حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"أرض لا أحد" فتح أمامها أبواب العالمية

سينما البوسنة أسيرة الحرب

محمد رُضا

أدّى فوز فيلم “أرض لا أحد” للمخرج دنيس تانوفيتش بأوسكار أفضل فيلم أجنبي سنة 2001 إلى إثارة انتباه الوسط السينمائي العالمي بالسينما البوسنية . حقيقة أنه حتى لبضع سنوات خلت (1992 تحديداً) لم تكن هناك دولة اسمها بوسنيا وهرزيغوفينينا أساساً وحقيقة أن الحرب الأهلية التي اندلعت بعد انهيار يوغوسلافيا دفعت دول العالم للتدخل لوضع حد لها وايقاف حملات الإبادة الصربية ما كوّن مرجعاً مؤيداً للدولة الفتيّة كان له أثره في ايصال ذلك الفيلم الى السدّة . هذا لا يعني أن الفيلم نفسه لم يكن يستحق بل يعني فقط أن فوزه لم يثر استغراباً او استهجان أحد ومنح الدولة التي مثّلها أوّل موطئ قدم دولي على الصعيدين الفني والثقافي بشكل عام .

في العام الذي انتجت فيه بوسنيا هذا الفيلم شهدت إنتاج خمسة أفلام أخرى . اثنان قصيران وثلاثة طويلة، وإثنان من الأفلام الطويلة كانا من إنتاج تلفزيوني . الفيلم الثالث كان من تمويل بولندي بعنوان “قائمة” وإخراج البوسني دانيال حسنوفيتش .

في العام التالي لم تكن هناك أفلام تذكر، لكن الحرب، وهو الموضوع الذي تناوله “أرض لا أحد” برز في فيلم قصير بعنوان “نجوت وبقيت حياً” لألما بشيروفيتش حصد جائزة من مهرجان أوبرهاوزن الدولي . لكن العام التالي 2003 شهد فورة أفلام مرجعها النجاح الذي أنجزه “أرض لا أحد” (أقيمت حفلة الأوسكار سنة 2002 ما تطلّب بعض الوقت للمنتجين المحليين اطلاق ما أمكن إطلاقه من مشاريع) . من هذه الأفلام “إعادة صنع” لدينو مصطفيتش الذي تعامل مع الحرب البوسنية من مطلعها وفي ذات الوقت سبر غور التاريخ عبر رصده حياة ثلاثة أجيال متعاقبة من عائلة بوسنية .

بيير زاليتشا أخرج في العام ذاته “فتيل” متحدّثاً أيضاً عن ساراييفو الخارجة من الحرب المدمّرة، كذلك فعل فيلم ياسميلا زبانيتش “صور من الركن” الذي صوّره مصطفى مصطفيتش .

منذ ذلك الحين لم تتوقف السينما البوسنية عن التعامل مع الحرب . حجم الأفلام التي أخرجتها عن تلك الحرب التي استمرت نحو أربع سنوات يزيد على حجم الأفلام التي انتجتها السينما اللبنانية عن الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت ست عشرة سنة . كذلك في حين أن الأفلام اللبنانية حول تلك الحرب بدأت قويّة ثم ضعفت فيما يشبه حالة التردد من البقاء أسيرة تلك الذاكرة السوداء، فإن السينما البوسنية لا تزال تتعامل معها مثيرة بذلك اهتماماً متجدداً نسبة لما توفّره من وجهات نظر مختلفة حولها . وأفلام ياسميلا زبانيتش مثال على ذلك ففي العام ،2007 وهو العام الذي خرج فيه فيلم جيّد آخر من تمويل ألماني كرواتي حول حياة ما بعد الحرب البوسنية بعنوان “أرمن”، قدّمت عملها الروائي الطويل الأول “أرض أحلامي” حول أم وابنتها الشابّة تعيشان حياة ما بعد الحرب وتحاولان التأقلم معها، كما التغلّب على المشاكل القائمة بينهما .

إنها ذات المخرجة التي قدّمت في مطلع هذا العام فيلمها الجديد “على الدرب” الذي يُلقي الضوء على موضوع مثير آخر هو المتغيّرات التي تصيب الحياة البوسنية بفعل انتشار موجة التشدد . حكايته قائمة على التعريف بزوجين شابين من الجيل المتحرر الى أن يلتقي الزوج بصديق قديم وهذا يجلبه الى معسكر أقيم في الريف القريب يتم فيه تعليم الدين وإنشاء نواة لبيئة تختلف عن البيئة الإسلامية في المدن الكبيرة . تلاحظ الزوجة التغيير الكبير الذي حدث لزوجها وعليها الآن أن تبحث عن حل لا تجده الا بالإفتراق . الفيلم لا يُدين ولا ينتقد، لكنه يصوّر الوضع الخاص ببطلته غير المستعدّة للذهاب مع زوجها في رحلة اكتشاف الذات .

هذا العام، تذكر مصادر، أن هناك أفلاماً بوسنية جديدة سترى النور على شاشتي مهرجان سراييفو الدولي الذي أصبح واحداً من أهم المهرجانات الأوروبية، بالإضافة الى فيلم بعنوان “بعض القصص الأخرى” وهو فيلم مشترك بين عدد من الدول البلقانية التي برزت الى الوجود بفعل تلك الحرب وهي بوسنيا وصربيا وكرواتيا وماسادونيا وسلوفانيا . كل من هذه الدول (أو المقاطعات في بعض الأحيان) عنوان فيلم من الأفلام الخمسة التي يتكوّن منها “بعض القصص الأخرى” . المخرجة البوسنية إينيس تانوفيتش تقدّم عملاً وُصف بأنه أعمق هذه الأفلام وأكثرها شغلاً على الأسلوب ويدور حول هجرة عائلة بوسنية من قرية مهددة وكيف تعاملت مع حياتها الجديدة في البلدة الأخرى التي حلّت فيها . 

"نفس مقطوع" تحفة فنية عمرها نصف قرن

في السادس عشر من مارس/آذار سنة 1960 شهدت صالات باريس عرض فيلم جديد شكّل ولادة مخرج لا يزال يُثير إلى اليوم تساؤلات كثيرة حول أعماله وفلسفته السينمائية والسياسية وهو جان-لوك غودار . الفيلم المذكور كان “نفس مقطوع” كتبه غودار عن قصّة قصيرة لزميله فرانسوا تروفو حين كانت العلاقة بينهما جيدة . وكان غودار وتروفو من نجوم النقد السينمائي الفرنسي الجدد آنذاك كونهما عملا معاً في مجلة “كاييه دو سينما” المعروفة وقاما قبل ذلك العام بإخراج أفلام قصيرة . لكن تروفو استطاع سنة 1959 تحقيق أوّل فيلم طويل، وهو “400 نفخة” علماً بأن غودار كان جهّز “نفس مقطوع” للتصوير قبله .

فيلم غودار أثار الاهتمام من لحظته الأولى لكن ليس الاهتمام التجاري بل النقدي، ذلك أن أسلوباً مختلفاً ساد ذلك الفيلم وجعله في نظر العديدين تحفة سينمائية خاصّة . إنه عن شاب اسمه ميشيل (جان-بول بلموندو) يقتل شرطياً بعد أن سرق سيّارة وانطلق بها خارج المدينة . بعد الجريمة يصل الي باريس (التي يكرهها) ويعاود التقاء امرأة شابّة تعرّف إليها اسمها باتريشيا (الراحلة جين سيبرغ) مفصحاً عن حبّه لها . وهناك جزء منتصفي طويل من الفيلم يدور في غرفة فندق يتبادلان فيه الكثير من الحديث الكاشف عن نقاط نفسية وعاطفية ستقود لما سيلي . بعد ذلك الفصل الطويل يلتقطهما المخرج وهما ينتقلان من مكان الى آخر بحثاً عن الرجل الذي سيرد لميشيل ديناً، هذا في الوقت الذي كان فيه البوليس يكثّف جهوده لإلقاء القبض على القاتل . في مراجعة ذاتية، تقرر باتريشيا الاتصال بالبوليس وإعلامهم بمكان ميشيل ما ينتج عنه مقتله .

من الممكن ملاحظة الكثير مما آلت إليه سينما جان-لوك غودار خلال نصف قرن . “نفس مقطوع” يتضمّن عناصر فنية تخلّى عنها المخرج لاحقاً وأخرى حافظ عليها وتتبدّى في فيلمه الأخير “اشتراكية فيلم” بوضوح . من بين تلك العناصر التي استغنى المخرج عنها سرد الحكاية بالكاميرا . تلك السحبات الطويلة للكاميرا تمشي أمام او وراء الشخصيات (“ترافلينغ شوتس”) ارتبطت برغبته آنذاك سرد قصّة . لاحقاً في أواخر الستينات، لم تعد القصّة تشكّل همّاً او حاجة، بالتالي هذه الحركة الراصدة للكاميرا توقّفت . ما حل بديلاً هو لقطات محددة يؤدي رصفها من دون وصلات ومشاهد إيضاحية الى تعزيز دور المونتاج وتصميم الفيلم كحالة معادية تماماً لأية معالجة ذات طرح روائي .

في المقابل، هناك مشهد في “نفس مقطوع” يشهد بأن المخرج كان يفكّر في أسلوبه التعبيري المختلف منذ ذلك الحين: إنه حين تجالس باتريشيا، التي تأمل في أن تصبح صحافية، مؤلّف روائي يغرق في الحديث عن نفسه . اللقطات الطويلة عليه تتميّز باختفاء فقرات منها على نحو يجعل الصورة تقفز قليلاً في كل مرة . هذا مردّه الى أنه وقت المونتاج قام غودار بحذف كادرات من المشهد ولم يأبه لمزج ما سبق وما لحق بكل كادر محذوف حتى يتجنّب هذه الرجفة في التتابع . هذا واحد من الملامح التي مارسها الى اليوم .

فيلمه الجديد “اشتراكية فيلم” يختلف تماماً عن “نفس مقطوع” وأفلام غودار اللاحقة في الستينات مع ملاحظة أنه كلما تقدّم غودار في مشواره آنذاك كلما اختلف فيلمه الأخير عن سابقه . بذلك “الجندي الصغير” يختلف عن “نفس مقطوع” و”ازدراء” عن “الجندي الصغير” كما “الفافيل” عن “إزدراء” . هذا الى أن رمى المخرج سلاح السرد القصصي الواضح من دون أن يتخلّى عن العمل الروائي، وهذا هو لبّ فيلمه الجديد “اشتراكية فيلم” . إذ إن غودار هنا ليس تسجيليا وليس قصصياً، بل منفّذ لأفكار ثقافية وسياسية أراد لها شكلاً لا يشبه شكل أي فيلم آخر على وجه الأرض . وهو حقق ذلك بجدارة متناولاً التاريخ والحاضر كزمانين على مستوى واحد من الأهمية: الأول أدّى الى الثاني . وهو يجد بحق أن القضيّة الفلسطينية تتويج لهذه العلاقة بين الزمانين، مديناً الدور الأوروبي في دفع الوضع الى الحالة الحاضرة . لتنفيذ ذلك، لا يحتاج غودار حتى لمشاهد عينية للحصار وللحرب او للنضال مكتفياً بأنه يقول ما يؤمن به وبأسلوبه الخاص . 

علامات

أول حريق في صالة سينما

* باريس . الرابع من أيار/ مايو 1879

* المكان شارع جان غوجون، غير البعيد عن الشانزليزيه

في مثل هذا التاريخ من كل عام، تعوّدت سيدات المجتمع الفرنسي إقامة سوق خيري لجمع التبرّعات . المختلف هذه المرّة كان نصب حجرة كبيرة يعتقد أنها كانت من قماش لعرض سينمائي يحتوي على أفلام قصيرة بعضها، كما كتبت صحيفة “لو بيتيت جورنال” آنذاك، دعائية .

وكانت السينما ما بين تاريخ تقديم لوميير لعرضهم التجاري الأول في نهاية العام 1895 والتاريخ المذكور وبدت كما لو أنها وهج وانطفاً . الجمهور أقبل على مشاهدة “لعبة” مصوّرة كل منها تستمر نحو دقيقة لتعرض وصول قطار او مغادرة آخر او دخول متجر او تقديم اسكتش بسيط . في ذلك الحين بدأت بعض المتاجر بتصوير أفلام لواجهاتها الخارجية ودخول وخروج الزبائن منها . لا ندري تحديداً ما هي الأفلام التي كانت ستعرض في ذلك اليوم في ذلك اليوم، لكن السوق نفسه كان مزدحماً بالناس في بعد ظهر ذلك اليوم والحجرة شملت عدداً كبيراً من الأولاد والفتيات، بما فيها حجرة العروض التي كانت أكبر من الحجر والأكشاك الأخرى المنتصبة .

لدخول الحجرة كان هناك ممر طويل يسمح بمرور شخص واحد فقط فيه . هذا على الأغلب لضبط حركة الدخول وشراء التذاكر . الكهرباء لم تكن متوفّرة ووسيلة العرض على الشاشة كانت سائل الإتير سريع الالتهاب الموصول بمصباح عارض للصورة . خلال العرض انطفاً ضوء المصباح . الموظّف حاول إشعاله مرّة أخرى، لكن النار سريعاً ما انتشرت من موقعه الخلفي لتلتهم الصالة أولاً ثم تنتشر خارجها آتية على جزء السوق المشيّد . عدد الضحايا وصل إلى 140 قتيلاً .

الوقع كان من الشدّة بحيث أن الصحف أبرزته لا في فرنسا فقط، بل خارجها أيضاً . صور مرسومة تظهر نساء سقطن أرضاً ورجالاً يحاولون مساعدة بعضهن بينما النار تلتهم كل شيء قريب وأخرى لمحاولات هروب من جمع متدافع وثالثة لبشر تكوموا فوق بعضهم . ومع أن التحقيقات التي أجريت أظهرت أن المأساة تعود إلى العارض الذي لم يتّخذ ما يكفي من الحيطة الا أن السينما نالت القدر الأكبر من عبء المأساة مع دعوات بمنع آلات العرض والعروض ذاتها كافّة . لكن حسب مجلة “مويز” التي كانت تصدر في السبعينات، فإن الحريق لم يؤد فقط الى فرض شروط عروض صارمة، بل الى استغلاله لفرض أول ملامح الرقابة على الأفلام .

أحد الأسباب الأساسية التي من أجلها انتشر خبر المأساة على نحو عبر المحيط الى الولايات المتحدة ذاتها، حقيقة أن معظم الضحايا كن من سيدات المجتمع، ما دفع بعض المؤرخين للتأكيد على أن الحادثة لو جرت في بيئة من الطبقة الفقيرة لما حظيت بهذا القدر من الاهتمام الإعلامي الكبير . على أي حال، تناقلت الصحف حينها شهادات بعض الناجين عن كيف أن رجال المجتمع المخملي ذاك كانوا يضربون النساء اللواتي أمامهن بالعصي والزجاجات ليسقطن حتى يتسن لهم الهرب وإنقاذ أنفسهم . في حين أن الطبّاخين وموظّفي أحد الفنادق القريبة، كما كتب المؤرخ البريطاني ديفيد روبنسون، هم الذين تدافعوا لإنقاذ النساء الأرستقراطيات معرّضين أنفسهم لخطر الحريق . أمر لم يفت السلطات الفرنسية فمنحتهم أوسمة شرف . أحد هؤلاء كان اسمه جورج وقصّته تم تداولها كما لو كانت فيلماً سينمائياً بحد ذاته ومفادها أن زوجته هجرته وفي عهدته ابنتهما الصغيرة رغم دخله المحدود . رغم ذلك خاطر بحياته لإنقاذ الآخرين .

م .ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

13/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)