجاوز
الواحدة والعشرين من العمر مستشفى لعلاج نساء أفغانيات، تعرضن للحرق من قبل
أزواجهن
أو عائلاتهن، كنوع من العقوبة الشائعة هناك, ورغبة منها في تقليل الانتباه
الذي
يرافقها في تجولها في شوراع مدينة "كابول"، تجرب الشابة
البريطانية ارتداء النقاب
الأفغاني المعروف؛ وهي التجربة التي لم تستمر إلا لدقائق معدودة فقط بسبب
ضيق
التنفس الذي كاد يقضي عليها، وكما وصفت في المفكرة الفيديوية التي كانت
تسجلها مساء
كل يوم من أيام زيارتها لأفغانستان.
واذا كانت رحلة الفتاة الأفغانية في فيلم (أفغانستان:
نساء ، زفاف ، حرب وأنا) حفلت بالكثير من التفاصيل، واجهت سفرة زميلها
اليمني في فيلم (مكان خطر لمقابلة العائلة) الكثير من المصاعب، منها نفسية
للبطل
الشاب، والذي بدا عليه التأثر الشديد طوال وقت الفيلم ، وانهار
أحيانا في موجات
بكاء شديدة، بعضها أثناء مقابلات عادية أجراها مع أفراد من عائلته، منها مع
جدته
والتي تحدثت عن حياتها الشخصية، بغياب الأبناء.
كما اثر الوضع الأمني في اليمن
وقتها على كثير من خطط الفيلم، فأثناء وجود فريق التصوير في اليمن، تعرض
السفير
البريطاني هناك إلى محاولة اغتيال كادت تقضي عليه؛ في المقابل خصص فيلم
(مكان خطر
لمقابلة العائلة) كثير من الاهتمام لتنامي نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن،
والحرب
الدائرة بين الحكومة اليمنية والموالين لتنظيم القاعدة؛ وعندما
قابل الشاب
البريطاني اليمني قريبة الطفل الذي أصيب بشظية في رأسه، بدا أنه وجد الهدف
الذي
سيخصص له الكثير من جهده ووقته بعد عودته إلى بريطانيا، إذ يبدأ حمله لجمع
نقود
لعلاج قريبة الطفل من الإصابة الخطيرة التي تهدد حياته.
يسجل الفيلمان انطباعات
ما بعد الرحلة في الجزء الأخير من الفيلم؛ تؤكد "نيل" بأنها صارت تقدر بشكل
أكبر
حياتها في بريطانيا والحريات الكبيرة للنساء فيها، وأنها تبحث عن دور
لمساعدة
النساء الأفغانيات في بلدها، فيما ينشغل "دين" بجمع المال بين
بريطاني مدينته؛ في
أحد مشاهد الفيلم الختامية، يتصل بقريبه المجروح ليخبره بأنه يقترب من
تجميع المبلغ
الضخم اللازم لعلاجه خارج اليمن.
يحقق الفيلمان كثيرا من أهداف قناة (بي بي سي)
الثالثة، والتي بدأت بالبث قبل سنوات قليلة، وتتجه إلى جمهور بريطاني
شبابي،
فالفيلمان يوفران معلومات ضخمة عن أفغانستان واليمن موجه لشباب بريطاني، لا
يهتم
معظمه بإخبار السياسية أو العالم. كذلك يساعد الفيلمان على توجيه الانتباه
والتفهم
لأزمات الشباب البريطاني المسلم، وتشتته أحيانا بين حياته في
بلده الحالي، وارتباطه
مع بلد آبائه.
الجزيرة الوثائقية في
01/08/2011
وثائقي عن ألاعيب السلطة لحجب الحقائق
ناصر ونوس
يحيلنا تعاطي الإعلام السوري مع الأحداث في سورية إلى فيلم بعنوان 9/11
Press for The Truth
إنتاج وإخراج/ دان ديكز، والذي عُرض على قناة "الجزيرة
الوثائقية"
أكثر من مرة تحت عنوان "11/ 9 من أجل الحقيقة".
ويمكن ترجمة العنوان بـ "صحافة
من أجل الحقيقة" لكن مضمون الفيلم يدل على أن الترجمة الأفضل هي "11/9
الضغط باتجاه
معرفة الحقيقة" أو "الدفع لكشف الحقيقة".
فعندما بدأت الانتفاضة السورية في
مدينة "درعا" قال التلفزيون السوري إن الذين خرجوا إلى الشوارع إنما خرجوا
لأداء
صلاة الاستسقاء بعد انقطاع المطر لفترة طويلة وليس للاحتجاج على الأوضاع
المعيشة
القائمة والمطالبة بالحرية بعد نحو نصف قرن من الاستبداد الذي عاشوه في ظل
حكم
البعث ودولة المخابرات.
وأن المشاهد التي سربت إلى وسائل الإعلام عن تعذيب
أهالي قرية "البيضاء" التابعة لبلدة "بانياس" إنما هي مشاهد من شمال
العراق، وأن
الجنود الذين يعذبون الأهالي هم من قوات "البشمركة" وليس عناصر من
المخابرات
السورية.
وأن القتلى الذين يسقطون خلال التظاهرات إنما يسقطون بنيران
"مندسين" من "العصابات المسلحة" أو"التنظيمات الإرهابية المسلحة" وليس
برصاص أجهزة
الأمن أو الشبيحة... وعلى هذا النحو تسير "تغطية" الإعلام
السوري للحدث المحلي،
وذلك في مواجهة تغطية "القنوات المغرضة" مثل "الجزيرة"، و"العربية"، و"البي
بي سي"
و"فرانس 24"، و"روسيا اليوم"، و"الحرة"، و"الحوار"، و"دوتش فيليه"، و"أورينت"
وبقية
القنوات التلفزيونية الموجودة على كوكب الأرض.
ويكشف فيلم "11/ 9 من أجل الحقيقة" عن أن لا أحد في الإدارة الأمريكية
والإعلام
الأمريكي يريد كشف الحقيقة بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001
الذي قتل
فيها نحو ثلاثة آلاف أمريكي.
وهنا وجه الشبه بين الإدارة الأمريكية والإعلام
الأمريكي من جهة، والسلطات السورية والإعلام السوري في الجهة المقابلة.
يتتبع الفيلم الحملة التي قام بها ذوو ضحايا هجمات سبتمبر لمعرفة الحقيقة
عن
كيفية وقوع تلك الهجمات؛ يبدأ من مدينة "جيرسي" حيث هناك أربع
من أرامل الضحايا
"أرامل جيرسي" تقمن بحملة بحث، ومنذ بداية الحملة "اكتشفن أن ما يُبذل
(لمعرفة
الحقيقة) أقل مما ينبغي"، خلال بحثهن تولّد لديهن إحساس بأن وزارتي العدل
والإعلام
غير راغبتين بالقيام بتحقيق مستقل، فتولين بأنفسهن القيام بمثل هذا
التحقيق، إحداهن
تقول إن الرئيس بوش الذي يفترض به أن يكون مؤيداً لهن في عملية التحقيق
تحول إلى
واحد من أكبر خصومهن.. من "جيرسي" ينتقل المخرج إلى "نيويورك"
حيث "سالي ريغينهارد"
المرأة التي فقدت ابنها رجل الإطفاء في الهجمات والتي قامت بتحقيق مماثل
لتكتشف أن
المقابلات الخمسمائة التي أجريت مع رجال الإطفاء العاملين في المركز
التجاري حجبت
كلها عن الناس. امرأة أخرى فقدت زوجها انضمت إليها في التحقيق تشك في أن
تكون
المباني انهارت بفعل الهجوم الجوي وحده عندما تقول متسائلة:
"لماذا انهارت المباني؟
كيف تنهار ناطحة سحاب كهذه في عشر ثواني؟".
هذا السؤال يحيلنا إلى فيلم آخر
بعنوان "سبتمبر الأخرى" يتبنى الفرضية التي تقول أن الإدارة الأمريكية
ووكالة
الاستخبارات تقفان وراء تدمير المباني. يضيف راوي الفيلم، مؤكداً هذه
الفرضية: "قبل
ذلك لم يحدث أن تسببت النيران في انهيار مبنى ذي هياكل من الصلب، المبنى
رقم 7 في
مركز التجارة العالمي لم تضربه طائرة لكنه انهار في مساء ذلك
اليوم!". مما يعني أن
هذا المبنى كان معداً للتفجير، تعبر "سالي" عن تواطؤ الحكومة عندما تقول:
"لم تكن
تريد الحكومة ولا أي مسؤول منتخب معرفة لماذا وكيف جرى ذلك".
يواصل الفيلم
تتبع عدد من الحقائق التي تكشفت لاحقاً، منها أن "البيت الأبيض كان يعرقل
إجراء
تحقيق لم يكن يريده في المقام الأول". ثم إذعاناً للضغوط التي مارسها ذوو
الضحايا
شكّل لجنة للتحقيق؛ لكن والد أحد الضحايا يشكك بجدية البيت الأبيض بإجراء
تحقيق
لمعرفة الحقيقة، فيقول إنه في التسعينات أنفقوا مئة مليون
دولار للتحقيق في مغامرات
كلينتون الجنسية، بينما لم يخصصوا في البداية سوى ثلاثة ملايين دولار
للتحقيق في
مقتل ثلاثة آلاف شخص. عدم جدية التحقيق إذاً هو ما توصل إليه ذوو الضحايا.
بعد
عامين ونصف أصدرت اللجنة تقريرها، لكنه كان دون التوقعات
ومخيباً لآمال عائلات
الضحايا و"خلص إلى أن الحادي عشر من سبتمبر لم يكن أكثر من افتقار للتوقع".
وتقول
عنه إحدى أرامل الضحايا أنه لم يجب سوى على ثلاثين في المائة فقط من
الأسئلة التي
يطرحها ذوو الضحايا. إنه تقرير "قائم على أنصاف الحقائق"، تضيف أرملة أخرى.
يكشف الفيلم أن الإعلام الأمريكي لعب دوراً في حجب الحقائق، أو على الأقل
فشل
بالمساعدة على كشف الحقيقة، "فشل بالربط بين الأحداث" يقول
الراوي.
فـ "بول
تومسون"، وهو صاحب موقع إلكتروني عن الهجمات، يكشف عن "ظاهرة غريبة"، وهي
أن هناك
معلومات مهمة عن الهجمات كانت في الصحافة لكنها اختفت.
يورد الفيلم سلسلة المعلومات والتحذيرات التي تلقتها الإدارة الأمريكية عن
احتمال تعرض الولايات المتحدة لهجمات عن طريق خطف طائرات؛ "بول
تومسون" جمع قصصاً
عن أربعة عشر بلداً كانت حذرت الولايات المتحدة قبل الحادي عشر من سبتمبر
أنها
ستتعرض لهجوم جوي؛ وهو يلوم الصحافة كونها لم تتساءل: "لماذا لم يفعل شيئاً
إزاء كل
هذه التحذيرات؟"، أحد هذه التحذيرات حجبته إدارة بوش لأشهر إلى أن كشفت عنه
محطة "سي
بي أس"، وبالتالي وضعت الإدارة الأمريكية في موقع الدفاع.
ثم، وبغية
إظهار كذب الإدارة الأمريكية ونفاقها، يورد الفيلم مشاهد لأعضاء الإدارة
(رايس،
تشيني، بوش) ينكرون فيها مثل هذه التهديدات أو حتى علمهم بها.
بوش مثلاً قال
إنه "لا أحد في حكومتنا أو في الحكومة السابقة كان يتصور أن تصدم طائرات في
الجو
مبان".
محطة "سي أن بي سي" تساءلت بتاريخ 26/ 7/ 2001 عن سبب قيام وزير العدل
برحلاته الجوية بطائرة خاصة مؤجرة، مما يعني أن لديه، كما لدى
إدارته معلومات عن
الهجمات.
وفي الليلة التي سبقت الهجمات تم إلغاء رحلات جوية لعدد من ضباط
البنتاغون كانت مقررة في صباح الحادي عشر من سبتمبر.
هذه الوقائع وغيرها مما
ترد في الفيلم تؤكد أن الإدارة الأمريكية كانت على علم بالهجمات، وبالتالي
لماذا لم
تخبر بها الشعب الأمريكي، وخصوصاً للمسافرين على متن الطائرتين
المخطوفتين؟.
"بوب
كيري" عضو لجنة التحقيق في الهجمات وفي مقابلة على محطة "سي
أن أن" يوجه اللوم بشكل مباشر إلى الرئيس بوش قائلاً له: "سيدي الرئيس أنت
علمت
أنهم كانوا في الولايات المتحدة وحذرتك "السي آي إيه"، وأخبرك موظفو
الإيجاز اليومي
في أغسطس مرة أخرى بأن هناك تهديدا قوياً، لم تفعل أي شيء لزيادة
أمن حدودنا،
لزيادة أمن المطارات، لتحديث أجهزة إنفاذ القانون في الداخل، لجمع مسؤولي
جهاز
الهجرة والجنسية والمكاتب القنصلية لتقول لهم إن علينا أن نغلقها، لتحذر
الشعب
الأمريكي. ماذا فعلت؟ لا شيء حتى الآن كما ترى". ومما يضيفه الراوي أن
المسؤولين
الأمريكيين لم يفعلوا شيئاً سوى حماية أنفسهم.
ينتهي الفيلم بمقطع يُظهر خيبة ذوي الضحايا من حكومة بلدهم التي كانت على
علم
بالهجمات ولم تحرك ساكناً لحماية مواطنيها.
وبالعودة للشأن السوري لابد من طرح
السؤال عما إذا كان ذوو ضحايا شهداء الانتفاضة السورية، عسكريون ومدنيون،
سيقومون
يوماً ما بحملة مشابهة للحملة التي قام بها ذوو ضحايا هجمات أيلول من أجل
كشف
الحقيقة حول ملابسات مقتل ذويهم.
في الفيلم مشهد للمستشار السابق للأمن
القومي الأمريكي "ريتشارد كلارك"، الذي وضع كتاباً بعنوان "ضد كل الأعداء"
يكشف فيه
خفايا الهجمات قبل وأثناء وبعد وقوعها؛ في المشهد يقول "كلارك" موجهاً
كلامه إلى
ذوي الضحايا: "لقد خذلتكم حكومتكم..أولئك المخولون لحمايتكم خذلوكم..وأنا
خذلتكم".
إنها صحوة ضمير من أحد المسؤولين الأمريكيين، فهل ستكون هناك صحوة ضمير لدي
أي من المسؤولين السوريين كي يروي الحقيقة بشأن مقتل السوريين
أثناء انتفاضتهم؟ ..سؤال
نتركه لقادم الأيام.
الجزيرة الوثائقية في
01/08/2011 |