منذ منتصف السبعينات في القرن العشرين وموسم الصيف لم يعد عطلاً وشواطئ بحر
ورحلات حول العالم، بل هو موسم الأفلام التشويقية الكبيرة . ما بدأ في
“هوليوود” حين وزع “ستديو يونيفرسال” فيلم ستيفن سبيلبرغ
Jaws
مستمراً في كل صيف من عام 1975 وحتى اليوم: اختيار الأفلام ذات
التكلفة الكبرى لإطلاقها صيفاً وهذا يشمل المسلسلات السينمائية القائمة على
المغامرات مثل سلسلة “قراصنة الكاريبي” وسلسلة “هاري بوتر”، أو تلك التي
تتطلّب جهوداً كبيرة في المؤثرات والتقنيات كما حدث حين انطلقت سلسلة “سيد
الخواتم” و”ترانسفورمرز” و”باتمان” و”سبايدرمان” وكل “السوبر هيروز”
المعروفين .
هذه السنة هناك تحوّل ملحوظ، ولو أنه ليس بالمرّة جديداً أو ذا حجم كبير:
عدد من الأفلام الفنية والجادّة دمجت في برمجة الصيف الحالي رغم أنها ليست
من النوع الذي عُرف بأنه من الأعمال التي تحقق النجاحات أو التي تستطيع
منافسة الأفلام العملاقة في إنجازاتها الضخمة .
بدأت الظاهرة هذا العام حين دفع فيلم ترنس مالك إلى الاختبار الصيفي مباشرة
بعد حصوله على جائزة مهرجان “كان” الأولى . فيلم “شجرة الحياة”، الذي يقود
بطولته نجمان كبيران هما شون بن وبراد بت، أنتجه الثاني، انطلق في عروض
محدودة أواخر مايو/ أيار الماضي أمام فيلمين من أفلام الصيف المصنوعين
للاستهلاك الشعبي وهما “آثار السهرة- الجزء الثاني” و”كونغ فو باند 2” .
صحيح أن كلاً منهما ليس فيلم مغامرات ووحوش فضاء وكوارث كونية، إلا أنهما
ليسا من سينما الفكر والفن . هذه السينما يعبّر عنها فيلم ترنس مالك ذاك
بكل ثانية من مدّة عرضه التي تزيد على الساعتين . ليس هذا فقط، الفيلم ليس
قصّة تُروى، بل حالة إنسانية تموج شعراً وجماليات وأبياتاً من الفلسفة .
في الوقت نفسه تقريباً لاحظنا توفير “هوليوود” عرضاً جماهيرياً لفيلم آخر
استقبل نقدياً بترحاب كبير هو “منتصف الليل في باريس” لوودي ألن .
قبل أن يكون الفيلم تحيّة للفن والثقافة الفرنسيين، هو عودة المخرج لسينما
تنضح بالأفكار الذاتية حول الفن والثقافة والعلاقات الاجتماعية في الوقت
ذاته . كذلك عودة إلى منوال أفلامه التي احتفت بالمكان ومن أهمها تلك
المجموعة التي حققها في الثمانينات في نيويورك مثل “مانهاتن” و”هانا
وأخواتها” . “منتصف الليل في باريس” يتحدّث عن رجل (أوون ولسون) يصل إلى
باريس مع خطيبته (راتشل ماكأدامز) ووالديها (كيرت فولر وميمي كندي) وهناك
يكتشف أنهما لن يصبحا الثنائي المتيّم حبّاً كما كان يعتقد . فارقهما
الطبقي هو أحد العناصر، لكن العنصر الأهم كونه كاتباً وكونها فتاة غنية
تكترث للتبضّع والحفلات . هذا يجعله ينصرف في أرجاء باريس ومنها إلى جوّها
الأدبي في الثلاثينات حيث يقضي عند منتصف كل ليلة ساعات ثمينة بصحبة عباقرة
الفترة .
هذا الفيلم اختير له أن ينطلق في مواجهة “قراصنة الكاريبي: فوق أمواج أغرب”
بطولة جوني دب . ليس لأنه سينافسه في الحصول على أعلى الإيرادات، بل
إمعاناً في عملية إثراء العروض وتوفير أفلام لكل ذوق .
هذا الأسبوع هناك فيلم آخر سينطلق للعروض في مواجهة فيلم كبير . إنه “لاري
كراون” قصّة عاطفية من وضعت له السيناريو نيا فاردالوس وأنتجه وأخرجه توم
هانكس الذي يؤدي دور البطولة لجانب جوليا روبرتس . القصّة تدور حول رجل في
منتصف العمر يجد أنه على أهبة فقدانه العمل، وأن لديه -فجأة- الوقت الكافي
ليصرفه على أي شأن يختاره من شؤون الحياة . يختار أن يعود إلى صفوف الدراسة
. جوليا روبرتس هي المدرّسة التي لا تكترث كثيراً لدورها التعليمي لضجرها
منه، لكن دخول هانكس صفّها يكون بمثابة صفحة حياة جديدة لكل منهما .
على عكس الفيلمين السابقين، لا يُقصد ب”لاري كراون” أن يأتي عملاً فنياً،
بل هو إنتاج رئيسي ولو بميزانية معتدلة (قياساً) يؤمل له احتلال موقع قدم .
. هذا إذا ترك الجزء الجديد من سلسلة “ترانسفورمرز” له ذلك الموقع، فالفيلم
الضخم الذي يتحدّث عن مخلوقات حديدية من الفضاء تدمّر الأرض، يريد أن يدمّر
كل الإيرادات السابقة ويتولّاها قياسياً . إنه نوع من المصارعة غير
الملائمة بين مصارع خفيف الوزن وآخر ثقيل الوزن والجثّة . ومع أن الغلبة
تكاد تكون محسومة، إلا أن معركة البقاء بالنسبة إلى السينما ذات العناصر
الإنسانية حاضرة .
نعم . ربما كان أحدهم يمزح حين اقترح برمجة “لاري كراون” و”منتصف الليل في
باريس” و”شجرة الحياة” صيفاً، لكنها مزحة في محلّها ومن المطلوب تكرارها
أيضاً .
في انتظار فيلم المبحوح
أنجز الكاتب السينمائي حسين أميني نسخة أولى من فيلم حول عملية اغتيال
الموساد لعضو حركة حماس محمود المبحوح في دبي قبل أكثر من عام .
وحسين أميني هو كاتب إيراني الأصل يعيش في الولايات المتحدة ووضع للآن ستة
سيناريوهات بدأت سنة 1996 بفيلم “جود” الذي أخرجه البريطاني مايكل
ونتربوتوم من بطولة كايت ونسلت . تبع ذلك بفيلم رومانسي آخر هو “جناحا
اليمامة” إخراج إيان سوفتلي وبطولة هيلينا بونهام كارتر، ثم على التوالي:
“أربع ريشات” و”طلقة قاتلة” و”شنغهاي” ثم الفيلم الذي عُرض مؤخراً في
مهرجان “كان” بعنوان “قُد” أو
Drive .
ولأميني فيلمان حالياً في التصوير “سنو وايت والصياد” الذي يخرجه روبرت
ساندرز (اسم جديد) ويقوم ببطولته كل من كريس همسوورث (اثورا)، كرستن
ستيوارت وتشارليز ثيرون . الفيلم الثاني هو “47 رونين” (والرونين هو محارب
ساموراي)، إعادة لفيلم ياباني بالعنوان نفسه يخرجه كارل رينش (أيضاً جديد)
مع كيانو ريفز، وهيرويوكي سانادا وكو شيباساكي . الممثل كريس همسوورث هو
المرشّح الأول لدور بطولة في الفيلم المنوي تحقيقه عن حادثة اغتيال محمود
المبحوح، وبما أن تقاسيم الرجل ليست عربية، فإنه من المستبعد أن يلعب
الشخصية المذكورة، لكن في الوقت نفسه لم تبدأ الاتصالات لتحديد الممثلين
الذين سيقومون بباقي الأدوار، وهي تبعاً للوقائع، قد يتألّفون من مجموعة
عربية تؤدي أدوارها كشخصيات إماراتية وفلسطينية، وأخرى من “الموساد” نجحت
شرطة دبي في كشف تسللها إلى الإمارة بهويات مزورة لارتكاب الجريمة .
القليل المعروف عن السيناريو أنه سيركّز على موضوع الكاميرات التي التقطت
المجرمين من بين ما سيركز عليه في العملية التي ربما وجدتها “هوليوود”
قالباً لتشويق جاسوسي . لكن ما هو غير معروف بشكل موثّق مكمن القلب من
العملية بأسرها .
أهم الأسئلة أي موقف سيتبنّى الفيلم حيال العملية التي وقعت؟
الفيلم لديه، في الأساس ثلاثة اتجاهات: إما أن يلعبها آمنة لكل الأطراف،
وهنا لديه اتجاهان: لعبها آمنة عن طريق الاستناد إلى الوثائق وحدها، أو
لعبها آمنة عن طريق الالتزام الدرامي بالوقائع من دون تحيّز . وإما أن
يُدين “الموساد” في عمليّته كما أدانته أطراف غربية عدّة وإما أن يدين
المبحوح وحماس وينتهز الفرصة لقلب الحقائق وتصوير “الموساد” على أنه “إنما
كان في حالة الدفاع عن النفس” تبعاً لحالة تضليل مماثلة يقوم بها الكيان
الصهيوني كلّما قام باعتداء وتنفيذ مهمات قتل واغتيال .
من ناحيته، لم يبد الكاتب اتجاهاً ما حيال ما هو عربي أو إسلامي، إلا حين
وضع نسخته من فيلم “أربع ريشات” وهو الفيلم المنقول عن رواية أدبية لكاتب
بريطاني باسم
A.E.W.MASON
.
حولت إلى الشاشة الكبيرة خمس مرّات إلى اليوم أولّها عام 1921 في فيلم
صامت، ثم في الأعوام 1929و 1939 و1978 ثم النسخة التي كتبها أميني ونفّذها
الهندي شاخور كابور سنة 2002 . معظم هذه النسخ، بما فيها نسخة أميني، لم
تكترث لتقديم فهم صحيح للحملة البريطانية الاستعمارية على السودان، كما
الرواية، ولا منح الشخصيات العربية بعداً إيجابياً ما . إذا كانت معالجة
أميني للعملية الإجرامية ل”الموساد” تتبع منهجه في نسخته من “الريشات
الأربع” فإن ذلك قد لا يدعو للاطمئنان .
سينما بديلة
"بهية
ومحمود"
لابد أن ما استأثر باهتمام لجنة التحكيم في مهرجان “تاورمينا” الأخير
بالنسبة إلى فيلم زيد أبو حمدان “بهية ومحمود” شيء لم يلفت نظر كثيرين من
الذين سبق لهم أن شاهدوا هذا الفيلم القصير على شاشة مهرجان دبي السينمائي
الدولي في دورته الماضية، ذلك لأن إعجاب لجنة التحكيم بالفيلم دفعها إلى
منحه الجائزة الأولى بين الأفلام القصيرة .
إلى هذا يعرض الفيلم حالياً في مهرجان بالم سبرينغ الأمريكي المخصص للفيلم
القصير . ويلفت أنظار بعض المهتمّين بشؤون هذه السينما التي تتكاثر فقط حين
تجد تجمّعاً أو مهرجاناً تُعرض فيه . ما عدا ذلك، السينما القصيرة، عربية
كانت أو غير عربية، مهملة خصوصاً من القنوات التلفزيونية والعروض
السينمائية التي تستطيع، إذا ما رغبت، منح نافذة أسبوعية لإطلالة فيلم قصير
يسبق الفيلم الطويل . وحقيقة أن الصالات الأمريكية لا تفعل ذلك (وهي كانت
تفعل ذلك منذ زمن بعيد) لا يعني أن على أصحاب الصالات النوابغ حذوا حذوها
في هذا، فلكل مجتمع متطلّباته ومسؤوليتنا جميعاً أن نمارس ما هو، بالنتيجة،
فعل إيمان بالوطن الذي نقيم فوقه .
“بهية ومحمود” يستأثر بالاهتمام على الفور: زوجان عجوزان يصحوان على
أنغام اليوم ذاته كل يوم: تذمّر وشكوى ونهر ونقد . يلوك الزوج كلماته
مستسلماً حيناً ومعارضاً حيناً آخر ولا تكف الزوجة عن التذمّر من خصاله
وعاداته والطلب منه أن يفعل ما تقول .
علاقتهما زوجية بالكامل بما في ذلك اعتيادهما على المنوال ذاته كل يوم .
إنها حياة غير محتملة يتحمّلها الاثنان على مضض وسريعاً ما سيكشف المخرج
زيد عن السبب: في أحد الأيام يفتقد محمود بهية . يناديها في أرجاء البيت
ولا يجدها . يخرج إلى الطريق منادياً في الوقت الذي تعود فيه لتجد البيت
خاوياً فتنطلق بدورها للبحث عنه . يجد كل منهما الآخر ويعودان معاً إلى
البيت والمشاهد يدرك هنا أنهما بقدر ما يحتاج كل منهما للآخر، سيبقى الوضع
بينهما على حاله .
الحكاية بسيطة بمدلولات موازية في بساطتها، لكن المخرج يعرف ما ينجزه حينما
يلقي أمام المشاهد الوضع ويرقبه، ثم يتبعه بمنعطف عاطفي حاد وذكي الدلالات
. شأن السينما القصيرة هو تقديم الحالة وليس إيجاز وضع أو تلخيص حكاية
كبيرة الطروحات . وهذا ما فعله، بقدرة تدعو للإعجاب، المخرج الشاب زيد أبو
حمدان .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
03/07/2011
أول قاعة سينمائية مخصصة للنساء مع وجبة صحية
ساخنة
رسالة قطر خيرية البشلاوي
يوم الأربعاء الماضي تم افتتاح أول دار عرض سينمائي لجمهور النساء
فقط.. حضر حفل
الافتتاح عدد من القطريات بالإضافة إلي عدد من الرجال العاملين في حقل
السينما وفي
مؤسسة اسباير زون "Aspaire zone"
التي قامت بتأسيس هذا النادي الخاص في مدينة
الدوحة والذي يقال انه الأول من نوعه في الشرق الأوسط فلم نسمع عن سينما
يقتصر
جمهورها علي النساء وهو الأمر الذي يطرح تحديا أمام المرأة القطرية لأنه
عليها
وحدها يتوقف نجاح هذه التجربة من عدمه.. برنامج السينما يتضمن
ثلاثة عروض اسبوعيا
والدار نفسها تأسست بأفضل مستوي فني ومقامة علي درجة ملحوظة من الأناقة
وتضم 154
مقعدا فهل تمتليء هذه المقاعد بالجمهور الخاص الذي أعدت هذه الدار من
أجله؟!
ولقد كان لي حظ المشاركة في هذا الحفل الذي حضرته أيضا الممثلة
الخليجية
ميساء مغربي وهي بالمناسبة من الممثلات القليلات اللاتي درسن الفنون
الدرامية في
لندن وتجدها علي درجة كبيرة من المعرفة بأصول فن التمثيل وقد ألقت كلمة
قصيرة تدل
علي وعيها السينمائي وإيمانها بقدرة السينما علي التأثير. قالت
ان السينما ترشدنا
إلي مناطق القوة والضعف في الانسان العادي وتكشف عن أوجه الحياة بطرق
مختلفة. فنحن
في الوطن العربي في حاجة أن نؤمن بأنفسنا من أجل أنفسنا حتي نستطيع أن نطور
صناعة
الفيلم في منطقة الخليج.
وبعد انتهاء حفل الافتتاح صعدت النساء إلي حيث توجد
السينما في المبني الفخم الذي يضم العديد من النشاطات الأخري صعدت للفرجة
علي أول
فيلم روائي طويل تنتجه وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية
بعنوان "عقارب
الساعة" الذي تلعب فيه ميساء دور "الجنية" الطيبة التي تسكن البحر وتمتلك
أسرارا من
شأنها أن تنقذ بطل الفيلم وهو مغني عجوز يبدع أنغامه باستخدام الطبلة ويبيع
الساعات
القديمة في البلد العتيق الدوحة المطل علي الخليج.
قصة الفيلم الذي أخرجه المخرج
القطري خليفة المريخي الذي درس السينما في أمريكا تستمد أجواء
الأسطورة التي شاعت
وسط سكان الخليج منذ زمن بعيد وتدور حول شخصية خلف الطبال صاحب الصوت
الجميل.
ومن خلال شخصية هذا الانسان الطاعن في السن صاحب البشرة السوداء التي
تشير ربما إلي أصله الافريقي يستحضر المخرج الزمن الماضي بفنونه الفريدة
ومنها فن "الفيجري" Fjiry
وهو عبارة عن أغنيات البحر التي يرددها الجان الذين يسكنونه والتي
انتقلت من الجن إلي الإنسان ومن يحظي بتعلمها من البشر فعليه
أن يحتفظ بها لنفسه
ولا يكشف عنها ولا عن أسرارها وإلا لقي حتفه.
بطل الفيلم سعد الذي اختصه الجن
بسر "الفيجيري" يجسد جزءا من ماضي هذه المنطقة وحكايته تعود
إلي ميراث ثقافي وفني
ضارب الجذور وهو الميراث الذي يمزج الأسطورة بالخيال الروائي بالواقع لصيق
الصلة
بالبحر والصيد وبالحياة الصحراوية البدائية وما كان يرتبط بها من ملامح
خاصة وثقافة
مميزة.
حاول المخرج خليفة أن يبعث أجواء المكان بخصوصياته المرئية وديكوراته
المستوحاة من الماضي ومفرداته المميزة المعبرة عن البيئة وبقدر الامكان
يضفي علي
التفاصيل روح أجواء الأسطورة بتوظيف عنصر الإضاءة والصوت
والمؤثرات. ولعل أفضل
العناصر في هذه التجربة الأولي علي المستوي الفيلم الروائي الطويل امكانيات
المخرج
التي تحتاج حتي تحقق أفضل النتائج توفر الجانب التمثيلي الذي ظهر كأضعف
عناصر
الفيلم باستثناء الممثلة المتمرسة ميساء وكان دورها في الفيلم
محدودا علي أي حال..
التمثيل مسرحي بطيء والحبكة ينقصها الاحكام وقوة الخطوط السردية كما بدت
بعض العيوب
في عنصر المكياج.
في كلمته ألقاها مخرج الفيلم الذي حضر هذه المناسبة وأبدي
سعادته لاختيار الفيلم كأول عمل يشاهده جمهور النساء في أول دار خاصة بهن
قال: ان
انتاج هذا العمل كان مرهقا للغاية. وقد استغرق وقتا طويلا ورغم
ذلك فإنه يشعر
بالفخر للقيمة الفنية التي حققها والتي تضاهي المستويات الفنية العالمية في
صناعة
الفيلم.
الفيلم اعتمد علي كثير من العناصر الفنية غير القطرية لتحقيق المستوي
الفني. فالسينما في قطر حتي تكتمل كصناعة وطنية تحتاج إلي كوادر مبدعة في
مجال
الأداء التمثيلي السينمائي وإلي حرفية كتابة السيناريو وأعتقد
ان المؤسسة القطرية
للسينما بإمكانها أن تستثمر جانبا كبيرا من امكانياتها في تكريس فنون
السينما
وتربية الكوادر الشابة علي أسس حديثة بعد أن أصبح وسيط الفيلم الآن "معرضا"
لأفضل
ما وصلت إليه تقنيات الصورة والتكنولوجيا الرقمية وخصوصا ان "قطر" عرفت
السينما
والانتاج الروائي منذ السبعينيات من القرن الماضي حيث أنتج تليفزيون قطر
فيلم
"الشراع الحزين" وفيلم "حارس الفنار" والفيلم التليفزيوني "دانة" الذي
فاز بجائزة
مهرجان قرطاج.
ولقد تعثر الانتاج السينمائي في منطقة الخليج بشكل عام بعد تجارب
أولية مبشرة في الكويت والبحرين وفي قطر نفسها ولكنه بدأ وان كان علي
استحياء في
النهوض من جديد.
ومع حالة الرواج الاقتصادي والإعلامي والثقافي بدأ الشباب في
هذه المنطقة يلتفت إلي دراسة السينما وبدأت المؤسسات الوطنية تبدي اهتماما
ملحوظا
لهذا الفن.
في دولة الامارات وفي قطر نفسها شهدت صحوة لافتة في عمل الأفلام
التسجيلية والوثائقية ومن انتاج جيل من المخرجين الشباب.
وفي مقاله عن فيلم
"عقارب الساعة" يشير عبدالرحمن النجدي إلي هذه الصحوة السينمائية
اللافتة ليس فقط
في مجال الفيلم الروائي وانما أيضا في مجال الأفلام التسجيلية والوثائقية
مشيرا إلي
ما حققه خليفة المريخي نفسه الذي أخرج قبل فيلمه الروائي الطويل الأول الذي
شاهدناه
مجموعة من الأفلام القصيرة منها فيلم "سوق واقف" عن أحد أشهر
الأماكن في مدينة
الدوحة التي تمت إعادة بعثها ولكن مع الاحتفاظ بالملامح القديمة وكأحد أقدم
الأسواق
في قطر. أصبح "السوق" مكانا جذابا جدا لنشاطات ثقافية واجتماعية وتجارية
وساحة لعدد
من المقاهي والمطاعم المتنوعة التي تستعرض أمزجة وذوق ونكهة الأطباق
الشهيرة للدول
العربية المختلفة "المطعم اللبناني. والمغربي والمصري. الخ".
من أفلام الخليفي
أيضا التسجيلية فيلم "نقطة قوة" الحائز علي الجائزة الذهبية في مهرجان
القاهرة
للإذاعة والتليفزيون.
المفارقة الطريفة ان الفيلم السينمائي القطري الأول الذي
تم اختياره للعرض في أول دار عرض سينمائي مخصص للنساء لا يضم سوي امرأة
واحدة ليست
من أصل الإنس ولكنها من عالم الجن تسكن البحر وعينها علي شاب
حائر وتعيس من أهل
البر تلتقيه علي الشاطيء وتبوح له بالسر وتمنحه "ترياق" يبدد السحر وينجي
والده من
الدمار المحقق.
لكن لعل "عقارب الساعة" الآن تتجه إلي المستقبل ولا تدور نحو
الماضي إلا للتذكرة بأن لهذه الأرض ذاكرة ولأبنائها أمل في المستقبل.
وجودهن حقيقة ساطعة .. وإسهامهن لا يمّكن تجاهله
في عالمنا العربي ظهرت المرأة منذ العشرينيات في القرن الماضي كصانعة
للفيلم. لا
تكتفي بالوقوف أمام الكاميرا وإنما خلفها تحرك طاقم الممثلين وتحرك أحداث
الحكايات
باستخدام لغة الصور المتحركة التي ابتكرها الغرب ثم تبناها الفنانون في
الشرق الذين
ربما امتلكوا من الحكايات الجذابة ما يغطي ليس فقط حاجتهم المحلية وإنما
أيضاً حاجة
الفيلم الغربي.
عشرات الحكايات الخيالية المستمدة من ليالي الشرق العربية وليالي
ألف ليلة وليلة اقتبستها الأفلام الأمريكية والأوروبية علي طول امتداد
تاريخ
السينما وصنعت بها أعمالا جذبت خيال الغرب وشدته إلي عوالم
الشرق بأجوائه الغريبة.
وعشاق السينما وباحثوها يتذكرون "فاتيما" أول إمرأة عربية تظهر في شريط
غربي ضمن
الشرائط المتحركة التي كانت تعرض في المعارض والأسواق الأمريكية ضمن ألعاب
التسلية
التي يتوق إليها رواد السوق.
ظهرت "فاتيما" في معرض شيكاغو الدولي أوائل القرن
الماضي. مباشرة بعد ابتكار الصور المتحركة وحركت بظهورها شهية الخيال
المرئي فهي
امرأة ليست كسائر النساء جذابة الملامح مغرية. تستخدم لغة الجسد والعيون
وتثير
الفتنة وتحرك الغريزة وتشيع جواً غريبا من الإثارة والفتنة.
وفي العشرينيات ظهرت
هنا في مصر حفنة من النساء المصريات تعرفهن بالاسم : بهيجة حافظ. فاطمة
رشدي. عزيزة
أمير وبعدهن ظهرت موجات أخري من أجيال أصغر. وأكثر طموحاً علي مستوي
التعبير والحكي
الروائي ليس فقط في مصر وإنما أيضاً في لبنان والجزائر وتونس
والمغرب.
ظهرت
هؤلاء النسوة وشقت كل واحدة طريقها في صناعة يسيطر عليها الرجل. وداخل
مجتمعات
بطريركية محكومه بميراث طويل من التقاليد والقيم الاجتماعية المحافظة التي
تضع
المرأة في مرتبة أدني.
وتنوعت تجربة المرأة المخرجة نفسها نتيجة اختلاف الظروف
والمادة الموضوعية التي تستمد منها الأفلام بالإضافة إلي اختلاف وتنوع
الخلفية
الاجتماعية والذاتية لكل واحدة أعني أيضاً اختلاف النشأة
والبيئة والتعليم وأضف
كذلك إلي الاختلافات والتباين في الطريقة التي تنظر بها كل واحدة منهن إلي
ذاتها.
محكومة في نفس الوقت بوجهة نظر ودوافع
متباينة بالنسبة لوسيط الفيلم.. بعضهن يثير
الجدل. وبالتأكيد تختلف بنفس القدر ردود فعل الجمهور إزاء
تجاربهن.
فكل مخرجة
تتشكل حياتها في إطار من التقاليد والواقع الاجتماعي الذي يتشكل منه وعيها
وأولوياتها.
وبالنظر إلي المجتمعات العربية سوف نلمح اختلافاً في الظروف من بلد
لآخر. وسنلمح اختلافات في البيئة والتاريخ والجغرافيا والموروث الثقافي
الحضاري
والفني.
وهناك في عالمنا العربي "تابوهات" تمثل خطوطاً حمراء في عملية الخلق
الفني. بعض النسوة يرفضن التصوير حتي الآن. باعتباره عملاً محُرما يرفضه
الزوج. ومن
الممكن أن تكون هذه المرأة التي ترفض التصوير في المناسبات العامة حتي لا
تنشر
صورتها في الصحف ويراها كثيرون في اليوم التالي. امرأة عاملة
ومتزوجة من رجل مهم بل
تشغل مكانة مرموقة في مجتمعها وقد لا تمثل المرأة التي تعمل بالاخراج
السينمائي
النموذج الدارج في المجتمع لكنها تعبر من خلال أفلامها عن وضعية المرأة في
مجتمعها
وتلقي الأضواء علي الأفلام التي تكتبها والظروف التي تعوق حركتها
واسهاماتها.
هناك مخرجات عربيات كسرن هذه الحواجز وتجاوزن الخطوط الحمراء وعالجن
الأشياء المسكوت عنها في المجتمعات العربية. ولكن إنتاج هؤلاء لا يجدن
ترحيباً
كبيراً وسط الجمهور العربي المعني بهذه الموضوعات. وإنما
الترحيب الأكبر فضلاً عن
الجوائز تجده في بلاد الغرب عند جمهور انجذب منذ أكثر من قرن إلي "فاتيما"
ويدفعه
الفضول الي رؤية "ألبومات" متنوعة عن "فاتيما" وما طرأ علي حياتها طوال
المدة
الزمنية المختلفة في مجتمعات لم تطرأ عليها تطورات جذرية في نظرته للمرأة.
ولست
علي أي حال من أنصار التيار السنوي في مجال السينما. لأن كل هؤلاء المخرجات
البارزات منهن والمحيطات أنجزن إبداعهن بالتضامن مع الرجل. ورأيي أن
"تحرير" عقل
الرجل و"تنفيض" إرثة الثقافي الذي يشكل مفهومه وموقفه من المرأة. هو خير
ضمان
للمرأة في مسيرتها الإبداعية وعراكها لازالة العراقيل والسدود التي تحول
دون تقدمها
ومن ثم تقدم المجتمع العربي ككل.
المساء المصرية في
03/07/2011 |